(الجزء الواحد والعشرون – كتاب إحياء الموات)
• كتاب إحياء الموات o مسألة: من أحيا أرضا لم تملك فهي له فصل: لا فرق بين دار الحرب ودار الإسلام فصل: لا فرق بين المسلم والذمي في الإحياء فصل: لا يجوز إحياء ما قرب من العامر وتعلق بمصالحه فصل: استواء جميع البلاد في حكم الإحياء فصل: لا يملك الموات بالتحجير لكن بالإحياء فصل: للإمام أن يقطع الموات لمن يحييه o مسألة: المعادن الظاهرة لا تملك بالإحياء فصل: المعادن الباطنة فصل: من أحيا أرضا فملكها بذلك, فظهر فيها معدن فهو له فصل: لو شرع إنسان في حفر معدن ولم يصل إلى النيل فصل: إذا كان في الموات موضع يمكن أن يحدث فيه معدن ملك بالإحياء فصل: من عمل في معدن غيره بغير إذنه فما حصل منه فهو لمالكه فصل: إذا استأجر رجلا ليحفر له فصل: السابق إلى معدن في الموات يكون أحق بما ينال منه فصل: ما نضب عنه الماء من الجزائر لم يملك بالإحياء فصل: لا يصح إحياء الشوارع والطرقات بين العمران o فصل: أقسام القطائع وأحكامها فصل: ليس للإمام إقطاع ما لا يجوز إحياؤه من المعادن الظاهرة فصل: لا ينبغي أن يقطع الإمام أحدا من الموات, إلا ما يمكنه إحياؤه فصل: بيان الحمى ومعناه وحكمه فصل: امتناع نقض ما حماه النبي ﷺ o فصل: أحكام المياه فصل: حكم الماء الجاري في نهر مملوك وأقسامه فصل: إذا حصل نصيب إنسان في ساقية فله أن يسقي به ما شاء من الأرض فصل: جواز التصرف لكل واحد في ساقيته المختصة به فصل: جواز تقسيم ماء النهر بالمهايأة فصل: ملك الماء بملك منبعه فصل: إذا كان النهر أو الساقية مشتركا بين جماعة o مسألة: معنى إحياء الأرض وكيفيته o مسألة: أنواع الآبار وحريم كل نوع منها فصل: ما يشترط في إحياء البئر وتملكها فصل: إذا كان لإنسان شجرة في موات فله حريمها فصل: امتناع حفر بئر ينسرق إليها الماء من بئر غيره o مسألة: إحياء الموات لا يفتقر إلى إذن الإمام فصل: من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به
كتاب إحياء الموات الموات:
كتاب إحياء الموات الموات:
==== هو الأرض الخراب الدارسة, تسمى ميتة ومواتا وموتانا بفتح الميم والواو والموتان, بضم الميم وسكون الواو: الموت الذريع ورجل موتان القلب بفتح الميم وسكون الواو يعني: أعمى القلب, لا يفهم والأصل في إحياء الأرض ما روى جابر رضي الله عنه قال: (قال رسول الله -ﷺ-: من أحيا أرضا ميتة فهي له) قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح وروى سعيد بن زيد أن النبي -ﷺ- قال: (من أحيا أرضا ميتة فهي له, وليس لعرق ظالم حق) قال الترمذي هذا حديث حسن وروى مالك في " موطئه ", وأبو داود في " سننه " عن عائشة مثله قال ابن عبد البر وهو مسند صحيح, متلقى بالقبول عند فقهاء المدينة وغيرهم وروى أبو عبيد في " الأموال " عن عائشة قالت: قال رسول الله -ﷺ-: (من أحيا أرضا ليست لأحد, فهو أحق بها) قال عروة: وقضى بذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته وعامة فقهاء الأمصار على أن الموات يملك بالإحياء وإن اختلفوا في شروطه. مسألة:
قال أبو القاسم: [ ومن أحيا أرضا لم تملك فهي له ]
قال أبو القاسم: [ ومن أحيا أرضا لم تملك فهي له ]
= وجملته أن الموات قسمان أحدهما ما لم يجر عليه ملك لأحد, ولم يوجد فيه أثر عمارة فهذا يملك بالإحياء بغير خلاف بين القائلين بالإحياء والأخبار التي رويناها متناولة له القسم الثاني, ما جرى عليه ملك مالك وهو ثلاثة أنواع: أحدها ما له مالك معين وهو ضربان أحدهما, ما ملك بشراء أو عطية فهذا لا يملك بالإحياء بغير خلاف قال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أن ما عرف بملك مالك غير منقطع أنه لا يجوز إحياؤه لأحد غير أربابه الثاني ما ملك بالإحياء, ثم ترك حتى دثر وعاد مواتا فهو كالذي قبله سواء وقال مالك: يملك هذا لعموم قوله: (من أحيا أرضا ميتة فهي له) ولأن أصل هذه الأرض مباح فإذا تركت حتى تصير مواتا عادت إلى الإباحة, كمن أخذ ماء من نهر ثم رده فيه ولنا أن هذه أرض يعرف مالكها فلم تملك بالإحياء كالتي ملكت بشراء أو عطية, والخبر مقيد بغير المملوك بقوله في الرواية الأخرى: " من أحيا أرضا ميتة ليست لأحد " وقوله: " في غير حق مسلم " وهذا يوجب تقييد مطلق حديثه وقال هشام بن عروة في تفسير قوله عليه السلام: (وليس لعرق ظالم حق): العرق الظالم أن يأتي الرجل الأرض الميتة لغيره, فيغرس فيها ذكره سعيد بن منصور في " سننه " ثم الحديث مخصوص بما ملك بشراء أو عطية فنقيس عليه محل النزاع ولأن سائر الأموال لا يزول الملك عنها بالترك, بدليل سائر الأملاك إذا تركت حتى تشعثت وما ذكروه يبطل بالموات إذا أحياه إنسان ثم باعه فتركه المشتري حتى عاد مواتا وباللقطة إذا ملكها ثم ضاعت منه, ويخالف ماء النهر فإنه استهلك النوع الثاني ما يوجد فيه آثار ملك قديم جاهلي كآثار الروم, ومساكن ثمود ونحوها فهذا يملك بالإحياء لأن ذلك الملك لا حرمة له وقد روي عن طاوس, عن النبي -ﷺ- أنه قال: (عادي الأرض لله ولرسوله ثم هو بعد لكم) رواه سعيد بن منصور في " سننه ", وأبو عبيد في " الأموال " وقال: عادي الأرض: التي كان بها ساكن في آباد الدهر فانقرضوا, فلم يبق منهم أنيس وإنما نسبها إلى عاد لأنهم كانوا مع تقدمهم ذوي قوة وبطش وآثار كثيرة فنسب كل أثر قديم إليهم ويحتمل أن كل ما فيه أثر الملك, ولم يعلم زواله قبل الإسلام أنه لا يملك لأنه يحتمل أن المسلمين أخذوه عامرا فاستحقوه, فصار موقوفا بوقف عمر له فلم يملك كما لو علم مالكه النوع الثالث, ما جرى عليه الملك في الإسلام لمسلم أو ذمي غير معين فظاهر كلام الخرقي أنها لا تملك بالإحياء وهو إحدى الروايتين عن أحمد, نقلها عنه أبو داود وأبو الحارث ويوسف بن موسى لما روى كثير بن عبد الله بن عوف, عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله -ﷺ- يقول: (من أحيا أرضا مواتا, في غير حق مسلم فهي له) فقيده بكونه في غير حق مسلم ولأن هذه الأرض لها مالك فلم يجز إحياؤها, كما لو كان معينا فإن مالكها إن كان له ورثة فهي لهم وإن لم يكن له ورثة, ورثها المسلمون والرواية الثانية أنها تملك بالإحياء نقلها صالح وغيره وهو مذهب أبي حنيفة ومالك لعموم الأخبار, ولأنها أرض موات لا حق فيها لقوم بأعيانهم أشبهت ما لم يجر عليه ملك مالك, ولأنها إن كانت في دار الإسلام فهي كلقطة دار الإسلام وإن كانت في دار الكفر, فهي كالركاز. فصل:
ولا فرق فيما ذكرنا بين دار الحرب ودار الإسلام لعموم الأخبار ولأن عامر دار الحرب إنما يملك بالقهر والغلبة كسائر أموالهم, فأما ما عرف أنه كان مملوكا ولم يعلم له مالك معين فهو على الروايتين فإن قيل: فهذا ملك كافر غير محترم, فأشبه ديار عاد وقد دل عليه قوله عليه السلام: (عادي الأرض لله ولرسوله) ولأن الركاز من أموالهم ويملكه واجده, فهذا أولى قلنا: قوله: " عادي الأرض " يعني ما تقدم ملكه ومضت عليه الأزمان وما كان كذلك فلا حكم لمالكه فأما ما قرب ملكه, فيحتمل أن له مالكا باقيا وإن لم يتعين فلهذا قلنا: لا يملك على إحدى الروايتين وأما الركاز, فإنه ينقل ويحول وهذا بخلاف الأرض بدليل أن لقطة دار الإسلام تملك بعد التعريف, بخلاف الأرض. فصل:
ولا فرق بين المسلم والذمي في الإحياء نص عليه أحمد وبه قال مالك وأبو حنيفة وقال مالك: لا يملك الذمي بالإحياء في دار الإسلام قال القاضي: وهو مذهب جماعة من أصحابنا لقول النبي -ﷺ-: (موتان الأرض لله ولرسوله ثم هي لكم مني) فجمع الموتان, وجعله للمسلمين ولأن موتان الدار من حقوقها والدار للمسلمين فكان مواتها لهم, كمرافق المملوك ولنا عموم قول النبي -ﷺ-: (من أحيا أرضا ميتة فهي له) ولأن هذه جهة من جهات التمليك فاشترك فيها المسلم والذمي كسائر جهاته وحديثهم لا نعرفه, إنما نعرف قوله: -ﷺ- (عادي الأرض لله ولرسوله ثم هو لكم بعد ومن أحيا مواتا من الأرض, فله دفينها) هكذا رواه سعيد بن منصور وهو مرسل رواه طاوس, عن النبي -ﷺ- ثم لا يمتنع أن يريد بقوله: " هي لكم " أي لأهل دار الإسلام والذمي من أهل الدار تجري عليه أحكامها وقولهم: إنها من حقوق دار الإسلام قلنا: وهو من أهل الدار, فيملكها كما يملكها بالشراء ويملك مباحاتها, من الحشيش والحطب والصيود والركاز والمعدن واللقطة وهي من مرافق دار الإسلام. فصل:
وما قرب من العامر وتعلق بمصالحه, من طرقه ومسيل مائه ومطرح قمامته, وملقى ترابه وآلاته فلا يجوز إحياؤه بغير خلاف في المذهب وكذلك ما تعلق بمصالح القرية, كفنائها ومرعى ماشيتها ومحتطبها, وطرقها ومسيل مائها لا يملك بالإحياء ولا نعلم فيه أيضا خلافا بين أهل العلم وكذلك حريم البئر والنهر والعين, وكل مملوك لا يجوز إحياء ما تعلق بمصالحه لقوله عليه السلام: (من أحيا أرضا ميتة في غير حق مسلم فهي له) مفهومه أن ما تعلق به حق مسلم لا يملك بالإحياء ولأنه تابع للمملوك, ولو جوزنا إحياءه لبطل الملك في العامر على أهله وذكر القاضي أن هذه المرافق لا يملكها المحيي بالإحياء لكن هو أحق بها من غيره لأن الإحياء الذي هو سبب الملك لم يوجد فيها وقال الشافعي: يملك بذلك وهو ظاهر قول الخرقي في حريم البئر لأنه مكان استحقه بالإحياء, فملكه كالمحيي ولأن معنى الملك موجود فيه, لأنه يدخل مع الدار في البيع ويختص به صاحبها فأما ما قرب من العامر ولم يتعلق بمصالحه, ففيه روايتان إحداهما يجوز إحياؤه قال أحمد في رواية أبي الصقر في رجلين أحييا قطعتين من موات, وبقيت بينهما رقعة فجاء رجل ليحييها فليس لهما منعه وقال في جبانة بين قريتين: من أحياها, فهي له وهذا مذهب الشافعي لعموم قوله عليه السلام: (من أحيا أرضا ميتة فهي له) (ولأن النبي -ﷺ- أقطع بلال بن الحارث المزني العقيق وهو يعلم أنه بين عمارة المدينة) ولأنه موات لم يتعلق به مصلحة العامر فجاز إحياؤه, كالبعيد والرواية الثانية لا يجوز إحياؤه وبه قال أبو حنيفة والليث لأنه في مظنة تعلق المصلحة به, فإنه يحتمل أن يحتاج إلى فتح باب في حائطه إلى فنائه ويجعله طريقا أو يخرب حائطه, فيضع آلات البناء في فنائه وغير ذلك ولم يجز تفويت ذلك عليه, بخلاف البعيد إذا ثبت هذا فإنه لا حد يفصل بين القريب والبعيد سوى العرف وقال الليث: حده غلوة وهي خمس الفرسخ وقال أبو حنيفة: حد البعيد هو الذي إذا وقف الرجل في أدناه, فصاح بأعلى صوته لم يسمع أدنى أهل المصر إليه ولنا أن التحديد لا يعرف إلا بالتوقيف, ولا يعرف بالرأي والتحكم ولم يرد من الشرع في ذلك تحديد فوجب أن يرجع في ذلك إلى العرف, كالقبض والإحراز وقول من حدد هذا تحكم بغير دليل وليس ذلك أولى من تحديده بشيء آخر كميل ونصف ميل, ونحو ذلك وهذا التحديد الذي ذكراه والله أعلم مختص بما قرب من المصر أو القرية ولا يجوز أن يكون حدا لكل ما قرب من عامر لأنه يفضي إلى أن من أحيا أرضا في موات, حرم إحياء شيء من ذلك الموات على غيره ما لم يخرج عن ذلك الحد. فصل:
وجميع البلاد فيما ذكرناه سواء المفتوح عنوة كأرض الشام والعراق, وما أسلم أهله عليه كالمدينة وما صولح أهله على أن الأرض للمسلمين كأرض خيبر إلا الذي صولح أهله على أن الأرض لهم ولنا الخراج عنها, فإن أصحابنا قالوا: لو دخل فيها مسلم فأحيا فيها مواتا لم يملكه لأنهم صولحوا في بلادهم, فلا يجوز التعرض لشيء منها عامرا كان أو مواتا لأن الموات تابع للبلد, فإذا لم يملك عليهم البلد لم يملك مواته ويفارق دار الحرب حيث يملك مواتها لأن دار الحرب على أصل الإباحة وهذه صالحناهم على تركها لهم, فحرمت علينا ويحتمل أن يملكها من أحياها لعموم الخبر ولأنها من مباحات دارهم فجاز أن يملكها من وجد منه سبب تملكها, كالحشيش والحطب وقد روي عن أحمد أنه ليس في السواد موات يعني سواد العراق قال القاضي: هذا محمول على العامر ويحتمل أن أحمد قال ذلك لكون السواد كان معمورا كله في زمن عمر بن الخطاب وحين أخذه المسلمون من الكفار, حتى بلغنا أن رجلا منهم سأل أن يعطى خربة فلم يجدوا له خربة فقال: إنما أردت أن أعلمكم كيف أخذتموها منا وإذا لم يكن فيها موات حين ملكها المسلمون لم يصر فيها موات بعده, لأن ما دثر من أملاك المسلمين لم يصر مواتا على إحدى الروايتين. فصل:
وإن تحجر مواتا وهو أن يشرع في إحيائه, مثل إن أدار حول الأرض ترابا أو أحجارا أو حاطها بحائط صغير لم يملكها بذلك لأن الملك بالإحياء, وليس هذا بإحياء لكن يصير أحق الناس به لأنه روي عن النبي -ﷺ- أنه قال: (من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به) رواه أبو داود فإن نقله إلى غيره, صار الثاني بمنزلته لأن صاحبه أقامه مقامه وإن مات فوارثه أحق به لقول النبي -ﷺ-: (من ترك حقا أو مالا فهو لورثته) فإن باعه لم يصح بيعه لأنه لم يملكه, فلم يملك بيعه كحق الشفعة قبل الأخذ به وكمن سبق إلى معدن أو مباح قبل أخذه قال أبو الخطاب: ويحتمل جواز بيعه لأنه له فإن سبق غيره فأحياه, ففيه وجهان أحدهما أنه يملكه لأن الإحياء يملك به والتحجر لا يملك به فثبت الملك بما يملك به دون ما لم يملك به, كمن سبق إلى معدن أو مشرعة ماء فجاء غيره فأزاله وأخذه والثاني لا يملكه لأن مفهوم قوله عليه السلام: " من أحيا أرضا ميتة ليست لأحد " وقوله: " في حق غير مسلم, فهي له " أنها لا تكون له إذا كان لمسلم فيها حق وكذلك قوله: (من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به) وروى سعيد في " سننه " أن عمر رضي الله عنه قال: من كانت له أرض يعني من تحجر أرضا فعطلها ثلاث سنين, فجاء قوم فعمروها فهم أحق بها وهذا يدل على أن من عمرها قبل ثلاث سنين لا يملكها ولأن الثاني أحيا في حق غيره فلم يملكه, كما لو أحيا ما يتعلق به مصالح ملك غيره ولأن حق المتحجر أسبق فكان أولى, كحق الشفيع يقدم على شراء المشتري فإن طالت المدة عليه فينبغي أن يقول له السلطان: إما أن تحييه أو تتركه ليحييه غيرك لأنه ضيق على الناس في حق مشترك بينهم فلم يمكن من ذلك, كما لو وقف في طريق ضيق أو مشرعة ماء أو معدن لا ينتفع به, ولا يدع غيره ينتفع فإن سأل الإمهال لعذر له أمهل الشهر والشهرين ونحو ذلك فإن أحياه غيره في مدة المهلة ففيه الوجهان اللذان ذكرناهما وإن تقضت المدة ولم يعمر, فلغيره أن يعمره ويملكه لأن المدة ضربت له لينقطع حقه بمضيها وسواء أذن له السلطان في عمارتها أو لم يأذن له وإن لم يكن للمتحجر عذر في ترك العمارة, قيل له: إما أن تعمر وإما أن ترفع يدك فإن لم يعمرها, كان لغيره عمارتها فإن لم يقل له شيء واستمر تعطيلها فقد ذكرنا عن عمر رضي الله عنه أن من تحجر أرضا فعطلها ثلاث سنين, فجاء قوم فعمروها فهم أحق بها ومذهب الشافعي في هذا كله نحو ما ذكرنا. فصل:
وللإمام إقطاع الموات لمن يحييه فيكون بمنزلة المتحجر الشارع في الإحياء لما روي أن النبي -ﷺ- (أقطع بلال بن الحارث العقيق أجمع) فلما كان عمر قال لبلال: إن رسول الله -ﷺ- لم يقطعك لتحيزه عن الناس, إنما أقطعك لتعمر فخذ منها ما قدرت على عمارته ورد الباقي رواه أبو عبيد, في " الأموال " وذكر سعيد في " سننه ": حدثنا عبد العزيز بن محمد عن ربيعة, قال: سمعت الحارث بن بلال بن الحارث يقول: (إن رسول الله -ﷺ- أقطع بلال بن الحارث العقيق فلما ولي عمر بن الخطاب, قال: ما أقطعك لتحتجنه فأقطعه الناس) وروى علقمة بن وائل عن أبيه, أن النبي -ﷺ- أقطعه أرضا بحضرموت قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح وقال سعيد: حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن عمرو بن شعيب (أن رسول الله -ﷺ- أقطع ناسا من جهينة أو مزينة أرضا, فعطلوها فجاء قوم فأحيوها فخاصمهم الذين أقطعهم رسول الله -ﷺ- إلى عمر بن الخطاب, فقال عمر: لو كانت قطيعة مني أو من أبي بكر لم أردها ولكنها قطيعة من رسول الله -ﷺ- فأنا أردها) ثم قال عمر رضي الله عنه: من كانت له أرض يعني من تحجر أرضا فعطلها ثلاث سنين, فجاء قوم فعمروها فهم أحق بها. مسألة:
قال: [ إلا أن تكون أرض ملح أو ماء للمسلمين فيه المنفعة فلا يجوز أن ينفرد بها الإنسان ] وجملة ذلك, أن المعادن الظاهرة وهي التي يوصل إلى ما فيها من غير مؤنة ينتابها الناس وينتفعون بها, كالملح والماء والكبريت, والقير والمومياء والنفط, والكحل والبرام والياقوت, ومقاطع الطين وأشباه ذلك لا تملك بالإحياء, ولا يجوز إقطاعها لأحد من الناس ولا احتجازها دون المسلمين لأن فيه ضررا بالمسلمين وتضييقا عليهم, ولأن النبي -ﷺ- (أقطع أبيض بن حمال معدن الملح فلما قيل له: إنه بمنزلة الماء العد رده) كذا قال أحمد وروى أبو عبيد وأبو داود, والترمذي بإسنادهم عن أبيض بن حمال (أنه استقطع رسول الله -ﷺ- الملح الذي بمأرب, فلما ولي قيل: يا رسول الله: أتدري ما أقطعت له؟ إنما أقطعت الماء العد فرجعه منه قال: قلت: يا رسول الله ما يحمى من الأراك؟ قال: ما لم تنله أخفاف الإبل) وهو حديث غريب وروي في لفظ عنه, أنه قال: (لا حمى في الأراك) ورواه سعيد فقال: حدثني إسماعيل بن عياش عن عمرو بن قيس المأربي, عن أبيه عن أبيض بن حمال المأربي قال: (استقطعت رسول الله -ﷺ- معدن الملح بمأرب فأقطعنيه, فقيل: يا رسول الله إنه بمنزلة الماء العد يعني أنه لا ينقطع فقال رسول الله -ﷺ-: فلا إذن) ولأن هذا تتعلق به مصالح المسلمين العامة فلم يجز إحياؤه, ولا إقطاعه كمشارع الماء وطرقات المسلمين وقال ابن عقيل: هذا من مواد الله الكريم, وفيض جوده الذي لا غناء عنه فلو ملكه أحد بالاحتجاز ملك منعه, فضاق على الناس فإن أخذ العوض عنه أغلاه فخرج عن الموضع الذي وضعه الله من تعميم ذوي الحوائج من غير كلفة وهذا مذهب الشافعي ولا أعلم فيه مخالفا. فصل:
فأما المعادن الباطنة, وهي التي لا يوصل إليها إلا بالعمل والمؤنة كمعادن الذهب والفضة, والحديد والنحاس والرصاص, والبلور والفيروزج فإذا كانت ظاهرة, لم تملك أيضا بالإحياء لما ذكرنا في التي قبلها وإن لم تكن ظاهرة فحفرها إنسان وأظهرها لم يملكها بذلك, في ظاهر المذهب وظاهر مذهب الشافعي ويحتمل أن يملكها بذلك وهو قول للشافعي لأنه موات لا ينتفع به إلا بالعمل والمؤنة فملك بالإحياء, كالأرض ولأنه بإظهاره تهيأ للانتفاع به من غير حاجة إلى تكرار ذلك العمل فأشبه الأرض إذا جاءها بماء أو حاطها ووجه الأول, أن الإحياء الذي يملك به هو العمارة التي تهيأ بها المحيي للانتفاع من غير تكرار عمل وهذا حفر وتخريب يحتاج إلى تكرار عند كل انتفاع فإن قيل: فلو احتفر بئرا ملكها, وملك حريمها قلنا: البئر تهيأت للانتفاع بها من غير تجديد حفر ولا عمارة وهذه المعادن تحتاج عند كل انتفاع إلى عمل وعمارة فافترقا قال أصحابنا: وليس للإمام إقطاعها لأنها لا تملك بالإحياء والصحيح جواز ذلك لأن النبي -ﷺ- (أقطع لبلال بن الحارث معادن القبلية, جلسيها وغوريها) رواه أبو داود وغيره. فصل:
ومن أحيا أرضا فملكها بذلك, فظهر فيها معدن ملكه ظاهرا كان أو باطنا إذا كان من المعادن الجامدة لأنه ملك الأرض بجميع أجزائها وطبقاتها, وهذا منها ويفارق الكنز فإنه مودع فيها وليس من أجزائها ويفارق ما إذا كان ظاهرا قبل إحيائها لأنه قطع عن المسلمين نفعا كان واصلا إليهم ومنعهم انتفاعا كان لهم, وهاهنا لم يقطع عنهم شيئا لأنه إنما ظهر بإظهاره له. ولو تحجر الأرض أو أقطعها فظهر فيها المعدن قبل إحيائها, لكان له إحياؤها ويملكها بما فيها لأنه صار أحق به بتحجره وإقطاعه فلم يمنع من إتمام حقه. وأما المعادن الجارية, كالقار والنفط والماء, فهل يملكها من ظهرت في ملكه؟ فيه روايتان أظهرهما لا يملكها لقول النبي -ﷺ-: (الناس شركاء في ثلاث: في الماء والكلأ, والنار) رواه الخلال ولأنها ليست من أجزاء الأرض فلم يملكها بملك الأرض كالكنز والثانية يملكها لأنها خارجة من أرضه المملوكة له, فأشبهت الزرع والمعادن الجامدة. فصل:
ولو شرع إنسان في حفر معدن ولم يصل إلى النيل صار أحق به, كالمتحجر الشارع في الإحياء فإذا وصل إلى النيل صار أحق بالأخذ منه ما دام مقيما على الأخذ منه, وهل يملكه بذلك؟ فيه ما قد ذكرنا من قبل وإن حفر آخر من ناحية أخرى لم يكن له منعه وإذا وصل إلى ذلك العرق لم يكن له منعه سواء قلنا: إن المعدن يملك بحفره أو لم نقل لأنه إن ملكه, فإنما يملك المكان الذي حفره وأما العرق الذي في الأرض فلا يملكه بذلك ومن وصل إليه من جهة أخرى فله أخذه. ولو ظهر في ملكه معدن, بحيث يخرج النيل عن أرضه فحفر إنسان من خارج أرضه كان له أن يأخذ ما خرج عن أرضه منه لأنه لم يملكه, إنما ملك ما هو من أجزاء أرضه وليس لأحد أن يأخذ ما كان داخلا في أرضه من أجزاء الأرض الباطنة كما لا يملك أخذ أجزائها الظاهرة. ولو حفر كافر في دار الحرب معدنا, فوصل إلى النيل ثم فتحها المسلمون عنوة لم تصر غنيمة, وكان وجود عمله وعدمه واحدا لأن عامره لم يملكه بذلك ولو ملكه فإن الأرض كلها تصير وقفا للمسلمين وهذا ينصرف إلى مصلحة من مصالحهم, فتعين لها كما لو ظهر بفعل الله تعالى. فصل:
ولو كان في الموات موضع يمكن أن يحدث فيه معدن ظاهر كموضع على شاطئ البحر, إذا صار فيه ماء البحر صار ملحا ملك بالإحياء وجاز للإمام إقطاعه لأنه لا يضيق على المسلمين بإحداثه, بل يحدث نفعه بفعله فلم يمنع منه كبقية الموات, وإحياء هذا بتهيئته لما يصلح له من حفر ترابه وتمهيده وفتح قناة إليه تصب الماء فيه لأنه يتهيأ بهذا الانتفاع به. فصل:
ومن ملك معدنا, فعمل فيه غيره بغير إذنه فما حصل منه فهو لمالكه ولا أجر للغاصب على عمله لأنه عمل في ملك غيره بغير إذنه, أشبه ما لو حصد زرع غيره بغير إذنه وإن قال مالكه: اعمل فيه ولك ما يخرج منه فله ذلك ولا شيء لصاحب المعدن فيه لأنه إباحة من مالكه, فملك ما أخذه كما لو أباحه الأخذ من داره أو بستانه وإن قال: اعمل فيه على أن ما رزق الله من نيل كان بيننا نصفين فعمل, فيه وجهان: أحدهما يجوز وما يأخذه يكون بينهما كما لو قال له: احصد هذا الزرع بنصفه أو ثلثه ولأنها عين تنمى بالعمل عليها فصح العمل فيها ببعضه, كالمضاربة في الأثمان والثاني لا يصح لأن ما يحصل منه مجهول ولأنه لا يصح أن يكون إجارة لأن العوض مجهول والعمل مجهول, ولا جعالة لأن العوض مجهول ولا مضاربة لأن المضاربة إنما تصح بالأثمان على أن يرد رأس المال, وتكون له حصة من الربح وليس ذلك ها هنا وفارق حصاد الزرع بنصفه أو جزء منه لأن الزرع معلوم بالمشاهدة وما علم جميعه علم جزؤه, بخلاف هذا وإن قال: اعمل فيه كذا ولك ما يحصل منه بشرط أن تعطيني ألفا أو شيئا معلوما لم يصح لأنه بيع لمجهول, ولا يصح أن يكون معاملة كالمضاربة لما ذكرنا ولأن المضاربة تكون بجزء من النماء, لا دراهم معلومة قال أحمد: إذا أخذ معدنا من قوم على أن يعمره ويعمل فيه, ويعطيهم ألفي من أو ألف من صفرا فذلك مكروه ولم يرخص فيه والله الموفق. فصل:
إذا استأجر رجلا ليحفر له عشرة أذرع في دور كذا بدينار صح لأنها إجارة معلومة وإن ظهر عرق ذهب, فقال: استأجرتك لتخرجه بدينار لم يصح لأن العمل مجهول وإن قال: إن استخرجته فلك دينار صح ويكون جعالة لأن الجعالة تصح على عمل مجهول إذا كان العوض معلوما. فصل:
ومن سبق في الموات إلى معدن ظاهر أو باطن, فهو أحق بما ينال منه لقول النبي -ﷺ-: (من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له) فإن أخذ قدر حاجته وأراد الإقامة فيه بحيث يمنع غيره, منع منه لأنه يضيق على الناس ما لا نفع فيه فأشبه ما لو وقف في مشرعة الماء لغير حاجة وإن أطال المقام والأخذ احتمل أن يمنع لأنه يصير كالمتملك له واحتمل أن لا يمنع لإطلاق الحديث وإن استبق إليه اثنان, وضاق المكان عنهما أقرع بينهما لأنه لا مزية لأحدهما على صاحبه ويحتمل أن يقسم بينهما لأنه يمكن قسمته وقد تساويا فيه, فيقسم بينهما كما لو تداعيا عينا في أيديهما ولا بينة لأحدهما بها ويحتمل أن يقدم الإمام من يرى منهما لأن له نظرا وذكر القاضي وجها رابعا وهو أن الإمام ينصب من يأخذ لهما, ويقسم بينهما وهذا التفصيل مذهب الشافعي. فصل:
وما نضب عنه الماء من الجزائر لم يملك بالإحياء قال أحمد في رواية العباس بن موسى: إذا نضب الماء عن جزيرة إلى فناء رجل لم يبن فيها لأن فيه ضررا, وهو أن الماء يرجع يعني أنه يرجع إلى ذلك المكان فإذا وجده مبنيا رجع إلى الجانب الآخر, فأضر بأهله ولأن الجزائر منبت الكلأ والحطب فجرت مجرى المعادن الظاهرة وقد قال النبي -ﷺ-: (لا حمى في الأراك) وقال أحمد, في رواية حرب: يروى عن عمر أنه أباح الجزائر يعني أباح ما ينبت في الجزائر من النبات وقال: إذا نضب الفرات عن شيء, ثم نبت فيه نبات فجاء رجل فمنع الناس منه فليس له ذلك فأما إن غلب الماء على ملك إنسان, ثم عاد فنضب عنه فله أخذه فلا يزول ملكه بغلبة الماء عليه وإن كان ما نضب عنه الماء لا ينتفع به أحد, فعمره رجل عمارة لا ترد الماء مثل أن يجعله مزرعة فهو أحق به من غيره لأنه متحجر لما ليس لمسلم فيه حق, فأشبه التحجر في الموات. فصل:
وما كان من الشوارع والطرقات والرحاب بين العمران فليس لأحد إحياؤه سواء كان واسعا أو ضيقا, وسواء ضيق على الناس بذلك أو لم يضيق لأن ذلك يشترك فيه المسلمون وتتعلق به مصلحتهم فأشبه مساجدهم ويجوز الارتفاق بالقعود في الواسع من ذلك للبيع والشراء, على وجه لا يضيق على أحد ولا يضر بالمارة لاتفاق أهل الأمصار في جميع الأعصار على إقرار الناس على ذلك من غير إنكار, ولأنه ارتفاق مباح من غير إضرار فلم يمنع منه كالاجتياز, قال أحمد في السابق إلى دكاكين السوق غدوة: فهو له إلى الليل وكان هذا في سوق المدينة فيما مضى وقد قال النبي -ﷺ-: (منى مناخ من سبق) وله أن يظلل على نفسه بما لا ضرر فيه, من بارية وتابوت وكساء, ونحوه لأن الحاجة تدعو إليه من غير مضرة فيه وليس له البناء لا دكة ولا غيرها لأنه يضيق على الناس ويعثر به المارة بالليل والضرير في الليل والنهار, ويبقى على الدوام فربما ادعى ملكه بسبب ذلك والسابق أحق به ما دام فيه فإن قام وترك متاعه فيه, لم يجز لغيره إزالته لأن يد الأول عليه وإن نقل متاعه كان لغيره أن يقعد فيه لأن يده قد زالت وإن قعد وأطال, منع من ذلك لأنه يصير كالمتملك ويختص بنفع يساويه غيره في استحقاقه ويحتمل أن لا يزال لأنه سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم وإن استبق اثنان إليه احتمل أن يقرع بينهما, واحتمل أن يقدم الإمام من يرى منهما وإن كان الجالس يضيق على المارة لم يحل له الجلوس فيه ولا يحل للإمام تمكينه بعوض, ولا غيره قال أحمد: ما كان ينبغي لنا أن نشتري من هؤلاء الذين يبيعون على الطريق قال القاضي: هذا محمول على أن الطريق ضيق أو يكون يؤذي المارة لما تقدم ذكرنا له وقال: لا يعجبني الطحن في العروب إذا كانت في طريق الناس وهو السفن التي يطحن فيها في الماء الجاري إنما كره ذلك لتضييقها طريق السفن المارة في الماء قال أحمد: ربما غرقت السفن, فأرى للرجل أن يتوقى الشراء مما يطحن بها. فصل:
في القطائع ، وهي ضربان أحدهما إقطاع إرفاق ، وذلك إقطاع مقاعد السوق ، والطرق الواسعة ، ورحاب المساجد ، التي ذكرنا أن للسابق إليها الجلوس فيها ، فللإمام إقطاعها لمن يجلس فيها ؛ لأن له في ذلك اجتهادا ، من حيث إنه لا يجوز الجلوس إلا فيما لا يضر بالمارة ، فكان للإمام أن يجلس فيها من لا يرى أنه يتضرر بجلوسه . ولا يملكها المقطع بذلك ، بل يكون أحق بالجلوس فيها من غيره ، بمنزلة السابق إليها من غير إقطاع سواء ، إلا في شيء واحد ، وهو أن السابق إذا نقل متاعه عنها ، فلغيره الجلوس فيها ؛ لأن استحقاقه لها بسبقه إليها ، ومقامه فيها ، فإذا انتقل عنها ، زال استحقاقه ، لزوال المعنى الذي استحق به ، وهذا استحق بإقطاع الإمام ، فلا يزول حقه بنقل متاعه ، ولا لغيره الجلوس فيه ، وحكمه في التظليل على نفسه بما ليس بناء ، ومنعه من البناء ، ومنعه إذا طال مقامه ، حكم السابق ، على ما أسلفناه . الثاني إقطاع موات من الأرض لمن يحييها ، فيجوز ذلك ؛ لما روى وائل بن حجر (أن رسول الله ﷺ أقطعه أرضا ، فأرسل معاوية أن أعطه إياه ، أو أعلمه إياه). حديث صحيح وأقطع بلال بن الحارث المزني ، وأبيض بن حمال المأربي ، وأقطع الزبير حضر فرسه ، فأجرى فرسه حتى قام ورمى بسوطه ، فقال : " أعطوه من حيث وقع السوط " . رواه سعيد ، وأبو داود . وذكر البخاري ، عن أنس قال : (دعا رسول الله ﷺ الأنصار ليقطع لهم بالبحرين . فقالوا : يا رسول الله : إن فعلت ، فاكتب لإخواننا من قريش بمثلها). وروي أن أبا بكر أقطع طلحة بن عبيد الله أرضا ، وأن عثمان أقطع خمسة من أصحاب النبي ﷺ ؛ الزبير ، وسعدا ، وابن مسعود ، وأسامة بن زيد ، وخباب بن الأرت . ويروى عن نافع أبي عبد الله ، أنه قال لعمر : إن قبلنا أرضا بالبصرة ، ليست من أرض الخراج ، ولا تضر بأحد من المسلمين ، فإن رأيت أن تقطعنيها أتخذ فيها قصيلا لخيلي ، فافعل . قال : فكتب عمر إلى أبي موسى : إن كانت كما يقول ، فأقطعها إياه روى هذه الآثار كلها أبو عبيد ، في " الأموال " . وروى سعيد ، عن سفيان ، عن أبي نجيح ، عن عمرو بن شعيب (أن النبي ﷺ أقطع ناسا من جهينة أو مزينة أرضا). إذا ثبت هذا ، فإن من أقطعه الإمام شيئا من الموات ، لم يملكه بذلك ، لكن يصير أحق به ، كالمتحجر للشارع في الإحياء ، بدليل ما ذكرنا من حديث بلال بن الحارث ، حيث استرجع عمر منه ما عجز عن إحيائه من العقيق ، الذي أقطعه إياه رسول الله ﷺ ولو ملكه لم يجز استرجاعه . ورد عمر أيضا قطيعة أبي بكر لعيينة بن حصن ، فسأل عيينة أبا بكر أن يجدد له كتابا فقال : والله لا أجدد شيئا رده عمر رواه أبو عبيد . لكن المقطع يصير أحق به من سائر الناس ، وأولى بإحيائه ، فإن أحياه ، وإلا قال له السلطان : إن أحييته ، وإلا فارفع يدك عنه . كما قال عمر لبلال بن الحارث المزني : إن رسول الله ﷺ لم يقطعك لتحجبه دون الناس ، وإنما أقطعك لتعمر ، فخذ منها ما قدرت على عمارته ، ورد الباقي . وإن طلب المهلة لعذر ، أمهل بقدر ذلك . وإن طلبها لغير عذر ، لم يمهل ، على ما ذكرنا في المتحجر وإن سبق غيره فأحياه قبل أن يقال له شيء ، أو في مدة المهلة ، فهل يملكه ؟ على وجهين وقد روي عن عمرو بن شعيب (أن النبي ﷺ أقطع ناسا من جهينة أو مزينة أرضا ، فعطلوها ، فجاء قوم فأحيوها ، فخاصمهم الذين أقطعهم رسول الله ﷺ إلى عمر رضي الله عنه فقال عمر : لو كانت قطيعة مني ، أو من أبي بكر ، لم أردها ، ولكنها قطيعة من رسول الله ﷺ فأنا أردها) ، فدل هذا على أنها إذا كانت قطيعة من غير رسول الله ﷺ فهي لمن أحياها . والثاني ، لا يملكه ؛ لأنه تعلق به حق المقطع ، ومفهوم قوله عليه السلام : (من أحيا أرضا ميتة في غير حق مسلم ، فهي له) أنه إذا تعلق بها حق مسلم ، لم يجز إحياؤها . وقد ذكرنا الوجهين في المتحجر ، وهذا مثله . ومذهب الشافعي في هذا الفصل كنحو ما ذكرنا . فصل:
وليس للإمام إقطاع ما لا يجوز إحياؤه من المعادن الظاهرة لأن النبي -ﷺ- (لما استقطعه أبيض بن حمال الملح الذي بمأرب فقيل: يا رسول الله: إنما أقطعته الماء العد رجعه منه) ولأن في ذلك تضييقا على المسلمين وفي إقطاع المعادن الباطنة وجهان ذكرناهما فيما مضى. فصل:
ولا ينبغي أن يقطع الإمام أحدا من الموات, إلا ما يمكنه إحياؤه لأن في إقطاعه أكثر من ذلك تضييقا على الناس في حق مشترك بينهم بما لا فائدة فيه فإن فعل ثم تبين عجزه عن إحيائه, استرجعه منه كما استرجع عمر من بلال بن الحارث ما عجز عنه من عمارته من العقيق الذي أقطعه إياه رسول الله -ﷺ-. فصل:
في الحمى, ومعناه أن يحمي أرضا من الموات يمنع الناس رعي ما فيها من الكلأ ليختص بها دونهم وكانت العرب في الجاهلية تعرف ذلك, فكان منهم من إذا انتجع بلدا أوفى بكلب على نشز ثم استعواه ووقف له من كل ناحية من يسمع صوته بالعواء فحيثما انتهى صوته حماه من كل ناحية لنفسه, ويرعى مع العامة فيما سواه فنهى رسول الله -ﷺ- عنه لما فيه من التضييق على الناس ومنعهم من الانتفاع بشيء لهم فيه حق وروى الصعب بن جثامة قال: سمعت رسول الله -ﷺ- يقول: (لا حمى إلا لله ولرسوله) رواه أبو داود وقال: (الناس شركاء في ثلاث: الماء, والنار والكلأ) رواه الخلال وليس لأحد من الناس سوى الأئمة أن يحمي لما ذكرنا من الخبر والمعنى فأما النبي -ﷺ- فكان له أن يحمي لنفسه وللمسلمين لقوله في الخبر: (لا حمى إلا لله ولرسوله) لكنه لم يحم لنفسه شيئا وإنما حمى للمسلمين, فقد روى ابن عمر قال: (حمى النبي -ﷺ- النقيع لخيل المسلمين) رواه أبو عبيد والنقيع بالنون: موضع ينتقع فيه الماء, فيكثر فيه الخصب لمكان ما يصير فيه من الماء وأما سائر أئمة المسلمين فليس لهم أن يحموا لأنفسهم شيئا, ولكن لهم أن يحموا مواضع لترعى فيها خيل المجاهدين ونعم الجزية وإبل الصدقة وضوال الناس التي يقوم الإمام بحفظها, وماشية الضعيف من الناس على وجه لا يستضر به من سواه من الناس وبهذا قال أبو حنيفة ومالك, والشافعي في صحيح قوليه وقال في الآخر: ليس لغير النبي -ﷺ- أن يحمي لقوله: (لا حمى إلا لله ولرسوله) ولنا أن عمر وعثمان حميا واشتهر ذلك في الصحابة, فلم ينكر عليهما فكان إجماعا وروى أبو عبيد بإسناده عن عامر بن عبد الله بن الزبير, أحسبه عن أبيه قال: أتى أعرابي عمر فقال: يا أمير المؤمنين, بلادنا قاتلنا عليها في الجاهلية وأسلمنا عليها في الإسلام علام تحميها؟ فأطرق عمر, وجعل ينفخ ويفتل شاربه وكان إذا كربه أمر فتل شاربه, ونفخ فلما رأى الأعرابي ما به جعل يردد ذلك فقال عمر: المال مال الله والعباد عباد الله, والله لولا ما أحمل عليه في سبيل الله ما حميت شبرا من الأرض في شبر وقال مالك: بلغني أنه كان يحمل في كل عام على أربعين ألفا من الظهر وعن أسلم قال: سمعت عمر يقول لهني حين استعمله على حمى الربذة: يا هني اضمم جناحك عن الناس, واتق دعوة المظلوم فإنها مجابة وأدخل رب الصريمة والغنيمة ودعني من نعم ابن عوف ونعم ابن عفان فإنهما إن هلكت ماشيتهما رجعا إلى نخل وزرع, وإن هذا المسكين إن هلكت ماشيته جاء يصرخ: يا أمير المؤمنين فالكلأ أهون على أم غرم الذهب والورق إنها أرضهم قاتلوا عليها في الجاهلية, وأسلموا عليها في الإسلام وإنهم ليرون أنا نظلمهم ولولا النعم التي يحمل عليها في سبيل الله, ما حميت على الناس من بلادهم شيئا أبدا وهذا إجماع منهم ولأن ما كان لمصالح المسلمين قامت الأئمة فيه مقام رسول الله -ﷺ- وقد روي عن النبي -ﷺ- أنه قال: (ما أطعم الله لنبي طعمة إلا جعلها طعمة لمن بعده) وأما الخبر فمخصوص وأما حماه لنفسه, فيفارق حمى النبي -ﷺ- لنفسه لأن صلاحه يعود إلى صلاح المسلمين وما له كان يرده في المسلمين, ففارق الأئمة في ذلك وساووه فيما كان صلاحا للمسلمين وليس لهم أن يحموا إلا قدرا لا يضيق به على المسلمين ويضر بهم لأنه إنما جاز لما فيه من المصلحة لما يحمى, وليس من المصلحة إدخال الضرر على أكثر الناس. فصل:
وما حماه النبي -ﷺ- فليس لأحد نقضه ولا تغييره, مع بقاء الحاجة إليه ومن أحيا منه شيئا لم يملكه وإن زالت الحاجة إليه ففيه وجهان وما حماه غيره من الأئمة فغيره هو أو غيره من الأئمة, جاز وإن أحياه إنسان ملكه في أحد الوجهين لأن حمى الأئمة اجتهاد, وملك الأرض بالإحياء نص والنص يقدم على الاجتهاد والوجه الآخر لا يملكه لأن اجتهاد الإمام لا يجوز نقضه كما لا يجوز نقض حكمه ومذهب الشافعي في هذا على نحو ما قلنا. فصل:
في أحكام المياه, قد ذكرنا في البيع حكم ملكها وبيعها ونذكر ها هنا حكم السقي بها فنقول: لا يخلو الماء من حالين إما أن يكون جاريا أو واقفا, فإن كان جاريا فهو ضربان أحدهما أن يكون في نهر غير مملوك وهو قسمان أحدهما أن يكون نهرا عظيما كالنيل والفرات ودجلة, وما أشبهها من الأنهار العظيمة التي لا يستضر أحد بسقيه منها فهذا لا تزاحم فيه, ولكل أحد أن يسقي منها ما شاء متى شاء وكيف شاء القسم الثاني, أن يكون نهرا صغيرا يزدحم الناس فيه ويتشاحون في مائه أو سيلا يتشاح فيه أهل الأرض الشاربة منه, فإنه يبدأ من في أول النهر فيسقي ويحبس الماء حتى يبلغ إلى الكعب ثم يرسل إلى الذي يليه فيصنع كذلك, وعلى هذا إلى أن تنتهي الأراضي كلها فإن لم يفضل عن الأول شيء أو عن الثاني أو عمن يليهم فلا شيء للباقين لأنه ليس لهم إلا ما فضل, فهم كالعصبة في الميراث وهذا قول فقهاء المدينة ومالك والشافعي, ولا نعلم فيه مخالفا والأصل في هذا ما روى عبد الله بن الزبير (أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير في شراج الحرة التي يسقون بها إلى النبي -ﷺ- فقال -ﷺ-: اسق يا زبير, ثم أرسل الماء إلى جارك فغضب الأنصاري وقال: يا رسول الله أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله -ﷺ- ثم قال: يا زبير اسق, ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر قال الزبير: فوالله إني لأحسب هذه الآية نزلت فيه: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم}) متفق عليه ورواه مالك في " موطئه " عن الزهري عن عروة, عن عبد الله بن الزبير وذكر عنه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: نظرنا في قول النبي -ﷺ-: (ثم احبس الماء حتى يبلغ إلى الجدر) فكان ذلك إلى الكعبين قال أبو عبيد: الشراج: جمع شرج, والشرج: نهر صغير والحرة: أرض ملتبسة بحجارة سود والجدر: الجدار, وإنما أمر النبي -ﷺ- الزبير أن يسقي ثم يرسل الماء تسهيلا على غيره فلما قال الأنصاري ما قال, استوعى النبي -ﷺ- الزبير حقه وروى مالك في " الموطأ " أيضا عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم, أنه بلغه (أن رسول الله -ﷺ- قال في سيل مهزور ومذينيب: يمسك حتى الكعبين ثم يرسل الأعلى على الأسفل) قال ابن عبد البر: هذا حديث مدني مشهور عند أهل المدينة, معمول به عندهم قال عبد الملك بن حبيب: مهزور ومذينيب: واديان من أودية المدينة يسيلان بالمطر وتتنافس أهل الحوائط في سيلهما وروى أبو داود, بإسناده عن ثعلبة بن أبي مالك أنه (سمع كبراءهم يذكرون أن رجلا من قريش كان له سهم في بني قريظة, فخاصم إلى رسول الله -ﷺ- في سيل مهزور والسيل الذي يقتسمون ماءه فقضى بينهم رسول الله -ﷺ- أن الماء إلى الكعبين لا يحبس الأعلى على الأسفل) ولأن من أرضه قريبة من فوهة النهر أسبق إلى الماء, فكان أولى به كمن سبق إلى المشرعة فإن كانت أرض صاحب الأعلى مختلفة, منها مستعلية ومنها مستفلة سقى كل واحدة منهما على حدتها وإن استوى اثنان في القرب من أول النهر, اقتسما الماء بينهما إن أمكن وإن لم يمكن أقرع بينهما, فقدم من تقع له القرعة فإن كان الماء لا يفضل عن أحدهما سقى من تقع له القرعة بقدر حقه من الماء, ثم تركه للآخر وليس له أن يسقي بجميع الماء لأن الآخر يساويه في استحقاق الماء وإنما القرعة للتقديم في استيفاء الحق, لا في أصل الحق بخلاف الأعلى مع الأسفل فإنه ليس للأسفل حق إلا فيما فضل عن الأعلى فإن كانت أرض أحدهما أكثر من أرض الآخر قسم الماء بينهما على قدر الأرض لأن الزائد من أرض أحدهما مساو في القرب, فاستحق جزءا من الماء كما لو كان لشخص ثالث وإن كان لجماعة رسم شرب من نهر غير مملوك, أو سيل وجاء إنسان ليحيي مواتا أقرب إلى رأس النهر من أرضهم لم يكن له أن يسقي قبلهم لأنهم أسبق إلى النهر منه, ولأن من ملك أرضا ملكها بحقوقها ومرافقها ولا يملك غيره إبطال حقوقها وهذا من حقوقها وهل لهم منعه من إحياء ذلك الموات؟ فيه وجهان أحدهما ليس لهم منعه لأن حقهم في النهر لا في الموات والثاني لهم منعه, لئلا يصير ذلك ذريعة إلى منعهم حقهم من السقي لتقديمه عليهم بالقرب إذا طال الزمان وجهل الحال فإذا قلنا: ليس لهم منعه فسبق إنسان إلى مسيل ماء أو نهر غير مملوك فأحيا في أسفله مواتا, ثم أحيا آخر فوقه ثم أحيا ثالث فوق الثاني كان للأسفل السقي أولا, ثم الثاني ثم الثالث ويقدم السبق إلى الإحياء على السبق إلى أول النهر لما ذكرنا.
فصل: الضرب الثاني الماء الجاري في نهر مملوك, وهو أيضا قسمان أحدهما أن يكون الماء مباح الأصل مثل أن يحفر إنسان نهرا صغيرا يتصل بنهر كبير مباح, فما لم يتصل الحفر لا يملكه وإنما هو تحجر وشروع في الإحياء فإذا اتصل الحفر, كمل الإحياء وملكه لأن الملك بالإحياء أن تنتهي العمارة إلى قصدها بحيث يتكرر الانتفاع بها على صورتها وهذا كذلك وسواء أجرى فيه الماء أو لم يجر لأن الإحياء يحصل بأن يهيئه للانتفاع به دون حصول المنفعة, فيصير مالكا لقرار النهر وحافتيه وهواؤه حق له وكذلك حريمه, وهو ملقى الطين من كل جانب وعند القاضي أن ذلك غير مملوك لصاحب النهر وإنما هو حق من حقوق الملك وكذلك حريم البئر وهذا مذهب الشافعي وظاهر قول الخرقي, أنه مملوك لصاحبه لقول رسول الله -ﷺ-: (من أحيا أرضا لم تملك فهي له) وإحياؤها أن يحوط عليها حائطا أو يحفر فيها بئرا, فيكون له خمس وعشرون ذراعا حواليها وحريم النهر يجب أن يكون كذلك فإذا تقرر هذا فكان النهر لجماعة فهو بينهم على حسب العمل والنفقة لأنه إنما ملك بالعمارة والعمارة بالنفقة, فإن كفى جميعهم فلا كلام وإن لم يكفهم, وتراضوا على قسمته بالمهايأة أو غيرها جاز لأنه حقهم لا يخرج عنهم وإن تشاحوا في قسمته قسمه الحاكم بينهم على قدر أملاكهم لأن كل واحد منهم يملك من النهر بقدر ذلك, فتؤخذ خشبة صلبة أو حجر مستوي الطرفين والوسط فيوضع على موضع مستو من الأرض, في مقدم الماء فيه حزوز أو ثقوب متساوية في السعة على قدر حقوقهم, يخرج من كل جزء أو ثقب إلى ساقية مفردة لكل واحد منهم فإذا حصل الماء في ساقيته انفرد به فإن كانت أملاكهم مختلفة قسم على قدر ذلك فإذا كان لأحدهم نصفه, وللآخر ثلثه وللآخر سدسه جعل فيه ستة ثقوب, لصاحب النصف ثلاثة نصب في ساقيته ولصاحب الثلث اثنان ولصاحب السدس واحد وإن كان لواحد الخمسان, والباقي لاثنين يتساويان فيه جعل عشرة ثقوب لصاحب الخمسين أربعة نصب في ساقيته ولكل واحد من الآخرين ثلاثة نصب في ساقية له فإن كان النهر لعشرة, لخمسة منهم أراض قريبة من أول النهر ولخمسة أراض بعيدة جعل لأصحاب القريبة خمسة ثقوب, لكل واحد ثقب وجعل للباقين خمسة تجري في النهر حتى تصل إلى أرضهم, ثم تقسم بينهم قسمة أخرى وإن أراد أحدهم أن يجري ماءه في ساقية غيره ليقاسمه في موضع آخر لم يجز إلا برضاه لأنه يتصرف في ساقيته, ويخرب حافتها بغير إذنه ويخلط حقه بحق غيره على وجه لا يتميز فلم يجز ذلك ويجيء على قولنا " إن الماء لا يملك " أن حكم الماء في هذا النهر حكمه في نهر غير مملوك, وأن الأسبق أحق بالسقي منه ثم الذي يليه على ما ذكرنا لأنه غير مملوك, فكان الأسبق إليه أحق به كما لو كان في نهر غير مملوك ومذهب الشافعي في هذا الفصل كله على نحو ما ذكرنا.
فصل: وإذا حصل نصيب إنسان في ساقية فله أن يسقي به ما شاء من الأرض, سواء كان لها رسم شرب من هذا النهر أو لم يكن وله أن يعطيه من يسقي به وقال القاضي وأصحاب الشافعي: ليس له سقي أرض ليس لها رسم شرب في هذا الماء لأن ذلك دال على أن لها قسما من هذا الماء, فربما جعل سقيها منه دليلا على استحقاقها لذلك فيستضر الشركاء ويصير هذا كما لو كان له دار بابها في درب لا ينفذ, ودار بابها في درب آخر ظهرها ملاصق لظهر داره الأولى فأراد تنفيذ إحداهما إلى الأخرى لم يجز لأنه يجعل لنفسه استطراقا من كل واحدة من الدارين ولنا أن هذا ماء انفرد باستحقاقه, فكان له أن يسقي منه ما شاء كما لو انفرد به من أصله ولا نسلم ما ذكروه في الدارين وإن سلمنا فالفرق بينهما أن كل دار يخرج منها إلى درب آخر مشترك لأن الظاهر أن لكل دار سكانا, فيجعل لسكان كل واحدة منهما استطراقا إلى درب غير نافذ لم يكن لهم حق في استطراقه وهاهنا إنما يسقي من ساقيته المفردة التي لا يشاركه غيره فيها, فلو صار لتلك الأرض رسم من الشرب من ساقيته لم يتضرر بذلك أحد ولو كان يسقي من هذا النهر بدولاب فأحب أن يسقي بذلك الماء أرضا لا رسم لها في الشرب من ذلك النهر, فالحكم في ذلك على ما ذكرنا من الخلاف في التي قبلها وإن كان الدولاب يغرف من نهر غير مملوك جاز أن يسقي بنصيبه من الماء أرضا لا رسم لها في الشرب منه بغير خلاف نعلمه فإن ضاق الماء, قدم الأسبق فالأسبق على ما مضى.
فصل: ولكل واحد منهم أن يتصرف في ساقيته المختصة به بما أحب من إجراء غير هذا الماء فيها, أو عمل رحى عليها أو دولاب أو عبارة, وهي خشبة تمد على طرفي النهر أو قنطرة يعبر الماء فيها وغير ذلك من التصرفات لأنها ملكه, لا حق لغيره فيها فأما النهر المشترك فليس لواحد منهم أن يتصرف فيه بشيء من ذلك لأنه يتصرف في النهر المشترك وفي حريمه بغير إذن شركائه وقال القاضي في العبارة: هذا ينبني على الروايتين في من أراد أن يجري ماءه في أرض غيره والصحيح أنه لا يجوز ها هنا, ولا يصح قياس هذا على إجراء الماء في أرض غيره لأن إجراء الماء في أرض غيره ينفع صاحبها لأنه يسقي عروق شجره ويشربه أولا وآخرا وهذا لا ينفع النهر, بل ربما أفسد حافتيه ولم يسق له شيئا ولو أراد أحد الشركاء أن يأخذ من ماء النهر قبل قسمه شيئا يسقي به أرضا في أول النهر أو غيره أو أراد إنسان غيرهم ذلك, لم يجز لأنهم صاروا أحق بالماء الجاري في نهرهم من غيرهم ولأن الأخذ من الماء ربما احتاج إلى تصرف في حافة النهر المملوك لغيره أو المشترك بينه وبين غيره ولو فاض ماء هذا النهر إلى ملك إنسان, فهو مباح كالطائر يعشش في ملك إنسان وهذا كله مذهب الشافعي فيه نحو مما ذكرنا.
فصل: وإن قسموا ماء النهر المشترك بالمهايأة جاز, إذا تراضوا به وكان حق كل واحد منهم معلوما مثل أن يجعلوا لكل حصة يوما وليلة, أو أكثر من ذلك أو أقل وإن قسموا النهار فجعلوا لواحد من طلوع الشمس إلى وقت الزوال وللآخر من الزوال إلى الغروب, ونحو ذلك جاز وإن قسموه ساعات وأمكن ضبط ذلك بشيء معلوم, كطاسة مثقوبة تترك في الماء وفيها علامات إذا انتهى الماء إلى علامة كانت ساعة وإذا انتهى إلى الأخرى كانت ساعتين, أو زجاجة فيها رمل ينزل من أعلاها إلى أسفلها في ساعة أو ساعتين ثم يقلبها فيعود الرمل إلى الموضع الذي كان فيه في مثل ذلك المقدار, أو بميزان الشمس الذي تعرف به ساعات النهار أو بمنازل القمر في الليل ونحو ذلك, جاز فإذا حصل الماء لأحدهم في نوبته فأراد أن يسقي به أرضا ليس لها رسم شرب من هذا أو يؤثر به إنسانا, أو يقرضه إياه على وجه لا يتصرف في حافة النهر جاز وعلى قول القاضي, وأصحاب الشافعي ينبغي أن لا يجوز لما تقدم في مثل ذلك وإن أراد صاحب النوبة أن يجري مع مائه ماء له آخر يسقي به أرضه التي لها رسم شرب من هذا النهر, أو أرضا له أخرى أو سأله إنسان أن يجري ماء له مع مائه في هذا النهر ليقاسمه إياه في موضع آخر على وجه لا يضر بالنهر, ولا بأحد جاز ذلك في قياس قول أصحابنا فإنهم قالوا في من استأجر أرضا: جاز أن يجري فيها ماء في نهر محفور, إذا كان فيها ولأنه مستحق لنفع النهر في نوبته بإجراء الماء فأشبه ما لو استأجرها لذلك.
فصل: القسم الثاني أن يكون منبع الماء مملوكا, مثل أن يشترك جماعة في استنباط عين وإجرائها فإنهم يملكونها أيضا لأن ذلك إحياء لها ويشتركون فيها, وفي ساقيتها على حسب ما أنفقوا عليها وعملوا فيها, كما ذكرنا في القسم الذي قبل هذا إلا أن الماء غير مملوك ثم, لأنه مباح دخل ملكه فأشبه ما لو دخل صيد بستانه وهاهنا يخرج على روايتين أصحهما أنه غير مملوك أيضا وقد ذكرنا ذلك وعلى كل حال, فلكل أحد أن يستقي من الماء الجاري لشربه ووضوئه وغسله وغسل ثيابه وينتفع به في أشباه ذلك مما لا يؤثر فيه, من غير إذنه إذا لم يدخل إليه في مكان محوط عليه ولا يحل لصاحبه المنع من ذلك لما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله -ﷺ-: (ثلاثة لا ينظر الله إليهم, ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم رجل كان بفضل ماء بالطريق فمنعه ابن السبيل) رواه البخاري, وعن بهيسة عن أبيها أنه قال: (يا نبي الله, ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: الماء قال: يا نبي الله ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: الملح قال: يا نبي الله ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: أن تفعل الخير خير لك) رواه أبو داود ولأن ذلك لا يؤثر فيه في العادة, وهو فاضل عن حاجة صاحب النهر فأما ما يؤثر فيه كسقي الماشية الكثيرة ونحو ذلك فإن فضل الماء عن حاجة صاحبه, لزمه بذله لذلك وإن لم يفضل لم يلزمه وقد ذكرنا ذلك في غير هذا الموضع.
فصل: إذا كان النهر أو الساقية مشتركا بين جماعة, فإن أرادوا إكراءه أو سد بثق فيه أو إصلاح حائطه أو شيء منه, كان ذلك عليهم على حسب ملكهم فيه فإن كان بعضهم أدنى إلى أوله من بعض اشترك الكل في إكرائه وإصلاحه, إلى أن يصلوا إلى الأول ثم لا شيء على الأول ويشترك الباقون حتى يصلوا إلى الثاني, ثم يشترك من بعده كذلك كلما انتهى العمل إلى موضع واحد منهم لم يكن عليه فيما بعده شيء وبهذا قال الشافعي وحكي ذلك عن أبي حنيفة وقال أبو يوسف, ومحمد: يشترك جميعهم في إكرائه كله لأنهم ينتفعون بجميعه فإن ما جاوز الأول مصب لمائه, وإن لم يسق أرضه ولنا أن الأول إنما ينتفع بالماء الذي في موضع شربه وما بعده إنما يختص بالانتفاع به من دونه فلا يشاركهم في مؤنته, كما لا يشاركهم في نفعه فإن كان يفضل عن جميعهم منه ما يحتاج إلى مصرف فمؤنة ذلك المصرف على جميعهم لأنهم يشتركون في الحاجة إليه, والانتفاع به فكانت مؤنته عليهم كلهم كأوله.
مسألة: قال: [ وإحياء الأرض أن يحوط عليها حائطا ] ظاهر كلام الخرقي, أن تحويط الأرض إحياء لها سواء أرادها للبناء أو للزرع, أو حظيرة للغنم أو الخشب أو غير ذلك ونص عليه أحمد, في رواية علي بن سعيد فقال: الإحياء أن يحوط عليها حائطا أو يحفر فيها بئرا أو نهرا ولا يعتبر في ذلك تسقيف وذلك لما روى الحسن, عن سمرة أن رسول الله -ﷺ- قال: (من أحاط حائطا على أرض فهي له) رواه أبو داود, والإمام أحمد في " مسنده " ويروى عن جابر عن النبي -ﷺ- مثله ولأن الحائط حاجز منيع, فكان إحياء أشبه ما لو جعلها حظيرة للغنم ويبين هذا أن القصد لا اعتبار به بدليل ما لو أرادها حظيرة للغنم, فبناها بجص وآجر وقسمها بيوتا فإنه يملكها, وهذا لا يصنع للغنم مثله ولا بد أن يكون الحائط منيعا يمنع ما وراءه ويكون مما جرت العادة بمثله ويختلف باختلاف البلدان فلو كان مما جرت عادتهم بالحجارة وحدها, كأهل حوران وفلسطين أو بالطين كالفطائر لأهل غوطة دمشق, أو بالخشب أو بالقصب كأهل الغور كان ذلك إحياء وإن بناه بأرفع مما جرت به عادته, كان أولى وقال القاضي: في صفة الإحياء روايتان إحداهما ما ذكرنا والثانية الإحياء ما تعارفه الناس إحياء لأن الشرع ورد بتعليق الملك على الإحياء ولم يبينه ولا ذكر كيفيته, فيجب الرجوع فيه إلى ما كان إحياء في العرف كما أنه لما ورد باعتبار القبض والحرز ولم يبين كيفيته كان المرجع فيه إلى العرف, ولأن الشارع لو علق الحكم على مسمى باسم لتعلق بمسماه عند أهل اللسان فكذلك يتعلق الحكم بالمسمى إحياء عند أهل العرف, ولأن النبي -ﷺ- لا يعلق حكما على ما ليس إلى معرفته طريق فلما لم يبينه تعين العرف طريقا لمعرفته, إذ ليس له طريق سواه إذا ثبت هذا فإن الأرض تحيي دارا للسكنى وحظيرة, ومزرعة فإحياء كل واحدة من ذلك بتهيئتها للانتفاع الذي أريدت له فأما الدار, فبأن يبني حيطانها بما جرت به العادة ويسقفها لأنها لا تكون للسكنى إلا بذلك وأما الحظيرة فإحياؤها بحائط جرت به عادة مثلها وليس من شرطها التسقيف لأن العادة ذلك من غير تسقيف وسواء أرادها حظيرة للماشية, أو للخشب أو للحطب أو نحو ذلك ولو خندق عليها خندقا, لم يكن إحياء لأنه ليس بحائط ولا عمارة إنما هو حفر وتخريب وإن خاطها بشوك وشبهه لم يكن إحياء, وكان تحجرا لأن المسافر قد ينزل منزلا ويحوط على رحله بنحو من ذلك ولو نزل منزلا فنصب به بيت شعر أو خيمة, لم يكن إحياء وإن أرادها للزراعة فبأن يهيئها لإمكان الزرع فيها فإن كانت لا تزرع إلا بالماء, فبأن يسوق إليها ماء من نهر أو بئر وإن كانت مما لا يمكن زرعها لكثرة أحجارها كأرض الحجاز, فبأن يقلع أحجارها وينقيها حتى تصلح للزرع وإن كانت غياضا وأشجارا كأرض الشعرى, فبأن يقلع أشجارها ويزيل عروقها التي تمنع الزرع وإن كانت مما لا يمكن زرعه إلا بحبس الماء عنها كأرض البطائح التي يفسدها غرقها بالماء لكثرته, فإحياؤها بسد الماء عنها وجعلها بحال يمكن زرعها لأن بذلك يمكن الانتفاع بها فيما أرادها من غير حاجة إلى تكرار ذلك في كل عام فكان إحياء, كسوق الماء إلى الأرض التي لا ماء لها ولا يعتبر في إحياء الأرض حرثها ولا زرعها لأن ذلك مما يتكرر كلما أراد الانتفاع بها فلم يعتبر في الإحياء كسقيها, وكالسكنى في البيوت ولا يحصل بذلك إذا فعله لمجرده لما ذكرنا ولا يعتبر في إحياء الأرض للسكنى نصب الأبواب على البيوت وبهذا قال الشافعي, فيما ذكرنا في الرواية الثانية إلا أن له وجها في أن حرثها وزرعها إحياء لها وأن ذلك معتبر في إحيائها, ولا يتم بدونه وكذلك نصب الأبواب على البيوت لأنه مما جرت العادة به فأشبه التسقيف ولا يصح هذا لما ذكرنا, ولأن السكنى ممكنة بدون نصب الأبواب فأشبه تطيين سطوحها وتبييضها.
مسألة: قال: [ أو يحفر فيها بئرا فيكون له خمس وعشرون ذراعا حواليها, وإن سبق إلى بئر عادية فحريمها خمسون ذراعا ] البئر العادية بتشديد الياء: القديمة, منسوبة إلى عاد ولم يرد عادا بعينها لكن لما كانت عاد في الزمن الأول, وكانت لها آثار في الأرض نسب إليها كل قديم فكل من حفر بئرا في موات للتمليك, فله حريمها خمس وعشرون ذراعا من كل جانب ومن سبق إلى بئر عادية كان أحق بها لقول النبي -ﷺ-: (من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له وله حريمها خمسون ذراعا من كل جانب) نص أحمد على هذا في رواية حرب, وعبد الله واختاره أكثر أصحابنا وقال القاضي وأبو الخطاب: ليس هذا على طريق التحديد بل حريمها على الحقيقة ما تحتاج إليه في ترقية مائها منها فإن كان بدولاب فقدر مدار الثور أو غيره وإن كان بساقية فبقدر طول البئر لما روي عن النبي -ﷺ- أنه قال: (حريم البئر مد رشائها) أخرجه ابن ماجه ولأنه المكان الذي تمشي إليه البهيمة وإن كان يستقي منها بيده, فبقدر ما يحتاج إليه الواقف عندها وإن كان المستخرج عينا فحريمها القدر الذي يحتاج إليه صاحبها للانتفاع بها ولا يستضر بأخذه منها ولو على ألف ذراع وحريم النهر من جانبيه ما يحتاج إليه لطرح كرايته بحكم العرف في ذلك لأن هذا إنما ثبت للحاجة, فينبغي أن تراعى فيه الحاجة دون غيرها وقال أبو حنيفة: حريم البئر أربعون ذراعا وحريم العين خمسمائة ذراع لأن أبا هريرة روى عن النبي -ﷺ- أنه قال: (حريم البئر أربعون ذراعا لأعطان الإبل والغنم) وعن الشعبي مثله رواه أبو عبيد ولنا ما روى الدارقطني والخلال, بإسنادهما عن النبي -ﷺ- أنه قال: (حريم البئر البدي خمس وعشرون ذراعا وحريم البئر العادي خمسون ذراعا) وهذا نص وروى أبو عبيد بإسناده عن يحيى بن سعيد الأنصاري, أنه قال: السنة في حريم القليب العادي خمسون ذراعا والبدي خمس وعشرون ذراعا وبإسناده عن سعيد بن المسيب قال: حريم البئر البدي خمس وعشرون ذراعا من نواحيها كلها, وحريم بئر الزرع ثلاثمائة ذراع من نواحيها كلها وحريم البئر العادية خمسون ذراعا من نواحيها كلها ولأنه معنى يملك به الموات فلا يقف على قدر الحاجة, كالحائط ولأن الحاجة إلى البئر لا تنحصر في ترقية الماء فإنه يحتاج إلى ما حولها عطنا لإبله وموقفا لدوابه وغنمه, وموضعا يجعل فيه أحواضا يسقي منها ماشيته وموقفا لدابته التي يستقي عليها وأشباه ذلك فلا يختص الحريم بما يحتاج إليه لترقية الماء, وأما حديث أبي حنيفة فحديثنا أصح منه ورواهما أبو هريرة, فيدل على ضعفه إذا ثبت هذا فظاهر كلام الخرقي أن هذا الحريم مملوك لصاحب البئر وعند الشافعي والقاضي, ليس بمملوك وقد سبق ذكر هذا.
فصل: ولا بد أن يكون البئر فيها ماء وإن لم يصل إلى الماء فهو كالمتحجر الشارع في الإحياء, على ما قدمناه ويجب أن يحمل قوله في البئر العادية على البئر التي انطمت وذهب ماؤها فجدد حفرها وعمارتها أو انقطع ماؤها, فاستخرجه ليكون ذلك إحياء لها وأما البئر التي لها ماء ينتفع به المسلمون فليس لأحد احتجاره ومنعه لأنه يكون بمنزلة المعادن الظاهرة, التي يرتفق بها الناس وهكذا العيون النابعة ليس لأحد أن يختص بها ولو حفر رجل بئرا للمسلمين ينتفعون بها, أو لينتفع هو بها مدة إقامته عندها ثم يتركها لم يملكها وكان له الانتفاع بها فإذا تركها صارت للمسلمين كلهم, كالمعادن الظاهرة وما دام مقيما عندها فهو أحق بها لأنه سابق إليها فهو كالمتحجر الشارع في الإحياء.
فصل: وإذا كان لإنسان شجرة في موات, فله حريمها قدر ما تمد إليه أغصانها حواليها وفي النخلة مد جريدها لما روى أبو داود بإسناده عن أبي سعيد, قال: (اختصم إلى النبي -ﷺ- في حريم نخلة فأمر بجريدة من جرائدها فذرعت فكانت سبعة أذرع أو خمسة أذرع, فقضى بذلك) وإن غرس شجرة في موات فهي له وحريمها وإن سبق إلى شجر مباح كالزيتون والخروب, فسقاه وأصلحه فهو أحق به كالمتحجر الشارع في الإحياء, فإن طعمه ملكه بذلك وحريمه لأنه تهيأ للانتفاع به لما يراد منه فهو كسوق الماء إلى الأرض الموات ولقول النبي -ﷺ-: (من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به).
فصل: ومن كانت له بئر فيها ماء, فحفر آخر قريبا منها بئرا ينسرق إليها ماء البئر الأولى فليس له ذلك سواء كان محتفر الثانية في ملكه, مثل رجلين متجاورين في دارين حفر أحدهما في داره بئرا ثم حفر الآخر بئرا أعمق منها, فسرى إليها ماء الأولى أو كانتا في موات فسبق أحدهما, فحفر بئرا ثم جاء آخر فحفر قريبا منها بئرا تجتذب ماء الأولى ووافق الشافعي في هذه الصورة الثانية لأنه ليس له أن يبتدئ ملكه على وجه يضر بالمالك قبله وقال في الأولى: له ذلك لأنه تصرف مباح في ملكه فجاز له فعله, كتعلية داره وهكذا الخلاف في كل ما يحدثه الجار مما يضر بجاره مثل أن يجعل داره مدبغة أو حماما يضر بعقار جاره بحمى ناره ورماده ودخانه, أو يحفر في أصل حائطه حشا يتأذى جاره برائحته وغيرها أو يجعل داره مخبزا في وسط العطارين ونحوه مما يؤذي جيرانه, فلا يحل له ذلك وقال الشافعي: له ذلك كله لأنه تصرف مباح في ملكه أشبه بناءه ونقضه ولنا قول النبي -ﷺ-: (لا ضرر ولا ضرار) ولأنه إحداث ضرر بجاره, فلم يجز كالدق الذي يهز الحيطان ويخربها وكإلقاء السماد والتراب ونحوه في أصل حائطه على وجه يضر به ولو كان لرجل مصنع ماء, فأراد جاره غرس شجرة تين قريبا منه أو نحوها مما تسري عروقه فتشق حائط مصنع جاره ويتلفه لم يملك ذلك, وكان لجاره منعه وقلعها إن غرسها ولو كان هذا الذي يحصل منه الضرر سابقا مثل من له في ملكه مدبغة أو مقصرة فأحيا إنسان إلى جانبه مواتا, وبناه دارا يتضرر بذلك لم يلزم إزالة الضرر, بغير خلاف نعلمه لأنه لم يحدث ضررا والله تعالى أعلم.
مسألة: قال: [ وسواء في ذلك ما أحياه أو سبق إليه بإذن الإمام أو غير إذنه ] وجملة ذلك, أن إحياء الموات لا يفتقر إلى إذن الإمام وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة: يفتقر إلى إذنه لأن للإمام مدخلا في النظر في ذلك, بدليل أن من تحجر مواتا فلم يحيه فإنه يطالبه بالإحياء أو الترك فافتقر إلى إذنه, كمال بيت المال ولنا عموم قوله عليه السلام: (من أحيا أرضا ميتة فهي له) ولأن هذا عين مباحة فلا يفتقر تملكها إلى إذن الإمام, كأخذ الحشيش والحطب ونظر الإمام في ذلك لا يدل على اعتبار إذنه ألا ترى أن من وقف في مشرعة, طالبه الإمام أن يأخذ حاجته وينصرف ولا يفتقر ذلك إلى إذنه وأما مال بيت المال فإنما هو مملوك للمسلمين, وللإمام ترتيب مصارفه فافتقر إلى إذنه بخلاف مسألتنا فإن هذا مباح, فمن سبق إليه كان أحق الناس به كالحشيش والحطب والصيود والثمار المباحة في الجبال.
فصل: فأما ما سبق إليه فهو الموات إذا سبق إليه فتحجره كان أحق, وإن سبق إلى بئر عادية فشرع فيها يعمرها كان أحق بها ومن سبق إلى مقاعد الأسواق والطرقات, أو مشارع المياه والمعادن الظاهرة والباطنة وكل مباح مثل الحشيش والحطب والثمار المأخوذة من الجبال وما ينبذه الناس رغبة عنه, أو يضيع منهم مما لا تتبعه النفس واللقطة واللقيط وما يسقط من الثلج وسائر المباحات, من سبق إلى شيء من هذا فهو أحق به ولا يحتاج إلى إذن الإمام, ولا إذن غيره لقول النبي -ﷺ-: (من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به).
========
ولا فرق فيما ذكرنا بين دار الحرب ودار الإسلام لعموم الأخبار ولأن عامر دار الحرب إنما يملك بالقهر والغلبة كسائر أموالهم, فأما ما عرف أنه كان مملوكا ولم يعلم له مالك معين فهو على الروايتين فإن قيل: فهذا ملك كافر غير محترم, فأشبه ديار عاد وقد دل عليه قوله عليه السلام: (عادي الأرض لله ولرسوله) ولأن الركاز من أموالهم ويملكه واجده, فهذا أولى قلنا: قوله: " عادي الأرض " يعني ما تقدم ملكه ومضت عليه الأزمان وما كان كذلك فلا حكم لمالكه فأما ما قرب ملكه, فيحتمل أن له مالكا باقيا وإن لم يتعين فلهذا قلنا: لا يملك على إحدى الروايتين وأما الركاز, فإنه ينقل ويحول وهذا بخلاف الأرض بدليل أن لقطة دار الإسلام تملك بعد التعريف, بخلاف الأرض. فصل:
ولا فرق بين المسلم والذمي في الإحياء نص عليه أحمد وبه قال مالك وأبو حنيفة وقال مالك: لا يملك الذمي بالإحياء في دار الإسلام قال القاضي: وهو مذهب جماعة من أصحابنا لقول النبي -ﷺ-: (موتان الأرض لله ولرسوله ثم هي لكم مني) فجمع الموتان, وجعله للمسلمين ولأن موتان الدار من حقوقها والدار للمسلمين فكان مواتها لهم, كمرافق المملوك ولنا عموم قول النبي -ﷺ-: (من أحيا أرضا ميتة فهي له) ولأن هذه جهة من جهات التمليك فاشترك فيها المسلم والذمي كسائر جهاته وحديثهم لا نعرفه, إنما نعرف قوله: -ﷺ- (عادي الأرض لله ولرسوله ثم هو لكم بعد ومن أحيا مواتا من الأرض, فله دفينها) هكذا رواه سعيد بن منصور وهو مرسل رواه طاوس, عن النبي -ﷺ- ثم لا يمتنع أن يريد بقوله: " هي لكم " أي لأهل دار الإسلام والذمي من أهل الدار تجري عليه أحكامها وقولهم: إنها من حقوق دار الإسلام قلنا: وهو من أهل الدار, فيملكها كما يملكها بالشراء ويملك مباحاتها, من الحشيش والحطب والصيود والركاز والمعدن واللقطة وهي من مرافق دار الإسلام. فصل:
وما قرب من العامر وتعلق بمصالحه, من طرقه ومسيل مائه ومطرح قمامته, وملقى ترابه وآلاته فلا يجوز إحياؤه بغير خلاف في المذهب وكذلك ما تعلق بمصالح القرية, كفنائها ومرعى ماشيتها ومحتطبها, وطرقها ومسيل مائها لا يملك بالإحياء ولا نعلم فيه أيضا خلافا بين أهل العلم وكذلك حريم البئر والنهر والعين, وكل مملوك لا يجوز إحياء ما تعلق بمصالحه لقوله عليه السلام: (من أحيا أرضا ميتة في غير حق مسلم فهي له) مفهومه أن ما تعلق به حق مسلم لا يملك بالإحياء ولأنه تابع للمملوك, ولو جوزنا إحياءه لبطل الملك في العامر على أهله وذكر القاضي أن هذه المرافق لا يملكها المحيي بالإحياء لكن هو أحق بها من غيره لأن الإحياء الذي هو سبب الملك لم يوجد فيها وقال الشافعي: يملك بذلك وهو ظاهر قول الخرقي في حريم البئر لأنه مكان استحقه بالإحياء, فملكه كالمحيي ولأن معنى الملك موجود فيه, لأنه يدخل مع الدار في البيع ويختص به صاحبها فأما ما قرب من العامر ولم يتعلق بمصالحه, ففيه روايتان إحداهما يجوز إحياؤه قال أحمد في رواية أبي الصقر في رجلين أحييا قطعتين من موات, وبقيت بينهما رقعة فجاء رجل ليحييها فليس لهما منعه وقال في جبانة بين قريتين: من أحياها, فهي له وهذا مذهب الشافعي لعموم قوله عليه السلام: (من أحيا أرضا ميتة فهي له) (ولأن النبي -ﷺ- أقطع بلال بن الحارث المزني العقيق وهو يعلم أنه بين عمارة المدينة) ولأنه موات لم يتعلق به مصلحة العامر فجاز إحياؤه, كالبعيد والرواية الثانية لا يجوز إحياؤه وبه قال أبو حنيفة والليث لأنه في مظنة تعلق المصلحة به, فإنه يحتمل أن يحتاج إلى فتح باب في حائطه إلى فنائه ويجعله طريقا أو يخرب حائطه, فيضع آلات البناء في فنائه وغير ذلك ولم يجز تفويت ذلك عليه, بخلاف البعيد إذا ثبت هذا فإنه لا حد يفصل بين القريب والبعيد سوى العرف وقال الليث: حده غلوة وهي خمس الفرسخ وقال أبو حنيفة: حد البعيد هو الذي إذا وقف الرجل في أدناه, فصاح بأعلى صوته لم يسمع أدنى أهل المصر إليه ولنا أن التحديد لا يعرف إلا بالتوقيف, ولا يعرف بالرأي والتحكم ولم يرد من الشرع في ذلك تحديد فوجب أن يرجع في ذلك إلى العرف, كالقبض والإحراز وقول من حدد هذا تحكم بغير دليل وليس ذلك أولى من تحديده بشيء آخر كميل ونصف ميل, ونحو ذلك وهذا التحديد الذي ذكراه والله أعلم مختص بما قرب من المصر أو القرية ولا يجوز أن يكون حدا لكل ما قرب من عامر لأنه يفضي إلى أن من أحيا أرضا في موات, حرم إحياء شيء من ذلك الموات على غيره ما لم يخرج عن ذلك الحد. فصل:
وجميع البلاد فيما ذكرناه سواء المفتوح عنوة كأرض الشام والعراق, وما أسلم أهله عليه كالمدينة وما صولح أهله على أن الأرض للمسلمين كأرض خيبر إلا الذي صولح أهله على أن الأرض لهم ولنا الخراج عنها, فإن أصحابنا قالوا: لو دخل فيها مسلم فأحيا فيها مواتا لم يملكه لأنهم صولحوا في بلادهم, فلا يجوز التعرض لشيء منها عامرا كان أو مواتا لأن الموات تابع للبلد, فإذا لم يملك عليهم البلد لم يملك مواته ويفارق دار الحرب حيث يملك مواتها لأن دار الحرب على أصل الإباحة وهذه صالحناهم على تركها لهم, فحرمت علينا ويحتمل أن يملكها من أحياها لعموم الخبر ولأنها من مباحات دارهم فجاز أن يملكها من وجد منه سبب تملكها, كالحشيش والحطب وقد روي عن أحمد أنه ليس في السواد موات يعني سواد العراق قال القاضي: هذا محمول على العامر ويحتمل أن أحمد قال ذلك لكون السواد كان معمورا كله في زمن عمر بن الخطاب وحين أخذه المسلمون من الكفار, حتى بلغنا أن رجلا منهم سأل أن يعطى خربة فلم يجدوا له خربة فقال: إنما أردت أن أعلمكم كيف أخذتموها منا وإذا لم يكن فيها موات حين ملكها المسلمون لم يصر فيها موات بعده, لأن ما دثر من أملاك المسلمين لم يصر مواتا على إحدى الروايتين. فصل:
وإن تحجر مواتا وهو أن يشرع في إحيائه, مثل إن أدار حول الأرض ترابا أو أحجارا أو حاطها بحائط صغير لم يملكها بذلك لأن الملك بالإحياء, وليس هذا بإحياء لكن يصير أحق الناس به لأنه روي عن النبي -ﷺ- أنه قال: (من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به) رواه أبو داود فإن نقله إلى غيره, صار الثاني بمنزلته لأن صاحبه أقامه مقامه وإن مات فوارثه أحق به لقول النبي -ﷺ-: (من ترك حقا أو مالا فهو لورثته) فإن باعه لم يصح بيعه لأنه لم يملكه, فلم يملك بيعه كحق الشفعة قبل الأخذ به وكمن سبق إلى معدن أو مباح قبل أخذه قال أبو الخطاب: ويحتمل جواز بيعه لأنه له فإن سبق غيره فأحياه, ففيه وجهان أحدهما أنه يملكه لأن الإحياء يملك به والتحجر لا يملك به فثبت الملك بما يملك به دون ما لم يملك به, كمن سبق إلى معدن أو مشرعة ماء فجاء غيره فأزاله وأخذه والثاني لا يملكه لأن مفهوم قوله عليه السلام: " من أحيا أرضا ميتة ليست لأحد " وقوله: " في حق غير مسلم, فهي له " أنها لا تكون له إذا كان لمسلم فيها حق وكذلك قوله: (من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به) وروى سعيد في " سننه " أن عمر رضي الله عنه قال: من كانت له أرض يعني من تحجر أرضا فعطلها ثلاث سنين, فجاء قوم فعمروها فهم أحق بها وهذا يدل على أن من عمرها قبل ثلاث سنين لا يملكها ولأن الثاني أحيا في حق غيره فلم يملكه, كما لو أحيا ما يتعلق به مصالح ملك غيره ولأن حق المتحجر أسبق فكان أولى, كحق الشفيع يقدم على شراء المشتري فإن طالت المدة عليه فينبغي أن يقول له السلطان: إما أن تحييه أو تتركه ليحييه غيرك لأنه ضيق على الناس في حق مشترك بينهم فلم يمكن من ذلك, كما لو وقف في طريق ضيق أو مشرعة ماء أو معدن لا ينتفع به, ولا يدع غيره ينتفع فإن سأل الإمهال لعذر له أمهل الشهر والشهرين ونحو ذلك فإن أحياه غيره في مدة المهلة ففيه الوجهان اللذان ذكرناهما وإن تقضت المدة ولم يعمر, فلغيره أن يعمره ويملكه لأن المدة ضربت له لينقطع حقه بمضيها وسواء أذن له السلطان في عمارتها أو لم يأذن له وإن لم يكن للمتحجر عذر في ترك العمارة, قيل له: إما أن تعمر وإما أن ترفع يدك فإن لم يعمرها, كان لغيره عمارتها فإن لم يقل له شيء واستمر تعطيلها فقد ذكرنا عن عمر رضي الله عنه أن من تحجر أرضا فعطلها ثلاث سنين, فجاء قوم فعمروها فهم أحق بها ومذهب الشافعي في هذا كله نحو ما ذكرنا. فصل:
وللإمام إقطاع الموات لمن يحييه فيكون بمنزلة المتحجر الشارع في الإحياء لما روي أن النبي -ﷺ- (أقطع بلال بن الحارث العقيق أجمع) فلما كان عمر قال لبلال: إن رسول الله -ﷺ- لم يقطعك لتحيزه عن الناس, إنما أقطعك لتعمر فخذ منها ما قدرت على عمارته ورد الباقي رواه أبو عبيد, في " الأموال " وذكر سعيد في " سننه ": حدثنا عبد العزيز بن محمد عن ربيعة, قال: سمعت الحارث بن بلال بن الحارث يقول: (إن رسول الله -ﷺ- أقطع بلال بن الحارث العقيق فلما ولي عمر بن الخطاب, قال: ما أقطعك لتحتجنه فأقطعه الناس) وروى علقمة بن وائل عن أبيه, أن النبي -ﷺ- أقطعه أرضا بحضرموت قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح وقال سعيد: حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن عمرو بن شعيب (أن رسول الله -ﷺ- أقطع ناسا من جهينة أو مزينة أرضا, فعطلوها فجاء قوم فأحيوها فخاصمهم الذين أقطعهم رسول الله -ﷺ- إلى عمر بن الخطاب, فقال عمر: لو كانت قطيعة مني أو من أبي بكر لم أردها ولكنها قطيعة من رسول الله -ﷺ- فأنا أردها) ثم قال عمر رضي الله عنه: من كانت له أرض يعني من تحجر أرضا فعطلها ثلاث سنين, فجاء قوم فعمروها فهم أحق بها. مسألة:
قال: [ إلا أن تكون أرض ملح أو ماء للمسلمين فيه المنفعة فلا يجوز أن ينفرد بها الإنسان ] وجملة ذلك, أن المعادن الظاهرة وهي التي يوصل إلى ما فيها من غير مؤنة ينتابها الناس وينتفعون بها, كالملح والماء والكبريت, والقير والمومياء والنفط, والكحل والبرام والياقوت, ومقاطع الطين وأشباه ذلك لا تملك بالإحياء, ولا يجوز إقطاعها لأحد من الناس ولا احتجازها دون المسلمين لأن فيه ضررا بالمسلمين وتضييقا عليهم, ولأن النبي -ﷺ- (أقطع أبيض بن حمال معدن الملح فلما قيل له: إنه بمنزلة الماء العد رده) كذا قال أحمد وروى أبو عبيد وأبو داود, والترمذي بإسنادهم عن أبيض بن حمال (أنه استقطع رسول الله -ﷺ- الملح الذي بمأرب, فلما ولي قيل: يا رسول الله: أتدري ما أقطعت له؟ إنما أقطعت الماء العد فرجعه منه قال: قلت: يا رسول الله ما يحمى من الأراك؟ قال: ما لم تنله أخفاف الإبل) وهو حديث غريب وروي في لفظ عنه, أنه قال: (لا حمى في الأراك) ورواه سعيد فقال: حدثني إسماعيل بن عياش عن عمرو بن قيس المأربي, عن أبيه عن أبيض بن حمال المأربي قال: (استقطعت رسول الله -ﷺ- معدن الملح بمأرب فأقطعنيه, فقيل: يا رسول الله إنه بمنزلة الماء العد يعني أنه لا ينقطع فقال رسول الله -ﷺ-: فلا إذن) ولأن هذا تتعلق به مصالح المسلمين العامة فلم يجز إحياؤه, ولا إقطاعه كمشارع الماء وطرقات المسلمين وقال ابن عقيل: هذا من مواد الله الكريم, وفيض جوده الذي لا غناء عنه فلو ملكه أحد بالاحتجاز ملك منعه, فضاق على الناس فإن أخذ العوض عنه أغلاه فخرج عن الموضع الذي وضعه الله من تعميم ذوي الحوائج من غير كلفة وهذا مذهب الشافعي ولا أعلم فيه مخالفا. فصل:
فأما المعادن الباطنة, وهي التي لا يوصل إليها إلا بالعمل والمؤنة كمعادن الذهب والفضة, والحديد والنحاس والرصاص, والبلور والفيروزج فإذا كانت ظاهرة, لم تملك أيضا بالإحياء لما ذكرنا في التي قبلها وإن لم تكن ظاهرة فحفرها إنسان وأظهرها لم يملكها بذلك, في ظاهر المذهب وظاهر مذهب الشافعي ويحتمل أن يملكها بذلك وهو قول للشافعي لأنه موات لا ينتفع به إلا بالعمل والمؤنة فملك بالإحياء, كالأرض ولأنه بإظهاره تهيأ للانتفاع به من غير حاجة إلى تكرار ذلك العمل فأشبه الأرض إذا جاءها بماء أو حاطها ووجه الأول, أن الإحياء الذي يملك به هو العمارة التي تهيأ بها المحيي للانتفاع من غير تكرار عمل وهذا حفر وتخريب يحتاج إلى تكرار عند كل انتفاع فإن قيل: فلو احتفر بئرا ملكها, وملك حريمها قلنا: البئر تهيأت للانتفاع بها من غير تجديد حفر ولا عمارة وهذه المعادن تحتاج عند كل انتفاع إلى عمل وعمارة فافترقا قال أصحابنا: وليس للإمام إقطاعها لأنها لا تملك بالإحياء والصحيح جواز ذلك لأن النبي -ﷺ- (أقطع لبلال بن الحارث معادن القبلية, جلسيها وغوريها) رواه أبو داود وغيره. فصل:
ومن أحيا أرضا فملكها بذلك, فظهر فيها معدن ملكه ظاهرا كان أو باطنا إذا كان من المعادن الجامدة لأنه ملك الأرض بجميع أجزائها وطبقاتها, وهذا منها ويفارق الكنز فإنه مودع فيها وليس من أجزائها ويفارق ما إذا كان ظاهرا قبل إحيائها لأنه قطع عن المسلمين نفعا كان واصلا إليهم ومنعهم انتفاعا كان لهم, وهاهنا لم يقطع عنهم شيئا لأنه إنما ظهر بإظهاره له. ولو تحجر الأرض أو أقطعها فظهر فيها المعدن قبل إحيائها, لكان له إحياؤها ويملكها بما فيها لأنه صار أحق به بتحجره وإقطاعه فلم يمنع من إتمام حقه. وأما المعادن الجارية, كالقار والنفط والماء, فهل يملكها من ظهرت في ملكه؟ فيه روايتان أظهرهما لا يملكها لقول النبي -ﷺ-: (الناس شركاء في ثلاث: في الماء والكلأ, والنار) رواه الخلال ولأنها ليست من أجزاء الأرض فلم يملكها بملك الأرض كالكنز والثانية يملكها لأنها خارجة من أرضه المملوكة له, فأشبهت الزرع والمعادن الجامدة. فصل:
ولو شرع إنسان في حفر معدن ولم يصل إلى النيل صار أحق به, كالمتحجر الشارع في الإحياء فإذا وصل إلى النيل صار أحق بالأخذ منه ما دام مقيما على الأخذ منه, وهل يملكه بذلك؟ فيه ما قد ذكرنا من قبل وإن حفر آخر من ناحية أخرى لم يكن له منعه وإذا وصل إلى ذلك العرق لم يكن له منعه سواء قلنا: إن المعدن يملك بحفره أو لم نقل لأنه إن ملكه, فإنما يملك المكان الذي حفره وأما العرق الذي في الأرض فلا يملكه بذلك ومن وصل إليه من جهة أخرى فله أخذه. ولو ظهر في ملكه معدن, بحيث يخرج النيل عن أرضه فحفر إنسان من خارج أرضه كان له أن يأخذ ما خرج عن أرضه منه لأنه لم يملكه, إنما ملك ما هو من أجزاء أرضه وليس لأحد أن يأخذ ما كان داخلا في أرضه من أجزاء الأرض الباطنة كما لا يملك أخذ أجزائها الظاهرة. ولو حفر كافر في دار الحرب معدنا, فوصل إلى النيل ثم فتحها المسلمون عنوة لم تصر غنيمة, وكان وجود عمله وعدمه واحدا لأن عامره لم يملكه بذلك ولو ملكه فإن الأرض كلها تصير وقفا للمسلمين وهذا ينصرف إلى مصلحة من مصالحهم, فتعين لها كما لو ظهر بفعل الله تعالى. فصل:
ولو كان في الموات موضع يمكن أن يحدث فيه معدن ظاهر كموضع على شاطئ البحر, إذا صار فيه ماء البحر صار ملحا ملك بالإحياء وجاز للإمام إقطاعه لأنه لا يضيق على المسلمين بإحداثه, بل يحدث نفعه بفعله فلم يمنع منه كبقية الموات, وإحياء هذا بتهيئته لما يصلح له من حفر ترابه وتمهيده وفتح قناة إليه تصب الماء فيه لأنه يتهيأ بهذا الانتفاع به. فصل:
ومن ملك معدنا, فعمل فيه غيره بغير إذنه فما حصل منه فهو لمالكه ولا أجر للغاصب على عمله لأنه عمل في ملك غيره بغير إذنه, أشبه ما لو حصد زرع غيره بغير إذنه وإن قال مالكه: اعمل فيه ولك ما يخرج منه فله ذلك ولا شيء لصاحب المعدن فيه لأنه إباحة من مالكه, فملك ما أخذه كما لو أباحه الأخذ من داره أو بستانه وإن قال: اعمل فيه على أن ما رزق الله من نيل كان بيننا نصفين فعمل, فيه وجهان: أحدهما يجوز وما يأخذه يكون بينهما كما لو قال له: احصد هذا الزرع بنصفه أو ثلثه ولأنها عين تنمى بالعمل عليها فصح العمل فيها ببعضه, كالمضاربة في الأثمان والثاني لا يصح لأن ما يحصل منه مجهول ولأنه لا يصح أن يكون إجارة لأن العوض مجهول والعمل مجهول, ولا جعالة لأن العوض مجهول ولا مضاربة لأن المضاربة إنما تصح بالأثمان على أن يرد رأس المال, وتكون له حصة من الربح وليس ذلك ها هنا وفارق حصاد الزرع بنصفه أو جزء منه لأن الزرع معلوم بالمشاهدة وما علم جميعه علم جزؤه, بخلاف هذا وإن قال: اعمل فيه كذا ولك ما يحصل منه بشرط أن تعطيني ألفا أو شيئا معلوما لم يصح لأنه بيع لمجهول, ولا يصح أن يكون معاملة كالمضاربة لما ذكرنا ولأن المضاربة تكون بجزء من النماء, لا دراهم معلومة قال أحمد: إذا أخذ معدنا من قوم على أن يعمره ويعمل فيه, ويعطيهم ألفي من أو ألف من صفرا فذلك مكروه ولم يرخص فيه والله الموفق. فصل:
إذا استأجر رجلا ليحفر له عشرة أذرع في دور كذا بدينار صح لأنها إجارة معلومة وإن ظهر عرق ذهب, فقال: استأجرتك لتخرجه بدينار لم يصح لأن العمل مجهول وإن قال: إن استخرجته فلك دينار صح ويكون جعالة لأن الجعالة تصح على عمل مجهول إذا كان العوض معلوما. فصل:
ومن سبق في الموات إلى معدن ظاهر أو باطن, فهو أحق بما ينال منه لقول النبي -ﷺ-: (من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له) فإن أخذ قدر حاجته وأراد الإقامة فيه بحيث يمنع غيره, منع منه لأنه يضيق على الناس ما لا نفع فيه فأشبه ما لو وقف في مشرعة الماء لغير حاجة وإن أطال المقام والأخذ احتمل أن يمنع لأنه يصير كالمتملك له واحتمل أن لا يمنع لإطلاق الحديث وإن استبق إليه اثنان, وضاق المكان عنهما أقرع بينهما لأنه لا مزية لأحدهما على صاحبه ويحتمل أن يقسم بينهما لأنه يمكن قسمته وقد تساويا فيه, فيقسم بينهما كما لو تداعيا عينا في أيديهما ولا بينة لأحدهما بها ويحتمل أن يقدم الإمام من يرى منهما لأن له نظرا وذكر القاضي وجها رابعا وهو أن الإمام ينصب من يأخذ لهما, ويقسم بينهما وهذا التفصيل مذهب الشافعي. فصل:
وما نضب عنه الماء من الجزائر لم يملك بالإحياء قال أحمد في رواية العباس بن موسى: إذا نضب الماء عن جزيرة إلى فناء رجل لم يبن فيها لأن فيه ضررا, وهو أن الماء يرجع يعني أنه يرجع إلى ذلك المكان فإذا وجده مبنيا رجع إلى الجانب الآخر, فأضر بأهله ولأن الجزائر منبت الكلأ والحطب فجرت مجرى المعادن الظاهرة وقد قال النبي -ﷺ-: (لا حمى في الأراك) وقال أحمد, في رواية حرب: يروى عن عمر أنه أباح الجزائر يعني أباح ما ينبت في الجزائر من النبات وقال: إذا نضب الفرات عن شيء, ثم نبت فيه نبات فجاء رجل فمنع الناس منه فليس له ذلك فأما إن غلب الماء على ملك إنسان, ثم عاد فنضب عنه فله أخذه فلا يزول ملكه بغلبة الماء عليه وإن كان ما نضب عنه الماء لا ينتفع به أحد, فعمره رجل عمارة لا ترد الماء مثل أن يجعله مزرعة فهو أحق به من غيره لأنه متحجر لما ليس لمسلم فيه حق, فأشبه التحجر في الموات. فصل:
وما كان من الشوارع والطرقات والرحاب بين العمران فليس لأحد إحياؤه سواء كان واسعا أو ضيقا, وسواء ضيق على الناس بذلك أو لم يضيق لأن ذلك يشترك فيه المسلمون وتتعلق به مصلحتهم فأشبه مساجدهم ويجوز الارتفاق بالقعود في الواسع من ذلك للبيع والشراء, على وجه لا يضيق على أحد ولا يضر بالمارة لاتفاق أهل الأمصار في جميع الأعصار على إقرار الناس على ذلك من غير إنكار, ولأنه ارتفاق مباح من غير إضرار فلم يمنع منه كالاجتياز, قال أحمد في السابق إلى دكاكين السوق غدوة: فهو له إلى الليل وكان هذا في سوق المدينة فيما مضى وقد قال النبي -ﷺ-: (منى مناخ من سبق) وله أن يظلل على نفسه بما لا ضرر فيه, من بارية وتابوت وكساء, ونحوه لأن الحاجة تدعو إليه من غير مضرة فيه وليس له البناء لا دكة ولا غيرها لأنه يضيق على الناس ويعثر به المارة بالليل والضرير في الليل والنهار, ويبقى على الدوام فربما ادعى ملكه بسبب ذلك والسابق أحق به ما دام فيه فإن قام وترك متاعه فيه, لم يجز لغيره إزالته لأن يد الأول عليه وإن نقل متاعه كان لغيره أن يقعد فيه لأن يده قد زالت وإن قعد وأطال, منع من ذلك لأنه يصير كالمتملك ويختص بنفع يساويه غيره في استحقاقه ويحتمل أن لا يزال لأنه سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم وإن استبق اثنان إليه احتمل أن يقرع بينهما, واحتمل أن يقدم الإمام من يرى منهما وإن كان الجالس يضيق على المارة لم يحل له الجلوس فيه ولا يحل للإمام تمكينه بعوض, ولا غيره قال أحمد: ما كان ينبغي لنا أن نشتري من هؤلاء الذين يبيعون على الطريق قال القاضي: هذا محمول على أن الطريق ضيق أو يكون يؤذي المارة لما تقدم ذكرنا له وقال: لا يعجبني الطحن في العروب إذا كانت في طريق الناس وهو السفن التي يطحن فيها في الماء الجاري إنما كره ذلك لتضييقها طريق السفن المارة في الماء قال أحمد: ربما غرقت السفن, فأرى للرجل أن يتوقى الشراء مما يطحن بها. فصل:
في القطائع ، وهي ضربان أحدهما إقطاع إرفاق ، وذلك إقطاع مقاعد السوق ، والطرق الواسعة ، ورحاب المساجد ، التي ذكرنا أن للسابق إليها الجلوس فيها ، فللإمام إقطاعها لمن يجلس فيها ؛ لأن له في ذلك اجتهادا ، من حيث إنه لا يجوز الجلوس إلا فيما لا يضر بالمارة ، فكان للإمام أن يجلس فيها من لا يرى أنه يتضرر بجلوسه . ولا يملكها المقطع بذلك ، بل يكون أحق بالجلوس فيها من غيره ، بمنزلة السابق إليها من غير إقطاع سواء ، إلا في شيء واحد ، وهو أن السابق إذا نقل متاعه عنها ، فلغيره الجلوس فيها ؛ لأن استحقاقه لها بسبقه إليها ، ومقامه فيها ، فإذا انتقل عنها ، زال استحقاقه ، لزوال المعنى الذي استحق به ، وهذا استحق بإقطاع الإمام ، فلا يزول حقه بنقل متاعه ، ولا لغيره الجلوس فيه ، وحكمه في التظليل على نفسه بما ليس بناء ، ومنعه من البناء ، ومنعه إذا طال مقامه ، حكم السابق ، على ما أسلفناه . الثاني إقطاع موات من الأرض لمن يحييها ، فيجوز ذلك ؛ لما روى وائل بن حجر (أن رسول الله ﷺ أقطعه أرضا ، فأرسل معاوية أن أعطه إياه ، أو أعلمه إياه). حديث صحيح وأقطع بلال بن الحارث المزني ، وأبيض بن حمال المأربي ، وأقطع الزبير حضر فرسه ، فأجرى فرسه حتى قام ورمى بسوطه ، فقال : " أعطوه من حيث وقع السوط " . رواه سعيد ، وأبو داود . وذكر البخاري ، عن أنس قال : (دعا رسول الله ﷺ الأنصار ليقطع لهم بالبحرين . فقالوا : يا رسول الله : إن فعلت ، فاكتب لإخواننا من قريش بمثلها). وروي أن أبا بكر أقطع طلحة بن عبيد الله أرضا ، وأن عثمان أقطع خمسة من أصحاب النبي ﷺ ؛ الزبير ، وسعدا ، وابن مسعود ، وأسامة بن زيد ، وخباب بن الأرت . ويروى عن نافع أبي عبد الله ، أنه قال لعمر : إن قبلنا أرضا بالبصرة ، ليست من أرض الخراج ، ولا تضر بأحد من المسلمين ، فإن رأيت أن تقطعنيها أتخذ فيها قصيلا لخيلي ، فافعل . قال : فكتب عمر إلى أبي موسى : إن كانت كما يقول ، فأقطعها إياه روى هذه الآثار كلها أبو عبيد ، في " الأموال " . وروى سعيد ، عن سفيان ، عن أبي نجيح ، عن عمرو بن شعيب (أن النبي ﷺ أقطع ناسا من جهينة أو مزينة أرضا). إذا ثبت هذا ، فإن من أقطعه الإمام شيئا من الموات ، لم يملكه بذلك ، لكن يصير أحق به ، كالمتحجر للشارع في الإحياء ، بدليل ما ذكرنا من حديث بلال بن الحارث ، حيث استرجع عمر منه ما عجز عن إحيائه من العقيق ، الذي أقطعه إياه رسول الله ﷺ ولو ملكه لم يجز استرجاعه . ورد عمر أيضا قطيعة أبي بكر لعيينة بن حصن ، فسأل عيينة أبا بكر أن يجدد له كتابا فقال : والله لا أجدد شيئا رده عمر رواه أبو عبيد . لكن المقطع يصير أحق به من سائر الناس ، وأولى بإحيائه ، فإن أحياه ، وإلا قال له السلطان : إن أحييته ، وإلا فارفع يدك عنه . كما قال عمر لبلال بن الحارث المزني : إن رسول الله ﷺ لم يقطعك لتحجبه دون الناس ، وإنما أقطعك لتعمر ، فخذ منها ما قدرت على عمارته ، ورد الباقي . وإن طلب المهلة لعذر ، أمهل بقدر ذلك . وإن طلبها لغير عذر ، لم يمهل ، على ما ذكرنا في المتحجر وإن سبق غيره فأحياه قبل أن يقال له شيء ، أو في مدة المهلة ، فهل يملكه ؟ على وجهين وقد روي عن عمرو بن شعيب (أن النبي ﷺ أقطع ناسا من جهينة أو مزينة أرضا ، فعطلوها ، فجاء قوم فأحيوها ، فخاصمهم الذين أقطعهم رسول الله ﷺ إلى عمر رضي الله عنه فقال عمر : لو كانت قطيعة مني ، أو من أبي بكر ، لم أردها ، ولكنها قطيعة من رسول الله ﷺ فأنا أردها) ، فدل هذا على أنها إذا كانت قطيعة من غير رسول الله ﷺ فهي لمن أحياها . والثاني ، لا يملكه ؛ لأنه تعلق به حق المقطع ، ومفهوم قوله عليه السلام : (من أحيا أرضا ميتة في غير حق مسلم ، فهي له) أنه إذا تعلق بها حق مسلم ، لم يجز إحياؤها . وقد ذكرنا الوجهين في المتحجر ، وهذا مثله . ومذهب الشافعي في هذا الفصل كنحو ما ذكرنا . فصل:
وليس للإمام إقطاع ما لا يجوز إحياؤه من المعادن الظاهرة لأن النبي -ﷺ- (لما استقطعه أبيض بن حمال الملح الذي بمأرب فقيل: يا رسول الله: إنما أقطعته الماء العد رجعه منه) ولأن في ذلك تضييقا على المسلمين وفي إقطاع المعادن الباطنة وجهان ذكرناهما فيما مضى. فصل:
ولا ينبغي أن يقطع الإمام أحدا من الموات, إلا ما يمكنه إحياؤه لأن في إقطاعه أكثر من ذلك تضييقا على الناس في حق مشترك بينهم بما لا فائدة فيه فإن فعل ثم تبين عجزه عن إحيائه, استرجعه منه كما استرجع عمر من بلال بن الحارث ما عجز عنه من عمارته من العقيق الذي أقطعه إياه رسول الله -ﷺ-. فصل:
في الحمى, ومعناه أن يحمي أرضا من الموات يمنع الناس رعي ما فيها من الكلأ ليختص بها دونهم وكانت العرب في الجاهلية تعرف ذلك, فكان منهم من إذا انتجع بلدا أوفى بكلب على نشز ثم استعواه ووقف له من كل ناحية من يسمع صوته بالعواء فحيثما انتهى صوته حماه من كل ناحية لنفسه, ويرعى مع العامة فيما سواه فنهى رسول الله -ﷺ- عنه لما فيه من التضييق على الناس ومنعهم من الانتفاع بشيء لهم فيه حق وروى الصعب بن جثامة قال: سمعت رسول الله -ﷺ- يقول: (لا حمى إلا لله ولرسوله) رواه أبو داود وقال: (الناس شركاء في ثلاث: الماء, والنار والكلأ) رواه الخلال وليس لأحد من الناس سوى الأئمة أن يحمي لما ذكرنا من الخبر والمعنى فأما النبي -ﷺ- فكان له أن يحمي لنفسه وللمسلمين لقوله في الخبر: (لا حمى إلا لله ولرسوله) لكنه لم يحم لنفسه شيئا وإنما حمى للمسلمين, فقد روى ابن عمر قال: (حمى النبي -ﷺ- النقيع لخيل المسلمين) رواه أبو عبيد والنقيع بالنون: موضع ينتقع فيه الماء, فيكثر فيه الخصب لمكان ما يصير فيه من الماء وأما سائر أئمة المسلمين فليس لهم أن يحموا لأنفسهم شيئا, ولكن لهم أن يحموا مواضع لترعى فيها خيل المجاهدين ونعم الجزية وإبل الصدقة وضوال الناس التي يقوم الإمام بحفظها, وماشية الضعيف من الناس على وجه لا يستضر به من سواه من الناس وبهذا قال أبو حنيفة ومالك, والشافعي في صحيح قوليه وقال في الآخر: ليس لغير النبي -ﷺ- أن يحمي لقوله: (لا حمى إلا لله ولرسوله) ولنا أن عمر وعثمان حميا واشتهر ذلك في الصحابة, فلم ينكر عليهما فكان إجماعا وروى أبو عبيد بإسناده عن عامر بن عبد الله بن الزبير, أحسبه عن أبيه قال: أتى أعرابي عمر فقال: يا أمير المؤمنين, بلادنا قاتلنا عليها في الجاهلية وأسلمنا عليها في الإسلام علام تحميها؟ فأطرق عمر, وجعل ينفخ ويفتل شاربه وكان إذا كربه أمر فتل شاربه, ونفخ فلما رأى الأعرابي ما به جعل يردد ذلك فقال عمر: المال مال الله والعباد عباد الله, والله لولا ما أحمل عليه في سبيل الله ما حميت شبرا من الأرض في شبر وقال مالك: بلغني أنه كان يحمل في كل عام على أربعين ألفا من الظهر وعن أسلم قال: سمعت عمر يقول لهني حين استعمله على حمى الربذة: يا هني اضمم جناحك عن الناس, واتق دعوة المظلوم فإنها مجابة وأدخل رب الصريمة والغنيمة ودعني من نعم ابن عوف ونعم ابن عفان فإنهما إن هلكت ماشيتهما رجعا إلى نخل وزرع, وإن هذا المسكين إن هلكت ماشيته جاء يصرخ: يا أمير المؤمنين فالكلأ أهون على أم غرم الذهب والورق إنها أرضهم قاتلوا عليها في الجاهلية, وأسلموا عليها في الإسلام وإنهم ليرون أنا نظلمهم ولولا النعم التي يحمل عليها في سبيل الله, ما حميت على الناس من بلادهم شيئا أبدا وهذا إجماع منهم ولأن ما كان لمصالح المسلمين قامت الأئمة فيه مقام رسول الله -ﷺ- وقد روي عن النبي -ﷺ- أنه قال: (ما أطعم الله لنبي طعمة إلا جعلها طعمة لمن بعده) وأما الخبر فمخصوص وأما حماه لنفسه, فيفارق حمى النبي -ﷺ- لنفسه لأن صلاحه يعود إلى صلاح المسلمين وما له كان يرده في المسلمين, ففارق الأئمة في ذلك وساووه فيما كان صلاحا للمسلمين وليس لهم أن يحموا إلا قدرا لا يضيق به على المسلمين ويضر بهم لأنه إنما جاز لما فيه من المصلحة لما يحمى, وليس من المصلحة إدخال الضرر على أكثر الناس. فصل:
وما حماه النبي -ﷺ- فليس لأحد نقضه ولا تغييره, مع بقاء الحاجة إليه ومن أحيا منه شيئا لم يملكه وإن زالت الحاجة إليه ففيه وجهان وما حماه غيره من الأئمة فغيره هو أو غيره من الأئمة, جاز وإن أحياه إنسان ملكه في أحد الوجهين لأن حمى الأئمة اجتهاد, وملك الأرض بالإحياء نص والنص يقدم على الاجتهاد والوجه الآخر لا يملكه لأن اجتهاد الإمام لا يجوز نقضه كما لا يجوز نقض حكمه ومذهب الشافعي في هذا على نحو ما قلنا. فصل:
في أحكام المياه, قد ذكرنا في البيع حكم ملكها وبيعها ونذكر ها هنا حكم السقي بها فنقول: لا يخلو الماء من حالين إما أن يكون جاريا أو واقفا, فإن كان جاريا فهو ضربان أحدهما أن يكون في نهر غير مملوك وهو قسمان أحدهما أن يكون نهرا عظيما كالنيل والفرات ودجلة, وما أشبهها من الأنهار العظيمة التي لا يستضر أحد بسقيه منها فهذا لا تزاحم فيه, ولكل أحد أن يسقي منها ما شاء متى شاء وكيف شاء القسم الثاني, أن يكون نهرا صغيرا يزدحم الناس فيه ويتشاحون في مائه أو سيلا يتشاح فيه أهل الأرض الشاربة منه, فإنه يبدأ من في أول النهر فيسقي ويحبس الماء حتى يبلغ إلى الكعب ثم يرسل إلى الذي يليه فيصنع كذلك, وعلى هذا إلى أن تنتهي الأراضي كلها فإن لم يفضل عن الأول شيء أو عن الثاني أو عمن يليهم فلا شيء للباقين لأنه ليس لهم إلا ما فضل, فهم كالعصبة في الميراث وهذا قول فقهاء المدينة ومالك والشافعي, ولا نعلم فيه مخالفا والأصل في هذا ما روى عبد الله بن الزبير (أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير في شراج الحرة التي يسقون بها إلى النبي -ﷺ- فقال -ﷺ-: اسق يا زبير, ثم أرسل الماء إلى جارك فغضب الأنصاري وقال: يا رسول الله أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله -ﷺ- ثم قال: يا زبير اسق, ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر قال الزبير: فوالله إني لأحسب هذه الآية نزلت فيه: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم}) متفق عليه ورواه مالك في " موطئه " عن الزهري عن عروة, عن عبد الله بن الزبير وذكر عنه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: نظرنا في قول النبي -ﷺ-: (ثم احبس الماء حتى يبلغ إلى الجدر) فكان ذلك إلى الكعبين قال أبو عبيد: الشراج: جمع شرج, والشرج: نهر صغير والحرة: أرض ملتبسة بحجارة سود والجدر: الجدار, وإنما أمر النبي -ﷺ- الزبير أن يسقي ثم يرسل الماء تسهيلا على غيره فلما قال الأنصاري ما قال, استوعى النبي -ﷺ- الزبير حقه وروى مالك في " الموطأ " أيضا عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم, أنه بلغه (أن رسول الله -ﷺ- قال في سيل مهزور ومذينيب: يمسك حتى الكعبين ثم يرسل الأعلى على الأسفل) قال ابن عبد البر: هذا حديث مدني مشهور عند أهل المدينة, معمول به عندهم قال عبد الملك بن حبيب: مهزور ومذينيب: واديان من أودية المدينة يسيلان بالمطر وتتنافس أهل الحوائط في سيلهما وروى أبو داود, بإسناده عن ثعلبة بن أبي مالك أنه (سمع كبراءهم يذكرون أن رجلا من قريش كان له سهم في بني قريظة, فخاصم إلى رسول الله -ﷺ- في سيل مهزور والسيل الذي يقتسمون ماءه فقضى بينهم رسول الله -ﷺ- أن الماء إلى الكعبين لا يحبس الأعلى على الأسفل) ولأن من أرضه قريبة من فوهة النهر أسبق إلى الماء, فكان أولى به كمن سبق إلى المشرعة فإن كانت أرض صاحب الأعلى مختلفة, منها مستعلية ومنها مستفلة سقى كل واحدة منهما على حدتها وإن استوى اثنان في القرب من أول النهر, اقتسما الماء بينهما إن أمكن وإن لم يمكن أقرع بينهما, فقدم من تقع له القرعة فإن كان الماء لا يفضل عن أحدهما سقى من تقع له القرعة بقدر حقه من الماء, ثم تركه للآخر وليس له أن يسقي بجميع الماء لأن الآخر يساويه في استحقاق الماء وإنما القرعة للتقديم في استيفاء الحق, لا في أصل الحق بخلاف الأعلى مع الأسفل فإنه ليس للأسفل حق إلا فيما فضل عن الأعلى فإن كانت أرض أحدهما أكثر من أرض الآخر قسم الماء بينهما على قدر الأرض لأن الزائد من أرض أحدهما مساو في القرب, فاستحق جزءا من الماء كما لو كان لشخص ثالث وإن كان لجماعة رسم شرب من نهر غير مملوك, أو سيل وجاء إنسان ليحيي مواتا أقرب إلى رأس النهر من أرضهم لم يكن له أن يسقي قبلهم لأنهم أسبق إلى النهر منه, ولأن من ملك أرضا ملكها بحقوقها ومرافقها ولا يملك غيره إبطال حقوقها وهذا من حقوقها وهل لهم منعه من إحياء ذلك الموات؟ فيه وجهان أحدهما ليس لهم منعه لأن حقهم في النهر لا في الموات والثاني لهم منعه, لئلا يصير ذلك ذريعة إلى منعهم حقهم من السقي لتقديمه عليهم بالقرب إذا طال الزمان وجهل الحال فإذا قلنا: ليس لهم منعه فسبق إنسان إلى مسيل ماء أو نهر غير مملوك فأحيا في أسفله مواتا, ثم أحيا آخر فوقه ثم أحيا ثالث فوق الثاني كان للأسفل السقي أولا, ثم الثاني ثم الثالث ويقدم السبق إلى الإحياء على السبق إلى أول النهر لما ذكرنا.
فصل: الضرب الثاني الماء الجاري في نهر مملوك, وهو أيضا قسمان أحدهما أن يكون الماء مباح الأصل مثل أن يحفر إنسان نهرا صغيرا يتصل بنهر كبير مباح, فما لم يتصل الحفر لا يملكه وإنما هو تحجر وشروع في الإحياء فإذا اتصل الحفر, كمل الإحياء وملكه لأن الملك بالإحياء أن تنتهي العمارة إلى قصدها بحيث يتكرر الانتفاع بها على صورتها وهذا كذلك وسواء أجرى فيه الماء أو لم يجر لأن الإحياء يحصل بأن يهيئه للانتفاع به دون حصول المنفعة, فيصير مالكا لقرار النهر وحافتيه وهواؤه حق له وكذلك حريمه, وهو ملقى الطين من كل جانب وعند القاضي أن ذلك غير مملوك لصاحب النهر وإنما هو حق من حقوق الملك وكذلك حريم البئر وهذا مذهب الشافعي وظاهر قول الخرقي, أنه مملوك لصاحبه لقول رسول الله -ﷺ-: (من أحيا أرضا لم تملك فهي له) وإحياؤها أن يحوط عليها حائطا أو يحفر فيها بئرا, فيكون له خمس وعشرون ذراعا حواليها وحريم النهر يجب أن يكون كذلك فإذا تقرر هذا فكان النهر لجماعة فهو بينهم على حسب العمل والنفقة لأنه إنما ملك بالعمارة والعمارة بالنفقة, فإن كفى جميعهم فلا كلام وإن لم يكفهم, وتراضوا على قسمته بالمهايأة أو غيرها جاز لأنه حقهم لا يخرج عنهم وإن تشاحوا في قسمته قسمه الحاكم بينهم على قدر أملاكهم لأن كل واحد منهم يملك من النهر بقدر ذلك, فتؤخذ خشبة صلبة أو حجر مستوي الطرفين والوسط فيوضع على موضع مستو من الأرض, في مقدم الماء فيه حزوز أو ثقوب متساوية في السعة على قدر حقوقهم, يخرج من كل جزء أو ثقب إلى ساقية مفردة لكل واحد منهم فإذا حصل الماء في ساقيته انفرد به فإن كانت أملاكهم مختلفة قسم على قدر ذلك فإذا كان لأحدهم نصفه, وللآخر ثلثه وللآخر سدسه جعل فيه ستة ثقوب, لصاحب النصف ثلاثة نصب في ساقيته ولصاحب الثلث اثنان ولصاحب السدس واحد وإن كان لواحد الخمسان, والباقي لاثنين يتساويان فيه جعل عشرة ثقوب لصاحب الخمسين أربعة نصب في ساقيته ولكل واحد من الآخرين ثلاثة نصب في ساقية له فإن كان النهر لعشرة, لخمسة منهم أراض قريبة من أول النهر ولخمسة أراض بعيدة جعل لأصحاب القريبة خمسة ثقوب, لكل واحد ثقب وجعل للباقين خمسة تجري في النهر حتى تصل إلى أرضهم, ثم تقسم بينهم قسمة أخرى وإن أراد أحدهم أن يجري ماءه في ساقية غيره ليقاسمه في موضع آخر لم يجز إلا برضاه لأنه يتصرف في ساقيته, ويخرب حافتها بغير إذنه ويخلط حقه بحق غيره على وجه لا يتميز فلم يجز ذلك ويجيء على قولنا " إن الماء لا يملك " أن حكم الماء في هذا النهر حكمه في نهر غير مملوك, وأن الأسبق أحق بالسقي منه ثم الذي يليه على ما ذكرنا لأنه غير مملوك, فكان الأسبق إليه أحق به كما لو كان في نهر غير مملوك ومذهب الشافعي في هذا الفصل كله على نحو ما ذكرنا.
فصل: وإذا حصل نصيب إنسان في ساقية فله أن يسقي به ما شاء من الأرض, سواء كان لها رسم شرب من هذا النهر أو لم يكن وله أن يعطيه من يسقي به وقال القاضي وأصحاب الشافعي: ليس له سقي أرض ليس لها رسم شرب في هذا الماء لأن ذلك دال على أن لها قسما من هذا الماء, فربما جعل سقيها منه دليلا على استحقاقها لذلك فيستضر الشركاء ويصير هذا كما لو كان له دار بابها في درب لا ينفذ, ودار بابها في درب آخر ظهرها ملاصق لظهر داره الأولى فأراد تنفيذ إحداهما إلى الأخرى لم يجز لأنه يجعل لنفسه استطراقا من كل واحدة من الدارين ولنا أن هذا ماء انفرد باستحقاقه, فكان له أن يسقي منه ما شاء كما لو انفرد به من أصله ولا نسلم ما ذكروه في الدارين وإن سلمنا فالفرق بينهما أن كل دار يخرج منها إلى درب آخر مشترك لأن الظاهر أن لكل دار سكانا, فيجعل لسكان كل واحدة منهما استطراقا إلى درب غير نافذ لم يكن لهم حق في استطراقه وهاهنا إنما يسقي من ساقيته المفردة التي لا يشاركه غيره فيها, فلو صار لتلك الأرض رسم من الشرب من ساقيته لم يتضرر بذلك أحد ولو كان يسقي من هذا النهر بدولاب فأحب أن يسقي بذلك الماء أرضا لا رسم لها في الشرب من ذلك النهر, فالحكم في ذلك على ما ذكرنا من الخلاف في التي قبلها وإن كان الدولاب يغرف من نهر غير مملوك جاز أن يسقي بنصيبه من الماء أرضا لا رسم لها في الشرب منه بغير خلاف نعلمه فإن ضاق الماء, قدم الأسبق فالأسبق على ما مضى.
فصل: ولكل واحد منهم أن يتصرف في ساقيته المختصة به بما أحب من إجراء غير هذا الماء فيها, أو عمل رحى عليها أو دولاب أو عبارة, وهي خشبة تمد على طرفي النهر أو قنطرة يعبر الماء فيها وغير ذلك من التصرفات لأنها ملكه, لا حق لغيره فيها فأما النهر المشترك فليس لواحد منهم أن يتصرف فيه بشيء من ذلك لأنه يتصرف في النهر المشترك وفي حريمه بغير إذن شركائه وقال القاضي في العبارة: هذا ينبني على الروايتين في من أراد أن يجري ماءه في أرض غيره والصحيح أنه لا يجوز ها هنا, ولا يصح قياس هذا على إجراء الماء في أرض غيره لأن إجراء الماء في أرض غيره ينفع صاحبها لأنه يسقي عروق شجره ويشربه أولا وآخرا وهذا لا ينفع النهر, بل ربما أفسد حافتيه ولم يسق له شيئا ولو أراد أحد الشركاء أن يأخذ من ماء النهر قبل قسمه شيئا يسقي به أرضا في أول النهر أو غيره أو أراد إنسان غيرهم ذلك, لم يجز لأنهم صاروا أحق بالماء الجاري في نهرهم من غيرهم ولأن الأخذ من الماء ربما احتاج إلى تصرف في حافة النهر المملوك لغيره أو المشترك بينه وبين غيره ولو فاض ماء هذا النهر إلى ملك إنسان, فهو مباح كالطائر يعشش في ملك إنسان وهذا كله مذهب الشافعي فيه نحو مما ذكرنا.
فصل: وإن قسموا ماء النهر المشترك بالمهايأة جاز, إذا تراضوا به وكان حق كل واحد منهم معلوما مثل أن يجعلوا لكل حصة يوما وليلة, أو أكثر من ذلك أو أقل وإن قسموا النهار فجعلوا لواحد من طلوع الشمس إلى وقت الزوال وللآخر من الزوال إلى الغروب, ونحو ذلك جاز وإن قسموه ساعات وأمكن ضبط ذلك بشيء معلوم, كطاسة مثقوبة تترك في الماء وفيها علامات إذا انتهى الماء إلى علامة كانت ساعة وإذا انتهى إلى الأخرى كانت ساعتين, أو زجاجة فيها رمل ينزل من أعلاها إلى أسفلها في ساعة أو ساعتين ثم يقلبها فيعود الرمل إلى الموضع الذي كان فيه في مثل ذلك المقدار, أو بميزان الشمس الذي تعرف به ساعات النهار أو بمنازل القمر في الليل ونحو ذلك, جاز فإذا حصل الماء لأحدهم في نوبته فأراد أن يسقي به أرضا ليس لها رسم شرب من هذا أو يؤثر به إنسانا, أو يقرضه إياه على وجه لا يتصرف في حافة النهر جاز وعلى قول القاضي, وأصحاب الشافعي ينبغي أن لا يجوز لما تقدم في مثل ذلك وإن أراد صاحب النوبة أن يجري مع مائه ماء له آخر يسقي به أرضه التي لها رسم شرب من هذا النهر, أو أرضا له أخرى أو سأله إنسان أن يجري ماء له مع مائه في هذا النهر ليقاسمه إياه في موضع آخر على وجه لا يضر بالنهر, ولا بأحد جاز ذلك في قياس قول أصحابنا فإنهم قالوا في من استأجر أرضا: جاز أن يجري فيها ماء في نهر محفور, إذا كان فيها ولأنه مستحق لنفع النهر في نوبته بإجراء الماء فأشبه ما لو استأجرها لذلك.
فصل: القسم الثاني أن يكون منبع الماء مملوكا, مثل أن يشترك جماعة في استنباط عين وإجرائها فإنهم يملكونها أيضا لأن ذلك إحياء لها ويشتركون فيها, وفي ساقيتها على حسب ما أنفقوا عليها وعملوا فيها, كما ذكرنا في القسم الذي قبل هذا إلا أن الماء غير مملوك ثم, لأنه مباح دخل ملكه فأشبه ما لو دخل صيد بستانه وهاهنا يخرج على روايتين أصحهما أنه غير مملوك أيضا وقد ذكرنا ذلك وعلى كل حال, فلكل أحد أن يستقي من الماء الجاري لشربه ووضوئه وغسله وغسل ثيابه وينتفع به في أشباه ذلك مما لا يؤثر فيه, من غير إذنه إذا لم يدخل إليه في مكان محوط عليه ولا يحل لصاحبه المنع من ذلك لما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله -ﷺ-: (ثلاثة لا ينظر الله إليهم, ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم رجل كان بفضل ماء بالطريق فمنعه ابن السبيل) رواه البخاري, وعن بهيسة عن أبيها أنه قال: (يا نبي الله, ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: الماء قال: يا نبي الله ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: الملح قال: يا نبي الله ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: أن تفعل الخير خير لك) رواه أبو داود ولأن ذلك لا يؤثر فيه في العادة, وهو فاضل عن حاجة صاحب النهر فأما ما يؤثر فيه كسقي الماشية الكثيرة ونحو ذلك فإن فضل الماء عن حاجة صاحبه, لزمه بذله لذلك وإن لم يفضل لم يلزمه وقد ذكرنا ذلك في غير هذا الموضع.
فصل: إذا كان النهر أو الساقية مشتركا بين جماعة, فإن أرادوا إكراءه أو سد بثق فيه أو إصلاح حائطه أو شيء منه, كان ذلك عليهم على حسب ملكهم فيه فإن كان بعضهم أدنى إلى أوله من بعض اشترك الكل في إكرائه وإصلاحه, إلى أن يصلوا إلى الأول ثم لا شيء على الأول ويشترك الباقون حتى يصلوا إلى الثاني, ثم يشترك من بعده كذلك كلما انتهى العمل إلى موضع واحد منهم لم يكن عليه فيما بعده شيء وبهذا قال الشافعي وحكي ذلك عن أبي حنيفة وقال أبو يوسف, ومحمد: يشترك جميعهم في إكرائه كله لأنهم ينتفعون بجميعه فإن ما جاوز الأول مصب لمائه, وإن لم يسق أرضه ولنا أن الأول إنما ينتفع بالماء الذي في موضع شربه وما بعده إنما يختص بالانتفاع به من دونه فلا يشاركهم في مؤنته, كما لا يشاركهم في نفعه فإن كان يفضل عن جميعهم منه ما يحتاج إلى مصرف فمؤنة ذلك المصرف على جميعهم لأنهم يشتركون في الحاجة إليه, والانتفاع به فكانت مؤنته عليهم كلهم كأوله.
مسألة: قال: [ وإحياء الأرض أن يحوط عليها حائطا ] ظاهر كلام الخرقي, أن تحويط الأرض إحياء لها سواء أرادها للبناء أو للزرع, أو حظيرة للغنم أو الخشب أو غير ذلك ونص عليه أحمد, في رواية علي بن سعيد فقال: الإحياء أن يحوط عليها حائطا أو يحفر فيها بئرا أو نهرا ولا يعتبر في ذلك تسقيف وذلك لما روى الحسن, عن سمرة أن رسول الله -ﷺ- قال: (من أحاط حائطا على أرض فهي له) رواه أبو داود, والإمام أحمد في " مسنده " ويروى عن جابر عن النبي -ﷺ- مثله ولأن الحائط حاجز منيع, فكان إحياء أشبه ما لو جعلها حظيرة للغنم ويبين هذا أن القصد لا اعتبار به بدليل ما لو أرادها حظيرة للغنم, فبناها بجص وآجر وقسمها بيوتا فإنه يملكها, وهذا لا يصنع للغنم مثله ولا بد أن يكون الحائط منيعا يمنع ما وراءه ويكون مما جرت العادة بمثله ويختلف باختلاف البلدان فلو كان مما جرت عادتهم بالحجارة وحدها, كأهل حوران وفلسطين أو بالطين كالفطائر لأهل غوطة دمشق, أو بالخشب أو بالقصب كأهل الغور كان ذلك إحياء وإن بناه بأرفع مما جرت به عادته, كان أولى وقال القاضي: في صفة الإحياء روايتان إحداهما ما ذكرنا والثانية الإحياء ما تعارفه الناس إحياء لأن الشرع ورد بتعليق الملك على الإحياء ولم يبينه ولا ذكر كيفيته, فيجب الرجوع فيه إلى ما كان إحياء في العرف كما أنه لما ورد باعتبار القبض والحرز ولم يبين كيفيته كان المرجع فيه إلى العرف, ولأن الشارع لو علق الحكم على مسمى باسم لتعلق بمسماه عند أهل اللسان فكذلك يتعلق الحكم بالمسمى إحياء عند أهل العرف, ولأن النبي -ﷺ- لا يعلق حكما على ما ليس إلى معرفته طريق فلما لم يبينه تعين العرف طريقا لمعرفته, إذ ليس له طريق سواه إذا ثبت هذا فإن الأرض تحيي دارا للسكنى وحظيرة, ومزرعة فإحياء كل واحدة من ذلك بتهيئتها للانتفاع الذي أريدت له فأما الدار, فبأن يبني حيطانها بما جرت به العادة ويسقفها لأنها لا تكون للسكنى إلا بذلك وأما الحظيرة فإحياؤها بحائط جرت به عادة مثلها وليس من شرطها التسقيف لأن العادة ذلك من غير تسقيف وسواء أرادها حظيرة للماشية, أو للخشب أو للحطب أو نحو ذلك ولو خندق عليها خندقا, لم يكن إحياء لأنه ليس بحائط ولا عمارة إنما هو حفر وتخريب وإن خاطها بشوك وشبهه لم يكن إحياء, وكان تحجرا لأن المسافر قد ينزل منزلا ويحوط على رحله بنحو من ذلك ولو نزل منزلا فنصب به بيت شعر أو خيمة, لم يكن إحياء وإن أرادها للزراعة فبأن يهيئها لإمكان الزرع فيها فإن كانت لا تزرع إلا بالماء, فبأن يسوق إليها ماء من نهر أو بئر وإن كانت مما لا يمكن زرعها لكثرة أحجارها كأرض الحجاز, فبأن يقلع أحجارها وينقيها حتى تصلح للزرع وإن كانت غياضا وأشجارا كأرض الشعرى, فبأن يقلع أشجارها ويزيل عروقها التي تمنع الزرع وإن كانت مما لا يمكن زرعه إلا بحبس الماء عنها كأرض البطائح التي يفسدها غرقها بالماء لكثرته, فإحياؤها بسد الماء عنها وجعلها بحال يمكن زرعها لأن بذلك يمكن الانتفاع بها فيما أرادها من غير حاجة إلى تكرار ذلك في كل عام فكان إحياء, كسوق الماء إلى الأرض التي لا ماء لها ولا يعتبر في إحياء الأرض حرثها ولا زرعها لأن ذلك مما يتكرر كلما أراد الانتفاع بها فلم يعتبر في الإحياء كسقيها, وكالسكنى في البيوت ولا يحصل بذلك إذا فعله لمجرده لما ذكرنا ولا يعتبر في إحياء الأرض للسكنى نصب الأبواب على البيوت وبهذا قال الشافعي, فيما ذكرنا في الرواية الثانية إلا أن له وجها في أن حرثها وزرعها إحياء لها وأن ذلك معتبر في إحيائها, ولا يتم بدونه وكذلك نصب الأبواب على البيوت لأنه مما جرت العادة به فأشبه التسقيف ولا يصح هذا لما ذكرنا, ولأن السكنى ممكنة بدون نصب الأبواب فأشبه تطيين سطوحها وتبييضها.
مسألة: قال: [ أو يحفر فيها بئرا فيكون له خمس وعشرون ذراعا حواليها, وإن سبق إلى بئر عادية فحريمها خمسون ذراعا ] البئر العادية بتشديد الياء: القديمة, منسوبة إلى عاد ولم يرد عادا بعينها لكن لما كانت عاد في الزمن الأول, وكانت لها آثار في الأرض نسب إليها كل قديم فكل من حفر بئرا في موات للتمليك, فله حريمها خمس وعشرون ذراعا من كل جانب ومن سبق إلى بئر عادية كان أحق بها لقول النبي -ﷺ-: (من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له وله حريمها خمسون ذراعا من كل جانب) نص أحمد على هذا في رواية حرب, وعبد الله واختاره أكثر أصحابنا وقال القاضي وأبو الخطاب: ليس هذا على طريق التحديد بل حريمها على الحقيقة ما تحتاج إليه في ترقية مائها منها فإن كان بدولاب فقدر مدار الثور أو غيره وإن كان بساقية فبقدر طول البئر لما روي عن النبي -ﷺ- أنه قال: (حريم البئر مد رشائها) أخرجه ابن ماجه ولأنه المكان الذي تمشي إليه البهيمة وإن كان يستقي منها بيده, فبقدر ما يحتاج إليه الواقف عندها وإن كان المستخرج عينا فحريمها القدر الذي يحتاج إليه صاحبها للانتفاع بها ولا يستضر بأخذه منها ولو على ألف ذراع وحريم النهر من جانبيه ما يحتاج إليه لطرح كرايته بحكم العرف في ذلك لأن هذا إنما ثبت للحاجة, فينبغي أن تراعى فيه الحاجة دون غيرها وقال أبو حنيفة: حريم البئر أربعون ذراعا وحريم العين خمسمائة ذراع لأن أبا هريرة روى عن النبي -ﷺ- أنه قال: (حريم البئر أربعون ذراعا لأعطان الإبل والغنم) وعن الشعبي مثله رواه أبو عبيد ولنا ما روى الدارقطني والخلال, بإسنادهما عن النبي -ﷺ- أنه قال: (حريم البئر البدي خمس وعشرون ذراعا وحريم البئر العادي خمسون ذراعا) وهذا نص وروى أبو عبيد بإسناده عن يحيى بن سعيد الأنصاري, أنه قال: السنة في حريم القليب العادي خمسون ذراعا والبدي خمس وعشرون ذراعا وبإسناده عن سعيد بن المسيب قال: حريم البئر البدي خمس وعشرون ذراعا من نواحيها كلها, وحريم بئر الزرع ثلاثمائة ذراع من نواحيها كلها وحريم البئر العادية خمسون ذراعا من نواحيها كلها ولأنه معنى يملك به الموات فلا يقف على قدر الحاجة, كالحائط ولأن الحاجة إلى البئر لا تنحصر في ترقية الماء فإنه يحتاج إلى ما حولها عطنا لإبله وموقفا لدوابه وغنمه, وموضعا يجعل فيه أحواضا يسقي منها ماشيته وموقفا لدابته التي يستقي عليها وأشباه ذلك فلا يختص الحريم بما يحتاج إليه لترقية الماء, وأما حديث أبي حنيفة فحديثنا أصح منه ورواهما أبو هريرة, فيدل على ضعفه إذا ثبت هذا فظاهر كلام الخرقي أن هذا الحريم مملوك لصاحب البئر وعند الشافعي والقاضي, ليس بمملوك وقد سبق ذكر هذا.
فصل: ولا بد أن يكون البئر فيها ماء وإن لم يصل إلى الماء فهو كالمتحجر الشارع في الإحياء, على ما قدمناه ويجب أن يحمل قوله في البئر العادية على البئر التي انطمت وذهب ماؤها فجدد حفرها وعمارتها أو انقطع ماؤها, فاستخرجه ليكون ذلك إحياء لها وأما البئر التي لها ماء ينتفع به المسلمون فليس لأحد احتجاره ومنعه لأنه يكون بمنزلة المعادن الظاهرة, التي يرتفق بها الناس وهكذا العيون النابعة ليس لأحد أن يختص بها ولو حفر رجل بئرا للمسلمين ينتفعون بها, أو لينتفع هو بها مدة إقامته عندها ثم يتركها لم يملكها وكان له الانتفاع بها فإذا تركها صارت للمسلمين كلهم, كالمعادن الظاهرة وما دام مقيما عندها فهو أحق بها لأنه سابق إليها فهو كالمتحجر الشارع في الإحياء.
فصل: وإذا كان لإنسان شجرة في موات, فله حريمها قدر ما تمد إليه أغصانها حواليها وفي النخلة مد جريدها لما روى أبو داود بإسناده عن أبي سعيد, قال: (اختصم إلى النبي -ﷺ- في حريم نخلة فأمر بجريدة من جرائدها فذرعت فكانت سبعة أذرع أو خمسة أذرع, فقضى بذلك) وإن غرس شجرة في موات فهي له وحريمها وإن سبق إلى شجر مباح كالزيتون والخروب, فسقاه وأصلحه فهو أحق به كالمتحجر الشارع في الإحياء, فإن طعمه ملكه بذلك وحريمه لأنه تهيأ للانتفاع به لما يراد منه فهو كسوق الماء إلى الأرض الموات ولقول النبي -ﷺ-: (من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به).
فصل: ومن كانت له بئر فيها ماء, فحفر آخر قريبا منها بئرا ينسرق إليها ماء البئر الأولى فليس له ذلك سواء كان محتفر الثانية في ملكه, مثل رجلين متجاورين في دارين حفر أحدهما في داره بئرا ثم حفر الآخر بئرا أعمق منها, فسرى إليها ماء الأولى أو كانتا في موات فسبق أحدهما, فحفر بئرا ثم جاء آخر فحفر قريبا منها بئرا تجتذب ماء الأولى ووافق الشافعي في هذه الصورة الثانية لأنه ليس له أن يبتدئ ملكه على وجه يضر بالمالك قبله وقال في الأولى: له ذلك لأنه تصرف مباح في ملكه فجاز له فعله, كتعلية داره وهكذا الخلاف في كل ما يحدثه الجار مما يضر بجاره مثل أن يجعل داره مدبغة أو حماما يضر بعقار جاره بحمى ناره ورماده ودخانه, أو يحفر في أصل حائطه حشا يتأذى جاره برائحته وغيرها أو يجعل داره مخبزا في وسط العطارين ونحوه مما يؤذي جيرانه, فلا يحل له ذلك وقال الشافعي: له ذلك كله لأنه تصرف مباح في ملكه أشبه بناءه ونقضه ولنا قول النبي -ﷺ-: (لا ضرر ولا ضرار) ولأنه إحداث ضرر بجاره, فلم يجز كالدق الذي يهز الحيطان ويخربها وكإلقاء السماد والتراب ونحوه في أصل حائطه على وجه يضر به ولو كان لرجل مصنع ماء, فأراد جاره غرس شجرة تين قريبا منه أو نحوها مما تسري عروقه فتشق حائط مصنع جاره ويتلفه لم يملك ذلك, وكان لجاره منعه وقلعها إن غرسها ولو كان هذا الذي يحصل منه الضرر سابقا مثل من له في ملكه مدبغة أو مقصرة فأحيا إنسان إلى جانبه مواتا, وبناه دارا يتضرر بذلك لم يلزم إزالة الضرر, بغير خلاف نعلمه لأنه لم يحدث ضررا والله تعالى أعلم.
مسألة: قال: [ وسواء في ذلك ما أحياه أو سبق إليه بإذن الإمام أو غير إذنه ] وجملة ذلك, أن إحياء الموات لا يفتقر إلى إذن الإمام وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة: يفتقر إلى إذنه لأن للإمام مدخلا في النظر في ذلك, بدليل أن من تحجر مواتا فلم يحيه فإنه يطالبه بالإحياء أو الترك فافتقر إلى إذنه, كمال بيت المال ولنا عموم قوله عليه السلام: (من أحيا أرضا ميتة فهي له) ولأن هذا عين مباحة فلا يفتقر تملكها إلى إذن الإمام, كأخذ الحشيش والحطب ونظر الإمام في ذلك لا يدل على اعتبار إذنه ألا ترى أن من وقف في مشرعة, طالبه الإمام أن يأخذ حاجته وينصرف ولا يفتقر ذلك إلى إذنه وأما مال بيت المال فإنما هو مملوك للمسلمين, وللإمام ترتيب مصارفه فافتقر إلى إذنه بخلاف مسألتنا فإن هذا مباح, فمن سبق إليه كان أحق الناس به كالحشيش والحطب والصيود والثمار المباحة في الجبال.
فصل: فأما ما سبق إليه فهو الموات إذا سبق إليه فتحجره كان أحق, وإن سبق إلى بئر عادية فشرع فيها يعمرها كان أحق بها ومن سبق إلى مقاعد الأسواق والطرقات, أو مشارع المياه والمعادن الظاهرة والباطنة وكل مباح مثل الحشيش والحطب والثمار المأخوذة من الجبال وما ينبذه الناس رغبة عنه, أو يضيع منهم مما لا تتبعه النفس واللقطة واللقيط وما يسقط من الثلج وسائر المباحات, من سبق إلى شيء من هذا فهو أحق به ولا يحتاج إلى إذن الإمام, ولا إذن غيره لقول النبي -ﷺ-: (من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به).
========
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق