17-المغني - كتاب الوكالة المغني موفق الدين أبو محمد عبد الله بن قدامة المقدسي الحنبلي
(الجزء الخامس عشر – كتاب الوكالة)
(الجزء الخامس عشر – كتاب الوكالة)
• كتاب الوكالة o فصل: الضوابط العامة لمن يصح منه التوكيل والتوكل o فصل: للمكاتب أن يوكل فيما يتصرف فيه بنفسه o مسألة: بيان الأمور التي يجوز التوكيل فيها فصل: التوكيل في مطالبة الحقوق وإثباتها فصل: لا يصح التوكيل في الشهادة فصل: أحكام التوكيل في حقوق الله تعالى فصل: كل ما جاز التوكيل فيه جاز استيفاؤه في حضرة الموكل وغيبته فصل: اشتراط الايجاب والقبول في الوكالة فصل: تعليق الوكالة على شرط فصل: التوكيل بجعل وغير جعل فصل: لا تصح الوكالة إلا في تصرف معلوم فصل: لا تصح الوكالة إلا في تصرف معلوم o مسألةالأمور التي يجوز للوكيل أن يوكل فيها والتي لا يجوز فصل: الوكيل ليس له أن يوكل إلا أمينا فصل: الحكم في الوصى يوكل فيما أوصى به إليه فصل: الولي في النكاح له التوكيل في تزويج موليته فصل: إذا أذن الموكل في التوكيل فوكل كان الوكيل الثاني وكيلا للموكل فصل: التوكيل في الخصومة فصل: كون الوكيل يملك تسليم ما وكل في بيعه فصل: التوكيل في بيع شيء أو طلب الشفعة أو قسم شيء فصل: وإن وكله في شراء شيء ملك تسليم ثمنه فصل: إذا وكله في قبض دين من رجل فمات o مسألة: أحكام اختلاف الموكل والوكيل إذا ادعى تلف الثمن فصل: اختلافهما في البيع نقدا أو نسيئة فصل: متى قبض الوكيل الثمن فهو أمانة في يده فصل: حكم ما إذا وكله في شراء نقدا فاشترى مؤجلا o مسألة: التوكيل في قضاء الدين وفروع فيه فصل: فروع في الاشهاد على تصرفات الوكيل فصل: إذا كان على رجل دين وعنده وديعة فصل: إن جاء رجل فقال أنا وارث صاحب الحق فصل: من طلب منه حق فامتنع من دفعه حتى يشهد القابض على نفسه بالقبض o مسألة: حكم شراء الوكيل والوصي من نفسهما فصل: الحكم في الحاكم وأمينه، كالحكم في الوكيل فصل: إن وكل رجلا يتزوج له امرأة فصل: إن وكله رجل في بيع عبده ووكله آخر في شراء عبد فصل: إذا أذن للوكيل أن يشتري من نفسه جاز له فصل: إذا وكل عبدا يشتري نفسه من سيده أو يشتري منه عبدا آخر ففعل فصل: إن وكل عبده في إعتاق نفسه أو امرأته في طلاق نفسها صح فصل: إن وكله في إخراج صدقة على المساكين وهو مسكين o مسألة: شراء الرجل لنفسه من مال ولده الطفل o مسألة: تصرف الوكيل بعد موت الموكل أو فسخه فصل: خروج الوكيل أو الموكل عن أهلية التصرف فصل: لا تبطل الوكالة بالتعدى فيما وكل فيه فصل: إن وكل امرأته في بيع أو شراء أو غيره ثم طلقها لم تنفسخ الوكالة فصل: وكالة المسلم للكافر فصل: لو وكل رجلا في نقل امرأته أو بيع عبده فصل: تلف العين التي وكل فيها يبطل الوكالة فصل: فروع دفع في الغريم الدين إلى الوكيل في القبض o مسألة: التوكيل في طلاق الزوجة وأحكامه o مسألة: شراء الوكيل غير ما وكل في شرائه وأحكامه فصل: إن وكله في أن يتزوج له امرأة فتزوج له غيرها
= فصل:
إذا قال لرجل اشتر لي بدينى عليك طعاما لم يصح فصل: لا يملك الوكيل من التصرف إلا ما يقتضيه إذن موكله فصل: إن وكله في عقد فاسد لم يملكه فصل: إن وكله في بيع عبد أو حيوان ونحوه أو شرائه لم يملك العقد على بعضه فصل: فروع التوكيل في الشراء فصل: مالا يجوز للوكيل مخالفة الموكل فيه فصل: إذا وكله في بيع سلعة نسيئة بدون ما عينه له فصل: وإن وكله في الشراء بثمن نقدا فاشتراه نسيئة بأكثر فصل: ليس له أن يبيع بدون ثمن المثل أو دون ما قدره له فصل: من وكل في بيع عبد بمائة فباعه بأكثر منها فصل: فروع تصرفات الوكيل المخالفة لإذن الموكل فصل: إن وكله في شراء عبد بعينه بمائة فاشتراه بخمسين فصل: إن وكله في شراء عبد موصوف بمائة فاشتراه على الصفة بدونها فصل: وإن وكله في شراء شاة بدينار, فاشترى شاتين فصل: وإذا وكله في شراء سلعة موصوفة لم يجز أن يشتريها إلا سليمة فصل: إن أمره بشراء سلعة بعينها فاشتراها, فوجدها معيبة فصل: انتقال الملك من البائع إلى الموكل في شراء الوكيل فصل: إذا دفع إلى رجل ثوبا ليبيعه ففعل فوهب له المشترى منديلا فصل: الشهادة على الوكالة وأحكامها فصل: اختلاف الشهادة على الوكالة فصل: لا تثبت الوكالة والعزل بخبر الواحد فصل: يصح سماع البينة بالوكالة على الغائب فصل: تقبل شهادة الوكيل على موكله لعدم التهمة فصل: إذا كانت الأمة بين نفسين فشهدا أن زوجها وكل في طلاقها فصل: إذا حضر رجلان عند الحاكم فأقر أحدهما أن الآخر وكله ثم غاب الموكل فصل: لو حضر عند الحاكم رجل, فادعى أنه وكيل فلان الغائب فصل: لو حضر رجل وادعى على غائب فصل: إذا قال بع هذا الثوب بعشرة فما زاد عليها فهو لك
كتاب الوكالة وهي جائزة بالكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقول الله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها} فجوز العمل عليها, وذلك بحكم النيابة عن المستحقين وأيضا قوله تعالى: {فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه} وهذه وكالة وأما السنة فروى أبو داود, والأثرم وابن ماجه عن الزبير بن الخريت, عن أبي لبيد لمازة بن زبار عن عروة بن الجعد قال: عرض للنبي -ﷺ- جلب فأعطاني دينارا, فقال: (يا عروة ائت الجلب فاشتر لنا شاة) قال: فأتيت الجلب, فساومت صاحبه فاشتريت شاتين بدينار فجئت أسوقهما, أو أقودهما فلقينى رجل بالطريق فساومني, فبعت منه شاة بدينار فأتيت النبي -ﷺ- بالدينار وبالشاة فقلت: يا رسول الله هذا ديناركم, وهذه شاتكم قال: (وصنعت كيف؟) قال: فحدثته الحديث قال: (اللهم بارك له في صفقة يمينه) هذا لفظ رواية الأثرم وروى أبو داود بإسناده عن جابر بن عبد الله قال: أردت الخروج إلى خيبر, فأتيت رسول الله -ﷺ- فقلت له: إني أردت الخروج إلى خيبر فقال: (ائت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقا فإن ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته) وروي عنه -ﷺ- أنه وكل عمرو بن أمية الضمري في قبول نكاح أم حبيبة وأبا رافع في قبول نكاح ميمونة. وأجمعت الأمة على جواز الوكالة في الجملة ولأن الحاجة داعية إلى ذلك فإنه لا يمكن كل واحد فعل ما يحتاج إليه, فدعت الحاجة إليها. فصل
وكل من صح تصرفه في شيء بنفسه وكان مما تدخله النيابة صح أن يوكل فيه رجلا كان أو امرأة, حرا أو عبدا مسلما كان أو كافرا وأما من يتصرف بالإذن كالعبد المأذون له, والوكيل والمضارب فلا يدخلون في هذا لكن يصح من العبد التوكيل فيما يملكه دون سيده, كالطلاق والخلع وكذلك الحكم في المحجور عليه لسفه لا يوكل إلا فيما له فعله من الطلاق والخلع, وطلب القصاص ونحوه وكل ما يصح أن يستوفيه بنفسه وتدخله النيابة, صح أن يتوكل لغيره فيه إلا الفاسق فإنه يصح أن يقبل النكاح لنفسه وذكر القاضي أنه لا يصح أن يقبله لغيره وكلام أبي الخطاب يقتضي جواز ذلك وهو القياس ولأصحاب الشافعي في ذلك وجهان, كهذين فأما توكيله في الإيجاب فلا يجوز إلا على الرواية التي تثبت الولاية له وذكر أصحاب الشافعي في ذلك وجهين أحدهما: يجوز توكيله لأنه ليس بولي ووجه الوجه الآخر أنه موجب للنكاح, أشبه الولي ولأنه لا يجوز أن يتولى ذلك بنفسه فلم يجز أن يتوكل فيه كالمرأة ويصح توكيل المرأة في طلاق نفسها, وطلاق غيرها ويصح توكيل العبد في قبول النكاح لأنه ممن يجوز أن يقبله لنفسه وإنما يقف ذلك على إذن سيده ليرضى بتعلق الحقوق به ومن لا يملك التصرف في شيء لنفسه لا يصح أن يتوكل فيه, كالمرأة في عقد النكاح وقبوله والكافر في تزويج مسلمة والطفل والمجنون في الحقوق كلها. فصل
وللمكاتب أن يوكل فيما يتصرف فيه بنفسه وله أن يتوكل بجعل, لأنه من اكتساب المال ولا يمنع المكاتب من الاكتساب وليس له أن يتوكل لغيره بغير جعل إلا بإذن سيده لأن منافعه كأعيان ماله, وليس له بذل عين ماله بغير عوض وللعبد أن يتوكل بإذن سيده وليس له التوكيل بغير إذن سيده وإن كان مأذونا له في التجارة لأن الإذن في التجارة لا يتناول التوكيل وتصح وكالة الصبي المراهق, إذا أذن له الولي لأنه ممن يصح تصرفه. مسألة
قال: [ويجوز التوكيل في الشراء والبيع ومطالبة الحقوق والعتق والطلاق, حاضرا كان الموكل أو غائبا] لا نعلم خلافا في جواز التوكيل في البيع والشراء وقد ذكرنا الدليل عليه من الآية والخبر ولأن الحاجة داعية إلى التوكيل فيه لأنه قد يكون ممن لا يحسن البيع والشراء أو لا يمكنه الخروج إلى السوق وقد يكون له مال ولا يحسن التجارة فيه, وقد يحسن ولا يتفرغ وقد لا تليق به التجارة لكونه امرأة أو ممن يتعير بها, ويحط ذلك من منزلته فأباحها الشرع دفعا للحاجة وتحصيلا لمصلحة الآدمي المخلوق لعبادة الله سبحانه ويجوز التوكيل في الحوالة, والرهن والضمان والكفالة, والشركة الوديعة والمضاربة, والجعالة والمساقاة والإجارة, والقرض والصلح والوصية, والهبة والوقف والصدقة, والفسخ والإبراء لأنها في معنى البيع في الحاجة إلى التوكيل فيها فيثبت فيها حكمه ولا نعلم في شيء من ذلك اختلافا ويجوز التوكيل في عقد النكاح في الإيجاب والقبول لأن النبي -ﷺ- وكل عمرو بن أمية, وأبا رافع في قبول النكاح له. ولأن الحاجة تدعو إليه فإنه ربما احتاج إلى التزوج من مكان بعيد, لا يمكنه السفر إليه فإن النبي -ﷺ- تزوج أم حبيبة وهي يومئذ بأرض الحبشة ويجوز التوكيل في الطلاق, والخلع والرجعة والعتاق لأن الحاجة تدعو إليه, كدعائها إلى التوكيل في البيع والنكاح ويجوز التوكيل في تحصيل المباحات كإحياء الموات وإسقاء الماء, والاصطياد والاحتشاش لأنها تملك مال بسبب لا يتعين عليه فجاز التوكيل فيه, كالابتياع والاتهاب ويجوز التوكيل في إثبات القصاص وحد القذف واستيفائهما, في حضرة الموكل وغيبته لأنهما من حقوق الآدميين وتدعو الحاجة إلى التوكيل فيهما لأن من له حق قد لا يحسن الاستيفاء, أو لا يحب أن يتولاه بنفسه. فصل
ويجوز التوكيل في مطالبة الحقوق وإثباتها والمحاكمة فيها, حاضرا كان الموكل أو غائبا صحيحا أو مريضا وبه قال مالك وابن أبى ليلى, وأبو يوسف ومحمد والشافعي وقال أبو حنيفة: للخصم أن يمنع من محاكمة الوكيل إذا كان الموكل حاضرا لأن حضوره مجلس الحكم, ومخاصمته حق لخصمه عليه فلم يكن له نقله إلى غيره بغير رضاء خصمه كالدين عليه ولنا, أنه حق تجوز النيابة فيه فكان لصاحبه الاستنابة بغير رضاء خصمه كحال غيبته ومرضه, وكدفع المال الذي عليه ولأنه إجماع الصحابة رضي الله عنهم, فإن عليا رضي الله عنه وكل عقيلا عند أبى بكر رضي الله عنه وقال: ما قضي له فلي وما قضي عليه فعلي ووكل عبد الله بن جعفر عند عثمان وقال: إن للخصومة قحما, وإن الشيطان ليحضرها وإني لأكره أن أحضرها قال أبو زياد: القحم المهالك وهذه قصص انتشرت لأنها في مظنة الشهرة, فلم ينقل إنكارها ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك فإنه قد يكون له حق, أو يدعى عليه ولا يحسن الخصومة أو لا يحب أن يتولاها بنفسه ويجوز التوكيل في الإقرار ولأصحاب الشافعي وجهان أحدهما, لا يجوز التوكيل فيه لأنه إخبار بحق فلم يجز التوكيل فيه كالشهادة ولنا, أنه إثبات حق في الذمة بالقول فجاز التوكيل فيه كالبيع, وفارق الشهادة فإنها لا تثبت الحق وإنما هو إخبار بثبوته على غيره. فصل
ولا يصح التوكيل في الشهادة لأنها تتعلق بعين الشاهد لكونها خبرا عما رآه أو سمعه, ولا يتحقق هذا المعنى في نائبه فإن استناب فيها كان النائب شاهدا على شهادته لكونه يؤدي ما سمعه من شاهد الأصل, وليس بوكيل ولا يصح في الأيمان والنذور لأنها تتعلق بعين الحالف والناذر فأشبهت العبادات البدنية والحدود ولا يصح في الإيلاء والقسامة واللعان لأنها أيمان ولا في القسم بين الزوجات لأنه يتعلق ببدن الزوج لأمر لا يوجد من غيره ولا في الرضاع لأنه يختص بالمرضعة والمرتضع لأمر يختص بإثبات لحم المرتضع, وإنشاز عظمه بلبن المرضعة ولا في الظهار لأنه قول منكر وزور فلا يجوز فعله ولا الاستنابة فيه ولا يصح في الغصب لأنه محرم ولا في الجنايات لذلك ولا في كل محرم لأنه لا يجوز له فعله, فلم يجز لنائبه. فصل
فأما حقوق الله تعالى فما كان منها حدا كحد الزنى والسرقة، جاز التوكيل في استيفائه؛ لأن النبي ﷺ قال (اغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها، فغدا عليها أنيس فاعترفت، فأمر بها فرجمت). متفق عليه. (وأمر النبي ﷺ برجم ماعز فرجموه). ووكل عثمان عليا في إقامة حد الشرب على الوليد بن عقبة. ووكل علي الحسن في ذلك، فأبى الحسن، فوكل عبد الله بن جعفر، فأقامه، وعلي يعد. رواه مسلم. ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك؛ لأن الإمام لا يمكنه تولي ذلك بنفسه. ويجوز التوكيل في إثباتها. وقال أبو الخطاب: لا يجوز في إثباتها. وهو قول الشافعي؛ لأنها تسقط بالشبهات، وقد أمرنا بدرئها بها، والتوكيل يوصل إلى الإيجاب. ولنا، حديث أنيس؛ فإن النبي ﷺ وكله في إثباته واستيفائه جميعا، فإنه قال: (فإن اعترفت فارجمها). وهذا يدل على أنه لم يكن ثبت، وقد وكله في إثباته واستيفائه جميعا. ولأن الحاكم إذا استناب، دخل في ذلك الحدود، فإذا دخلت في التوكيل بطريق العموم، وجب أن تدخل بالتخصيص بها أولى، والوكيل يقوم مقام الموكل في درئها بالشبهات. وأما العبادات، فما كان منها له تعلق بالمال، كالزكاة والصدقات والمنذورات والكفارات، جاز التوكيل في قبضها وتفريقها، ويجوز للمخرج التوكيل في إخراجها ودفعها إلى مستحقها. ويجوز أن يقول لغيره: أخرج زكاة مالي من مالك؛ لأن النبي ﷺ بعث عماله لقبض الصدقات وتفريقها، وقال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: (أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوك بذلك، فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب). متفق عليه. ويجوز التوكيل في الحج إذا أيس المحجوج عنه من الحج بنفسه، وكذلك العمرة. ويجوز أن يستناب من يحج عنه بعد الموت. وأما العبادات البدنية المحضة، كالصلاة والصيام والطهارة من الحدث، فلا يجوز التوكيل فيها؛ لأنها تتعلق ببدن من هي عليه، فلا يقوم غيره مقامه فيها، إلا أن الصيام المنذور يفعل عن الميت، وليس ذلك بتوكيل؛ لأنه لم يوكل في ذلك، ولا وكل فيه غيره. ولا يجوز في الصلاة إلا في ركعتي الطواف تبعا للحج. وفي فعل الصلاة المنذورة، وفي الاعتكاف المنذور عن الميت روايتان. ولا تجوز الاستنابة في الطهارة، إلا في صب الماء، وإيصال الماء للأعضاء، وفي تطهير النجاسة عن البدن والثوب وغيرهما . فصل
وكل ما جاز التوكيل فيه جاز استيفاؤه في حضرة الموكل وغيبته ونص عليه أحمد وهذا مذهب مالك وقال بعض أصحابنا: لا يجوز استيفاء القصاص وحد القذف في غيبة الموكل أومأ إليه أحمد وهو قول أبى حنيفة وبعض الشافعية لأنه يحتمل أن يعفو الموكل في حالة غيبته فيسقط وهذا الاحتمال شبهة تمنع الاستيفاء ولأن العفو مندوب إليه, فإذا حضر احتمل أن يرحمه فيعفو والأول ظاهر المذهب لأن ما جاز استيفاؤه في حضرة الموكل جاز في غيبته, كالحدود وسائر الحقوق واحتمال العفو بعيد والظاهر أنه لو عفا لبعث وأعلم وكيله بعفوه والأصل عدمه, فلا يؤثر ألا ترى أن قضاة رسول الله -ﷺ- كانوا يحكمون في البلاد ويقيمون الحدود التي تدرأ بالشبهات, مع احتمال النسخ؟ وكذلك لا يحتاط في استيفاء الحدود بإحضار الشهود مع احتمال رجوعهم عن الشهادة أو تغير اجتهاد الحاكم. فصل
ولا تصح الوكالة إلا بالإيجاب والقبول لأنه عقد تعلق به حق كل واحد منهما, فافتقر إلى الإيجاب والقبول كالبيع ويجوز الإيجاب بكل لفظ دل على الإذن نحو أن يأمره بفعل شيء, أو يقول: أذنت لك في فعله فإن النبي -ﷺ- وكل عروة بن الجعد في شراء شاة بلفظ الشراء وقال الله تعالى مخبرا عن أهل الكهف أنهم قالوا: {فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه} ولأنه لفظ دال على الإذن, فجرى مجرى قوله: وكلتك ويجوز القبول بقوله: قبلت وكل لفظ دل عليه ويجوز بكل فعل دل على القبول نحو أن يفعل ما أمره بفعله لأن الذين وكلهم النبي -ﷺ- لم ينقل عنهم سوى امتثال أمره ولأنه إذن في التصرف فجاز القبول فيه بالفعل, كأكل الطعام ويجوز القبول على الفور والتراخى نحو أن يبلغه أن رجلا وكله في بيع شيء منذ سنة فيبيعه أو يقول: قبلت أو يأمره بفعل شيء, فيفعله بعد مدة طويلة لأن قبول وكلاء النبي -ﷺ- لوكالته كان بفعلهم وكان متراخيا عن توكيله إياهم ولأنه إذن في التصرف والإذن قائم, ما لم يرجع عنه فأشبه الإباحة وهذا كله مذهب الشافعي.
فصل ويجوز تعليقها على شرط نحو قوله: إذا قدم الحاج فبع هذا الطعام وإذا جاء الشتاء فاشتر لنا فحما وإذا جاء الأضحى فاشتر لنا أضحية وإذا طلب منك أهلى شيئا فادفعه إليهم وإذا دخل رمضان فقد وكلتك في هذا, أو فأنت وكيلى وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي: لا يصح لكن إن تصرف صح تصرفه لوجود الإذن وإن كان وكيلا بجعل فسد المسمى, وله أجر المثل لأنه عقد يملك به التصرف في الحياة فأشبه البيع ولنا أن النبي -ﷺ- قال: (أميركم زيد فإن قتل فجعفر فإن قتل فعبد الله بن رواحة) وهذا في معناه ولأنه عقد اعتبر في حق الوكيل حكمه وهو إباحة التصرف وصحته, فكان صحيحا كما لو قال: أنت وكيلى في بيع عبدى إذا قدم الحاج ولأنه لو قال: وكلتك في شراء كذا في وقت كذا صح بلا خلاف, ومحل النزاع في معناه ولأنه إذن في التصرف أشبه الوصية والتأمير ولأنه عقد يصح بغير جعل ولا يختص فاعله بكونه من أهل القربة, فصح بالجعل كالتوكيل الناجز.
فصل ويجوز التوكيل بجعل وغير جعل فإن النبي -ﷺ- وكل أنيسا في إقامة الحد وعروة في شراء شاة, وعمرا وأبا رافع في قبول النكاح بغير جعل وكان يبعث عماله لقبض الصدقات ويجعل لهم عمالة ولهذا قال له ابنا عمه: لو بعثتنا على هذه الصدقات فنؤدى إليك ما يؤدى الناس, ونصيب ما يصيبه الناس يعنيان العمالة فإن كانت بجعل استحق الوكيل الجعل بتسليم ما وكل فيه إلى الموكل إن كان مما يمكن تسليمه, كثوب ينسجه أو يقصره أو يخيطه فمتى سلمه إلى الموكل معمولا فله الأجر وإن كان الخياط في دار الموكل فكلما عمل شيئا وقع مقبوضا, فيستحق الوكيل الجعل إذا فرغ الخياط من الخياطة وإن وكل في بيع أو شراء أو حج استحق الأجر إذا عمله وإن لم يقبض الثمن في البيع وإن قال: إذا بعت الثوب وقبضت ثمنه, وسلمته إلى فلك الأجر لم يستحق منها شيئا حتى يسلمه إليه فإن فاته التسليم لم يستحق شيئا لفوات الشرط.
فصل ولا تصح الوكالة إلا في تصرف معلوم فإن قال: وكلتك في كل شيء. أو في كل قليل وكثير. أو في كل تصرف يجوز لي. أو في كل مالي التصرف فيه. لم يصح. وبهذا قال أبو حنيفة، والشافعي. وقال ابن أبي ليلى: يصح، ويملك به كل ما تناوله لفظه؛ لأنه لفظ عام، فصح فيما يتناوله، كما لو قال: بع مالي كله. ولنا، أن في هذا غررا عظيما، وخطرا كبيرا؛ لأنه تدخل فيه هبة ماله، وطلاق نسائه، وإعتاق رقيقه، وتزوج نساء كثيرة. ويلزمه المهور الكثيرة، والأثمان العظيمة، فيعظم الضرر. وإن قال: اشتر لي ما شئت. لم يصح؛ لأنه قد يشتري ما لا يقدر على ثمنه. وقد روي عن أحمد، ما يدل على صحته؛ لقوله في رجلين، قال كل واحد منهما لصاحبه: ما اشتريت من شيء فهو بيننا: إنه جائز. وأعجبه. ولأن الشريك والمضارب وكيلان في شراء ما شاء. فعلى هذا ليس له أن يشتري إلا بثمن المثل فما دون، ولا يشتري ما لا يقدر الموكل على ثمنه، ولا ما لا يرى المصلحة له في شرائه. وإن قال: بع مالي كله، واقبض ديوني كلها. صح؛ لأنه قد يعرف ماله وديونه. وإن قال: بع ما شئت من مالي، واقبض ما شئت من ديوني. جاز؛ لأنه إذا جاز التوكيل في الجميع، ففي بعضه أولى. وإن قال: اقبض ديني كله، وما يتجدد في المستقبل. صح. وقال أصحاب الشافعي: إذا قال: بع ما شئت من مالي. لم يجز. وإن قال: من عبيدي. جاز؛ لأنه محصور بالجنس. ولنا، أن ما جاز التوكيل في جميعه، جاز في بعضه، كعبده. وإن قال: اشتر لي عبدا، تركيا، أو ثوبا هرويا. صح. وإن قال: اشتر لي عبدا، أو قال ثوبا ولم يذكر جنسه، صح أيضا. وقال أبو الخطاب: لا يصح. وهو مذهب الشافعي، لأنه مجهول. ولنا، أنه توكيل في شراء عبده، فلم يشترط ذكر نوعه، كالقراض. ولا يشترط ذكر قدر الثمن. ذكره القاضي. وقال أبو الخطاب: لا يصح حتى يذكر قدر الثمن. وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي؛ لأن العبيد تتفاوت من الجنس الواحد، وإنما تتميز بالثمن. ولنا، أنه إذا ذكر نوعا، فقد أذن في أغلاه ثمنا، فيقل الغرر، ولأن تقدير الثمن يضر، فإنه قد لا يجد بقدر الثمن. ومن اعتبر ذكر الثمن، جوز أن يذكر له أكثر الثمن وأقله .
فصل وإذا وكل وكيلين في تصرف, وجعل لكل واحد الانفراد بالتصرف فله ذلك لأنه مأذون له فيه فإن لم يجعل له ذلك فليس لأحدهما الانفراد به لأنه لم يأذن له في ذلك, وإنما يجوز له ما أذن فيه موكله وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي وإن وكلهما في حفظ ماله حفظاه معا في حرز لهما لأن قوله: افعلا كذا يقتضي اجتماعهما على فعله وهو مما يمكن, فتعلق بهما وفارق هذا قوله: بعتكما حيث كان منقسما بينهما لأنه لا يمكن كون الملك لهما على الاجتماع فانقسم بينهما فإن غاب أحد الوكيلين لم يكن للآخر أن يتصرف, ولا للحاكم ضم أمين إليه ليتصرفا لأن الموكل رشيد جائز التصرف لا ولاية للحاكم عليه فلا يضم الحاكم وكيلا له بغير أمره وفارق ما لو مات أحد الوصيين, حيث يضيف الحاكم إلى الوصى أمينا ليتصرف لكون الحاكم له النظر في حق الميت واليتيم ولهذا لو لم يوص إلى أحد أقام الحاكم أمينا في النظر لليتيم وإن حضر الحاكم أحد الوكيلين, والآخر غائب وادعى الوكالة لهما وأقام بينة سمعها الحاكم, وحكم بثبوت الوكالة لهما ولم يملك الحاضر التصرف وحده فإذا حضر الآخر تصرفا معا, ولا يحتاج إلى إعادة البينة لأن الحاكم سمعها لهما مرة فإن قيل: هذا حكم للغائب قلنا: يجوز تبعا لحق الحاضر كما يجوز أن يحكم بالوقف الذي يثبت لمن لم يخلق لأجل من يستحقه في الحال كذا ها هنا وإن جحد الغائب الوكالة, أو عزل نفسه لم يكن للآخر أن يتصرف وبما ذكرناه قال أبو حنيفة والشافعي ولا نعلم فيه خلافا وجميع التصرفات في هذا سواء وقال أبو حنيفة: إذا وكلهما في خصومة, فلكل واحد منهما الانفراد بها ولنا أنه لم يرض بتصرف أحدهما أشبه البيع والشراء.
مسألة قال: [وليس للوكيل أن يوكل فيما وكل فيه, إلا أن يجعل ذلك إليه] لا يخلو التوكيل من ثلاثة أحوال: أحدها أن ينهى الموكل وكيله عن التوكيل فلا يجوز له ذلك بغير خلاف, لأن ما نهاه عنه غير داخل في إذنه فلم يجز كما لو لم يوكله الثاني أذن له في التوكيل, فيجوز له ذلك لأنه عقد أذن له فيه فكان له فعله كالتصرف المأذون فيه ولا نعلم في هذين خلافا وإن قال له: وكلتك فاصنع ما شئت فله أن يوكل وقال أصحاب الشافعي: ليس له التوكيل في أحد الوجهين لأن التوكيل يقتضي تصرفا يتولاه بنفسه, وقوله: اصنع ما شئت يرجع إلى ما يقتضيه التوكيل من تصرفه بنفسه ولنا أن لفظه عام فيما شاء فيدخل في عمومه التوكيل الثالث, أطلق الوكالة فلا يخلو من أقسام ثلاثة أحدها أن يكون العمل مما يرتفع الوكيل عن مثله, كالأعمال الدنية في حق أشراف الناس المرتفعين عن فعلها في العادة أو يعجز عن عمله لكونه لا يحسنه أو غير ذلك, فإنه يجوز له التوكيل فيه لأنه إذا كان مما لا يعمله الوكيل عادة انصرف الإذن إلى ما جرت به العادة من الاستنابة فيه القسم الثاني أن يكون مما يعمله بنفسه, إلا أنه يعجز عن عمله كله لكثرته وانتشاره فيجوز له التوكيل في عمله أيضا لأن الوكالة اقتضت جواز التوكيل فجاز التوكيل في فعل جميعه, كما لو أذن في التوكيل بلفظه وقال القاضي: عندي أنه إنما له التوكيل فيما زاد على ما يتمكن من عمله بنفسه لأن التوكيل إنما جاز للحاجة فاختص ما دعت إليه الحاجة بخلاف وجود إذنه فإنه مطلق ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين القسم الثالث: ما عدا هذين القسمين, وهو ما يمكنه عمله بنفسه ولا يترفع عنه فهل يجوز له التوكيل فيه؟ على روايتين إحداهما, لا يجوز نقلها ابن منصور وهو مذهب أبى حنيفة وأبى يوسف والشافعي لأنه لم يأذن له في التوكيل, ولا تضمنه إذنه فلم يجز كما لو نهاه, ولأنه استئمان فيما يمكنه النهوض فيه فلم يكن له أن يوليه لمن لم يأمنه عليه كالوديعة والأخرى, يجوز نقلها حنبل وبه قال ابن أبى ليلى إذا مرض أو غاب لأن الوكيل له أن يتصرف بنفسه فملكه نيابة كالمالك والأول أولى ولا يشبه الوكيل المالك فإن المالك يتصرف بنفسه في ملكه كيف شاء, بخلاف الوكيل.
فصل وكل وكيل جاز له التوكيل فليس له أن يوكل إلا أمينا لأنه لا نظر للموكل في توكيل من ليس بأمين فيقيد جواز التوكيل بما فيه الحظ والنظر, كما أن الإذن في البيع يتقيد بالبيع بثمن المثل إلا أن يعين له الموكل من يوكله فيجوز توكيله, وإن لم يكن أمينا لأنه قطع نظره بتعيينه وإن وكل أمينا وصار خائنا فعليه عزله لأن تركه يتصرف مع الخيانة تضييع وتفريط, والوكالة تقتضى استئمان أمين وهذا ليس بأمين فوجب عزله.
فصل والحكم في الوصى يوكل فيما أوصى به إليه, وفي الحاكم يولى القضاء في ناحية يستنيب غيره حكم الوكيل فيما ذكرنا من التفصيل إلا أن المنصوص عن أحمد, في رواية مهنا جواز ذلك وهو قول الشافعي في الوصى لأن الوصى يتصرف بولاية بدليل أنه يتصرف فيما لم ينص له على التصرف فيه, والوكيل لا يتصرف إلا فيما نص له عليه والجمع بينهما أولى لأنه متصرف في مال غيره بالإذن فأشبه الوكيل وإنما يتصرف فيما اقتضته الوصية, كالوكيل إنما يتصرف فيما اقتضته الوكالة.
فصل فأما الولي في النكاح فله التوكيل في تزويج موليته بغير إذنها أبا كان أو غيره وقال القاضي في من ولايته غير ولاية الإجبار: هو كالوكيل, يخرج على الروايتين المنصوص عليهما في الوكيل ولأصحاب الشافعي فيه وجهان أحدهما لا يملك التوكيل إلا بإذنها لأنه لا يملك التزويج إلا بإذنها أشبه الوكيل, ولنا أن ولايته من غير جهتها فلم يعتبر إذنها في توكيله فيها, كالأب بخلاف الوكيل ولأنه متصرف بحكم الولاية الشرعية, أشبه الحاكم ولأن الحاكم يملك تفويض عقود الأنكحة إلى غيره بغير إذن النساء فكذلك الولي وما ذكروه يبطل بالحاكم والذي يعتبر إذنها فيه هو غير ما يوكل فيه, بدليل أن الوكيل لا يستغنى عن إذنها له في التزويج أيضا فهو كالموكل في ذلك.
فصل إذا أذن الموكل في التوكيل فوكل, كان الوكيل الثاني وكيلا للموكل لأنه لا ينعزل بموت الوكيل الأول ولا عزله, ولا يملك الأول عزل الثاني لأنه ليس بوكيله وإن أذن له أن يوكل لنفسه جاز وكان وكيلا للموكل ينعزل بموته وعزله إياه, وإن مات الموكل أو عزل الأول انعزلا جميعا لأنهما فرعان له, لكن أحدهما فرع للآخر فذهب حكمهما بذهاب أصلهما وإن وكل من غير أن يؤذن له في التوكيل نطقا بل وجد عرفا, أو على الرواية التي أجزنا له التوكيل من غير إذن فالثانى وكيل الوكيل الأول حكمه حكم ما لو أذن له أن يوكل لنفسه.
فصل إذا وكل رجلا في الخصومة, لم يقبل إقراره على موكله بقبض الحق ولا غيره وبه قال مالك والشافعي وابن أبى ليلى وقال أبو حنيفة ومحمد: يقبل إقراره في مجلس الحكم, فيما عدا الحدود والقصاص وقال أبو يوسف: يقبل إقراره في مجلس الحكم وغيره لأن الإقرار أحد جوابى الدعوى فصح من الوكيل كالإنكار ولنا, أن الإقرار معنى يقطع الخصومة وينافيها فلا يملكه الوكيل فيها كالإبراء وفارق الإنكار فإنه لا يقطع الخصومة, ويملكه في الحدود والقصاص وفي غير مجلس الحاكم ولأن الوكيل لا يملك الإنكار على وجه يمنع الموكل من الإقرار فلو ملك الإقرار, لامتنع على الموكل الإنكار فافترقا ولا يملك المصالحة عن الحق, ولا الإبراء منه بغير خلاف نعلمه لأن الإذن في الخصومة لا يقتضي شيئا من ذلك وإن أذن له في تثبيت حق لم يملك قبضه وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة: يملك قبضه لأن المقصود من التثبيت قبضه وتحصيله ولنا, أن القبض لا يتناوله الإذن نطقا ولا عرفا إذ ليس كل من يرضاه لتثبيت الحق يرضاه لقبضه وإن وكله في قبض حق فجحد من عليه الحق, كان وكيلا في تثبيته عليه في أحد الوجهين وبه قال أبو حنيفة والآخر: ليس له ذلك وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأنهما معنيان مختلفان, فالوكيل في أحدهما لا يكون وكيلا في الآخر كما لا يكون وكيلا في القبض بالتوكيل في الخصومة ووجه الأول أنه لا يتوصل إلى القبض إلا بالتثبيت فكان إذنا فيه عرفا, ولأن القبض لا يتم إلا به فملكه كما لو وكل في شراء شيء ملك وزن ثمنه, أو في بيع شيء ملك تسليمه ويحتمل أنه إن كان الموكل عالما بجحد من عليه الحق أو مطله كان توكيلا في تثبيته والخصومة فيه لعلمه بوقوف القبض عليه وإن لم يعلم ذلك, لم يكن توكيلا فيه لعدم علمه بتوقف القبض عليه ولا فرق بين كون الحق عينا أو دينا وقال بعض أصحاب أبى حنيفة: إن وكله في قبض عين لم يملك تثبيتها لأنه وكيل في نقلها أشبه الوكيل في نقل الزوجة ولنا أنه وكيل في قبض حق, فأشبه الوكيل في قبض الدين وما ذكروه يبطل بالتوكيل في قبض الدين فإنه وكيل في قبضه ونقله إليه.
فصل وإن وكله في بيع شيء ملك تسليمه لأن إطلاق التوكيل في البيع يقتضي التسليم لكونه من تمامه, ولم يملك الإبراء من ثمنه وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة: يملكه ولنا أن الإبراء ليس من البيع ولا من تتمته, فلا يكون التوكيل في البيع توكيلا فيه كالإبراء من غير ثمنه وأما قبض الثمن فقال القاضي وأبو الخطاب: لا يمكن وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأنه قد يوكل في البيع من لا يأمنه على قبض الثمن فعلى هذا إن تعذر قبض الثمن من المشتري, لم يلزم الوكيل شيء ويحتمل أن يملك قبض الثمن لأنه من موجب البيع فملكه الوكيل فيه كتسليم المبيع فعلى هذا ليس له تسليم المبيع إلا بقبض الثمن أو حضوره وإن سلمه قبل قبض ثمنه ضمنه والأولى أن ينظر فيه, فإن دلت قرينة الحال على قبض الثمن مثل توكيله في بيع ثوب في سوق غائب عن الموكل أو موضع يضيع الثمن بترك قبض الوكيل له, كان إذنا في قبضه ومتى ترك قبضه كان ضامنا له لأن ظاهر حال الموكل أنه إنما أمره بالبيع لتحصيل ثمنه فلا يرضى بتضييعه ولهذا يعد من فعل ذلك مضيعا مفرطا وإن لم تدل القرينة على ذلك, لم يكن له قبضه.
فصل وإن وكله في بيع شيء أو طلب الشفعة أو قسم شيء, ففيه وجهان أحدهما يملك تثبيته وهو قول أبى حنيفة في القسمة وطلب الشفعة لأنه لا يتوصل إلى ما وكله فيه إلا بالتثبيت والثاني لا يملكه وهو قول بعض أصحاب الشافعي لأنه يمكن أحدهما دون الآخر, فلم يتضمن الإذن في أحدهما الإذن في الآخر.
فصل وإن وكله في شراء شيء ملك تسليم ثمنه لأنه من تتمته وحقوقه فهو كتسليم المبيع في البيع والحكم في قبض المبيع كالحكم في قبض الثمن في المبيع, على ما مضى من القول فيه فإن اشترى عبدا ونقد ثمنه فخرج العبد مستحقا فهل يملك أن يخاصم البائع في الثمن؟ على وجهين فإن اشترى شيئا, وقبضه وأخر تسليم الثمن لغير عذر فهلك في يده, فهو ضامن له وإن كان له عذر مثل أن ذهب لينقده فهلك أو نحو ذلك, فلا ضمان عليه نص عليه أحمد لأنه مفرط في إمساكه كما في الصورة الأولى دون الثانية فلذلك لزمه الضمان بخلاف ما إذا لم يفرط.
فصل وإذا وكله في قبض دين من رجل, فمات نظرت في لفظه فإن قال: اقبض حقى من فلان لم يكن له قبضه من وارثه لأنه لم يؤمر بذلك وإن قال: اقبض حقى الذي قبل فلان أو على فلان فله مطالبة وارثه والقبض لأن قبضه من الوارث قبض للحق الذي على موروثه فإن قيل: فلو قال: اقبض حقى من زيد فوكل زيد إنسانا في الدفع إليه كان له القبض منه والوارث نائب الموروث, فهو كوكيله قلنا: إن الوكيل إذا دفع عنه بإذنه جرى مجرى تسليمه لأنه أقامه مقام نفسه وليس كذلك ها هنا فإن الحق انتقل إلى الورثة فاستحقت المطالبة عليهم, لا بطريق النيابة عن الموروث ولهذا لو حلف لا يفعل شيئا حنث بفعل وكيله له, ولا يحنث بفعل وارثه.
مسألة قال:[وإذا باع الوكيل ثم ادعى تلف الثمن من غير تعد فلا ضمان عليه فإن اتهم حلف] إذا اختلف الوكيل والموكل لم يخل من ستة أحوال: أحدها أن يختلفا في التلف, فيقول الوكيل تلف مالك في يدي أو الثمن الذي قبضته ثمن متاعك تلف في يدي فيكذبه الموكل فالقول قول الوكيل مع يمينه لأنه أمين وهذا مما يتعذر إقامة البينة عليه, فلا يكلف ذلك كالمودع وكذلك كل من كان في يده شيء لغيره على سبيل الأمانة كالأب والوصي, وأمين الحاكم والمودع والشريك, والمضارب والمرتهن والمستأجر, والأجير المشترك وإنما كان كذلك لأنه لو كلف ذلك مع تعذره عليه, لامتنع الناس من الدخول في الأمانات مع الحاجة إليها فيلحقهم الضرر قال القاضي: إلا أن يدعى التلف بأمر ظاهر كالحريق والنهب وشبههما, فعليه إقامة البينة على وجود هذا الأمر في تلك الناحية ثم يكون القول قوله في تلفها بذلك وهذا قول الشافعي لأن وجود الأمر الظاهر مما لا يخفى فلا تتعذر إقامة البينة عليه. الحالة الثانية, أن يختلفا في تعدى الوكيل أو تفريطه في الحفظ ومخالفته أمر موكله مثل أن يدعى عليه أنك حملت على الدابة فوق طاقتها, أو حملت عليها شيئا لنفسك أو فرطت في حفظها أو لبست الثوب, أو أمرتك برد المال فلم تفعل ونحو ذلك فالقول قول الوكيل أيضا مع يمينه لما ذكرنا في الذي قبله ولأنه منكر لما يدعى عليه, والقول قول المنكر ومتى ثبت التلف في يده من غير تعديه إما لقبول قوله وإما بإقرار موكله أو بينة, فلا ضمان عليه سواء تلف المتاع الذي أمر ببيعه أو باعه وقبض ثمنه فتلف الثمن, وسواء كان بجعل أو بغير جعل لأنه نائب المالك في اليد والتصرف فكان الهلاك في يده كالهلاك في يد المالك وجرى مجرى المودع والمضارب وشبههما وإن تعدى أو فرط, ضمن وكذلك سائر الأمناء ولو باع الوكيل سلعة وقبض ثمنها فتلف من غير تعد واستحق المبيع, رجع المشترى بالثمن على الموكل دون الوكيل لأن المبيع له فالرجوع بالعهدة عليه كما لو باع بنفسه. الحال الثالثة, أن يختلفا في التصرف فيقول الوكيل: بعت الثوب وقبضت الثمن فتلف فيقول الموكل: لم تبع ولم تقبض أو يقول: بعت ولم تقبض شيئا فالقول قول الوكيل ذكره ابن حامد وهو قول أصحاب الرأي لأنه يملك البيع والقبض, فيقبل قوله فيهما كما يقبل قول ولى المرأة المجبرة على النكاح في تزويجها ويحتمل أن لا يقبل قوله وهو أحد القولين لأصحاب الشافعي لأنه يقر بحق لغيره على موكله فلم يقبل, كما لو أقر بدين عليه وإن وكل في شراء عبد فاشتراه واختلفا في قدر ما اشتراه به, فقال: اشتريته بألف وقال: بل اشتريته بخمسمائة فالقول قول الوكيل لما ذكرناه وقال القاضي: القول قول الموكل إلا أن يكون عين له الشراء بما ادعاه فقال: اشتر لي عبدا بألف فادعى الوكيل أنه اشتراه بذلك, فالقول قول الوكيل إذا وإلا فالقول قول الموكل لأن من كان القول قوله في أصل شيء كان القول قوله في صفته وللشافعي قولان كهذين الوجهين وقال أبو حنيفة: إن كان الشراء في الذمة, فالقول قول الموكل لأنه غارم مطالب بالثمن وإن اشترى بعين المال فالقول قول الوكيل لكونه الغارم فإنه يطالبه برد ما زاد على خمس المائة ولنا أنهما اختلفا في تصرف الوكيل, فكان القول قوله كما لو اختلفا في البيع ولأنه أمين في الشراء, فكان القول قوله في قدر ثمن المشترى كالمضارب وكما لو قال له: اشتر بألف عند القاضي. الحال الرابعة, أن يختلفا في الرد فيدعيه الوكيل فينكره الموكل, فإن كان بغير جعل فالقول قول الوكيل لأنه قبض المال لنفع مالكه فكان القول قوله, كالمودع وإن كان بجعل ففيه وجهان أحدهما, أن القول قوله لأنه وكيل فكان القول قوله كالأول والثاني, لا يقبل قوله لأنه قبض المال لنفع نفسه فلم يقبل قوله في الرد كالمستعير وسواء اختلفا في رد العين أو رد ثمنها وجملة الأمناء على ضربين أحدهما, من قبض المال لنفع مالكه لا غير كالمودع والوكيل بغير جعل فيقبل قولهم في الرد لأنه لو لم يقبل قولهم لامتنع الناس من قبول هذه الأمانات, فيلحق الناس الضرر الثاني من ينتفع بقبض الأمانة كالوكيل بجعل, والمضارب والأجير المشترك والمستأجر, والمرتهن ففيهم وجهان ذكرهما أبو الخطاب وقال القاضي: لا يقبل قول المرتهن والمستأجر والمضارب في الرد لأن أحمد نص عليه في المضارب في رواية ابن منصور, ولأن من قبض المال لنفع نفسه لا يقبل قوله في الرد ولو أنكر الوكيل قبض المال ثم ثبت ذلك ببينة, أو اعتراف فادعى الرد أو التلف لم يقبل قوله لأن خيانته قد ثبتت بجحده فإن أقام بينة بما ادعاه من الرد أو التلف, فهل تقبل بينته؟ على وجهين أحدهما لا تقبل لأنه كذبها بجحده فإن قوله: ما قبضت يتضمن أنه لم يرد شيئا والثاني: تقبل لأنه يدعى الرد والتلف قبل وجود خيانته وإن كان جحوده أنك لا تستحق على شيئا, أو ما لك عندي شيء سمع قوله مع يمينه لأن جوابه لا يكذب ذلك فإنه إذا كان قد تلف أو رد, فليس له عنده شيء فلا تنافى بين القولين إلا أن يدعى أنه رده أو تلف بعد قوله: ما لك عندي شيء فلا يسمع قوله أيضا لثبوت كذبه وخيانته. الحالة الخامسة إذا اختلفا في أصل الوكالة, فقال: وكلتنى فأنكر الموكل فالقول قول الموكل لأن الأصل عدم الوكالة فلم يثبت أنه أمينه ليقبل قوله عليه ولو قال: وكلتك, ودفعت إليك مالا فأنكر الوكيل ذلك كله أو اعترف بالتوكيل وأنكر دفع المال إليه, فالقول قوله لذلك ولو قال رجل لآخر: وكلتنى أن أتزوج لك فلانة بصداق كذا ففعلت وادعت المرأة ذلك, فأنكر الموكل فالقول قوله نص عليه أحمد فقال: إن أقام البينة, وإلا لم يلزم الآخر عقد النكاح قال أحمد: ولا يستحلف قال القاضي: لأن الوكيل يدعى حقا لغيره فأما إن ادعته المرأة فينبغي أن يستحلف لأنها تدعى الصداق في ذمته فإذا حلف لم يلزمه الصداق, ولم يلزم الوكيل منه شيء لأن دعوى المرأة على الموكل وحقوق العقد لا تتعلق بالوكيل ونقل إسحاق بن إبراهيم عن أحمد أن الوكيل يلزمه نصف الصداق لأن الوكيل في الشراء ضامن للثمن, وللبائع مطالبته به كذا ها هنا والأول أولى لما ذكرناه ويفارق الشراء لأن الثمن مقصود البائع والعادة تعجيله وأخذه من المتولى للشراء, والنكاح يخالفه في هذا كله ولكن إن كان الوكيل ضمن المهر فلها الرجوع عليه بنصفه لأنه ضمنه عن الموكل, وهو مقر بأنه في ذمته وبهذا قال أبو حنيفة وأبو يوسف والشافعي وقال محمد بن الحسن: يلزم الوكيل جميع الصداق لأن الفرقة لم تقع بإنكاره, فيكون ثابتا في الباطن فيجب جميع الصداق ولنا أنه يملك الطلاق, فإذا أنكر فقد أقر بتحريمها عليه فصار بمنزلة إيقاعه لها تحرم به قال أحمد: ولا تتزوج المرأة حتى يطلق لعله يكون كاذبا في إنكاره وظاهر هذا تحريم نكاحها قبل طلاقها لأنها معترفة بأنها زوجة له, فيؤخذ بإقرارها وإنكاره ليس بطلاق وهل يلزم الموكل طلاقها؟ يحتمل أن لا يلزمه لأنه لم يثبت في حقه نكاح ولو ثبت لم يكلف الطلاق ويحتمل أن يكلفه, لإزالة الاحتمال وإزالة الضرر عنها بما لا ضرر عليه فيه فأشبه النكاح الفاسد ولو ادعى أن فلانا الغائب وكله في تزوج امرأة فتزوجها له, ثم مات الغائب لم ترثه المرأة إلا أن يصدقه الورثة, أو يثبت ببينة وإن أقر الموكل بالتوكيل في التزويج وأنكر أن يكون الوكيل تزوج له فهاهنا الاختلاف في تصرف الوكيل, والقول قول الوكيل فيه فيثبت التزويج ها هنا وقال القاضي: لا يثبت وهو قول أبى حنيفة لأنه لا تتعذر إقامة البينة عليه, لكونه لا ينعقد إلا بها وذكر أن أحمد نص عليه وأشار إلى نصه فيما إذا أنكر الموكل الوكالة من أصلها ولنا أنهما اختلفا في فعل الوكيل ما أمر به فكان القول قوله, كما لو وكله في بيع ثوب فادعى أنه باعه أو في شراء عبد بألف فادعى أنه اشتراه به وما ذكره القاضي من نص أحمد فيما إذا أنكر الموكل الوكالة فليس بنص ها هنا لاختلاف أحكام الصورتين وتباينهما, فلا يكون النص في إحداهما نصا في الأخرى وما ذكره من المعنى لا أصل له فلا يعول عليه ولو غاب رجل فجاء رجل آخر إلى امرأته, فذكر أن زوجها طلقها وأبانها ووكله في تجديد نكاحها بألف فأذنت له في نكاحها فعقد عليها, وضمن الوكيل الألف ثم جاء زوجها فأنكر هذا كله فالقول قوله, والنكاح الأول بحاله وقياس ما ذكرناه أن المرأة إن صدقت الوكيل لزمه الألف إلا أن يبينها زوجها قبل دخوله بها وحكى ذلك عن مالك, وزفر وحكى عن أبى حنيفة والشافعي أنه لا يلزم الضامن شيء لأنه فرع عن المضمون عنه, ولم يلزم المضمون عنه شيء فكذلك فرعه ولنا أن الوكيل مقر بأن الحق في ذمة المضمون عنه, وأنه ضامن عنه فلزمه ما أقر به كما لو ادعى على رجل أنه ضمن له ألفا على أجنبي, فأقر الضامن بالضمان وصحته وثبوت الحق في ذمة المضمون عنه وكما لو ادعى شفعة على إنسان في شقص اشتراه فأقر البائع بالبيع, وأنكره المشترى فإن الشفيع يستحق الشفعة في أصح الوجهين وإن لم تدع المرأة صحة ما ذكره الوكيل فلا شيء عليه ويحتمل أن من أسقط عنه الضمان أسقطه في هذه الصورة, ومن أوجبه أوجبه في الصورة الأخرى فلا يكون فيها اختلاف والله أعلم. الحال السادسة أن يختلفا في صفة الوكالة, فيقول: وكلتك في بيع هذا العبد قال: بل وكلتنى في بيع هذه الجارية أو قال: وكلتك في البيع بألفين قال: بل بألف أو قال: وكلتك في بيعه نقدا قال بل نسيئة أو قال: وكلتك في شراء عبد قال: بل في شراء أمة أو قال: وكلتك في الشراء بخمسة قال: بل بعشرة فقال القاضي: القول قول الموكل وهو مذهب الشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر وقال أبو الخطاب: إذا قال: أذنت لك في البيع نقدا, في الشراء بخمسة قال: بل أذنت لي في البيع نسيئة وفي الشراء بعشرة فالقول قول الوكيل نص عليه أحمد في المضاربة لأنه أمين في التصرف فكان القول قوله في صفته, كالخياط إذا قال: أذنت لي في تفصيله قباء قال: بل قميصا وحكى عن مالك إن أدركت السلعة فالقول قول الموكل, وإن فاتت فالقول قول الوكيل لأنها إذا فاتت لزم الوكيل الضمان والأصل عدمه, بخلاف ما إذا كانت موجودة والقول الأول أصح لوجهين: أحدهما أنهما اختلفا في التوكيل الذي يدعيه الوكيل والأصل عدمه, فكان القول قول من ينفيه كما لو لم يقر الموكل بتوكيله في غيره والثاني أنهما اختلفا في صفة قول الموكل, فكان القول قوله في صفة كلامه كما لو اختلف الزوجان في صفة الطلاق فعلى هذا إذا قال: اشتريت لك هذه الجارية بإذنك قال: ما أذنت لك إلا في شراء غيرها أو قال: اشتريتها لك بألفين فقال: ما أذنت لك في شرائها إلا بألف فالقول قول الموكل وعليه اليمين فإذا حلف برئ من الشراء, ثم لا يخلو إما أن يكون الشراء بعين المال أو في الذمة فإن كان بعين المال, فالبيع باطل وترد الجارية على البائع إن اعترف بذلك وإن كذبه في أن الشراء لغيره أو بمال غيره بغير إذنه, فالقول قول البائع لأن الظاهر أن ما في يد الإنسان له فإن ادعى الوكيل علمه بذلك حلفه إنه لا يعلم أنه اشتراه بمال موكله لأنه يحلف على نفى فعل غيره فكانت يمينه على نفى العلم فإذا حلف, أمضى البيع وعلى الوكيل غرامة الثمن لموكله ودفع الثمن إلى البائع, وتبقى الجارية في يده ولا تحل له لأنه لا يخلو من أن يكون صادقا فتكون للموكل, أو كاذبا فتكون للبائع فإذا أراد استحلالها اشتراها ممن هي له في الباطن, فإن امتنع من بيعه إياها رفع الأمر إلى الحاكم ليرفق به ليبيعه إياها, ليثبت الملك له ظاهرا وباطنا ويصير ما ثبت له في ذمته ثمنا قصاصا بالذى أخذ منه الآخر ظلما فإن امتنع الآخر من البيع, لم يجبر عليه لأنه عقد مراضاة وإن قال: إن كانت الجارية لي فقد بعتكها أو قال الموكل: إن كنت أذنت لك في شرائها بألفين فقد بعتكها ففيه وجهان أحدهما لا يصح وهو قول القاضي وبعض الشافعية لأنه بيع معلق على شرط والثاني, يصح لأن هذا أمر واقع يعلمان وجوده فلا يضر جعله شرطا, كما لو قال: إن كانت هذه الجارية جاريتى فقد بعتكها وكذلك كل شرط علما وجوده فإنه لا يوجب وقوف البيع ولا شكا فيه فأما إن كان الوكيل اشترى في الذمة ثم نقد الثمن, صح الشراء ولزم الوكيل في الظاهر فأما في الباطن, فإن كان الوكيل كاذبا في دعواه فالجارية له لأنه اشتراها في ذمته بغير أمر غيره وإن كان صادقا, فالجارية لموكله فإذا أراد إحلالها له توصل إلى شرائها منه كما ذكرنا وكل موضع كانت للموكل في الباطن فامتنع من بيعها للوكيل, فقد حصلت في يد الوكيل وهي للموكل وفي ذمته للوكيل ثمنها فأقرب الوجوه أن يأذن للحاكم في بيعها, وتوفية حقه من ثمنها فإن كانت للوكيل فقد أذن في بيعها, وإن كانت للموكل فقد باعها الحاكم في إيفاء دين امتنع المدين من وفائه وقد قيل غير ما ذكرنا وهذا أقرب -إن شاء الله تعالى- وإن اشتراها الوكيل من الحاكم بماله على الموكل, جاز لأنه قائم مقام الموكل في هذا فأشبه ما لو اشترى منه.
فصل ولو وكله في بيع عبد فباعه نسيئة, فقال الموكل: ما أذنت في بيعه إلا نقدا وصدقه الوكيل والمشترى فسد البيع وله مطالبة من شاء منهما بالعبد, إن كان باقيا أو بقيمته إن كان تالفا فإن أخذ القيمة من الوكيل رجع على المشترى بها لأن التلف في يده, فاستقر الضمان عليه وإن أخذها من المشترى لم يرجع على أحد وإن كذباه, وادعيا أنه أذن في البيع نسيئة فعلى قول القاضي: يحلف الموكل ويرجع في العين إن كانت قائمة, وإن كانت تالفة رجع بقيمتها على من شاء منهما فإن رجع على المشتري, رجع على الوكيل بالثمن الذي أخذه منه لا غير لأنه لم يسلم له المبيع وإن ضمن الوكيل لم يرجع على المشترى في الحال لأنه يقر بصحة البيع وتأجيل الثمن, وإن البائع ظلمه بالرجوع عليه وأنه إنما يستحق المطالبة بالثمن بعد الأجل فإذا حل الأجل, رجع الوكيل على المشترى بأقل الأمرين من القيمة أو الثمن المسمى لأن القيمة إن كانت أقل فما غرم أكثر منها فلا يرجع بأكثر مما غرم, وإن كان الثمن أقل فالوكيل معترف للمشترى أنه لا يستحق عليه أكثر منه وأن الموكل ظلمه بأخذ الزائد على الثمن, فلا يرجع على المشترى بما ظلمه به الموكل وإن كذبه أحدهما دون الآخر فله الرجوع على المصدق بغير يمين ويحلف على المكذب, ويرجع على حسب ما ذكرنا هذا إن اعترف المشترى بأن الوكيل وكيل في البيع وإن أنكر ذلك وقال: إنما بعتنى ملكك, فالقول قوله مع يمينه أنه لا يعلم كونه وكيلا ولا يرجع عليه بشيء.
فصل وإذا قبض الوكيل ثمن المبيع فهو أمانة في يده, لا يلزمه تسليمه قبل طلبه ولا يضمنه بتأخيره لأنه رضي بكونه في يده ولم يرجع عن ذلك فإن طلبه فأخر رده مع إمكانه فتلف, ضمنه وإن وعده برده ثم ادعى أننى كنت رددته قبل طلبه أو أنه كان تلف, لم يقبل قوله لأنه مكذب لنفسه بوعده برده فإن صدقه الموكل برئ وإن كذبه, فالقول قول الموكل فإن أقام الوكيل بينة بذلك فهل يقبل على وجهين أحدهما, يقبل لأنه لو صدقه الموكل برئ فكذلك إذا قامت له بينة ولأن البينة إحدى الحجتين, فبرئ بها كالإقرار والثاني: لا يقبل لأنه كذبه بوعده بالدفع أما إذا صدقه فقد أقر ببراءته فلم يبق له منازع وإن لم يعده برده, لكن منعه أو مطله برده مع إمكانه ثم ادعى التلف أو الرد لم يقبل قوله لأنه ضامن بالمنع, خارج عن حال الأمانة وإن أقام بما ادعاه من الرد أو التلف بينة سمعت لأنه لم يكذبها.
فصل قال أحمد في رواية أبى الحارث في رجل له على آخر دراهم, فبعث إليه رسولا يقبضها فبعث إليه مع الرسول دينارا فضاع مع الرسول, فهو من مال الباعث لأنه لم يأمره بمصارفته إنما كان من ضمان الباعث لأنه دفع إلى الرسول غير ما أمره به المرسل فإن المرسل إنما أمره بقبض ما له في ذمته, وهي الدراهم ولم يدفعها وإنما دفع دينارا عوضا عن عشرة دراهم, وهذا صرف يفتقر إلى رضي صاحب الدين وإذنه ولم يأذن فصار الرسول وكيلا للباعث في تأديته إلى صاحب الدين ومصارفته به, فإذا تلف في يد وكيله كان من ضمانه اللهم إلا أن يخبر الرسول الغريم أن رب الدين أذن له في قبض الدينار عن الدراهم فيكون حينئذ من ضمان الرسول لأنه غره وأخذ الدينار على أنه وكيل للمرسل وإن قبض منه الدراهم التي أمر بقبضها فضاعت من الرسول, فهي من ضمان صاحب الدين لأنها تلفت من يد وكيله وقال أحمد في رواية مهنا في رجل له عند آخر دنانير وثياب فبعث إليه رسولا, وقال: خذ دينارا وثوبا فأخذ دينارين وثوبين فضاعت فالضمان على الباعث يعني الذي أعطاه الدينارين والثوبين, ويرجع به على الرسول يعني عليه ضمان الدينار والثوب الزائدين إنما جعل عليه الضمان لأنه دفعهما إلى من لم يؤمر بدفعهما إليه ورجع بهما على الرسول لأنه غره وحصل التلف في يده, فاستقر عليه الضمان وللموكل تضمين الوكيل لأنه تعدى بقبض ما لم يؤمر بقبضه فإذا ضمنه لم يرجع على أحد لأن التلف حصل في يده فاستقر الضمان عليه وقال أحمد في رجل وكل وكيلا في اقتضاء دينه, وغاب فأخذ الوكيل به رهنا فتلف الرهن في يد الوكيل, فقال: أساء الوكيل في أخذ الرهن ولا ضمان عليه إنما لم يضمنه لأنه رهن فاسد والقبض في العقد الفاسد, كالقبض في الصحيح فما كان القبض في صحيحه مضمونا كان مضمونا في فاسده, وما كان غير مضمون في صحيحه كان غير مضمون في فاسده ونقل البغوى عن أحمد في رجل أعطى آخر دراهم يشتري له بها شاة, فخلطها مع دراهمه فضاعا فلا شيء عليه وإن ضاع أحدهما, أيهما ضاع غرمه قال القاضي: هذا محمول على أنه خلطها بما تميز منها ويحتمل أنه أذن له في خلطها أما إن خلطها بما لا تتميز منه بغير إذنه ضمنها كالوديعة وإنما لزمه الضمان إذا ضاع أحدهما, لأنه لا يعلم أن الضائع دراهم الموكل والأصل بقاؤها ومعنى الضمان ها هنا أنه يحسب الضائع من دراهم نفسه فأما على المحمل الآخر, وهو إذا خلطها بما تتميز منه فإذا ضاعت دراهم الموكل وحدها فلا ضمان عليه لأنها ضاعت من غير تعد منه.
مسألة قال: [ولو أمره أن يدفع إلى رجل مالا فادعى أنه دفعه إليه, لم يقبل قوله على الآمر إلا ببينة] وجملته أن الرجل إذا وكل وكيلا في قضاء دينه ودفع إليه مالا ليدفعه إليه فادعى الوكيل قضاء الدين ودفع المال إلى الغريم, لم يقبل قوله على الغريم إلا ببينة لأنه ليس بأمينه فلم يقبل قوله عليه في الدفع إليه كما لو ادعى الموكل ذلك فإذا حلف الغريم, فله مطالبة الموكل لأن ذمته لا تبرأ بدفع المال إلى وكيله فإذا دفعه فهل للموكل الرجوع على وكيله؟ ينظر فإن ادعى أنه قضى الدين بغير بينة فللموكل الرجوع عليه إذا قضاه في غيبة الموكل قال القاضي: سواء صدقه أنه قضى الحق أو كذبه وهذا قول الشافعي لأنه أذن له في قضاء يبرئه, ولم يوجد وعن أحمد رواية أخرى: لا يرجع عليه بشيء إلا أن يكون أمره بالإشهاد فلم يفعل فعلى هذه الرواية إن صدقه الموكل في الدفع, لم يرجع عليه بشيء وإن كذبه فالقول قول الوكيل مع يمينه وهذا قول أبى حنيفة ووجه لأصحاب الشافعي لأنه ادعى فعل ما أمر به موكله, فكان القول قوله كما لو أمره ببيع ثوبه فادعى أنه باعه ووجه الأول أنه مفرط بترك الإشهاد, فضمن كما لو فرط في البيع بدون ثمن المثل فإن قيل: فلم يأمره بالإشهاد؟ قلنا إطلاق الأمر بالقضاء يقتضي ذلك لأنه لا يثبت إلا به فيصير كأمره بالبيع والشراء يقتضي ذلك العرف لا العموم كذا ها هنا وقياس القول الآخر يمكن القول بموجبه وأن قوله مقبول في القضاء, لكن لزمه الضمان لتفريطه لا لرد قوله وعلى هذا لو كان القضاء بحضرة الموكل, لم يضمن الوكيل شيئا لأن تركه الإشهاد والاحتياط رضي منه بما فعل وكيله وكذلك لو أذن له في القضاء بغير إشهاد فلا ضمان على الوكيل لأن صريح قوله يقدم على ما تقتضيه دلالة الحال وكذلك إن أشهد على القضاء عدولا فماتوا أو غابوا فلا ضمان عليه لعدم تفريطه وإن أشهد من يختلف في ثبوت الحق بشهادته, كشاهد واحد أو رجل وامرأتين فهل يبرأ من الضمان؟ يخرج على روايتين وإن اختلف الوكيل والموكل فقال: قضيت الدين بحضرتك قال: بل في غيبتي, أو قال: أذنت لي في قضائه بغير بينة فأنكر الإذن أو قال: أشهدت على القضاء شهودا فماتوا فأنكره الموكل فالقول قول الموكل لأن الأصل معه.
فصل وإن وكله في إيداع ماله فأودعه ولم يشهد, فقال أصحابنا: لا يضمن إذا أنكر المودع وكلام الخرقي بعمومه يقتضي أن لا يقبل قوله على الأمر وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأن الوديعة لا تثبت إلا بالبينة فهي كالدين وقال أصحابنا: لا يصح القياس على الدين لأن قول المودع يقبل في الرد والهلاك فلا فائدة في الاستيثاق, بخلاف الدين فإن قال الوكيل: دفعت المال إلى المودع فقال: لم تدفعه فالقول قول الوكيل لأنهما اختلفا في تصرفه وفيما وكل فيه فكان القول قوله فيه.
فصل وإذا كان على رجل دين وعنده وديعة, فجاءه إنسان فادعى أنه وكيل صاحب الدين الوديعة في قبضهما وأقام بذلك بينة وجب الدفع إليه وإن لم يقم بينة, لم يلزمه دفعها إليه سواء صدقه في أنه وكيله أو كذبه وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة: إن صدقه لزمه وفاء الدين وفي دفع العين إليه روايتان أشهرهما, لا يجب تسليمها واحتج بأنه أقر له بحق الاستيفاء فلزمه إيفاؤها, كما لو أقر له أنه وارثه ولنا أنه تسليم لا يبرئه فلا يجب, كما لو كان الحق عينا وكما لو أقر بأن هذا وصى الصغير وفارق الإقرار بكونه وارثه لأنه يتضمن براءته فإنه أقر بأنه لا حق لسواه فأما إن أنكر وكالته لم يستحلف وقال أبو حنيفة: يستحلف ومبنى الخلاف على الخلاف في وجوب الدفع مع التصديق, فمن أوجب عليه الدفع مع التصديق ألزمه اليمين عند التكذيب كسائر الحقوق, ومن لم يوجب عليه الدفع مع التصديق قال: لا يلزمه اليمين عند التكذيب لعدم فائدتها فإن دفع إليه مع التصديق أو مع عدمه فحضر الموكل, وصدق الوكيل برئ الدافع وإن كذبه, فالقول قوله مع يمينه فإذا حلف وكان الحق عينا قائمة في يد الوكيل, فله أخذها وله مطالبة من شاء بردها لأن الدافع دفعها إلى غير مستحقها والوكيل عين ماله في يده فإن طالب الدافع, فللدافع مطالبة الوكيل بها وأخذها من يده ليسلمها إلى صاحبها وإن تلفت العين, أو تعذر ردها فلصاحبها الرجوع ببدلها على من شاء منهما لأن الدافع ضمنها بالدفع والمدفوع إليه قبض ما لا يستحق قبضه وأيهما ضمن لم يرجع على الآخر لأن كل واحد منهما يدعى أن ما يأخذه المالك ظلم, ويقر بأنه لم يوجد من صاحبه تعد فلا يرجع على صاحبه بظلم غيره إلا أن يكون الدافع دفعها إلى الوكيل من غير تصديقه فيما ادعاه من الوكالة فإن ضمن رجع على الوكيل لكونه لم يقر بوكالته ولا ثبتت ببينة وإن ضمن الوكيل, لم يرجع عليه وإن صدقه لكن الوكيل تعدى فيها أو فرط استقر الضمان عليه فإن ضمن لم يرجع على أحد, وإن ضمن الدافع رجع عليه لأنه وإن كان يقر أنه قبضه قبضا صحيحا لكن لزمه الضمان بتفريطه وتعديه, فالدافع يقول: ظلمنى المالك بالرجوع على وله على الوكيل حق يعترف به الوكيل فبأخذه يستوفى حقه منه فأما إن كان المدفوع دينا لم يرجع إلا على الدافع وحده لأن حقه في ذمة الدافع لم يبرأ منه بتسليمه إلى غير وكيل صاحب الحق, والذي أخذه الوكيل عين مال الدافع في زعم صاحب الحق والوكيل والدافع يزعمان أنه صار ملكا لصاحب الحق وأنه ظالم للدافع بالأخذ منه, فيرجع الدافع فيما أخذ منه الوكيل ويكون قصاصا مما أخذ منه صاحب الحق وإن كان قد تلف في يد الوكيل لم يرجع عليه بشيء لأنه مقر بأنه أمين لا ضمان عليه, إلا أن يتلف بتعديه وتفريطه فيرجع عليه.
فصل فإن جاء رجل فقال: أنا وارث صاحب الحق. فإن أنكره، لزمته اليمين أنه لا يعلم صحة ما قال؛ لأن اليمين هاهنا على نفي فعل الغير، فكانت على نفي العلم؛ لأنه لو صدقه لزمه الدفع إليه، فلما لزمه الدفع مع الإقرار، لزمته اليمين مع الإنكار. وإن صدقه في أنه وارث صاحب الحق، لا وارث له سواه، لزمه الدفع إليه. بغير خلاف نعلمه؛ لأنه مقر له بالحق، وإنه يبرأ بهذا الدفع، فلزمه، كما لو جاء صاحب الحق. فأما إن جاء رجل، فقال: قد أحالني عليك صاحب الحق. فصدقه، ففيه وجهان؛ أحدهما: لا يلزمه الدفع إليه؛ لأن الدفع إليه غير مبرئ، ولاحتمال أن يجيء المحيل فينكر الحوالة أو يضمنه، فأشبه المدعي للوكالة. والثاني، يلزمه الدفع إليه؛ لأنه معترف بأن الحق له لا لغيره، فأشبه الوارث. فإن قلنا: يلزمه الدفع مع الإقرار. لزمته اليمين مع الإنكار. وإن قلنا: لا يلزمه الدفع مع الإقرار. لم تلزمه اليمين مع الإنكار؛ لعدم الفائدة فيها. ومثل هذا مذهب الشافعي .
فصل ومن طلب منه حق فامتنع من دفعه حتى يشهد القابض على نفسه بالقبض, نظرت فإن كان الحق عليه بغير بينة لم يلزمه القاضي بالإشهاد لأنه لا ضرر عليه في ذلك فإنه متى ادعى الحق على الدافع بعد ذلك, قال: لا يستحق على شيء والقول قوله مع يمينه وإن كان الحق ثبت ببينة وكان من عليه الحق يقبل قوله في الرد كالمودع والوكيل بغير جعل, فكذلك لأنه متى ادعى عليه حق أو قامت به بينة فالقول قوله في الرد وإن كان ممن لا يقبل قوله في الرد, أو يختلف في قبول قوله كالغاصب والمستعير والمرتهن لم يلزمه تسليم ما قبله إلا بالإشهاد, لئلا ينكر القابض القبض ولا يقبل قول الدافع في الرد وإن قال: لا يستحق على شيئا قامت عليه البينة أو إذا أشهد على نفسه بالقبض لم يلزمه تسليم الوثيقة بالحق إلى من عليه الحق لأن بينة القبض تسقط البينة الأولى والكتاب ملكه, فلا يلزمه تسليمه إلى غيره.
مسألة قال: [وشراء الوكيل من نفسه غير جائز وكذلك الوصي] وجملة ذلك أن من وكل في بيع شيء، لم يجز له أن يشتريه من نفسه، في إحدى الروايتين. نقلها. مهنا. وهو مذهب الشافعي وأصحاب الرأي. وكذلك الوصي، لا يجوز أن يشتري من مال اليتيم شيئا لنفسه، في إحدى الروايتين. وهو مذهب الشافعي. وحكي عن مالك، والأوزاعي جواز ذلك فيهما. والرواية الثانية عن أحمد: يجوز لهما أن يشتريا بشرطين؛ أحدهما، أن يزيدا على مبلغ ثمنه في النداء. والثاني، أن يتولى النداء غيره. قال القاضي: يحتمل أن يكون اشتراط تولي غيره النداء واجبا، ويحتمل أن يكون مستحبا، والأول أشبه بظاهر كلامه. وقال أبو الخطاب: الشرط الثاني، أن يولي من يبيع، ويكون هو أحد المشترين. فإن قيل: فكيف يجوز له دفعها إلى غيره ليبيعها، وهذا توكيل وليس للوكيل التوكيل ؟ قلنا: يجوز التوكيل فيما لا يتولى مثله بنفسه، والنداء مما لم تجر العادة أن يتولاه أكثر الناس بنفوسهم. وإن وكل إنسانا يشتري له، وباعه هو، جاز على هذه الرواية؛ لأنه امتثل أمر موكله في البيع، وحصل غرضه من الثمن، فجاز، كما لو اشتراها أجنبي. وقال أبو حنيفة: رضي الله عنه يجوز للوصي الشراء دون الوكيل؛ لأن الله تعالى قال: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن}. وإذا اشترى مال اليتيم بأكثر من ثمن مثله، فقد قربه بالتي هي أحسن. ولأنه نائب عن الأب، وذلك جائز للأب، فكذلك لنائبه. ووجه الرواية الأولى، أن العرف في البيع بيع الرجل من غيره، فحملت الوكالة عليه، كما لو صرح به، فقال: بعه غيرك. ولأنه تلحقه التهمة، ويتنافى الغرضان في بيعه نفسه، فلم يجز، كما لو نهاه. والوصي كالوكيل، لا يلي بيع مال غيره بتوليه، فأشبه الوكيل، بل التهمة في الوصي آكد من الوكيل؛ لأن الوكيل يتهم في ترك الاستقصاء في الثمن لا غير، والوصي يتهم في ذلك، وفي أنه يشتري من مال اليتيم ما لا حظ لليتيم في بيعه، فكان أولى بالمنع، وعند ذلك لا يكون أخذه لماله قربا له بالتي هي أحسن. وقد روي عن ابن مسعود أنه قال في رجل أوصى إلى رجل بتركته، وقد ترك فرسا، فقال الوصي: اشتره ؟ قال: لا.
فصل والحكم في الحاكم وأمينه، كالحكم في الوكيل، والحكم في بيع أحد هؤلاء لوكيله، أو ولده الصغير، أو الطفل يلي عليه، أو لوكيله، أو عبده المأذون، كالحكم في بيعه لنفسه، كل ذلك يخرج على روايتين، بناء على بيعه لنفسه، أما بيعه لولده الكبير، أو والده، أو مكاتبه، فذكرهم أصحابنا أيضا في جملة ما يخرج على روايتين. ولأصحاب الشافعي فيهم وجهان. وقال أبو حنيفة: يجوز بيعه لولده الكبير؛ لأنه امتثل أمر موكله، ووافق العرف في بيع غيره، فصح، كما لو باعه لأخيه، وفارق البيع لوكيله؛ لأن الشراء إنما يقع لنفسه، وكذلك بيع عبده المأذون، وبيع طفل يلي عليه، بيع لنفسه؛ لأنه هو المشتري له، ووجه الجمع بينهم، أنه يتهم في حقهم، ويميل إلى ترك الاستقصاء عليهم في الثمن، كتهمته في حق نفسه، وكذلك لا تقبل شهادته. والحكم فيما أراد أن يشتري لموكله، كالحكم في بيعه لماله لأنهما سواء في المعنى .
فصل وإن وكل رجلا يتزوج له امرأة فهل له أن يزوجه ابنته؟ ويخرج على ما ذكرنا في الوكيل في البيع هل يبيع لولده؟ وقال أبو يوسف ومحمد: يجوز ووجه القولين ما تقدم في التي قبلها وإن أذنت له وليته في تزويجها, خرج في تزويجها لنفسه أو لولده وجهان بناء على ما ذكر في البيع وكذلك إن وكله رجل في تزويج ابنته خرج فيه مثل ذلك.
فصل وإن وكله رجل في بيع عبده ووكله آخر في شراء عبد, فقياس المذهب أنه يجوز له أن يشتريه له من نفسه لأنه أذن له في طرفي العقد فجاز له أن يليهما إذا كان غير متهم كالأب يشتري من مال ولده لنفسه ولو وكله المتداعيان في الدعوى عنهما, فالقياس جوازه لأنه تمكنه الدعوى عن أحدهما والجواب عن الآخر وإقامة حجة كل واحد منهما, ولأصحاب الشافعي في المسألة وجهان.
فصل وإذا أذن للوكيل أن يشتري من نفسه جاز له ذلك وقال أصحاب الشافعي في أحد الوجهين: لا يجوز لأنه يجتمع له في عقده غرضان, الاسترخاص لنفسه والاستقصاء للموكل وهما متضادان, فتمانعا ولنا أنه وكل في التصرف لنفسه فجاز, كما لو وكل المرأة في طلاق نفسها ولأن علة المنع هي من المشترى لنفسه في محل لاتفاق التهمة لدلالتها على عدم رضي الموكل بهذا التصرف, وإخراج هذا التصرف عن عموم لفظه وإذنه وقد صرح ها هنا بالإذن فيها فلا تبقى دلالة الحال مع نصه بلفظه على خلافه وقولهم: إنه يتضاد مقصوده في البيع والشراء قلنا: إن عين الموكل له الثمن, فاشترى به فقد زال مقصود الاستقصاء فإنه لا يراد أكثر مما قد حصل, وإن لم يعين له الثمن تقيد البيع بثمن المثل كما لو باع الأجنبى وقد ذكر أصحابنا فيما إذا وكل عبدا يشتري له نفسه من سيده وجها, أنه لا يجوز فيخرج ها هنا مثله والصحيح ما قلنا -إن شاء الله تعالى-.
فصل إذا وكل عبدا يشتري نفسه من سيده أو يشتري منه عبدا آخر, ففعل صح وبه قال أبو حنيفة وبعض الشافعية وقال بعضهم: لا يجوز لأن يد العبد كيد سيده فأشبه ما لو وكله في الشراء من نفسه, ولهذا يحكم للإنسان بما في يد عبده وذكر أصحابنا وجها كذلك ولنا أنه يجوز أن يشتري عبدا من غير مولاه فجاز أن يشتريه من مولاه كالأجنبي, وإذا جاز أن يشتري غيره جاز أن يشتري نفسه كما أن المرأة لما جاز توكيلها في طلاق غيرها, جاز في طلاق نفسها والوجه الذي ذكره أصحابنا لا يصح لأن أكثر ما يقدر ها هنا جعل توكيل العبد كتوكيل سيده وقد ذكرنا صحة توكيل السيد في الشراء والبيع من نفسه فهاهنا أولى فعلى هذا, إذا قال العبد: اشتريت نفسى لزيد فصدقه سيده وزيد صح ولزم زيدا الثمن وإن قال السيد: ما اشتريت نفسك إلا لنفسك عتق العبد بقوله وإقراره على نفسه بما يعتق به, ويلزم العبد الثمن في ذمته لسيده لأن زيدا لا يلزمه الثمن لعدم حصول العبد له وكون سيده لا يدعيه عليه فلزم العبد, لأن الظاهر ممن باشر العقد أنه له وإن صدقه السيد وكذبه زيد نظرت في تكذيبه فإن كذبه في الوكالة, حلف وبرئ وللسيد فسخ البيع واسترجاع عبده لتعذر ثمنه, وإن صدقه في الوكالة وكذبه في أنك ما اشتريت نفسك لي فالقول قول العبد لأن الوكيل يقبل قوله في التصرف المأذون فيه.
فصل وإن وكل عبده في إعتاق نفسه أو امرأته في طلاق نفسها, صح وإن وكل العبد في إعتاق عبيده والمرأة في طلاق نسائه لم يملك العبد إعتاق نفسه, ولا المرأة طلاق نفسها لأن ذلك ينصرف بإطلاقه إلى التصرف في غيره ويحتمل أن لهما ذلك أخذا من عموم لفظه كما يجوز للوكيل في البيع, البيع من نفسه في إحدى الروايتين وإن وكل غريما له في إبراء نفسه صح لأنه وكله في إسقاط حق عن نفسه, فأشبه توكيل العبد في إعتاق نفسه وإن وكله في إبراء غرمائه لم يكن له أن يبرئ نفسه كما لو وكله في حبس غرمائه, لم يملك حبس نفسه ولو وكله في خصومتهم لم يكن وكيلا في خصومة نفسه ويحتمل أن يملك إبراء نفسه لما ذكرنا من قبل وإن وكل المضمون عنه في إبراء الضامن فأبرأه, صح ولا يبرأ المضمون عنه وإن وكل الضامن في إبراء المضمون عنه أو الكفيل في إبراء المكفول عنه فأبرأه, صح وبرئ الوكيل ببراءته لأنه فرع عليه فإذا برئ الأصل برئ الفرع ببراءته.
فصل وإن وكله في إخراج صدقة على المساكين وهو مسكين, أو أوصى إليه بتفريق ثلثه على قوم وهو منهم أو دفع إليه مالا وأمره بتفريقه على من يريد أو دفعه إلى من شاء, فالمنصوص عن أحمد أنه لا يجوز له أن يأخذ منه شيئا فإن أحمد قال: إذا كان في يده مال للمساكين وأبواب البر وهو محتاج فلا يأكل منه شيئا, إنما أمره بتنفيذه وذلك لأن إطلاق لفظ الموكل ينصرف إلى دفعه إلى غيره ويحتمل أن يجوز له الأخذ إذا تناوله عموم اللفظ كالمسائل التي تقدمت ولأن المعنى الذي حصل به الاستحقاق متحقق فيه, واللفظ متناول له فجاز له الأخذ كغيره ويحتمل الرجوع في ذلك إلى قرائن الأحوال فما غلب على الظن فيه أنه أراد العموم فيه وفي غيره, فله الأخذ منه وما غلب أنه لم يرده فليس له الأخذ, وما تساوى فيه الأمران احتمل وجهين وهل له أن يعطيه لولده أو والده أو امرأته؟ فيه وجهان أولهما جوازه لدخولهم, في عموم لفظه ووجود المعنى المقتضى لجواز الدفع إليهم فأما من تلزمه مؤنته غير هؤلاء فيجوز الدفع إليهم, كما يجوز دفع صدقة التطوع إليهم. مسألة قال: [وشراء الرجل لنفسه من مال ولده الطفل جائز وكذلك شراؤه له من نفسه] يعني أن الأب يجوز أن يشتري لنفسه من مال ابنه الذي في حجره ويبيع ولده من مال نفسه وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي ومالك والأوزاعي وزادوا الجد فأباحوا له ذلك وقال زفر لا يجوز لأن حقوق العقد تتعلق بالعاقد فلا يجوز أن يتعلق به حكمان متضادان, ولأنه لا يجوز أن يكون موجبا وقابلا في عقد واحد كما لا يجوز أن يتزوج بنت عمه من نفسه ولنا أن هذا يلي بنفسه, فجاز أن يتولى طرفي العقد كالأب يزوج ابنته عبده الصغير والسيد يزوج عبده أمته ولا نسلم ما ذكره من تعلق حقوق العقد بالعاقد لغيره فأما الجد فلا ولاية له على ابن ابنه, على ما سنذكره في موضعه فينزل منزلة الأجنبى ولأن التهمة بين الأب وولده منتفية إذ من طبعه الشفقة عليه, والميل له وترك حظ نفسه لحظه فلذلك جاز وفارق الجد والوصى والحاكم وأمينه فإن التهمة غير منتفية في حقهم وأما تولى طرفي العقد, فيجوز بدليل الأصل الذي ذكرناه ولا نسلم ما ذكره فيما إذا أراد أن يتزوج ابنة عمه بل يجوز بدليل أن عبد الرحمن بن عوف قال لابنة قارظ: أتجعلين أمرك إلى؟ قالت: نعم قال: قد تزوجتك ولئن سلمنا فإن التهمة غير منتفية ثم. مسألة
قال: [وما فعل الوكيل بعد فسخ الموكل أو موته فباطل] وجملته أن الوكالة عقد جائز من الطرفين, فللموكل عزل وكيله متى شاء وللوكيل عزل نفسه لأنه إذن في التصرف فكان لكل واحد منهما إبطاله, كما لو أذن في أكل طعامه وتبطل أيضا بموت أحدهما أيهما كان وجنونه المطبق ولا خلاف في هذا كله فيما نعلم فمتى تصرف الوكيل بعد فسخ الموكل, أو موته فهو باطل إذا علم ذلك فإن لم يعلم الوكيل بالعزل ولا موت الموكل, فعن أحمد فيه روايتان وللشافعي فيه قولان وظاهر كلام الخرقي هذا أنه ينعزل علم أو لم يعلم ومتى تصرف فبان أن تصرفه بعد عزله أو موت موكله, فتصرفه باطل لأنه رفع عقد لا يفتقر إلى رضي صاحبه فلا يفتقر إلى علمه كالطلاق والعتاق والرواية الثانية عن أحمد, لا ينعزل قبل علمه بموت الموكل وعزله نص عليه في رواية جعفر بن محمد لأنه لو انعزل قبل علمه كان فيه ضرر لأنه قد يتصرف تصرفات فتقع باطلة, وربما باع الجارية فيطؤها المشترى أو الطعام فيأكله أو غير ذلك, فيتصرف فيه المشترى ويجب ضمانه ويتضرر المشترى والوكيل ولأنه يتصرف بأمر الموكل, ولا يثبت حكم الرجوع في حق المأمور قبل علمه كالفسخ فعلى هذه الرواية متى تصرف قبل العلم, نفذ تصرفه وعن أبى حنيفة أنه إن عزله الموكل فلا ينعزل قبل علمه لما ذكرنا وإن عزل الوكيل نفسه لم ينعزل إلا بحضرة الموكل لأنه متصرف بأمر الموكل, فلا يصح رد أمره بغير حضرته كالمودع في رد الوديعة ولنا ما تقدم فأما الفسخ ففيه وجهان, كالروايتين ثم هما مفترقان فإن أمر الشارع يتضمن المعصية بتركه ولا يكون عاصيا من غير علمه وهذا يتضمن العزل عنه إبطال التصرف, فلا يمنع منه عدم العلم. فصل
ومتى خرج أحدهما عن كونه من أهل التصرف مثل أن يجن أو يحجر عليه لسفه, فحكمه حكم الموت لأنه لا يملك التصرف فلا يملكه غيره من جهته قال أحمد في الشركة: إذا وسوس أحدهما فهو مثل العزل وإن حجر على الوكيل لفلس فالوكالة بحالها لأنه لم يخرج عن كونه أهلا للتصرف وإن حجر على الموكل, وكانت الوكالة في أعيان ماله بطلت لانقطاع تصرفه في أعيان ماله وإن كانت في الخصومة أو الشراء في الذمة, أو الطلاق أو الخلع أو القصاص, فالوكالة بحالها لأن الموكل أهل لذلك وله أن يستنيب فيه ابتداء فلا تنقطع الاستدامة وإن فسق الوكيل لم ينعزل لأنه من أهل التصرف, إلا أن تكون الوكالة فيما ينافيه الفسق كالإيجاب في عقد النكاح فإنه ينعزل بفسقه أو فسق موكله بخروجه عن أهلية التصرف وإن كان وكيلا في القبول للموكل, لم ينعزل بفسق موكله لأنه لا ينافى جواز قبوله وهل ينعزل بفسق نفسه؟ فيه وجهان وإن كان وكيلا فيما تشترط فيه الأمانة كوكيل ولى اليتيم وولى الوقف على المساكين, ونحو هذا انعزل بفسقه وفسق موكله بخروجهما بذلك عن أهلية التصرف وإن كان وكيلا لوكيل من يتصرف في مال نفسه انعزل بفسقه لأن الوكيل ليس له توكيل فاسق, ولا ينعزل بفسق موكله لأن موكله وكيل لرب المال ولا ينافيه الفسق ولا تبطل الوكالة بالنوم والسكر والإغماء لأن ذلك لا يخرجه عن أهلية التصرف, ولا تثبت عليه ولاية إلا أن يحصل الفسق بالسكر فيكون فيه من التفصيل ما أسلفناه. فصل
ولا تبطل الوكالة بالتعدى فيما وكل فيه, مثل أن يلبس الثوب ويركب الدابة وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي والوجه الثاني تبطل الوكالة لأنها عقد أمانة, فتبطل بالتعدى كالوديعة ولنا أنه إذا تصرف فقد تصرف بإذن موكله فصح, كما لو لم يتعد ويفارق الوديعة من جهة أنها أمانة مجردة فنافاها التعدي والخيانة والوكالة إذن في التصرف تضمنت الأمانة, فإذا انتفت الأمانة بالتعدى بقي الإذن بحاله فعلى هذا لو وكله في بيع ثوب فلبسه صار ضامنا فإذا باعه صح بيعه, وبرئ من ضمانه لدخوله في ملك المشترى وضمانه فإذا قبض الثمن كان أمانة في يده غير مضمون عليه لأنه قبضه بإذن الموكل ولم يتعد فيه ولو دفع إليه مالا, ووكله في شراء شيء فتعدى في الثمن صار ضامنا له, فإذا اشترى به وسلمه زال الضمان وقبضه للمبيع قبض أمانة وإن وجد بالمبيع عيب, فرد عليه أو وجد هو بما اشترى عيبا فرده وقبض الثمن, كان مضمونا عليه لأن العقد المزيل للضمان زال فعاد ما زال عنه. فصل
وإن وكل امرأته في بيع أو شراء أو غيره ثم طلقها, لم تنفسخ الوكالة لأن زوال النكاح لا يمنع ابتداء الوكالة فلا يقطع استدامتها وإن وكل عبده ثم أعتقه, أو باعه لم ينعزل لذلك ويحتمل أن ينعزل لأن توكيل عبده ليس بتوكيل في الحقيقة, إنما هو استخدام بحق الملك فيبطل بزوال الملك وإذا باعه فقد صار إلى ملك من لم يأذن في توكيله وثبوت ملك غيره فيه يمنع ابتداء توكيله بغير إذنه, فيقطع استدامته وهكذا الوجهان فيما إذا وكل عبد غيره ثم باعه والصحيح أن الوكالة لا تبطل لأن سيد العبد أذن له في بيع ماله والعتق لا يبطل الإذن وهكذا إن باعه إلا أن المشترى إن رضي ببقائه على الوكالة, بقي وإن لم يرض بذلك بطلت الوكالة وإن وكل عبد غيره, فأعتقه لم تبطل الوكالة وجها واحدا لأن هذا توكيل حقيقة, والعتق غير مناف له وإن اشتراه الموكل منه لم تبطل الوكالة لأن ملكه له لا ينافى إذنه له في البيع أو الشراء. فصل
وإن وكل مسلم كافرا فيما يصح تصرفه فيه صح توكيله سواء كان ذميا, أو مستأمنا أو حربيا أو مرتدا لأن العدالة غير مشترطة فيه, وكذلك الدين كالبيع وإن وكل مسلما فارتد لم تبطل الوكالة, سواء لحق بدار الحرب أو أقام وقال أبو حنيفة إن لحق بدار الحرب بطلت وكالته لأنه صار منهم ولنا أنه يصح تصرفه لنفسه, فلم تبطل وكالته كما لو لم يلحق بدار الحرب ولأن الردة لا تمنع ابتداء وكالته فلم تمنع استدامتها, كسائر الكفر وإن ارتد الموكل لم تبطل الوكالة فيما له التصرف فيه فأما الوكيل في ماله, فينبنى على تصرفه نفسه فإن قلنا: يصح تصرفه لم يبطل توكيله وإن قلنا: هو موقوف فوكالته موقوفة, وإن قلنا: يبطل تصرفه بطل توكيله وإن وكل في حال ردته ففيه الوجوه الثلاثة أيضا. فصل
ولو وكل رجلا في نقل امرأته أو بيع عبده, أو قبض داره من فلان فقامت البينة بطلاق الزوجة وعتق العبد, وانتقال الدار عن الموكل بطلت الوكالة لأنه زال تصرف الموكل فزالت وكالته. فصل
وإن تلفت العين التي وكل في التصرف فيها, بطلت الوكالة لأن محلها ذهب فذهبت الوكالة, كما لو وكله في بيع عبد فمات ولو دفع إليه دينارا ووكله في الشراء به فهلك الدينار, أو ضاع أو استقرضه الوكيل وتصرف فيه بطلت الوكالة, سواء وكله في الشراء بعينه أو مطلقا لأنه إن وكله في الشراء بعينه فقد استحال الشراء بعينه بعد تلفه فبطلت الوكالة, وإن وكله في الشراء مطلقا ونقد الدينار بطلت, أيضا لأنه إنما وكله في الشراء به ومعناه أن ينقده ثمن ذلك البيع إما قبل الشراء أو بعده, وقد تعذر ذلك بتلفه ولأنه لو صح شراؤه للزم الموكل ثمن لم يلزمه, ولا رضي بلزومه وإذا استقرضه الوكيل ثم عزل دينارا عوضه واشترى به, فهو كالشراء له من غير إذن لأن الوكالة بطلت والدينار الذي عزله عوضا لا يصير للموكل حتى يقبضه فإذا اشترى للموكل به شيئا وقف على إجازة الموكل, فإن أجازه صح ولزم الثمن وإلا لزم الوكيل وعنه يلزم الوكيل بكل حال وقال القاضي: متى اشترى بعين ماله لغيره شيئا فالشراء باطل لأنه لا يصح أن يشتري بعين ماله ما يملكه غيره وقال أصحاب الشافعي: متى اشترى لغيره بمال نفسه شيئا, صح الشراء للوكيل سواء اشتراه بعين المال أو في الذمة لأنه اشترى له ما لم يؤذن له في شرائه أشبه ما لو اشتراه في الذمة. فصل
نقل الأثرم عن أحمد, في رجل كان له على آخر دراهم فقال له: إذا أمكنك قضاؤها فادفعها إلى فلان وغاب صاحب الحق ولم يوص إلى هذا الذي أذن له في القبض, لكن جعله وكيلا وتمكن من عليه الدين من القضاء فخاف إن دفعها إلى الوكيل أن يكون الموكل قد مات, ويخاف التبعة من الورثة فقال: لا يعجبني أن يدفع إليه لعله قد مات لكن يجمع بين الوكيل والورثة ويبرأ إليهما من ذلك هذا ذكره أحمد على طريق النظر للغريم, خوفا من التبعة من الورثة إن كان مورثهم قد مات فانعزل وكيله وصار الحق لهم فيرجعون على الدافع إلى الوكيل فأما من طريق الحكم, فللوكيل المطالبة وللآخر الدفع إليه فإن أحمد قد نص في رواية حرب: إذا وكله في الحد وغاب, استوفاه الوكيل وهو أبلغ من هذا لكونه يدرأ بالشبهات لكن هذا احتياط حسن وتبرئة للغريم ظاهرا وباطنا, وإزالة للتبعة عنه وفي هذه الرواية دليل على أن الوكيل انعزل بموت الموكل وإن لم يعلم بموته لأنه اختار أن لا يدفع إلى الوكيل خوفا من أن يكون الموكل قد مات فانتقل إلى الورثة ويجوز أن يكون اختار هذا لئلا يكون القاضي ممن يرى أن الوكيل ينعزل بالموت, فيحكم عليه بالعزل به وفيها دليل على جواز تراخى القبول عن الإيجاب لأنه وكله في قبض الحق ولم يعلمه ولم يكن حاضرا فيقبل وفيها دليل على صحة التوكيل بغير لفظ التوكيل وقد نقل جعفر بن محمد في رجل قال لرجل: بع ثوبى ليس شيء حتى يقول: قد وكلتك وهذا سهو من الناقل وقد تقدم ذكر الدليل على جواز التوكيل بغير لفظ التوكيل, وهو الذي نقله الجماعة. مسألة
قال: [وإذا وكله في طلاق زوجته فهو في يده حتى يفسخ أو يطأ] وجملة ذلك أن الوكالة إذا وقعت مطلقة غير مؤقتة ملك التصرف أبدا, ما لم تنفسخ الوكالة وفسخ الوكالة أن يقول: فسخت الوكالة أو أبطلتها, أو نقضتها أو عزلتك أو صرفتك عنها, وأزلتك عنها أو ينهاه عن فعل ما أمره به أو وكله فيه وما أشبه هذا من الألفاظ المقتضية عزله أو المؤدية معناه أو يعزل الوكيل نفسه, أو يوجد ما يقتضي فسخها حكما على ما قد ذكرنا أو يزول ملكه عما قد وكله في التصرف فيه, أو يوجد ما يدل على الرجوع عن الوكالة فإذا وكله في طلاق امرأته ثم وطئها انفسخت الوكالة لأن ذلك يدل على رغبته فيها, واختياره إمساكها وكذلك إن وطئها بعد طلاقها طلاقا رجعيا كان ارتجاعا لها فإذا اقتضى رجعتها بعد طلاقها, فلأن يقتضي استبقاءها على نكاحها ومنع طلاقها أولى وإن باشرها دون الفرج أو قبلها أو فعل بها ما يحرم على غير الزوج, فهل تنفسخ الوكالة في الطلاق؟ يحتمل وجهين بناء على الخلاف في حصول الرجعة به وإن وكله في بيع عبد ثم أعتقه, أو باعه بيعا صحيحا أو كاتبه أو دبره, انفسخت الوكالة لأنه بزوال ملكه لا يبقى له إذن في التصرف فيما لا يملكه وفي الكتابة والتدبير على إحدى الروايتين لم يبق محلا للبيع وعلى الرواية الأخرى, تصرفه فيه بذلك يدل على أنه قصد الرجوع عن بيعه وإن باعه بيعا فاسدا لم تبطل الوكالة لأن ملكه في العبد لم يزل ذكره ابن المنذر. مسألة
قال: [ومن وكل في شراء شيء فاشترى غيره، كان الآمر مخيرا في قبول الشراء، فإن لم يقبل، لزم الوكيل، إلا أن يكون اشتراه بعين المال، فيبطل الشراء] وجملته أن الوكيل في الشراء إذا خالف موكله، فاشترى غير ما وكل في شرائه، مثل أن يوكله في شراء عبد فيشتري جارية، لم يخل من أن يكون اشتراه في ذمته أو بعين المال، فإن كان اشتراه في ذمته، ثم نقد ثمنه، فالشراء صحيح ؛ لأنه إنما اشترى بثمن في ذمته، وليس ذلك ملكا لغيره. وقال أصحاب الشافعي: لا يصح، في أحد الوجهين ؛ لأنه عقده على أنه للموكل، ولم يأذن فيه، فلم يصح، كما لو اشترى بعين ماله. ولنا، أنه لم يتصرف في ملك غيره، فصح كما لو لم ينوه لغيره. إذا ثبت هذا، فعن أحمد روايتان ؛ إحداهما، الشراء لازم للمشتري. وهو الوجه الثاني لأصحاب الشافعي ؛ لأنه اشترى في ذمته بغير إذن غيره، فكان الشراء له، كما لو لم ينو غيره. والرواية الثانية، يقف على إجازة الموكل، فإن أجازه لزمه ؛ لأنه اشترى له وقد أجازه، فلزمه، كما لو اشترى بإذنه، وإن لم يجزه لزم الوكيل ؛ لأنه لا يجوز أن يلزم الموكل، لأنه لم يأذن في شرائه، ولزم الوكيل ؛ لأن الشراء صدر منه، ولم يثبت لغيره، فيثبت في حقه، كما لو اشتراه لنفسه وهكذا الحكم في كل من اشترى شيئا في ذمته لغيره بغير إذنه، سواء كان وكيلا للذي قصد الشراء له، أو لم يكن وكيلا له. فأما إن اشترى بعين المال، مثل أن يقول: بعني الجارية بهذه الدنانير. أو باع مال غيره بغير إذنه، فالصحيح في المذهب أن البيع باطل. وهو مذهب الشافعي. وفيه رواية أخرى أنه صحيح، ويقف على إجازة المالك، فإن لم يجزه بطل، وإن أجازه صح ؛ لحديث عروة بن الجعد (أنه باع ما لم يؤذن له في بيعه، فأقره عليه النبي ﷺ ودعا له) ولأنه تصرف له بخير، فصح، ووقف على الإجازة، كالوصية بالزائد على الثلث. ووجه الرواية الأولى، أنه عقد على مال من لم يأذن له في العقد، فلم يصح، كما لو باع مال الصبي المراهق، ثم بلغ، فأجازه، ولأن النبي ﷺ قال لحكيم بن حزام: (لا تبع ما ليس عندك ). يعني ما لم تملك. وأما حديث عروة فإنه يحتمل أنه كان وكيلا مطلقا، بدليل أنه باع وسلم المبيع وأخذ ثمنه، وليس ذلك جائزا لمن لم يؤذن له فيه اتفاقا. ومتى حكمنا ببطلان البيع، فاعترف له العاقد معه ببطلان البيع، أو ثبت ذلك ببينة، فعليه رد ما أخذه، وإن لم يعترف بذلك، ولا قامت به بينة، حلف العاقد، ولم يلزمه رد شيء ؛ لأن الأصل أن تصرف الإنسان لنفسه، فلا يصدق على غيره فيما يبطل عقده. وإن ادعى البائع أنه باع مال غيره بغير إذنه، فالقول قول المشتري ؛ لما ذكرناه. ولو قال المشتري: إنك بعت مال غيرك بغير إذنه، فأنكر البائع ذلك. وقال: بل بعت ملكي. أو قال: بعت مال موكلي بإذنه. فالقول قوله أيضا. وإن اتفق البائع والمشتري على ما يبطل البيع، وقال الموكل: بل البيع صحيح فالقول قوله مع يمينه، ولا يلزمه رد ما أخذه من العوض. فصل
وإن وكله في أن يتزوج له امرأة فتزوج له غيرها أو تزوج له بغير إذنه, فالعقد فاسد بكل حال في إحدى الروايتين وهو مذهب الشافعي لأن من شرط صحة النكاح ذكر الزوج فإذا كان بغير إذنه, لم يقع له ولا للوكيل لأن المقصود أعيان الزوجين بخلاف البيع فإنه يجوز أن يشتري له من غير تسمية المشترى له, فافترقا والرواية الثانية يصح النكاح ويقف على إجازة المتزوج له, فإن أجازه صح وإلا بطل وهذا مذهب أبى حنيفة والقول فيه كالقول في البيع على ما تقدم. فصل
قال القاضي: إذا قال لرجل: اشتر لي بدينى عليك طعاما لم يصح ولو قال: تسلف لي ألفا من مالك في كر طعام ففعل, لم يصح لأنه لا يجوز أن يشتري الإنسان بماله ما يملكه غيره وإن قال: اشتر لي في ذمتك أو قال: تسلف لي ألفا في كر طعام واقض الثمن عنى من مالك أو من الدين الذي لي عليك صح لأنه إذا اشترى في الذمة حصل الشراء للموكل والثمن عليه, فإذا قضاه من الدين الذي عليه فقد دفع الدين إلى من أمره صاحب الدين بدفعه إليه وإن قضاه من ماله عن دين السلف الذي عليه, صار قرضا عليه. فصل
ولا يملك الوكيل من التصرف إلا ما يقتضيه إذن موكله من جهة النطق أو من جهة العرف لأن تصرفه بالإذن, فاختص بما أذن فيه والإذن يعرف بالنطق تارة وبالعرف أخرى ولو وكل رجلا في التصرف في زمن مقيد لم يملك التصرف قبله ولا بعده لأنه لم يتناوله إذنه مطلقا ولا عرفا لأنه قد يؤثر التصرف في زمن الحاجة إليه دون غيره, ولهذا لما عين الله تعالى لعبادته وقتا لم يجز تقديمها عليه ولا تأخيرها عنه فلو قال له: بع ثوبى غدا لم يجز بيعه اليوم ولا بعد غد وإن عين له المكان وكان يتعلق به غرض, مثل أن يأمره ببيع ثوبه في سوق وكان ذلك السوق معروفا بجودة النقد, أو كثرة الثمن أو حله أو بصلاح أهله, أو بمودة بين الموكل وبينهم تقيد الإذن به لأنه قد نص على أمر له فيه غرض فلم يجز تفويته وإن كان هو وغيره سواء في الغرض, لم يتقيد الإذن به وجاز له البيع في غيره لمساواته المنصوص عليه في الغرض فكان تنصيصه على أحدهما إذنا في الآخر, كما لو استأجر أو استعار أرضا لزراعة شيء كان إذنا في زراعة مثله فما دونه ولو اشترى عقارا كان له أن يسكنه مثله, ولو نذر صلاة أو اعتكافا في مسجد جاز الاعتكاف والصلاة في غيره وسواء قدر له الثمن أو لم يقدره وإن عين له المشترى فقال: بعه فلانا لم يملك بيعه لغيره, بغير خلاف علمناه سواء قدر له الثمن أو لم يقدره لأنه قد يكون له غرض في تمليكه إياه دون غيره إلا أن يعلم الوكيل بقرينة أو صريح أنه لا غرض له في عين المشترى. فصل
وإن وكله في عقد فاسد ، لم يملكه ؛ لأن الله تعالى لم يأذن فيه ، ولأن الموكل لا يملكه ، فالوكيل أولى . ولا يملك الصحيح ؛ لأن الموكل لم يأذن فيه . وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة : يملك الصحيح ؛ لأنه إذا أذن في الفاسد ، فالصحيح أولى . ولنا ، أنه أذن له في محرم ، فلم يملك الحلال بهذا الإذن ، كما لو أذن في شراء خمر وخنزير ، لم يملك شراء الخيل والغنم . فصل
وإن وكله في بيع عبد أو حيوان أو عقار ونحوه, أو شرائه لم يملك العقد على بعضه لأن التوكيل تناول جميعه وفي التبعيض إضرار بالموكل وتشقيص لملكه, ولم يأذن فيه وإن وكله في بيع عبيد أو شرائهم ملك العقد عليهم جملة واحدة واحدا واحدا لأن الإذن يتناول العقد عليهم جملة, والعرف في بيعهم وشرائهم العقد على واحد واحد ولا ضرر في جمعهم ولا إفرادهم وإن قال: اشتر لي عبيدا صفقة واحدة أو واحدا واحدا, أو بعهم لم تجز مخالفته لأن تنصيصه على ذلك يدل على غرضه فيه فلم يتناول إذنه سواه وإن قال: اشتر لي عبدين صفقة فاشترى عبدين لاثنين مشتركين بينهما من وكيلهما, أو من أحدهما بإذن الآخر جاز وإن كان لكل واحد منهما عبد مفرد فاشتراهما من المالكين, بأن أوجبا له البيع فيهما وقبل ذلك منهما بلفظ واحد فقال القاضي: لا يلزم الموكل وهو مذهب الشافعي لأن عقد الواحد مع الاثنين عقدان ويحتمل أن يلزمه لأن القبول هو الشراء, وهو متحد والغرض لا يختلف وإن اشتراهما من وكيلهما وعين ثمن كل واحد منهما, مثل أن يقول: بعتك هذين العبدين هذا بمائة وهذا بمائتين فقال: قبلت احتمل أيضا وجهين وإن لم يعين ثمن كل واحد منهما لم يصح البيع في أحد الوجهين لأن ثمن كل واحد منهما مجهول ويحتمل أن يصح ويقسط الثمن على قدر قيمتهما. فصل
فإن دفع إليه دراهم, وقال اشتر لي بهذه عبدا كان له أن يشتريه بعينها وفي الذمة لأن الشراء يقع على هذين الوجهين فإذا أطلق الوكالة, كان له فعل ما شاء منهما وإن قال: اشتر بعينها فاشتراه في ذمته ثم نقدها لم يلزم الموكل لأنه إذا تعين الثمن, انفسخ العقد بتلفه أو كونه مغصوبا ولم يلزمه ثمن في ذمته, وهذا غرض للموكل فلم تجز مخالفته ويقع الشراء للوكيل وهل يقف على إجازة الموكل؟ على روايتين وإن قال: اشتر لي في ذمتك, وانقد هذه الدراهم ثمنا فاشتراه بعينها فقال أصحابنا: يلزم الموكل لأنه أذن له في عقد يلزمه به الثمن مع بقاء الدراهم وتلفها فكان إذنا في عبد لا يلزمه الثمن إلا مع بقائها ويحتمل أن لا يصح لأنه قد يكون له غرض في الشراء بغير عينها, لكونها فيها شبهة لا يحب أن يشتري بها أو يحب وقوع العقد على وجه لا ينفسخ بتلفها ولا يبطل بتحريمها, وهذا غرض صحيح فلا يجوز تفويته عليه كما لم يجز تفويت غرضه في الصورة الأولى ومذهب الشافعي في هذا كله كنحو ما ذكرناه. فصل
وإن عين له الشراء بنقد أو حالا, لم تجز مخالفته وإن أذن له في النسيئة والبيع بأى نقد شاء جاز وإن أطلق لم يبع إلا حالا بنقد البلد لأن الأصل في البيع الحلول, وإطلاق النقد ينصرف إلى نقد البلد ولهذا لو باع عبده بعشرة دراهم وأطلق حمل على الحلول بنقد البلد وإن كان في البلد نقدان, باع بأغلبهما فإن تساويا باع بما شاء منهما وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة وصاحباه: له البيع نساء لأنه معتاد فأشبه الحال ويتخرج لنا مثل ذلك بناء على الرواية في المضارب, وقد ذكرناها والأول أولى لأنه لو أطلق البيع حمل على الحلول فكذلك إذا أطلق الوكالة فيه ولا نسلم تساوى العادة فيهما, فإن بيع الحال أكثر ويفارق المضاربة لوجهين أحدهما أن المقصود من المضاربة الربح, لا دفع الحاجة بالثمن في الحال وقد يكون المقصود في الوكالة دفع حاجة ناجزة تفوت بتأخير الثمن والثاني أن استيفاء الثمن في المضاربة على المضارب, فيعود ضرر التأخير في التقاضى عليه وها هنا بخلافه فلا يرضى به الموكل, ولأن الضرر في توى الثمن على المضارب لأنه يحسب من الربح لكون الربح وقاية لرأس المال, وها هنا يعود على الموكل فانقطع الإلحاق. فصل
إذا وكله في بيع سلعة نسيئة فباعها نقدا بدون ثمنها نسيئة, أو بدون ما عينه له لم ينفذ بيعه لأنه مخالف لموكله لأنه رضي بثمن النسيئة دون النقد وإن باعها نقدا بما تساوى نسيئة, أو عين له ثمنها فباعها به نقدا فقال القاضي: يصح لأنه زاده خيرا فكان مأذونا فيه عرفا فأشبه ما لو وكله في بيعها بعشرة فباعها بأكثر منها ويحتمل أن ينظر فيه, فإن لم يكن له غرض في النسيئة صح وإن كان فيها غرض نحو أن يكون الثمن مما يستضر بحفظه في الحال, أو يخاف عليه من التلف أو المتغلبين أو يتغير عن حاله إلى وقت الحلول فهو كمن لم يؤذن له لأن حكم الحلول لا يتناول المسكوت عنه إلا إذا علم أنه في المصلحة, كالمنطوق أو أكثر فيكون الحكم فيه ثابتا بطريق التنبيه أو المماثلة ومتى كان في المنطوق به غرض مختص به لم يجز تفويته, ولا ثبوت الحكم في غيره وقد ذكر القاضي نحو هذا في موضع آخر. فصل
وإن وكله في الشراء بثمن نقدا فاشتراه نسيئة بأكثر من ثمن النقد لم يقع للموكل وإن اشتراه نسيئة بثمنه نقدا, أو بما عينه له فهي كالتي قبلها ويصح للموكل في قول القاضي وعلى ما ذكرنا ينظر في ذلك فإن كان فيه ضرر نحو أن يستضر ببقاء الثمن معه ونحو ذلك, لم يجز كقولنا في التي قبلها ولأصحاب الشافعي في صحة الشراء وجهان. فصل
وليس له أن يبيع بدون ثمن المثل أو دون ما قدره له, ولا يشتري بأكثر من ثمن المثل أو أكثر مما قدر له وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة: إذا أطلق الوكالة في البيع, فله البيع بأى ثمن كان لأن لفظه في الإذن مطلق فيجب حمله على إطلاقه ولنا أنه توكيل مطلق في عقد معاوضة, فاقتضى ثمن المثل كالشراء فإنه وافق عليه, وما ذكره ينتقض بالشراء فإن باع بأقل من ثمن المثل أو اشترى بأكثر منه مما لا يتغابن الناس بمثله أو باع بدون ما قدره له, أو اشترى بأكثر منه فحكمه حكم من لم يؤذن له في البيع والشراء وهذا قول الشافعي وعن أحمد أن البيع جائز دون الشراء ويضمن الوكيل النقص لأن من صح بيعه بثمن المثل, صح بدونه كالمريض فعلى هذه الرواية يكون البيع صحيحا وعلى الوكيل ضمان النقص وفي قدره وجهان أحدهما, ما بين ثمن المثل وما باعه به والثاني ما بين ما يتغابن الناس به وما لا يتغابن الناس به, لأن ما يتغابن الناس به يصح بيعه به ولا ضمان عليه والأول أقيس لأنه لم يؤذن للوكيل في هذا البيع فأشبه بيع الأجنبى ولو أذن له في البيع لم يكن عليه ضمان فأشبه الشراء وكل تصرف كان الوكيل مخالفا فيه لموكله, فحكمه فيه حكم تصرف الأجنبى على ما يذكر في موضعه إن شاء الله وأما ما يتغابن الناس به عادة فمعفو عنه إذا لم يكن الموكل قدر له الثمن لأن ما يتغابن الناس به يعد ثمن المثل, ولا يمكن التحرز عنه ولو حضر من يزيد على ثمن المثل لم يجز أن يبيع بثمن المثل لأن عليه الاحتياط وطلب الحظ لموكله وإن باع بثمن المثل فحضر من يزيد في مدة الخيار, لم يلزمه فسخ العقد في الصحيح لأن الزيادة ممنوع منها منهى عنها, فلا يلزم الرجوع إليها ولأن المزايد قد لا يثبت على الزيادة فلا يلزم الفسخ بالشك ويحتمل أن يلزمه ذلك لأنها زيادة في الثمن أمكن تحصيلها, فأشبه ما لو أجاز به قبل البيع والنهى يتوجه إلى الذي زاد لا إلى الوكيل فأشبه من جاءته الزيادة قبل البيع وبعد الاتفاق عليه. فصل
ومن وكل في بيع عبد بمائة, فباعه بأكثر منها صح سواء كانت الزيادة كثيرة أو قليلة لأنه باع بالمأذون فيه وزاد زيادة تنفعه ولا تضره, وسواء كانت الزيادة من جنس الثمن المأمور به أو من غير جنسه مثل أن يأذن في بيعه بمائة درهم, فيبيعه بمائة درهم ودينار أو ثوب وقال أصحاب الشافعي: لا يصح بيعه بمائة وثوب في أحد الوجهين لأنه من غير جنس الأثمان ولنا أنها زيادة تنفعه ولا تضره, أشبه ما لو باعه بمائة ودينار ولأن الإذن في بيعه بمائة إذن في بيعه بزيادة عليها عرفا, لأن من رضي بمائة لا يكره أن يزاد عليها ثوب ينفعه ولا يضره وإن باعه بمائة دينار أو بتسعين درهما وعشرة دنانير وأشباه ذلك, أو بمائة ثوب أو بثمانين درهما وعشرين ثوبا لم يصح ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي لأنه خالف موكله في الجنس, فأشبه ما لو باعه بثوب يساوى أكثر من مائة درهم ويحتمل أن يصح فيما إذا جعل مكان الدراهم دنانير أو مكان بعضها لأنه مأذون فيه عرفا فإن من رضي بدرهم رضي مكانه بدينار, فجرى مجرى بيعه بمائة درهم ودينار وأما الثياب فلا يصح بيعه بها لأنها من غير جنس الأثمان. فصل
وإن وكله في بيع عبد بمائة فباع نصفه بها أو وكله مطلقا, فباع نصفه بثمن الكل جاز لأنه مأذون فيه من جهة العرف فإن من رضي مائة ثمنا للكل, رضي بها ثمنا للنصف ولأنه حصل له المائة وأبقى له زيادة تنفعه ولا تضره وله بيع النصف الآخر لأنه مأذون في بيعه فأشبه ما لو باع العبد كله بمثلى ثمنه ويحتمل ألا يجوز له بيعه لأنه قد حصل للموكل غرضه من الثمن ببيع نصفه, فربما لا يؤثر بيع باقيه للغنى عن بيعه بما حصل له من ثمن نصفه وهكذا القول في توكيله في بيع عبدين بمائة إذا باع أحدهما بها, صح وهل يكون له بيع العبد الآخر؟ على وجهين فأما إن وكله في بيع عبده بمائة فباع بعضه بأقل منها لم يصح وإن وكله مطلقا, فباع بعضه بأقل من ثمن الكل لم يجز وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف, ومحمد وقال أبو حنيفة: يجوز فيما إذا أطلق الوكالة بناء على أصله في أن للوكيل المطلق البيع بما شاء ولنا أن على الموكل ضررا في تبعيضه, ولم يوجد الإذن فيه نطقا ولا عرفا فلم يجز كما لو وكله في شراء عبد, فاشترى نصفه. فصل
وإن وكله في شراء عبد بعينه بمائة فاشتراه بخمسين أو بما دون المائة, صح ولزم الموكل لأنه مأذون فيه من جهة العرف وإن قال: لا تشتره بأقل من مائة فخالفه, لم يجز لأنه خالف نصه وصريح قوله مقدم على دلالة العرف فإن قال: اشتره بمائة ولا تشتره بخمسين جاز له شراؤه بما فوق الخمسين لأن إذنه في الشراء بمائة دل عرفا على الشراء بما دونها, خرج منه الخمسون بصريح النهى بقي فيما فوقها على مقتضى الإذن وإن اشتراه بأقل من الخمسين ففيه وجهان أحدهما, يجوز لذلك ولأنه لم يخالف صريح نهيه أشبه ما زاد على الخمسين والثاني, لا يجوز لأنه نهاه عن الخمسين استقلالا لها فكان تنبيها على النهى عما هو أقل منهما كما أن الإذن في الشراء بمائة إذن فيما دونها فجرى ذلك مجرى صريح نهيه, فإن تنبيه الكلام كنصه وإن قال: اشتره بمائة دينار فاشتراه بمائة درهم فالحكم فيه كما لو قال: بعه بمائة درهم فباعه بمائة دينار على ما مضى من القول فيه وإن قال: اشتر لي نصفه بمائة فاشتراه كله أو أكثر من نصفه بمائة, جاز لأنه مأذون فيه عرفا وإن قال: اشتر لي نصفه بمائة ولا تشتره جميعه فاشترى أكثر من النصف وأقل من الكل بمائة, صح في قياس المسألة التي قبلها لكون دلالة العرف قاضية بالإذن في شراء كل ما زاد على النصف, خرج الجميع بصريح نهيه ففيما عداه يبقى على مقتضى الإذن. فصل
وإن وكله في شراء عبد موصوف بمائة فاشتراه على الصفة بدونها, جاز لأنه مأذون فيه عرفا وإن خالفه في الصفة أو اشتراه بأكثر منها لم يلزم الموكل وإن قال: اشتر لي عبدا بمائة فاشترى عبدا يساوى مائة بدونها, جاز لأنه لو اشتراه بمائة جاز فإذا اشتراه بدونها فقد زاده خيرا فيجوز وإن كان لا يساوى مائة, لم يجز وإن كان يساوى أكثر مما اشتراه به لأنه خالف أمره ولم يحصل غرضه. فصل
وإن وكله في شراء شاة بدينار, فاشترى شاتين تساوى كل واحدة منهما أقل من دينار لم يقع للموكل وإن كانت كل واحدة منهما تساوى دينارا أو إحداهما تساوى دينارا والأخرى أقل من دينار صح ولزم الموكل وهذا المشهور من مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة يقع للموكل إحدى الشاتين بنصف دينار, والأخرى للوكيل لأنه لم يرض إلا بإلزامه عهدة شاة واحدة. ولنا أن النبي -ﷺ- أعطى عروة بن الجعد دينارا فقال: (اشتر لنا به شاة) قال: فأتيت الجلب فاشتريت شاتين بدينار, فجئت أسوقهما أو أقودهما فلقينى رجل بالطريق, فساومنى فبعت منه شاة بدينار فأتيت النبي -ﷺ- بالدينار والشاة, فقلت: يا رسول الله هذا ديناركم وهذه شاتكم قال: (وصنعت كيف؟) فحدثته الحديث قال: (اللهم بارك له في صفقة يمينه) ولأنه حصل له المأذون فيه وزيادة من جنسه تنفع ولا تضر, فوقع ذلك له كما لو قال: له بعه بدينار فباعه بدينارين وما ذكره يبطل بالبيع فإن باع الوكيل إحدى الشاتين بغير أمر الموكل, ففيه وجهان أحدهما البيع باطل لأنه باع مال موكله بغير أمره فلم يجز كبيع الشاتين والثاني, إن كانت الباقية تساوى دينارا جاز لحديث عروة بن الجعد البارقى ولأنه حصل له المقصود, والزيادة لو كانت غير الشاة جاز فجاز له إبدالها بغيرها وظاهر كلام أحمد صحة البيع لأنه أخذ بحديث عروة وذهب إليه وإذا قلنا: لا يجوز له بيع الشاة فباعها فهل يقع البيع باطلا أو صحيحا موقوفا على إجازة الموكل؟ على روايتين وهذا أصل لكل من تصرف في ملك غيره بغير إذنه, ووكيل يخالف موكله هل يقع باطلا أو يصح ويقف على إجازة المالك؟ فيه روايتان وللشافعي في صحة البيع ها هنا وجهان. فصل
وإذا وكله في شراء سلعة موصوفة لم يجز أن يشتريها إلا سليمة لأن إطلاق البيع يقتضي السلامة, ولذلك جاز الرد بالعيب فإن اشترى معيبا يعلم عيبه لم يلزم الموكل لأنه اشترى غير ما أذن له فيه وإن لم يعلم عيبه, صح البيع لأنه إنما يلزمه شراء الصحيح في الظاهر لعجزه عن التحرز عن شراء معيب لا يعلم عيبه, فإذا علم عيبه ملك رده لأنه قائم في الشراء مقام الموكل وللموكل رده أيضا لأن الملك له فإن حضر قبل رد الوكيل, ورضى بالعيب لم يكن للوكيل رده لأن الحق له بخلاف المضارب, فإن له الرد وإن رضي رب المال لأن له حقا فلا يسقط برضى غيره وإن لم يحضر فأراد الوكيل الرد, فقال له البائع: توقف حتى يحضر الموكل فربما رضي بالعيب لم يلزمه ذلك لأنه لا يأمن فوات الرد لهرب البائع وفوات الثمن بتلفه, وإن أخره بناء على هذا القول فلم يرض به الموكل لم يسقط رده وإن قلنا: الرد على الفور لأنه أخره بإذن البائع فيه وإن قال البائع: موكلك قد علم العيب فرضيه لم يقبل قوله إلا ببينة, فإن لم يكن له بينة لم يستحلف الوكيل إلا أن يدعى علمه فيحلف على نفى العلم وبهذا قال الشافعي وعن أبى حنيفة رضي الله عنه أنه لا يستحلف لأنه لو حلف كان نائبا في اليمين, وليس بصحيح فإنه لا نيابة ها هنا وإنما يحلف على نفى علمه, وهذا لا ينوب فيه عن أحد فإن رد الوكيل وحضر الموكل وقال: بلغنى العيب, ورضيت به وصدقه البائع أو قامت به بينة لم يقع الرد موقعه, وكان للموكل استرجاعه وللبائع رده عليه لأن رضاه به عزل الوكيل عن الرد بدليل أنه لو علمه لم يكن له الرد, إلا أن نقول: إن الوكيل لا ينعزل حتى يعلم العزل وإن رضي الوكيل المعيب أو أمسكه إمساكا ينقطع به الرد فحضر الموكل, فأراد الرد فله ذلك إن صدقه البائع أن الشراء له أو قامت به بينة وإن كذبه ولم تكن به بينة, فحلفه البائع أنه لا يعلم أن الشراء له فليس له رده لأن الظاهر أن من اشترى شيئا فهو له ويلزم الوكيل, وعليه غرامة الثمن وهذا كله مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة: للوكيل شراء المعيب لأن التوكيل في البيع مطلقا يدخل المعيب في إطلاقه ولأنه أمينه في الشراء فجاز له شراء المعيب, كالمضارب ولنا أن البيع بإطلاقه يقتضي الصحيح دون المعيب فكذلك الوكالة فيه, ويفارق المضاربة من حيث إن المقصود فيها الربح والربح يحصل من المعيب كحصوله من الصحيح والمقصود من الوكالة شراء ما يقتنى أو يدفع به حاجته, وقد يكون العيب مانعا من قضاء الحاجة به ومن قنيته فلا يحصل المقصود وقد ناقض أبو حنيفة أصله فإنه قال في قوله تعالى: {فتحرير رقبة}: لا تجوز العمياء ولا معيبة عيبا يضر بالعمل وقال ها هنا: يجوز للوكيل شراء الأعمى والمقعد ومقطوع اليدين والرجلين. فصل
وإن أمره بشراء سلعة بعينها فاشتراها, فوجدها معيبة احتمل أن له الرد لأن الأمر يقتضي السلامة فأشبه ما لو وكله في شراء موصوفة ويحتمل أن لا يملك الرد لأن الموكل قطع نظره بالتعيين, فربما رضيه على جميع صفاته وإن علم عيبه قبل شرائه فهل له شراؤه؟ يحتمل وجهين أيضا مبنيين على رده إذا علم عيبه بعد شرائه وإن قلنا: يملك رده فليس له شراؤه لأن العيب إذا جاز به الرد بعد العقد فلأن يمنع من الشراء أولى وإن قلنا: لا يملك الرد ثم فله الشراء ها هنا لأن تعيين الموكل قطع نظره واجتهاده في جواز الرد, فكذلك في الشراء. فصل
وإذا اشترى الوكيل لموكله شيئا بإذنه انتقل الملك من البائع إلى الموكل ولم يدخل في ملك الوكيل, وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة: يدخل في ملك الوكيل ثم ينتقل إلى الموكل لأن حقوق العقد تتعلق بالوكيل بدليل أنه لو اشتراه بأكثر من ثمنه دخل في ملكه, ولم ينتقل إلى الموكل ولنا أنه قبل عقدا لغيره صح له فوجب أن ينتقل الملك إليه, كالأب والوصى وكما لو تزوج له وقولهم: إن حقوق العقد تتعلق به غير مسلم ويتفرع عن هذا أن المسلم لو وكل ذميا في شراء خمر أو خنزير فاشتراه له, لم يصح الشراء وقال أبو حنيفة: يصح ويقع للذمى لأن الخمر مال لهم لأنهم يتمولونها ويتبايعونها, فصح توكيلهم فيها كسائر أموالهم ولنا أن كل ما لا يجوز للمسلم العقد عليه لا يجوز أن يوكل فيه, كتزويج المجوسية وبهذا خالف سائر أموالهم وإذا باع الوكيل بثمن معين ثبت الملك للموكل في الثمن لأنه بمنزلة المبيع وإن كان الثمن في الذمة فللوكيل والموكل المطالبة به وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة: ليس للموكل المطالبة لأن حقوق العقد تتعلق بالوكيل دونه, ولهذا يتعلق مجلس الصرف والخيار به دون موكله فكذلك القبض ولنا أن هذا دين للموكل يصح قبضه له, فملك المطالبة به كسائر ديونه التي وكل فيها ويفارق مجلس العقد لأن ذلك من شروط العقد, فتعلق بالعاقد كالإيجاب والقبول وأما الثمن فهو حق للموكل ومال من أمواله, فكانت له المطالبة به ولا نسلم أن حقوق العقد تتعلق به وإنما تتعلق بالموكل وهي تسليم الثمن, وقبض المبيع والرد بالعيب وضمان الدرك فأما ثمن ما اشتراه إذا كان في الذمة فإنه يثبت في ذمة الموكل أصلا, وفي ذمة الوكيل تبعا كالضامن وللبائع مطالبة من شاء منهما, فإن أبرأ الوكيل لم يبرأ الموكل وإن أبرأ الموكل برئ الوكيل أيضا كالضامن والمضمون عنه سواء وإن دفع الثمن إلى البائع, فوجد به عيبا فرده على الوكيل كان أمانة في يده إن تلف فهو من ضمان الموكل ولو وكل رجلا يتسلف له ألفا في كر حنطة, ففعل ملك الموكل ثمنها والوكيل ضامن عن موكله, كما تقدم. فصل
قال أحمد في رواية مهنا: إذا دفع إلى رجل ثوبا ليبيعه ففعل فوهب له المشترى منديلا, فالمنديل لصاحب الثوب إنما قال ذلك لأن هبة المنديل سببها البيع فكان المنديل زيادة في الثمن والزيادة في مجلس العقد تلحق به. فصل
في الشهادة على الوكالة, إذا ادعى الوكالة وأقام شاهدا وامرأتين أو حلف مع شاهده, فقال أصحابنا فيها روايتان إحداهما تثبت بذلك إذا كانت الوكالة بمال فإن أحمد قال في الرجل يوكل ويشهد على نفسه رجلا وامرأتين, إذا كانت المطالبة بدين فأما غير ذلك فلا والثانية لا تثبت إلا بشاهدين عدلين نقلها الخرقي بقوله: ولا تقبل فيما سوى الأموال مما يطلع عليه الرجال لأقل من رجلين وهذا قول الشافعي لأن الوكالة إثبات للتصرف ويحتمل أن يكون قول الخرقي كالرواية الأولى لأن الوكالة في المال يقصد بها المال, فتقبل فيها شهادة النساء مع الرجال كالبيع والقرض فإن شهدا بوكالته ثم قال أحدهما: قد عزله لم تثبت وكالته بذلك لأن أحدهما لم تثبت وكالته بذلك وإن كان الشاهد بالعزل رجلا غيرهما, لم يثبت العزل بشهادته وحده لأن العزل لا يثبت إلا بما يثبت به التوكيل ومتى عاد أحد الشاهدين بالتوكيل فقال: قد عزله لم يحكم بشهادتهما لأنه رجوع عن الشهادة قبل الحكم بها فلا يجوز للحاكم الحكم بما رجع عنه الشاهد وإن حكم الحاكم بشهادتهما ثم عاد أحدهما, فقال: قد عزله بعد ما وكله لم يلتفت إلى قوله لأن الحكم قد نفذ بالشهادة ولم يثبت العزل فإن قالا جميعا: قد كان عزله ثبت العزل لأن الشهادة تمت في العزل كتمامها في التوكيل. فصل
فإن شهد أحدهما أنه وكله يوم الجمعة, وشهد آخر أنه وكله يوم السبت لم تتم الشهادة لأن التوكيل يوم الجمعة غير التوكيل يوم السبت فلم تكمل شهادتهما على فعل واحد وإن شهد أحدهما أنه أقر بتوكيله يوم الجمعة, وشهد الآخر أنه أقر به يوم السبت تمت الشهادة لأن الإقرارين إخبار عن عقد واحد ويشق جمع الشهود ليقر عندهم حالة واحدة, فجوز له الإقرار عند كل واحد وحده وكذلك لو شهد أحدهما أنه أقر عنده بالوكالة بالعربية وشهد الآخر أنه أقر بها بالعجمية ثبتت ولو شهد أحدهما أنه وكله بالعربية, وشهد الآخر أنه وكله بالعجمية لم تكمل الشهادة لأن التوكيل بالعربية غير التوكيل بالعجمية فلم تكمل الشهادة على فعل واحد وكذلك لو شهد أحدهما أنه قال: وكلتك وشهد الآخر, أنه قال: أذنت لك في التصرف أو أنه قال: جعلتك وكيلا أو شهد أنه قال: جعلتك جريا لم تتم الشهادة لأن اللفظ مختلف والجرى: الوكيل ولو قال أحدهما: أشهد أنه وكله وقال الآخر: أشهد أنه أذن له في التصرف تمت الشهادة لأنهما لم يحكيا لفظ الموكل وإنما عبرا عنه بلفظهما واختلاف لفظهما لا يؤثر إذا اتفق معناه ولو قال أحدهما: أشهد أنه أقر عندي أنه وكله وقال الآخر: أشهد أنه أقر أنه جريه أو أنه أوصى إليه بالتصرف في حياته ثبتت الوكالة بذلك وإن شهد أحدهما أنه وكله في بيع عبده, وشهد الآخر أنه وكله وزيدا أو شهد أنه وكله في بيعه وقال: لا تبعه حتى تستأمرني, أو تستأمر فلانا لم تتم الشهادة لأن الأول أثبت استقلاله بالبيع من غير شرط والثاني ينفى ذلك فكانا مختلفين وإن شهد أحدهما أنه وكله في بيع عبده وشهد الآخر أنه وكله في بيع عبده وجاريته, حكم بالوكالة في العبد لاتفاقهما عليه وزيادة الثاني لا تقدح في تصرفه في الأول فلا تضره وهكذا لو شهد أحدهما أنه وكله في بيعه لزيد, وشهد الآخر أنه وكله في بيعه لزيد وإن شاء لعمرو. فصل
ولا تثبت الوكالة والعزل بخبر الواحد وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة تثبت الوكالة بخبر الواحد وإن لم يكن ثقة ويجوز التصرف للمخبر بذلك إذا غلب على ظنه صدق المخبر بشرط الضمان إن أنكر الموكل ويثبت العزل بخبر الواحد إذا كان رسولا لأن اعتبار شاهدين عدلين في هذا يشق, فسقط اعتباره ولأنه أذن في التصرف ومنع منه فلم يعتبر في هذا شروط الشهادة, كاستخدام غلامه ولنا أنه عقد مالى فلا يثبت بخبر الواحد, كالبيع وفارق الاستخدام فإنه ليس بعقد ولو شهد اثنان أن فلانا الغائب وكل فلانا الحاضر فقال الوكيل: ما علمت هذا, وأنا أتصرف عنه ثبتت الوكالة لأن معنى ذلك إني لم أعلم إلى الآن وقبول الوكالة يجوز متراخيا وليس من شرط التوكيل حضور الوكيل ولا علمه, فلا يضر جهله به وإن قال: ما أعلم صدق الشاهدين لم تثبت وكالته لقدحه في شهادتهما وإن قال: ما علمت وسكت قيل له: فسر فإن فسر بالأول ثبتت وكالته وإن فسره بالثانى لم تثبت. فصل
ويصح سماع البينة بالوكالة على الغائب, وهو أن يدعى أن فلانا الغائب وكلنى في كذا وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يصح بناء على أن الحكم على الغائب لا يصح ولنا أنه لا يعتبر رضاه في سماع البينة فلا يعتبر حضوره كغيره وإذا قال له من عليه الحق: احلف أنك تستحق مطالبتى لم تسمع دعواه لأن ذلك طعن في الشهادة وإن قال: قد عزلك الموكل, فاحلف أنه ما عزلك لم يستحلف لأن الدعوى على الموكل واليمين لا تدخلها النيابة وإن قال: أنت تعلم أن موكلك قد عزلك سمعت دعواه وإن طلب اليمين من الوكيل حلف أنه لا يعلم أن موكله عزله لأن الدعوى عليه وإن أقام الخصم بينة بالعزل, سمعت وانعزل الوكيل. فصل
وتقبل شهادة الوكيل على موكله لعدم التهمة فإنه لا يجر بها نفعا, ولا يدفع بها ضررا وتقبل شهادته له فيما لم يوكله فيه لأنه لا يجر إلى نفسه نفعا ولا تقبل شهادته له فيما هو وكيل فيه لأنه يثبت لنفسه حقا بدليل أنه إذا وكله في قبض حق فشهد به له, ثبت استحقاق قبضه ولأنه خصم فيه بدليل أنه يملك المخاصمة فيه فإن شهد بما كان وكيلا فيه بعد عزله, لم تقبل أيضا سواء كان خاصم فيه بالوكالة أو لم يخاصم وبهذا قال أبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة إن كان لم يخاصم فيه قبلت شهادته لأنه لا حق له فيه ولم يخاصم فيه, فأشبه ما لو لم يكن وكيلا فيه وللشافعي قولان كالمذهبين ولنا أنه بعقد الوكالة صار خصما فيه فلم تقبل شهادته فيه, كما لو خاصم فيه وفارق ما لم يكن وكيلا فيه فإنه لم يكن خصما فيه. فصل
إذا كانت الأمة بين نفسين فشهدا أن زوجها وكل في طلاقها, لم تقبل شهادتهما لأنهما يجران إلى أنفسهما نفعا وهو زوال حق الزوج من البضع الذي هو ملكهما وإن شهدا بعزل الوكيل في الطلاق لم تقبل لأنهما يجران إلى أنفسهما نفعا, وهو إبقاء النفقة على الزوج ولا تقبل شهادة ابنى الرجل له بالوكالة ولا أبويه لأنهما يثبتان له حق التصرف ولا يثبت للإنسان حق بشهادة ابنه ولا أبيه ولا تقبل شهادة ابنى الموكل, ولا أبويه بالوكالة وقال بعض الشافعية: تقبل لأن هذا حق على الموكل يستحق به الوكيل المطالبة فقبلت فيه شهادة قرابة الموكل كالإقرار ولنا, أن هذه شهادة يثبت بها حق لأبيه أو ابنه فلم تقبل كشهادة ابنى الوكيل وأبويه, وذلك لأنهما يثبتان لأبيهما نائبا متصرفا له وفارق الشهادة عليه بالإقرار فإنها شهادة عليه متمحضة ولو ادعى الوكيل الوكالة, فأنكرها الموكل فشهد عليه ابناه أو أبواه ثبتت الوكالة وأمضى تصرفه لأن ذلك شهادة عليه وإن ادعى الموكل أنه تصرف بوكالته, وأنكر الوكيل فشهد عليه أبواه أو ابناه قبل أيضا لذلك وإن ادعى وكيل لموكله الغائب حقا, وطالب به فادعى الخصم أن الموكل عزله وشهد له بذلك ابنا الموكل, قبلت شهادتهما وثبت العزل بها لأنهما يشهدان على أبيهما وإن لم يدع الخصم عزله لم تسمع شهادتهما لأنهما يشهدان لمن لا يدعيها فإن قبض الوكيل, فحضر الموكل وادعى أنه كان قد عزل الوكيل وأن حقه باق في ذمة الغريم, وشهد له ابناه لم تقبل شهادتهما لأنهما يثبتان حقا لأبيهما ولو ادعى مكاتب الوكالة فشهد له سيده, أو ابنا سيده أو أبواه لم تقبل لأن السيد يشهد لعبده, وابناه يشهدان لعبد أبيهما والأبوان يشهدان لعبد ابنهما فإن عتق فأعاد الشهادة, فهل تقبل؟ يحتمل وجهين. فصل
إذا حضر رجلان عند الحاكم فأقر أحدهما أن الآخر وكله ثم غاب الموكل, وحضر الوكيل فقدم خصما لموكله وقال: أنا وكيل فلان فأنكر الخصم كونه وكيله, فإن قلنا: لا يحكم الحاكم بعلمه لم تسمع دعواه حتى تقوم البينة بوكالته وإن قلنا: يحكم بعلمه وكان الحاكم يعرف الموكل بعينه واسمه ونسبه صدقه ومكنه من التصرف لأن معرفته كالبينة وإن عرفه بعينه دون اسمه ونسبه, لم يقبل قوله حتى تقوم البينة عنده بالوكالة لأنه يريد تثبيت نسبه عنده بقوله فلم يقبل. فصل
ولو حضر عند الحاكم رجل, فادعى أنه وكيل فلان الغائب في شيء عينه وأحضر بينة تشهد له بالوكالة, سمعها الحاكم ولو ادعى حقا لموكله قبل ثبوت وكالته لم يسمع الحاكم دعواه وبه قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة لا يسمعها إلا أن يقدم خصما من خصماء الموكل فيدعى عليه حقا, فإذا أجاب المدعى عليه حينئذ يسمع الحاكم البينة فحصل الخلاف بيننا في حكمين: أحدهما أن الحاكم عندنا يسمع البينة على الوكالة من غير حضور خصم, وعنده لا يسمع والثاني أنه لا تسمع دعواه لموكله قبل ثبوت وكالته وعنده تسمع وبنى أبو حنيفة على أصله في أن القضاء على الغائب لا يجوز, وسماع البينة بالوكالة من غير خصم قضاء على الغائب وأن الوكالة لا تلزم الخصم ما لم يجب الوكيل عن دعوى الخصم أنك لست بوكيل ولنا, أنه إثبات للوكالة فلم يفتقر إلى حضور الموكل عليه كما لو كان الموكل عليه جماعة فأحضر واحد منهم, فإن الباقين لا يفتقر إلى حضورهم كذلك ها هنا والدليل على أن الدعوى لا تسمع قبل ثبوت الوكالة أنها لا تسمع إلا من خصم يخاصم عن نفسه أو عن موكله وهذا لا يخاصم عن نفسه, ولم يثبت أنه وكيل لمن يدعى له فلا تسمع دعواه كما لو ادعى لمن لم يدع وكالته, وفي هذا الأصل جواب عما ذكره. فصل
ولو حضر رجل وادعى على غائب مالا في وجه وكيله فأنكره فأقام بينة بما ادعاه, حلفه الحاكم وحكم له بالمال فإذا حضر الموكل وجحد الوكالة, أو ادعى أنه كان قد عزله لم يؤثر ذلك في الحكم لأن القضاء على الغائب لا يفتقر إلى حضور وكيله. فصل
إذا قال: بع هذا الثوب بعشرة فما زاد عليها فهو لك صح, واستحق الزيادة وقال الشافعي لا يصح ولنا أن ابن عباس كان لا يرى بذلك بأسا ولأنه يتصرف في ماله بإذنه, فصح شرط الربح له في الثاني كالمضارب والعامل في المساقاة.
============
كتاب الوكالة وهي جائزة بالكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقول الله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها} فجوز العمل عليها, وذلك بحكم النيابة عن المستحقين وأيضا قوله تعالى: {فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه} وهذه وكالة وأما السنة فروى أبو داود, والأثرم وابن ماجه عن الزبير بن الخريت, عن أبي لبيد لمازة بن زبار عن عروة بن الجعد قال: عرض للنبي -ﷺ- جلب فأعطاني دينارا, فقال: (يا عروة ائت الجلب فاشتر لنا شاة) قال: فأتيت الجلب, فساومت صاحبه فاشتريت شاتين بدينار فجئت أسوقهما, أو أقودهما فلقينى رجل بالطريق فساومني, فبعت منه شاة بدينار فأتيت النبي -ﷺ- بالدينار وبالشاة فقلت: يا رسول الله هذا ديناركم, وهذه شاتكم قال: (وصنعت كيف؟) قال: فحدثته الحديث قال: (اللهم بارك له في صفقة يمينه) هذا لفظ رواية الأثرم وروى أبو داود بإسناده عن جابر بن عبد الله قال: أردت الخروج إلى خيبر, فأتيت رسول الله -ﷺ- فقلت له: إني أردت الخروج إلى خيبر فقال: (ائت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقا فإن ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته) وروي عنه -ﷺ- أنه وكل عمرو بن أمية الضمري في قبول نكاح أم حبيبة وأبا رافع في قبول نكاح ميمونة. وأجمعت الأمة على جواز الوكالة في الجملة ولأن الحاجة داعية إلى ذلك فإنه لا يمكن كل واحد فعل ما يحتاج إليه, فدعت الحاجة إليها. فصل
وكل من صح تصرفه في شيء بنفسه وكان مما تدخله النيابة صح أن يوكل فيه رجلا كان أو امرأة, حرا أو عبدا مسلما كان أو كافرا وأما من يتصرف بالإذن كالعبد المأذون له, والوكيل والمضارب فلا يدخلون في هذا لكن يصح من العبد التوكيل فيما يملكه دون سيده, كالطلاق والخلع وكذلك الحكم في المحجور عليه لسفه لا يوكل إلا فيما له فعله من الطلاق والخلع, وطلب القصاص ونحوه وكل ما يصح أن يستوفيه بنفسه وتدخله النيابة, صح أن يتوكل لغيره فيه إلا الفاسق فإنه يصح أن يقبل النكاح لنفسه وذكر القاضي أنه لا يصح أن يقبله لغيره وكلام أبي الخطاب يقتضي جواز ذلك وهو القياس ولأصحاب الشافعي في ذلك وجهان, كهذين فأما توكيله في الإيجاب فلا يجوز إلا على الرواية التي تثبت الولاية له وذكر أصحاب الشافعي في ذلك وجهين أحدهما: يجوز توكيله لأنه ليس بولي ووجه الوجه الآخر أنه موجب للنكاح, أشبه الولي ولأنه لا يجوز أن يتولى ذلك بنفسه فلم يجز أن يتوكل فيه كالمرأة ويصح توكيل المرأة في طلاق نفسها, وطلاق غيرها ويصح توكيل العبد في قبول النكاح لأنه ممن يجوز أن يقبله لنفسه وإنما يقف ذلك على إذن سيده ليرضى بتعلق الحقوق به ومن لا يملك التصرف في شيء لنفسه لا يصح أن يتوكل فيه, كالمرأة في عقد النكاح وقبوله والكافر في تزويج مسلمة والطفل والمجنون في الحقوق كلها. فصل
وللمكاتب أن يوكل فيما يتصرف فيه بنفسه وله أن يتوكل بجعل, لأنه من اكتساب المال ولا يمنع المكاتب من الاكتساب وليس له أن يتوكل لغيره بغير جعل إلا بإذن سيده لأن منافعه كأعيان ماله, وليس له بذل عين ماله بغير عوض وللعبد أن يتوكل بإذن سيده وليس له التوكيل بغير إذن سيده وإن كان مأذونا له في التجارة لأن الإذن في التجارة لا يتناول التوكيل وتصح وكالة الصبي المراهق, إذا أذن له الولي لأنه ممن يصح تصرفه. مسألة
قال: [ويجوز التوكيل في الشراء والبيع ومطالبة الحقوق والعتق والطلاق, حاضرا كان الموكل أو غائبا] لا نعلم خلافا في جواز التوكيل في البيع والشراء وقد ذكرنا الدليل عليه من الآية والخبر ولأن الحاجة داعية إلى التوكيل فيه لأنه قد يكون ممن لا يحسن البيع والشراء أو لا يمكنه الخروج إلى السوق وقد يكون له مال ولا يحسن التجارة فيه, وقد يحسن ولا يتفرغ وقد لا تليق به التجارة لكونه امرأة أو ممن يتعير بها, ويحط ذلك من منزلته فأباحها الشرع دفعا للحاجة وتحصيلا لمصلحة الآدمي المخلوق لعبادة الله سبحانه ويجوز التوكيل في الحوالة, والرهن والضمان والكفالة, والشركة الوديعة والمضاربة, والجعالة والمساقاة والإجارة, والقرض والصلح والوصية, والهبة والوقف والصدقة, والفسخ والإبراء لأنها في معنى البيع في الحاجة إلى التوكيل فيها فيثبت فيها حكمه ولا نعلم في شيء من ذلك اختلافا ويجوز التوكيل في عقد النكاح في الإيجاب والقبول لأن النبي -ﷺ- وكل عمرو بن أمية, وأبا رافع في قبول النكاح له. ولأن الحاجة تدعو إليه فإنه ربما احتاج إلى التزوج من مكان بعيد, لا يمكنه السفر إليه فإن النبي -ﷺ- تزوج أم حبيبة وهي يومئذ بأرض الحبشة ويجوز التوكيل في الطلاق, والخلع والرجعة والعتاق لأن الحاجة تدعو إليه, كدعائها إلى التوكيل في البيع والنكاح ويجوز التوكيل في تحصيل المباحات كإحياء الموات وإسقاء الماء, والاصطياد والاحتشاش لأنها تملك مال بسبب لا يتعين عليه فجاز التوكيل فيه, كالابتياع والاتهاب ويجوز التوكيل في إثبات القصاص وحد القذف واستيفائهما, في حضرة الموكل وغيبته لأنهما من حقوق الآدميين وتدعو الحاجة إلى التوكيل فيهما لأن من له حق قد لا يحسن الاستيفاء, أو لا يحب أن يتولاه بنفسه. فصل
ويجوز التوكيل في مطالبة الحقوق وإثباتها والمحاكمة فيها, حاضرا كان الموكل أو غائبا صحيحا أو مريضا وبه قال مالك وابن أبى ليلى, وأبو يوسف ومحمد والشافعي وقال أبو حنيفة: للخصم أن يمنع من محاكمة الوكيل إذا كان الموكل حاضرا لأن حضوره مجلس الحكم, ومخاصمته حق لخصمه عليه فلم يكن له نقله إلى غيره بغير رضاء خصمه كالدين عليه ولنا, أنه حق تجوز النيابة فيه فكان لصاحبه الاستنابة بغير رضاء خصمه كحال غيبته ومرضه, وكدفع المال الذي عليه ولأنه إجماع الصحابة رضي الله عنهم, فإن عليا رضي الله عنه وكل عقيلا عند أبى بكر رضي الله عنه وقال: ما قضي له فلي وما قضي عليه فعلي ووكل عبد الله بن جعفر عند عثمان وقال: إن للخصومة قحما, وإن الشيطان ليحضرها وإني لأكره أن أحضرها قال أبو زياد: القحم المهالك وهذه قصص انتشرت لأنها في مظنة الشهرة, فلم ينقل إنكارها ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك فإنه قد يكون له حق, أو يدعى عليه ولا يحسن الخصومة أو لا يحب أن يتولاها بنفسه ويجوز التوكيل في الإقرار ولأصحاب الشافعي وجهان أحدهما, لا يجوز التوكيل فيه لأنه إخبار بحق فلم يجز التوكيل فيه كالشهادة ولنا, أنه إثبات حق في الذمة بالقول فجاز التوكيل فيه كالبيع, وفارق الشهادة فإنها لا تثبت الحق وإنما هو إخبار بثبوته على غيره. فصل
ولا يصح التوكيل في الشهادة لأنها تتعلق بعين الشاهد لكونها خبرا عما رآه أو سمعه, ولا يتحقق هذا المعنى في نائبه فإن استناب فيها كان النائب شاهدا على شهادته لكونه يؤدي ما سمعه من شاهد الأصل, وليس بوكيل ولا يصح في الأيمان والنذور لأنها تتعلق بعين الحالف والناذر فأشبهت العبادات البدنية والحدود ولا يصح في الإيلاء والقسامة واللعان لأنها أيمان ولا في القسم بين الزوجات لأنه يتعلق ببدن الزوج لأمر لا يوجد من غيره ولا في الرضاع لأنه يختص بالمرضعة والمرتضع لأمر يختص بإثبات لحم المرتضع, وإنشاز عظمه بلبن المرضعة ولا في الظهار لأنه قول منكر وزور فلا يجوز فعله ولا الاستنابة فيه ولا يصح في الغصب لأنه محرم ولا في الجنايات لذلك ولا في كل محرم لأنه لا يجوز له فعله, فلم يجز لنائبه. فصل
فأما حقوق الله تعالى فما كان منها حدا كحد الزنى والسرقة، جاز التوكيل في استيفائه؛ لأن النبي ﷺ قال (اغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها، فغدا عليها أنيس فاعترفت، فأمر بها فرجمت). متفق عليه. (وأمر النبي ﷺ برجم ماعز فرجموه). ووكل عثمان عليا في إقامة حد الشرب على الوليد بن عقبة. ووكل علي الحسن في ذلك، فأبى الحسن، فوكل عبد الله بن جعفر، فأقامه، وعلي يعد. رواه مسلم. ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك؛ لأن الإمام لا يمكنه تولي ذلك بنفسه. ويجوز التوكيل في إثباتها. وقال أبو الخطاب: لا يجوز في إثباتها. وهو قول الشافعي؛ لأنها تسقط بالشبهات، وقد أمرنا بدرئها بها، والتوكيل يوصل إلى الإيجاب. ولنا، حديث أنيس؛ فإن النبي ﷺ وكله في إثباته واستيفائه جميعا، فإنه قال: (فإن اعترفت فارجمها). وهذا يدل على أنه لم يكن ثبت، وقد وكله في إثباته واستيفائه جميعا. ولأن الحاكم إذا استناب، دخل في ذلك الحدود، فإذا دخلت في التوكيل بطريق العموم، وجب أن تدخل بالتخصيص بها أولى، والوكيل يقوم مقام الموكل في درئها بالشبهات. وأما العبادات، فما كان منها له تعلق بالمال، كالزكاة والصدقات والمنذورات والكفارات، جاز التوكيل في قبضها وتفريقها، ويجوز للمخرج التوكيل في إخراجها ودفعها إلى مستحقها. ويجوز أن يقول لغيره: أخرج زكاة مالي من مالك؛ لأن النبي ﷺ بعث عماله لقبض الصدقات وتفريقها، وقال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: (أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوك بذلك، فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب). متفق عليه. ويجوز التوكيل في الحج إذا أيس المحجوج عنه من الحج بنفسه، وكذلك العمرة. ويجوز أن يستناب من يحج عنه بعد الموت. وأما العبادات البدنية المحضة، كالصلاة والصيام والطهارة من الحدث، فلا يجوز التوكيل فيها؛ لأنها تتعلق ببدن من هي عليه، فلا يقوم غيره مقامه فيها، إلا أن الصيام المنذور يفعل عن الميت، وليس ذلك بتوكيل؛ لأنه لم يوكل في ذلك، ولا وكل فيه غيره. ولا يجوز في الصلاة إلا في ركعتي الطواف تبعا للحج. وفي فعل الصلاة المنذورة، وفي الاعتكاف المنذور عن الميت روايتان. ولا تجوز الاستنابة في الطهارة، إلا في صب الماء، وإيصال الماء للأعضاء، وفي تطهير النجاسة عن البدن والثوب وغيرهما . فصل
وكل ما جاز التوكيل فيه جاز استيفاؤه في حضرة الموكل وغيبته ونص عليه أحمد وهذا مذهب مالك وقال بعض أصحابنا: لا يجوز استيفاء القصاص وحد القذف في غيبة الموكل أومأ إليه أحمد وهو قول أبى حنيفة وبعض الشافعية لأنه يحتمل أن يعفو الموكل في حالة غيبته فيسقط وهذا الاحتمال شبهة تمنع الاستيفاء ولأن العفو مندوب إليه, فإذا حضر احتمل أن يرحمه فيعفو والأول ظاهر المذهب لأن ما جاز استيفاؤه في حضرة الموكل جاز في غيبته, كالحدود وسائر الحقوق واحتمال العفو بعيد والظاهر أنه لو عفا لبعث وأعلم وكيله بعفوه والأصل عدمه, فلا يؤثر ألا ترى أن قضاة رسول الله -ﷺ- كانوا يحكمون في البلاد ويقيمون الحدود التي تدرأ بالشبهات, مع احتمال النسخ؟ وكذلك لا يحتاط في استيفاء الحدود بإحضار الشهود مع احتمال رجوعهم عن الشهادة أو تغير اجتهاد الحاكم. فصل
ولا تصح الوكالة إلا بالإيجاب والقبول لأنه عقد تعلق به حق كل واحد منهما, فافتقر إلى الإيجاب والقبول كالبيع ويجوز الإيجاب بكل لفظ دل على الإذن نحو أن يأمره بفعل شيء, أو يقول: أذنت لك في فعله فإن النبي -ﷺ- وكل عروة بن الجعد في شراء شاة بلفظ الشراء وقال الله تعالى مخبرا عن أهل الكهف أنهم قالوا: {فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه} ولأنه لفظ دال على الإذن, فجرى مجرى قوله: وكلتك ويجوز القبول بقوله: قبلت وكل لفظ دل عليه ويجوز بكل فعل دل على القبول نحو أن يفعل ما أمره بفعله لأن الذين وكلهم النبي -ﷺ- لم ينقل عنهم سوى امتثال أمره ولأنه إذن في التصرف فجاز القبول فيه بالفعل, كأكل الطعام ويجوز القبول على الفور والتراخى نحو أن يبلغه أن رجلا وكله في بيع شيء منذ سنة فيبيعه أو يقول: قبلت أو يأمره بفعل شيء, فيفعله بعد مدة طويلة لأن قبول وكلاء النبي -ﷺ- لوكالته كان بفعلهم وكان متراخيا عن توكيله إياهم ولأنه إذن في التصرف والإذن قائم, ما لم يرجع عنه فأشبه الإباحة وهذا كله مذهب الشافعي.
فصل ويجوز تعليقها على شرط نحو قوله: إذا قدم الحاج فبع هذا الطعام وإذا جاء الشتاء فاشتر لنا فحما وإذا جاء الأضحى فاشتر لنا أضحية وإذا طلب منك أهلى شيئا فادفعه إليهم وإذا دخل رمضان فقد وكلتك في هذا, أو فأنت وكيلى وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي: لا يصح لكن إن تصرف صح تصرفه لوجود الإذن وإن كان وكيلا بجعل فسد المسمى, وله أجر المثل لأنه عقد يملك به التصرف في الحياة فأشبه البيع ولنا أن النبي -ﷺ- قال: (أميركم زيد فإن قتل فجعفر فإن قتل فعبد الله بن رواحة) وهذا في معناه ولأنه عقد اعتبر في حق الوكيل حكمه وهو إباحة التصرف وصحته, فكان صحيحا كما لو قال: أنت وكيلى في بيع عبدى إذا قدم الحاج ولأنه لو قال: وكلتك في شراء كذا في وقت كذا صح بلا خلاف, ومحل النزاع في معناه ولأنه إذن في التصرف أشبه الوصية والتأمير ولأنه عقد يصح بغير جعل ولا يختص فاعله بكونه من أهل القربة, فصح بالجعل كالتوكيل الناجز.
فصل ويجوز التوكيل بجعل وغير جعل فإن النبي -ﷺ- وكل أنيسا في إقامة الحد وعروة في شراء شاة, وعمرا وأبا رافع في قبول النكاح بغير جعل وكان يبعث عماله لقبض الصدقات ويجعل لهم عمالة ولهذا قال له ابنا عمه: لو بعثتنا على هذه الصدقات فنؤدى إليك ما يؤدى الناس, ونصيب ما يصيبه الناس يعنيان العمالة فإن كانت بجعل استحق الوكيل الجعل بتسليم ما وكل فيه إلى الموكل إن كان مما يمكن تسليمه, كثوب ينسجه أو يقصره أو يخيطه فمتى سلمه إلى الموكل معمولا فله الأجر وإن كان الخياط في دار الموكل فكلما عمل شيئا وقع مقبوضا, فيستحق الوكيل الجعل إذا فرغ الخياط من الخياطة وإن وكل في بيع أو شراء أو حج استحق الأجر إذا عمله وإن لم يقبض الثمن في البيع وإن قال: إذا بعت الثوب وقبضت ثمنه, وسلمته إلى فلك الأجر لم يستحق منها شيئا حتى يسلمه إليه فإن فاته التسليم لم يستحق شيئا لفوات الشرط.
فصل ولا تصح الوكالة إلا في تصرف معلوم فإن قال: وكلتك في كل شيء. أو في كل قليل وكثير. أو في كل تصرف يجوز لي. أو في كل مالي التصرف فيه. لم يصح. وبهذا قال أبو حنيفة، والشافعي. وقال ابن أبي ليلى: يصح، ويملك به كل ما تناوله لفظه؛ لأنه لفظ عام، فصح فيما يتناوله، كما لو قال: بع مالي كله. ولنا، أن في هذا غررا عظيما، وخطرا كبيرا؛ لأنه تدخل فيه هبة ماله، وطلاق نسائه، وإعتاق رقيقه، وتزوج نساء كثيرة. ويلزمه المهور الكثيرة، والأثمان العظيمة، فيعظم الضرر. وإن قال: اشتر لي ما شئت. لم يصح؛ لأنه قد يشتري ما لا يقدر على ثمنه. وقد روي عن أحمد، ما يدل على صحته؛ لقوله في رجلين، قال كل واحد منهما لصاحبه: ما اشتريت من شيء فهو بيننا: إنه جائز. وأعجبه. ولأن الشريك والمضارب وكيلان في شراء ما شاء. فعلى هذا ليس له أن يشتري إلا بثمن المثل فما دون، ولا يشتري ما لا يقدر الموكل على ثمنه، ولا ما لا يرى المصلحة له في شرائه. وإن قال: بع مالي كله، واقبض ديوني كلها. صح؛ لأنه قد يعرف ماله وديونه. وإن قال: بع ما شئت من مالي، واقبض ما شئت من ديوني. جاز؛ لأنه إذا جاز التوكيل في الجميع، ففي بعضه أولى. وإن قال: اقبض ديني كله، وما يتجدد في المستقبل. صح. وقال أصحاب الشافعي: إذا قال: بع ما شئت من مالي. لم يجز. وإن قال: من عبيدي. جاز؛ لأنه محصور بالجنس. ولنا، أن ما جاز التوكيل في جميعه، جاز في بعضه، كعبده. وإن قال: اشتر لي عبدا، تركيا، أو ثوبا هرويا. صح. وإن قال: اشتر لي عبدا، أو قال ثوبا ولم يذكر جنسه، صح أيضا. وقال أبو الخطاب: لا يصح. وهو مذهب الشافعي، لأنه مجهول. ولنا، أنه توكيل في شراء عبده، فلم يشترط ذكر نوعه، كالقراض. ولا يشترط ذكر قدر الثمن. ذكره القاضي. وقال أبو الخطاب: لا يصح حتى يذكر قدر الثمن. وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي؛ لأن العبيد تتفاوت من الجنس الواحد، وإنما تتميز بالثمن. ولنا، أنه إذا ذكر نوعا، فقد أذن في أغلاه ثمنا، فيقل الغرر، ولأن تقدير الثمن يضر، فإنه قد لا يجد بقدر الثمن. ومن اعتبر ذكر الثمن، جوز أن يذكر له أكثر الثمن وأقله .
فصل وإذا وكل وكيلين في تصرف, وجعل لكل واحد الانفراد بالتصرف فله ذلك لأنه مأذون له فيه فإن لم يجعل له ذلك فليس لأحدهما الانفراد به لأنه لم يأذن له في ذلك, وإنما يجوز له ما أذن فيه موكله وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي وإن وكلهما في حفظ ماله حفظاه معا في حرز لهما لأن قوله: افعلا كذا يقتضي اجتماعهما على فعله وهو مما يمكن, فتعلق بهما وفارق هذا قوله: بعتكما حيث كان منقسما بينهما لأنه لا يمكن كون الملك لهما على الاجتماع فانقسم بينهما فإن غاب أحد الوكيلين لم يكن للآخر أن يتصرف, ولا للحاكم ضم أمين إليه ليتصرفا لأن الموكل رشيد جائز التصرف لا ولاية للحاكم عليه فلا يضم الحاكم وكيلا له بغير أمره وفارق ما لو مات أحد الوصيين, حيث يضيف الحاكم إلى الوصى أمينا ليتصرف لكون الحاكم له النظر في حق الميت واليتيم ولهذا لو لم يوص إلى أحد أقام الحاكم أمينا في النظر لليتيم وإن حضر الحاكم أحد الوكيلين, والآخر غائب وادعى الوكالة لهما وأقام بينة سمعها الحاكم, وحكم بثبوت الوكالة لهما ولم يملك الحاضر التصرف وحده فإذا حضر الآخر تصرفا معا, ولا يحتاج إلى إعادة البينة لأن الحاكم سمعها لهما مرة فإن قيل: هذا حكم للغائب قلنا: يجوز تبعا لحق الحاضر كما يجوز أن يحكم بالوقف الذي يثبت لمن لم يخلق لأجل من يستحقه في الحال كذا ها هنا وإن جحد الغائب الوكالة, أو عزل نفسه لم يكن للآخر أن يتصرف وبما ذكرناه قال أبو حنيفة والشافعي ولا نعلم فيه خلافا وجميع التصرفات في هذا سواء وقال أبو حنيفة: إذا وكلهما في خصومة, فلكل واحد منهما الانفراد بها ولنا أنه لم يرض بتصرف أحدهما أشبه البيع والشراء.
مسألة قال: [وليس للوكيل أن يوكل فيما وكل فيه, إلا أن يجعل ذلك إليه] لا يخلو التوكيل من ثلاثة أحوال: أحدها أن ينهى الموكل وكيله عن التوكيل فلا يجوز له ذلك بغير خلاف, لأن ما نهاه عنه غير داخل في إذنه فلم يجز كما لو لم يوكله الثاني أذن له في التوكيل, فيجوز له ذلك لأنه عقد أذن له فيه فكان له فعله كالتصرف المأذون فيه ولا نعلم في هذين خلافا وإن قال له: وكلتك فاصنع ما شئت فله أن يوكل وقال أصحاب الشافعي: ليس له التوكيل في أحد الوجهين لأن التوكيل يقتضي تصرفا يتولاه بنفسه, وقوله: اصنع ما شئت يرجع إلى ما يقتضيه التوكيل من تصرفه بنفسه ولنا أن لفظه عام فيما شاء فيدخل في عمومه التوكيل الثالث, أطلق الوكالة فلا يخلو من أقسام ثلاثة أحدها أن يكون العمل مما يرتفع الوكيل عن مثله, كالأعمال الدنية في حق أشراف الناس المرتفعين عن فعلها في العادة أو يعجز عن عمله لكونه لا يحسنه أو غير ذلك, فإنه يجوز له التوكيل فيه لأنه إذا كان مما لا يعمله الوكيل عادة انصرف الإذن إلى ما جرت به العادة من الاستنابة فيه القسم الثاني أن يكون مما يعمله بنفسه, إلا أنه يعجز عن عمله كله لكثرته وانتشاره فيجوز له التوكيل في عمله أيضا لأن الوكالة اقتضت جواز التوكيل فجاز التوكيل في فعل جميعه, كما لو أذن في التوكيل بلفظه وقال القاضي: عندي أنه إنما له التوكيل فيما زاد على ما يتمكن من عمله بنفسه لأن التوكيل إنما جاز للحاجة فاختص ما دعت إليه الحاجة بخلاف وجود إذنه فإنه مطلق ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين القسم الثالث: ما عدا هذين القسمين, وهو ما يمكنه عمله بنفسه ولا يترفع عنه فهل يجوز له التوكيل فيه؟ على روايتين إحداهما, لا يجوز نقلها ابن منصور وهو مذهب أبى حنيفة وأبى يوسف والشافعي لأنه لم يأذن له في التوكيل, ولا تضمنه إذنه فلم يجز كما لو نهاه, ولأنه استئمان فيما يمكنه النهوض فيه فلم يكن له أن يوليه لمن لم يأمنه عليه كالوديعة والأخرى, يجوز نقلها حنبل وبه قال ابن أبى ليلى إذا مرض أو غاب لأن الوكيل له أن يتصرف بنفسه فملكه نيابة كالمالك والأول أولى ولا يشبه الوكيل المالك فإن المالك يتصرف بنفسه في ملكه كيف شاء, بخلاف الوكيل.
فصل وكل وكيل جاز له التوكيل فليس له أن يوكل إلا أمينا لأنه لا نظر للموكل في توكيل من ليس بأمين فيقيد جواز التوكيل بما فيه الحظ والنظر, كما أن الإذن في البيع يتقيد بالبيع بثمن المثل إلا أن يعين له الموكل من يوكله فيجوز توكيله, وإن لم يكن أمينا لأنه قطع نظره بتعيينه وإن وكل أمينا وصار خائنا فعليه عزله لأن تركه يتصرف مع الخيانة تضييع وتفريط, والوكالة تقتضى استئمان أمين وهذا ليس بأمين فوجب عزله.
فصل والحكم في الوصى يوكل فيما أوصى به إليه, وفي الحاكم يولى القضاء في ناحية يستنيب غيره حكم الوكيل فيما ذكرنا من التفصيل إلا أن المنصوص عن أحمد, في رواية مهنا جواز ذلك وهو قول الشافعي في الوصى لأن الوصى يتصرف بولاية بدليل أنه يتصرف فيما لم ينص له على التصرف فيه, والوكيل لا يتصرف إلا فيما نص له عليه والجمع بينهما أولى لأنه متصرف في مال غيره بالإذن فأشبه الوكيل وإنما يتصرف فيما اقتضته الوصية, كالوكيل إنما يتصرف فيما اقتضته الوكالة.
فصل فأما الولي في النكاح فله التوكيل في تزويج موليته بغير إذنها أبا كان أو غيره وقال القاضي في من ولايته غير ولاية الإجبار: هو كالوكيل, يخرج على الروايتين المنصوص عليهما في الوكيل ولأصحاب الشافعي فيه وجهان أحدهما لا يملك التوكيل إلا بإذنها لأنه لا يملك التزويج إلا بإذنها أشبه الوكيل, ولنا أن ولايته من غير جهتها فلم يعتبر إذنها في توكيله فيها, كالأب بخلاف الوكيل ولأنه متصرف بحكم الولاية الشرعية, أشبه الحاكم ولأن الحاكم يملك تفويض عقود الأنكحة إلى غيره بغير إذن النساء فكذلك الولي وما ذكروه يبطل بالحاكم والذي يعتبر إذنها فيه هو غير ما يوكل فيه, بدليل أن الوكيل لا يستغنى عن إذنها له في التزويج أيضا فهو كالموكل في ذلك.
فصل إذا أذن الموكل في التوكيل فوكل, كان الوكيل الثاني وكيلا للموكل لأنه لا ينعزل بموت الوكيل الأول ولا عزله, ولا يملك الأول عزل الثاني لأنه ليس بوكيله وإن أذن له أن يوكل لنفسه جاز وكان وكيلا للموكل ينعزل بموته وعزله إياه, وإن مات الموكل أو عزل الأول انعزلا جميعا لأنهما فرعان له, لكن أحدهما فرع للآخر فذهب حكمهما بذهاب أصلهما وإن وكل من غير أن يؤذن له في التوكيل نطقا بل وجد عرفا, أو على الرواية التي أجزنا له التوكيل من غير إذن فالثانى وكيل الوكيل الأول حكمه حكم ما لو أذن له أن يوكل لنفسه.
فصل إذا وكل رجلا في الخصومة, لم يقبل إقراره على موكله بقبض الحق ولا غيره وبه قال مالك والشافعي وابن أبى ليلى وقال أبو حنيفة ومحمد: يقبل إقراره في مجلس الحكم, فيما عدا الحدود والقصاص وقال أبو يوسف: يقبل إقراره في مجلس الحكم وغيره لأن الإقرار أحد جوابى الدعوى فصح من الوكيل كالإنكار ولنا, أن الإقرار معنى يقطع الخصومة وينافيها فلا يملكه الوكيل فيها كالإبراء وفارق الإنكار فإنه لا يقطع الخصومة, ويملكه في الحدود والقصاص وفي غير مجلس الحاكم ولأن الوكيل لا يملك الإنكار على وجه يمنع الموكل من الإقرار فلو ملك الإقرار, لامتنع على الموكل الإنكار فافترقا ولا يملك المصالحة عن الحق, ولا الإبراء منه بغير خلاف نعلمه لأن الإذن في الخصومة لا يقتضي شيئا من ذلك وإن أذن له في تثبيت حق لم يملك قبضه وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة: يملك قبضه لأن المقصود من التثبيت قبضه وتحصيله ولنا, أن القبض لا يتناوله الإذن نطقا ولا عرفا إذ ليس كل من يرضاه لتثبيت الحق يرضاه لقبضه وإن وكله في قبض حق فجحد من عليه الحق, كان وكيلا في تثبيته عليه في أحد الوجهين وبه قال أبو حنيفة والآخر: ليس له ذلك وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأنهما معنيان مختلفان, فالوكيل في أحدهما لا يكون وكيلا في الآخر كما لا يكون وكيلا في القبض بالتوكيل في الخصومة ووجه الأول أنه لا يتوصل إلى القبض إلا بالتثبيت فكان إذنا فيه عرفا, ولأن القبض لا يتم إلا به فملكه كما لو وكل في شراء شيء ملك وزن ثمنه, أو في بيع شيء ملك تسليمه ويحتمل أنه إن كان الموكل عالما بجحد من عليه الحق أو مطله كان توكيلا في تثبيته والخصومة فيه لعلمه بوقوف القبض عليه وإن لم يعلم ذلك, لم يكن توكيلا فيه لعدم علمه بتوقف القبض عليه ولا فرق بين كون الحق عينا أو دينا وقال بعض أصحاب أبى حنيفة: إن وكله في قبض عين لم يملك تثبيتها لأنه وكيل في نقلها أشبه الوكيل في نقل الزوجة ولنا أنه وكيل في قبض حق, فأشبه الوكيل في قبض الدين وما ذكروه يبطل بالتوكيل في قبض الدين فإنه وكيل في قبضه ونقله إليه.
فصل وإن وكله في بيع شيء ملك تسليمه لأن إطلاق التوكيل في البيع يقتضي التسليم لكونه من تمامه, ولم يملك الإبراء من ثمنه وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة: يملكه ولنا أن الإبراء ليس من البيع ولا من تتمته, فلا يكون التوكيل في البيع توكيلا فيه كالإبراء من غير ثمنه وأما قبض الثمن فقال القاضي وأبو الخطاب: لا يمكن وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأنه قد يوكل في البيع من لا يأمنه على قبض الثمن فعلى هذا إن تعذر قبض الثمن من المشتري, لم يلزم الوكيل شيء ويحتمل أن يملك قبض الثمن لأنه من موجب البيع فملكه الوكيل فيه كتسليم المبيع فعلى هذا ليس له تسليم المبيع إلا بقبض الثمن أو حضوره وإن سلمه قبل قبض ثمنه ضمنه والأولى أن ينظر فيه, فإن دلت قرينة الحال على قبض الثمن مثل توكيله في بيع ثوب في سوق غائب عن الموكل أو موضع يضيع الثمن بترك قبض الوكيل له, كان إذنا في قبضه ومتى ترك قبضه كان ضامنا له لأن ظاهر حال الموكل أنه إنما أمره بالبيع لتحصيل ثمنه فلا يرضى بتضييعه ولهذا يعد من فعل ذلك مضيعا مفرطا وإن لم تدل القرينة على ذلك, لم يكن له قبضه.
فصل وإن وكله في بيع شيء أو طلب الشفعة أو قسم شيء, ففيه وجهان أحدهما يملك تثبيته وهو قول أبى حنيفة في القسمة وطلب الشفعة لأنه لا يتوصل إلى ما وكله فيه إلا بالتثبيت والثاني لا يملكه وهو قول بعض أصحاب الشافعي لأنه يمكن أحدهما دون الآخر, فلم يتضمن الإذن في أحدهما الإذن في الآخر.
فصل وإن وكله في شراء شيء ملك تسليم ثمنه لأنه من تتمته وحقوقه فهو كتسليم المبيع في البيع والحكم في قبض المبيع كالحكم في قبض الثمن في المبيع, على ما مضى من القول فيه فإن اشترى عبدا ونقد ثمنه فخرج العبد مستحقا فهل يملك أن يخاصم البائع في الثمن؟ على وجهين فإن اشترى شيئا, وقبضه وأخر تسليم الثمن لغير عذر فهلك في يده, فهو ضامن له وإن كان له عذر مثل أن ذهب لينقده فهلك أو نحو ذلك, فلا ضمان عليه نص عليه أحمد لأنه مفرط في إمساكه كما في الصورة الأولى دون الثانية فلذلك لزمه الضمان بخلاف ما إذا لم يفرط.
فصل وإذا وكله في قبض دين من رجل, فمات نظرت في لفظه فإن قال: اقبض حقى من فلان لم يكن له قبضه من وارثه لأنه لم يؤمر بذلك وإن قال: اقبض حقى الذي قبل فلان أو على فلان فله مطالبة وارثه والقبض لأن قبضه من الوارث قبض للحق الذي على موروثه فإن قيل: فلو قال: اقبض حقى من زيد فوكل زيد إنسانا في الدفع إليه كان له القبض منه والوارث نائب الموروث, فهو كوكيله قلنا: إن الوكيل إذا دفع عنه بإذنه جرى مجرى تسليمه لأنه أقامه مقام نفسه وليس كذلك ها هنا فإن الحق انتقل إلى الورثة فاستحقت المطالبة عليهم, لا بطريق النيابة عن الموروث ولهذا لو حلف لا يفعل شيئا حنث بفعل وكيله له, ولا يحنث بفعل وارثه.
مسألة قال:[وإذا باع الوكيل ثم ادعى تلف الثمن من غير تعد فلا ضمان عليه فإن اتهم حلف] إذا اختلف الوكيل والموكل لم يخل من ستة أحوال: أحدها أن يختلفا في التلف, فيقول الوكيل تلف مالك في يدي أو الثمن الذي قبضته ثمن متاعك تلف في يدي فيكذبه الموكل فالقول قول الوكيل مع يمينه لأنه أمين وهذا مما يتعذر إقامة البينة عليه, فلا يكلف ذلك كالمودع وكذلك كل من كان في يده شيء لغيره على سبيل الأمانة كالأب والوصي, وأمين الحاكم والمودع والشريك, والمضارب والمرتهن والمستأجر, والأجير المشترك وإنما كان كذلك لأنه لو كلف ذلك مع تعذره عليه, لامتنع الناس من الدخول في الأمانات مع الحاجة إليها فيلحقهم الضرر قال القاضي: إلا أن يدعى التلف بأمر ظاهر كالحريق والنهب وشبههما, فعليه إقامة البينة على وجود هذا الأمر في تلك الناحية ثم يكون القول قوله في تلفها بذلك وهذا قول الشافعي لأن وجود الأمر الظاهر مما لا يخفى فلا تتعذر إقامة البينة عليه. الحالة الثانية, أن يختلفا في تعدى الوكيل أو تفريطه في الحفظ ومخالفته أمر موكله مثل أن يدعى عليه أنك حملت على الدابة فوق طاقتها, أو حملت عليها شيئا لنفسك أو فرطت في حفظها أو لبست الثوب, أو أمرتك برد المال فلم تفعل ونحو ذلك فالقول قول الوكيل أيضا مع يمينه لما ذكرنا في الذي قبله ولأنه منكر لما يدعى عليه, والقول قول المنكر ومتى ثبت التلف في يده من غير تعديه إما لقبول قوله وإما بإقرار موكله أو بينة, فلا ضمان عليه سواء تلف المتاع الذي أمر ببيعه أو باعه وقبض ثمنه فتلف الثمن, وسواء كان بجعل أو بغير جعل لأنه نائب المالك في اليد والتصرف فكان الهلاك في يده كالهلاك في يد المالك وجرى مجرى المودع والمضارب وشبههما وإن تعدى أو فرط, ضمن وكذلك سائر الأمناء ولو باع الوكيل سلعة وقبض ثمنها فتلف من غير تعد واستحق المبيع, رجع المشترى بالثمن على الموكل دون الوكيل لأن المبيع له فالرجوع بالعهدة عليه كما لو باع بنفسه. الحال الثالثة, أن يختلفا في التصرف فيقول الوكيل: بعت الثوب وقبضت الثمن فتلف فيقول الموكل: لم تبع ولم تقبض أو يقول: بعت ولم تقبض شيئا فالقول قول الوكيل ذكره ابن حامد وهو قول أصحاب الرأي لأنه يملك البيع والقبض, فيقبل قوله فيهما كما يقبل قول ولى المرأة المجبرة على النكاح في تزويجها ويحتمل أن لا يقبل قوله وهو أحد القولين لأصحاب الشافعي لأنه يقر بحق لغيره على موكله فلم يقبل, كما لو أقر بدين عليه وإن وكل في شراء عبد فاشتراه واختلفا في قدر ما اشتراه به, فقال: اشتريته بألف وقال: بل اشتريته بخمسمائة فالقول قول الوكيل لما ذكرناه وقال القاضي: القول قول الموكل إلا أن يكون عين له الشراء بما ادعاه فقال: اشتر لي عبدا بألف فادعى الوكيل أنه اشتراه بذلك, فالقول قول الوكيل إذا وإلا فالقول قول الموكل لأن من كان القول قوله في أصل شيء كان القول قوله في صفته وللشافعي قولان كهذين الوجهين وقال أبو حنيفة: إن كان الشراء في الذمة, فالقول قول الموكل لأنه غارم مطالب بالثمن وإن اشترى بعين المال فالقول قول الوكيل لكونه الغارم فإنه يطالبه برد ما زاد على خمس المائة ولنا أنهما اختلفا في تصرف الوكيل, فكان القول قوله كما لو اختلفا في البيع ولأنه أمين في الشراء, فكان القول قوله في قدر ثمن المشترى كالمضارب وكما لو قال له: اشتر بألف عند القاضي. الحال الرابعة, أن يختلفا في الرد فيدعيه الوكيل فينكره الموكل, فإن كان بغير جعل فالقول قول الوكيل لأنه قبض المال لنفع مالكه فكان القول قوله, كالمودع وإن كان بجعل ففيه وجهان أحدهما, أن القول قوله لأنه وكيل فكان القول قوله كالأول والثاني, لا يقبل قوله لأنه قبض المال لنفع نفسه فلم يقبل قوله في الرد كالمستعير وسواء اختلفا في رد العين أو رد ثمنها وجملة الأمناء على ضربين أحدهما, من قبض المال لنفع مالكه لا غير كالمودع والوكيل بغير جعل فيقبل قولهم في الرد لأنه لو لم يقبل قولهم لامتنع الناس من قبول هذه الأمانات, فيلحق الناس الضرر الثاني من ينتفع بقبض الأمانة كالوكيل بجعل, والمضارب والأجير المشترك والمستأجر, والمرتهن ففيهم وجهان ذكرهما أبو الخطاب وقال القاضي: لا يقبل قول المرتهن والمستأجر والمضارب في الرد لأن أحمد نص عليه في المضارب في رواية ابن منصور, ولأن من قبض المال لنفع نفسه لا يقبل قوله في الرد ولو أنكر الوكيل قبض المال ثم ثبت ذلك ببينة, أو اعتراف فادعى الرد أو التلف لم يقبل قوله لأن خيانته قد ثبتت بجحده فإن أقام بينة بما ادعاه من الرد أو التلف, فهل تقبل بينته؟ على وجهين أحدهما لا تقبل لأنه كذبها بجحده فإن قوله: ما قبضت يتضمن أنه لم يرد شيئا والثاني: تقبل لأنه يدعى الرد والتلف قبل وجود خيانته وإن كان جحوده أنك لا تستحق على شيئا, أو ما لك عندي شيء سمع قوله مع يمينه لأن جوابه لا يكذب ذلك فإنه إذا كان قد تلف أو رد, فليس له عنده شيء فلا تنافى بين القولين إلا أن يدعى أنه رده أو تلف بعد قوله: ما لك عندي شيء فلا يسمع قوله أيضا لثبوت كذبه وخيانته. الحالة الخامسة إذا اختلفا في أصل الوكالة, فقال: وكلتنى فأنكر الموكل فالقول قول الموكل لأن الأصل عدم الوكالة فلم يثبت أنه أمينه ليقبل قوله عليه ولو قال: وكلتك, ودفعت إليك مالا فأنكر الوكيل ذلك كله أو اعترف بالتوكيل وأنكر دفع المال إليه, فالقول قوله لذلك ولو قال رجل لآخر: وكلتنى أن أتزوج لك فلانة بصداق كذا ففعلت وادعت المرأة ذلك, فأنكر الموكل فالقول قوله نص عليه أحمد فقال: إن أقام البينة, وإلا لم يلزم الآخر عقد النكاح قال أحمد: ولا يستحلف قال القاضي: لأن الوكيل يدعى حقا لغيره فأما إن ادعته المرأة فينبغي أن يستحلف لأنها تدعى الصداق في ذمته فإذا حلف لم يلزمه الصداق, ولم يلزم الوكيل منه شيء لأن دعوى المرأة على الموكل وحقوق العقد لا تتعلق بالوكيل ونقل إسحاق بن إبراهيم عن أحمد أن الوكيل يلزمه نصف الصداق لأن الوكيل في الشراء ضامن للثمن, وللبائع مطالبته به كذا ها هنا والأول أولى لما ذكرناه ويفارق الشراء لأن الثمن مقصود البائع والعادة تعجيله وأخذه من المتولى للشراء, والنكاح يخالفه في هذا كله ولكن إن كان الوكيل ضمن المهر فلها الرجوع عليه بنصفه لأنه ضمنه عن الموكل, وهو مقر بأنه في ذمته وبهذا قال أبو حنيفة وأبو يوسف والشافعي وقال محمد بن الحسن: يلزم الوكيل جميع الصداق لأن الفرقة لم تقع بإنكاره, فيكون ثابتا في الباطن فيجب جميع الصداق ولنا أنه يملك الطلاق, فإذا أنكر فقد أقر بتحريمها عليه فصار بمنزلة إيقاعه لها تحرم به قال أحمد: ولا تتزوج المرأة حتى يطلق لعله يكون كاذبا في إنكاره وظاهر هذا تحريم نكاحها قبل طلاقها لأنها معترفة بأنها زوجة له, فيؤخذ بإقرارها وإنكاره ليس بطلاق وهل يلزم الموكل طلاقها؟ يحتمل أن لا يلزمه لأنه لم يثبت في حقه نكاح ولو ثبت لم يكلف الطلاق ويحتمل أن يكلفه, لإزالة الاحتمال وإزالة الضرر عنها بما لا ضرر عليه فيه فأشبه النكاح الفاسد ولو ادعى أن فلانا الغائب وكله في تزوج امرأة فتزوجها له, ثم مات الغائب لم ترثه المرأة إلا أن يصدقه الورثة, أو يثبت ببينة وإن أقر الموكل بالتوكيل في التزويج وأنكر أن يكون الوكيل تزوج له فهاهنا الاختلاف في تصرف الوكيل, والقول قول الوكيل فيه فيثبت التزويج ها هنا وقال القاضي: لا يثبت وهو قول أبى حنيفة لأنه لا تتعذر إقامة البينة عليه, لكونه لا ينعقد إلا بها وذكر أن أحمد نص عليه وأشار إلى نصه فيما إذا أنكر الموكل الوكالة من أصلها ولنا أنهما اختلفا في فعل الوكيل ما أمر به فكان القول قوله, كما لو وكله في بيع ثوب فادعى أنه باعه أو في شراء عبد بألف فادعى أنه اشتراه به وما ذكره القاضي من نص أحمد فيما إذا أنكر الموكل الوكالة فليس بنص ها هنا لاختلاف أحكام الصورتين وتباينهما, فلا يكون النص في إحداهما نصا في الأخرى وما ذكره من المعنى لا أصل له فلا يعول عليه ولو غاب رجل فجاء رجل آخر إلى امرأته, فذكر أن زوجها طلقها وأبانها ووكله في تجديد نكاحها بألف فأذنت له في نكاحها فعقد عليها, وضمن الوكيل الألف ثم جاء زوجها فأنكر هذا كله فالقول قوله, والنكاح الأول بحاله وقياس ما ذكرناه أن المرأة إن صدقت الوكيل لزمه الألف إلا أن يبينها زوجها قبل دخوله بها وحكى ذلك عن مالك, وزفر وحكى عن أبى حنيفة والشافعي أنه لا يلزم الضامن شيء لأنه فرع عن المضمون عنه, ولم يلزم المضمون عنه شيء فكذلك فرعه ولنا أن الوكيل مقر بأن الحق في ذمة المضمون عنه, وأنه ضامن عنه فلزمه ما أقر به كما لو ادعى على رجل أنه ضمن له ألفا على أجنبي, فأقر الضامن بالضمان وصحته وثبوت الحق في ذمة المضمون عنه وكما لو ادعى شفعة على إنسان في شقص اشتراه فأقر البائع بالبيع, وأنكره المشترى فإن الشفيع يستحق الشفعة في أصح الوجهين وإن لم تدع المرأة صحة ما ذكره الوكيل فلا شيء عليه ويحتمل أن من أسقط عنه الضمان أسقطه في هذه الصورة, ومن أوجبه أوجبه في الصورة الأخرى فلا يكون فيها اختلاف والله أعلم. الحال السادسة أن يختلفا في صفة الوكالة, فيقول: وكلتك في بيع هذا العبد قال: بل وكلتنى في بيع هذه الجارية أو قال: وكلتك في البيع بألفين قال: بل بألف أو قال: وكلتك في بيعه نقدا قال بل نسيئة أو قال: وكلتك في شراء عبد قال: بل في شراء أمة أو قال: وكلتك في الشراء بخمسة قال: بل بعشرة فقال القاضي: القول قول الموكل وهو مذهب الشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر وقال أبو الخطاب: إذا قال: أذنت لك في البيع نقدا, في الشراء بخمسة قال: بل أذنت لي في البيع نسيئة وفي الشراء بعشرة فالقول قول الوكيل نص عليه أحمد في المضاربة لأنه أمين في التصرف فكان القول قوله في صفته, كالخياط إذا قال: أذنت لي في تفصيله قباء قال: بل قميصا وحكى عن مالك إن أدركت السلعة فالقول قول الموكل, وإن فاتت فالقول قول الوكيل لأنها إذا فاتت لزم الوكيل الضمان والأصل عدمه, بخلاف ما إذا كانت موجودة والقول الأول أصح لوجهين: أحدهما أنهما اختلفا في التوكيل الذي يدعيه الوكيل والأصل عدمه, فكان القول قول من ينفيه كما لو لم يقر الموكل بتوكيله في غيره والثاني أنهما اختلفا في صفة قول الموكل, فكان القول قوله في صفة كلامه كما لو اختلف الزوجان في صفة الطلاق فعلى هذا إذا قال: اشتريت لك هذه الجارية بإذنك قال: ما أذنت لك إلا في شراء غيرها أو قال: اشتريتها لك بألفين فقال: ما أذنت لك في شرائها إلا بألف فالقول قول الموكل وعليه اليمين فإذا حلف برئ من الشراء, ثم لا يخلو إما أن يكون الشراء بعين المال أو في الذمة فإن كان بعين المال, فالبيع باطل وترد الجارية على البائع إن اعترف بذلك وإن كذبه في أن الشراء لغيره أو بمال غيره بغير إذنه, فالقول قول البائع لأن الظاهر أن ما في يد الإنسان له فإن ادعى الوكيل علمه بذلك حلفه إنه لا يعلم أنه اشتراه بمال موكله لأنه يحلف على نفى فعل غيره فكانت يمينه على نفى العلم فإذا حلف, أمضى البيع وعلى الوكيل غرامة الثمن لموكله ودفع الثمن إلى البائع, وتبقى الجارية في يده ولا تحل له لأنه لا يخلو من أن يكون صادقا فتكون للموكل, أو كاذبا فتكون للبائع فإذا أراد استحلالها اشتراها ممن هي له في الباطن, فإن امتنع من بيعه إياها رفع الأمر إلى الحاكم ليرفق به ليبيعه إياها, ليثبت الملك له ظاهرا وباطنا ويصير ما ثبت له في ذمته ثمنا قصاصا بالذى أخذ منه الآخر ظلما فإن امتنع الآخر من البيع, لم يجبر عليه لأنه عقد مراضاة وإن قال: إن كانت الجارية لي فقد بعتكها أو قال الموكل: إن كنت أذنت لك في شرائها بألفين فقد بعتكها ففيه وجهان أحدهما لا يصح وهو قول القاضي وبعض الشافعية لأنه بيع معلق على شرط والثاني, يصح لأن هذا أمر واقع يعلمان وجوده فلا يضر جعله شرطا, كما لو قال: إن كانت هذه الجارية جاريتى فقد بعتكها وكذلك كل شرط علما وجوده فإنه لا يوجب وقوف البيع ولا شكا فيه فأما إن كان الوكيل اشترى في الذمة ثم نقد الثمن, صح الشراء ولزم الوكيل في الظاهر فأما في الباطن, فإن كان الوكيل كاذبا في دعواه فالجارية له لأنه اشتراها في ذمته بغير أمر غيره وإن كان صادقا, فالجارية لموكله فإذا أراد إحلالها له توصل إلى شرائها منه كما ذكرنا وكل موضع كانت للموكل في الباطن فامتنع من بيعها للوكيل, فقد حصلت في يد الوكيل وهي للموكل وفي ذمته للوكيل ثمنها فأقرب الوجوه أن يأذن للحاكم في بيعها, وتوفية حقه من ثمنها فإن كانت للوكيل فقد أذن في بيعها, وإن كانت للموكل فقد باعها الحاكم في إيفاء دين امتنع المدين من وفائه وقد قيل غير ما ذكرنا وهذا أقرب -إن شاء الله تعالى- وإن اشتراها الوكيل من الحاكم بماله على الموكل, جاز لأنه قائم مقام الموكل في هذا فأشبه ما لو اشترى منه.
فصل ولو وكله في بيع عبد فباعه نسيئة, فقال الموكل: ما أذنت في بيعه إلا نقدا وصدقه الوكيل والمشترى فسد البيع وله مطالبة من شاء منهما بالعبد, إن كان باقيا أو بقيمته إن كان تالفا فإن أخذ القيمة من الوكيل رجع على المشترى بها لأن التلف في يده, فاستقر الضمان عليه وإن أخذها من المشترى لم يرجع على أحد وإن كذباه, وادعيا أنه أذن في البيع نسيئة فعلى قول القاضي: يحلف الموكل ويرجع في العين إن كانت قائمة, وإن كانت تالفة رجع بقيمتها على من شاء منهما فإن رجع على المشتري, رجع على الوكيل بالثمن الذي أخذه منه لا غير لأنه لم يسلم له المبيع وإن ضمن الوكيل لم يرجع على المشترى في الحال لأنه يقر بصحة البيع وتأجيل الثمن, وإن البائع ظلمه بالرجوع عليه وأنه إنما يستحق المطالبة بالثمن بعد الأجل فإذا حل الأجل, رجع الوكيل على المشترى بأقل الأمرين من القيمة أو الثمن المسمى لأن القيمة إن كانت أقل فما غرم أكثر منها فلا يرجع بأكثر مما غرم, وإن كان الثمن أقل فالوكيل معترف للمشترى أنه لا يستحق عليه أكثر منه وأن الموكل ظلمه بأخذ الزائد على الثمن, فلا يرجع على المشترى بما ظلمه به الموكل وإن كذبه أحدهما دون الآخر فله الرجوع على المصدق بغير يمين ويحلف على المكذب, ويرجع على حسب ما ذكرنا هذا إن اعترف المشترى بأن الوكيل وكيل في البيع وإن أنكر ذلك وقال: إنما بعتنى ملكك, فالقول قوله مع يمينه أنه لا يعلم كونه وكيلا ولا يرجع عليه بشيء.
فصل وإذا قبض الوكيل ثمن المبيع فهو أمانة في يده, لا يلزمه تسليمه قبل طلبه ولا يضمنه بتأخيره لأنه رضي بكونه في يده ولم يرجع عن ذلك فإن طلبه فأخر رده مع إمكانه فتلف, ضمنه وإن وعده برده ثم ادعى أننى كنت رددته قبل طلبه أو أنه كان تلف, لم يقبل قوله لأنه مكذب لنفسه بوعده برده فإن صدقه الموكل برئ وإن كذبه, فالقول قول الموكل فإن أقام الوكيل بينة بذلك فهل يقبل على وجهين أحدهما, يقبل لأنه لو صدقه الموكل برئ فكذلك إذا قامت له بينة ولأن البينة إحدى الحجتين, فبرئ بها كالإقرار والثاني: لا يقبل لأنه كذبه بوعده بالدفع أما إذا صدقه فقد أقر ببراءته فلم يبق له منازع وإن لم يعده برده, لكن منعه أو مطله برده مع إمكانه ثم ادعى التلف أو الرد لم يقبل قوله لأنه ضامن بالمنع, خارج عن حال الأمانة وإن أقام بما ادعاه من الرد أو التلف بينة سمعت لأنه لم يكذبها.
فصل قال أحمد في رواية أبى الحارث في رجل له على آخر دراهم, فبعث إليه رسولا يقبضها فبعث إليه مع الرسول دينارا فضاع مع الرسول, فهو من مال الباعث لأنه لم يأمره بمصارفته إنما كان من ضمان الباعث لأنه دفع إلى الرسول غير ما أمره به المرسل فإن المرسل إنما أمره بقبض ما له في ذمته, وهي الدراهم ولم يدفعها وإنما دفع دينارا عوضا عن عشرة دراهم, وهذا صرف يفتقر إلى رضي صاحب الدين وإذنه ولم يأذن فصار الرسول وكيلا للباعث في تأديته إلى صاحب الدين ومصارفته به, فإذا تلف في يد وكيله كان من ضمانه اللهم إلا أن يخبر الرسول الغريم أن رب الدين أذن له في قبض الدينار عن الدراهم فيكون حينئذ من ضمان الرسول لأنه غره وأخذ الدينار على أنه وكيل للمرسل وإن قبض منه الدراهم التي أمر بقبضها فضاعت من الرسول, فهي من ضمان صاحب الدين لأنها تلفت من يد وكيله وقال أحمد في رواية مهنا في رجل له عند آخر دنانير وثياب فبعث إليه رسولا, وقال: خذ دينارا وثوبا فأخذ دينارين وثوبين فضاعت فالضمان على الباعث يعني الذي أعطاه الدينارين والثوبين, ويرجع به على الرسول يعني عليه ضمان الدينار والثوب الزائدين إنما جعل عليه الضمان لأنه دفعهما إلى من لم يؤمر بدفعهما إليه ورجع بهما على الرسول لأنه غره وحصل التلف في يده, فاستقر عليه الضمان وللموكل تضمين الوكيل لأنه تعدى بقبض ما لم يؤمر بقبضه فإذا ضمنه لم يرجع على أحد لأن التلف حصل في يده فاستقر الضمان عليه وقال أحمد في رجل وكل وكيلا في اقتضاء دينه, وغاب فأخذ الوكيل به رهنا فتلف الرهن في يد الوكيل, فقال: أساء الوكيل في أخذ الرهن ولا ضمان عليه إنما لم يضمنه لأنه رهن فاسد والقبض في العقد الفاسد, كالقبض في الصحيح فما كان القبض في صحيحه مضمونا كان مضمونا في فاسده, وما كان غير مضمون في صحيحه كان غير مضمون في فاسده ونقل البغوى عن أحمد في رجل أعطى آخر دراهم يشتري له بها شاة, فخلطها مع دراهمه فضاعا فلا شيء عليه وإن ضاع أحدهما, أيهما ضاع غرمه قال القاضي: هذا محمول على أنه خلطها بما تميز منها ويحتمل أنه أذن له في خلطها أما إن خلطها بما لا تتميز منه بغير إذنه ضمنها كالوديعة وإنما لزمه الضمان إذا ضاع أحدهما, لأنه لا يعلم أن الضائع دراهم الموكل والأصل بقاؤها ومعنى الضمان ها هنا أنه يحسب الضائع من دراهم نفسه فأما على المحمل الآخر, وهو إذا خلطها بما تتميز منه فإذا ضاعت دراهم الموكل وحدها فلا ضمان عليه لأنها ضاعت من غير تعد منه.
مسألة قال: [ولو أمره أن يدفع إلى رجل مالا فادعى أنه دفعه إليه, لم يقبل قوله على الآمر إلا ببينة] وجملته أن الرجل إذا وكل وكيلا في قضاء دينه ودفع إليه مالا ليدفعه إليه فادعى الوكيل قضاء الدين ودفع المال إلى الغريم, لم يقبل قوله على الغريم إلا ببينة لأنه ليس بأمينه فلم يقبل قوله عليه في الدفع إليه كما لو ادعى الموكل ذلك فإذا حلف الغريم, فله مطالبة الموكل لأن ذمته لا تبرأ بدفع المال إلى وكيله فإذا دفعه فهل للموكل الرجوع على وكيله؟ ينظر فإن ادعى أنه قضى الدين بغير بينة فللموكل الرجوع عليه إذا قضاه في غيبة الموكل قال القاضي: سواء صدقه أنه قضى الحق أو كذبه وهذا قول الشافعي لأنه أذن له في قضاء يبرئه, ولم يوجد وعن أحمد رواية أخرى: لا يرجع عليه بشيء إلا أن يكون أمره بالإشهاد فلم يفعل فعلى هذه الرواية إن صدقه الموكل في الدفع, لم يرجع عليه بشيء وإن كذبه فالقول قول الوكيل مع يمينه وهذا قول أبى حنيفة ووجه لأصحاب الشافعي لأنه ادعى فعل ما أمر به موكله, فكان القول قوله كما لو أمره ببيع ثوبه فادعى أنه باعه ووجه الأول أنه مفرط بترك الإشهاد, فضمن كما لو فرط في البيع بدون ثمن المثل فإن قيل: فلم يأمره بالإشهاد؟ قلنا إطلاق الأمر بالقضاء يقتضي ذلك لأنه لا يثبت إلا به فيصير كأمره بالبيع والشراء يقتضي ذلك العرف لا العموم كذا ها هنا وقياس القول الآخر يمكن القول بموجبه وأن قوله مقبول في القضاء, لكن لزمه الضمان لتفريطه لا لرد قوله وعلى هذا لو كان القضاء بحضرة الموكل, لم يضمن الوكيل شيئا لأن تركه الإشهاد والاحتياط رضي منه بما فعل وكيله وكذلك لو أذن له في القضاء بغير إشهاد فلا ضمان على الوكيل لأن صريح قوله يقدم على ما تقتضيه دلالة الحال وكذلك إن أشهد على القضاء عدولا فماتوا أو غابوا فلا ضمان عليه لعدم تفريطه وإن أشهد من يختلف في ثبوت الحق بشهادته, كشاهد واحد أو رجل وامرأتين فهل يبرأ من الضمان؟ يخرج على روايتين وإن اختلف الوكيل والموكل فقال: قضيت الدين بحضرتك قال: بل في غيبتي, أو قال: أذنت لي في قضائه بغير بينة فأنكر الإذن أو قال: أشهدت على القضاء شهودا فماتوا فأنكره الموكل فالقول قول الموكل لأن الأصل معه.
فصل وإن وكله في إيداع ماله فأودعه ولم يشهد, فقال أصحابنا: لا يضمن إذا أنكر المودع وكلام الخرقي بعمومه يقتضي أن لا يقبل قوله على الأمر وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأن الوديعة لا تثبت إلا بالبينة فهي كالدين وقال أصحابنا: لا يصح القياس على الدين لأن قول المودع يقبل في الرد والهلاك فلا فائدة في الاستيثاق, بخلاف الدين فإن قال الوكيل: دفعت المال إلى المودع فقال: لم تدفعه فالقول قول الوكيل لأنهما اختلفا في تصرفه وفيما وكل فيه فكان القول قوله فيه.
فصل وإذا كان على رجل دين وعنده وديعة, فجاءه إنسان فادعى أنه وكيل صاحب الدين الوديعة في قبضهما وأقام بذلك بينة وجب الدفع إليه وإن لم يقم بينة, لم يلزمه دفعها إليه سواء صدقه في أنه وكيله أو كذبه وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة: إن صدقه لزمه وفاء الدين وفي دفع العين إليه روايتان أشهرهما, لا يجب تسليمها واحتج بأنه أقر له بحق الاستيفاء فلزمه إيفاؤها, كما لو أقر له أنه وارثه ولنا أنه تسليم لا يبرئه فلا يجب, كما لو كان الحق عينا وكما لو أقر بأن هذا وصى الصغير وفارق الإقرار بكونه وارثه لأنه يتضمن براءته فإنه أقر بأنه لا حق لسواه فأما إن أنكر وكالته لم يستحلف وقال أبو حنيفة: يستحلف ومبنى الخلاف على الخلاف في وجوب الدفع مع التصديق, فمن أوجب عليه الدفع مع التصديق ألزمه اليمين عند التكذيب كسائر الحقوق, ومن لم يوجب عليه الدفع مع التصديق قال: لا يلزمه اليمين عند التكذيب لعدم فائدتها فإن دفع إليه مع التصديق أو مع عدمه فحضر الموكل, وصدق الوكيل برئ الدافع وإن كذبه, فالقول قوله مع يمينه فإذا حلف وكان الحق عينا قائمة في يد الوكيل, فله أخذها وله مطالبة من شاء بردها لأن الدافع دفعها إلى غير مستحقها والوكيل عين ماله في يده فإن طالب الدافع, فللدافع مطالبة الوكيل بها وأخذها من يده ليسلمها إلى صاحبها وإن تلفت العين, أو تعذر ردها فلصاحبها الرجوع ببدلها على من شاء منهما لأن الدافع ضمنها بالدفع والمدفوع إليه قبض ما لا يستحق قبضه وأيهما ضمن لم يرجع على الآخر لأن كل واحد منهما يدعى أن ما يأخذه المالك ظلم, ويقر بأنه لم يوجد من صاحبه تعد فلا يرجع على صاحبه بظلم غيره إلا أن يكون الدافع دفعها إلى الوكيل من غير تصديقه فيما ادعاه من الوكالة فإن ضمن رجع على الوكيل لكونه لم يقر بوكالته ولا ثبتت ببينة وإن ضمن الوكيل, لم يرجع عليه وإن صدقه لكن الوكيل تعدى فيها أو فرط استقر الضمان عليه فإن ضمن لم يرجع على أحد, وإن ضمن الدافع رجع عليه لأنه وإن كان يقر أنه قبضه قبضا صحيحا لكن لزمه الضمان بتفريطه وتعديه, فالدافع يقول: ظلمنى المالك بالرجوع على وله على الوكيل حق يعترف به الوكيل فبأخذه يستوفى حقه منه فأما إن كان المدفوع دينا لم يرجع إلا على الدافع وحده لأن حقه في ذمة الدافع لم يبرأ منه بتسليمه إلى غير وكيل صاحب الحق, والذي أخذه الوكيل عين مال الدافع في زعم صاحب الحق والوكيل والدافع يزعمان أنه صار ملكا لصاحب الحق وأنه ظالم للدافع بالأخذ منه, فيرجع الدافع فيما أخذ منه الوكيل ويكون قصاصا مما أخذ منه صاحب الحق وإن كان قد تلف في يد الوكيل لم يرجع عليه بشيء لأنه مقر بأنه أمين لا ضمان عليه, إلا أن يتلف بتعديه وتفريطه فيرجع عليه.
فصل فإن جاء رجل فقال: أنا وارث صاحب الحق. فإن أنكره، لزمته اليمين أنه لا يعلم صحة ما قال؛ لأن اليمين هاهنا على نفي فعل الغير، فكانت على نفي العلم؛ لأنه لو صدقه لزمه الدفع إليه، فلما لزمه الدفع مع الإقرار، لزمته اليمين مع الإنكار. وإن صدقه في أنه وارث صاحب الحق، لا وارث له سواه، لزمه الدفع إليه. بغير خلاف نعلمه؛ لأنه مقر له بالحق، وإنه يبرأ بهذا الدفع، فلزمه، كما لو جاء صاحب الحق. فأما إن جاء رجل، فقال: قد أحالني عليك صاحب الحق. فصدقه، ففيه وجهان؛ أحدهما: لا يلزمه الدفع إليه؛ لأن الدفع إليه غير مبرئ، ولاحتمال أن يجيء المحيل فينكر الحوالة أو يضمنه، فأشبه المدعي للوكالة. والثاني، يلزمه الدفع إليه؛ لأنه معترف بأن الحق له لا لغيره، فأشبه الوارث. فإن قلنا: يلزمه الدفع مع الإقرار. لزمته اليمين مع الإنكار. وإن قلنا: لا يلزمه الدفع مع الإقرار. لم تلزمه اليمين مع الإنكار؛ لعدم الفائدة فيها. ومثل هذا مذهب الشافعي .
فصل ومن طلب منه حق فامتنع من دفعه حتى يشهد القابض على نفسه بالقبض, نظرت فإن كان الحق عليه بغير بينة لم يلزمه القاضي بالإشهاد لأنه لا ضرر عليه في ذلك فإنه متى ادعى الحق على الدافع بعد ذلك, قال: لا يستحق على شيء والقول قوله مع يمينه وإن كان الحق ثبت ببينة وكان من عليه الحق يقبل قوله في الرد كالمودع والوكيل بغير جعل, فكذلك لأنه متى ادعى عليه حق أو قامت به بينة فالقول قوله في الرد وإن كان ممن لا يقبل قوله في الرد, أو يختلف في قبول قوله كالغاصب والمستعير والمرتهن لم يلزمه تسليم ما قبله إلا بالإشهاد, لئلا ينكر القابض القبض ولا يقبل قول الدافع في الرد وإن قال: لا يستحق على شيئا قامت عليه البينة أو إذا أشهد على نفسه بالقبض لم يلزمه تسليم الوثيقة بالحق إلى من عليه الحق لأن بينة القبض تسقط البينة الأولى والكتاب ملكه, فلا يلزمه تسليمه إلى غيره.
مسألة قال: [وشراء الوكيل من نفسه غير جائز وكذلك الوصي] وجملة ذلك أن من وكل في بيع شيء، لم يجز له أن يشتريه من نفسه، في إحدى الروايتين. نقلها. مهنا. وهو مذهب الشافعي وأصحاب الرأي. وكذلك الوصي، لا يجوز أن يشتري من مال اليتيم شيئا لنفسه، في إحدى الروايتين. وهو مذهب الشافعي. وحكي عن مالك، والأوزاعي جواز ذلك فيهما. والرواية الثانية عن أحمد: يجوز لهما أن يشتريا بشرطين؛ أحدهما، أن يزيدا على مبلغ ثمنه في النداء. والثاني، أن يتولى النداء غيره. قال القاضي: يحتمل أن يكون اشتراط تولي غيره النداء واجبا، ويحتمل أن يكون مستحبا، والأول أشبه بظاهر كلامه. وقال أبو الخطاب: الشرط الثاني، أن يولي من يبيع، ويكون هو أحد المشترين. فإن قيل: فكيف يجوز له دفعها إلى غيره ليبيعها، وهذا توكيل وليس للوكيل التوكيل ؟ قلنا: يجوز التوكيل فيما لا يتولى مثله بنفسه، والنداء مما لم تجر العادة أن يتولاه أكثر الناس بنفوسهم. وإن وكل إنسانا يشتري له، وباعه هو، جاز على هذه الرواية؛ لأنه امتثل أمر موكله في البيع، وحصل غرضه من الثمن، فجاز، كما لو اشتراها أجنبي. وقال أبو حنيفة: رضي الله عنه يجوز للوصي الشراء دون الوكيل؛ لأن الله تعالى قال: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن}. وإذا اشترى مال اليتيم بأكثر من ثمن مثله، فقد قربه بالتي هي أحسن. ولأنه نائب عن الأب، وذلك جائز للأب، فكذلك لنائبه. ووجه الرواية الأولى، أن العرف في البيع بيع الرجل من غيره، فحملت الوكالة عليه، كما لو صرح به، فقال: بعه غيرك. ولأنه تلحقه التهمة، ويتنافى الغرضان في بيعه نفسه، فلم يجز، كما لو نهاه. والوصي كالوكيل، لا يلي بيع مال غيره بتوليه، فأشبه الوكيل، بل التهمة في الوصي آكد من الوكيل؛ لأن الوكيل يتهم في ترك الاستقصاء في الثمن لا غير، والوصي يتهم في ذلك، وفي أنه يشتري من مال اليتيم ما لا حظ لليتيم في بيعه، فكان أولى بالمنع، وعند ذلك لا يكون أخذه لماله قربا له بالتي هي أحسن. وقد روي عن ابن مسعود أنه قال في رجل أوصى إلى رجل بتركته، وقد ترك فرسا، فقال الوصي: اشتره ؟ قال: لا.
فصل والحكم في الحاكم وأمينه، كالحكم في الوكيل، والحكم في بيع أحد هؤلاء لوكيله، أو ولده الصغير، أو الطفل يلي عليه، أو لوكيله، أو عبده المأذون، كالحكم في بيعه لنفسه، كل ذلك يخرج على روايتين، بناء على بيعه لنفسه، أما بيعه لولده الكبير، أو والده، أو مكاتبه، فذكرهم أصحابنا أيضا في جملة ما يخرج على روايتين. ولأصحاب الشافعي فيهم وجهان. وقال أبو حنيفة: يجوز بيعه لولده الكبير؛ لأنه امتثل أمر موكله، ووافق العرف في بيع غيره، فصح، كما لو باعه لأخيه، وفارق البيع لوكيله؛ لأن الشراء إنما يقع لنفسه، وكذلك بيع عبده المأذون، وبيع طفل يلي عليه، بيع لنفسه؛ لأنه هو المشتري له، ووجه الجمع بينهم، أنه يتهم في حقهم، ويميل إلى ترك الاستقصاء عليهم في الثمن، كتهمته في حق نفسه، وكذلك لا تقبل شهادته. والحكم فيما أراد أن يشتري لموكله، كالحكم في بيعه لماله لأنهما سواء في المعنى .
فصل وإن وكل رجلا يتزوج له امرأة فهل له أن يزوجه ابنته؟ ويخرج على ما ذكرنا في الوكيل في البيع هل يبيع لولده؟ وقال أبو يوسف ومحمد: يجوز ووجه القولين ما تقدم في التي قبلها وإن أذنت له وليته في تزويجها, خرج في تزويجها لنفسه أو لولده وجهان بناء على ما ذكر في البيع وكذلك إن وكله رجل في تزويج ابنته خرج فيه مثل ذلك.
فصل وإن وكله رجل في بيع عبده ووكله آخر في شراء عبد, فقياس المذهب أنه يجوز له أن يشتريه له من نفسه لأنه أذن له في طرفي العقد فجاز له أن يليهما إذا كان غير متهم كالأب يشتري من مال ولده لنفسه ولو وكله المتداعيان في الدعوى عنهما, فالقياس جوازه لأنه تمكنه الدعوى عن أحدهما والجواب عن الآخر وإقامة حجة كل واحد منهما, ولأصحاب الشافعي في المسألة وجهان.
فصل وإذا أذن للوكيل أن يشتري من نفسه جاز له ذلك وقال أصحاب الشافعي في أحد الوجهين: لا يجوز لأنه يجتمع له في عقده غرضان, الاسترخاص لنفسه والاستقصاء للموكل وهما متضادان, فتمانعا ولنا أنه وكل في التصرف لنفسه فجاز, كما لو وكل المرأة في طلاق نفسها ولأن علة المنع هي من المشترى لنفسه في محل لاتفاق التهمة لدلالتها على عدم رضي الموكل بهذا التصرف, وإخراج هذا التصرف عن عموم لفظه وإذنه وقد صرح ها هنا بالإذن فيها فلا تبقى دلالة الحال مع نصه بلفظه على خلافه وقولهم: إنه يتضاد مقصوده في البيع والشراء قلنا: إن عين الموكل له الثمن, فاشترى به فقد زال مقصود الاستقصاء فإنه لا يراد أكثر مما قد حصل, وإن لم يعين له الثمن تقيد البيع بثمن المثل كما لو باع الأجنبى وقد ذكر أصحابنا فيما إذا وكل عبدا يشتري له نفسه من سيده وجها, أنه لا يجوز فيخرج ها هنا مثله والصحيح ما قلنا -إن شاء الله تعالى-.
فصل إذا وكل عبدا يشتري نفسه من سيده أو يشتري منه عبدا آخر, ففعل صح وبه قال أبو حنيفة وبعض الشافعية وقال بعضهم: لا يجوز لأن يد العبد كيد سيده فأشبه ما لو وكله في الشراء من نفسه, ولهذا يحكم للإنسان بما في يد عبده وذكر أصحابنا وجها كذلك ولنا أنه يجوز أن يشتري عبدا من غير مولاه فجاز أن يشتريه من مولاه كالأجنبي, وإذا جاز أن يشتري غيره جاز أن يشتري نفسه كما أن المرأة لما جاز توكيلها في طلاق غيرها, جاز في طلاق نفسها والوجه الذي ذكره أصحابنا لا يصح لأن أكثر ما يقدر ها هنا جعل توكيل العبد كتوكيل سيده وقد ذكرنا صحة توكيل السيد في الشراء والبيع من نفسه فهاهنا أولى فعلى هذا, إذا قال العبد: اشتريت نفسى لزيد فصدقه سيده وزيد صح ولزم زيدا الثمن وإن قال السيد: ما اشتريت نفسك إلا لنفسك عتق العبد بقوله وإقراره على نفسه بما يعتق به, ويلزم العبد الثمن في ذمته لسيده لأن زيدا لا يلزمه الثمن لعدم حصول العبد له وكون سيده لا يدعيه عليه فلزم العبد, لأن الظاهر ممن باشر العقد أنه له وإن صدقه السيد وكذبه زيد نظرت في تكذيبه فإن كذبه في الوكالة, حلف وبرئ وللسيد فسخ البيع واسترجاع عبده لتعذر ثمنه, وإن صدقه في الوكالة وكذبه في أنك ما اشتريت نفسك لي فالقول قول العبد لأن الوكيل يقبل قوله في التصرف المأذون فيه.
فصل وإن وكل عبده في إعتاق نفسه أو امرأته في طلاق نفسها, صح وإن وكل العبد في إعتاق عبيده والمرأة في طلاق نسائه لم يملك العبد إعتاق نفسه, ولا المرأة طلاق نفسها لأن ذلك ينصرف بإطلاقه إلى التصرف في غيره ويحتمل أن لهما ذلك أخذا من عموم لفظه كما يجوز للوكيل في البيع, البيع من نفسه في إحدى الروايتين وإن وكل غريما له في إبراء نفسه صح لأنه وكله في إسقاط حق عن نفسه, فأشبه توكيل العبد في إعتاق نفسه وإن وكله في إبراء غرمائه لم يكن له أن يبرئ نفسه كما لو وكله في حبس غرمائه, لم يملك حبس نفسه ولو وكله في خصومتهم لم يكن وكيلا في خصومة نفسه ويحتمل أن يملك إبراء نفسه لما ذكرنا من قبل وإن وكل المضمون عنه في إبراء الضامن فأبرأه, صح ولا يبرأ المضمون عنه وإن وكل الضامن في إبراء المضمون عنه أو الكفيل في إبراء المكفول عنه فأبرأه, صح وبرئ الوكيل ببراءته لأنه فرع عليه فإذا برئ الأصل برئ الفرع ببراءته.
فصل وإن وكله في إخراج صدقة على المساكين وهو مسكين, أو أوصى إليه بتفريق ثلثه على قوم وهو منهم أو دفع إليه مالا وأمره بتفريقه على من يريد أو دفعه إلى من شاء, فالمنصوص عن أحمد أنه لا يجوز له أن يأخذ منه شيئا فإن أحمد قال: إذا كان في يده مال للمساكين وأبواب البر وهو محتاج فلا يأكل منه شيئا, إنما أمره بتنفيذه وذلك لأن إطلاق لفظ الموكل ينصرف إلى دفعه إلى غيره ويحتمل أن يجوز له الأخذ إذا تناوله عموم اللفظ كالمسائل التي تقدمت ولأن المعنى الذي حصل به الاستحقاق متحقق فيه, واللفظ متناول له فجاز له الأخذ كغيره ويحتمل الرجوع في ذلك إلى قرائن الأحوال فما غلب على الظن فيه أنه أراد العموم فيه وفي غيره, فله الأخذ منه وما غلب أنه لم يرده فليس له الأخذ, وما تساوى فيه الأمران احتمل وجهين وهل له أن يعطيه لولده أو والده أو امرأته؟ فيه وجهان أولهما جوازه لدخولهم, في عموم لفظه ووجود المعنى المقتضى لجواز الدفع إليهم فأما من تلزمه مؤنته غير هؤلاء فيجوز الدفع إليهم, كما يجوز دفع صدقة التطوع إليهم. مسألة قال: [وشراء الرجل لنفسه من مال ولده الطفل جائز وكذلك شراؤه له من نفسه] يعني أن الأب يجوز أن يشتري لنفسه من مال ابنه الذي في حجره ويبيع ولده من مال نفسه وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي ومالك والأوزاعي وزادوا الجد فأباحوا له ذلك وقال زفر لا يجوز لأن حقوق العقد تتعلق بالعاقد فلا يجوز أن يتعلق به حكمان متضادان, ولأنه لا يجوز أن يكون موجبا وقابلا في عقد واحد كما لا يجوز أن يتزوج بنت عمه من نفسه ولنا أن هذا يلي بنفسه, فجاز أن يتولى طرفي العقد كالأب يزوج ابنته عبده الصغير والسيد يزوج عبده أمته ولا نسلم ما ذكره من تعلق حقوق العقد بالعاقد لغيره فأما الجد فلا ولاية له على ابن ابنه, على ما سنذكره في موضعه فينزل منزلة الأجنبى ولأن التهمة بين الأب وولده منتفية إذ من طبعه الشفقة عليه, والميل له وترك حظ نفسه لحظه فلذلك جاز وفارق الجد والوصى والحاكم وأمينه فإن التهمة غير منتفية في حقهم وأما تولى طرفي العقد, فيجوز بدليل الأصل الذي ذكرناه ولا نسلم ما ذكره فيما إذا أراد أن يتزوج ابنة عمه بل يجوز بدليل أن عبد الرحمن بن عوف قال لابنة قارظ: أتجعلين أمرك إلى؟ قالت: نعم قال: قد تزوجتك ولئن سلمنا فإن التهمة غير منتفية ثم. مسألة
قال: [وما فعل الوكيل بعد فسخ الموكل أو موته فباطل] وجملته أن الوكالة عقد جائز من الطرفين, فللموكل عزل وكيله متى شاء وللوكيل عزل نفسه لأنه إذن في التصرف فكان لكل واحد منهما إبطاله, كما لو أذن في أكل طعامه وتبطل أيضا بموت أحدهما أيهما كان وجنونه المطبق ولا خلاف في هذا كله فيما نعلم فمتى تصرف الوكيل بعد فسخ الموكل, أو موته فهو باطل إذا علم ذلك فإن لم يعلم الوكيل بالعزل ولا موت الموكل, فعن أحمد فيه روايتان وللشافعي فيه قولان وظاهر كلام الخرقي هذا أنه ينعزل علم أو لم يعلم ومتى تصرف فبان أن تصرفه بعد عزله أو موت موكله, فتصرفه باطل لأنه رفع عقد لا يفتقر إلى رضي صاحبه فلا يفتقر إلى علمه كالطلاق والعتاق والرواية الثانية عن أحمد, لا ينعزل قبل علمه بموت الموكل وعزله نص عليه في رواية جعفر بن محمد لأنه لو انعزل قبل علمه كان فيه ضرر لأنه قد يتصرف تصرفات فتقع باطلة, وربما باع الجارية فيطؤها المشترى أو الطعام فيأكله أو غير ذلك, فيتصرف فيه المشترى ويجب ضمانه ويتضرر المشترى والوكيل ولأنه يتصرف بأمر الموكل, ولا يثبت حكم الرجوع في حق المأمور قبل علمه كالفسخ فعلى هذه الرواية متى تصرف قبل العلم, نفذ تصرفه وعن أبى حنيفة أنه إن عزله الموكل فلا ينعزل قبل علمه لما ذكرنا وإن عزل الوكيل نفسه لم ينعزل إلا بحضرة الموكل لأنه متصرف بأمر الموكل, فلا يصح رد أمره بغير حضرته كالمودع في رد الوديعة ولنا ما تقدم فأما الفسخ ففيه وجهان, كالروايتين ثم هما مفترقان فإن أمر الشارع يتضمن المعصية بتركه ولا يكون عاصيا من غير علمه وهذا يتضمن العزل عنه إبطال التصرف, فلا يمنع منه عدم العلم. فصل
ومتى خرج أحدهما عن كونه من أهل التصرف مثل أن يجن أو يحجر عليه لسفه, فحكمه حكم الموت لأنه لا يملك التصرف فلا يملكه غيره من جهته قال أحمد في الشركة: إذا وسوس أحدهما فهو مثل العزل وإن حجر على الوكيل لفلس فالوكالة بحالها لأنه لم يخرج عن كونه أهلا للتصرف وإن حجر على الموكل, وكانت الوكالة في أعيان ماله بطلت لانقطاع تصرفه في أعيان ماله وإن كانت في الخصومة أو الشراء في الذمة, أو الطلاق أو الخلع أو القصاص, فالوكالة بحالها لأن الموكل أهل لذلك وله أن يستنيب فيه ابتداء فلا تنقطع الاستدامة وإن فسق الوكيل لم ينعزل لأنه من أهل التصرف, إلا أن تكون الوكالة فيما ينافيه الفسق كالإيجاب في عقد النكاح فإنه ينعزل بفسقه أو فسق موكله بخروجه عن أهلية التصرف وإن كان وكيلا في القبول للموكل, لم ينعزل بفسق موكله لأنه لا ينافى جواز قبوله وهل ينعزل بفسق نفسه؟ فيه وجهان وإن كان وكيلا فيما تشترط فيه الأمانة كوكيل ولى اليتيم وولى الوقف على المساكين, ونحو هذا انعزل بفسقه وفسق موكله بخروجهما بذلك عن أهلية التصرف وإن كان وكيلا لوكيل من يتصرف في مال نفسه انعزل بفسقه لأن الوكيل ليس له توكيل فاسق, ولا ينعزل بفسق موكله لأن موكله وكيل لرب المال ولا ينافيه الفسق ولا تبطل الوكالة بالنوم والسكر والإغماء لأن ذلك لا يخرجه عن أهلية التصرف, ولا تثبت عليه ولاية إلا أن يحصل الفسق بالسكر فيكون فيه من التفصيل ما أسلفناه. فصل
ولا تبطل الوكالة بالتعدى فيما وكل فيه, مثل أن يلبس الثوب ويركب الدابة وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي والوجه الثاني تبطل الوكالة لأنها عقد أمانة, فتبطل بالتعدى كالوديعة ولنا أنه إذا تصرف فقد تصرف بإذن موكله فصح, كما لو لم يتعد ويفارق الوديعة من جهة أنها أمانة مجردة فنافاها التعدي والخيانة والوكالة إذن في التصرف تضمنت الأمانة, فإذا انتفت الأمانة بالتعدى بقي الإذن بحاله فعلى هذا لو وكله في بيع ثوب فلبسه صار ضامنا فإذا باعه صح بيعه, وبرئ من ضمانه لدخوله في ملك المشترى وضمانه فإذا قبض الثمن كان أمانة في يده غير مضمون عليه لأنه قبضه بإذن الموكل ولم يتعد فيه ولو دفع إليه مالا, ووكله في شراء شيء فتعدى في الثمن صار ضامنا له, فإذا اشترى به وسلمه زال الضمان وقبضه للمبيع قبض أمانة وإن وجد بالمبيع عيب, فرد عليه أو وجد هو بما اشترى عيبا فرده وقبض الثمن, كان مضمونا عليه لأن العقد المزيل للضمان زال فعاد ما زال عنه. فصل
وإن وكل امرأته في بيع أو شراء أو غيره ثم طلقها, لم تنفسخ الوكالة لأن زوال النكاح لا يمنع ابتداء الوكالة فلا يقطع استدامتها وإن وكل عبده ثم أعتقه, أو باعه لم ينعزل لذلك ويحتمل أن ينعزل لأن توكيل عبده ليس بتوكيل في الحقيقة, إنما هو استخدام بحق الملك فيبطل بزوال الملك وإذا باعه فقد صار إلى ملك من لم يأذن في توكيله وثبوت ملك غيره فيه يمنع ابتداء توكيله بغير إذنه, فيقطع استدامته وهكذا الوجهان فيما إذا وكل عبد غيره ثم باعه والصحيح أن الوكالة لا تبطل لأن سيد العبد أذن له في بيع ماله والعتق لا يبطل الإذن وهكذا إن باعه إلا أن المشترى إن رضي ببقائه على الوكالة, بقي وإن لم يرض بذلك بطلت الوكالة وإن وكل عبد غيره, فأعتقه لم تبطل الوكالة وجها واحدا لأن هذا توكيل حقيقة, والعتق غير مناف له وإن اشتراه الموكل منه لم تبطل الوكالة لأن ملكه له لا ينافى إذنه له في البيع أو الشراء. فصل
وإن وكل مسلم كافرا فيما يصح تصرفه فيه صح توكيله سواء كان ذميا, أو مستأمنا أو حربيا أو مرتدا لأن العدالة غير مشترطة فيه, وكذلك الدين كالبيع وإن وكل مسلما فارتد لم تبطل الوكالة, سواء لحق بدار الحرب أو أقام وقال أبو حنيفة إن لحق بدار الحرب بطلت وكالته لأنه صار منهم ولنا أنه يصح تصرفه لنفسه, فلم تبطل وكالته كما لو لم يلحق بدار الحرب ولأن الردة لا تمنع ابتداء وكالته فلم تمنع استدامتها, كسائر الكفر وإن ارتد الموكل لم تبطل الوكالة فيما له التصرف فيه فأما الوكيل في ماله, فينبنى على تصرفه نفسه فإن قلنا: يصح تصرفه لم يبطل توكيله وإن قلنا: هو موقوف فوكالته موقوفة, وإن قلنا: يبطل تصرفه بطل توكيله وإن وكل في حال ردته ففيه الوجوه الثلاثة أيضا. فصل
ولو وكل رجلا في نقل امرأته أو بيع عبده, أو قبض داره من فلان فقامت البينة بطلاق الزوجة وعتق العبد, وانتقال الدار عن الموكل بطلت الوكالة لأنه زال تصرف الموكل فزالت وكالته. فصل
وإن تلفت العين التي وكل في التصرف فيها, بطلت الوكالة لأن محلها ذهب فذهبت الوكالة, كما لو وكله في بيع عبد فمات ولو دفع إليه دينارا ووكله في الشراء به فهلك الدينار, أو ضاع أو استقرضه الوكيل وتصرف فيه بطلت الوكالة, سواء وكله في الشراء بعينه أو مطلقا لأنه إن وكله في الشراء بعينه فقد استحال الشراء بعينه بعد تلفه فبطلت الوكالة, وإن وكله في الشراء مطلقا ونقد الدينار بطلت, أيضا لأنه إنما وكله في الشراء به ومعناه أن ينقده ثمن ذلك البيع إما قبل الشراء أو بعده, وقد تعذر ذلك بتلفه ولأنه لو صح شراؤه للزم الموكل ثمن لم يلزمه, ولا رضي بلزومه وإذا استقرضه الوكيل ثم عزل دينارا عوضه واشترى به, فهو كالشراء له من غير إذن لأن الوكالة بطلت والدينار الذي عزله عوضا لا يصير للموكل حتى يقبضه فإذا اشترى للموكل به شيئا وقف على إجازة الموكل, فإن أجازه صح ولزم الثمن وإلا لزم الوكيل وعنه يلزم الوكيل بكل حال وقال القاضي: متى اشترى بعين ماله لغيره شيئا فالشراء باطل لأنه لا يصح أن يشتري بعين ماله ما يملكه غيره وقال أصحاب الشافعي: متى اشترى لغيره بمال نفسه شيئا, صح الشراء للوكيل سواء اشتراه بعين المال أو في الذمة لأنه اشترى له ما لم يؤذن له في شرائه أشبه ما لو اشتراه في الذمة. فصل
نقل الأثرم عن أحمد, في رجل كان له على آخر دراهم فقال له: إذا أمكنك قضاؤها فادفعها إلى فلان وغاب صاحب الحق ولم يوص إلى هذا الذي أذن له في القبض, لكن جعله وكيلا وتمكن من عليه الدين من القضاء فخاف إن دفعها إلى الوكيل أن يكون الموكل قد مات, ويخاف التبعة من الورثة فقال: لا يعجبني أن يدفع إليه لعله قد مات لكن يجمع بين الوكيل والورثة ويبرأ إليهما من ذلك هذا ذكره أحمد على طريق النظر للغريم, خوفا من التبعة من الورثة إن كان مورثهم قد مات فانعزل وكيله وصار الحق لهم فيرجعون على الدافع إلى الوكيل فأما من طريق الحكم, فللوكيل المطالبة وللآخر الدفع إليه فإن أحمد قد نص في رواية حرب: إذا وكله في الحد وغاب, استوفاه الوكيل وهو أبلغ من هذا لكونه يدرأ بالشبهات لكن هذا احتياط حسن وتبرئة للغريم ظاهرا وباطنا, وإزالة للتبعة عنه وفي هذه الرواية دليل على أن الوكيل انعزل بموت الموكل وإن لم يعلم بموته لأنه اختار أن لا يدفع إلى الوكيل خوفا من أن يكون الموكل قد مات فانتقل إلى الورثة ويجوز أن يكون اختار هذا لئلا يكون القاضي ممن يرى أن الوكيل ينعزل بالموت, فيحكم عليه بالعزل به وفيها دليل على جواز تراخى القبول عن الإيجاب لأنه وكله في قبض الحق ولم يعلمه ولم يكن حاضرا فيقبل وفيها دليل على صحة التوكيل بغير لفظ التوكيل وقد نقل جعفر بن محمد في رجل قال لرجل: بع ثوبى ليس شيء حتى يقول: قد وكلتك وهذا سهو من الناقل وقد تقدم ذكر الدليل على جواز التوكيل بغير لفظ التوكيل, وهو الذي نقله الجماعة. مسألة
قال: [وإذا وكله في طلاق زوجته فهو في يده حتى يفسخ أو يطأ] وجملة ذلك أن الوكالة إذا وقعت مطلقة غير مؤقتة ملك التصرف أبدا, ما لم تنفسخ الوكالة وفسخ الوكالة أن يقول: فسخت الوكالة أو أبطلتها, أو نقضتها أو عزلتك أو صرفتك عنها, وأزلتك عنها أو ينهاه عن فعل ما أمره به أو وكله فيه وما أشبه هذا من الألفاظ المقتضية عزله أو المؤدية معناه أو يعزل الوكيل نفسه, أو يوجد ما يقتضي فسخها حكما على ما قد ذكرنا أو يزول ملكه عما قد وكله في التصرف فيه, أو يوجد ما يدل على الرجوع عن الوكالة فإذا وكله في طلاق امرأته ثم وطئها انفسخت الوكالة لأن ذلك يدل على رغبته فيها, واختياره إمساكها وكذلك إن وطئها بعد طلاقها طلاقا رجعيا كان ارتجاعا لها فإذا اقتضى رجعتها بعد طلاقها, فلأن يقتضي استبقاءها على نكاحها ومنع طلاقها أولى وإن باشرها دون الفرج أو قبلها أو فعل بها ما يحرم على غير الزوج, فهل تنفسخ الوكالة في الطلاق؟ يحتمل وجهين بناء على الخلاف في حصول الرجعة به وإن وكله في بيع عبد ثم أعتقه, أو باعه بيعا صحيحا أو كاتبه أو دبره, انفسخت الوكالة لأنه بزوال ملكه لا يبقى له إذن في التصرف فيما لا يملكه وفي الكتابة والتدبير على إحدى الروايتين لم يبق محلا للبيع وعلى الرواية الأخرى, تصرفه فيه بذلك يدل على أنه قصد الرجوع عن بيعه وإن باعه بيعا فاسدا لم تبطل الوكالة لأن ملكه في العبد لم يزل ذكره ابن المنذر. مسألة
قال: [ومن وكل في شراء شيء فاشترى غيره، كان الآمر مخيرا في قبول الشراء، فإن لم يقبل، لزم الوكيل، إلا أن يكون اشتراه بعين المال، فيبطل الشراء] وجملته أن الوكيل في الشراء إذا خالف موكله، فاشترى غير ما وكل في شرائه، مثل أن يوكله في شراء عبد فيشتري جارية، لم يخل من أن يكون اشتراه في ذمته أو بعين المال، فإن كان اشتراه في ذمته، ثم نقد ثمنه، فالشراء صحيح ؛ لأنه إنما اشترى بثمن في ذمته، وليس ذلك ملكا لغيره. وقال أصحاب الشافعي: لا يصح، في أحد الوجهين ؛ لأنه عقده على أنه للموكل، ولم يأذن فيه، فلم يصح، كما لو اشترى بعين ماله. ولنا، أنه لم يتصرف في ملك غيره، فصح كما لو لم ينوه لغيره. إذا ثبت هذا، فعن أحمد روايتان ؛ إحداهما، الشراء لازم للمشتري. وهو الوجه الثاني لأصحاب الشافعي ؛ لأنه اشترى في ذمته بغير إذن غيره، فكان الشراء له، كما لو لم ينو غيره. والرواية الثانية، يقف على إجازة الموكل، فإن أجازه لزمه ؛ لأنه اشترى له وقد أجازه، فلزمه، كما لو اشترى بإذنه، وإن لم يجزه لزم الوكيل ؛ لأنه لا يجوز أن يلزم الموكل، لأنه لم يأذن في شرائه، ولزم الوكيل ؛ لأن الشراء صدر منه، ولم يثبت لغيره، فيثبت في حقه، كما لو اشتراه لنفسه وهكذا الحكم في كل من اشترى شيئا في ذمته لغيره بغير إذنه، سواء كان وكيلا للذي قصد الشراء له، أو لم يكن وكيلا له. فأما إن اشترى بعين المال، مثل أن يقول: بعني الجارية بهذه الدنانير. أو باع مال غيره بغير إذنه، فالصحيح في المذهب أن البيع باطل. وهو مذهب الشافعي. وفيه رواية أخرى أنه صحيح، ويقف على إجازة المالك، فإن لم يجزه بطل، وإن أجازه صح ؛ لحديث عروة بن الجعد (أنه باع ما لم يؤذن له في بيعه، فأقره عليه النبي ﷺ ودعا له) ولأنه تصرف له بخير، فصح، ووقف على الإجازة، كالوصية بالزائد على الثلث. ووجه الرواية الأولى، أنه عقد على مال من لم يأذن له في العقد، فلم يصح، كما لو باع مال الصبي المراهق، ثم بلغ، فأجازه، ولأن النبي ﷺ قال لحكيم بن حزام: (لا تبع ما ليس عندك ). يعني ما لم تملك. وأما حديث عروة فإنه يحتمل أنه كان وكيلا مطلقا، بدليل أنه باع وسلم المبيع وأخذ ثمنه، وليس ذلك جائزا لمن لم يؤذن له فيه اتفاقا. ومتى حكمنا ببطلان البيع، فاعترف له العاقد معه ببطلان البيع، أو ثبت ذلك ببينة، فعليه رد ما أخذه، وإن لم يعترف بذلك، ولا قامت به بينة، حلف العاقد، ولم يلزمه رد شيء ؛ لأن الأصل أن تصرف الإنسان لنفسه، فلا يصدق على غيره فيما يبطل عقده. وإن ادعى البائع أنه باع مال غيره بغير إذنه، فالقول قول المشتري ؛ لما ذكرناه. ولو قال المشتري: إنك بعت مال غيرك بغير إذنه، فأنكر البائع ذلك. وقال: بل بعت ملكي. أو قال: بعت مال موكلي بإذنه. فالقول قوله أيضا. وإن اتفق البائع والمشتري على ما يبطل البيع، وقال الموكل: بل البيع صحيح فالقول قوله مع يمينه، ولا يلزمه رد ما أخذه من العوض. فصل
وإن وكله في أن يتزوج له امرأة فتزوج له غيرها أو تزوج له بغير إذنه, فالعقد فاسد بكل حال في إحدى الروايتين وهو مذهب الشافعي لأن من شرط صحة النكاح ذكر الزوج فإذا كان بغير إذنه, لم يقع له ولا للوكيل لأن المقصود أعيان الزوجين بخلاف البيع فإنه يجوز أن يشتري له من غير تسمية المشترى له, فافترقا والرواية الثانية يصح النكاح ويقف على إجازة المتزوج له, فإن أجازه صح وإلا بطل وهذا مذهب أبى حنيفة والقول فيه كالقول في البيع على ما تقدم. فصل
قال القاضي: إذا قال لرجل: اشتر لي بدينى عليك طعاما لم يصح ولو قال: تسلف لي ألفا من مالك في كر طعام ففعل, لم يصح لأنه لا يجوز أن يشتري الإنسان بماله ما يملكه غيره وإن قال: اشتر لي في ذمتك أو قال: تسلف لي ألفا في كر طعام واقض الثمن عنى من مالك أو من الدين الذي لي عليك صح لأنه إذا اشترى في الذمة حصل الشراء للموكل والثمن عليه, فإذا قضاه من الدين الذي عليه فقد دفع الدين إلى من أمره صاحب الدين بدفعه إليه وإن قضاه من ماله عن دين السلف الذي عليه, صار قرضا عليه. فصل
ولا يملك الوكيل من التصرف إلا ما يقتضيه إذن موكله من جهة النطق أو من جهة العرف لأن تصرفه بالإذن, فاختص بما أذن فيه والإذن يعرف بالنطق تارة وبالعرف أخرى ولو وكل رجلا في التصرف في زمن مقيد لم يملك التصرف قبله ولا بعده لأنه لم يتناوله إذنه مطلقا ولا عرفا لأنه قد يؤثر التصرف في زمن الحاجة إليه دون غيره, ولهذا لما عين الله تعالى لعبادته وقتا لم يجز تقديمها عليه ولا تأخيرها عنه فلو قال له: بع ثوبى غدا لم يجز بيعه اليوم ولا بعد غد وإن عين له المكان وكان يتعلق به غرض, مثل أن يأمره ببيع ثوبه في سوق وكان ذلك السوق معروفا بجودة النقد, أو كثرة الثمن أو حله أو بصلاح أهله, أو بمودة بين الموكل وبينهم تقيد الإذن به لأنه قد نص على أمر له فيه غرض فلم يجز تفويته وإن كان هو وغيره سواء في الغرض, لم يتقيد الإذن به وجاز له البيع في غيره لمساواته المنصوص عليه في الغرض فكان تنصيصه على أحدهما إذنا في الآخر, كما لو استأجر أو استعار أرضا لزراعة شيء كان إذنا في زراعة مثله فما دونه ولو اشترى عقارا كان له أن يسكنه مثله, ولو نذر صلاة أو اعتكافا في مسجد جاز الاعتكاف والصلاة في غيره وسواء قدر له الثمن أو لم يقدره وإن عين له المشترى فقال: بعه فلانا لم يملك بيعه لغيره, بغير خلاف علمناه سواء قدر له الثمن أو لم يقدره لأنه قد يكون له غرض في تمليكه إياه دون غيره إلا أن يعلم الوكيل بقرينة أو صريح أنه لا غرض له في عين المشترى. فصل
وإن وكله في عقد فاسد ، لم يملكه ؛ لأن الله تعالى لم يأذن فيه ، ولأن الموكل لا يملكه ، فالوكيل أولى . ولا يملك الصحيح ؛ لأن الموكل لم يأذن فيه . وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة : يملك الصحيح ؛ لأنه إذا أذن في الفاسد ، فالصحيح أولى . ولنا ، أنه أذن له في محرم ، فلم يملك الحلال بهذا الإذن ، كما لو أذن في شراء خمر وخنزير ، لم يملك شراء الخيل والغنم . فصل
وإن وكله في بيع عبد أو حيوان أو عقار ونحوه, أو شرائه لم يملك العقد على بعضه لأن التوكيل تناول جميعه وفي التبعيض إضرار بالموكل وتشقيص لملكه, ولم يأذن فيه وإن وكله في بيع عبيد أو شرائهم ملك العقد عليهم جملة واحدة واحدا واحدا لأن الإذن يتناول العقد عليهم جملة, والعرف في بيعهم وشرائهم العقد على واحد واحد ولا ضرر في جمعهم ولا إفرادهم وإن قال: اشتر لي عبيدا صفقة واحدة أو واحدا واحدا, أو بعهم لم تجز مخالفته لأن تنصيصه على ذلك يدل على غرضه فيه فلم يتناول إذنه سواه وإن قال: اشتر لي عبدين صفقة فاشترى عبدين لاثنين مشتركين بينهما من وكيلهما, أو من أحدهما بإذن الآخر جاز وإن كان لكل واحد منهما عبد مفرد فاشتراهما من المالكين, بأن أوجبا له البيع فيهما وقبل ذلك منهما بلفظ واحد فقال القاضي: لا يلزم الموكل وهو مذهب الشافعي لأن عقد الواحد مع الاثنين عقدان ويحتمل أن يلزمه لأن القبول هو الشراء, وهو متحد والغرض لا يختلف وإن اشتراهما من وكيلهما وعين ثمن كل واحد منهما, مثل أن يقول: بعتك هذين العبدين هذا بمائة وهذا بمائتين فقال: قبلت احتمل أيضا وجهين وإن لم يعين ثمن كل واحد منهما لم يصح البيع في أحد الوجهين لأن ثمن كل واحد منهما مجهول ويحتمل أن يصح ويقسط الثمن على قدر قيمتهما. فصل
فإن دفع إليه دراهم, وقال اشتر لي بهذه عبدا كان له أن يشتريه بعينها وفي الذمة لأن الشراء يقع على هذين الوجهين فإذا أطلق الوكالة, كان له فعل ما شاء منهما وإن قال: اشتر بعينها فاشتراه في ذمته ثم نقدها لم يلزم الموكل لأنه إذا تعين الثمن, انفسخ العقد بتلفه أو كونه مغصوبا ولم يلزمه ثمن في ذمته, وهذا غرض للموكل فلم تجز مخالفته ويقع الشراء للوكيل وهل يقف على إجازة الموكل؟ على روايتين وإن قال: اشتر لي في ذمتك, وانقد هذه الدراهم ثمنا فاشتراه بعينها فقال أصحابنا: يلزم الموكل لأنه أذن له في عقد يلزمه به الثمن مع بقاء الدراهم وتلفها فكان إذنا في عبد لا يلزمه الثمن إلا مع بقائها ويحتمل أن لا يصح لأنه قد يكون له غرض في الشراء بغير عينها, لكونها فيها شبهة لا يحب أن يشتري بها أو يحب وقوع العقد على وجه لا ينفسخ بتلفها ولا يبطل بتحريمها, وهذا غرض صحيح فلا يجوز تفويته عليه كما لم يجز تفويت غرضه في الصورة الأولى ومذهب الشافعي في هذا كله كنحو ما ذكرناه. فصل
وإن عين له الشراء بنقد أو حالا, لم تجز مخالفته وإن أذن له في النسيئة والبيع بأى نقد شاء جاز وإن أطلق لم يبع إلا حالا بنقد البلد لأن الأصل في البيع الحلول, وإطلاق النقد ينصرف إلى نقد البلد ولهذا لو باع عبده بعشرة دراهم وأطلق حمل على الحلول بنقد البلد وإن كان في البلد نقدان, باع بأغلبهما فإن تساويا باع بما شاء منهما وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة وصاحباه: له البيع نساء لأنه معتاد فأشبه الحال ويتخرج لنا مثل ذلك بناء على الرواية في المضارب, وقد ذكرناها والأول أولى لأنه لو أطلق البيع حمل على الحلول فكذلك إذا أطلق الوكالة فيه ولا نسلم تساوى العادة فيهما, فإن بيع الحال أكثر ويفارق المضاربة لوجهين أحدهما أن المقصود من المضاربة الربح, لا دفع الحاجة بالثمن في الحال وقد يكون المقصود في الوكالة دفع حاجة ناجزة تفوت بتأخير الثمن والثاني أن استيفاء الثمن في المضاربة على المضارب, فيعود ضرر التأخير في التقاضى عليه وها هنا بخلافه فلا يرضى به الموكل, ولأن الضرر في توى الثمن على المضارب لأنه يحسب من الربح لكون الربح وقاية لرأس المال, وها هنا يعود على الموكل فانقطع الإلحاق. فصل
إذا وكله في بيع سلعة نسيئة فباعها نقدا بدون ثمنها نسيئة, أو بدون ما عينه له لم ينفذ بيعه لأنه مخالف لموكله لأنه رضي بثمن النسيئة دون النقد وإن باعها نقدا بما تساوى نسيئة, أو عين له ثمنها فباعها به نقدا فقال القاضي: يصح لأنه زاده خيرا فكان مأذونا فيه عرفا فأشبه ما لو وكله في بيعها بعشرة فباعها بأكثر منها ويحتمل أن ينظر فيه, فإن لم يكن له غرض في النسيئة صح وإن كان فيها غرض نحو أن يكون الثمن مما يستضر بحفظه في الحال, أو يخاف عليه من التلف أو المتغلبين أو يتغير عن حاله إلى وقت الحلول فهو كمن لم يؤذن له لأن حكم الحلول لا يتناول المسكوت عنه إلا إذا علم أنه في المصلحة, كالمنطوق أو أكثر فيكون الحكم فيه ثابتا بطريق التنبيه أو المماثلة ومتى كان في المنطوق به غرض مختص به لم يجز تفويته, ولا ثبوت الحكم في غيره وقد ذكر القاضي نحو هذا في موضع آخر. فصل
وإن وكله في الشراء بثمن نقدا فاشتراه نسيئة بأكثر من ثمن النقد لم يقع للموكل وإن اشتراه نسيئة بثمنه نقدا, أو بما عينه له فهي كالتي قبلها ويصح للموكل في قول القاضي وعلى ما ذكرنا ينظر في ذلك فإن كان فيه ضرر نحو أن يستضر ببقاء الثمن معه ونحو ذلك, لم يجز كقولنا في التي قبلها ولأصحاب الشافعي في صحة الشراء وجهان. فصل
وليس له أن يبيع بدون ثمن المثل أو دون ما قدره له, ولا يشتري بأكثر من ثمن المثل أو أكثر مما قدر له وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة: إذا أطلق الوكالة في البيع, فله البيع بأى ثمن كان لأن لفظه في الإذن مطلق فيجب حمله على إطلاقه ولنا أنه توكيل مطلق في عقد معاوضة, فاقتضى ثمن المثل كالشراء فإنه وافق عليه, وما ذكره ينتقض بالشراء فإن باع بأقل من ثمن المثل أو اشترى بأكثر منه مما لا يتغابن الناس بمثله أو باع بدون ما قدره له, أو اشترى بأكثر منه فحكمه حكم من لم يؤذن له في البيع والشراء وهذا قول الشافعي وعن أحمد أن البيع جائز دون الشراء ويضمن الوكيل النقص لأن من صح بيعه بثمن المثل, صح بدونه كالمريض فعلى هذه الرواية يكون البيع صحيحا وعلى الوكيل ضمان النقص وفي قدره وجهان أحدهما, ما بين ثمن المثل وما باعه به والثاني ما بين ما يتغابن الناس به وما لا يتغابن الناس به, لأن ما يتغابن الناس به يصح بيعه به ولا ضمان عليه والأول أقيس لأنه لم يؤذن للوكيل في هذا البيع فأشبه بيع الأجنبى ولو أذن له في البيع لم يكن عليه ضمان فأشبه الشراء وكل تصرف كان الوكيل مخالفا فيه لموكله, فحكمه فيه حكم تصرف الأجنبى على ما يذكر في موضعه إن شاء الله وأما ما يتغابن الناس به عادة فمعفو عنه إذا لم يكن الموكل قدر له الثمن لأن ما يتغابن الناس به يعد ثمن المثل, ولا يمكن التحرز عنه ولو حضر من يزيد على ثمن المثل لم يجز أن يبيع بثمن المثل لأن عليه الاحتياط وطلب الحظ لموكله وإن باع بثمن المثل فحضر من يزيد في مدة الخيار, لم يلزمه فسخ العقد في الصحيح لأن الزيادة ممنوع منها منهى عنها, فلا يلزم الرجوع إليها ولأن المزايد قد لا يثبت على الزيادة فلا يلزم الفسخ بالشك ويحتمل أن يلزمه ذلك لأنها زيادة في الثمن أمكن تحصيلها, فأشبه ما لو أجاز به قبل البيع والنهى يتوجه إلى الذي زاد لا إلى الوكيل فأشبه من جاءته الزيادة قبل البيع وبعد الاتفاق عليه. فصل
ومن وكل في بيع عبد بمائة, فباعه بأكثر منها صح سواء كانت الزيادة كثيرة أو قليلة لأنه باع بالمأذون فيه وزاد زيادة تنفعه ولا تضره, وسواء كانت الزيادة من جنس الثمن المأمور به أو من غير جنسه مثل أن يأذن في بيعه بمائة درهم, فيبيعه بمائة درهم ودينار أو ثوب وقال أصحاب الشافعي: لا يصح بيعه بمائة وثوب في أحد الوجهين لأنه من غير جنس الأثمان ولنا أنها زيادة تنفعه ولا تضره, أشبه ما لو باعه بمائة ودينار ولأن الإذن في بيعه بمائة إذن في بيعه بزيادة عليها عرفا, لأن من رضي بمائة لا يكره أن يزاد عليها ثوب ينفعه ولا يضره وإن باعه بمائة دينار أو بتسعين درهما وعشرة دنانير وأشباه ذلك, أو بمائة ثوب أو بثمانين درهما وعشرين ثوبا لم يصح ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي لأنه خالف موكله في الجنس, فأشبه ما لو باعه بثوب يساوى أكثر من مائة درهم ويحتمل أن يصح فيما إذا جعل مكان الدراهم دنانير أو مكان بعضها لأنه مأذون فيه عرفا فإن من رضي بدرهم رضي مكانه بدينار, فجرى مجرى بيعه بمائة درهم ودينار وأما الثياب فلا يصح بيعه بها لأنها من غير جنس الأثمان. فصل
وإن وكله في بيع عبد بمائة فباع نصفه بها أو وكله مطلقا, فباع نصفه بثمن الكل جاز لأنه مأذون فيه من جهة العرف فإن من رضي مائة ثمنا للكل, رضي بها ثمنا للنصف ولأنه حصل له المائة وأبقى له زيادة تنفعه ولا تضره وله بيع النصف الآخر لأنه مأذون في بيعه فأشبه ما لو باع العبد كله بمثلى ثمنه ويحتمل ألا يجوز له بيعه لأنه قد حصل للموكل غرضه من الثمن ببيع نصفه, فربما لا يؤثر بيع باقيه للغنى عن بيعه بما حصل له من ثمن نصفه وهكذا القول في توكيله في بيع عبدين بمائة إذا باع أحدهما بها, صح وهل يكون له بيع العبد الآخر؟ على وجهين فأما إن وكله في بيع عبده بمائة فباع بعضه بأقل منها لم يصح وإن وكله مطلقا, فباع بعضه بأقل من ثمن الكل لم يجز وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف, ومحمد وقال أبو حنيفة: يجوز فيما إذا أطلق الوكالة بناء على أصله في أن للوكيل المطلق البيع بما شاء ولنا أن على الموكل ضررا في تبعيضه, ولم يوجد الإذن فيه نطقا ولا عرفا فلم يجز كما لو وكله في شراء عبد, فاشترى نصفه. فصل
وإن وكله في شراء عبد بعينه بمائة فاشتراه بخمسين أو بما دون المائة, صح ولزم الموكل لأنه مأذون فيه من جهة العرف وإن قال: لا تشتره بأقل من مائة فخالفه, لم يجز لأنه خالف نصه وصريح قوله مقدم على دلالة العرف فإن قال: اشتره بمائة ولا تشتره بخمسين جاز له شراؤه بما فوق الخمسين لأن إذنه في الشراء بمائة دل عرفا على الشراء بما دونها, خرج منه الخمسون بصريح النهى بقي فيما فوقها على مقتضى الإذن وإن اشتراه بأقل من الخمسين ففيه وجهان أحدهما, يجوز لذلك ولأنه لم يخالف صريح نهيه أشبه ما زاد على الخمسين والثاني, لا يجوز لأنه نهاه عن الخمسين استقلالا لها فكان تنبيها على النهى عما هو أقل منهما كما أن الإذن في الشراء بمائة إذن فيما دونها فجرى ذلك مجرى صريح نهيه, فإن تنبيه الكلام كنصه وإن قال: اشتره بمائة دينار فاشتراه بمائة درهم فالحكم فيه كما لو قال: بعه بمائة درهم فباعه بمائة دينار على ما مضى من القول فيه وإن قال: اشتر لي نصفه بمائة فاشتراه كله أو أكثر من نصفه بمائة, جاز لأنه مأذون فيه عرفا وإن قال: اشتر لي نصفه بمائة ولا تشتره جميعه فاشترى أكثر من النصف وأقل من الكل بمائة, صح في قياس المسألة التي قبلها لكون دلالة العرف قاضية بالإذن في شراء كل ما زاد على النصف, خرج الجميع بصريح نهيه ففيما عداه يبقى على مقتضى الإذن. فصل
وإن وكله في شراء عبد موصوف بمائة فاشتراه على الصفة بدونها, جاز لأنه مأذون فيه عرفا وإن خالفه في الصفة أو اشتراه بأكثر منها لم يلزم الموكل وإن قال: اشتر لي عبدا بمائة فاشترى عبدا يساوى مائة بدونها, جاز لأنه لو اشتراه بمائة جاز فإذا اشتراه بدونها فقد زاده خيرا فيجوز وإن كان لا يساوى مائة, لم يجز وإن كان يساوى أكثر مما اشتراه به لأنه خالف أمره ولم يحصل غرضه. فصل
وإن وكله في شراء شاة بدينار, فاشترى شاتين تساوى كل واحدة منهما أقل من دينار لم يقع للموكل وإن كانت كل واحدة منهما تساوى دينارا أو إحداهما تساوى دينارا والأخرى أقل من دينار صح ولزم الموكل وهذا المشهور من مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة يقع للموكل إحدى الشاتين بنصف دينار, والأخرى للوكيل لأنه لم يرض إلا بإلزامه عهدة شاة واحدة. ولنا أن النبي -ﷺ- أعطى عروة بن الجعد دينارا فقال: (اشتر لنا به شاة) قال: فأتيت الجلب فاشتريت شاتين بدينار, فجئت أسوقهما أو أقودهما فلقينى رجل بالطريق, فساومنى فبعت منه شاة بدينار فأتيت النبي -ﷺ- بالدينار والشاة, فقلت: يا رسول الله هذا ديناركم وهذه شاتكم قال: (وصنعت كيف؟) فحدثته الحديث قال: (اللهم بارك له في صفقة يمينه) ولأنه حصل له المأذون فيه وزيادة من جنسه تنفع ولا تضر, فوقع ذلك له كما لو قال: له بعه بدينار فباعه بدينارين وما ذكره يبطل بالبيع فإن باع الوكيل إحدى الشاتين بغير أمر الموكل, ففيه وجهان أحدهما البيع باطل لأنه باع مال موكله بغير أمره فلم يجز كبيع الشاتين والثاني, إن كانت الباقية تساوى دينارا جاز لحديث عروة بن الجعد البارقى ولأنه حصل له المقصود, والزيادة لو كانت غير الشاة جاز فجاز له إبدالها بغيرها وظاهر كلام أحمد صحة البيع لأنه أخذ بحديث عروة وذهب إليه وإذا قلنا: لا يجوز له بيع الشاة فباعها فهل يقع البيع باطلا أو صحيحا موقوفا على إجازة الموكل؟ على روايتين وهذا أصل لكل من تصرف في ملك غيره بغير إذنه, ووكيل يخالف موكله هل يقع باطلا أو يصح ويقف على إجازة المالك؟ فيه روايتان وللشافعي في صحة البيع ها هنا وجهان. فصل
وإذا وكله في شراء سلعة موصوفة لم يجز أن يشتريها إلا سليمة لأن إطلاق البيع يقتضي السلامة, ولذلك جاز الرد بالعيب فإن اشترى معيبا يعلم عيبه لم يلزم الموكل لأنه اشترى غير ما أذن له فيه وإن لم يعلم عيبه, صح البيع لأنه إنما يلزمه شراء الصحيح في الظاهر لعجزه عن التحرز عن شراء معيب لا يعلم عيبه, فإذا علم عيبه ملك رده لأنه قائم في الشراء مقام الموكل وللموكل رده أيضا لأن الملك له فإن حضر قبل رد الوكيل, ورضى بالعيب لم يكن للوكيل رده لأن الحق له بخلاف المضارب, فإن له الرد وإن رضي رب المال لأن له حقا فلا يسقط برضى غيره وإن لم يحضر فأراد الوكيل الرد, فقال له البائع: توقف حتى يحضر الموكل فربما رضي بالعيب لم يلزمه ذلك لأنه لا يأمن فوات الرد لهرب البائع وفوات الثمن بتلفه, وإن أخره بناء على هذا القول فلم يرض به الموكل لم يسقط رده وإن قلنا: الرد على الفور لأنه أخره بإذن البائع فيه وإن قال البائع: موكلك قد علم العيب فرضيه لم يقبل قوله إلا ببينة, فإن لم يكن له بينة لم يستحلف الوكيل إلا أن يدعى علمه فيحلف على نفى العلم وبهذا قال الشافعي وعن أبى حنيفة رضي الله عنه أنه لا يستحلف لأنه لو حلف كان نائبا في اليمين, وليس بصحيح فإنه لا نيابة ها هنا وإنما يحلف على نفى علمه, وهذا لا ينوب فيه عن أحد فإن رد الوكيل وحضر الموكل وقال: بلغنى العيب, ورضيت به وصدقه البائع أو قامت به بينة لم يقع الرد موقعه, وكان للموكل استرجاعه وللبائع رده عليه لأن رضاه به عزل الوكيل عن الرد بدليل أنه لو علمه لم يكن له الرد, إلا أن نقول: إن الوكيل لا ينعزل حتى يعلم العزل وإن رضي الوكيل المعيب أو أمسكه إمساكا ينقطع به الرد فحضر الموكل, فأراد الرد فله ذلك إن صدقه البائع أن الشراء له أو قامت به بينة وإن كذبه ولم تكن به بينة, فحلفه البائع أنه لا يعلم أن الشراء له فليس له رده لأن الظاهر أن من اشترى شيئا فهو له ويلزم الوكيل, وعليه غرامة الثمن وهذا كله مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة: للوكيل شراء المعيب لأن التوكيل في البيع مطلقا يدخل المعيب في إطلاقه ولأنه أمينه في الشراء فجاز له شراء المعيب, كالمضارب ولنا أن البيع بإطلاقه يقتضي الصحيح دون المعيب فكذلك الوكالة فيه, ويفارق المضاربة من حيث إن المقصود فيها الربح والربح يحصل من المعيب كحصوله من الصحيح والمقصود من الوكالة شراء ما يقتنى أو يدفع به حاجته, وقد يكون العيب مانعا من قضاء الحاجة به ومن قنيته فلا يحصل المقصود وقد ناقض أبو حنيفة أصله فإنه قال في قوله تعالى: {فتحرير رقبة}: لا تجوز العمياء ولا معيبة عيبا يضر بالعمل وقال ها هنا: يجوز للوكيل شراء الأعمى والمقعد ومقطوع اليدين والرجلين. فصل
وإن أمره بشراء سلعة بعينها فاشتراها, فوجدها معيبة احتمل أن له الرد لأن الأمر يقتضي السلامة فأشبه ما لو وكله في شراء موصوفة ويحتمل أن لا يملك الرد لأن الموكل قطع نظره بالتعيين, فربما رضيه على جميع صفاته وإن علم عيبه قبل شرائه فهل له شراؤه؟ يحتمل وجهين أيضا مبنيين على رده إذا علم عيبه بعد شرائه وإن قلنا: يملك رده فليس له شراؤه لأن العيب إذا جاز به الرد بعد العقد فلأن يمنع من الشراء أولى وإن قلنا: لا يملك الرد ثم فله الشراء ها هنا لأن تعيين الموكل قطع نظره واجتهاده في جواز الرد, فكذلك في الشراء. فصل
وإذا اشترى الوكيل لموكله شيئا بإذنه انتقل الملك من البائع إلى الموكل ولم يدخل في ملك الوكيل, وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة: يدخل في ملك الوكيل ثم ينتقل إلى الموكل لأن حقوق العقد تتعلق بالوكيل بدليل أنه لو اشتراه بأكثر من ثمنه دخل في ملكه, ولم ينتقل إلى الموكل ولنا أنه قبل عقدا لغيره صح له فوجب أن ينتقل الملك إليه, كالأب والوصى وكما لو تزوج له وقولهم: إن حقوق العقد تتعلق به غير مسلم ويتفرع عن هذا أن المسلم لو وكل ذميا في شراء خمر أو خنزير فاشتراه له, لم يصح الشراء وقال أبو حنيفة: يصح ويقع للذمى لأن الخمر مال لهم لأنهم يتمولونها ويتبايعونها, فصح توكيلهم فيها كسائر أموالهم ولنا أن كل ما لا يجوز للمسلم العقد عليه لا يجوز أن يوكل فيه, كتزويج المجوسية وبهذا خالف سائر أموالهم وإذا باع الوكيل بثمن معين ثبت الملك للموكل في الثمن لأنه بمنزلة المبيع وإن كان الثمن في الذمة فللوكيل والموكل المطالبة به وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة: ليس للموكل المطالبة لأن حقوق العقد تتعلق بالوكيل دونه, ولهذا يتعلق مجلس الصرف والخيار به دون موكله فكذلك القبض ولنا أن هذا دين للموكل يصح قبضه له, فملك المطالبة به كسائر ديونه التي وكل فيها ويفارق مجلس العقد لأن ذلك من شروط العقد, فتعلق بالعاقد كالإيجاب والقبول وأما الثمن فهو حق للموكل ومال من أمواله, فكانت له المطالبة به ولا نسلم أن حقوق العقد تتعلق به وإنما تتعلق بالموكل وهي تسليم الثمن, وقبض المبيع والرد بالعيب وضمان الدرك فأما ثمن ما اشتراه إذا كان في الذمة فإنه يثبت في ذمة الموكل أصلا, وفي ذمة الوكيل تبعا كالضامن وللبائع مطالبة من شاء منهما, فإن أبرأ الوكيل لم يبرأ الموكل وإن أبرأ الموكل برئ الوكيل أيضا كالضامن والمضمون عنه سواء وإن دفع الثمن إلى البائع, فوجد به عيبا فرده على الوكيل كان أمانة في يده إن تلف فهو من ضمان الموكل ولو وكل رجلا يتسلف له ألفا في كر حنطة, ففعل ملك الموكل ثمنها والوكيل ضامن عن موكله, كما تقدم. فصل
قال أحمد في رواية مهنا: إذا دفع إلى رجل ثوبا ليبيعه ففعل فوهب له المشترى منديلا, فالمنديل لصاحب الثوب إنما قال ذلك لأن هبة المنديل سببها البيع فكان المنديل زيادة في الثمن والزيادة في مجلس العقد تلحق به. فصل
في الشهادة على الوكالة, إذا ادعى الوكالة وأقام شاهدا وامرأتين أو حلف مع شاهده, فقال أصحابنا فيها روايتان إحداهما تثبت بذلك إذا كانت الوكالة بمال فإن أحمد قال في الرجل يوكل ويشهد على نفسه رجلا وامرأتين, إذا كانت المطالبة بدين فأما غير ذلك فلا والثانية لا تثبت إلا بشاهدين عدلين نقلها الخرقي بقوله: ولا تقبل فيما سوى الأموال مما يطلع عليه الرجال لأقل من رجلين وهذا قول الشافعي لأن الوكالة إثبات للتصرف ويحتمل أن يكون قول الخرقي كالرواية الأولى لأن الوكالة في المال يقصد بها المال, فتقبل فيها شهادة النساء مع الرجال كالبيع والقرض فإن شهدا بوكالته ثم قال أحدهما: قد عزله لم تثبت وكالته بذلك لأن أحدهما لم تثبت وكالته بذلك وإن كان الشاهد بالعزل رجلا غيرهما, لم يثبت العزل بشهادته وحده لأن العزل لا يثبت إلا بما يثبت به التوكيل ومتى عاد أحد الشاهدين بالتوكيل فقال: قد عزله لم يحكم بشهادتهما لأنه رجوع عن الشهادة قبل الحكم بها فلا يجوز للحاكم الحكم بما رجع عنه الشاهد وإن حكم الحاكم بشهادتهما ثم عاد أحدهما, فقال: قد عزله بعد ما وكله لم يلتفت إلى قوله لأن الحكم قد نفذ بالشهادة ولم يثبت العزل فإن قالا جميعا: قد كان عزله ثبت العزل لأن الشهادة تمت في العزل كتمامها في التوكيل. فصل
فإن شهد أحدهما أنه وكله يوم الجمعة, وشهد آخر أنه وكله يوم السبت لم تتم الشهادة لأن التوكيل يوم الجمعة غير التوكيل يوم السبت فلم تكمل شهادتهما على فعل واحد وإن شهد أحدهما أنه أقر بتوكيله يوم الجمعة, وشهد الآخر أنه أقر به يوم السبت تمت الشهادة لأن الإقرارين إخبار عن عقد واحد ويشق جمع الشهود ليقر عندهم حالة واحدة, فجوز له الإقرار عند كل واحد وحده وكذلك لو شهد أحدهما أنه أقر عنده بالوكالة بالعربية وشهد الآخر أنه أقر بها بالعجمية ثبتت ولو شهد أحدهما أنه وكله بالعربية, وشهد الآخر أنه وكله بالعجمية لم تكمل الشهادة لأن التوكيل بالعربية غير التوكيل بالعجمية فلم تكمل الشهادة على فعل واحد وكذلك لو شهد أحدهما أنه قال: وكلتك وشهد الآخر, أنه قال: أذنت لك في التصرف أو أنه قال: جعلتك وكيلا أو شهد أنه قال: جعلتك جريا لم تتم الشهادة لأن اللفظ مختلف والجرى: الوكيل ولو قال أحدهما: أشهد أنه وكله وقال الآخر: أشهد أنه أذن له في التصرف تمت الشهادة لأنهما لم يحكيا لفظ الموكل وإنما عبرا عنه بلفظهما واختلاف لفظهما لا يؤثر إذا اتفق معناه ولو قال أحدهما: أشهد أنه أقر عندي أنه وكله وقال الآخر: أشهد أنه أقر أنه جريه أو أنه أوصى إليه بالتصرف في حياته ثبتت الوكالة بذلك وإن شهد أحدهما أنه وكله في بيع عبده, وشهد الآخر أنه وكله وزيدا أو شهد أنه وكله في بيعه وقال: لا تبعه حتى تستأمرني, أو تستأمر فلانا لم تتم الشهادة لأن الأول أثبت استقلاله بالبيع من غير شرط والثاني ينفى ذلك فكانا مختلفين وإن شهد أحدهما أنه وكله في بيع عبده وشهد الآخر أنه وكله في بيع عبده وجاريته, حكم بالوكالة في العبد لاتفاقهما عليه وزيادة الثاني لا تقدح في تصرفه في الأول فلا تضره وهكذا لو شهد أحدهما أنه وكله في بيعه لزيد, وشهد الآخر أنه وكله في بيعه لزيد وإن شاء لعمرو. فصل
ولا تثبت الوكالة والعزل بخبر الواحد وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة تثبت الوكالة بخبر الواحد وإن لم يكن ثقة ويجوز التصرف للمخبر بذلك إذا غلب على ظنه صدق المخبر بشرط الضمان إن أنكر الموكل ويثبت العزل بخبر الواحد إذا كان رسولا لأن اعتبار شاهدين عدلين في هذا يشق, فسقط اعتباره ولأنه أذن في التصرف ومنع منه فلم يعتبر في هذا شروط الشهادة, كاستخدام غلامه ولنا أنه عقد مالى فلا يثبت بخبر الواحد, كالبيع وفارق الاستخدام فإنه ليس بعقد ولو شهد اثنان أن فلانا الغائب وكل فلانا الحاضر فقال الوكيل: ما علمت هذا, وأنا أتصرف عنه ثبتت الوكالة لأن معنى ذلك إني لم أعلم إلى الآن وقبول الوكالة يجوز متراخيا وليس من شرط التوكيل حضور الوكيل ولا علمه, فلا يضر جهله به وإن قال: ما أعلم صدق الشاهدين لم تثبت وكالته لقدحه في شهادتهما وإن قال: ما علمت وسكت قيل له: فسر فإن فسر بالأول ثبتت وكالته وإن فسره بالثانى لم تثبت. فصل
ويصح سماع البينة بالوكالة على الغائب, وهو أن يدعى أن فلانا الغائب وكلنى في كذا وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يصح بناء على أن الحكم على الغائب لا يصح ولنا أنه لا يعتبر رضاه في سماع البينة فلا يعتبر حضوره كغيره وإذا قال له من عليه الحق: احلف أنك تستحق مطالبتى لم تسمع دعواه لأن ذلك طعن في الشهادة وإن قال: قد عزلك الموكل, فاحلف أنه ما عزلك لم يستحلف لأن الدعوى على الموكل واليمين لا تدخلها النيابة وإن قال: أنت تعلم أن موكلك قد عزلك سمعت دعواه وإن طلب اليمين من الوكيل حلف أنه لا يعلم أن موكله عزله لأن الدعوى عليه وإن أقام الخصم بينة بالعزل, سمعت وانعزل الوكيل. فصل
وتقبل شهادة الوكيل على موكله لعدم التهمة فإنه لا يجر بها نفعا, ولا يدفع بها ضررا وتقبل شهادته له فيما لم يوكله فيه لأنه لا يجر إلى نفسه نفعا ولا تقبل شهادته له فيما هو وكيل فيه لأنه يثبت لنفسه حقا بدليل أنه إذا وكله في قبض حق فشهد به له, ثبت استحقاق قبضه ولأنه خصم فيه بدليل أنه يملك المخاصمة فيه فإن شهد بما كان وكيلا فيه بعد عزله, لم تقبل أيضا سواء كان خاصم فيه بالوكالة أو لم يخاصم وبهذا قال أبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة إن كان لم يخاصم فيه قبلت شهادته لأنه لا حق له فيه ولم يخاصم فيه, فأشبه ما لو لم يكن وكيلا فيه وللشافعي قولان كالمذهبين ولنا أنه بعقد الوكالة صار خصما فيه فلم تقبل شهادته فيه, كما لو خاصم فيه وفارق ما لم يكن وكيلا فيه فإنه لم يكن خصما فيه. فصل
إذا كانت الأمة بين نفسين فشهدا أن زوجها وكل في طلاقها, لم تقبل شهادتهما لأنهما يجران إلى أنفسهما نفعا وهو زوال حق الزوج من البضع الذي هو ملكهما وإن شهدا بعزل الوكيل في الطلاق لم تقبل لأنهما يجران إلى أنفسهما نفعا, وهو إبقاء النفقة على الزوج ولا تقبل شهادة ابنى الرجل له بالوكالة ولا أبويه لأنهما يثبتان له حق التصرف ولا يثبت للإنسان حق بشهادة ابنه ولا أبيه ولا تقبل شهادة ابنى الموكل, ولا أبويه بالوكالة وقال بعض الشافعية: تقبل لأن هذا حق على الموكل يستحق به الوكيل المطالبة فقبلت فيه شهادة قرابة الموكل كالإقرار ولنا, أن هذه شهادة يثبت بها حق لأبيه أو ابنه فلم تقبل كشهادة ابنى الوكيل وأبويه, وذلك لأنهما يثبتان لأبيهما نائبا متصرفا له وفارق الشهادة عليه بالإقرار فإنها شهادة عليه متمحضة ولو ادعى الوكيل الوكالة, فأنكرها الموكل فشهد عليه ابناه أو أبواه ثبتت الوكالة وأمضى تصرفه لأن ذلك شهادة عليه وإن ادعى الموكل أنه تصرف بوكالته, وأنكر الوكيل فشهد عليه أبواه أو ابناه قبل أيضا لذلك وإن ادعى وكيل لموكله الغائب حقا, وطالب به فادعى الخصم أن الموكل عزله وشهد له بذلك ابنا الموكل, قبلت شهادتهما وثبت العزل بها لأنهما يشهدان على أبيهما وإن لم يدع الخصم عزله لم تسمع شهادتهما لأنهما يشهدان لمن لا يدعيها فإن قبض الوكيل, فحضر الموكل وادعى أنه كان قد عزل الوكيل وأن حقه باق في ذمة الغريم, وشهد له ابناه لم تقبل شهادتهما لأنهما يثبتان حقا لأبيهما ولو ادعى مكاتب الوكالة فشهد له سيده, أو ابنا سيده أو أبواه لم تقبل لأن السيد يشهد لعبده, وابناه يشهدان لعبد أبيهما والأبوان يشهدان لعبد ابنهما فإن عتق فأعاد الشهادة, فهل تقبل؟ يحتمل وجهين. فصل
إذا حضر رجلان عند الحاكم فأقر أحدهما أن الآخر وكله ثم غاب الموكل, وحضر الوكيل فقدم خصما لموكله وقال: أنا وكيل فلان فأنكر الخصم كونه وكيله, فإن قلنا: لا يحكم الحاكم بعلمه لم تسمع دعواه حتى تقوم البينة بوكالته وإن قلنا: يحكم بعلمه وكان الحاكم يعرف الموكل بعينه واسمه ونسبه صدقه ومكنه من التصرف لأن معرفته كالبينة وإن عرفه بعينه دون اسمه ونسبه, لم يقبل قوله حتى تقوم البينة عنده بالوكالة لأنه يريد تثبيت نسبه عنده بقوله فلم يقبل. فصل
ولو حضر عند الحاكم رجل, فادعى أنه وكيل فلان الغائب في شيء عينه وأحضر بينة تشهد له بالوكالة, سمعها الحاكم ولو ادعى حقا لموكله قبل ثبوت وكالته لم يسمع الحاكم دعواه وبه قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة لا يسمعها إلا أن يقدم خصما من خصماء الموكل فيدعى عليه حقا, فإذا أجاب المدعى عليه حينئذ يسمع الحاكم البينة فحصل الخلاف بيننا في حكمين: أحدهما أن الحاكم عندنا يسمع البينة على الوكالة من غير حضور خصم, وعنده لا يسمع والثاني أنه لا تسمع دعواه لموكله قبل ثبوت وكالته وعنده تسمع وبنى أبو حنيفة على أصله في أن القضاء على الغائب لا يجوز, وسماع البينة بالوكالة من غير خصم قضاء على الغائب وأن الوكالة لا تلزم الخصم ما لم يجب الوكيل عن دعوى الخصم أنك لست بوكيل ولنا, أنه إثبات للوكالة فلم يفتقر إلى حضور الموكل عليه كما لو كان الموكل عليه جماعة فأحضر واحد منهم, فإن الباقين لا يفتقر إلى حضورهم كذلك ها هنا والدليل على أن الدعوى لا تسمع قبل ثبوت الوكالة أنها لا تسمع إلا من خصم يخاصم عن نفسه أو عن موكله وهذا لا يخاصم عن نفسه, ولم يثبت أنه وكيل لمن يدعى له فلا تسمع دعواه كما لو ادعى لمن لم يدع وكالته, وفي هذا الأصل جواب عما ذكره. فصل
ولو حضر رجل وادعى على غائب مالا في وجه وكيله فأنكره فأقام بينة بما ادعاه, حلفه الحاكم وحكم له بالمال فإذا حضر الموكل وجحد الوكالة, أو ادعى أنه كان قد عزله لم يؤثر ذلك في الحكم لأن القضاء على الغائب لا يفتقر إلى حضور وكيله. فصل
إذا قال: بع هذا الثوب بعشرة فما زاد عليها فهو لك صح, واستحق الزيادة وقال الشافعي لا يصح ولنا أن ابن عباس كان لا يرى بذلك بأسا ولأنه يتصرف في ماله بإذنه, فصح شرط الربح له في الثاني كالمضارب والعامل في المساقاة.
============