المغني - كتاب الشركة من مصنف المغني لموفق الدين أبي محمد عبد الله بن قدامة المقدسي الحنبلي
(الجزء الرابع عشر – كتاب الشركة) • كتاب الشركة o ثبوتها بالكتاب والسنة والإجماع فصل: حكم مشاركة اليهود والنصارى o مسألة: شركة الأبدان فصل: شركة الأبدان مع اتفاق الصنائع واختلافها فصل: قول أحدهما أنا أتقبل وأنت تعمل والأجرة بيني وبينك فصل: الربح في شركة الأبدان على ما اتفقوا عليه فصل: إن عمل أحدهما دون صاحبه, فالكسب بينهما فصل: إن اشترك رجلان, لكل واحد منهما دابة على أن يؤجراهما فالربح بينهما فصل: اشتراك قصار وآخر في العمل فصل: دفع رجل دابته إلى آخر ليعمل عليها فصل: قفيز الطحان فصل: اشتراك رجل بدابة, وآخر بإكاف وجوالقات فصل: اشتراك ثلاثة: أحدهم بدابة, والآخر براوية والثالث بالعمل o مسألة: أنواع الشركة الجائزة والمضاربة والوجوه والعنان فصل: يجوز جعل رأس المال الدراهم والدنانير، فأما العروض ففيها خلاف فصل: حكم النقرة كحكم العروض فصل: لا تصح الشركة بالفلوس فصل: لا يجوز أن يكون رأس مال الشركة مجهولا ولا جزافا فصل: صحة الشركة مع اختلاف المالين في الجنس فصل: لا يشترط تساوي المالين في القدر فصل: لا يشترط اختلاط المالين إذا عيناهما وأحضراهما فصل: إذا وقعت الشركة فاسدة فصل: شركة العنان مبنية على الوكالة والأمانة فصل: الأمور التي يمتنع على الشريك فعلها كمكاتبة الرقيق والعتق على مال فصل: هل يجوز للشريك أن يبيع نساء؟ فصل: إن أخذ أحدالشريكين مالا مضاربة فربحه له, ووضيعته عليه دون صاحبه فصل: الأمور التي تبطل بها الشركة من العقود الجائزة كموت أحد الشريكين وجنونه والحجر عليه فصل: إن مات أحد الشريكين, وله وارث رشيد فله أن يقيم على الشركة وله المطالبة بالقسمة فصل: شركة المضاربة وهي القراض فصل: حكم المضاربة حكم شركة العنان فصل: الجمع بين الشركة والمضاربة فصل: إذا دفع إليه ألفا مضاربة, وقال: أضف إليه ألفا من عندك واتجر بهما والربح بيننا, لك ثلثاه ولى ثلثه، جاز فصل: اشتراك بدنين بمال أحدهما، وهو أن يكون المال من أحدهما والعمل منهما فصل: إن شرط أن يعمل معه غلام رب المال, صح فصل: شركة المفاوضة نوعان النوع الأول النوع الثاني o مسألة: والربح على ما اصطلحا عليه فصل: من شرط صحة المضاربة تقدير نصيب العامل فصل: المضاربة على قدر مجهول فصل: إن قال: خذ هذا المال فاتجر به وربحه كله لك كان قرضا لا قراضا فصل: دفع المال إلى اثنين مضاربة في عقد واحد فصل: إن قارض اثنان واحدا بألف لهما, جاز فصل: إذا شرطا جزءا من الربح لغير العامل فصل: الحكم في الشركة كالحكم في المضاربة في وجوب معرفة قدر ما لكل واحد منهما من الربح o مسألة: الوضيعة على قدر المال o مسألة: ولا يجوز أن يجعل لأحد من الشركاء فضل دراهم فصل: وإن دفع إليه ألفين مضاربة على أن لكل واحد منهما ربح ألف, أو على أن لأحدهما ربح أحد الثوبين أو ربح إحدى السفرتين, ونحو ذلك فسد الشرط والمضاربة o مسألة: ضمان المضارب إذا باع نسيئة أو بغير إذن فصل: امتناع السفر بالمال على المضارب والمذاهب فيه فصل: الأمور التي تمتنع على المضارب ويكون حكمه فيها حكم الوكيل فصل: حكم بيع المضارب وشرائه بغير نقد البلد فصل: وللمضارب أن يشتري المعيب, إذا رأى المصلحة فيه فصل: ليس للمضارب أن يشترى من يعتق على رب المال بغير إذنه فصل: شراء المضارب امرأة رب المال وصحته فصل: شراء المأذون له من يعتق على رب المال بإذنه فصل: شراء المضارب من يعتق عليه فصل: شراء المضارب بأكثر من رأس المال فصل: ليس للمضارب وطء أمة من المضاربة فصل: وليس لرب المال وطء الأمة أيضا فصل: إذا إذن رب المال للمضارب في الشراء من مال المضاربة, فاشترى جارية ليتسرى بها فصل: حكم تزويج المضارب ورب المال الأمة فصل: حكم دفع المضارب المال إلى آخر مضاربة فصل: إن أذن رب المال في دفع المال مضاربة جاز فصل: ليس للمضارب أن يخلط مال المضاربة بماله فصل: الأمور التي يمتنع على المضارب فعلها كشراء الخمر والخنزير o مسألة: إذا ضارب لرجل لم يجز أن يضارب لآخر إذا كان فيه ضرر على الأول فصل: إن دفع إليه مضاربة, واشترط النفقة فكلمه رجل في أن يأخذ له بضاعة أو مضاربة ولا ضرر فيها فصل: إن أخذ من رجل مضاربة ثم أخذ من آخر بضاعة, أو عمل في مال نفسه أو اتجر فيه فصل: إذا أخذ من رجل مائة قراضا ثم أخذ من آخر مثلها واشترى بكل مائة عبدا, فاختلط العبدان ولم يتميزا فصل: ضمان المضارب إذا تعدى أو فعل ما ليس له فعله, أو اشترى شيئا نهي عن شرائه فصل: على العامل أن يتولى بنفسه كل ما جرت العادة أن يتولاه المضارب بنفسه فصل: إذا سرق مال المضاربة أو غصب, فهل للمضارب طلبه والمخاصمة فيه؟ فصل: إذا اشترى للمضاربة عبدا فقتله عبد لغيره ولم يكن ظهر في المال ربح o مسألة: ليس للمضارب أن يأخذ ربحا حتى يستوفي رأس المال فصل: إذا دفع إلى رجل مائة مضاربة فخسر عشرة ثم أخذ رب المال منها عشرة, فإن الخسران لا ينقص به رأس المال فصل: حكم شراء رب المال من مال المضاربة شيئا لنفسه فصل: حكم شراء المضارب لنفسه من مال المضاربة, ولم يظهر في المال ربح o مسألة: حكم ما إذا اشترى سلعتين فربح في سلعة وخسر في أخرى فصل: إذا دفع إليه ألفا مضاربة, ثم دفع إليه ألفا آخر مضاربة، هل للمضارب أن يضم أحدهما للآخر قبل التصرف في الأول فصل: أحكام رد الوضيعة على الربح فصل: حكم القراض في المرض فصل: وإذا مات رب المال قدمنا حصة العامل على غرمائه, ولم يأخذوا شيئا من نصيبه o مسألة: لا يجوز للمضارب أخذ شيء منه الربح إلا بإذن رب المال فصل: إن طلب أحدهما قسمة الربح دون رأس المال وأبى الآخر, قدم قول الممتنع فصل: المضاربة من العقود الجائزة, تنفسخ بفسخ أحدهما أيهما كان وبموته, وجنونه والحجر عليه فصل: إن انفسخ القراض, والمال دين لزم العامل تقاضيه فصل: إذا مات أحد المتقارضين أو جن انفسخ القراض o مسألة: اتفاق رب المال والمضارب على أن الربح بينهما والوضيعة عليهما فصل: الشروط في المضاربة تنقسم قسمين: صحيح, وفاسد فصل: تأقيت المضاربة فصل: اشتراط المضارب نفقة نفسه فصل: الشروط الفاسدة تنقسم إلى ثلاثة أقسام القسم الأول: ما ينافي مقتضى العقد القسم الثاني: ما يعود بجهالة الربح القسم الثالث: اشتراط ما ليس من مصلحة العقد ولا مقتضاه فصل: فصول في المضاربة الفاسدة الفصل الأول: إذا تصرف نفذ تصرفه الفصل الثاني: الربح جميعه لرب المال الفصل الثالث: في الضمان o مسألة: لا يجوز أن يقال لمن عليه دين: ضارب بالدين الذي عليك فصل: إن قال لرجل: اقبض المال الذي على فلان واعمل به مضاربة فقبضه وعمل به، جاز فصل: رأس مال المضاربة يجب أن يكون معلوم المقدار لا مجهولا ولا جزافا فصل: لو أحضر كيسين, في كل واحد منهما مال معلوم المقدار وقال: قارضتك على أحدهما لم يصح o مسألة: إن كان في يده وديعة جاز له أن يقول: ضارب بها فصل: ولو كان له في يد غيره مال مغصوب فضارب الغاصب به, صح فصل: العامل أمين في مال المضاربة فصل: إن قال: أذنت لي في البيع نسيئة وفي الشراء بعشرة قال: بل أذنت لك في البيع نقدا وفي الشراء بخمسة، فالقول قول العامل فصل: وإن ادعى العامل رد المال فأنكر رب المال فالقول قول رب المال مع يمينه فصل: وإن قال: ربحت ألفا ثم قال: خسرت ذلك، قبل قوله فصل: إذا دفع رجل إلى رجلين مالا قراضا على النصف فنض المال, وهو ثلاثة آلاف فقال رب المال: رأس المال ألفان فصل: إن دفع إلى رجل ألفا يتجر فيه فربح فقال العامل: كان قرضا لي ربحه كله وقال رب المال: كان قراضا فربحه بيننا فصل: إذا اشترط المضارب النفقة ثم ادعى أنه إنما أنفق من ماله, وأراد الرجوع فصل: الاختلاف بين الشركاء في قبض ثمن المبيع المشترك فصل: إذا كان العبد بين اثنين, فغصب رجل نصيب أحدهما فصل: قسمة الدين في الذمم فصول في العبد المأذون له فصل: إذا أذن له في التجارة, لم يجز له أن يؤجر نفسه ولا يتوكل لإنسان فصل: وإذا رأى السيد عبده يتجر, فلم ينهه لم يصر مأذونا له فصل: ولا يبطل الإذن بالإباق
كتاب الشركة الشركة: هي الاجتماع في استحقاق أو تصرف وهي ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقول الله تعالى: {فهم شركاء في الثلث} وقال الله تعالى: {وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم} والخلطاء هم الشركاء ومن السنة ما روى (( أن البراء بن عازب وزيد بن أرقم كانا شريكين فاشتريا فضة بنقد ونسيئة, فبلغ رسول الله -ﷺ- فأمرهما أن ما كان بنقد فأجيزوه وما كان نسيئة فردوه )) وروى عن النبي -ﷺ- أنه قال: (( يقول الله: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خان أحدهما صاحبه, خرجت من بينهما )) رواه أبو داود وروى عن النبي -ﷺ- ((أنه قال: يد الله على الشريكين ما لم يتخاونا )) وأجمع المسلمون على جواز الشركة في الجملة وإنما اختلفوا في أنواع منها نبينها -إن شاء الله تعالى- والشركة على ضربين: شركة أملاك وشركة عقود وهذا الباب لشركة العقود وهي أنواع خمسة شركة العنان, والأبدان والوجوه والمضاربة, والمفاوضة ولا يصح شيء منها إلا من جائز التصرف لأنه عقد على التصرف في المال فلم يصح من غير جائز التصرف في المال كالبيع.
فصل: قال أحمد: يشارك اليهودي والنصراني ولكن لا يخلو اليهودي والنصراني بالمال دونه ويكون هو الذي يليه لأنه يعمل بالربا وبهذا قال الحسن والثوري وكره الشافعي مشاركتهم مطلقا لأنه روى عن عبد الله بن عباس, أنه قال: أكره أن يشارك المسلم اليهودي ولا يعرف له مخالف في الصحابة ولأن مال اليهودي والنصراني ليس بطيب فإنهم يبيعون الخمر, ويتعاملون بالربا فكرهت معاملتهم ولنا ما روى الخلال بإسناده, عن عطاء قال: (( نهى رسول الله -ﷺ- عن مشاركة اليهودي والنصراني إلا أن يكون الشراء والبيع بيد المسلم )) ولأن العلة في كراهة ما خلوا به معاملتهم بالربا, وبيع الخمر والخنزير وهذا منتف فيما حضره المسلم أو وليه وقول ابن عباس محمول على هذا فإنه علل بكونهم يربون كذلك رواه الأثرم, عن أبي حمزة عن ابن عباس أنه قال: لا تشاركن يهوديا ولا نصرانيا ولا مجوسيا لأنهم يربون وأن الربا لا يحل وهو قول واحد من الصحابة لم يثبت انتشاره بينهم, وهم لا يحتجون به وقولهم: إن أموالهم غير طيبة لا يصح فإن (( النبي قد عاملهم ورهن درعه عند يهودي على شعير أخذه لأهله, وأرسل إلى آخر يطلب منه ثوبين إلى الميسرة وأضافه -ﷺ- يهودي بخبز وإهالة سنخة ولا يأكل النبي -ﷺ- ما ليس بطيب )) وما باعوه من الخمر والخنزير قبل مشاركة المسلم فثمنه حلال, لاعتقادهم حله ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ولوهم بيعها وخذوا أثمانها فأما ما يشتريه أو يبيعه من الخمر بمال الشركة أو المضاربة فإنه يقع فاسدا, وعليه الضمان لأن عقد الوكيل يقع للموكل والمسلم لا يثبت ملكه على الخمر والخنزير فأشبه ما لو اشترى به ميتة, أو عامل بالربا وما خفي أمره فلم يعلم فالأصل إباحته وحله, فأما المجوسي فإن أحمد كره مشاركته ومعاملته قال: ما أحب مخالطته ومعاملته لأنه يستحل ما لا يستحل هذا قال حنبل: قال عمى: لا تشاركه ولا تضاربه وهذا والله أعلم على سبيل الاستحباب, لترك معاملته والكراهة لمشاركته وإن فعل صح لأن تصرفه صحيح.
مسألة: قال: [وشركة الأبدان جائزة] معنى شركة الأبدان أن يشترك اثنان أو أكثر فيما يكتسبونه بأيديهم, كالصناع يشتركون على أن يعملوا في صناعتهم فما رزق الله تعالى فهو بينهم وإن اشتركوا فيما يكتسبون من المباح كالحطب, والحشيش والثمار المأخوذة من الجبال والمعادن, والتلصص على دار الحرب فهذا جائز نص عليه أحمد في رواية أبي طالب, فقال: لا بأس أن يشترك القوم بأبدانهم وليس لهم مال مثل الصيادين والنقالين والحمالين قد (( أشرك النبي -ﷺ- بين عمار وسعد وابن مسعود, فجاء سعد بأسيرين ولم يجيئا بشيء )) وفسر أحمد صفة الشركة في الغنيمة فقال: يشتركان فيما يصيبان من سلب المقتول لأن القاتل يختص به دون الغانمين وبهذا قال مالك وقال أبو حنيفة: يصح في الصناعة, ولا يصح في اكتساب المباح كالاحتشاش والاغتنام لأن الشركة مقتضاها الوكالة ولا تصح الوكالة في هذه الأشياء لأن من أخذها ملكها وقال الشافعي شركة الأبدان كلها فاسدة لأنها شركة على غير مال فلم تصح كما لو اختلفت الصناعات ولنا ما روى أبو داود والأثرم بإسنادهما, عن أبي عبيدة عن عبد الله قال: اشتركنا أنا وسعد وعمار يوم بدر, فلم أجئ أنا وعمار بشيء وجاء سعد بأسيرين ومثل هذا لا يخفى على رسول الله -ﷺ- وقد أقرهم عليه وقال أحمد: أشرك بينهم النبي -ﷺ- فإن قيل: فالمغانم مشتركة بين الغانمين بحكم الله تعالى, فكيف يصح اختصاص هؤلاء بالشركة فيها؟ وقال بعض الشافعية: غنائم بدر كانت لرسول الله -ﷺ- وكان له أن يدفعها إلى من شاء فيحتمل أن يكون فعل ذلك لهذا قلنا: أما الأول فالجواب عنه أن غنائم بدر كانت لمن أخذها من قبل أن يشرك الله تعالى بينهم ولهذا نقل أن النبي -ﷺ- قال: (( من أخذ شيئا فهو له )) فكان ذلك من قبيل المباحات من سبق إلى أخذ شيء فهو له ويجوز أن يكون شرك بينهم فيما يصيبونه من الأسلاب والنفل, إلا أن الأول أصح لقوله: جاء سعد بأسيرين ولم أجئ أنا وعمار بشيء وأما الثاني فإن الله تعالى إنما جعل الغنيمة لنبيه عليه السلام بعد أن غنموا واختلفوا في الغنائم, فأنزل الله تعالى: {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول} والشركة كانت قبل ذلك ويدل على صحة هذا أنها لو كانت لرسول الله -ﷺ- لم يخل إما أن يكون قد أباحهم أخذها فصارت كالمباحات, أو لم يبحها لهم فكيف يشتركون في شيء لغيرهم؟ وفي هذا الخبر حجة على أبي حنيفة أيضا لأنهم اشتركوا في مباح وفيما ليس بصناعة, وهو يمنع ذلك ولأن العمل أحد جهتى المضاربة فصحت الشركة عليه كالمال, وعلى أبي حنيفة أنهما اشتركا في مكسب مباح فصح كما لو اشتركا في الخياطة والقصارة, ولا نسلم أن الوكالة لا تصح في المباحات فإنه يصح أن يستنيب في تحصيلها بأجرة فكذلك يصح بغير عوض إذا تبرع أحدهما بذلك كالتوكيل في بيع ماله.
فصل: وتصح شركة الأبدان مع اتفاق الصنائع فأما مع اختلافها, فقال أبو الخطاب: لا تصح وهو قول مالك لأن مقتضاها أن ما يتقبله كل واحد منهما من العمل يلزمه ويلزم صاحبه ويطالب به كل واحد منهما, فإذا تقبل أحدهما شيئا مع اختلاف صنائعهما لم يمكن الآخر أن يقوم به فكيف يلزمه عمله, أم كيف يطالب بما لا قدرة له عليه وقال القاضي: تصح الشركة لأنهما اشتركا في مكسب مباح فصح, كما لو اتفقت الصنائع ولأن الصنائع المتفقة قد يكون أحد الرجلين أحذق فيها من الآخر فربما يتقبل أحدهما ما لا يمكن الآخر عمله, ولم يمنع ذلك صحتها فكذلك إذا اختلفت الصناعتان وقولهم: يلزم كل واحد منهما ما يتقبله صاحبه قال القاضي: يحتمل أن لا يلزمه ذلك لأنهما كالوكيلين بدليل صحتهما في المباح ولا ضمان فيها وإن قلنا: يلزمه أمكنه تحصيل ذلك بالأجرة, أو بمن يتبرع له بعمله ويدل على صحة هذا أنه لو قال أحدهما: أنا أتقبل وأنت تعمل صحت الشركة وعمل كل واحد منهما غير عمل صاحبه.
فصل: وإذا قال أحدهما: أنا أتقبل, وأنت تعمل والأجرة بيني وبينك صحت الشركة وقال زفر: لا تصح ولا يستحق العامل المسمى, وإنما له أجرة المثل ولنا أن الضمان يستحق به الربح بدليل شركة الأبدان, وتقبل العمل يوجب الضمان على المتقبل ويستحق به الربح فصار كتقبله المال في المضاربة, والعمل يستحق به العامل الربح كعمل المضارب فينزل بمنزلة المضاربة.
فصل: والربح في شركة الأبدان على ما اتفقوا عليه, من مساواة أو تفاضل لأن العمل يستحق به الربح ويجوز تفاضلهما في العمل فجاز تفاضلهما في الربح الحاصل به, ولكل واحد منهما المطالبة بالأجرة وللمستأجر دفعها إلى كل واحد منهما وإلى أيهما دفعها برئ منها وإن تلفت في يد أحدهما من غير تفريط, فهي من ضمانهما معا لأنهما كالوكلين في المطالبة وما يتقبله كل واحد منهما من الأعمال فهو من ضمانهما يطالب به كل واحد منهما, ويلزمه عمله لأن هذه الشركة لا تنعقد إلا على الضمان ولا شيء فيها تنعقد عليه الشركة حال الضمان فكأن الشركة تضمنت ضمان كل واحد منهما عن الآخر ما يلزمه وقال القاضي: يحتمل أن لا يلزم أحدهما ما لزم الآخر لما ذكرنا من قبل وما يتلف بتعدي أحدهما أو تفريطه أو تحت يده, على وجه يوجب الضمان عليه فذلك عليه وحده وإن أقر أحدهما بما في يده قبل عليه وعلى شريكه لأن اليد له, فيقبل إقراره بما فيها ولا يقبل إقراره بما في يد شريكه ولا بدين عليه لأنه لا يد له على ذلك
فصل: وإن عمل أحدهما دون صاحبه, فالكسب بينهما قال ابن عقيل: نص عليه أحمد في رواية إسحاق بن هانئ وقد سئل عن الرجلين يشتركان في عمل الأبدان فيأتى أحدهما بشيء, ولا يأتى الآخر بشيء؟ قال: نعم هذا بمنزلة حديث سعد وابن مسعود يعني حيث اشتركوا فجاء سعد بأسيرين وأخفق الآخران ولأن العمل مضمون عليهما معا وبضمانهما له وجبت الأجرة, فيكون لهما كما كان الضمان عليهما ويكون العامل عونا لصاحبه في حصته ولا يمنع ذلك استحقاقه كمن استأجر رجلا ليقصر له ثوبا, فاستعان القصار بإنسان فقصر معه كانت الأجرة للقصار المستأجر كذا ها هنا وسواء ترك العمل لمرض أو غيره فإن طالب أحدهما الآخر أن يعمل معه أو يقيم مقامه من يعمل, فله ذلك فإن امتنع فللآخر الفسخ ويحتمل أنه متى ترك العمل من غير عذر أن لا يشارك صاحبه في أجرة ما عمله دونه لأنه إنما شاركه ليعملا جميعا, فإذا ترك أحدهما العمل فما وفي بما شرط على نفسه فلم يستحق ما جعل له في مقابلته وإنما احتمل ذلك فيما إذا ترك أحدهما العمل لعذر لأنه لا يمكن التحرز منه.
فصل: فإن اشترك رجلان, لكل واحد منهما دابة على أن يؤجراهما فما رزقهما الله من شيء فهو بينهما, صح فإذا تقبلا حمل شيء معلوم إلى مكان معلوم في ذمتهما ثم حملاه على البهيمين أو غيرهما صح, والأجرة بينهما على ما شرطاه لأن تقبلهما الحمل أثبت الضمان في ذمتهما ولهما أن يحملاه بأى ظهر كان, والشركة تنعقد على الضمان كشركة الوجوه وإن أجراهما بأعيانهما على حمل شيء بأجرة معلومة لم تصح الشركة, ولكل واحد منهما أجر دابته لأنه لم يجب ضمان الحمل في ذممهما وإنما استحق المكترى منفعة البهيمة التي استأجرها ولهذا تنفسخ الإجارة بموت الدابة التي اكتراها, ولأن الشركة إما أن تنعقد على الضمان في ذممهما أو على عملهما وليس هذا بواحد منهما فإنه لم يثبت في ذممهما ضمان, ولا عملا بأبدانهما ما يجب الأجر في مقابلته ولأن الشركة تتضمن الوكالة والوكالة على هذا الوجه لا تصح, ولهذا لو قال: آجره عبدك وتكون أجرته بيني وبينك لم تصح كما لو قال: بع عبدك وثمنه بيننا لم يصح ويحتمل أن تصح الشركة كما لو اشتركا فيما يكتسبان من المباح بأبدانهما فإن أعان أحدهما صاحبه في التحميل والنقل, كان له أجر مثله لأنها منافع وفاها بشبهة عقد.
فصل: فإن كان لقصار أداة ولآخر بيت فاشتركا على أن يعملا بأداة هذا في بيت هذا, والكسب بينهما جاز والأجر على ما شرطاه لأن الشركة وقعت على عملهما, والعمل يستحق به الربح في الشركة والآلة والبيت لا يستحق بهما شيء لأنهما يستعملان في العمل المشترك فصارا كالدابتين اللتين أجراهما لحمل الشيء الذي تقبلا حمله وإن فسدت الشركة, قسم ما حصل لهما على قدر أجر عملهما وأجر الدار والآلة وإن كانت لأحدهما آلة وليس للآخر شيء أو لأحدهما بيت وليس للآخر شيء فاتفقا على أن يعملا بالآلة أو في البيت والأجرة بينهما, جاز لما ذكرنا.
فصل: وإن دفع رجل دابته إلى آخر ليعمل عليها وما يرزق الله بينهما نصفين أو أثلاثا أو كيفما شرطا صح, نص عليه في رواية الأثرم ومحمد بن أبي حرب وأحمد بن سعيد ونقل عن الأوزاعي ما يدل على هذا وكره ذلك الحسن والنخعي وقال الشافعي وأبو ثور, وابن المنذر وأصحاب الرأي: لا يصح والربح كله لرب الدابة لأن الحمل الذي يستحق به العوض منها وللعامل أجر مثله لأن هذا ليس من أقسام الشركة إلا أن تكون المضاربة, ولا تصح المضاربة بالعروض ولأن المضاربة تكون بالتجارة في الأعيان وهذه لا يجوز بيعها ولا إخراجها عن ملك مالكها وقال القاضي: يتخرج أن لا يصح بناء على أن المضاربة بالعروض لا تصح, فعلى هذا إن كان أجر الدابة بعينها فالأجر لمالكها وإن تقبل حمل شيء فحمله أو حمل عليها شيئا مباحا فباعه, فالأجرة والثمن له وعليه أجرة مثلها لمالكها ولنا أنها عين تنمى بالعمل عليها فصح العقد عليها ببعض نمائها, كالدراهم والدنانير وكالشجر في المساقاة والأرض في المزارعة وقولهم: إنه ليس من أقسام الشركة, ولا هو مضاربة قلنا: نعم لكنه يشبه المساقاة والمزارعة فإنه دفع لعين المال إلى من يعمل عليها ببعض نمائها مع بقاء عينها وبهذا يتبين أن تخريجها على المضاربة بالعروض فاسد فإن المضاربة إنما تكون بالتجارة والتصرف في رقبة المال, وهذا بخلافه وذكر القاضي في موضع آخر في من استأجر دابة ليعمل عليها بنصف ما يرزقه الله تعالى أو ثلثه, جاز ولا أرى لهذا وجها فإن الإجارة يشترط لصحتها العلم بالعوض وتقدير المدة أو العمل ولم يوجد, ولأن هذا عقد غير منصوص عليه ولا هو في معنى المنصوص فهو كسائر العقود الفاسدة, إلا أن يريد بالإجارة المعاملة على الوجه الذي تقدم وقد أشار أحمد إلى ما يدل على تشبيهه لمثل هذا بالمزارعة فقال: لا بأس بالثوب يدفع بالثلث والربع لحديث جابر (( أن النبي -ﷺ- أعطى خيبر على الشطر )) وهذا يدل على أنه قد صار في هذا ومثله إلى الجواز لشبهه بالمساقاة والمزارعة لا إلى المضاربة, ولا إلى الإجارة ونقل أبو داود عن أحمد في من يعطى فرسه على النصف من الغنيمة: أرجو أن لا يكون به بأس قال إسحاق بن إبراهيم: قال أبو عبد الله: إذا كان على النصف والربع, فهو جائز وبه قال الأوزاعي ونقل أحمد بن سعيد عن أحمد في من دفع عبده إلى رجل ليكسب عليه, ويكون له ثلث ذلك أو ربعه فجائز والوجه فيه ما ذكرناه في مسألة الدابة وإن دفع ثوبه إلى خياط ليفصله قمصانا يبيعها, وله نصف ربحها بحق عمله جاز نص عليه في رواية حرب وإن دفع غزلا إلى رجل ينسجه ثوبا بثلث ثمنه أو ربعه, جاز نص عليه ولم يجز مالك وأبو حنيفة والشافعي شيئا من ذلك لأنه عوض مجهول وعمل مجهول وقد ذكرنا وجه جوازه وإن جعل له مع ذلك دراهم معلومة لم يجز نص عليه وعنه الجواز والصحيح الأول وقال أبو بكر: هذا قول قديم وما روى غير هذا فعليه المعتمد قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يقول: لا بأس بالثوب يدفع بالثلث والربع وسئل عن الرجل يعطى الثوب بالثلث ودرهم ودرهمين؟ قال: أكرهه لأن هذا شيء لا يعرف والثلث إذا لم يكن معه شيء نراه جائزا لحديث جابر, أن النبي -ﷺ- أعطى خيبر على الشطر قيل لأبي عبد الله: فإن كان النساج لا يرضى حتى يزاد على الثلث درهما؟ قال: فليجعل له ثلثا وعشرى ثلث ونصف عشر وما أشبه وروى الأثرم عن ابن سيرين والنخعي, والزهري وأيوب ويعلى بن حكيم, أنهم أجازوا ذلك وقال ابن المنذر: كره هذا كله الحسن وقال أبو ثور وأصحاب الرأي: هذا كله فاسد واختاره ابن المنذر وابن عقيل وقالوا: لو دفع شبكته إلى الصياد ليصيد بها السمك بينهما نصفين فالصيد كله للصياد, ولصاحب الشبكة أجر مثلها وقياس ما نقل عن أحمد صحة الشركة وما رزق الله بينهما على ما شرطاه لأنها عين تنمى بالعمل فيها فصح دفعها ببعض نمائها كالأرض.
فصل: قال ابن عقيل: (( نهى رسول الله -ﷺ- عن قفيز الطحان )) وهو أن يعطى الطحان أقفزة معلومة يطحنها بقفيز دقيق منها وعلة المنع أنه جعل له بعض معموله أجرا لعمله, فيصير الطحن مستحقا له عليه وهذا الحديث لا نعرفه ولا يثبت عندنا صحته وقياس قول أحمد جوازه لما ذكرناه عنه من المسائل.
فصل: فإن كان لرجل دابة, ولآخر إكاف وجوالقات فاشتركا على أن يؤجراهما والأجرة بينهما نصفان فهو فاسد, لأن هذه أعيان لا يصح الاشتراك فيها فكذلك في منافعها إذ تقديره: آجر دابتك لتكون أجرتها بيننا, وأؤجر جوالقاتى لتكون أجرتها بيننا وتكون الأجرة كلها لصاحب البهيمة لأنه مالك الأصل وللآخر أجر مثله على صاحب البهيمة لأنه استوفى منافع ملكه بعقد فاسد هذا إذا أجر الدابة بما عليها من الإكاف والجوالقات في عقد واحد فأما لو أجر كل واحد منهما ملكه منفردا, فلكل واحد منهما أجر ملكه وهكذا لو قال رجل لصاحبه: آجر عبدي والأجر بيننا كان الأجر لصاحبه وللآخر أجر مثله وكذلك في جميع الأعيان.
فصل: فإن اشترك ثلاثة من أحدهم دابة, ومن آخر راوية ومن آخر العمل على أن ما رزق الله تعالى فهو بينهم, صح في قياس قول أحمد فإنه نص في الدابة يدفعها إلى آخر يعمل عليها على أن لهما الأجرة على الصحة وهذا مثله لأنه دفع دابته إلى آخر يعمل عليها, والراوية عين تنمى بالعمل عليها فهي كالبهيمة فعلى هذا يكون ما رزق الله بينهم على ما اتفقوا عليه وهذا قول الشافعي لأنهما وكلا العامل في كسب مباح بآلة دفعاها إليه, فأشبه ما لو دفع إليه أرضه ليزرعها وهكذا لو اشترك أربعة من أحدهم دكان ومن آخر رحى ومن آخر بغل ومن آخر العمل, على أن يطحنوا بذلك فما رزق الله تعالى فهو بينهم صح, وكان بينهم على ما شرطوه وقال القاضي: العقد فاسد في المسألتين جميعا وهو ظاهر قول الشافعي لأن هذا لا يجوز أن يكون مشاركة ولا مضاربة لكونه لا يجوز أن يكون رأس مالهما العروض ولأن من شروطهما عود رأس المال سليما, بمعنى أنه لا يستحق شيء من الربح حتى يستوفى رأس المال بكماله والراوية ها هنا تخلق وتنقص ولا إجارة لأنها تفتقر إلى مدة معلومة وأجر معلوم فتكون فاسدة فعلى هذا يكون الأجر كله في المسألة الأولى للسقاء لأنه لما غرف الماء في الإناء ملكه, فإذا باعه فثمنه له لأنه عوض ملكه وعليه لصاحبيه أجر المثل, لأنه استعمل ملكهما بعوض لم يسلم لهما فكان لهما أجر المثل كسائر الإجارات الفاسدة وأما في المسألة الثانية, فإنهم إذا طحنوا لرجل طعاما بأجرة نظرت في عقد الإجارة فإن كان من واحد منهم, ولم يذكر أصحابه ولا نواهم فالأجر كله له, وعليه لأصحابه أجر المثل وإن نوى أصحابه أو ذكرهم, كان كما لو عقد مع كل واحد منهم منفردا أو استأجر من جميعهم فقال: استأجرتكم لتطحنوا لي هذا الطعام بكذا فالأجر بينهم أرباعا لأن كل واحد منهم قد لزمه طحن ربعه بربع الأجر, ويرجع كل واحد منهم على أصحابه بربع أجر مثله وإن كان قال: استأجرت هذا الدكان والبغل والرحى وهذا الرجل بكذا وكذا لطحن كذا وكذا من الطعام صح, والأجر بينهم على قدر أجر مثلهم لكل واحد من المسمى بقدر حصته في أحد الوجهين, وفي الآخر يكون بينهم أرباعا بناء على ما إذا تزوج أربعا بمهر واحد, أو كاتب أربعة أعبد بعوض واحد وهل يكون العوض أرباعا أو على قدر قيمتهم؟ على وجهين.
مسألة: قال: [وإن اشترك بدنان بمال أحدهما أو بدنان بمال غيرهما, أو بدن ومال أو مالان وبدن صاحب أحدهما أو بدنان بماليهما, تساوى المال أو اختلف فكل ذلك جائز] ذكر أصحابنا الشركة الجائزة أربعا وقد ذكرنا نوعا منها وهو شركة الأبدان, وبقي ثلاثة أنواع ذكرها الخرقي في خمسة أقسام ثلاثة منها المضاربة, وهي إذا اشترك بدنان بمال أحدهما أو بدن ومال أو مالان وبدن صاحب أحدهما وقسم منها شركة الوجوه, وهو إذا اشترك بدنان بمال غيرهما وقال القاضي: معنى هذا القسم أن يدفع واحد ماله إلى اثنين مضاربة فيكون المضاربان شريكين في الربح بمال غيرهما لأنهما إذا أخذا المال بجاههما فلا يكونان مشتركين بمال غيرهما, وهذا محتمل والذي قلنا له وجه لكونهما اشتركا فيما يأخذان من مال غيرهما واخترنا هذا التفسير لأن كلام الخرقي بهذا التقدير يكون جامعا لأنواع الشركة الصحيحة وعلى تفسير القاضي يكون مخلا بنوع منها, وهي شركة الوجوه ويكون هذا المذكور نوعا من المضاربة ولأن الخرقي ذكر الشركة بين اثنين, وهو صحيح على تفسيرنا وعلى تفسير القاضي تكون الشركة بين ثلاثة وهو خلاف ظاهر قول الخرقي والقسم الخامس إذا اشترك بدنان بماليهما, وهذه شركة العنان وهي شركة متفق عليها فأما شركة الوجوه فهو أن يشترك اثنان فيما يشتريان بجاههما, وثقة التجار بهما من غير أن يكون لهما رأس مال على أن ما اشتريا بينهما نصفين أو أثلاثا أو أرباعا أو نحو ذلك, ويبيعان ذلك فما قسم الله تعالى فهو بينهما فهي جائزة, سواء عين أحدهما لصاحبه ما يشتريه أو قدره أو وقته, أو ذكر صنف المال أو لم يعين شيئا من ذلك بل قال: ما اشتريت من شيء فهو بيننا وقال أحمد, في رواية ابن منصور: في رجلين اشتركا بغير رءوس أموالهما على أن ما يشتريه كل واحد منهما بينهما فهو جائز وبهذا قال الثوري, ومحمد بن الحسن وابن المنذر وقال أبو حنيفة: لا يصح حتى يذكر الوقت أو المال, أو صنفا من الثياب وقال مالك والشافعي: يشترط ذكر شرائط الوكالة لأن شرائط الوكالة معتبرة في ذلك من تعين الجنس وغيره من شرائط الوكالة ولنا أنهما اشتركا في الابتياع, وأذن كل واحد منهما للآخر فيه فصح وكان ما يتبايعانه بينهما, كما لو ذكر شرائط الوكالة وقولهم: إن الوكالة لا تصح حتى يذكر قدر الثمن والنوع ممنوع على رواية لنا وإن سلمنا ذلك فإنما يعتبر في الوكالة المفردة أما الوكالة الداخلة في ضمن الشركة فلا يعتبر فيها ذلك, بدليل المضاربة وشركة العنان فإن في ضمنهما توكيلا ولا يعتبر فيها شيء من هذا, كذا ها هنا فعلى هذا إذا قال لرجل: ما اشتريت اليوم من شيء فهو بيني وبينك نصفان أو أطلق الوقت فقال: نعم أو قال: ما اشتريت أنا من شيء, فهو بيني وبينك نصفان جاز وكانت شركة صحيحة لأنه أذن له في التجارة على أن يكون المبيع بينهما وهذا معنى الشركة, ويكون توكيلا له في شراء نصف المتاع بنصف الثمن فيستحق الربح في مقابلة ملكه الحاصل في المبيع سواء خص ذلك بنوع من المتاع أو أطلق وكذلك إذا قالا: ما اشتريناه أو ما اشتراه أحدنا من تجارة فهو بيننا فهو شركة صحيحة, وهما في تصرفاتهما وما يجب لهما وعليهما وفي إقرارهما, وخصومتهما وغير ذلك بمنزلة شريكى العنان, على ما سنذكره -إن شاء الله تعالى- وأيهما عزل صاحبه عن التصرف انعزل لأنه وكيله وسميت هذه شركة الوجوه لأنهما يشتركان فيما يشتريان بجاههما, والجاه والوجه واحد يقال: فلان وجيه إذا كان ذا جاه قال الله تعالى في موسى عليه السلام: {وكان عند الله وجيها} وفي بعض الآثار, أن موسى عليه السلام قال يا رب إن كان قد خلق جاهى عندك, فأسألك بحق النبي الأمى الذي تبعثه في آخر الزمان فأوحى الله تعالى إليه: ما خلق جاهك عندي وإنك عندي لوجيه.
فصل: ولا خلاف في أنه يجوز جعل رأس المال الدراهم والدنانير فإنهما قيم الأموال وأثمان البياعات, والناس يشتركون بها من لدن النبي -ﷺ- إلى زمننا من غير نكير فأما العروض فلا تجوز الشركة فيها في ظاهر المذهب نص عليه أحمد, في رواية أبي طالب وحرب وحكاه عنه ابن المنذر وكره ذلك ابن سيرين ويحيى بن أبي كثير والثوري والشافعي وإسحاق, وأبو ثور وأصحاب الرأي لأن الشركة إما أن تقع على أعيان العروض أو قيمتها أو أثمانها لا يجوز وقوعها على أعيانها لأن الشركة تقتضى الرجوع عند المفاصلة برأس المال أو بمثله, وهذه لا مثل لها فيرجع إليه وقد تزيد قيمة جنس أحدهما دون الآخر, فيستوعب بذلك جميع الربح أو جميع المال وقد تنقص قيمته فيؤدي إلى أن يشاركه الآخر في ثمن ملكه الذي ليس بربح, ولا على قيمتها لأن القيمة غير متحققة القدر فيفضى إلى التنازع وقد يقوم الشيء بأكثر من قيمته, ولأن القيمة قد تزيد في أحدهما قبل بيعه فيشاركه الآخر في العين المملوكة له ولا يجوز وقوعها على أثمانها لأنها معدومة حال العقد ولا يملكانها, ولأنه إن أراد ثمنها الذي اشتراها به فقد خرج عن ملكه وصار للبائع وإن أراد ثمنها الذي يبيعها به, فإنها تصير شركة معلقة على شرط وهو بيع الأعيان ولا يجوز ذلك وعن أحمد رواية أخرى, أن الشركة والمضاربة تجوز بالعروض وتجعل قيمتها وقت العقد رأس المال قال أحمد: إذا اشتركا في العروض يقسم الربح على ما اشترطا وقال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل عن المضاربة بالمتاع؟ فقال: جائز فظاهر هذا صحة الشركة بها اختار هذا أبو بكر, وأبو الخطاب وهو قول مالك وابن أبي ليلى وبه قال في المضاربة طاوس والأوزاعي, وحماد بن أبي سليمان لأن مقصود الشركة جواز تصرفها في المالين جميعا وكون ربح المالين بينهما وهذا يحصل في العروض كحصوله في الأثمان, فيجب أن تصح الشركة والمضاربة بها كالأثمان ويرجع كل واحد منهما عند المفاصلة بقيمة ماله عند العقد كما أننا جعلنا نصاب زكاتها قيمتها وقال الشافعي: إن كانت العروض من ذوات الأمثال كالحبوب والأدهان, جازت الشركة بها في أحد الوجهين لأنها من ذوات الأمثال أشبهت النقود, ويرجع عند المفاصلة بمثلها وإن لم تكن من ذوات الأمثال لم يجز وجها واحدا لأنه لا يمكن الرجوع بمثلها ولنا, أنه نوع شركة فاستوى فيها ماله مثل من العروض وما لا مثل له كالمضاربة, وقد سلم أن المضاربة لا تجوز بشيء من العروض ولأنها ليست بنقد فلم تصح الشركة بها, كالذي لا مثل له.
فصل: والحكم في النقرة كالحكم في العروض لأن قيمتها تزيد وتنقص فهي كالعروض وكذلك الحكم في المغشوش من الأثمان قل الغش أو كثر وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة إن كان الغش أقل من النصف, جاز وإن كثر لم يجز لأن الاعتبار بالغالب في كثير من الأصول ولنا, أنها مغشوشة فأشبه ما لو كان الغش أكثر ولأن قيمتها تزيد وتنقص, أشبهت العروض وقولهم: الاعتبار بالغالب ليس بصحيح فإن الفضة إذا كانت أقل لم يسقط حكمها في الزكاة وكذلك الذهب, اللهم إلا أن يكون الغش قليلا جدا لمصلحة النقد كيسير الفضة في الدينار مثل الحبة ونحوها, فلا اعتبار به لأنه لا يمكن التحرز منه ولا يؤثر في الربا, ولا في غيره.
فصل: ولا تصح الشركة بالفلوس وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وابن القاسم صاحب مالك ويتخرج الجواز إذا كانت نافقة فإن أحمد قال: لا أرى السلم في الفلوس لأنه يشبه الصرف وهذا قول محمد بن الحسن, وأبي ثور لأنها ثمن فجازت الشركة بها كالدراهم والدنانير ويحتمل جواز الشركة بها على كل حال, نافقة كانت أو غير نافقة بناء على جواز الشركة بالعروض ووجه الأول أنها تنفق مرة وتكسد أخرى, فأشبهت العروض فإذا قلنا بصحة الشركة بها فإنها إن كانت نافقة كان رأس المال مثلها, وإن كانت كاسدة كانت قيمتها كالعروض.
فصل: ولا يجوز أن يكون رأس مال الشركة مجهولا ولا جزافا لأنه لا بد من الرجوع به عند المفاصلة, ولا يمكن مع الجهل والجزاف ولا يجوز بمال غائب ولا دين لأنه لا يمكن التصرف فيه في الحال وهو مقصود الشركة.
فصل: ولا يشترط لصحتها اتفاق المالين في الجنس, بل يجوز أن يخرج أحدهما دراهم والآخر دنانير نص عليه أحمد وبه قال الحسن وابن سيرين وقال الشافعي: لا تصح الشركة إلا أن يتفقا في مال واحد بناء على أن خلط المالين شرط, ولا يمكن إلا في المال الواحد ونحن لا نشترط ذلك ولأنهما من جنس الأثمان فصحت الشركة فيهما, كالجنس الواحد ومتى تفاصلا رجع هذا بدنانيره, وهذا بدراهمه ثم اقتسما الفضل نص عليه أحمد فقال: يرجع هذا بدنانيره, وهذا بدراهمه وقال: كذا يقول محمد والحسن وقال القاضي: إذا أرادا المفاصلة قوما المتاع بنقد البلد, وقوما مال الآخر به ويكون التقويم حين صرفا الثمن فيه ولنا أن هذه شركة صحيحة رأس المال فيها الأثمان, فيكون الرجوع بجنس رأس المال كما لو كان الجنس واحدا.
فصل: ولا يشترط تساوى المالين في القدر وبه قال الحسن والشعبي, والنخعي والشافعي وإسحاق, وأصحاب الرأي وقال بعض أصحاب الشافعي: يشترط ذلك ولنا أنهما مالان من جنس الأثمان فجاز عقد الشركة عليهما, كما لو تساويا.
فصل: ولا يشترط اختلاط المالين إذا عيناهما وأحضراهما وبهذا قال أبو حنيفة ومالك إلا أن مالكا شرط أن تكون أيديهما عليه, بأن يجعلاه في حانوت لهما أو في يد وكيلهما وقال الشافعي: لا يصح حتى يخلطا المالين لأنهما إذا لم يخلطاهما فمال كل واحد منهما يتلف منه دون صاحبه أو يزيد له دون صاحبه, فلم تنعقد الشركة كما لو كان من المكيل ولنا أنه عقد يقصد به الربح, فلم يشترط فيه خلط المال كالمضاربة ولأنه عقد على التصرف, فلم يكن من شرطه الخلط كالوكالة وعلى مالك فلم يكن من شرطه أن تكون أيديهما عليه كالوكالة وقولهم: إنه يتلف من مال صاحبه, أو يزيد على ملك صاحبه ممنوع بل ما يتلف من مالهما وزيادته لهما لأن الشركة اقتضت ثبوت الملك لكل واحد منهما في نصف مال صاحبه فيكون تلفه منهما, وزيادته لهما وقال أبو حنيفة: متى تلف أحد المالين فهو من ضمان صاحبه ولنا أن الوضيعة والضمان أحد موجبي الشركة, فتعلق بالشريكين كالربح وكما لو اختلطا.
فصل: ومتى وقعت الشركة فاسدة, فإنهما يقتسمان الربح على قدر رءوس أموالهما ويرجع كل واحد منهما على الآخر بأجر عمله نص عليه أحمد في المضاربة واختاره القاضي وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي لأن المسمى يسقط في العقد الفاسد كالبيع الفاسد إذا تلف المبيع في يد المشتري, إلا أن يكون مال كل واحد منهما متميزا وربحه معلوما فيكون له ربح ماله ولو ربح في جزء منه ربحا متميزا وباقيه مختلط كان له ما تميز من ربح ماله, وله بحصته باقى ماله من الربح واختار الشريف أبو جعفر أنهما يقتسمان الربح على ما شرطاه ولا يستحق أحدهما على الآخر أجر عمله وأجراها مجرى الصحيحة في جميع أحكامها قال: لأن أحمد قال: إذا اشتركا في العروض قسم الربح على ما اشترطاه واحتج بأنه عقد يصح مع الجهالة, فيثبت المسمى في فاسده كالنكاح والمذهب الأول قاله القاضي وكلام أحمد محمول على الرواية الأخرى في تصحيح المضاربة بالعروض لأن الأصل كون ربح مال كل واحد لمالكه لأنه نماؤه, وإنما ترك ذلك بالعقد الصحيح فإذا لم يكن العقد صحيحا بقي الحكم على مقتضى الأصل, كما أن البيع إذا كان فاسدا لم ينقل ملك كل واحد من المتبايعين عن ماله.
فصل: وشركة العنان مبنية على الوكالة والأمانة لأن كل واحد منهما يدفع المال إلى صاحبه أمنة وبإذنه له في التصرف وكله ومن شرط صحتها أن يأذن كل واحد منهما لصاحبه في التصرف فإن أذن له مطلقا في جميع التجارات, تصرف فيها وإن عين له جنسا أو نوعا أو بلدا تصرف فيه دون غيره لأنه متصرف بالإذن, فوقف عليه كالوكيل ويجوز لكل واحد منهما أن يبيع ويشترى مساومة ومرابحة وتولية ومواضعة وكيف رأى المصلحة لأن هذا عادة التجار وله أن يقبض المبيع والثمن, ويقبضهما ويخاصم في الدين ويطالب به, ويحيل ويحتال ويرد بالعيب فيما وليه هو, وفيما ولى صاحبه وله أن يستأجر من رأس مال الشركة ويؤجر لأن المنافع أجريت مجرى الأعيان فصار كالشراء والبيع والمطالبة بالأجر لهما وعليهما لأن حقوق العقد لا تختص العاقد.
فصل: وليس له أن يكاتب الرقيق, ولا يعتق على مال ولا غيره ولا يزوج الرقيق لأن الشركة تنعقد على التجارة وليست هذه الأنواع تجارة, سيما تزويج العبد فإنه محض ضرر وليس له أن يقرض ولا يحابي لأنه تبرع وليس له التبرع وليس له أن يشارك بمال الشركة ولا يدفعه مضاربة لأن ذلك يثبت في المال حقوقا, ويستحق ربحه لغيره وليس ذلك له وليس له أن يخلط مال الشركة بماله ولا مال غيره لأنه يتضمن إيجاب حقوق في المال, وليس هو من التجارة المأذون فيها ولا يأخذ بالمال سفتجة ولا يعطى به سفتجة لأن في ذلك خطرا لم يؤذن فيه وليس له أن يستدين على مال الشركة فإن فعل فذلك له وله ربحه وعليه وضيعته قال أحمد, في رواية صالح في من استدان في المال بوجهه ألفا: فهو له وربحه له والوضيعة عليه وقال القاضي: إذا استقرض شيئا, لزمهما وربحه لهما لأنه تمليك مال بمال فهو كالصرف ونص أحمد يخالف هذا ولأنه أدخل في الشركة أكثر مما رضي الشريك بالمشاركة فيه, فلم يجز كما لو ضم إليها ألفا من ماله ويفارق الصرف لأنه بيع وإبدال عين بعين فهو كبيع الثياب بالدراهم وليس له أن يقر على مال الشركة, فإن فعل لزم في حقه دون صاحبه سواء أقر بعين أو دين لأن شريكه إنما أذن في التجارة وليس الإقرار داخلا فيها وإن أقر بعيب في عين باعها, قبل إقراره وكذلك يقبل إقرار الوكيل على موكله بالعيب نص عليه أحمد وكذلك إن أقر ببقية ثمن المبيع أو بجميعه, أو بأجر المنادي أو الحمال وأشباه هذا ينبغي أن يقبل لأن هذا من توابع التجارة, فكان له ذلك كتسليم المبيع وأداء ثمنه وإن ردت السلعة عليه بعيب فله أن يقبلها وله أن يعطى أرش العيب, أو يحط من ثمنه أو يؤخر ثمنه لأجل العيب لأن ذلك قد يكون أحظ من الرد وإن حط من الثمن ابتداء, أو أسقط دينا لهما عن غريمهما لزم في حقه وبطل في حق شريكه لأنه تبرع, والتبرع يجوز في حق نفسه دون شريكه وإن كان لهما دين حال فأخر أحدهما حصته من الدين جاز وبه قال أبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة: لا يجوز ولنا, أنه أسقط حقه من المطالبة فصح أن ينفرد أحدهما به كالإبراء.
فصل: وهل لأحدهما أن يبيع نساء؟ يخرج على روايتين, بناء على الوكيل والمضارب وسنذكر ذلك وإن اشترى نساء بنقد عنده مثله أو نقد من غير جنسه أو اشترى بشيء من ذوات الأمثال وعنده مثله, جاز لأنه إذا اشترى بجنس ما عنده فهو يؤدي مما في يديه فلا يفضي إلى الزيادة في الشركة وإن لم يكن في يده نقد ولا مثلى من جنس ما اشترى به, أو كان عنده عرض فاستدان عرضا فالشراء له خاصة وربحه له, وضمانه عليه لأنه استدانه على مال الشركة وليس له ذلك على ما أسلفناه والأولى أنه متى كان عنده من مال الشركة ما يمكنه من أداء الثمن منه ببيعه, أنه يجوز لأنه أمكنه أداء الثمن من مال الشركة فأشبه ما لو كان عنده نقد ولأن هذا عادة التجار ولا يمكن التحرز منه وهل له أن يبضع أو يودع؟ على روايتين إحداهما, له ذلك لأنه عادة التجار وقد تدعو الحاجة إلى الإيداع والثانية لا يجوز لأنه ليس من الشركة, وفيه غرر والصحيح أن الإيداع يجوز عند الحاجة إليه لأنه من ضرورة الشركة أشبه دفع المتاع إلى الحمال وفي التوكيل فيما يتولى مثله بنفسه وجهان بناء على الوكيل وقيل: يجوز للشريك التوكيل, بخلاف الوكيل لأنه لو جاز للوكيل التوكيل لاستفاد بحكم العقد مثل العقد والشريك يستفيد بعقد الشركة ما هو أخص منه ودونه لأن التوكيل أخص من عقد الشركة فإن وكل أحدهما, ملك الآخر عزله لأن لكل واحد منهما التصرف في حق صاحبه بالتوكيل فكذلك بالعزل وهل لأحدهما أن يرهن بالدين الذي عليهما أو يرتهن بالدين الذي لهما؟ على وجهين, أصحهما أن له ذلك عند الحاجة لأن الرهن يراد للإيفاء والارتهان يراد للاستيفاء, وهو يملك الإيفاء والاستيفاء فملك ما يراد لهما والثاني ليس له ذلك لأن فيه خطرا ولا فرق بين أن يكون ممن ولى العقد, أو من غيره لكون القبض من حقوق العقد وحقوق العقد لا تختص العاقد, فكذلك ما يراد له وهل له السفر بالمال؟ فيه وجهان نذكرهما في المضاربة فأما الإقالة فالأولى أنه يملكها لأنها إن كانت بيعا فهو يملك البيع, وإن كانت فسخا فهو يملك الفسخ بالرد بالعيب إذا رأى المصلحة فيه فكذلك يملك الفسخ بالإقالة إذا كان الحظ فيه, فإنه قد يشترى ما يرى أنه قد غبن فيه ويحتمل أن لا يملكها إذا قلنا: هي فسخ لأن الفسخ ليس من التجارة وإن قال له: اعمل برأيك جاز له أن يعمل كل ما يقع في التجارة من الإبضاع, والمضاربة بالمال والمشاركة به وخلطه بماله, والسفر به والإيداع والبيع نساء, والرهن والارتهان والإقالة, ونحو ذلك لأنه فوض إليه الرأي في التصرف الذي تقتضيه الشركة فجاز له كل ما هو من التجارة فأما ما كان تمسكا بغير عوض كالهبة, والحطيطة لغير فائدة والقرض والعتق, ومكاتبة الرقيق وتزويجهم ونحوه, فليس له فعله لأنه إنما فوض إليه العمل برأيه في التجارة وليس هذا منها.
فصل: وإن أخذ أحدهما مالا مضاربة فربحه له, ووضيعته عليه دون صاحبه لأنه يستحق ذلك في مقابلة عمله وليس ذلك من المال الذي اشتركا فيه وقد قال أصحابنا في المضاربة: إذا ضارب لرجل آخر, رد ما حصل من الربح في شركة الأول إذا كان فيه ضرر على الأول فيجيء ها هنا مثله.
فصل: والشركة من العقود الجائزة تبطل بموت أحد الشريكين, وجنونه والحجر عليه للسفه وبالفسخ من أحدهما لأنها عقد جائز, فبطلت بذلك كالوكالة وإن عزل أحدهما صاحبه, انعزل المعزول فلم يكن له أن يتصرف إلا في قدر نصيبه وللعازل التصرف في الجميع لأن المعزول لم يرجع عن إذنه هذا إذا كان المال ناضا وإن كان عرضا, فذكر القاضي أن ظاهر كلام أحمد أنه لا ينعزل بالعزل وله التصرف حتى ينض المال, كالمضارب إذا عزله رب المال وينبغي أن يكون له التصرف بالبيع دون المعاوضة بسلعة أخرى أو التصرف بغير ما ينض به المال وذكر أبو الخطاب أنه ينعزل مطلقا وهو مذهب الشافعي لأنه عقد جائز, فأشبه الوكالة فعلى هذا إن اتفقا على البيع أو القسمة فعلا وإن طلب أحدهما القسمة والآخر البيع أجيب طالب القسمة دون طالب البيع فإن قيل: أليس إذا فسخ رب المال المضاربة فطلب العامل البيع, أجيب إليه؟ فالجواب: أن حق العامل في الربح ولا يظهر الربح إلا بالبيع فاستحقه العامل لوقوف حصول حقه عليه, وفي مسألتنا ما يحصل من الربح يستدركه كل واحد منهما في نصيبه من المتاع فلم يجبر على البيع.
فصل: فإن مات أحد الشريكين, وله وارث رشيد فله أن يقيم على الشركة ويأذن له الشريك في التصرف وله المطالبة بالقسمة, فإن كان موليا عليه قام وليه مقامه في ذلك لأنه لا يفعل إلا ما فيه المصلحة للمولى عليه فإن كان الميت قد وصى بمال الشركة أو ببعضه لمعين, فالموصى له كالوارث فيما ذكرنا وإن وصى به لغير معين كالفقراء لم يجز للوصى الإذن في التصرف لأنه قد وجب دفعه إليهم, فيعزل نصيبهم ويفرقه بينهم وإن كان على الميت دين تعلق بتركته فليس للوارث إمضاء الشركة حتى يقضى دينه, فإن قضاه من غير مال الشركة فله الإتمام وإن قضاه منه, بطلت الشركة في قدر ما قضى.
فصل: القسم الثالث أن يشترك بدن ومال وهذه المضاربة وتسمى قراضا أيضا, ومعناها أن يدفع رجل ماله إلى آخر يتجر له فيه على أن ما حصل من الربح بينهما حسب ما يشترطانه فأهل العراق يسمونه مضاربة, مأخوذ من الضرب في الأرض وهو السفر فيها للتجارة قال الله تعالى {وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله} ويحتمل أن يكون من ضرب كل واحد منهما في الربح بسهم ويسميه أهل الحجاز القراض فقيل: هو مشتق من القطع يقال: قرض الفأر الثوب إذا قطعه فكأن صاحب المال اقتطع من ماله قطعة وسلمها إلى العامل, واقتطع له قطعة من الربح وقيل: اشتقاقه من المساواة والموازنة يقال: تقارض الشاعران إذا وازن كل واحد منهما الآخر بشعره وهاهنا من العامل العمل ومن الآخر المال فتوازنا وأجمع أهل العلم على جواز المضاربة في الجملة ذكره ابن المنذر وروى عن حميد بن عبد الله, عن أبيه عن جده أن عمر بن الخطاب أعطاه مال يتيم مضاربة يعمل به في العراق, وروى مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه: أن عبد الله وعبيد الله ابني عمر بن الخطاب رضي الله عنهم, خرجا في جيش إلى العراق فتسلفا من أبي موسى مالا وابتاعا به متاعا وقدما به إلى المدينة, فباعاه وربحا فيه فأراد عمر أخذ رأس المال والربح كله فقالا: لو تلف كان ضمانه علينا, فلم لا يكون ربحه لنا؟ فقال رجل: يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضا؟ قال: قد جعلته وأخذ منهما نصف الربح وهذا يدل على جواز القراض وعن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن, عن أبيه عن جده أن عثمان قارضه وعن قتادة, عن الحسن أن عليا قال: إذا خالف المضارب فلا ضمان هما على ما شرطا وعن ابن مسعود, وحكيم بن حزام أنهما قارضا ولا مخالف لهم في الصحابة فحصل إجماعا ولأن بالناس حاجة إلى المضاربة فإن الدراهم والدنانير لا تنمى إلا بالتقلب والتجارة, وليس كل من يملكها يحسن التجارة ولا كل من يحسن التجارة له رأس مال فاحتيج إليها من الجانبين, فشرعها الله تعالى لدفع الحاجتين إذا ثبت هذا فإنها تنعقد بلفظ المضاربة والقراض لأنهما لفظان موضوعان لها أو بما يؤدي معناها لأن المقصود المعنى فجاز بما دل عليه, كلفظ التمليك في البيع.
فصل: وحكمها حكم شركة العنان في أن كل ما جاز للشريك عمله جاز للمضارب عمله وما منع منه الشريك منع منه المضارب, وما اختلف فيه ثم فهاهنا مثله وما جاز أن يكون رأس مال الشركة, جاز أن يكون رأس مال المضاربة وما لا يجوز ثم لا يجوز ها هنا على ما فصلناه.
فصل: القسم الرابع أن يشترك مالان وبدن صاحب أحدهما فهذا يجمع شركة ومضاربة, وهو صحيح فلو كان بين رجلين ثلاثة آلاف درهم لأحدهما ألف وللآخر ألفان, فأذن صاحب الألفين لصاحب الألف أن يتصرف فيها على أن يكون الربح بينهما نصفين صح ويكون لصاحب الألف ثلث الربح بحق ماله, والباقي وهو ثلثا الربح بينهما لصاحب الألفين ثلاثة أرباعه وللعامل ربعه, وذلك لأنه جعل له نصف الربح فجعلناه ستة أسهم منها ثلاثة للعامل, حصة ماله سهمان وسهم يستحقه بعمله في مال شريكه وحصة مال شريكه أربعة أسهم, للعامل سهم وهو الربع فإن قيل: فكيف تجوز المضاربة ورأس المال مشاع؟ قلنا: إنما تمنع الإشاعة الجواز إذا كانت مع غير العامل لأنها تمنعه من التصرف بخلاف ما إذا كانت مع العامل فإنها لا تمنعه من التصرف, فلا تمنع من صحة المضاربة فإن شرط للعامل ثلث الربح فقط فمال صاحبه بضاعة في يده وليست بمضاربة لأن المضاربة إنما تحصل إذا كان الربح بينهما فأما إذا قال: ربح مالك لك, وربح مالى لي فقبل الآخر كان إبضاعا لا غير وبهذا كله قال الشافعي وقال مالك: لا يجوز أن يضم إلى القراض شركة كما لا يجوز أن يضم إليه عقد إجارة ولنا, أنهما لم يجعلا أحد العقدين شرطا للآخر فلم نمنع من جمعهما كما لو كان المال متميزا.
فصل: إذا دفع إليه ألفا مضاربة, وقال: أضف إليه ألفا من عندك واتجر بهما والربح بيننا, لك ثلثاه ولى ثلثه جاز وكان شركة وقراضا وقال أصحاب الشافعي: لا يصح لأن الشركة إذا وقعت على المال كان الربح تابعا له دون العمل ولنا, أنهما تساويا في المال وانفرد أحدهما بالعمل فجاز أن ينفرد بزيادة الربح, كما لو لم يكن له مال وقولهم: إن الربح تابع للمال وحده ممنوع بل هو تابع لهما كما أنه حاصل بهما فإن شرط غير العامل لنفسه ثلثى الربح, لم يجز وقال القاضي: يجوز بناء على جواز تفاضلهما في شركة العنان ولنا أنه اشترط لنفسه جزءا من الربح لا مقابل له, فلم يصح كما لو شرط ربح مال العامل المنفرد وفارق شركة العنان لأن فيها عملا منهما, فجاز أن يتفاضلا في الربح لتفاضلهما في العمل بخلاف مسألتنا وإن جعلا الربح بينهما نصفين ولم يقولا مضاربة, جاز وكان إبضاعا كما تقدم وإن قالا: مضاربة فسد العقد لما سنذكره -إن شاء الله تعالى-.
فصل: القسم الخامس أن يشترك بدنان بمال أحدهما وهو أن يكون المال من أحدهما والعمل منهما, مثل أن يخرج أحدهما ألفا ويعملان فيه معا والربح بينهما فهذا جائز ونص عليه أحمد, في رواية أبي الحارث وتكون مضاربة لأن غير صاحب المال يستحق المشروط له من الربح بعمله في مال غيره وهذا هو حقيقة المضاربة وقال أبو عبد الله بن حامد والقاضي, وأبو الخطاب: إذا شرط أن يعمل معه رب المال لم يصح وهذا مذهب مالك والأوزاعي, والشافعي وأصحاب الرأي وأبي ثور, وابن المنذر قال: ولا تصح المضاربة حتى يسلم المال إلى العامل ويخلى بينه وبينه لأن المضاربة تقتضى تسليم المال إلى المضارب فإذا شرط عليه العمل فلم يسلمه لأن يده عليه, فيخالف موضوعها وتأول القاضي كلام أحمد والخرقي على أن رب المال عمل من غير اشتراط ولنا أن العمل أحد ركني المضاربة, فجاز أن ينفرد به أحدهما مع وجود الأمرين من الآخر كالمال وقولهم: إن المضاربة تقتضى تسليم المال إلى العامل ممنوع إنما تقتضى إطلاق التصرف في مال غيره بجزء مشاع من ربحه, وهذا حاصل مع اشتراكهما في العمل ولهذا لو دفع ماله إلى اثنين مضاربة صح ولم يحصل تسليم المال إلى أحدهما.
فصل: وإن شرط أن يعمل معه غلام رب المال, صح وهذا ظاهر كلام الشافعي وقول أكثر أصحابه ومنعه بعضهم وهو قول القاضي لأن يد الغلام كيد سيده وقال أبو الخطاب: فيه وجهان أحدهما الجواز لأن عمل الغلام مال لسيده, فصح ضمه إليه كما يصح أن يضم إليه بهيمة يحمل عليها.
فصل: وأما شركة المفاوضة فنوعان أحدهما أن يشتركا في جميع أنواع الشركة, مثل أن يجمعا بين شركة العنان والوجوه والأبدان فيصح ذلك لأن كل نوع منها يصح على انفراده, فصح مع غيره والثاني أن يدخلا بينهما في الشركة الاشتراك فيما يحصل لكل واحد منهما من ميراث أو يجده من ركاز أو لقطة, ويلزم كل واحد منهما ما يلزم الآخر من أرش جناية وضمان غصب وقيمة متلف, وغرامة الضمان أو كفالة فهذا فاسد وبهذا قال الشافعي وأجازه الثوري, والأوزاعي وأبو حنيفة وحكى ذلك عن مالك وشرط أبو حنيفة لها شروطا وهي أن يكونا حرين مسلمين, وأن يكون مالهما في الشركة سواء وأن يخرجا جميع ما يملكانه من جنس الشركة وهو الدراهم والدنانير واحتجوا بما روى عن النبي -ﷺ- أنه قال: (( إذا تفاوضتم فأحسنوا المفاوضة )) ولأنها نوع شركة يختص باسم, فكان فيها صحيح كشركة العنان ولنا: أنه عقد لا يصح بين الكافرين ولا بين كافر ومسلم فلم يصح بين المسلمين, كسائر العقود الفاسدة ولأنه عقد لم يرد الشرع بمثله فلم يصح, كما ذكرنا ولأن فيه غررا فلم يصح, كبيع الغرر وبيان غرره أنه يلزم كل واحد ما لزم الآخر وقد يلزمه شيء لا يقدر على القيام به, وقد أدخلا فيه الأكساب النادرة والخبر لا نعرفه ولا رواه أصحاب السنن, ثم ليس فيه ما يدل على أنه أراد هذا العقد فيحتمل أنه أراد المفاوضة في الحديث ولهذا روى فيه: (( ولا تجادلوا فإن المجادلة من الشيطان )) وأما القياس: فلا يصح فإن اختصاصها باسم لا يقتضي الصحة, كبيع المنابذة والملامسة وسائر البيوع الفاسدة وشركة العنان تصح من الكافرين والكافر والمسلم بخلاف هذا. مسألة: قال: [والربح على ما اصطلحا عليه] يعني في جميع أقسام الشركة ولا خلاف في ذلك في المضاربة المحضة قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن للعامل أن يشترط على رب المال ثلث الربح, أو نصفه أو ما يجمعان عليه بعد أن يكون ذلك معلوما جزءا من أجزاء ولأن استحقاق المضارب الربح بعمله, فجاز ما يتفقان عليه من قليل وكثير كالأجرة في الإجارة وكالجزء من الثمرة في المساقاة والمزارعة وأما شركة العنان, وهو أن يشترك بدنان بماليهما فيجوز أن يجعلا الربح على قدر المالين ويجوز أن يتساويا مع تفاضلهما في المال, وأن يتفاضلا فيه مع تساويهما في المال وبهذا قال أبو حنيفة وقال مالك والشافعي: من شرط صحتها كون الربح والخسران على قدر المالين لأن الربح في هذه الشركة تبع للمال بدليل أنه يصح عقد الشركة وإطلاق الربح, فلا يجوز تغييره بالشرط كالوضيعة ولنا أن العمل مما يستحق به الربح, فجاز أن يتفاضلا في الربح مع وجود العمل منهما كالمضاربين لرجل واحد وذلك لأن أحدهما قد يكون أبصر بالتجارة من الآخر, وأقوى على العمل فجاز له أن يشترط زيادة في الربح في مقابلة عمله كما يشترط الربح في مقابلة عمل المضارب يحققه أن هذه الشركة معقودة على المال والعمل جميعا, ولكل واحد منهما حصة من الربح إذا كان مفردا فكذلك إذا اجتمعا وأما حالة الإطلاق, فإنه لما لم يكن بينهما شرط يقسم الربح عليه ويتقدر به قدرناه بالمال, لعدم الشرط فإذا وجد الشرط فهو الأصل, فيصير إليه كالمضاربة يصار إلى الشرط فإذا عدم, وقالا: الربح بيننا كان بينهما نصفين وفارق الوضيعة فإنها لا تتعلق إلا بالمال بدليل المضاربة وأما شركة الأبدان, فهي معقودة على العمل المجرد وهما يتفاضلان فيه مرة ويتساويان أخرى, فجاز ما اتفقا عليه من مساواة أو تفاضل كما ذكرنا في شركة العنان بل هذه أولى لانعقادها على العمل المجرد وأما شركة الوجوه, فكلام الخرقي بعمومه يقتضي جواز ما يتفقان عليه من مساواة أو تفاضل وهو قياس المذهب لأن سائر الشركات الربح فيها على ما يتفقان عليه فكذلك هذه ولأنها تنعقد على العمل وغيره, فجاز ما اتفقا عليه كشركة العنان وقال القاضي: الربح بينهما على قدر ملكيهما في المشترى لأن الربح يستحق بالضمان إذ الشركة وقعت عليه خاصة إذ لا مال عندهما, فيشتركان على العمل والضمان لا تفاضل فيه فلا يجوز التفاضل في الربح ولنا, أنها شركة فيها عمل فجاز ما اتفقا عليه في الربح كسائر الشركات وقول القاضي: لا مال لهما يعملان فيه قلنا: إنما يشتركان ليعملا في المستقبل فيما يأخذانه بجاههما, كما أن سائر الشركات إنما يكون العمل فيها فيما يأتى فكذا ها هنا وأما المضاربة التي فيها شركة وهي أن يشترك مالان وبدن صاحب أحدهما مثل أن يخرج كل واحد منهما ألفا, ويأذن أحدهما للآخر في التجارة بهما فمهما شرطا للعامل من الربح إذا زاد على النصف جاز لأنه مضارب لصاحبه في ألف, ولعامل المضاربة ما اتفقا عليه بغير خلاف وإن شرطا له دون نصف الربح لم يجز لأن الربح يستحق بمال وعمل وهذا الجزء الزائد على النصف المشروط لغير العامل لا مقابل له, فبطل شرطه وإن جعلا الربح بينهما نصفين فليس هذا شركة ولا مضاربة لأن شركة العنان تقتضى أن يشتركا في المال والعمل, والمضاربة تقتضى أن للعامل نصيبا من الربح في مقابلة عمله ولم يجعلا له ها هنا في مقابلة عمله شيئا وإنما جعلا الربح على قدر المالين وعمله في نصيب صاحبه تبرع, فيكون ذلك إبضاعا وهو جائز إن لم يكن ذلك عوضا عن قرض فإن كان العامل اقترض الألف أو بعضها من صاحبه, لم يجز لأنه جعل عمله في مال صاحبه عوضا عن قرضه وذلك غير جائز وأما إذا اشترك بدنان بمال أحدهما مثل أن يخرج أحدهما ألفا ويعملان جميعا فيه, فإن للعامل الذي لا مال له من الربح ما اتفقا عليه لأنه مضارب محض فأشبه ما لو لم يعمل معه رب المال فحصل مما ذكرنا أن الربح بينهما على ما اصطلحا عليه في جميع أنواع الشركة, سواء ما ذكرنا في المضاربة التي فيها شركة على ما شرحنا. فصل:
دومن شرط صحة المضاربة تقدير نصيب العامل لأنه يستحقه بالشرط فلم يقدر إلا به ولو قال: خذ هذا المال مضاربة ولم يسم للعامل شيئا من الربح فالربح كله لرب المال, والوضيعة عليه وللعامل أجر مثله نص عليه أحمد وهو قول الثوري والشافعي, وإسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي وقال الحسن, وابن سيرين والأوزاعي: الربح بينهما نصفين لأنه لو قال: والربح بيننا لكان بينهما نصفين, فكذلك إذا لم يذكر شيئا ولنا أن المضارب إنما يستحق بالشرط ولم يوجد وقوله: مضاربة اقتضى أن له جزءا من الربح مجهولا, فلم تصح المضاربة كما لو قال: ولك جزء من الربح فأما إذا قال: والربح بيننا فإن المضاربة تصح ويكون بينهما نصفين لأنه أضافه إليهما إضافة واحدة, لم يترجح فيها أحدهما على الآخر فاقتضى التسوية كما لو قال: هذه الدار بيني وبينك وإن قدر نصيب العامل, فقال: ولك ثلث الربح أو ربعه أو جزء معلوم, أي جزء كان فالباقي لرب المال لأنه يستحق الربح بماله لكونه نماءه وفرعه والعامل يأخذ بالشرط, فما شرط له استحقه وما بقي فلرب المال بحكم الأصل وإن قدر نصيب رب المال مثل أن يقول: ولى ثلث الربح ولم يذكر نصيب العامل, ففيه وجهان أحدهما لا يصح لأن العامل إنما يستحق بالشرط ولم يشترط له شيء, فتكون المضاربة فاسدة والثاني يصح ويكون الباقي للعامل وهذا قول أبي ثور, وأصحاب الرأي لأن الربح لهما لا يستحقه غيرهما فإذا قدر نصيب أحدهما منه فالباقي للآخر من مفهوم اللفظ كما علم ذلك من قوله تعالى: {فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث} ولم يذكر نصيب الأب, فعلم أن الباقي له ولأنه لو قال: أوصيت بهذه المائة لزيد وعمرو ونصيب زيد منها ثلاثون كان الباقي لعمرو كذا ها هنا وإن قال: لي النصف ولك الثلث وسكت عن السدس صح وكان لرب المال لأنه لو سكت عن جميع الباقي بعد جزء العامل كان لرب المال فكذلك إذا ذكر بعضه وترك بعضه وإن قال: خذه مضاربة على الثلث أو النصف أو قال: بالثلث أو الربع صح, وكان تقدير النصيب للعامل لأن الشرط يراد لأجله فإن رب المال يستحق بماله لا بالشرط والعامل يستحق بالعمل والعمل يكثر ويقل, وإنما تتقدر حصته بالشرط فكان الشرط له ومتى شرطا لأحدهما شيئا, واختلفا في الجزء المشروط لمن هو؟ فهو للعامل قليلا كان أو كثيرا لذلك وإن قال: خذه مضاربة ولك ثلث الربح, وثلث ما بقي صح وكان له خمسة أتساع لأن هذا معناه وإن قال: لك ثلث الربح وربع ما بقي فله النصف وإن قال: لك ربع الربح, وربع ما بقي فله ثلاثة أثمان ونصف ثمن وسواء عرفا الحساب أو جهلاه لأن ذلك أجزاء معلومة مقدرة فأشبه ما لو شرط الخمسين ومذهب الشافعي في هذا الفصل كله كمذهبنا. فصل:
وإن قال: خذه مضاربة, ولك جزء من الربح أو شركة في الربح أو شيء من الربح, أو نصيب أو حظ لم يصح لأنه مجهول ولا تصح المضاربة إلا على قدر معلوم وإن قال: خذه ولك مثل ما شرط لفلان وهما يعلمان ذلك صح لأنهما أشارا إلى معلوم عندهما وإن كانا لا يعلمانه, أو لا يعلمه أحدهما فسدت المضاربة لأنه مجهول. فصل:
وإن قال: خذ هذا المال فاتجر به وربحه كله لك كان قرضا لا قراضا لأن قوله: خذه فاتجر به يصلح لهما وقد قرن به حكم القرض, فانصرف إليه وإن قال مع ذلك: ولا ضمان عليك فهذا قرض شرط فيه نفي الضمان فلا ينتفي بشرطه كما لو صرح به, فقال: خذ هذا قرضا ولا ضمان عليك وإن قال: خذه فاتجر به والربح كله لي كان إبضاعا لأنه قرن به حكم الإبضاع فانصرف إليه فإن قال مع ذلك: وعليك ضمانه لم يضمنه لأن العقد يقتضي كونه أمانة غير مضمونة فلا يزول ذلك بشرطه وإن قال: خذه مضاربة, والربح كله لك أو كله لي فهو عقد فاسد وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة: إذا قال: والربح كله لي كان إبضاعا صحيحا لأنه أثبت له حكم الإبضاع فانصرف إليه كالتى قبلها وقال مالك: يكون مضاربة صحيحة في الصورتين لأنهما دخلا في القراض, فإذا شرط لأحدهما فكأنه وهب الآخر نصيبه فلم يمنع صحة العقد ولنا, أن المضاربة تقتضى كون الربح بينهما فإذا شرط اختصاص أحدهما بالربح فقد شرط ما ينافي مقتضى العقد, ففسد كما لو شرط الربح كله في شركة العنان لأحدهما ويفارق ما إذا لم يقل مضاربة لأن اللفظ يصلح لما أثبت حكمه من الإبضاع والقراض بخلاف ما إذا صرح بالمضاربة وما ذكره مالك لا يصح لأن الهبة لا تصح قبل وجود الموهوب. فصل:
ويجوز أن يدفع مالا إلى اثنين مضاربة في عقد واحد, فإن شرط لهما جزءا من الربح بينهما نصفين جاز وإن قال: لكما كذا وكذا من الربح ولم يبين كيف هو بينهما نصفان لأن إطلاق قوله بينهما يقتضي التسوية, كما لو قال لعامله: والربح بيننا وإن شرط لأحدهما ثلث الربح وللآخر ربعه وجعل الباقي له, جاز وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك: لا يجوز لأنهما شريكان في العمل بأبدانهما فلا يجوز تفاضلهما في الربح كشريكى الأبدان ولنا أن عقد الواحد مع الاثنين عقدان, فجاز أن يشترط في أحدهما أكثر من الآخر كما لو انفرد ولأنهما يستحقان بالعمل وهما يتفاضلان فيه فجاز تفاضلهما في العوض, كالأجيرين ولا نسلم وجوب التساوى في شركة الأبدان بل هي كمسألتنا في جواز تفاضلهما ثم الفرق بينهما أن ذلك عقد واحد وهذان عقدان. فصل:
وإن قارض اثنان واحدا بألف لهما, جاز وإذا شرطا له ربحا متساويا منهما جاز وإن شرط أحدهما له النصف والآخر الثلث, جاز ويكون باقى ربح مال كل واحد منهما لصاحبه وإن شرطا كون الباقي من الربح بينهما نصفين لم يجز وهذا مذهب الشافعي وكلام القاضي يقتضي جوازه وحكى ذلك عن أبي حنيفة وأبي ثور ولنا, أن أحدهما يبقى له من ربح ماله النصف والآخر يبقى له الثلثان فإذا اشترطا التساوى فقد شرط أحدهما للآخر جزءا من ربح ماله بغير عمل فلم يجز كما لو شرط ربح ماله المنفرد. فصل:
وإذا شرطا جزءا من الربح لغير العامل نظرت فإن شرطاه لعبد أحدهما أو لعبديهما, صح وكان ذلك مشروطا لسيده فإذا جعلا الربح بينهما وبين عبديهما أثلاثا كان لصاحب العبد الثلثان, وللآخر الثلث وإن شرطاه لأجنبي أو لولد أحدهما أو امرأته أو قريبه وشرطا عليه عملا مع العامل, صح وكانا عاملين وإن لم يشترطا عليه عملا لم تصح المضاربة وبهذا قال الشافعي وحكى عن أصحاب الرأي أنه يصح, والجزء المشروط له لرب المال سواء شرط لقريب العامل أو لقريب رب المال, أو لأجنبي لأن العامل لا يستحق إلا ما شرط له ورب المال يستحق الربح بحكم الأصل والأجنبي لا يستحق شيئا لأنه إنما يستحق الربح بمال أو عمل, وليس هذا واحدا منهما فما شرط لا يستحقه فيرجع إلى رب المال, كما لو ترك ذكره ولنا أنه شرط فاسد يعود إلى الربح ففسد به العقد, كما لو شرط دراهم معلومة وإن قال: لك الثلثان على أن تعطى امرأتك نصفه فكذلك لأنه شرط في الربح شرطا لا يلزم فكان فاسدا والحكم في الشركة كالحكم في المضاربة, فيما ذكرناه. فصل:
والحكم في الشركة كالحكم في المضاربة في وجوب معرفة قدر ما لكل واحد منهما من الربح إلا أنهما إذا أطلقاها ولم يذكرا الربح, كان بينهما على قدر المالين وفي شركة الوجوه يكون على قدر ملكيهما في المشترى لأن لهما أصلا يرجعان إليه, ويتقدر الربح به بخلاف المضاربة فإنه لا يمكن تقدير الربح فيها بالمال والعمل, لكون أحدهما من غير جنس الآخر فلا يعلم قدره منه وأما شركة الأبدان فلا مال فيها يقدر الربح به, فيحتمل أن يتقدر بالعمل لأن عمل أحدهما من جنس عمل الآخر فقد تساويا في أصل العمل فيكون ذلك أصلا يرجع إليه ويحتمل ألا يقدر به لأن العمل يقل ويكثر ويتفاضل, ولا يوقف على مقداره بخلاف المال فيعتبر ذكر الربح والمعرفة به, كما في المضاربة. مسألة:
قال: [والوضيعة على قدر المال] يعني الخسران في الشركة على كل واحد منهما بقدر ماله فإن كان مالهما متساويا في القدر فالخسران بينهما نصفين, وإن كان أثلاثا فالوضيعة أثلاثا لا نعلم في هذا خلافا بين أهل العلم وبه يقول أبو حنيفة والشافعي وغيرهما وفي شركة الوجوه تكون الوضيعة على قدر ملكيهما في المشترى, سواء كان الربح بينهما كذلك أو لم يكن وسواء كانت الوضيعة لتلف أو نقصان في الثمن عما اشتريا به, أو غير ذلك والوضيعة في المضاربة على المال خاصة ليس على العامل منها شيء لأن الوضيعة عبارة عن نقصان رأس المال وهو مختص بملك ربه, لا شيء للعامل فيه فيكون نقصه من ماله دون غيره وإنما يشتركان فيما يحصل من النماء فأشبه المساقاة والمزارعة, فإن رب الأرض والشجر يشارك العامل فيما يحدث من الزرع والتمر وإن تلف الشجر أو هلك شيء من الأرض بغرق أو غيره لم يكن على العامل شيء. مسألة:
قال: [ولا يجوز أن يجعل لأحد من الشركاء فضل دراهم] وجملته أنه متى جعل نصيب أحد الشركاء دراهم معلومة, أو جعل مع نصيبه دراهم مثل أن يشترط لنفسه جزءا وعشرة دراهم بطلت الشركة قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال القراض إذا شرط أحدهما أو كلاهما لنفسه دراهم معلومة وممن حفظنا ذلك عنه مالك والأوزاعي والشافعي, وأبو ثور وأصحاب الرأي والجواب فيما لو قال: لك نصف الربح إلا عشرة دراهم أو نصف الربح وعشرة دراهم, كالجواب فيما إذا شرط دراهم مفردة وإنما لم يصح ذلك لمعنيين: أحدهما أنه إذا شرط دراهم معلومة احتمل أن لا يربح غيرها, فيحصل على جميع الربح واحتمل أن لا يربحها فيأخذ من رأس المال جزءا وقد يربح كثيرا, فيستضر من شرطت له الدراهم والثاني أن حصة العامل ينبغي أن تكون معلومة بالأجزاء لما تعذر كونها معلومة بالقدر, فإذا جهلت الأجزاء فسدت كما لو جهل القدر فيما يشترط أن يكون معلوما به ولأن العامل متى شرط لنفسه دراهم معلومة, ربما توانى في طلب الربح لعدم فائدته فيه وحصول نفعه لغيره بخلاف ما إذا كان له جزء من الربح. فصل:
وإن دفع إليه ألفين مضاربة على أن لكل واحد منهما ربح ألف, أو على أن لأحدهما ربح أحد الثوبين أو ربح إحدى السفرتين أو ربح تجارته في شهر أو عام بعينه, ونحو ذلك فسد الشرط والمضاربة لأنه قد يربح في ذلك المعين دون غيره وقد يربح في غيره دونه, فيختص أحدهما بالربح وذلك يخالف موضوع الشركة ولا نعلم في هذا خلافا وإن دفع إليه ألفا وقال لك ربح نصفه لم يجز وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة, وأبو ثور: يجوز لأن نصف ربحه هو ربح نصفه فجاز شرطه كما لو عبر عنه بعبارته الأخرى ولنا, أنه شرط لأحدهما ربح بعض المال دون بعض وكذلك جعل الآخر فلم يجز كما لو قال: لك ربح هذه الخمسمائة ولأنه يمكن أن يفرد نصف المال, فيربح فيه دون النصف الآخر بخلاف نصف الربح فإنه لا يؤدى إلى انفراده بربح شيء من المال. مسألة:
قال: [والمضارب إذا باع بنسيئة بغير أمر ضمن, في إحدى الروايتين والأخرى لا يضمن] وجملته أن المضارب وغيره من الشركاء إذا نص له على التصرف, فقال: نقدا أو نسيئة أو قال: بنقد البلد أو ذكر نقدا غيره جاز ولم تجز مخالفته لأنه متصرف بالإذن, فلا يتصرف في غير ما أذن له فيه كالوكيل ولأن ذلك لا يمنع مقصود المضاربة وقد يطلب بذلك الفائدة في العادة وإن أطلق, فلا خلاف في جواز البيع حالا وفي البيع نسيئة روايتان: إحداهما ليس له ذلك وهو قول مالك, وابن أبي ليلى والشافعي لأنه نائب في البيع فلم يجز له البيع نسيئة بغير إذن صريح فيه كالوكيل, وذلك لأن النائب لا يجوز له التصرف إلا على وجه الحظ والاحتياط وفي النسيئة تغرير بالمال وقرينة الحال تقيد مطلق الكلام, فيصير كأنه قال: بعه حالا والثانية: أنه يجوز له البيع نساء وهو قول أبي حنيفة واختيار ابن عقيل لأن إذنه في التجارة والمضاربة ينصرف إلى التجارة المعتادة, وهذا عادة التجار ولأنه يقصد به الربح والربح في النساء أكثر ويفارق الوكالة المطلقة فإنها لا تختص بقصد الربح, وإنما المقصود تحصيل الثمن فحسب فإذا أمكن تحصيله من غير خطر كان أولى, ولأن الوكالة المطلقة في البيع تدل على أن حاجة الموكل إلى الثمن ناجزة فلم يجز تأخيره بخلاف المضاربة وإن قال له اعمل برأيك فله البيع نساء وكذلك إذا قال له: تصرف كيف شئت, وقال الشافعي: ليس له البيع نساء في الموضعين لأن فيه غررا فلم يجز كما لو لم يقل له ذلك ولنا, أنه داخل في عموم لفظه وقرينة حاله تدل على رضائه برأيه في صفات البيع وفي أنواع التجارة, وهذا منها فإذا قلنا: له البيع نساء فالبيع صحيح ومهما فات من الثمن لا يلزمه ضمانه إلا أن يفرط ببيع من لا يوثق به, أو من لا يعرفه فيلزمه ضمان الثمن الذي انكسر على المشترى وإن قلنا: ليس له البيع نساء فالبيع باطل لأنه فعل ما لم يؤذن له فيه فأشبه البيع من الأجنبي, إلا على الرواية التي تقول: يقف بيع الأجنبي على الإجازة فهاهنا مثله ويحتمل قول الخرقي صحة البيع فإنه إنما ذكر الضمان ولم يذكر فساد البيع وعلى كل حال يلزم العامل الضمان لأن ذهاب الثمن حصل بتفريطه فإن قلنا بفساد البيع ضمن المبيع بقيمته إذا تعذر عليه استرجاعه إما لتلف المبيع أو امتناع المشترى من رده إليه وإن قلنا بصحته, احتمل أن يضمنه بقيمته أيضا لأنه لم يفت بالبيع أكثر منها ولا يتحفظ بتركه سواها وزيادة, الثمن حصلت بتفريطه فلا يضمنها واحتمل أن يضمن الثمن لأنه وجب بالبيع وفات بتفريط البائع وإن نقص عن القيمة, فقد انتقل الوجوب إليه بدليل أنه لو حصل الثمن لم يضمن شيئا. فصل:
وليس له السفر بالمال في أحد الوجهين, وهو مذهب الشافعي لأن في السفر تغريرا بالمال وخطرا ولهذا يروى: " إن المسافر وماله لعلى خطر " قلت إلا ما وقى الله تعالى: أي هلاك, ولا يجوز له التغرير بالمال بغير إذن مالكه والوجه الثاني له السفر به إذا لم يكن مخوفا قال القاضي: قياس المذهب جوازه بناء على السفر الوديعة وهذا قول مالك ويحكى ذلك عن أبي حنيفة لأن الإذن المطلق ينصرف إلى ما جرت به العادة, والعادة جارية بالتجارة سفرا وحضرا ولأن المضاربة مشتقة من الضرب في الأرض فملك ذلك بمطلقها, وهذان الوجهان في المطلق فأما إن أذن في السفر أو نهى عنه أو وجدت قرينة دالة على أحد الأمرين, تعين ذلك وثبت ما أمر به وحرم ما نهى عنه وليس له السفر في موضع مخوف على الوجهين جميعا وكذلك لو أذن له في السفر مطلقا, لم يكن له السفر في طريق مخوف ولا إلى بلد مخوف فإن فعل, فهو ضامن لما يتلف لأنه متعد بفعل ما ليس له فعله وإن سافر في طريق آمن جاز ونفقته في مال نفسه وبهذا قال ابن سيرين وحماد بن أبي سليمان ظاهر مذهب الشافعي وقال الحسن, والنخعي والأوزاعي ومالك, وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي: ينفق من المال بالمعروف, إذا شخص به عن البلد لأن سفره لأجل المال فكانت نفقته منه كأجر الحمال ولنا أن نفقته تخصه, فكانت عليه كنفقة الحضر وأجر الطبيب, وثمن الطب ولأنه دخل على أنه يستحق من الربح الجزء المسمى فلا يكون له غيره, ولأنه لو استحق النفقة أفضى إلى أن يختص بالربح إذا لم يربح سوى ما أنفقه فأما إن اشترط له النفقة فله ذلك وله ما قدر له من مأكول وملبوس ومركوب وغيره قال أحمد, في رواية الأثرم: أحب إلى أن يشترط نفقة محدودة وإن أطلق صح نص عليه وله نفقته من المأكول ولا كسوة له قال أحمد: إذا قال: له نفقته فإنه ينفق قيل له: فيكتسى؟ قال: لا, إنما له النفقة وإن كان سفره طويلا يحتاج إلى تجديد كسوة فظاهر كلام أحمد جوازها لأنه قيل له: فلم يشترط الكسوة, إلا أنه في بلد بعيد وله مقام طويل يحتاج فيه إلى كسوة فقال: إذا أذن له في النفقة فعل, ما لم يحمل على مال الرجل ولم يكن ذلك قصده هذا معناه وقال القاضي وأبو الخطاب: إذا شرط له النفقة فله جميع نفقته, من مأكول أو ملبوس بالمعروف وقال أحمد: ينفق على معنى ما كان ينفق على نفسه غير متعد بالنفقة ولا مضر بالمال لم يذهب أحمد إلى تقدير النفقة لأن الأسعار تختلف, وقد تقل وقد تكثر فإن اختلفا في قدر النفقة فقال أبو الخطاب: يرجع في القوت إلى الإطعام في الكفارة, وفي الكسوة إلى أقل ملبوس مثله فإن كان معه مال لنفسه مع مال المضاربة أو كان معه مضاربة أخرى أو بضاعة لآخر, فالنفقة على قدر المالين لأن النفقة إنما كانت لأجل السفر والسفر للمالين, فيجب أن تكون النفقة مقسومة على قدرهما إلا أن يكون رب المال قد شرط له النفقة مع علمه بذلك ولو أذن له في السفر إلى موضع معين أو غير معين, ثم لقيه رب المال في السفر إما بذلك الموضع أو في غيره, وقد نض المال فأخذ ماله فطالبه العامل بنفقة الرجوع إلى بلده, لم يكن له لأنه إنما يستحق النفقة ما داما في القراض وقد زال فزالت النفقة, ولذلك لو مات لم يجب تكفينه وقد قيل: له ذلك لأنه كان شرط له نفقة ذهابه ورجوعه وغيره بتسفيره إلى الموضع الذي أذن له فيه معتقدا أنه مستحق للنفقة ذاهبا وراجعا, فإذا قطع عنه النفقة تضرر بذلك. فصل:
وحكم المضارب حكم الوكيل في أنه ليس له أن يبيع بأقل من ثمن المثل, ولا يشترى بأكثر منه مما لا يتغابن الناس بمثله فإن فعل فقد روى عن أحمد, أن البيع يصح ويضمن النقص لأن الضرر ينجبر بضمان النقص والقياس أن البيع باطل وهو مذهب الشافعي لأنه بيع لم يؤذن له فيه, فأشبه بيع الأجنبي فعلى هذا إن تعذر رد المبيع ضمن النقص أيضا, وإن أمكن رده وجب رده إن كان باقيا أو قيمته إن كان تالفا ولرب المال مطالبة من شاء من العامل أو المشتري, فإن أخذ من المشترى قيمته رجع المشترى على العامل بالثمن وإن رجع على العامل بقيمته رجع العامل على المشترى بها ورد عليه الثمن لأن التلف حصل في يده وأما ما يتغابن الناس بمثله فغير ممنوع منه لأنه لا يمكن التحرز منه, وأما إذا اشترى بأكثر من ثمن المثل بعين المال فهو كالبيع وإن اشترى في الذمة لزم العامل دون رب المال, إلا أن يجيزه فيكون له هذا ظاهر كلام الخرقي وقال القاضي: إن أطلق الشراء ولم يذكر رب المال فكذلك, وإن صرح للبائع إنني اشتريته لفلان فالبيع باطل أيضا. فصل:
وهل له أن يبيع ويشترى بغير نقد البلد؟ على روايتين: الأولى جوازه إذا رأى المصلحة فيه والربح حاصل به, كما يجوز أن يبيع عرضا بعرض ويشتريه به فإذا قلنا: لا يملك ذلك ففعله فحكمه حكم ما لو اشترى أو باع بغير ثمن المثل وإن قال له: اعمل برأيك فله ذلك وهل له الزراعة؟ يحتمل أن لا يملك ذلك لأن المضاربة لا يفهم من إطلاقها المزارعة وقد روى عن أحمد -رحمه الله- في من دفع إلى رجل ألفا, وقال: اتجر فيها بما شئت فزرع زرعا فربح فيه فالمضاربة جائزة, والربح بينهما قال القاضي: ظاهر هذا أن قوله: اتجر بما شئت دخلت فيه المزارعة لأنها من الوجوه التي يبتغي بها النماء وعلى هذا لو نوى المال كله في المزارعة لم يلزمه ضمانه. فصل:
وله أن يشترى المعيب, إذا رأى المصلحة فيه لأن المقصود الربح وقد يكون الربح في المعيب فإن اشتراه يظنه سليما فبان معيبا, فله فعل ما يرى المصلحة فيه من رده بالعيب أو إمساكه وأخذ أرش العيب فإن اختلف العامل ورب المال في الرد, فطالبه أحدهما وأباه الآخر فعل ما فيه النظر والحظ لأن المقصود تحصيل الحظ فيحتمل الأمر على ما فيه الحظ وأما الشريكان إذا اختلفا في رد المعيب, فلطالب الرد رد نصيبه وللآخر إمساك نصيبه إلا أن يكون البائع لم يعلم أن الشراء لهما جميعا, فلا يلزمه قبول رد بعضه لأن ظاهر الحال أن العقد لمن وليه فلم يجز إدخال الضرر على البائع بتبعيض الصفقة عليه ولو أراد الذي ولى العقد رد بعض المبيع وإمساك البعض كان حكمه حكم ما لو أراد شريكه ذلك, على ما فصلناه. فصل:
وليس له أن يشترى من يعتق على رب المال بغير إذنه لأن عليه فيه ضررا فإن اشتراه بإذن رب المال صح لأنه يجوز أن يشتريه بنفسه فإذا أذن لغيره فيه, جاز ويعتق عليه وتنفسخ المضاربة في قدر ثمنه لأنه قد تلف, ويكون محسوبا على رب المال فإن كان ثمنه كل المال انفسخت المضاربة وإن كان في المال ربح رجع العامل بحصته منه وإن كان بغير إذن رب المال, احتمل أن لا يصح الشراء إذا كان الثمن عينا لأن العامل اشترى ما ليس له أن يشتريه فكان بمنزلة ما لو اشترى شيئا بأكثر من ثمنه ولأن الإذن في المضاربة إنما ينصرف إلى ما يمكن بيعه والربح فيه, فلا يتناول غير ذلك وإن كان اشتراه في الذمة وقع الشراء للعاقد وليس له دفع الثمن من مال المضاربة, فإن فعل ضمن وبهذا قال الشافعي وأكثر الفقهاء وقال القاضي: ظاهر كلام أحمد صحة الشراء لأنه مال متقوم قابل للعقود فصح شراؤه كما لو اشترى من نذر رب المال إعتاقه, ويعتق على رب المال وتنفسخ المضاربة فيه ويلزم العامل ضمانه على ظاهر كلام أحمد, علم بذلك أو جهل لأن مال المضاربة تلف بسببه ولا فرق في الإتلاف الموجب للضمان بين العلم والجهل وفيما يضمنه وجهان: أحدهما قيمته لأن الملك ثبت فيه ثم تلف, فأشبه ما لو أتلفه بفعله والثاني الثمن الذي اشتراه به لأن التفريط منه حصل بالشراء, وبذل الثمن فيما يتلف بالشراء فكان عليه ضمان ما فرط فيه ومتى ظهر في المال ربح فللعامل حصته منه وقال أبو بكر: إن لم يكن العامل عالما بأنه يعتق على رب المال لم يضمن لأن التلف حصل لمعنى في المبيع لم يعلم به المشتري, فلم يضمن كما لو اشترى معيبا لم يعلم بعيبه فتلف به قال: ويتوجه أن لا يضمن, وإن علم. فصل:
وإن اشترى امرأة رب المال صح الشراء وانفسخ النكاح فإن كان قبل الدخول, فهل يلزم الزوج نصف الصداق؟ فيه وجهان ذكرناهما في غير هذا الموضع فإن قلنا: يلزمه رجع به على العامل لأنه سبب تقريره عليه فرجع عليه كما لو أفسدت امرأة نكاحه بالرضاع وإن اشترى زوج ربة المال, صح الشراء وانفسخ النكاح لأنها ملكت زوجها وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي: لا يصح الشراء إذا كان بغير إذنها لأن الإذن إنما يتناول شراء ما لها فيه حظ وشراء زوجها يضر بها لأنه يفسخ نكاحها, ويضر بها ويسقط حقها من النفقة والكسوة فلم يصح كشراء ابنها ولنا, أنه اشترى ما يمكن طلب الربح فيه فجاز كما لو اشترى أجنبيا ولا ضمان على العامل فيما يفوت من المهر ويسقط من النفقة لأن ذلك لا يعود إلى المضاربة, وإنما هو بسبب آخر ولا فرق بين شرائه في الذمة أو بعين المال. فصل:
وإن اشترى المأذون له من يعتق على رب المال بإذنه صح وعتق فإن كان على المأذون له دين يستغرق قيمته وما في يده وقلنا: يتعلق الدين برقبته فعليه دفع قيمة العبد الذي عتق إلى الغرماء لأنه الذي أتلف عليهم بالعتق وإن نهاه عن الشراء, فالشراء باطل لأنه يملكه بالإذن وقد زال بالنهى وإن أطلق الإذن فقال أبو الخطاب: يصح شراؤه لأن من صح أن يشتريه السيد, صح شراء المأذون له كالأجنبي وهذا قول أبي حنيفة إذا أذن له في التجارة ولم يدفع إليه مالا وقال القاضي: لا يصح لأن فيه إتلافا على السيد فإن إذنه يتناول ما فيه حظ, فلا يدخل فيه الإتلاف وفارق عامل المضاربة لأنه يضمن القيمة فيزول الضرر وللشافعي قولان كالوجهين وإن اشترى امرأة رب المال, أو زوج ربة المال فهل يصح؟ على وجهين أيضا كشراء من يعتق بالشراء. فصل:
وإن اشترى المضارب من يعتق عليه صح الشراء, فإن لم يكن ظهر في المال ربح لم يعتق منه شيء وإن ظهر فيه ربح, ففيه وجهان مبنيان على العامل متى يملك الربح؟ فإن قلنا: يملكه بالقسمة لم يعتق منه شيء لأنه ما ملكه وإن قلنا: يملكه بالظهور ففيه وجهان: أحدهما لا يعتق وهو قول أبي بكر لأنه لم يتم ملكه عليه, لأن الربح وقاية لرأس المال فلم يعتق لذلك والثاني يعتق بقدر حصته من الربح, إن كان معسرا ويقوم عليه باقيه إن كان موسرا لأنه ملكه بفعله فيعتق عليه كما لو اشتراه بماله وهذا قول القاضي, ومذهب أصحاب أبي حنيفة لكن عندهم يستسعى في بقيته إن كان معسرا ولنا رواية كقولهم وإن اشتراه ولم يظهر ربح ثم ظهر بعد ذلك, والعبد باق في التجارة فهو كما لو كان الربح ظاهرا وقت الشراء وقال الشافعي إن اشتراه بعد ظهور الربح لم يصح, في أحد الوجهين لأنه يؤدى إلى أن ينجز العامل حقه قبل رب المال ولنا أنهما شريكان فصح شراء كل واحد منهما من يعتق عليه كشريكى العنان. فصل:
وليس له أن يشترى بأكثر من رأس المال لأن الإذن ما تناول أكثر منه فإن كان رأس المال ألفا, فاشترى عبدا بألف ثم اشترى عبدا آخر بعين الألف فالشراء فاسد لأنه اشتراه بمال يستحق تسليمه في البيع الأول وإن اشتراه في ذمته, صح الشراء والعبد له لأنه اشترى في ذمته لغيره ما لم يأذن له في شرائه فوقع له وهل يقف على إجازة رب المال؟ على روايتين ومذهب الشافعي كنحو ما ذكرنا. فصل:
وليس للمضارب وطء أمة من المضاربة, سواء ظهر في المال ربح أو لم يظهر فإن فعل فعليه المهر والتعزير وإن علقت منه ولم يظهر في المال ربح, فولده رقيق لأنها علقت منه في غير ملك ولا شبهة ملك ولا تصير أم ولد له وكذلك وإن ظهر في المال ربح فالولد حر, وتصير أم ولد له وعليه قيمتها ونحو هذا قال سفيان وإسحاق وقال القاضي: إن لم يظهر ربح فعليه الحد لأنه وطئ في غير ملك ولا شبهة ملك والمنصوص عن أحمد, أن عليه التعزير لأن ظهور الربح ينبني على التقويم والتقويم غير متحقق لأنه يحتمل أن السلع تساوى أكثر مما قومت به فيكون ذلك شبهة في درء, الحد لأنه يدرأ بالشبهات. فصل:
وليس لرب المال وطء الأمة أيضا لأنه ينقصها إن كانت بكرا ويعرضها للخروج من المضاربة والتلف, فإن فعل فلا حد عليه لأنها مملوكته وإن علقت منه صارت أم ولده, وولده حر كذلك وتخرج من المضاربة وتحسب قيمتها ويضاف إليها بقية المال فإن كان فيه ربح فللعامل حصته منه. فصل:
وإذا أذن رب المال للمضارب في الشراء من مال المضاربة, فاشترى جارية ليتسرى بها خرج ثمنها من المضاربة وصار قرضا في ذمته لأن استباحة البضع لا تحصل إلا بملكه لقول الله تعالى: {إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم}. فصل:
وليس لواحد منهما تزويج الأمة لأنه ينقصها, ولا مكاتبة العبد لذلك فإن اتفقا على ذلك جاز لأن الحق لهما لا يخرج عنهما. فصل:
وليس للمضارب دفع المال إلى آخر مضاربة نص عليه أحمد في رواية الأثرم, وحرب وعبد الله قال: إن أذن له رب المال, وإلا فلا وخرج القاضي وجها في جواز ذلك بناء على توكيل الوكيل من غير إذن الموكل ولا يصح هذا التخريج وقياسه على الوكيل ممتنع لوجهين أحدهما, أنه إنما دفع إليه المال ها هنا ليضارب به وبدفعه إلى غيره مضاربة يخرج عن كونه مضاربا به بخلاف الوكيل الثاني, أن هذا يوجب في المال حقا لغيره ولا يجوز إيجاب حق في مال إنسان بغير إذنه وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي ولا أعرف عن غيرهم خلافهم فإن فعل فلم يتلف المال, ولا ظهر فيه ربح رده إلى مالكه ولا شيء له ولا عليه وإن تلف, أو ربح فيه فقال الشريف أبو جعفر: هو في الضمان والتصرف كالغاصب ولرب المال مطالبة من شاء منهما برد المال إن كان باقيا, وبرد بدله إن كان تالفا أو تعذر رده فإن طالب الأول, وضمنه قيمة التالف ولم يكن الثاني علم بالحال لم يرجع عليه بشيء لأنه دفعه إليه على وجه الأمانة وإن علم بالحال, رجع عليه لأنه قبض مال غيره على سبيل العدوان وتلف تحت يده فاستقر ضمانه عليه وإن ضمن الثاني مع علمه بالحال, لم يرجع على الأول وإن لم يعلم فهل يرجع على الأول؟ على وجهين: أحدهما يرجع عليه لأنه غره, فأشبه ما لو غره بحرية أمة والثاني: لا يرجع لأن التلف كان في يده فاستقر الضمان عليه وإن ربح في المال فالربح لمالكه, ولا شيء للمضارب الأول لأنه لم يوجد منه مال ولا عمل وهل للثاني أجر مثله؟ على روايتين: إحداهما له ذلك لأنه عمل في مال غيره بعوض لم يسلم له فكان له أجر مثله, كالمضاربة الفاسدة والثانية: لا شيء له لأنه عمل في مال غيره بغير إذنه فلم يستحق لذلك عوضا كالغاصب وفارق المضاربة لأنه عمل في ماله بإذنه وسواء اشترى بعين المال أو في الذمة ويحتمل أنه إذا اشترى في الذمة يكون الربح له, لأنه ربح فيما اشتراه في ذمته مما لم يقع في الشراء فيه لغيره فأشبه ما لو لم ينقد الثمن من مال رب المال قال الشريف أبو جعفر: هذا قول أكثرهم يعني قول مالك والشافعي وأبي حنيفة ويحتمل أنه إن كان عالما بالحال فلا شيء للعامل, كالغاصب وإن جهل الحال فله أجر مثله, يرجع به على المضارب الأول لأنه غره واستعمله بعوض لم يحصل له فوجب أجره عليه, كما لو استعمله في مال نفسه وقال القاضي: إن اشترى بعين المال فالشراء باطل وإن كان اشترى في الذمة ثم نقد المال, وكان قد شرط رب المال للمضارب النصف فدفعه المضارب إلى آخر على أن يكون لرب المال النصف, والنصف الآخر بينهما فهو على ما اتفقوا عليه لأن رب المال رضي بنصف الربح فلا يدفع إليه أكثر منه والعاملان على ما اتفقا عليه وهذا قول قديم للشافعي وليس هذا موافقا لأصول المذهب ولا لنص أحمد فإن أحمد قال: لا يطيب الربح للمضارب ولأن المضارب الأول ليس له عمل ولا مال, ولا يستحق الربح في المضاربة إلا بواحد منهما والعامل الثاني عمل في مال غيره بغير إذنه ولا شرطه فلم يستحق ما شرطه له غيره كما لو دفعه إليه الغاصب مضاربة, ولأنه إذا لم يستحق ما شرطه له رب المال في المضاربة الفاسدة فما شرطه له غيره بغير إذنه أولى. فصل:
وإن أذن رب المال في دفع المال مضاربة جاز ذلك نص عليه أحمد ولا نعلم فيه خلافا ويكون العامل الأول وكيلا لرب المال في ذلك فإذا دفعه إلى آخر, ولم يشرط لنفسه شيئا من الربح كان صحيحا وإن شرط لنفسه شيئا من الربح لم يصح لأنه ليس من جهته مال ولا عمل, والربح إنما يستحق بواحد منهما وإن قال: اعمل برأيك أو بما أراك الله جاز له دفعه مضاربة نص عليه لأنه قد يرى أن يدفعه إلى أبصر منه ويحتمل أن لا يجوز له ذلك لأن قوله: اعمل برأيك يعني في كيفية المضاربة والبيع والشراء وأنواع التجارة وهذا يخرج به عن المضاربة, فلا يتناوله إذنه. فصل:
وليس له أن يخلط مال المضاربة بماله فإن فعل ولم يتميز ضمنه لأنه أمانة فهو كالوديعة فإن قال له: اعمل برأيك جاز له ذلك وهو قول مالك, والثوري وأصحاب الرأي وقال الشافعي: ليس له ذلك وعليه الضمان إن فعله لأن ذلك ليس من التجارة ولنا أنه قد يرى الخلط أصلح له فيدخل في قوله: اعمل برأيك وهكذا القول في المشاركة به ليس له فعلها, إلا أن يقول: اعمل برأيك فيملكها. فصل:
وليس له أن يشترى خمرا ولا خنزيرا سواء كانا مسلمين أو كان أحدهما مسلما والآخر ذميا فإن فعل, فعليه الضمان وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة: إن كان العامل ذميا صح شراؤه للخمر وبيعه إياها لأن الملك عنده ينتقل إلى الوكيل وحقوق العقد تتعلق به وقال أبو يوسف ومحمد: يصح شراؤه إياها لأن الملك فيها ينتقل إلى الوكيل, ولا يصح بيعه لأنه يبيع ما ليس بملك له ولا لموكله ولنا إنه إن كان العامل مسلما فقد اشترى خمرا ولا يصح أن يشترى خمرا ولا يبيعه, وإن كان ذميا فقد اشترى للمسلم ما لا يصح أن يملكه ابتداء فلا يصح, كما لو اشترى الخنزير ولأن الخمر محرمة فلا يصح شراؤها له كالخنزير والميتة, ولأن ما لا يجوز بيعه لا يجوز شراؤه كالميتة والدم وكل ما جاز في الشركة جاز في المضاربة, وما جاز في المضاربة جاز في الشركة وما منع منه في إحداهما منع منه في الأخرى لأن المضاربة شركة, ومبنى كل واحدة منهما على الوكالة والأمانة. مسألة: قال: [وإذا ضارب لرجل لم يجز أن يضارب لآخر إذا كان فيه ضرر على الأول فإن فعل, وربح رده في شركة الأول] وجملة ذلك أنه إذا أخذ من إنسان مضاربة إحداها ثم أراد أخذ مضاربة أخرى من آخر فأذن له الأول, جاز وإن لم يأذن له ولم يكن عليه ضرر جاز أيضا, بغير خلاف وإن كان فيه ضرر على رب المال الأول ولم يأذن مثل أن يكون المال الثاني كثيرا يحتاج إلى أن يقطع زمانه, ويشغله عن التجارة في الأول ويكون المال الأول كثيرا متى اشتغل عنه بغيره انقطع عن بعض تصرفاته لم يجز له ذلك وقال أكثر الفقهاء: يجوز لأنه عقد لا يملك به منافعه كلها, فلم يمنع من المضاربة كما لو لم يكن فيه ضرر وكالأجير المشترك ولنا, أن المضاربة على الحظ والنماء فإذا فعل ما يمنعه لم يكن له, كما لو أراد التصرف بالعين وفارق ما لا ضرر فيه فعلى هذا إذا فعل وربح رد الربح في شركة الأول, ويقتسمانه فلينظر ما ربح في المضاربة الثانية فيدفع إلى رب المال منها نصيبه, ويأخذ المضارب نصيبه من الربح فيضمه إلى ربح المضاربة الأولى ويقاسمه لرب المضاربة الأولى لأنه استحق حصته من الربح بالمنفعة التي استحقت بالعقد الأول, فكان بينهما كربح المال الأول فأما حصة رب المال الثاني من الربح فتدفع إليه لأن العدوان من المضارب لا يسقط حق رب المال الثاني, ولأنا لو رددنا ربح الثاني كله في الشركة الأولى لاختص الضرر برب المال الثاني ولم يلحق المضارب شيء من الضرر, والعدوان منه بل ربما انتفع إذا كان قد شرط الأول النصف والثاني الثلث ولأنه لا يخلو إما أن يحكم بفساد المضاربة الثانية, أو بصحتها فإن كانت فاسدة فالربح كله لرب المال, وللمضارب أجر مثله وإن حكمنا بصحتها وجب صرف حصة رب المال إليه بمقتضى العقد وموجب الشرط والنظر يقتضي أن لا يستحق رب المضاربة الأولى من رب الثانية شيئا لأنه إنما يستحق بمال أو عمل, وليس له في المضاربة الثانية مال ولا عمل وتعدى المضارب إنما كان بترك العمل واشتغاله عن المال الأول وهذا لا يوجب عوضا, كما لو اشتغل بالعمل في مال نفسه أو آجر نفسه أو ترك التجارة للعب, أو اشتغال بعلم أو غير ذلك ولو أوجب عوضا لأوجب شيئا مقدرا لا يختلف ولا يتقدر بربحه في الثاني والله أعلم. فصل:
وإن دفع إليه مضاربة, واشترط النفقة فكلمه رجل في أن يأخذ له بضاعة أو مضاربة ولا ضرر فيها فقال: أحمد إذا اشترط النفقة, صار أجيرا له فلا يأخذ من أحد بضاعة فإنها, تشغله عن المال الذي يضارب به قيل: فإن كانت لا تشغله؟ فقال: ما يعجبني أن يكون إلا بإذن صاحب المضاربة فإنه لا بد من شغل وهذا والله أعلم, على سبيل الاستحباب وإن فعل فلا شيء عليه لأنه لا ضرر على رب المضاربة فيه. فصل:
وإن أخذ من رجل مضاربة ثم أخذ من آخر بضاعة, أو عمل في مال نفسه أو اتجر فيه فربحه في مال البضاعة لصاحبها, وفي مال نفسه لنفسه. فصل:
إذا أخذ من رجل مائة قراضا ثم أخذ من آخر مثلها واشترى بكل مائة عبدا, فاختلط العبدان ولم يتميزا فإنهما يصطلحان عليهما كما لو كانت لرجل حنطة, فانثالت عليه أخرى وذكر القاضي في ذلك وجهين: أحدهما يكونان شريكين فيهما كما لو اشتركا في عقد البيع, فيباعان ويقسم بينهما فإن كان فيهما ربح دفع إلى العامل حصته, والباقي بينهما نصفين والثاني: يكونان للعامل وعليه أداء رأس المال والربح له والخسران عليه وللشافعي قولان, كالوجهين والأول أولى لأن ملك كل واحد منهما ثابت في أحد العبدين فلا يزول بالاشتباه عن جميعه ولا عن بعضه, بغير رضاه كما لو لم يكونا في يد المضارب ولأننا لو جعلناهما للمضارب, أدى إلى أن يكون تفريطه سببا لانفراده بالربح وحرمان المتعدي عليه وعكس ذلك أولى, وإن جعلناهما شريكين أدى إلى أن يأخذ أحدهما ربح مال الآخر بغير رضاه وليس له فيه مال ولا عمل. فصل:
إذا تعدى المضارب وفعل ما ليس له فعله, أو اشترى شيئا نهى عن شرائه فهو ضامن للمال في قول أكثر أهل العلم روى ذلك عن أبي هريرة, وحكيم بن حزام وأبي قلابة ونافع, وإياس والشعبي والنخعي, والحكم وحماد ومالك والشافعي, وإسحاق وأصحاب الرأي وعن على رضي الله عنه: لا ضمان على من شورك في الربح وروى معنى ذلك عن الحسن والزهري ولنا أنه متصرف في مال غيره بغير إذنه فلزمه الضمان, كالغاصب ولا نقول بمشاركته في الربح فلا يتناوله قول على رضي الله عنه ومتى اشترى ما لم يؤذن فيه فربح فيه, فالربح لرب المال نص عليه أحمد وبه قال أبو قلابة ونافع وعن أحمد, أنهما يتصدقان بالربح وبه قال الشعبي والنخعي والحكم, وحماد قال القاضي: قول أحمد: يتصدقان بالربح على سبيل الورع وهو لرب المال في القضاء وهذا قول الأوزاعي وقال إياس بن معاوية ومالك: الربح على ما شرطاه لأنه نوع تعد, فلا يمنع كون الربح بينهما على ما شرطاه كما لو لبس الثوب وركب دابة ليس له ركوبها وقال القاضي: إذا اشترى في الذمة, ثم نقد المال فالربح لرب المال وإن اشترى بعين المال فالشراء باطل, في إحدى الروايتين والأخرى هو موقوف على إجازة المالك فإن أجازه صح, وإلا بطل والمذهب الأول نص عليه أحمد في رواية الأثرم وقال أبو بكر: لم يرو أنه يتصدق بالربح إلا حنبل واحتج أحمد بحديث عروة البارقي, وهو ما روى أبو لبيد عن عروة بن الجعد قال: (( عرض للنبي -ﷺ- جلب, فأعطاني دينارا فقال: عروة ائت الجلب, فاشتر لنا شاة فأتيت الجلب فساومت صاحبه فاشتريت شاتين بدينار, فجئت أسوقهما أو أقودهما فلقيني رجل بالطريق فساومني, فبعت منهما شاة بالدينار فجئت بالدينار وبالشاة فقلت: يا رسول الله, هذا ديناركم وهذه شاتكم قال: وكيف صنعت؟ فحدثته الحديث فقال: اللهم بارك له في صفقة يمينه )) رواه الأثرم ولأنه نماء مال غيره, بغير إذن مالكه فكان لمالكه كما لو غصب حنطة فزرعها فأما المضارب, ففيه روايتان إحداهما لا شيء له لأنه عقد عقدا لم يؤذن له فيه فلم يكن له شيء, كالغاصب وهذا اختيار أبي بكر والثانية له أجر لأن رب المال رضي بالبيع وأخذ الربح, فاستحق العامل عوضا كما لو عقده بإذن وفي قدر الأجر روايتان إحداهما أجر, مثله ما لم يحط بالربح لأنه عمل ما يستحق به العوض ولم يسلم له المسمى, فكان له أجر مثله كالمضاربة الفاسدة والثانية, له الأقل من المسمى أو أجر المثل لأنه إن كان الأقل المسمى فقد رضي به فلم يستحق أكثر منه, وإن كان الأقل أجر المثل لم يستحق أكثر منه لأنه لم يعمل ما رضي به وإن قصد الشراء لنفسه فلا أجر له, رواية واحدة وقال القاضي وأبو الخطاب: إن اشترى في ذمته ثم نقد المال فلا أجر له, رواية واحدة وإن اشترى بعين المال فعلى روايتين. فصل:
وعلى العامل أن يتولى بنفسه كل ما جرت العادة أن يتولاه المضارب بنفسه من نشر الثوب, وطيه وعرضه على المشترى ومساومته, وعقد البيع معه وأخذ الثمن وانتقاده, وشد الكيس وختمه وإحرازه في الصندوق, ونحو ذلك ولا أجر له عليه لأنه مستحق للربح في مقابلته فإن استأجر من يفعل ذلك فالأجر عليه خاصة لأن العمل عليه فأما ما لا يليه العامل في العادة مثل النداء على المتاع ونقله إلى الخان, فليس على العامل عمله وله أن يكترى من يعمله نص عليه أحمد لأن العمل في المضاربة غير مشروط لمشقة اشتراطه, فرجع فيه إلى العرف فإن فعل العامل ما لا يلزمه فعله متبرعا فلا أجر له وإن فعله ليأخذ عليه أجرا فلا شيء له أيضا, في المنصوص عن أحمد وخرج أصحابنا وجها إن له الأجر بناء على الشريك إذا انفرد بعمل لا يلزمه, هل له أجر لذلك؟ على روايتين وهذا مثله والصحيح أنه لا شيء له في الموضعين لأنه عمل في مال غيره عملا لم يجعل له في مقابلته شيء فلم يستحق شيئا كالأجنبي. فصل:
وإذا سرق مال المضاربة أو غصب, فعلى المضارب طلبه والمخاصمة فيه في أحد الوجهين, وفي الآخر ليس عليه ذلك لأن المضاربة عقد على التجارة فلا تدخل فيه الخصومة والأول أولى لأنه يقتضي حفظ المال, ولا يتم ذلك إلا بالخصومة والمطالبة سيما إذا كان غائبا عن رب المال إما لسفر المضارب, أو رب المال فإنه لا يطالب به إلا المضارب فإن تركه ضاع فعلى هذا إن ترك الخصومة والطلب به في هذه الحال, غرمه لأنه ضيعه وفرط فيه وإن كان رب المال حاضرا وعلم الحال لم يلزم العامل طلبه, ولا يضمنه إذا تركه لأن رب المال أولى بذلك من وكيله. فصل:
وإذا اشترى للمضاربة عبدا فقتله عبد لغيره ولم يكن ظهر في المال ربح, فالأمر إلى رب المال إن شاء اقتص وإن شاء عفا على غير مال, وتبطل المضاربة فيه لذهاب رأس المال وإن شاء عفا على مال فإن عفا على مال مثل رأس المال أو أقل, أو أكثر فالمضاربة بحالها والربح بينهما على شرطهما لأنه وجد بدل عن رأس المال, فهو كما لو وجد بدله بالبيع وإن كان في العبد ربح فالقصاص إليهما والمصالحة كذلك لكونهما شريكين فيه والحكم في انفساخ المضاربة وبقائها على ما تقدم. مسألة:
قال: [وليس للمضارب ربح حتى يستوفي رأس المال] يعني أنه لا يستحق أخذ شيء من الربح حتى يسلم رأس المال إلى ربه, ومتى كان في المال خسران وربح جبرت الوضيعة من الربح, سواء كان الخسران والربح في مرة واحدة أو الخسران في صفقة والربح في أخرى أو أحدهما في سفرة والآخر في أخرى لأن معنى الربح هو الفاضل عن رأس المال, وما لم يفضل فليس بربح ولا نعلم في هذا خلافا وأما ملك العامل لنصيبه من الربح بمجرد الظهور قبل القسمة فظاهر المذهب أنه يثبت هذا الذي ذكره القاضي مذهبا وبه قال أبو حنيفة وحكى أبو الخطاب رواية أخرى, أنه لا يملكه إلا بالقسمة وهو مذهب مالك وللشافعي قولان كالمذهبين واحتج من لم يملكه بأنه لو ملكه لاختص بربحه ولوجب أن يكون شريكا لرب المال, كشريكى العنان ولنا أن الشرط صحيح فيثبت مقتضاه, وهو أن يكون له جزء من الربح فإذا وجد يجب أن يملكه بحكم الشرط كما يملك المساقى حصته من الثمرة لظهورها, وقياسا على كل شرط صحيح في عقد ولأن هذا الربح مملوك فلا بد له من مالك, ورب المال لا يملكه اتفاقا ولا تثبت أحكام الملك في حقه فلزم أن يكون للمضارب, ولأنه يملك المطالبة بالقسمة فكان مالكا كأحد شريكى العنان ولا يمنع أن يملكه ويكون وقاية لرأس المال كنصيب رب المال من الربح, وبهذا امتنع اختصاصه بربحه ولأنه لو اختص بربح نصيبه لاستحق من الربح أكثر مما شرط له ولا يثبت بالشرط ما يخالف مقتضاه قال أحمد إذا وطئ المضارب جارية من المضاربة, فإن لم يكن ظهر في المال ربح لم تكن أم ولده وإن ظهر فيه ربح, فهي أم ولده وهذا يدل على أنه يملك الربح بالظهور. فصل:
وإذا دفع إلى رجل مائة مضاربة فخسر عشرة ثم أخذ رب المال منها عشرة, فإن الخسران لا ينقص به رأس المال لأنه قد يربح فيجبر الخسران لكنه ينقص بما أخذه رب المال وهي العشرة, وقسطها من الخسران وهو درهم وتسع درهم ويبقى رأس المال ثمانين وثمانية دراهم وثمانية أتساع درهم وإن كان أخذ نصف التسعين الباقية, وبقي رأس المال خمسين لأنه أخذ نصف المال فسقط نصف الخسران وإن كان أخذ خمسين بقي أربعة وأربعون وأربعة أتساع وكذلك إذا ربح المال, ثم أخذ رب المال بعضه كان ما أخذه من الربح ورأس المال فلو كان رأس المال مائة فربح عشرين, فأخذها رب المال لبقى رأس المال ثلاثة وثمانين وثلثا لأنه أخذ سدس المال فنقص رأس المال سدسه, وهو ستة عشر وثلثان وحظها من الربح ثلاثة وثلث ولو كان أخذ ستين بقي رأس المال خمسين لأنه أخذ نصف المال, فبقي نصف المال وإن أخذ خمسين بقي ثمانية وخمسين وثلثا لأنه أخذ ربع المال وسدسه فبقي ثلثه وربعه, وهو ما ذكرنا وإن أخذ منه ستين ثم خسر في الباقي فصار أربعين فردها, كان له على رب المال خمسة لأن ما أخذه رب المال انفسخت فيه المضاربة فلا يجبر بربحه خسران ما بقي في يده لمفارقته إياه, وقد أخذ من الربح عشرة لأن سدس ما أخذه ربح فكانت العشرة بينهما وإن لم يرد الأربعين كلها, بل رد منها إلى رب المال عشرين بقي رأس المال خمسة وعشرين. فصل:
إذا اشترى رب المال من مال المضاربة شيئا لنفسه, لم يصح في إحدى الروايتين وهو قول الشافعي ويصح في الأخرى وبه قال مالك والأوزاعي وأبو حنيفة لأنه قد تعلق حق المضارب به فجاز له شراؤه, وكما لو اشترى من مكاتبه أو من عبده المأذون الذي عليه دين ولنا أنه ملكه فلم يصح شراؤه له, كشرائه من وكيله وعبده المأذون الذي لا دين عليه وفارق المكاتب فإن السيد لا يملك ما في يده ولهذا لا يزكيه وله أخذ ما فيه شفعة بها فأما المأذون له, فلا يصح شراء سيده منه بحال ويحتمل أن يصح إذا استغرقته الديون لأن الغرماء يأخذون ما في يده والصحيح الأول لأن ملك السيد لم يزل عنه وإن استحق أخذه كمال المفلس. فصل:
وإن اشترى المضارب لنفسه من مال المضاربة, ولم يظهر في المال ربح صح نص عليه أحمد وبه قال مالك والثوري والأوزاعي وإسحاق وحكى ذلك عن أبي حنيفة وقال أبو ثور: البيع باطل لأنه شريك ولنا أنه ملك لغيره, فصح شراؤه له كما لو اشترى الوكيل من موكله وإنما يكون شريكا إذا ظهر ربح لأنه إنما يشارك رب المال في الربح, لا في أصل المال ومتى ظهر في المال ربح كان شراؤه كشراء أحد الشريكين على ما سنذكره. مسألة:
قال: [وإذا اشترى سلعتين, فربح في إحداهما وخسر في الأخرى جبرت الوضيعة من الربح] وجملته أنه إذا دفع إلى المضارب ألفين, فاشترى بكل ألف عبدا فربح في أحدهما وخسر في الآخر, أو تلف وجب جبر الخسران من الربح ولا يستحق المضارب شيئا إلا بعد كمال الألفين وبهذا قال الشافعي إلا فيما إذا تلف أحد العبدين, فإن أصحابه ذكروا فيه وجها ثانيا أن التالف من رأس المال لأنه بدل أحد الألفين ولو تلف أحد الألفين, كان رأس المال فكذلك بدله ولنا أنه تلف بعد أن دار في القراض وتصرف في المال بالتجارة, فكان تلفه من الربح كما لو كان رأس المال دينارا واحدا فاشترى به سلعتين, ولأنهما سلعتان تجبر خسارة إحداهما بربح الأخرى فجبر تلفها به كما لو كان رأس المال دينارا, ولأنه رأس مال واحد فلا يستحق المضارب فيه ربحا حتى يكمل رأس المال, كالذي ذكرنا فأما إن تلف أحد الألفين قبل الشراء به والتصرف فيه أو تلف بعضه انفسخت المضاربة فيما تلف, وكان رأس المال الباقي خاصة وقال بعض الشافعية: مذهب الشافعي أن التالف من الربح ورأس المال الألفان معا لأن المال إنما يصير قراضا بالقبض فلا فرق بين هلاكه قبل التصرف وبعده ولنا أنه مال هلك على جهته قبل التصرف فيه, فكان رأس المال الباقي كما لو تلف قبل القبض وفارق ما بعد التصرف لأنه دار في التجارة وشرع فيما قصد بالعقد من التصرفات المؤدية إلى الربح. فصل:
وإذا دفع إليه ألفا مضاربة, ثم دفع إليه ألفا آخر مضاربة وأذن له في ضم أحدهما إلى الآخر قبل التصرف في الأول جاز, وصارا مضاربة واحدة كما لو دفعهما إليه مرة واحدة وإن كان بعد التصرف في الأول في شراء المتاع لم يجز لأن حكم الأول استقر, فكان ربحه وخسرانه مختصا به فضم الثاني إليه يوجب جبران خسران أحدهما بربح الآخر فإذا شرط ذلك في الثاني فسد فإن نض, الأول جاز ضم الثاني إليه لزوال هذا المعنى وإن لم يأذن له في ضم الثاني إلى الأول لم يجز له ذلك نص عليه أحمد وقال إسحاق له ذلك قبل أن يتصرف في الأول ولنا, أنه أفرد كل واحد بعقد فكانا عقدين لكل عقد حكم نفسه ولا تجبر وضيعة أحدهما بربح الآخر, كما لو نهاه عن ذلك. فصل:
قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل عن المضارب بربح ويضع مرارا فقال: يرد الوضيعة على الربح إلا أن يقبض المال صاحبه, ثم يرده إليه فيقول: اعمل به ثانية فما ربح بعد ذلك لا تجبر به وضيعة الأول فهذا ليس في نفسى منه شيء, وأما ما لم يدفع إليه فحتى يحتسبا حسابا كالقبض كما قال ابن سيرين قيل: وكيف يكون حسابا كالقبض؟ قال: يظهر المال يعني ينض ويجيء, فيحتسبان عليه فإن شاء صاحب المال قبضه قيل له: فيحتسبان على المتاع؟ فقال: لا يحتسبان إلا على الناض لأن المتاع قد ينحط سعره ويرتفع قال أبو طالب: قيل لأحمد رجل دفع إلى رجل عشرة آلاف درهم مضاربة فوضع, فبقيت ألف فحاسبه صاحبها ثم قال له: اذهب فاعمل بها فربح؟ قال: يقاسمه ما فوق الألف يعني إذا كانت الألف ناضة حاضرة, إن شاء صاحبها قبضها فهذا الحساب الذي كالقبض فيكون أمره بالمضاربة بها في هذه الحال ابتداء مضاربة ثانية كما لو قبضها منه ثم ردها إليه فأما قبل ذلك, فلا شيء للمضارب حتى يكمل عشرة آلاف ولو أن رب المال والمضارب اقتسما الربح أو أخذ أحدهما منه شيئا بإذن صاحبه, والمضاربة بحالها ثم سافر المضارب به فخسر, كان على المضارب رد ما أخذه من الربح لأننا تبينا أنه ليس بربح ما لم تنجبر الخسارة. فصل:
وإذا قارض في مرضه صح لأنه عقد يبتغي به الفضل, فأشبه البيع والشراء وللعامل ما شرط له من الربح وإن زاد على شرط مثله, وإلا يحتسب به من ثلثه لأن ذلك غير مستحق من مال رب المال وإنما حصل بعمل المضارب في المال فما يوجد من الربح المشروط يحدث على ملك العامل, بخلاف ما لو حابي الأجير في الأجر فإنه يحتسب بما حاباه من ثلثه لأن الأجر يؤخذ من ماله ولو شرط في المساقاة والمزارعة أكثر من أجر المثل احتمل أن لا يحتسب به من ثلثه لأن الثمرة تخرج على ملكيهما, كالربح في المضاربة واحتمل أن يكون من ثلثه لأن الثمرة زيادة في ملكه خارجة عن عينه, والربح لا يخرج من عين المال إنما يحصل بالتقليب. فصل:
وإذا مات رب المال قدمنا حصة العامل على غرمائه, ولم يأخذوا شيئا من نصيبه لأنه يملك الربح بالظهور فكان شريكا فيه وليس لرب المال شيء من نصيبه, فهو كالشريك بماله ولأن حقه متعلق بعين المال دون الذمة فكان مقدما, كحق الجناية ولأنه متعلق بالمال قبل الموت فكان أسبق, كحق الرهن. مسألة:
قال: [وإذا تبين للمضارب أن في يده فضلا لم يكن له أخذ شيء منه إلا بإذن رب المال] وجملته أن الربح إذا ظهر في المضاربة لم يجز للمضارب أخذ شيء منه بغير إذن رب المال لا نعلم في هذا بين أهل العلم خلافا وإنما لم يملك ذلك لأمور ثلاثة: أحدها, إن الربح وقاية لرأس المال فلا يأمن الخسران الذي يكون هذا الربح جابرا له فيخرج بذلك عن أن يكون ربحا والثاني, إن رب المال شريكه فلم يكن له مقاسمة نفسه الثالث أن ملكه عليه غير مستقر لأنه بعرض أن يخرج عن يده بجبران خسارة المال وإن أذن رب المال في أخذ شيء, جاز لأن الحق لهما لا يخرج عنهما. فصل:
وإن طلب أحدهما قسمة الربح دون رأس المال وأبي الآخر, قدم قول الممتنع لأنه إن كان رب المال فلأنه لا يأمن الخسران في رأس المال فيجبره بالربح, وإن كان العامل فإنه لا يأمن أن يلزمه رد ما أخذ في وقت لا يقدر عليه وإن تراضيا على ذلك جاز لأن الحق لهما وسواء اتفقا على قسمة جميعه أو بعضه, أو على أن يأخذ كل واحد منهما شيئا معلوما ينفقه ثم متى ظهر في المال خسران أو تلف كله لزم العامل رد أقل الأمرين مما أخذه, أو نصف خسران المال إذا اقتسما الربح نصفين وبهذا قال الثوري والشافعي وإسحاق, وقال أبو حنيفة: لا تجوز القسمة حتى يستوفي رب المال ماله قال ابن المنذر إذا اقتسما الربح ولم يقبض رب المال رأس ماله فأكثر أهل العلم يقولون: يرد العامل الربح حتى يستوفي رب المال ماله ولنا, على جواز القسمة أن المال لهما فجاز لهما أن يقتسما بعضه, كالشريكين أو نقول: إنهما شريكان فجاز لهما قسمة الربح قبل المفاضلة كشريكى العنان. فصل:
والمضاربة من العقود الجائزة, تنفسخ بفسخ أحدهما أيهما كان وبموته, وجنونه والحجر عليه لسفه لأنه متصرف في مال غيره بإذنه فهو كالوكيل ولا فرق بين ما قبل التصرف وبعده فإذا انفسخت والمال ناض لا ربح فيه, أخذه ربه وإن كان فيه ربح قسما الربح على ما شرطاه وإن انفسخت والمال عرض, فاتفقا على بيعه أو قسمه جاز لأن الحق لهما لا يعدوهما وإن طلب العامل البيع, وأبي رب المال وقد ظهر في المال ربح, أجبر رب المال على البيع وهو قول إسحاق والثوري لأن حق العامل في الربح ولا يظهر إلا بالبيع وإن لم يظهر ربح لم يجبر لأنه لا حق له فيه, وقد رضيه مالكه كذلك فلم يجبر على بيعه وهذا ظاهر مذهب الشافعي وقال بعضهم: فيه وجه آخر أنه يجبر على البيع لأنه ربما زاد فيه زائد أو رغب فيه راغب, فزاد على ثمن المثل فيكون للعامل في البيع حظ ولنا أن المضارب إنما استحق الربح إلى حين الفسخ, وذلك لا يعلم إلا بالتقويم ألا ترى أن المستعير إذا غرس أو بنى أو المشتري, كان للمعير والشفيع أن يدفعا قيمة ذلك لأنه مستحق للأرض فهاهنا أولى وما ذكروه من احتمال الزيادة, بزيادة مزايد أو راغب على قيمته فإنما حدث ذلك بعد فسخ العقد فلا يستحقها العامل وإن طلب رب المال البيع, وأبي العامل ففيه وجهان: أحدهما يجبر العامل على البيع وهو قول الشافعي لأن عليه رد المال ناضا كما أخذه والثاني, لا يجبر إذا لم يكن في المال ربح أو أسقط حقه من الربح لأنه بالفسخ زال تصرفه وصار أجنبيا من المال, فأشبه الوكيل إذا اشترى ما يستحق رده فزالت وكالته قبل رده ولو كان رأس المال دنانير فصار دراهم, أو دراهم فصار دنانير فهو كما لو كان عرضا, على ما شرح وإذا نض رأس المال جميعه لم يلزم العامل أن ينض له الباقي لأنه شركة بينهما ولا يلزم الشريك أن ينض مال شريكه, ولأنه إنما لزمه أن ينض رأس المال ليرد إليه رأس ماله على صفته ولا يوجد هذا المعنى في الربح. فصل:
وإن انفسخ القراض, والمال دين لزم العامل تقاضيه سواء ظهر في المال ربح أو لم يظهر وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة إن ظهر ربح, لزمه تقاضيه وإن لم يظهر ربح لم يلزمه تقاضيه, لأنه لا غرض له في العمل فهو كالوكيل ولنا أن المضاربة تقتضى رد رأس المال على صفته, والديون لا تجرى مجرى الناض فلزمه أن ينضه كما لو ظهر في المال ربح, وكما لو كان رأس المال عرضا ويفارق الوكيل فإنه لا يلزمه رد المال كما قبضه ولهذا لا يلزمه بيع العروض ولا فرق بين كون الفسخ من العامل أو رب المال فإن اقتضى منه قدر رأس المال, أو كان الدين قدر الربح أو دونه لزم العامل تقاضيه أيضا لأنه إنما يستحق نصيبه من الربح عند وصوله إليهما على وجه يمكن قسمته, ووصول كل واحد منهما إلى حقه منه ولا يحصل ذلك إلا بعد تقاضيه. فصل:
وأى المتقارضين مات أو جن انفسخ القراض لأنه عقد جائز, فانفسخ بموت أحدهما وجنونه كالتوكيل فإن كان الموت أو الجنون برب المال فأراد الوارث أو وليه إتمامه, والمال ناض جاز ويكون رأس المال وحصته من الربح رأس المال, وحصة العامل من الربح شركة له مشاعة وهذه الإشاعة لا تمنع لأن الشريك هو العامل وذلك لا يمنع التصرف وإن كان المال عرضا وأرادوا إتمامه فظاهر كلام أحمد جوازه لأنه قال, في رواية على بن سعيد: إذا مات رب المال لم يجز للعامل أن يبيع ولا يشترى إلا بإذن الورثة فظاهر هذا بقاء العامل على قراضه وهو منصوص الشافعي لأن هذا إتمام للقراض لا ابتداء له, ولأن القراض إنما منع منه في العروض لأنه يحتاج عند المفاصلة إلى رد مثلها أو قيمتها ويختلف ذلك باختلاف الأوقات وهذا غير موجود ها هنا لأن رأس المال غير العروض, وحكمه باق ألا ترى أن للعامل أن يبيعه ليسلم رأس المال ويقسم الباقي وذكر القاضي وجها آخر أنه لا يجوز لأن القراض قد بطل بالموت, وهذا ابتداء قراض على عروض وهذا الوجه أقيس لأن المال لو كان ناضا كان ابتداء قراض وكانت حصة العامل من الربح شركة له يختص بها دون رب المال وإن كان المال ناضا بخسارة أو تلف كان رأس المال الموجود منه حال ابتداء القراض, فلو جوزنا ابتداء القراض ها هنا وبناءهما على القراض لصارت حصة العامل من الربح غير مختصة به وحصتها من الربح مشتركة بينهما, وحسبت عليه العروض بأكثر من قيمتهما فيما إذا كان المال ناقصا وهذا لا يجوز في القراض بلا خلاف وكلام أحمد يحمل على أنه يبيع ويشترى بإذن الورثة كبيعه وشرائه بعد انفساخ القراض فأما إن مات العامل أو جن, وأراد ابتداء القراض مع وارثه أو وليه فإن كان ناضا جاز, كما قلنا فيما إذا مات رب المال وإن كان عرضا لم يجز ابتداء القراض إلا على الوجه الذي يجوز ابتداء القراض على العروض بأن تقوم العروض, ويجعل رأس المال قيمتها يوم العقد لأن الذي كان منه العمل قد مات أو جن وذهب عمله, ولم يخلف أصلا يبني عليه وارثه بخلاف ما إذا مات رب المال فإن المال المقارض عليه موجود, ومنافعه موجودة فأمكن استدامة العقد وبناء الوارث عليه وإن كان المال ناضا, جاز ابتداء القراض فيه إذا اختار ذلك فإن لم يبتدئاه لم يكن للوارث شراء ولا بيع لأن رب المال إنما رضي باجتهاد مورثه, فإذا لم يرض ببيعه رفعه إلى الحاكم ليبيعه فأما إن كان الميت رب المال فليس للعامل الشراء لأن القراض انفسخ فأما البيع, فإن الحكم فيه وفي التقويم واقتضاء الدين على ما ذكرناه إذا فسخت المضاربة ورب المال حى. مسألة:
قال: [وإذا اتفق رب المال والمضارب على أن الربح بينهما والوضيعة عليهما, كان الربح بينهما والوضيعة على المال] وجملته أنه متى شرط على المضارب ضمان المال أو سهما من الوضيعة فالشرط باطل لا نعلم فيه خلافا والعقد صحيح نص عليه أحمد وهو قول أبي حنيفة, ومالك وروى عن أحمد أن العقد يفسد به وحكى ذلك عن الشافعي لأنه شرط فاسد فأفسد المضاربة كما لو شرط لأحدهما فضل دراهم والمذهب الأول ولنا, أنه شرط لا يؤثر في جهالة الربح فلم يفسد به كما لو شرط لزوم المضاربة ويفارق شرط الدراهم لأنه إذا فسد الشرط ثبتت حصة كل واحد منهما في الربح مجهولة. فصل:
والشروط في المضاربة تنقسم قسمين صحيح, وفاسد فالصحيح مثل أن يشترط على العامل أن لا يسافر بالمال أو أن يسافر به, أو لا يتجر إلا في بلد بعينه أو نوع بعينه أو لا يشترى إلا من رجل بعينه فهذا كله صحيح, سواء كان النوع مما يعم وجوده أو لا يعم والرجل ممن يكثر عنده المتاع أو يقل وبهذا قال أبو حنيفة وقال مالك, والشافعي: إذا شرط أن لا يشترى إلا من رجل بعينه أو سلعة بعينها أو ما لا يعم وجوده, كالياقوت الأحمر والخيل البلق لم يصح لأنه يمنع مقصود المضاربة, وهو التقليب وطلب الربح فلم يصح كما لو اشترط أن لا يبيع ويشترى إلا من فلان, أو أن لا يبيع إلا بمثل ما اشترى به ولنا أنها مضاربة خاصة لا تمنع الربح بالكلية, فصحت كما لو شرط أن لا يتجر إلا في نوع يعم وجوده ولأنه عقد يصح تخصيصه بنوع, فصح تخصيصه في رجل بعينه وسلعة بعينها كالوكالة وقولهم: إنه يمنع المقصود ممنوع, وإنما يقلله وتقليله لا يمنع الصحة كتخصيصه بالنوع ويفارق ما إذا شرط أن لا يبيع إلا برأس المال, فإنه يمنع الربح بالكلية وكذلك إذا قال: لا تبع إلا من فلان ولا تشتر إلا من فلان فإنه يمنع الربح أيضا لأنه لا يشترى ما باعه إلا بدون ثمنه الذي باعه به ولهذا لو قال: لا تبع إلا ممن اشتريت منه لم يصح لذلك.
فصل: ويصح تأقيت المضاربة مثل أن يقول: ضاربتك على هذه الدراهم سنة, فإذا انقضت فلا تبع ولا تشتر قال مهنا: سألت أحمد عن رجل أعطى رجلا ألفا مضاربة شهرا قال: إذا مضى شهر يكون قرضا قال: لا بأس به قلت: فإن جاء الشهر وهي متاع؟ قال: إذا باع المتاع يكون قرضا وقال أبو الخطاب: في صحة شرط التأقيت روايتان إحداهما, هو صحيح وهو قول أبي حنيفة والثانية لا يصح وهو قول الشافعي ومالك واختيار أبي حفص العكبري, لثلاثة معان: أحدها أنه عقد يقع مطلقا فإذا شرط قطعه لم يصح, كالنكاح الثاني أن هذا ليس من مقتضى العقد ولا له فيه مصلحة, فأشبه ما لو شرط أن لا يبيع وبيان أنه ليس من مقتضى العقد أنه يقتضي أن يكون رأس المال ناضا, فإذا منعه البيع لم ينض الثالث إن هذا يؤدي إلى ضرر بالعامل لأنه قد يكون الربح والحظ في تبقية المتاع وبيعه بعد السنة فيمتنع ذلك بمضيها ولنا, أنه تصرف يتوقت بنوع من المتاع فجاز توقيته في الزمان كالوكالة والمعنى الأول الذي ذكروه يبطل بالوكالة الوديعة والمعنى الثاني والثالث يبطل تخصيصه بنوع من المتاع, ولأن لرب المال منعه من البيع والشراء في كل وقت إذا رضي أن يأخذ بماله عرضا فإذا شرط ذلك فقد شرط ما هو من مقتضى العقد, فصح كما لو قال: إذا انقضت السنة فلا تشتر شيئا وقد سلموا صحة ذلك.
فصل: وإذا اشترط المضارب نفقة نفسه صح, سواء كان في الحضر أو السفر وقال الشافعي لا يصح في الحضر ولنا أن التجارة في الحضر إحدى حالتى المضاربة فصح اشتراط النفقة فيها كالسفر, ولأنه شرط النفقة في مقابلة عمله فصح كما لو اشترطها في الوكالة.
فصل: والشروط الفاسدة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: أحدهما, ما ينافي مقتضى العقد مثل أن يشترط لزوم المضاربة أو لا يعزله مدة بعينها, أو لا يبيع إلا برأس المال أو أقل أو لا يبيع إلا ممن اشترى منه أو شرط أن لا يشتري, أو لا يبيع أو أن يوليه ما يختاره من السلع أو نحو ذلك, فهذه شروط فاسدة لأنها تفوت المقصود من المضاربة وهو الربح أو تمنع الفسخ الجائز بحكم الأصل القسم الثاني: ما يعود بجهالة الربح مثل أن يشترط للمضارب جزءا من الربح مجهولا, أو ربح أحد الكسبين أو أحد الألفين أو أحد العبدين, أو ربح إحدى السفرتين أو ما يربح في هذا الشهر أو أن حق أحدهما في عبد يشتريه, أو يشترط لأحدهما دراهم معلومة بجميع حقه أو ببعضه أو يشترط جزءا من الربح لأجنبي فهذه شروط فاسدة لأنها تفضى إلى جهل حق كل واحد منهما من الربح, أو إلى فواته بالكلية ومن شرط المضاربة كون الربح معلوما القسم الثالث اشتراط ما ليس من مصلحة العقد ولا مقتضاه, مثل أن يشترط على المضارب المضاربة له في مال آخر أو يأخذه بضاعة أو قرضا أو أن يخدمه في شيء بعينه, أو يرتفق ببعض السلع مثل أن يلبس الثوب ويستخدم العبد, ويركب الدابة أو يشترط على المضارب ضمان المال أو سهما من الوضيعة أو أنه متى باع السلعة فهو أحق بها بالثمن, أو شرط المضارب على رب المال شيئا من ذلك فهذه كلها شروط فاسدة وقد ذكرنا كثيرا منها في غير هذا الموضع معللا ومتى اشترط شرطا فاسدا يعود بجهالة الربح فسدت المضاربة لأن الفساد لمعنى في العوض المعقود عليه فأفسد العقد, كما لو جعل رأس المال خمرا أو خنزيرا ولأن الجهالة تمنع من التسليم فتفضى إلى التنازع والاختلاف, ولا يعلم ما يدفعه إلى المضارب وما عدا ذلك من الشروط الفاسدة فالمنصوص عن أحمد في أظهر الروايتين عنه, أن العقد صحيح ذكره عنه الأثرم وغيره لأنه عقد يصح على مجهول فلم تبطله الشروط الفاسدة كالنكاح والعتاق والطلاق وذكر القاضي, وأبو الخطاب رواية أخرى أنها تفسد العقد لأنه شرط فاسد, فأفسد العقد كشرط دراهم معلومة أو شرط أن يأخذ له بضاعة, والحكم في الشركة كالحكم في المضاربة سواء.
فصل: وفي المضاربة الفاسدة فصول ثلاثة:
الفصل الأول: أنه إذا تصرف نفذ تصرفه لأنه أذن له فيه فإذا بطل العقد بقي الإذن فملك به التصرف كالوكيل فإن قيل: فلو اشترى الرجل شراء فاسدا ثم تصرف فيه, لم ينفذ تصرفه مع أن البائع قد أذن له في التصرف قلنا: لأن المشترى يتصرف من جهة الملك لا بالإذن فإن أذن له البائع كان على أنه ملك المأذون له فإذا لم يملك, لم يصح وها هنا أذن له رب المال في التصرف في ملك نفسه وما شرطه من الشرط الفاسد فليس بمشروط في مقابلة الإذن لأنه أذن له في تصرف يقع له
الفصل الثاني: أن الربح جميعه لرب المال لأنه نماء ماله, وإنما يستحق العامل بالشرط فإذا فسدت المضاربة فسد الشرط فلم يستحق منه شيئا, ولكن له أجر مثله نص عليه أحمد وهو مذهب الشافعي واختار الشريف أبو جعفر أن الربح بينهما على ما شرطاه واحتج بما روى عن أحمد أنه قال: إذا اشتركا في العروض قسم الربح على ما شرطاه قال: وهذه الشركة فاسدة واحتج بأنه عقد يصح مع الجهالة, فيثبت المسمى في فاسده كالنكاح قال: ولا أجر له وجعل أحكامها كلها كأحكام الصحيحة وقد ذكرنا هذا قال القاضي أبو يعلى: والمذهب ما حكينا وكلام أحمد محمول على أنه صحح الشركة بالعروض وحكى عن مالك أنه يرجع إلى قراض المثل وحكى عنه: إن لم يربح فلا أجر له ومقتضى هذا أنه إن ربح, فله الأقل مما شرط له أو أجر مثله ويحتمل أن يثبت عندنا مثل هذا لأنه إذا كان الأقل ما شرط له فقد رضي به فلا يستحق أكثر منه كما لو تبرع بالعمل الزائد, ولنا أن تسمية الربح من توابع المضاربة أو ركن من أركانها فإذا فسدت فسدت أركانها وتوابعها, كالصلاة ولا نسلم في النكاح وجوب المسمى إذا كان العقد فاسدا وإذا لم يجب له المسمى وجب أجر المثل لأنه إنما عمل ليأخذ المسمى, فإذا لم يحصل له المسمى وجب رد عمله إليه وذلك متعذر فتجب قيمته, وهو أجر مثله كما لو تبايعا بيعا فاسدا وتقابضا, وتلف أحد العوضين في يد القابض له وجب رد قيمته فعلى هذا سواء ظهر في المال ربح أو لم يظهر فأما إن رضي المضارب بالعمل بغير عوض, مثل أن يقول: قارضتك والربح كله لي فالصحيح أنه لا شيء للمضارب ها هنا لأنه تبرع بعمله فأشبه ما لو أعانه في شيء أو توكل له بغير جعل, أو أخذ له بضاعة .
الفصل الثالث: في الضمان ولا ضمان عليه فيما يتلف بغير تعديه وتفريطه لأن ما كان القبض في صحيحه مضمونا كان مضمونا في فاسده, وما لم يكن مضمونا في صحيحه لم يضمن في فاسده وبهذا قال الشافعي وقال أبو يوسف ومحمد: يضمن ولنا أنه عقد لا يضمن ما قبضه في صحيحه, فلم يضمنه في فاسده كالوكالة ولأنها إذا فسدت صارت إجارة, والأجير لا يضمن سكنى ما تلف بغير تعديه ولا فعله فكذا ها هنا وأما الشركة إذا فسدت فقد ذكرناها قبل هذا.
مسألة: قال: [ولا يجوز أن يقال لمن عليه دين: ضارب بالدين الذي عليك] نص أحمد على هذا, وهو قول أكثر أهل العلم ولا نعلم فيه مخالفا قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أنه لا يجوز أن يجعل الرجل دينا له على رجل مضاربة, وممن حفظنا ذلك عنه: عطاء والحكم وحماد, ومالك والثوري وإسحاق, وأبو ثور وأصحاب الرأي وبه قال الشافعي وقال بعض أصحابنا: يحتمل أن تصح المضاربة لأنه إذا اشترى شيئا للمضاربة فقد اشتراه بإذن رب المال, ودفع الدين إلى من أذن له في دفعه إليه فتبرأ ذمته منه ويصير كما لو دفع إليه عرضا, وقال: بعه وضارب بثمنه وجعل أصحاب الشافعي مكان هذا الاحتمال أن الشراء لرب المال وللمضارب أجر مثله لأنه علقه بشرط, ولا يصح عندهم تعليق القراض بشرط والمذهب هو الأول لأن المال الذي في يدي من عليه الدين له وإنما يصير لغريمه بقبضه ولم يوجد القبض ها هنا وإن قال له: اعزل المال الذي لي عليك, وقد قارضتك عليه ففعل واشترى بعين ذلك المال شيئا للمضاربة وقع الشراء للمشترى لأنه يشترى لغيره بمال نفسه, فحصل الشراء له وإن اشترى في ذمته فكذلك لأنه عقد القراض على ما لا يملكه وعلقه على شرط لا يملك به المال.
فصل: وإن قال لرجل: اقبض المال الذي على فلان واعمل به مضاربة فقبضه, وعمل به جاز في قولهم جميعا ويكون وكيلا في قبضه مؤتمنا عليه لأنه قبضه بإذن مالكه من غيره, فجاز أن يجعله مضاربة كما لو قال: اقبض المال من غلامى وضارب به قال مهنا: سألت أحمد عن رجل قال: أقرضني ألفا شهرا, ثم هو بعد الشهر مضاربة؟ قال: لا يصلح وذلك لأنه إذا أقرضه صار دينا عليه وقد ذكرنا أنه لا يجوز أن يضارب بالدين الذي عليه ولو قال: ضارب به شهرا ثم خذه قرضا جاز لما ذكرنا فيما تقدم.
فصل: ومن شرط المضاربة أن يكون رأس المال معلوم المقدار ولا يجوز أن يكون مجهولا ولا جزافا, ولو شاهداه وبهذا قال الشافعي وقال أبو ثور وأصحاب الرأي: يصح إذا شاهداه والقول قول العامل مع يمينه في قدره لأنه أمين رب المال, والقول قوله فيما في يديه فقام ذلك مقام المعرفة به ولنا أنه مجهول, فلم تصح المضاربة به كما لو لم يشاهداه وذلك لأنه لا يدرى بكم يرجع عند المفاصلة ولأنه يفضي إلى المنازعة والاختلاف في مقداره, فلم يصح كما لو كان في الكيس وما ذكروه يبطل بالسلم وبما إذا لم يشاهداه.
فصل: ولو أحضر كيسين, في كل واحد منهما مال معلوم المقدار وقال: قارضتك على أحدهما لم يصح سواء تساوى ما فيهما أو اختلف لأنه عقد يمنع صحته الجهالة, فلم يجز على غير معين كالبيع. مسألة: قال: [وإن كان في يده وديعة جاز له أن يقول: ضارب بها] وبهذا قال الشافعي, وأبو ثور وأصحاب الرأي وقال الحسن: لا يجوز حتى يقبضها منه قياسا على الدين ولنا, أن الوديعة ملك رب المال فجاز أن يضاربه عليها كما لو كانت حاضرة فقال: قارضتك على هذا الألف وأشار إليه في زاوية البيت وفارق الدين فإنه لا يصير عين المال ملكا للغريم إلا بقبضه ولو كانت الوديعة قد تلفت بتفريطه, وصارت في الذمة لم يجز أن يضاربه عليها لأنها صارت دينا. فصل:
ولو كان له في يد غيره مال مغصوب فضارب الغاصب به, صح أيضا لأنه مال لرب المال يباح له بيعه من غاصبه ومن يقدر على أخذه منه, فأشبه الوديعة وإن تلف وصار في الذمة لم تجز المضاربة به لأنه صار دينا ومتى ضاربه بالمال المغصوب, زال ضمان الغصب بمجرد عقد المضاربة وبهذا قال أبو حنيفة وقال القاضي: لا يزول ضمان الغصب إلا بدفعه ثمنا وهو مذهب الشافعي لأن القراض لا ينافي الضمان بدليل ما لو تعدى فيه ولنا, أنه ممسك للمال بإذن مالكه لا يختص بنفعه ولم يتعد فيه, فأشبه ما لو قبضه إياه. فصل:
والعامل أمين في مال المضاربة لأنه متصرف في مال غيره بإذنه لا يختص بنفعه فكان أمينا, كالوكيل وفارق المستعير فإنه قبضه لمنفعته خاصة وها هنا المنفعة بينهما فعلى هذا القول قوله في قدر رأس المال قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنهم من أهل العلم أن القول قول العامل في قدر رأس المال كذا قال الثوري وإسحاق, وأصحاب الرأي وبه نقول ولأنه يدعى عليه قبض شيء وهو ينكره, والقول قول المنكر وكذلك القول قوله فيما يدعيه من تلف المال أو خسارة فيه وما يدعى عليه من خيانة وتفريط وفيما يدعى أنه اشتراه لنفسه أو للمضاربة لأن الاختلاف ها هنا في نيته, وهو أعلم بما نواه لا يطلع على ذلك أحد سواه فكان القول قوله فيما نواه, كما لو اختلف الزوجان في نية الزوج بكناية الطلاق ولأنه أمين في الشراء فكان القول قوله كالوكيل ولو اشترى عبدا, فقال رب المال: كنت نهيتك عن شرائه فأنكر العامل فالقول قوله لأن الأصل عدم النهى وهذا كله لا نعلم فيه خلافا. فصل:
وإن قال: أذنت لي في البيع نسيئة وفي الشراء بعشرة قال: بل أذنت لك في البيع نقدا وفي الشراء بخمسة فالقول قول العامل نص عليه أحمد وبه قال أبو حنيفة ويحتمل أن القول قول رب المال وهو قول الشافعي لأن الأصل عدم الإذن ولأن القول قول رب المال في أصل الإذن, فكذلك في صفته ولنا أنهما اتفقا على الإذن واختلفا في صفته, فكان القول قول العامل كما لو قال: قد نهيتك عن شراء عبد فأنكر النهى. فصل:
وإن ادعى العامل رد المال فأنكر رب المال فالقول قول رب المال مع يمينه نص عليه أحمد ولأصحاب الشافعي وجهان أحدهما كقولنا والآخر: يقبل قوله لأنه أمين, ولأن معظم النفع لرب المال فالعامل كالمودع ولنا أنه قبض المال لنفع نفسه, فلم يقبل قوله في الرد كالمستعير ولأن رب المال منكر, والقول قول المنكر وفارق المودع فإنه لا نفع له في الوديعة وقولهم: إن معظم النفع لرب المال يمنعه وإن سلم إلا أن المضارب لم يقبضه إلا لنفع نفسه ولم يأخذه لنفع رب المال. فصل:
وإن قال: ربحت ألفا ثم قال: خسرت ذلك قبل قوله لأنه أمين يقبل قوله في التلف, فقبل قوله في الخسارة كالوكيل وإن قال: غلطت أو نسيت لم يقبل قوله لأنه مقر بحق لآدمى فلم يقبل قوله في الرجوع, كما لو أقر بأن رأس المال ألف ثم رجع ولو أن العامل خسر فقال لرجل: أقرضني ما أتمم به رأس المال لأعرضه على ربه فإنني أخشى أن ينزعه مني إن علم بالخسارة فأقرضه, فعرضه على رب المال وقال: هذا رأس مالك فأخذه فله ذلك ولا يقبل رجوع العامل عن إقراره إن رجع ولا تقبل شهادة المقرض له لأنه يجر إلى نفسه نفعا وليس له مطالبة رب المال لأن العامل ملكه بالقرض, ثم سلمه إلى رب المال ولكن يرجع المقرض على العامل لا غير. فصل:
وإذا دفع رجل إلى رجلين مالا قراضا على النصف فنض المال, وهو ثلاثة آلاف فقال رب المال: رأس المال ألفان فصدقه أحدهما, وقال الآخر: بل هو ألف فالقول قول المنكر مع يمينه فإذا حلف أن رأس المال ألف والربح ألفان فنصيبه منهما خمسمائة يبقى ألفان وخمسمائة, يأخذ رب المال ألفين لأن الآخر يصدقه ويبقى خمسمائة ربحا بين رب المال والعامل الآخر يقتسمانها أثلاثا, لرب المال ثلثاها وللعامل ثلثها مائة وستة وستون وثلثان ولرب المال ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث لأن نصيب رب المال من الربح نصفه, ونصيب هذا العامل ربعه فيقسم بينهما باقى الربح على ثلاثة وما أخذه الحالف فيما زاد على قدر نصيبه كالتالف منهما, والتالف يحسب في المضاربة من الربح وهذا قول الشافعي. فصل:
وإن دفع إلى رجل ألفا يتجر فيه فربح فقال العامل: كان قرضا لي ربحه كله وقال رب المال: كان قراضا فربحه بيننا فالقول قول رب المال لأنه ملكه, فالقول قوله في صفة خروجه عن يده فإذا حلف قسمنا الربح بينهما ويحتمل أن يتحالفا ويكون للعامل أكثر الأمرين مما شرطه له من الربح أو أجر مثله لأنه إن كان الأكثر نصيبه من الربح فرب المال معترف له به, وهو يدعى الربح كله وإن كان أجر مثله أكثر فالقول قوله في عمله مع يمينه كما أن القول قول رب المال في ربح ماله, فإذا حلف قبل قوله في أنه ما عمل بهذا الشرط وإنما عمل لغرض لم يسلم له فيكون له أجر المثل وإن أقام كل واحد منهما بينة بدعواه, فنص أحمد في رواية مهنا أنهما يتعارضان, ويقسم الربح بينهما نصفين وإن قال رب المال: كان بضاعة وقال العامل: بل كان قراضا احتمل أن يكون القول قول العامل لأنه عمله له فيكون القول قوله فيه ويحتمل أن يتحالفا ويكون للعامل أقل الأمرين من نصيبه من الربح أو أجر مثله لأنه لا يدعى أكثر من نصيبه من الربح, فلا يستحق زيادة عليه وإن كان الأقل أجر مثله فلم يثبت كونه قراضا فيكون له أجر عمله وإن قال رب المال: كان بضاعة وقال العامل: كان قرضا حلف كل واحد منهما على إنكار ما ادعاه خصمه, وكان له أجر عمله لا غير وإن خسر المال أو تلف فقال رب المال: كان قرضا وقال العامل: كان قراضا أو بضاعة فالقول قول رب المال. فصل:
وإذا اشترط المضارب النفقة ثم ادعى أنه إنما أنفق من ماله, وأراد الرجوع فله ذلك سواء كان المال باقيا في يديه, أو قد رجع إلى مالكه وبه قال أبو حنيفة إذا كان المال باقيا في يديه وليس له ذلك إذا كان بعد رده ولنا أنه أمين, فكان القول قوله في ذلك كما لو كان باقيا في يده وكالوصى إذا ادعى النفقة على اليتيم. فصل:
إذا كان عبد بين رجلين, فباعه أحدهما بأمر الآخر بألف وقال: لم أقبض ثمنه وادعى المشترى أنه قبضه وصدقه الذي لم يبع, برئ المشترى من نصف ثمنه لاعتراف شريك البائع بقبض وكيله حقه فبرئ المشترى منه كما لو أقر أنه قبضه بنفسه, وتبقى الخصومة بين البائع وشريكه والمشترى فإن خاصمه شريكه وادعى عليه إنك قبضته نصيبي من الثمن فأنكر فالقول قوله مع يمينه إن لم يكن للمدعى بينة, وإن كانت له بينة قضى بها عليه ولا تقبل شهادة المشترى له لأنه يجر بها إلى نفسه نفعا وإن خاصم البائع المشترى فادعى المشترى أنه دفع إليه الثمن, وأنكر البائع فالقول قوله مع يمينه لأنه منكر فإذا حلف أخذ من المشترى نصف الثمن, ولا يشاركه فيه شريكه لأنه معترف أنه يأخذه ظلما فلا يستحق مشاركته فيه وإن كانت للمشترى بينة حكم بها, ولا تقبل شهادة شريكه عليه لأنه يجر بها إلى نفسه نفعا ومن شهد بشهادة تجر إلى نفسه نفعا بطلت شهادته في الكل ولا فرق بين مخاصمة الشريك قبل مخاصمة المشترى أو بعدها وإن ادعى المشترى أن شريك البائع قبض الثمن منه, فصدقه البائع نظرت فإن كان البائع أذن لشريكه في القبض, فهي كالتى قبلها وإن لم يأذن له في القبض لم تبرأ ذمة المشترى من شيء من الثمن لأن البائع لم يوكله في القبض, فقبضه له لا يلزمه ولا يبرأ المشترى منه كما لو دفعه إلى أجنبي ولا يقبل قول المشترى على شريك البائع لأنه ينكره, وللبائع المطالبة بقدر نصيبه لا غير لأنه مقر أن شريكه قبض حقه ويلزم المشترى دفع نصيبه إليه ولا يحتاج إلى أمين لأن المشترى مقر ببقاء حقه وإن دفعه إلى شريكه لم تبرأ ذمته, فإذا قبض حقه فلشريكه مشاركته فيما قبض لأن الدين لهما ثابت بسبب واحد فما قبض منه يكون بينهما, كما لو كان ميراثا وله أن لا يشاركه ويطالب المشترى بحقه كله ويحتمل أن لا يملك الشريك مشاركته فيما قبض لأن كل واحد منهما يستحق ثمن نصيبه الذي ينفرد به فلم يكن لشريكه مشاركته فيما قبض من ثمنه, كما لو باع كل واحد منهما نصيبه في صفقة ويخالف الميراث لأن سبب استحقاق الورثة لا يتبعض فلم يكن للورثة تبعيضه وها هنا يتبعض لأنه إذا كان البائع اثنين كان بمنزلة عقدين, ولأن الوارث نائب عن الموروث فكان ما يقبضه للموروث يشترك فيه جميع الورثة بخلاف مسألتنا, فإن ما يقبضه لنفسه فإن قلنا: له مشاركته فيما قبض فعليه اليمين أنه لم يستوف حقه من المشترى ويأخذ من القابض نصف ما قبضه ويطالب المشترى ببقية حقه, إذا حلف له أيضا أنه ما قبض منه شيئا وليس للمقبوض منه أن يرجع على المشترى بعوض ما أخذ منه لأنه مقر أن المشترى قد برئت ذمته في حق شريكه وإنما أخذ منه ظلما فلا يرجع بما ظلمه هذا على غيره وإن خاصم المشترى شريك البائع, فادعى عليه أنه قبض الثمن منه فكانت له بينة حكم بها وتقبل شهادة البائع له إذا كان عدلا لأنه لا يجر إلى نفسه نفعا, ولا يدفع عنها ضررا لأنه إذا ثبت أن شريكه قبض الثمن لم يملك مطالبته بشيء لأنه ليس بوكيل له في القبض, فلا يقع قبضه له هكذا ذكره بعض أصحابنا وعندي لا تقبل شهادته له لأنه يدفع عن نفسه ضرر مشاركة شريكه له فيما يقبضه من المشترى وإذا لم تكن بينة فحلف, أخذ من المشترى نصف الثمن وإن نكل أخذ المشترى منه نصفه. فصل:
وإذا كان العبد بين اثنين, فغصب رجل نصيب أحدهما بأن يستولى على العبد ويمنع أحدهما الانتفاع دون الآخر, ثم إن مالك نصفه والغاصب باعا العبد صفقة واحدة صح في نصيب المالك وبطل في نصيب الغاصب وإن وكل الشريك الغاصب, أو وكل الغاصب الشريك في البيع فباع العبد كله صفقة واحدة بطل في نصيب الغاصب, في الصحيح وهل يصح في نصيب الشريك؟ على روايتين بناء على تفريق الصفقة لأن الصفقة ها هنا وقعت واحدة وقد بطل البيع في بعضها, فبطل في سائرها بخلاف ما إذا باع المالك والغاصب فإنهما عقدان لأن عقد الواحد مع الاثنين عقدان ولو أن الغاصب ذكر للمشترى أنه وكل في نصفه لصلح في نصيب الآذن لكونه كالعقد المنفرد. فصل:
واختلفت الرواية عن أحمد, في قسمة الدين في الذمم فنقل حنبل منع ذلك وهو الصحيح لأن الذمم لا تتكافأ ولا تتعادل والقسمة تقتضى التعديل وأما القسمة من غير تعديل فهي بيع, ولا يجوز بيع الدين بالدين فعلى هذا لو تقاسما ثم توى بعض المال رجع من توى ماله على من لم يتو وبهذا قال ابن سيرين, والنخعي ونقل حرب جواز ذلك لأن الاختلاف لا يمنع القسمة كما لو اختلفت الأعيان وبه قال الحسن وإسحاق فعلى هذا لا يرجع من توى ماله على من لم يتو, إذا أبرأ كل واحد صاحبه وهذا إذا كان في ذمم فأما في ذمة واحدة فلا تمكن القسمة لأن معنى القسمة إفراز الحق, ولا يتصور ذلك في ذمة واحدة. فصول في العبد المأذون له:
يجوز أن يأذن السيد لعبده في التجارة بغير خلاف نعلمه لأن الحجر عليه إنما كان لحق سيده فجاز له التصرف بإذنه وينفك عنه الحجر في قدر ما أذن له فيه لأن تصرفه إنما جاز بإذن سيده فزال الحجر في قدر ما أذن فيه, كالوكيل فإن دفع إليه مالا يتجر به كان له أن يبيع ويشترى ويتجر فيه وإن أذن له أن يشترى في ذمته جاز وإن عين له نوعا من المال يتجر فيه جاز, ولم يكن له التجارة في غيره وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة: يجوز أن يتجر في غيره وينفك عنه الحجر مطلقا لأن إذنه إطلاق من الحجر وفك له والإطلاق لا يتبعض, كبلوغ الصبي ولنا أنه متصرف بالإذن من جهة الآدمي فوجب أن يختص ما أذن له فيه, كالوكيل والمضارب وما قاله ينقض بما إذا أذن له في شراء ثوب ليلبسه أو طعام ليأكله ويخالف البلوغ فإنه يزول به المعنى الموجب للحجر, فإن البلوغ مظنة كمال العقل الذي يتمكن به من التصرف على وجه المصلحة وها هنا الرق سبب الحجر, وهو موجود فنظير البلوغ في الصبي العتق للعبد وإنما يتصرف العبد بالإذن, ألا ترى أن الصبي يستفيد بالبلوغ قبول النكاح بخلاف العبد فصل: وإذا أذن له في التجارة, لم يجز له أن يؤجر نفسه ولا يتوكل لإنسان وبه قال الشافعي وأباحهما أبو حنيفة لأنه يتصرف لنفسه فملك ذلك كالمكاتب ولنا, أنه عقد على نفسه فلا يملكه بالإذن في التجارة كبيع نفسه وتزوجه وقولهم: إنه يتصرف لنفسه ممنوع, بل يتصرف لسيده وبهذا فارق المكاتب فإن المكاتب يتصرف لنفسه ولهذا كان له أن يبيع من سيده. فصل:
وإذا رأى السيد عبده يتجر, فلم ينهه لم يصر مأذونا له وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة: يصير مأذونا له لأنه سكت عن حقه فكان مسقطا له كالشفيع إذا سكت عن طلب الشفعة ولنا, أنه تصرف يفتقر إلى الإذن فلم يقم السكوت مقام الإذن كما لو باع الراهن الرهن والمرتهن ساكت, أو باعه المرتهن والراهن ساكت وكتصرفات الأجانب ويخالف الشفعة فإنها تسقط بمضى الزمان إذا علم بها لأنها على الفور. فصل:
ولا يبطل الإذن بالإباق وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة: يبطل لأنه يزيل به ولاية السيد عنه في التجارة بدليل أنه لا يجوز بيعه ولا هبته ولا رهنه, فأشبه ما لو باعه ولنا أن الإباق لا يمنع ابتداء الإذن له في التجارة فلم يمنع استدامته, كما لو غصبه غاصب أو حبس بدين عليه أو على غيره وما ذكروه غير صحيح فإن سبب الولاية باق وهو الرق ويجوز بيعه وإجارته ممن يقدر عليه ويبطل بالمغصوب.
===============
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق