(الجزء الثامن – كتاب البيوع)
• كتاب البيوع
o فصل: البيع على ضربين o مسألة: خيار المتبايعين o فصل: وقوع البيع جائزًا o الفصل الثاني: لزوم البيع بالتفرق o فصل: قيام الإشارة مقام اللفظ o فصل: البائع والمبتاع بالخيار o الفصل الثالث: الخيار يمتد إلى التفرق ولا يبطل بالتخاير o مسألة: أحوال تبطل الخيار o فصل: متى يبطل خيار المشتري؟ o فصل: انتقال الملك إلى المشتري في بيع الخيار o فصل: القول في ما يحصل من غلات المبيع ونمائه المنفصل في مدة الخيار o فصل: ضمان المبيع على المشتري o فصل: تصرف أحد المتبايعين في مدة الخيار o فصل: تصرف المشتري بإذن البائع o فصل: تصرف أحدهما (البائع والمشتري) بالعتق o فصل: فيمن قال لعبده: إذا بعتك فأنت حر o فصل: عدم جواز وطء الجارية في مدة الخيار o فصل: جواز نقد الثمن وقبض المبيع في مدة الخيار o فصل: في قول الخرقي: o مسألة: إذا تفرقا من غير فسخ لم يكن لأحدهما رده إلا بعيب أو خيار o فصل: لو ألحقا في العقد خيارا بعد لزومه لم يلحقه o فصل: احتمالية كلام الخرقي o فصل: وصف المبيع للمشتري كاف لصحة الميع o فصل: البيع بالصفة نوعان o فصل: جواز رؤية المبيع ثم إبرام عقد البيع بزمن لا تتغير العين فيه o فصل: ثبوت الخيار في البيع للغبن في مواضع o فصل: في وقوع البيع على غير معين كقفيز من صبرة ورطل زيت من دن o مسألة: جواز الخيار أكثر من ثلاث o فصل: جواز شرط الخيار لكل واحد من المتعاقدين o فصل: صحة شرط الخيار لأجنبي o فصل: فيما لو قال: بعتك على أن أستأمر فلانا o فصل: في اشتراط الخيار يوما أو ساعات o فصل: اشتراط الخيار إلى الليل أو الغد o فصل: اشتراط الخيار إلى طلوع الشمس o فصل: اشتراط الخيار أبدا o فصل: اشتراطه إلى الحصاد أو الجذاذ o فصل: اشتراط الخيار شهرًا o فصل: يجوز لمن له الخيار الفسخ من غير حضور صاحبه ولا رضاه o فصل: إذا انقضت مدة الخيار ولم يفسخ أحدهما o فصل: إن قال أحد المتعاقدين عند العقد: لا خلابة o فصل: شرط الخيار حيلة على الانتفاع بالقرض o فصل: فإن قال: بعتك على أن تنقدني الثمن إلى ثلاث o فصل: العقود على أربعة أضرب o باب الربا والصرف o فصل: الربا على ضربين o مسألة: ما كيل أو وزن لا يجوز التفاضل فيه إذا كان جنسًا واحدًا o فصل: ما كان جنسه مكيلا أو موزونا وإن لم يتأت فيه كيل o فصل: عدم جواز بيع تمرة بتمرة ولا حفنة بحفنة o فصل: ما لا وزن للصناعة فيه كمعمول الحديد o فصل: جري الربا في لحم الطير o فصل: جريان الربا في الجيد والرديء والتبر والمضروب o فصل: كل ما حرم فيه التفاضل حرم فيه النساء o مسألة: جواز التفاضل فيما كان من جنسين o فصل: وإذا باع شيئا من مال الربا بغير جنسه o مسألة: جواز التفاضل فيما لا يكال ولا يوزن o فصل: بيع الرطب بالرطب o مسألة: لا يباع ما أصله الكيل بشيء من جنسه وزنا o فصل: في جزافية البيع o فصل: ما لا يشترط التماثل فيه كالجنسين وما لا ربا فيه o فصل: لو قال: بعتك هذه الصبرة بهذه الصبرة o فصل: جواز قسم المكيل وزنا o فصل: في معرفة المكيل والموزون والمرجع في ذلك o فصل: الدقيق والسويق مكيلان o فصل: اللبن وغيره من المائعات كالأدهان من الزيت o مسألة: التمور كلها جنس واحد وإن اختلفت أنواعها o فصل: المشتركان في الاسم الخاص من أصلين مختلفين o فصل: اشتمال الجنس الواحد على جنسين o فصل: في بيع التمر بالتمر وفروعه o فصل: صناعة التمر من الدبس o فصل: لا يباع خل العنب بخل الزبيب o مسألة: البر والشعير جنسان o فصل: في الحنطة وفروعها o فصل: يجوز بيع كل واحد من الدقيق والسويق بنوعه متساويًا o فصل: فيما فيه غيره كالخبز وغيره o الحكم في الشعير وسائر الحبوب كالحكم في الحنطة o مسألة: سائر اللحمان جنس واحد o مسألة: لا يجوز بيع بعضه ببعض رطبا ويجوز إذا تناهى جفافه مثلا بمثل o فصل: ولا يجوز بيع بعضه ببعض إلا منزوع العظام o فصل: اللحم والشحم جنسان والكبد صنف والطحال صنف o فصل: في اللبن روايتان o فصل: يتفرع من اللبن قسمان o مسألة: لا يجوز بيع اللحم بالحيوان o فصل: لا يجوز بيع شيء من مال الربا بأصله الذي فيه منه كالسمسم بالشيرج o فصل: بيع شيء من هذه المعتصرات بجنسه جائز o فصل: في مسألة مد عجوة o فصل: في بيع نوعين مختلفي القيمة من جنس o فصل: بيع ما فيه الربا بغير جنسه o فصل: بيع جنس فيه الربا بجنسه ومع كل واحد من غير جنسه غير مقصود o فصل: فيمن لو دفع إليه درهما فقال: أعطني بنصف هذا الدرهم نصف درهم وبنصفه فلوسًا o فصل: فيما كان مشتملا على جنسين بأصل الخلقة o فصل: يحرم الربا في دار الحرب, كتحريمه في دار الإسلام o مسألة: إذا اشترى ذهبا بورق عينا بعين فوجد أحدهما فيما اشتراه عيبًا o فصل: لو أراد أخذ أرش العيب والعوضان في الصرف من جنس واحد لم يجز o فصل: الرد جائز ما لم ينقص قيمة ما أخذه من النقد o فصل: تلف العوض في الصرف بعد القبض ثم علم عيبه فسخ العقد o فصل: إذا علم المصطرفان قدر العوضين جاز أن يتبايعا بغير وزن o فصل: والدراهم والدنانير تتعين بالتعيين في النقد o مسألة: إذا تبايعا ذلك بغير عينه فوجد أحدهما فيما اشتراه عيبًا o فصل: من شرط المصارفة في الذمة أن يكون العوضان معلومين o فصل: إذا كان لرجل في ذمة رجل ذهب, وللآخر عليه دراهم فاصطرفا بما في ذمتهما لم يصح o فصل: ويجوز اقتضاء أحد النقدين من الآخر o فصل: توقف أحمد في المقضي الذي في الذمة مؤجلاً o فصل: لو كان لرجل على رجل عشرة دراهم فدفع إليه دينارًا o فصل: إذا كان عليه دين مؤجل فقال لغريمه: ضع عني بعضه وأعجل لك بقيته لم يجز o مسألة: فإن كان العيب دخيلًا عليه من غير جنسه كان الصرف فيه فاسدًا o فصل: وفي إنفاق المغشوش من النقود روايتان o مسألة: ومتى انصرف المتصارفان قبل التقابض فلا بيع بينهما o فصل: ولو صارف رجلا دينارا بعشرة دراهم وليس معه إلا خمسة دراهم o فصل: إذا باع مدي تمر رديء بدرهم ثم اشترى بالدرهم تمرا جنيبًا o فصل: الحيل كلها محرمة غير جائزة في شيء من الدين o فصل: لو اشترى شيئا بمكسرة o فصل: إذا كان له عند رجل دينار وديعة فصارفه به وهو معلوم بقاؤه o فصل: ولا يجوز بيع تراب الصاغة والمعدن بشيء من جنسه o فصل: ولا يجوز أن يشتري أكثر من خمسة أوسق o الفصل الثالث: لا يشترط في بيع العرية أن تكون موهوبة لبائعها o الفصل الرابع: يجوز بيع العرايا بخرصها من التمر o فصل: يشترط في بيع العرايا التقابض في المجلس o الفصل الخامس: لا يجوز بيعها إلا لمحتاج إلى أكلها رطبًا o مسألة: فإن تركه المشتري حتى يتمر بطل العقد o فصل: لا يجوز بيع العرية في غير النخيل o مسألة: في بيع النخل المؤبر o الفصل الأول: وقوع البيع على نخل مثمر ولم يشترط الثمرة o الفصل الثاني: اشتراط أحد المتبايعين للنخيل يجعلها له مؤبرة كانت أو غير مؤبرة o الفصل الثالث: إن الثمرة إذا بقيت للبائع فله تركها في الشجر o فصل: ما أبر للبائع وما لم يؤبر للمشتري o فصل: طلع الفحال كطلع الإناث o فصل: كل عقد معاوضة يجري مجرى البيع o مسألة: بيع الشجر إذا كان فيه ثمر باد o فصل: الأغصان والورق وسائر أجزاء الشجر للمشتري o فصل: الثمرة للبائع تكون مبقاة في شجر المشتري o فصل: خوف الضرر على الأصول o فصل: إذا باع شجرًا فيه ثمر للبائع فحدثت ثمرة أخرى o فصل: إذا باع الأرض وفيها زرع لا يحصد إلا مرة كالحنطة والشعير o فصل: إن باع أرضًا وفيها زرع يجز مرة بعد أخرى فالأصول للمشتري o فصل: إذا اشترى أرضًا فيها بذر فاستحق المشتري أصله كالرطبة o فصل: إذا باعه أرضًا بحقوقها دخل ما فيها من غراس وبناء في البيع o فصل: إن باعه شجرًا لم تدخل الأرض في البيع o فصل: إن قال: بعتك هذه القرية و كان في اللفظ قرينة مثل المساومة o فصل: ما كان في الأرض من الحجارة المخلوقة فيها o فصل: المعادن الجامدة كمعادن الذهب والفضة o فصل: البئر والعين تكون في الأرض مستنبطة o مسألة: قال: وإذا اشترى الثمرة دون الأصل ولم يبد صلاحها على الترك إلى الجزاز o فصل: بيع الثمرة قبل بدو صلاحها من غير شرط القطع o فصل: ولا يجوز بيع الزرع الأخضر في الأرض إلا بشرط القطع في الحال o فصل: إذا اعترف لرجل بزرع ثم صالحه منه بعوض o فصل: وإذا اشترى رجل نصف الثمرة قبل بدو صلاحها o فصل: القطن ضربان o مسألة: فيمن اشترى ثمرة قبل بدو صلاحها فتركها حتى بدا صلاحها o مسألة: إن اشتراها بعد أن بدا صلاحها على الترك إلى الجزاز جاز o فصل: لا يختلف المذهب أن بدو الصلاح في بعض ثمرة النخلة o فصل: النوع الواحد من بستانين فلا يتبع أحدهما الآخر في جواز البيع o فصل: إذا احتاجت الثمرة إلى سقي لزم البائع ذلك o فصل: يجوز لمشتري الثمرة بيعها في شجرها o مسألة: فإن كانت ثمرة نخل فبدو صلاحها أن تظهر فيها الحمرة أو الصفرة o مسألة: لا يجوز بيع القثاء والخيار والباذنجان o فصل: يصح بيع أصول هذه البقول التي تتكرر ثمرتها من غير شرط القطع o فصل: لا يجوز بيع ما المقصود منه مستور في الأرض كالجزر o فصل: يجوز بيع الجوز واللوز والباقلا الأخضر في قشرته مقطوعا وفي شجره o مسألة: النعناع والهندبا وشبههما لا يجوز بيعهما إلا أن يبيع الظاهر منه o فصل: إن اشترى قصيلاً من شعير ونحوه فقطعه ثم عاد فنبت o مسألة: الحصاد على المشتري o الفصل الأول: من اشترى زرعًا أو جزة من الرطبة ونحوها o الفصل الثاني: هل يبطل البيع لبطلان الشرط؟ o فصل: اشتراط البائع نفع المبيع مدة معلومة o فصل: وإن باعه أمة, واستثنى وطأها مدة معلومة لم يجز o فصل: وإن باع المشتري العين المستثناة منفعتها صح البيع o فصل: إذا اشترط البائع منفعة المبيع وأراد المشتري أن يعطيه ما يقوم مقام المبيع في المنفعة o فصل: إذا اشترط المشتري منفعة البائع في المبيع فأقام البائع مقامه من يعمل العمل فله ذلك o فصل: لو قال: بعتك هذه الدار وأجرتكها شهرا لم يصح o فصل: إن شرط في المبيع إن هو باعه فالبائع أحق به بالثمن o مسألة: قال: وإذا باع حائطا واستثنى منه صاعا لم يجز o الفصل الأول: أنه إذا باع ثمرة بستان واستثنى صاعًا أو آصعًا أو مدًا o فصل: وإن باع شجرة أو نخلة واستثنى أرطالًا معلومة o الفصل الثاني: استثناء نخلة أو شجرة بعينها جائز o فصل: وإن استثنى جزءا معلوما من الصبرة أو الحائط مشاعا كثلث o فصل: فإن قال: بعتك قفيزا من هذه الصبرة إلا مكوكا جاز o فصل: وإن باع قطيعا واستثنى منه شاة بعينها صح o فصل: وإن باع حيوانا مأكولا واستثنى رأسه وجلده وأطرافه وسواقطه o فصل: فإن استثنى شحم الحيوان لم يصح o فصل: في بيع جارية حاملا بحر o فصل: بيع دار إلا ذراعًا o فصل: عدم جواز بيع السمسم واستثناء الكسب o فصل: في قصد رفع قدر المستثنى من المستثنى منه o مسألة: شراء الثمرة دون الأصل o الفصل الأول: ما تهلكه الجائحة من الثمار من ضمان البائع o الفصل الثاني: تعريف الجائحة o الفصل الثالث: ظاهر المذهب أنه لا فرق بين قليل الجائحة وكثيرها o فصل: إذا بلغت الثمرة أوان الجزاز o فصل: إذا استأجر أرضا فزرعها o مسألة: إذا وقع البيع على مكيل أو على موزون أو معدود o فصل: لو تعيب في يد البائع أو تلف بعضه بأمر سماوي o فصل: لو باع شاة بشعير فأكلته قبل قبضه o فصل: لو اشترى شاة أو عبدًا أو شقصًا o مسألة: ما عدا المكيل لا يحتاج إلى قبض o فصل: المبيع بصفة أو رؤية متقدمة o فصل: قبض كل شيء بحسبه o فصل: أجرة الكيال والوزان في المكيل والموزون على البائع o فصل: يصح القبض قبل نقد الثمن وبعده باختيار البائع o مسألة: من اشترى ما يحتاج إلى قبضه لم يجز بيعه حتى يقبضه o فصل: ما لا يجوز بيعه قبل قبضه o فصل: كل عوض ملك بعقد ينفسخ بهلاكه قبل القبض o فصل: إن كان لزيد على رجل طعام من سلم o فصل: إن اشترى اثنان طعاما فقبضاه ثم باع أحدهما للآخر نصيبه o مسألة: ما يحتاج إلى القبض لا تجوز الشركة فيه o فصل: التولية والشركة فيما يجوز بيعه جائزان o فصل: لو اشترى قفيزًا من الطعام فقبض نصفه o فصل: معنى الحوالة o فصل: إذا كان لرجل في ذمة آخر طعام من قرض o فصل: إذا قال رجل لغريمه: بعنى هذا على أن أقضيك دينك منه o مسألة: الإقالة فسخ وبيع o فصل: يقوم الفسخ مقام البيع في إيجاب كيل ثان o مسألة: من اشترى صبرة طعام لم يبعها حتى ينقلها o فصل: لا يحل لبائع الصبرة أن يغشها o مسألة: من عرف مبلغ شيء لم يبعه صبرة o فصل: إن أخبره البائع بكيله ثم باعه بذلك الكيل فالبيع صحيح o فصل: لو كال طعاما وآخر ينظر إليه o فصل: قول أحمد في رجل يشتري الجوز o مسألة: إذا اشترى صبرة على أن كل مكيلة منها بشيء معلوم جاز o فصل: لو قال: بعتك من هذه الصبرة قفيزا o فصل: إن قال: بعتك من هذه الصبرة كل قفيز بدرهم لم يصح o فصل: لو باع ما لا تتساوى أجزاؤه كالأرض والثوب o فصل: لو باعه عبدا من عبدين أو أكثر لم يصح o فصل: حكم الثوب حكم الأرض o فصل: إذا قال: بعتك هذه الأرض أو هذا الثوب على أنه عشرة أذرع فبان أحد عشر o فصل: إن اشترى صبرة على أنها عشرة أقفزة o فصل: إذا باع الأدهان في ظرفها جملة وقد شاهدها o باب المصراة o مسألة: إذا اشترى مصراة وهو لا يعلم فهو بالخيار بين أن يقبلها أو يردها o الفصل الثاني: من اشترى غنما مصراة فاحتلبها o فصل: إن علم بالتصرية قبل حلبها o فصل: إذا رضي بالتصرية فأمسكها o فصل: لو اشترى شاة غير مصراة فاحتلبها ثم وجد بها عيبًا o الفصل الثالث في الاختلاف في مدة الخيار o مسألة: سواء كان المشتري ناقة أو بقرة أو شاة o فصل: شراء مصراتين أو أكثر في عقد واحد o فصل: إن اشترى مصراة من غير بهيمة الأنعام كالأمة والأتان والفرس o فصل: كل تدليس يختلف الثمن لأجله مثل أن يسود شعر الجارية o فصل: إذا أراد إمساك المدلس وأخذ الأرش لم يكن له أرش o مسألة: إذا اشترى أمة ثيبًا فأصابها أو استغلها o الفصل الأول: من علم بسلعته عيبًا لم يجز بيعها حتى يبينه للمشتري o الفصل الثاني: متى علم بالمبيع عيبا لم يكن عالما به فله الخيار بين الإمساك والفسخ o فصل: خيار الرد بالعيب على التراخي o الفصل الثالث: أنه لا يخلو المبيع من أن يكون بحاله o الفصل الرابع: إن كان المبيع جارية ثيبًا فوطئها المشتري قبل علمه بالعيب فله ردها o فصل: لو اشترى مزوجة فوطئها الزوج لم يمنع ذلك الرد o الفصل الخامس: أنه إذا اختار المشتري إمساك المعيب وأخذ الأرش فله ذلك o مسألة: إن كانت بكرا فأراد ردها كان عليه ما نقصها o فصل: في كل مبيع كان معيبًا ثم حدث به عند المشتري عيب آخر قبل علمه بالأول o فصل: المبيع يكون كاتبًا أو صانعًا o فصل: إذا تعيب المبيع في يد البائع بعد العقد o مسألة: إذا دلس البائع العيب o فصل: في معرفة العيوب o فصل: الثيوبة ليست عيبًا o فصل: إذا اشترط المشتري في البيع صفة مقصودة o فصل: لا يفتقر الرد بالعيب إلى رضا البائع o مسألة: [لو باع المشتري ثم ظهر على عيب كان مخيرا بين أن يرد ملكه منه بمقداره من الثمن] o الفصل الأول: أنه إذا اشترى معيبًا فباعه سقط رده o الفصل الثاني: أنه إذا باع المعيب ثم أراد أخذ أرشه o الفصل الثالث: إذا باع المشتري بعض المبيع ثم ظهر على عيب o فصل: إن اشترى عينين فوجد بإحداهما عيبًا o فصل: إذا اشترى اثنان شيئا فوجداه معيبًا o فصل: إذا ورث اثنان عن أبيهما خيار عيب فرضي أحدهما o فصل: ولو اشترى رجل من رجلين شيئا فوجده معيبا فله رده عليهما o فصل: إن اشترى حلى فضة بوزنه دراهم o مسألة: إن ظهر على عيب بعد إعتاقه لها أو موتها في ملكه فله الأرش o فصل: إن فعل شيئًا مما ذكرناه بعد علمه بالعيب فلا أرش له o فصل: إن استغل المبيع أو عرضه على البيع لم يسقط خياره o فصل: إن أبق العبد ثم علم عيبه فله أخذ أرشه o فصل: إذا اشترى عبدًا فأعتقه ثم علم به عيبًا فأخذ أرشه فهو له o مسألة: إن ظهر على عيب يمكن حدوثه قبل الشراء أو بعده o فصل: إذا باع الوكيل ثم ظهر المشتري على عيب كان به o فصل: لو اشترى جارية على أنها بكر ثم قال المشتري: إنما هي ثيب o فصل: إن رد المشتري السلعة بعيب فيها فأنكر البائع كونها سلعته o مسألة: إذا اشترى شيئًا مأكوله في جوفه o فصل: لو اشترى ثوبًا فنشره فوجده معيبًا فإن كان مما لا ينقصه النشر رده o فصل: وإذا اشترى ثوبًا فصبغه ثم ظهر على عيب فله أرشه o فصل: يصح بيع العبد الجاني سواء كانت الجناية عمدا أو خطأ على النفس وما دونها o فصل: حكم المرتد حكم القاتل في صحة بيعه وسائر أحكامه المذكورة فيه o مسألة: من باع عبدا وله مال فماله للبائع o فصل: إذا اشترى عبدا واشترط ماله ثم رد العبد بعيب أو خيار أو إقالة رد ماله معه o فصل: ما كان على العبد أو الجارية من الحلي فهو بمنزلة ماله o فصل: لا يملك العبد شيئًا إذا لم يملكه سيده o مسألة: قال ومن باع سلعة بنسيئة لم يجز أن يشتريها بأقل مما باعها به o فصل: إن اشتراها بعرض أو كان بيعها الأول بعرض فاشتراها بنقد جاز o فصل: في مسألة العينة o فصل: إن باع سلعة بنقد ثم اشتراها بأكثر منه نسيئة o فصل: من لا يجوز له أن يشتري لا يجوز ذلك لوكيله o فصل: فيمن باع طعامًا إلى أجل فلما حل الأجل أخذ منه بالثمن o مسألة: من باع حيوانا أو غيره بالبراءة من كل عيب لم يبرأ o فصل: لا يصح شرط البراءة من العيوب o مسألة: من باع شيئًا مرابحة فعلم أنه زاد في رأس ماله o فصل: إذا أراد الإخبار بثمن السلعة o فصل: تغير السلعة o فصل: إن اشترى شيئًا بثمن مؤجل لم يجز بيعه مرابحة o فصل: فإن اشترى ثوبًا بعشرة ثم باعه بخمسة عشر o فصل: من يلزمه الإخبار في المرابحة والتبيين فلم يفعل o فصل: إن ابتاعه بدنانير فأخبر أنه اشتراه بدراهم o فصل: إن ابتاع اثنان ثوبا بعشرين o فصل: لا بأس أن يبيع بالرقم ومعناه o فصل: بيع التولية o مسألة: إن أخبر بنقصان من رأس ماله كان على المشتري رده o فصل: يجوز بيع المواضعة وهو أن يخبر برأس ماله o فصل: إذا اشترى رجل نصف سلعة بعشرة واشترى آخر نصفها بعشرين o فصل: متى باعاه السلعة برقمها ولا يعلمانه o مسألة: قال وإذا باع شيئا واختلفا في ثمنه تحالفا o الفصل الثالث: أنه إذا حلف البائع فنكل المشتري عن اليمين قضى عليه o مسألة: قال فإن كانت السلعة تالفة تحالفا ورجعا إلى قيمة مثلها o فصل: إن تقايلا المبيع أو رد بعيب بعد قبض البائع الثمن ثم اختلفا في قدره o فصل: إن قال: بعتك هذا العبد بألف فقال: بل هو والعبد الآخر بألف o فصل: إن اختلفا في عين المبيع o فصل: إن اختلفا في صفة الثمن رجع إلى نقد البلد o فصل: إن اختلفا في أجل أو رهن أو في قدرهما أو في شرط خيار o فصل: إن اختلفا فيما يفسد العقد أو شرط فاسد o فصل: إن مات المتبايعان فورثتهما بمنزلتهما o فصل: إن اختلفا في التسليم o فصل: هرب المشتري قبل وزن الثمن وهو معسر o فصل: ليس للبائع الامتناع من تسليم المبيع بعد قبض الثمن o مسألة: بيع العبد الآبق لا يصح o مسألة: بيع الطائر في الهواء لا يصح o مسألة: بيع السمك في الآجام لا يصح o فصل: اعتياد بركة أو مصفاة لاصطياد السمك o فصل: ما حصل من الصيد في كلب إنسان أو صقره o مسألة: الوكيل إذا خالف فهو ضامن o فصل: إن اشترى بعين مال الآمر أو باع بغير إذنه o فصل: لا يجوز بيع عين غير مملوكة o فصل: لو باع سلعة وصاحبها حاضر ساكت فحكمه حكم ما لو باعها من غير علمه o فصل: إذا وكل رجلين في بيع سلعته فباع كل واحد منهما السلعة من رجل بثمن مسمى o مسألة: بيع الملامسة والمنابذة غير جائز o فصل: بيع الحصاة o فصل: النهي عن المحاقلة والمخاضرة والملامسة والمنابذة o مسألة: بيع الحمل غير أمه واللبن في الضرع o فصل: النهي عن بيع حبل الحبلة o فصل: لا يجوز بيع اللبن في الضرع o فصل: اختلاف الرواية في بيع الصوف على الظهر o فصل: لا يجوز بيع ما تجهل صفته كالمسك في الفأر o فصل: بيع الأعمى وشراؤه o مسألة: بيع عسب الفحل غير جائز o مسألة: النهي عن النجش o فصل: ما في معنى النجش o فصل: النهي عن أن يبيع أحد على بيع أخيه o فصل: النهي عن سوم الرجل على سوم أخيه o فصل: بطلان بيع التلجئة o مسألة: إن باع حاضر لباد فالبيع باطل o فصل: النهي غير متناول للشراء بلفظه ولا هو في معناه o فصل: ليس للإمام أن يسعر على الناس o مسألة: النهي عن تلقي الركبان o فصل: تلقي الركبان والبيعهم لهم بمنزلة الشراء منهم o فصل: إن خرج لغير قصد التلقي فلقي ركبًا فليس له الابتياع منهم ولا الشراء o فصل: لا بأس إن تلقى الجلب في أعلى الأسواق o فصل: حرمة الاحتكار o فصل: الاحتكار المحرم ما اجتمع فيه ثلاثة شروط o مسألة: بطلان بيع العصير ممن يتخذه خمرًا o فصل: حرمة كل ما يقصد به الحرام كبيع السلاح لأهل الحرب o فصل: بيع الجارية المغنية يكون على أساس أنها ساذجة o فصل: لا يجوز بيع الخمر ولا التوكيل في بيعه ولا شراؤه o مسألة: يبطل البيع إذا كان فيه شرطان ولا يبطله شرط واحد o فصل: انقسام الشروط إلى أربعة أقسام o فصل: الحكم بصحة البيع يجعل للبائع حق الرجوع بما نقصه الشرط من الثمن o فصل: الحكم بفساد العقد لم يحصل به ملك سواء اتصل به القبض أو لم يتصل o فصل: الجملة المضمونة تكون أجزاؤها مضمونة o فصل: إن كان المبيع أمة فوطئها المشتري فلا حد عليه o فصل: إن ولدت الأمة المبيعة بوطء مشتريها لها كان ولدها حرًا o فصل: إذا باع المشتري المبيع الفاسد لم يصح o فصل: إن زاد المبيع في يد المشتري بسمن o فصل: إذا باع بيعًا فاسدًا وتقابضا ثم أتلف البائع الثمن o فصل: إذا قال: بع عبدك من فلان على خمسمائة فباعه بهذا الشرط فالبيع فاسد o فصل: العربون في البيع o مسألة: قال وإذا قال: بعتك بكذا على أن آخذ منك الدينار بكذا لم ينعقد البيع o فصل: ما روي في تفسير بيعتين في بيعة o فصل: ترك مشترط السلف السلف يجعل البيع صحيحًا o فصل: الجمع بين عقدين مختلفي القيمة بعوض واحد o فصل: في تفريق الصفقة o فصل: إن وقع العقد على مكيل أو موزون فتلف بعضه o فصل: إذا حكمنا بالصحة في تفريق الصفقة وكان المشتري عالمًا بالحال فلا خيار له o مسألة: للوصي أن يتجر بمال اليتيم ولا ضمان عليه o فصل: يجوز لولي اليتيم إبضاع ماله o فصل: لا يجوز بيع عقار اليتيم إلا في موضوعين o فصل: يجوز لولي اليتيم كتابة رقيق اليتيم وإعتاقه على مال o فصل: يجوز للوصي أن يشتري لليتيم أضحية o فصل: إذا كان الولي موسرًا فلا يأكل من مال اليتيم شيئًا إذا لم يكن أبًا o فصل: قرض مال اليتيم إذا لم يكن فيه حظ له لم يجز قرضه o فصل: هل يجوز للوصي أن يستنيب فيما يتولى مثله بنفسه؟ o فصل: ادعاء الولي الإنفاق على الصبي o فصل: يجوز للوصي البيع على الغائب البالغ o فصل: يصح تصرف الصبي المميز بالبيع والشراء o مسألة: ما استدان العبد فهو في رقبته يفديه سيده o الفصل الأول: في استدانة العبد o الفصل الثاني: فيمن يلزمه من الدين من أروش جناياته أو قيم متلفاته o الفصل الثالث: لا يصح بيع ولا شراء غير المأذون بعين المال o الفصل الرابع: لا يقبل إقرار غير المأذون له بالمال o مسألة: بيع الكلب باطل وإن كان معلمًا o فصل: لا تجوز إجارة الكلاب o فصل: تصح الوصية بالكلب الذي يباح اقتناؤه o مسألة: قتل الكلب المعلم حرام o فصل: قتل ما لا يباح إمساكه o فصل: لا يجوز اقتناء الكلب o فصل: جواز تربية الجرو الصغير لأحد الأمور الثلاثة o فصل: حكم قتناء كلب للصيد ثم تركه وإرادة العود إليه o فصل: ولا يجوز بيع الخنزير ولا الميتة o فصل: ولا يجوز بيع السرجين النجس o فصل: ولا يجوز بيع الحر ولا ما ليس بمملوك o مسألة: جواز بيع الفهد والصقر المعلم o فصل: الفهد والصقر ونحوهما مما ليس بمعلم ولا يقبل التعليم لا يجوز بيعه o فصل: ما يصاد عليه كالبومة o فصل: بيض ما لا يؤكل لحمه من الطير o فصل: كراهة بيع القرد o فصل: بيع العلق التي ينتفع بها o فصل: ويجوز بيع دود القز وبزره o فصل: ويجوز بيع النحل إذا شاهدها محبوسة o فصل: الترياق لا يؤكل لأنه يقع فيه لحوم الحيات o فصل: لا يجوز بيع جلد الميتة قبل الدبغ o فصل: بيع لبن الآدميات o فصل: اختلاف الرواية في بيع رباع مكة وإجارة دورها o فصل: من بنى بناء بمكة بآلة مجلوبة من غير أرض مكة جاز بيعها o فصل: لا أعلم في بيع المصاحف رخصة o فصل: لا يصح شراء الكافر مسلمًا o فصل: لا تصح وكالة كافر مسلما في شراء مسلم o فصل: إن اشترى الكافر مسلمًا يعتق عليه بالقرابة كأبيه وأخيه صح الشراء o فصل: صحة تأجير المسلم نفسه لذمي للعمل في ذمته o فصل: لا يجوز أن يفرق في البيع بين كل ذي رحم محرم o فصل: التفريق بين كل ذي رحم محرم قبل البلوغ يبطل البيع o فصل: إذا اشترى ممن في ماله حرام وحلال o فصل: المشكوك فيه على ثلاثة أضرب o فصل: جوائز السلطان o فصل: في من معه ثلاثة دراهم حرام o فصل: لا يجوز بيع كل ماء عد كمياه العيون o فصل: o فصل: هل يلزم بذل فضل ماء لزرع للغير؟ o فصل: إذا اشترى عبدًا بمائة فقضاها عنه غيره صح o فصل: إذا قال العبد لرجل: ابتعني من سيدي ففعل فبان العبد معتقًا فالضمان على السيد o فصل: إن اشترى اثنان عبدا فغاب أحدهما وجاء الآخر يطلب نصيبه منه فله ذلك o فصل: استحباب الإشهاد في البيع o فصل: ويكره البيع والشراء في المسجد o باب السلم: o مسألة: كل ما ضبط بصفة فالسلم فيه جائز o فصل: صحة السلم في الخبز o فصل: صحة السلم في النشاب والنبل o فصل: اختلاف الرواية في السلم في الحيوان o فصل: اختلاف الرواية في السلم في غير الحيوان o فصل: السلم في الرءوس والأطراف o فصل: السلم في الجلود o فصل: يصح السلم في اللحم وبه o فصل: الجنس والجودة أو ما يقوم مقامهما o فصل: يصف البر بأربعة أوصاف النوع o فصل: يصف العسل بثلاثة أوصاف البلدي o فصل: لا بد في الحيوان كله من ذكر النوع o فصل: يذكر في اللحم السن والذكورية والأنوثية والسمن o فصل: يضبط السمن بالنوع من ضأن أو معز أو بقر o فصل: ضبط الثياب يكون بستة أوصاف o فصل: وصف غزل القطن والكتان بالبلد واللون والغلظ والدقة o فصل: ضبط النحاس والرصاص والحديد بالنوع o فصل: الخشب على أضرب o فصل: الحجارة منها ما هو للأرحية o فصل: يضبط العنبر بلونه والبلد o مسألة: معرفة مقدار المسلم فيه بالكيل o فصل: إن أسلم فيما يكال وزنا أو فيما يوزن كيلاً o فصل: إن كان المسلم فيه مما لا يمكنه وزنه بالميزان o فصل: ضرورة تقدير المذروع بالذرع o فصل:ما عدا المكيل والموزون والحيوان والمذروع فعلى ضربين o مسألة: الشرط الرابع التأجيل لأجل معلوم o الفصل الثاني: كون الأجل معلومًا السلم o فصل: إذا جعل الأجل إلى شهر تعلق بأوله o فصل: من شرط الأجل أن يكون مدة لها وقع في الثمن o الفصل الثالث: في كون الأجل معلومًا بالأهلة o مسألة: الشرط الخامس: كون المسلم فيه عام الوجود في محله o فصل: لا يجوز أن يسلم في ثمرة بستان بعينه o فصل: لا يشترط كون المسلم فيه موجودًا حال السلم o فصل: إذا تعذر تسليم المسلم فيه عند المحل o فصل: إذا أسلم نصراني إلى نصراني في خمر ثم أسلم أحدهما o مسألة: قبض الثمن كاملاً وقت السلم وقبل التفرق o فصل: إن قبض الثمن فوجده رديئا o فصل: إن خرجت الدراهم مستحقة والثمن معين لم يصح العقد o فصل: إذا كان له في ذمة رجل دينار فجعله سلمًا في طعام إلى أجل o مسألة: الأوصاف الستة المذكورة لا يصح السلم إلا بها o فصل: كل مالين حرم النساء فيهما لا يجوز إسلام أحدهما في الآخر o مسألة: بيع المسلم فيه من بائعه أو من غيره o فصل: جواز الإقالة في المسلم فيه o فصل: إذا أقاله رد الثمن إن كان باقيًا أو مثله إن كان مثليًا o مسألة: إذا أسلم في جنسين ثمنًا واحدًا o مسألة: جواز الإسلام في شيء واحد على أن يقبضه في أوقات متفرقة أجزاء معلومة o مسألة: وإذا لم يكن السلم فيه كالحديد والرصاص o فصل: المسلم فيه إما أن يحضر على صفته أو دونها o فصل: إذا جاءه بالأجود فقال: خذه وزدني درهمًا لم يصح o فصل: ليس للمسلم إليه إلا أقل ما تقع عليه الصفة o فصل: لا يقبض المكيل إلا بالكيل ولا الموزون إلا بالوزن o مسألة: لا يجوز أن يأخذ رهنًا ولا كفيلاً من المسلم إليه o فصل: إن أخذ رهنًا أو ضمينًا بالمسلم فيه ثم تقايلا السلم o فصل: إذا حكمنا بصحة ضمان السلم فلصاحب الحق مطالبة من شاء منهما o فصل: الذي يصح أخذ الرهن به كل دين ثابت في الذمة يصح استيفاؤه o فصل: الأعيان المضمونة o فصل: كل ما جاز أخذ الرهن به جاز أخذ الضمين به o فصل: إذا اختلف المسلم والمسلم إليه في حلول الأجل فالقول قول المسلم o باب القرض: o فصل: القرض مندوب إليه في حق المقرض o فصل: العقد على المال لا يصح إلا من جائز التصرف o فصل: دخول المقرض على بصيرة لا يثبت له خيارًا o فصل: للمقرض المطالبة ببدله في الحال o فصل: يجوز قرض المكيل والموزون بغير خلاف o فصل: المال الذي يثبت في الذمة سلمًا يصح قرضه o فصل: اقتراض دراهم أو دنانير غير معروفة الوزنغير جائز o فصل: وجوب رد المثل في المكيل والموزون o فصل: جواز قرض الخبز o فصل: كل قرض اشترط فيه الزيادة فهو حرام o فصل: إن أقرضه مطلقًا من غير شرط o فصل: إن شرط في القرض أن يوفيه أنقص مما أقرضه o فصل: إن اقترض من رجل نصف دينار فدفع إليه دينارًا صحيحًا o فصل: لو أفلس غريمه فأقرضه ألفًا ليوفيه كل شهر شيئًا معلومًا جاز o فصل: لا يرجع البائع على المشتري ببدل الثمن o فصل: المستقرض يرد المثل في المثليات سواء رخص سعره أو غلا o فصل: إذا أقرضه ما لحمله مؤنة ثم طالبه بمثله ببلد آخر لم يلزمه o فصل: إن أقرض ذمي ذميًا خمرًا ثم أسلما أو أحدهما بطل القرض
عرض كتاب البيوع
عرض كتاب البيوع
/البيع: مبادلة المال بالمال, تمليكا وتملكا واشتقاقه: من الباع لأن كل واحد من المتعاقدين يمد باعه للأخذ والإعطاء ويحتمل أن كل واحد منهما كان يبايع صاحبه أي يصافحه عند البيع ولذلك سمي البيع صفقة وقال بعض أصحابنا: هو الإيجاب والقبول, إذا تضمن عينين للتمليك وهو حد قاصر لخروج بيع المعاطاة منه ودخول عقود سوى البيع فيه والبيع جائز بالكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقول الله تعالى: {وأحل الله البيع} [البقرة: 275]. وقوله تعالى: {وأشهدوا إذا تبايعتم} [البقرة: 282]. وقوله تعالى: {إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} [النساء: 29]. وقوله تعالى: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم} [البقرة: 198]. وروى البخاري, عن ابن عباس قال: كانت عكاظ ومجنة, وذو المجاز أسواقا في الجاهلية فلما كان الإسلام تأثموا فيه, فأنزلت: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم} [البقرة: 198]. يعني في مواسم الحج وعن الزبير نحوه وأما السنة فقول النبي - ﷺ- (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا) متفق عليه وروى رفاعة أنه خرج مع النبي - ﷺ - إلى المصلى, فرأى الناس يتبايعون فقال: (يا معشر التجار فاستجابوا لرسول الله - ﷺ - ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه فقال: إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا, إلا من بر وصدق) قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح وروى أبو سعيد عن النبي - ﷺ- أنه قال: (التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء) قال الترمذي: هذا حديث حسن في أحاديث كثيرة سوى هذه وأجمع المسلمون على جواز البيع في الجملة والحكمة تقتضيه لأن حاجة الإنسان تتعلق بما في يد صاحبه, وصاحبه لا يبذله بغير عوض ففي شرع البيع وتجويزه شرع طريق إلى وصول كل واحد منهما إلى غرضه ودفع حاجته. فصل:
والبيع على ضربين أحدهما, الإيجاب والقبول فالإيجاب أن يقول: بعتك أو ملكتك أو لفظ يدل عليهما والقبول, أن يقول: اشتريت أو قبلت ونحوهما فإن تقدم القبول على الإيجاب بلفظ الماضي, فقال: ابتعت منك فقال: بعتك صح لأن لفظ الإيجاب والقبول وجد منهما على وجه تحصل منه الدلالة على تراضيهما به فصح كما لو تقدم الإيجاب وإن تقدم بلفظ الطلب, فقال: بعني ثوبك فقال: بعتك ففيه روايتان إحداهما يصح كذلك وهو قول مالك, والشافعي والثانية لا يصح وهو قول أبي حنيفة لأنه لو تأخر عن الإيجاب لم يصح به البيع, فلم يصح إذا تقدم كلفظ الاستفهام ولأنه عقد عري عن القبول, فلم ينعقد كما لو لم يطلب وحكى أبو الخطاب فيما إذا تقدم بلفظ الماضي روايتين أيضا, فأما إن تقدم بلفظ الاستفهام مثل أن يقول: أتبيعني ثوبك بكذا؟ فيقول: بعتك لم يصح بحال نص عليه أحمد وبه يقول أبو حنيفة والشافعي ولا نعلم عن غيرهم خلافهم لأن ذلك ليس بقبول ولا استدعاء الضرب الثاني, المعاطاة مثل أن يقول: أعطني بهذا الدينار خبزا فيعطيه ما يرضيه أو يقول: خذ هذا الثوب بدينار فيأخذه, فهذا بيع صحيح نص عليه أحمد في من قال لخباز: كيف تبيع الخبز؟ قال: كذا بدرهم قال: زنه وتصدق به فإذا وزنه فهو عليه وقول مالك نحو من هذا, فإنه قال: يقع البيع بما يعتقده الناس بيعا وقال بعض الحنفية: يصح في خسائس الأشياء وحكي عن القاضي مثل هذا قال: يصح في الأشياء اليسيرة دون الكبيرة ومذهب الشافعي -رحمه الله- , أن البيع لا يصح إلا بالإيجاب والقبول وذهب بعض أصحابه إلى مثل قولنا ولنا أن الله أحل البيع, ولم يبين كيفيته فوجب الرجوع فيه إلى العرف كما رجع إليه في القبض والإحراز والتفرق, والمسلمون في أسواقهم وبياعاتهم على ذلك ولأن البيع كان موجودا بينهم معلوما عندهم, وإنما علق الشرع عليه أحكاما وأبقاه على ما كان فلا يجوز تغييره بالرأي والتحكم, ولم ينقل عن النبي - ﷺ - ولا عن أصحابه مع كثرة وقوع البيع بينهم استعمال الإيجاب والقبول, ولو استعملوا ذلك في بياعاتهم لنقل نقلا شائعا ولو كان ذلك شرطا لوجب نقله, ولم يتصور منهم إهماله والغفلة عن نقله ولأن البيع مما تعم به البلوى فلو اشترط له الإيجاب والقبول لبينه - ﷺ - بيانًا عامًا, ولم يخف حكمه لأنه يفضي إلى وقوع العقود الفاسدة كثيرا وأكلهم المال بالباطل ولم ينقل ذلك عن النبي - ﷺ - ولا عن أحد من أصحابه فيما علمناه, ولأن الناس يتبايعون في أسواقهم بالمعاطاة في كل عصر ولم ينقل إنكاره من قبل مخالفينا فكان ذلك إجماعا, وكذلك الحكم في الإيجاب والقبول في الهبة والهدية, والصدقة ولم ينقل عن النبي - ﷺ - ولا عن أحد من أصحابه استعمال ذلك فيه وقد أهدي إلى رسول الله - ﷺ- من الحبشة وغيرها, وكان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة متفق عليه وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله - ﷺ - إذا أتي بطعام سأل عنه: أهدية أم صدقة؟ فإن قيل: صدقة قال لأصحابه: كلوا ولم يأكل وإن قيل: هدية ضرب بيده, وأكل معهم) وفي حديث سلمان حين جاء إلى النبي - ﷺ - بتمر فقال: هذا شيء من الصدقة, رأيتك أنت وأصحابك أحق الناس به (فقال النبي - ﷺ - لأصحابه: كلوا ولم يأكل) ثم أتاه ثانية بتمر فقال: رأيتك لا تأكل الصدقة, وهذا شيء أهديته لك (فقال النبي - ﷺ - : بسم الله وأكل) ولم ينقل قبول ولا أمر بإيجاب وإنما سأل ليعلم هل هو صدقة أو هدية, وفي أكثر الأخبار لم ينقل إيجاب ولا قبول وليس إلا المعاطاة والتفرق عن تراض يدل على صحته, ولو كان الإيجاب والقبول شرطا في هذه العقود لشق ذلك ولكانت أكثر عقود المسلمين فاسدة وأكثر أموالهم محرمة ولأن الإيجاب والقبول إنما يرادان للدلالة على التراضي, فإذا وجد ما يدل عليه من المساومة والتعاطي قام مقامهما, وأجزأ عنهما لعدم التعبد فيه. [خيار المتبايعين] أي باب خيار المتبايعين فحذف اختصارًا. مسألة:
قال أبو القاسم - رحمه الله -: [والمتبايعان كل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما]. في هذه المسألة ثلاثة فصول: فصل:
أحدها أن البيع يقع جائزا ولكل من المتبايعين الخيار في فسخ البيع, ما داما مجتمعين لم يتفرقا وهو قول أكثر أهل العلم, يروى ذلك عن عمر وابن عمر وابن عباس, وأبي هريرة وأبي برزة وبه قال سعيد بن المسيب, وشريح والشعبي وعطاء, وطاوس والزهري والأوزاعي وابن أبي ذئب, والشافعي وإسحاق وأبو عبيد, وأبو ثور وقال مالك وأصحاب الرأي: يلزم العقد بالإيجاب والقبول ولا خيار لهما لأنه روي عن عمر ـ رضي الله عنه ـ : البيع صفقة أو خيار ولأنه عقد معاوضة فلزم بمجرده, كالنكاح والخلع ولنا ما روى ابن عمر عن رسول الله - ﷺ - أنه قال: (إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار, ما لم يتفرقا وكانا جميعا أو يخير أحدهما الآخر, فإن خير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع, وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك أحدهما البيع فقد وجب البيع) متفق عليه وقال - ﷺ -: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا) رواه الأئمة كلهم ورواه عبد الله بن عمر, وعبد الله بن عمرو وحكيم بن حزام وأبو برزة الأسلمي واتفق على حديث ابن عمر, وحكيم ورواه عن نافع عن ابن عمر, مالك وأيوب وعبيد الله بن عمر, وابن جريج والليث بن سعد ويحيى بن سعيد, وغيرهم وهو صريح في حكم المسألة وعاب كثير من أهل العلم على مالك مخالفته للحديث مع روايته له وثبوته عنده, وقال الشافعي - رحمه الله -: لا أدري هل اتهم مالك نفسه أو نافعا؟ وأعظم أن أقول: عبد الله بن عمر وقال ابن أبي ذئب: يستتاب مالك في تركه لهذا الحديث فإن قيل: المراد بالتفرق ها هنا التفرق بالأقوال كما قال الله تعالى: {وما تفرق الذين أوتوا الكتاب} [البينة:4]. وقال النبي - ﷺ -: (ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة) أي بالأقوال والاعتقادات قلنا: هذا باطل لوجوه: منها, أن اللفظ لا يحتمل ما قالوه إذ ليس بين المتبايعين تفرق بلفظ ولا اعتقاد إنما بينهما اتفاق على الثمن والمبيع بعد الاختلاف فيه الثاني أن هذا يبطل فائدة الحديث إذ قد علم أنهما بالخيار قبل العقد في إنشائه وإتمامه, أو تركه الثالث أنه قال في الحديث: (إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار) فجعل لهما الخيار بعد تبايعهما, وقال: (وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك أحدهما البيع فقد وجب البيع) الرابع, أنه يرده تفسير ابن عمر للحديث بفعله فإنه كان إذا بايع رجلا مشى خطوات ليلزم البيع وتفسير أبي برزة له, بقوله على مثل قولنا وهما راويا الحديث وأعلم بمعناه, وقول عمر: البيع صفقة أو خيار معناه أن البيع ينقسم إلى بيع شرط فيه الخيار وبيع لم يشترط فيه, سماه صفقة لقصر مدة الخيار فيه فإنه قد روى عنه أبو إسحاق الجوزجاني مثل مذهبنا ولو أراد ما قالوه, لم يجز أن يعارض به قول النبي ـ ﷺ ـ فلا حجة في قول أحد مع قول النبي ـ ﷺ ـ وقد كان عمر إذا بلغه قول النبي ـ ﷺ ـ رجع عن قوله فكيف يعارض قوله بقوله؟ على أن قول عمر ليس بحجة إذا خالفه بعض الصحابة وقد خالفه ابنه, وأبو برزة وغيرهما ولا يصح قياس البيع على النكاح لأن النكاح لا يقع غالبا إلا بعد روية ونظر وتمكث, فلا يحتاج إلى الخيار بعده ولأن في ثبوت الخيار فيه مضرة لما يلزم من رد المرأة بعد ابتذالها بالعقد, وذهاب حرمتها بالرد وإلحاقها بالسلع المبيعة فلم يثبت فيه خيار لذلك, ولهذا لم يثبت فيه خيار الشرط ولا خيار الرؤية والحكم في هذه المسألة ظاهر لظهور دليله, ووهاء ما ذكره المخالف في مقابلته والله أعلم. الفصل الثاني:
أن البيع يلزم بتفرقهما لدلالة الحديث عليه ولا خلاف في لزومه بعد التفرق, والمرجع في التفرق إلى عرف الناس وعادتهم فيما يعدونه تفرقا لأن الشارع علق عليه حكما ولم يبينه, فدل ذلك على أنه أراد ما يعرفه الناس كالقبض والإحراز, فإن كانا في فضاء واسع كالمسجد الكبير والصحراء, فبأن يمشي أحدهما مستدبرًا لصاحبه خطوات وقيل: هو أن يبعد منه بحيث لا يسمع كلامه الذي يتكلم به في العادة قال أبو الحارث: سئل أحمد عن تفرقة الأبدان؟ فقال: إذا أخذ هذا كذا وهذا كذا, فقد تفرقا وروى مسلم عن نافع قال: فكان ابن عمر إذا بايع, فأراد أن لا يقيله مشي هنيهة ثم رجع وإن كانا في دار كبيرة, ذات مجالس وبيوت فالمفارقة أن يفارقه من بيت إلى بيت أو إلى مجلس, أو صفة أو من مجلس إلى بيت أو نحو ذلك فإن كانا في دار صغيرة, فإذا صعد أحدهما السطح أو خرج منها فقد فارقه وإن كانا في سفينة صغيرة, خرج أحدهما منها ومشى وإن كانت كبيرة صعد أحدهما على أعلاها ونزل الآخر في أسفلها وهذا كله مذهب الشافعي فإن كان المشتري هو البائع, مثل أن يشتري لنفسه من مال ولده أو اشترى لولده من مال نفسه لم يثبت فيه خيار المجلس لأنه تولى طرفي العقد, فلم يثبت له خيار كالشفيع ويحتمل أن يثبت فيه, ويعتبر مفارقة مجلس العقد للزومه لأن الافتراق لا يمكن ها هنا لكون البائع هو المشتري ومتى حصل التفرق لزم العقد, قصدا ذلك أو لم يقصداه علماه أو جهلاه لأن النبي ـ ﷺ- علق الخيار على التفرق وقد وجد ولو هرب أحدهما من صاحبه, لزم العقد لأنه فارقه باختياره ولا يقف لزوم العقد على رضاهما ولهذا كان ابن عمر يفارق صاحبه ليلزم البيع ولو أقاما في المجلس, وسدلا بينهما سترا أو بنيا بينهما حاجزا أو ناما, أو قاما فمضيا جميعا ولم يتفرقا فالخيار بحاله وإن طالت المدة لعدم التفرق وروى أبو داود, والأثرم بإسنادهما عن أبي الوضيء قال: غزونا غزوة لنا, فنزلنا منزلا فباع صاحب لنا فرسا بغلام ثم أقاما بقية يومهما وليلتهما, فلما أصبحا من الغد وحضر الرحيل قام إلى فرسه يسرجه, فندم فأتى الرجل وأخذه بالبيع, فأبى الرجل أن يدفعه إليه فقال: بيني وبينك أبو برزة صاحب رسول الله - ﷺ - فأتيا أبا برزة في ناحية العسكر فقالا له هذه القصة فقال: أترضيان أن أقضي بينكما بقضاء رسول الله - ﷺ -؟ قال رسول الله - ﷺ -: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا) ما أراكما افترقتما فإن فارق أحدهما الآخر مكرها, احتمل بطلان الخيار لوجود غايته وهو التفرق ولأنه لا يعتبر رضاه في مفارقة صاحبه له, فكذلك في مفارقته لصاحبه وقال القاضي: لا ينقطع الخيار لأنه حكم علق على التفرق فلم يثبت مع الإكراه كما لو علق عليه الطلاق ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين فعلى قول من لا يرى انقطاع الخيار, إن أكره أحدهما على فرقة صاحبه انقطع خيار صاحبه كما لو هرب منه, وفارقه بغير رضاه ويكون الخيار للمكره منهما في المجلس الذي يزول عنه فيه الإكراه حتى يفارقه وإن أكرها جميعا انقطع خيارهما لأن كل واحد منهما ينقطع خياره بفرقة الآخر له, فأشبه ما لو أكره صاحبه دونه وذكر ابن عقيل من صور الإكراه ما لو رأيا سبعا أو ظالما خشياه فهربا فزعا منه, أو حملهما سيل أو فرقت ريح بينهما. فصل:
وإن خرس أحدهما قامت إشارته مقام لفظه فإن لم تفهم إشارته, أو جن أو أغمي عليه قام وليه من الأب, أو وصيه أو الحاكم مقامه, وهذا مذهب الشافعي وإن مات أحدهما بطل خياره لأنه قد تعذر منه الخيار والخيار لا يورث وأما الباقي منهما فيبطل خياره أيضا لأنه يبطل بالتفرق والتفرق بالموت أعظم, ويحتمل أن لا يبطل لأن التفرق بالأبدان لم يحصل فإن حمل الميت بطل الخيار لأن الفرقة حصلت بالبدن والروح معا. فصل:
وقد روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده, أن النبي - ﷺ - قال: (البائع والمبتاع بالخيار حتى يتفرقا إلا أن تكون صفقة خيار فلا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله) رواه النسائي, والأثرم والترمذي وقال: حديث حسن وقوله: "إلا أن تكون صفقة خيار" يحتمل أنه أراد البيع المشروط فيه الخيار, فإنه لا يلزم بتفرقهما ولا يكون تفرقهما غاية للخيار فيه لكونه ثابتا بعد تفرقهما ويحتمل أنه أراد البيع الذي شرطا فيه أن لا يكون بينهما فيه خيار فيلزم بمجرد العقد من غير تفرق وظاهر الحديث تحريم مفارقة أحد المتبايعين لصاحبه خشية من فسخ البيع, وهذا ظاهر كلام أحمد في رواية الأثرم فإنه ذكر له فعل ابن عمر وحديث عمرو بن شعيب, فقال: هذا الآن قول النبي - ﷺ - وهذا اختيار أبي بكر وذكر القاضي أن ظاهر كلام أحمد, جواز ذلك لأن ابن عمر كان إذا اشترى شيئا يعجبه فارق صاحبه متفق عليه والأول أصح لأن قول النبي - ﷺ- يقدم على فعل ابن عمر والظاهر أن ابن عمر لم يبلغه هذا ولو علمه لما خالفه الفصل الثالث:
أن ظاهر كلام الخرقي أن الخيار يمتد إلى التفرق ولا يبطل بالتخاير قبل العقد ولا بعده, وهو إحدى الروايتين عن أحمد لأن أكثر الروايات عن النبي - ﷺ -: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا) من غير تقييد ولا تخصيص هكذا رواه حكيم بن حزام, وأبو برزة وأكثر الروايات عن عبد الله بن عمر والرواية الثانية أن الخيار يبطل بالتخاير اختارها الشريف بن أبي موسى وهذا مذهب الشافعي, وهو أصح لقول النبي - ﷺ - في حديث ابن عمر: (فإن خير أحدهما صاحبه فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع) يعني لزم وفي لفظ: (المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا, إلا أن يكون البيع كان عن خيار فإن كان البيع عن خيار فقد وجب البيع) متفق عليه والأخذ بالزيادة أولى والتخاير في ابتداء العقد وبعده في المجلس واحد فالتخاير في ابتدائه أن يقول: بعتك ولا خيار بيننا ويقبل الآخر على ذلك, فلا يكون لهما خيار والتخاير بعده أن يقول كل واحد منهما بعد العقد: اخترت إمضاء العقد أو إلزامه أو اخترت العقد, أو أسقطت خيارى فيلزم العقد من الطرفين وإن اختار أحدهما دون الآخر لزم في حقه وحده, كما لو كان خيار الشرط لهما فأسقط أحدهما خياره دون الآخر وقال أصحاب الشافعي: في التخاير في ابتداء العقد قولان أظهرهما لا يقطع الخيار لأنه إسقاط للحق قبل سببه, فلم يجز كخيار الشفعة فعلى هذا هل يبطل العقد بهذا الشرط؟ على وجهين, بناء على الشروط الفاسدة ولنا قوله عليه السلام: (فإن خير أحدهما صاحبه فتبايعا على ذلك, فقد وجب البيع) وقوله: (إلا أن يكون البيع كان عن خيار فإن كان البيع عن خيار وجب البيع) وهذا صريح في الحكم فلا يعول على ما خالفه ولأن ما أثر في الخيار في المجلس, أثر فيه مقارنا للعقد كاشتراط الخيار ولأنه أحد الخيارين في البيع فجاز إخلاؤه عنه, كخيار الشرط وقولهم: إنه إسقاط للخيار قبل سببه ليس كذلك فإن سبب الخيار البيع المطلق فأما البيع مع التخاير فليس بسبب له ثم لو ثبت أنه سبب الخيار, لكن المانع مقارن له فلم يثبت حكمه وأما الشفيع, فإنه أجنبي من العقد فلم يصح اشتراط إسقاط خياره في العقد بخلاف مسألتنا فإن قال أحدهما لصاحبه: اختر ولم يقل الآخر شيئا, فالساكت منهما على خياره لأنه لم يوجد منه ما يبطل خياره وأما القائل فيحتمل أن يبطل خياره لما روى ابن عمر أن النبي - ﷺ- قال: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يقول أحدهما لصاحبه: اختر) رواه البخاري, وأبو داود والنسائي ولأنه جعل لصاحبه ما ملكه من الخيار, فسقط خياره وهذا ظاهر مذهب الشافعي ويحتمل أن لا يبطل خياره لأنه خيره فلم يختر, فلم يؤثر فيه كما لو جعل لزوجته الخيار فلم تختر, شيئا ويحمل الحديث على أنه خيره فاختار والأول أولى لظاهر الحديث ولأنه جعل الخيار لغيره, ويفارق الزوجة لأنه ملكها ما لا تملك فإذا لم تقبل سقط, وها هنا كل واحد منهما يملك الخيار فلم يكن قوله تمليكا إنما كان إسقاطا, فسقط. مسألة:
قال: [فإن تلفت السلعة أو كان عبدا فأعتقه المشتري أو مات, بطل الخيار] أما إذا تلفت السلعة في مدة الخيار فلا يخلو إما أن تكون قبل القبض, أو بعده فإن كان قبل القبض وكان مكيلا, أو موزونا انفسخ البيع وكان من مال البائع, ولا أعلم في هذا خلافا إلا أن يتلفه المشتري فيكون من ضمانه, ويبطل خياره وفي خيار البائع روايتان وإن كان المبيع غير المكيل والموزون ولم يمنع البائع المشتري من قبضه فظاهر المذهب أنه من ضمان المشتري, ويكون كتلفه بعد القبض وأما إن تلف المبيع بعد القبض في مدة الخيار فهو من ضمان المشتري ويبطل خياره وفي خيار البائع روايتان إحداهما, يبطل وهو اختيار الخرقي وأبي بكر لأنه خيار فسخ, فبطل بتلف المبيع كخيار الرد بالعيب إذا تلف المعيب والرواية الثانية لا يبطل, وللبائع أن يفسخ ويطالب المشتري بقيمته وهذا اختيار القاضي وابن عقيل لقول النبي - ﷺ -: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا) ولأنه خيار فسخ فلم يبطل بتلف المبيع, كما لو اشترى ثوبا بثوب فتلف أحدهما ووجد الآخر بالثوب عيبا, فإنه يرده ويرجع بقيمة ثوبه كذا ها هنا وأما إذا أعتقه المشتري, فإن خياره يبطل لأنه أتلفه وفي بطلان خيار البائع روايتان كما لو تلف المبيع وخيار المجلس, وخيار الشرط في هذا كله سواء. فصل:
ومتى تصرف المشتري في المبيع في مدة الخيار تصرفا يختص الملك بطل خياره كإعتاق العبد, وكتابته وبيعه وهبته, ووطء الجارية أو مباشرتها أو لمسها لشهوة, ووقف المبيع وركوب الدابة لحاجته أو سفر, أو حمله عليها أو سكنى الدار ورمها, وحصاد الزرع وقصل منه فما وجد من هذا فهو رضاء بالمبيع, ويبطل به خياره لأن الخيار يبطل بالتصريح بالرضاء وبدلالته ولذلك يبطل خيار المعتقة بتمكينها الزوج من وطئها (وقال لها رسول الله -ﷺ -: إن وطئك فلا خيار لك) وهذا مذهب أبي حنيفة, والشافعي فأما ركوب الدابة لينظر سيرها والطحن على الرحى ليعلم قدر طحنها وحلب الشاة ليعلم قدر لبنها, ونحو ذلك فليس برضا بالبيع ولا يبطل خياره لأن ذلك هو المقصود بالخيار, وهو اختبار المبيع وذكر أبو الخطاب وجها في أن تصرف المشتري لا يبطل خياره ولا يبطل إلا بالتصريح بالرضا ولا يصح لأن هذا يتضمن إجازة البيع, ويدل على الرضا به فبطل به الخيار كصريح القول ولأن التصريح إنما أبطل الخيار لدلالته على الرضا به فما دل على الرضا به يقوم مقامه, ككنايات الطلاق تقوم مقام صريحه وإن عرضه على البيع أو باعه بيعا فاسدا, أو عرضه على الرهن أو غيره من التصرفات أو وهبه, فلم يقبل الموهوب له بطل خياره لأن ذلك يدل على الرضا به قال أحمد: إذا اشترط الخيار فباعه قبل ذلك بربح, فالربح للمبتاع لأنه وجب عليه حين عرضه وإن استخدم المشتري المبيع ففيه روايتان إحداهما لا يبطل خياره, وقال أبو الصقر: قلت لأحمد: رجل اشترى جارية وله الخيار فيها يومين فانطلق بها, فغسلت رأسه أو غمزت رجله أو طحنت له, أو خبزت هل يستوجبها بذلك؟ قال: لا حتى يبلغ منها ما لا يحل لغيره قلت: فإن مشطها, أو خضبها أو حفها هل يستوجبها بذلك؟ قال: قد بطل خياره لأنه وضع يده عليها وذلك لأن الاستخدام لا يختص الملك, ويراد لتجربة المبيع فأشبه ركوب الدابة ليعلم سيرها ونقل حرب عن أحمد, أنه يبطل خياره لأنه انتفاع بالمبيع أشبه لمسها لشهوة ويمكن أن يقال: ما قصد به من الاستخدام تجربة المبيع, لا يبطل الخيار كركوب الدابة ليعلم سيرها وما لا يقصد به ذلك يبطل الخيار, كركوب الدابة لحاجته وإن قبلت الجارية المشتري لم يبطل خياره وهذا مذهب الشافعي وقال أبو الخطاب: يحتمل أن يبطل خياره إذا لم يمنعها لأن إقراره لها على ذلك يجري مجرى استمتاعه بها وقال أبو حنيفة: إن قبلته لشهوة بطل خياره, لأنه استمتاع يختص الملك فأبطل خياره كقبلته لها ولنا: أنها قبلة لأحد المتعاقدين, فلم يبطل خياره كما لو قبلت البائع ولأن الخيار له لا لها, فلو ألزمناه بفعلها لألزمناه بغير رضاه ولا دلالة عليه وفارق ما إذا قبلها فإنه وجد منه ما يدل على الرضا بها ومتى بطل خيار المشتري بتصرفه, فخيار البائع باق بحاله لأن خياره لا يبطل برضا غيره إلا أن يكون تصرف المشتري بإذن البائع فإنه يبطل خيارهما معا لوجود الرضا منهما بإبطاله وإن تصرف البائع في المبيع بما يفتقر إلى الملك, كان فسخا للبيع وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي لما ذكرناه في المشتري ولأنه أحد المتعاقدين, فتصرفه في المبيع اختيار له كالمشتري وعن أحمد رواية أخرى أنه لا ينفسخ البيع بذلك لأن الملك انتقل عنه, فلم يكن تصرفه فيه استرجاعا له كمن وجد ماله عند مفلس فتصرف فيه. فصل:
وينتقل الملك إلى المشتري في بيع الخيار بنفس العقد في ظاهر المذهب, ولا فرق بين كون الخيار لهما أو لأحدهما أيهما كان, وهذا أحد أقوال الشافعي وعن أحمد: أن الملك لا ينتقل حتى ينقضي الخيار وهو قول مالك والقول الثاني للشافعي, وبه قال أبو حنيفة إذا كان الخيار لهما وللبائع وإن كان للمشتري خرج عن ملك البائع فلم يدخل في ملك المشتري لأن البيع الذي فيه الخيار عقد قاصر, فلم ينقل الملك كالهبة قبل القبض والقول الثالث للشافعي: أن الملك موقوف مراعى فإن أمضيا البيع تبينا أن الملك للمشتري, وإلا تبينا أنه لم ينتقل عن البائع ولنا قول النبي - ﷺ -: (من باع عبدًا وله مال فماله للبائع, إلا أن يشترطه المبتاع) رواه مسلم وقوله: (من باع نخلا بعد أن تؤبر فثمرته للبائع إلا أن يشترطه المبتاع) متفق عليه فجعله للمبتاع بمجرد اشتراطه, وهو عام في كل بيع ولأنه بيع صحيح فنقل الملك عقيبه كالذي لا خيار له ولأن البيع تمليك, بدليل قوله: ملكتك فيثبت به الملك كسائر البيع يحققه أن التمليك يدل على نقل الملك إلى المشتري ويقتضيه لفظه, والشرع قد اعتبره وقضى بصحته فيجب أن يعتبره فيما يقتضيه ويدل عليه لفظه وثبوت الخيار فيه لا ينافيه, كما لو باع عرضا بعرض فوجد كل واحد منهما بما اشتراه عيبا وقولهم: إنه قاصر غير صحيح وجواز فسخه لا يوجب قصوره, ولا يمنع نقل الملك كبيع المعيب وامتناع التصرف إنما كان لأجل حق الغير فلا يمنع ثبوت الملك, كالمرهون والمبيع قبل القبض وقولهم: إنه يخرج من ملك البائع ولا يدخل في ملك المشتري لا يصح لأنه يفضي إلى وجود ملك لا مالك له, وهو محال ويفضي أيضا إلى ثبوت الملك للبائع في الثمن من غير حصول عوضه للمشتري أو إلى نقل ملكه عن المبيع من غير ثبوته في عوضه, وكون العقد معاوضة يأبى ذلك وقول أصحاب الشافعي: إن الملك موقوف إن أمضيا البيع تبينا أنه انتقل وإلا فلا غير صحيح أيضا فإن انتقال الملك إنما ينبني على سببه الناقل له, وهو البيع وذلك لا يختلف بإمضائه وفسخه فإن إمضاءه ليس من المقتضي ولا شرطا فيه, إذ لو كان كذلك لما ثبت الملك قبله والفسخ ليس بمانع فإن المنع لا يتقدم المانع كما أن الحكم لا يسبق سببه ولا شرطه ولأن البيع مع الخيار سبب يثبت الملك عقيبه فيما إذا لم يفسخ, فوجب أن يثبته وإن فسخ كبيع المعيب وهذا ظاهر إن شاء الله. فصل:
وما يحصل من غلات المبيع ونمائه المنفصل في مدة الخيار, فهو للمشتري أمضيا العقد أو فسخاه, قال أحمد في من اشترى عبدا فوهب له مال قبل التفرق ثم اختار البائع العبد: فالمال للمشتري وقال الشافعي: إن أمضيا العقد, وقلنا: الملك للمشتري أو موقوف فالنماء المنفصل له وإن قلنا: الملك للبائع فالنماء له وإن فسخا العقد, وقلنا: الملك للبائع أو موقوف فالنماء له وإلا فهو للمشتري ولنا, قول النبي - ﷺ -: (الخراج بالضمان) قال الترمذي: هذا حديث صحيح وهذا من ضمان المشتري فيجب أن يكون خراجه له ولأن الملك ينتقل بالبيع على ما ذكرنا فيجب أن يكون نماؤه له, كما بعد انقضاء الخيار ويتخرج أن يكون النماء المنفصل للبائع إذا فسخا العقد بناء على الرواية التي قلنا: إن الملك لا ينتقل فأما النماء المتصل فهو تابع للمبيع أمضيا العقد, أو فسخاه كما يتبعه في الرد بالعيب والمقايلة. فصل:
وضمان المبيع على المشتري إذا قبضه ولم يكن مكيلا, ولا موزونا فإن تلف أو نقص أو حدث به عيب في مدة الخيار, فهو من ضمانه لأنه ملكه وغلته له فكان من ضمانه, كما بعد انقضاء الخيار ومؤنته عليه وإن كان عبدا فهل هلال شوال, ففطرته عليه لذلك فإن اشترى حاملا فولدت عنده في مدة الخيار ثم ردها على البائع, لزمه رد ولدها لأنه مبيع حدثت فيه بزيادة متصلة فلزمه رده بزيادته كما لو اشترى عبدين, فسمن أحدهما عنده وقال الشافعي في أحد قوليه: لا يرد الولد لأن الحمل لا حكم له لأنه جزء متصل بالأم فلم يأخذ قسطا من الثمن كأطرافها ولنا, أن كل ما يقسط عليه الثمن إذا كان منفصلا يقسط عليه إذا كان متصلا كاللبن وما قالوه يبطل بالجزء المشاع, كالثلث والربع والحكم في الأصل ممنوع, ثم يفارق الحمل الأطراف لأنه يئول إلى الانفصال وينتفع به منفصلا ويصح إفراده بالعتق, والوصية به وله ويرث إن كان من أهل الميراث, ويفرد بالدية ويرثها ورثته ولا يصح قولهم: إنه لا حكم للحمل لهذه الأحكام وغيرها مما ذكرناه في غير هذا الموضع. فصل:
وإن تصرف أحد المتبايعين في مدة الخيار في المبيع تصرفا ينقل المبيع كالبيع, والهبة والوقف أو يشغله, كالإجارة والتزويج والرهن, والكتابة ونحوها لم يصح تصرفه, إلا العتق سواء وجد من البائع أو المشتري لأن البائع تصرف في غير ملكه, والمشتري يسقط حق البائع من الخيار واسترجاع المبيع فلم يصح تصرفه فيه, كالتصرف في الرهن إلا أن يكون الخيار للمشتري وحده فينفذ تصرفه, ويبطل خياره لأنه لا حق لغيره فيه وثبوت الخيار له لا يمنع تصرفه فيه كالمعيب قال أحمد: إذا اشترط الخيار, فباعه قبل ذلك بربح فالربح للمبتاع لأنه قد وجب عليه حين عرضه يعني بطل خياره ولزمه وهذا والله أعلم فيما إذا شرط الخيار له وحده, وكذلك إذا قلنا: إن البيع لا ينقل الملك وكان الخيار لهما أو للبائع وحده, فتصرف فيه البائع نفذ تصرفه وصح لأنه ملكه, وله إبطال خيار غيره وقال ابن أبي موسى: في تصرف المشتري في المبيع قبل التفرق ببيع أو هبة روايتان إحداهما لا يصح لأن في صحته إسقاط حق البائع من الخيار والثانية, هو موقوف فإن تفرقا قبل الفسخ صح وإن اختار البائع الفسخ بطل بيع المشتري قال أحمد في رواية أبي طالب: إذا اشترى ثوبا بشرط فباعه بربح قبل انقضاء الشرط, يرده إلى صاحبه إن طلبه فإن لم يقدر على رده فللبائع قيمة الثوب لأنه استهلك ثوبه, أو يصالحه فقوله: يرده إن طلبه يدل على أن وجوب رده مشروط بطلبه وقد روى البخاري عن (ابن عمر أنه كان مع رسول الله - ﷺ - في سفر, فكان على بكر صعب وكان يتقدم النبي - ﷺ - فيقول له أبوه: لا يتقدم النبي - ﷺ - أحد فقال له النبي - ﷺ -: بعنيه فقال عمر: هو لك يا رسول الله فقال النبي - ﷺ -: هو لك يا عبد الله بن عمر فاصنع به ما شئت) وهذا يدل على أن التصرف قبل التفرق جائز, وذكر أصحابنا في صحة تصرف المشتري بالوقف وجها آخر لأنه تصرف يبطل الشفعة فأشبه العتق والصحيح أنه لا يصح شيء من هذه التصرفات لأن المبيع يتعلق به حق البائع تعلقا يمنع جواز التصرف, فمنع صحته كالرهن ويفارق الوقف العتق لأن العتق مبني على التغليب والسراية بخلاف الوقف وأما حديث ابن عمر, فليس فيه تصريح بالبيع فإن قول عمر: هو لك يحتمل أنه أراد هبة وهو الظاهر, فإنه لم يذكر ثمنا والهبة لا يثبت فيها الخيار وقال الشافعي: تصرف البائع في المبيع بالبيع والهبة ونحوهما صحيح لأنه إما أن يكون على ملكه فيملك بالعقد عليه وإما أن يكون للمشتري, والبائع يملك فسخه فجعل البيع والهبة فسخا وأما تصرف المشتري فلا يصح إذا قلنا: الملك لغيره وإن قلنا: الملك له ففي صحة تصرفه وجهان ولنا, على إبطال تصرف البائع أنه تصرف في ملك غيره بغير ولاية شرعية ولا نيابة عرفية, فلم يصح كما بعد الخيار وقولهم: يملك الفسخ قلنا: إلا أن ابتداء التصرف لم يصادف ملكه فلم يصح, كتصرف الأب فيما وهب لولده قبل استرجاعه وتصرف الشفيع في الشقص المشفوع قبل أخذه. فصل:
وإن تصرف المشتري بإذن البائع أو البائع بوكالة المشتري, صح التصرف وانقطع خيارهما لأن ذلك يدل على تراضيهما بإمضاء البيع فيقطع به خيارهما, كما لو تخايرا ويصح تصرفهما لأن قطع الخيار حصل بالإذن في البيع فيقع البيع بعد انقطاع الخيار وإن تصرف البائع بإذن المشتري, احتمل أن يقع صحيحا لأن ذلك دليل على فسخ البيع أو استرجاع المبيع فيقع تصرفه بعد استرجاعه, ويحتمل أن لا يصح لأن البائع لا يحتاج إلى إذن المشتري في استرجاع المبيع فيصير كتصرفه بغير إذن المشتري وقد ذكرنا أنه لا يصح, كذا ها هنا وكل موضع قلنا: إن تصرف البائع لا ينفذ ولكن ينفسخ به البيع فإنه متى أعاد ذلك التصرف أو تصرف تصرفا سواه, صح لأنه بفسخ البيع عاد إليه الملك فصح تصرفه فيه كما لو فسخ البيع بصريح قوله, ثم تصرف فيه وكذلك إن تقدم تصرفه ما ينفسخ به البيع صح تصرفه لما ذكرنا. فصل:
وإن تصرف أحدهما بالعتق, نفذ عتق من حكمنا بالملك له وظاهر المذهب أن الملك للمشتري فينفذ عتقه, سواء كان الخيار لهما أو لأحدهما لأنه عتق من مالك جائز التصرف فنفذ, كما بعد المدة وقول النبي - ﷺ -: (لا عتق فيما لا يملك ابن آدم) يدل بمفهومه على أنه ينفذ في الملك وملك البائع للفسخ لا يمنع نفوذ العتق كما لو باع عبدا بجارية معينة, فإن مشتري العبد ينفذ عتقه مع أن للبائع الفسخ ولو وهب رجل ابنه عبدا فأعتقه, نفذ عتقه مع ملك الأب لاسترجاعه ولا ينفذ عتق البائع في ظاهر المذهب وقال أبو حنيفة والشافعي, ومالك ينفذ عتقه لأنه ملكه وإن كان الملك انتقل فإنه يسترجعه بالعتق ولنا أنه إعتاق من غير مالك, فلم ينفذ كعتق الأب عبد ابنه الذي وهبه إياه وقد دللنا على أن الملك انتقل إلى المشتري وإن قلنا بالرواية الأخرى, وأن الملك لم ينتقل إلى المشتري نفذ عتق البائع دون المشتري وإن أعتق البائع والمشتري جميعا فإن تقدم عتق المشتري, فالحكم على ما ذكرنا وإن تقدم عتق البائع فينبغي أن لا ينفذ عتق واحد منهما لأن البائع لم ينفذ عتقه لكونه أعتق غير مملوكه, ولكن حصل بإعتاقه فسخ البيع واسترجاع العبد فلم ينفذ عتق المشتري ومتى أعاد البائع الإعتاق مرة ثانية, نفذ إعتاقه لأنه عاد العبد إليه فأشبه ما لو استرجعه بصريح قوله ولو اشترى من يعتق عليه جرى مجرى إعتاقه بصريح قوله, وقد ذكرنا حكمه وإن باع عبدا بجارية بشرط الخيار فأعتقهما, نفذ عتق الأمة دون العبد وإن أعتق أحدهما ثم أعتق الآخر نظرت, فإن أعتق الأمة أولا نفذ عتقها وبطل خياره, ولم ينفذ عتق العبد وإن أعتق العبد أولا انفسخ البيع, ورجع إليه العبد ولم ينفذ إعتاقه ولا ينفذ عتق الأمة لأنها خرجت بالفسخ عن ملكه, وعادت إلى سيدها البائع لها. فصل:
إذا قال لعبده: إذا بعتك فأنت حر ثم باعه صار حرا نص عليه أحمد, وبه قال الحسن وابن أبي ليلى ومالك, والشافعي وسواء شرطا الخيار أو لم يشرطاه وقال أبو حنيفة والثوري: لا يعتق لأنه إذا تم بيعه زال ملكه عنه فلم ينفذ إعتاقه له ولنا, أن زمن انتقال الملك زمن الحرية لأن البيع سبب لنقل الملك وشرط للحرية فيجب تغليب الحرية كما لو قال لعبده: إذا مت فأنت حر, ولأنه علق حريته على فعله للبيع والصادر منه في البيع إنما هو الإيجاب فمتى قال للمشتري: بعتك فقد وجد شرط الحرية فيعتق قبل قبول المشتري, وعلله القاضي بأن الخيار ثابت في كل بيع فلا ينقطع تصرفه فيه فعلى هذا لو تخايرا ثم باعه لم يعتق ولا يصح هذا التعليل على مذهبنا فإننا ذكرنا أن البائع لو أعتق في مدة الخيار لم ينفذ إعتاقه. فصل:
ولا يجوز للمشتري وطء الجارية في مدة الخيار إذا كان الخيار لهما أو للبائع وحده لأنه يتعلق بها حق البائع, فلم يبح له وطؤها كالمرهونة ولا نعلم في هذا اختلافا فإن وطئها فلا حد عليه لأن الحد يدرأ بشبهة الملك فبحقيقته أولى, ولا مهر لها لأنها مملوكته وإن علقت منه فالولد حر يلحقه نسبه لأنه من أمته, ولا يلزمه قيمته وتصير أم ولد له وإن فسخ البائع البيع رجع بقيمتها لأنه تعذر الفسخ فيها, ولا يرجع بقيمة ولدها لأنه حدث في ملك المشتري وإن قلنا: إن الملك لا ينتقل إلى المشتري فلا حد عليه أيضا لأن له فيها شبهة لوجود سبب نقل الملك إليه واختلاف أهل العلم في ثبوت الملك له, والحد يدرأ بالشبهات وعليه المهر وقيمة الولد يكون حكمها حكم نمائها, وإن علم التحريم وأن ملكه غير ثابت فولده رقيق وأما البائع فلا يحل له الوطء قبل فسخ البيع وقال بعض أصحاب الشافعي: له وطؤها لأن البيع ينفسخ بوطئه, فإن كان الملك انتقل رجعت إليه وإن لم يكن انتقل انقطع حق المشتري منها فيكون واطئا لمملوكته التي لا حق لغيره فيها ولنا أن الملك انتقل عنه فلم يحل له وطؤها لقول الله تعالى: {إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} [المؤمنون: 7]. ولأن ابتداء الوطء يقع في غير ملكه, فيكون حراما ولو انفسخ البيع قبل وطئه لم تحل له حتى يستبرئها ولا يلزمه حد وبهذا قال أبو حنيفة, ومالك والشافعي وقال بعض أصحابنا: إن علم التحريم, وأن ملكه قد زال ولا ينفسخ بالوطء فعليه الحد وذكر أن أحمد نص عليه لأن وطأه لم يصادف ملكا ولا شبهة ملك ولنا, أن ملكه يحصل بابتداء وطئه فيحصل تمام الوطء في ملكه مع اختلاف العلماء في كون الملك له, وحل الوطء له ولا يجب الحد مع واحدة من هذه الشبهات فكيف إذا اجتمعت, مع أنه يحتمل أن يحصل الفسخ بالملامسة قبل الوطء فيكون الملك قد رجع إليه قبل وطئه ولهذا قال أحمد في المشتري: إنها قد وجبت عليه حين وضع يده عليها فيما إذا مشطها, أو خضبها أو حفها فبوضع يده عليها للجماع ولمس فرجها بفرجه أولى فعلى هذا يكون ولده منها حرا, ونسبه لاحق به ولا يلزمه قيمته ولا مهر عليه, وتصير الأمة أم ولده وقال أصحابنا: إن علم التحريم فولده رقيق ولا يلحقه نسبه فإن لم يعلم لحقه النسب وولده حر, وعليه قيمته يوم الولادة وعليه المهر ولا تصير الأمة أم ولده, لأنه وطئها في غير ملكه. فصل:
ولا بأس بنقد الثمن وقبض المبيع في مدة الخيار وهو قول أبي حنيفة والشافعي وكرهه مالك قال: لأنه في معنى بيع وسلف إذا أقبضه الثمن ثم تفاسخا البيع صار كأنه أقرضه إياه ولنا, أن هذا حكم من أحكام البيع فجاز في مدة الخيار كالإجارة, وما ذكره لا يصح لأننا لم نجز له التصرف فيه فصل:
قول الخرقي: " أو مات " الظاهر أنه أراد العبد ورد الضمير إليه وهو في معنى قوله: " أو تلفت السلعة " ويحتمل أنه رد الضمير إلى المشتري, وأراد إذا مات المشتري بطل الخيار لأن موت العبد قد تناوله بقوله: " أو تلفت السلعة " والحكم في موت البائع والمشتري واحد والمذهب أن خيار الميت منهما يبطل بموته ويبقى خيار الآخر بحاله إلا أن يكون الميت قد طالب بالفسخ قبل موته فيه, فيكون لورثته وهو قول الثوري وأبي حنيفة ويتخرج أن الخيار لا يبطل وينتقل إلى ورثته لأنه حق مالي, فينتقل إلى الوارث كالأجل وخيار الرد بالعيب ولأنه حق فسخ للبيع, فينتقل إلى الوارث كالرد بالعيب والفسخ بالتحالف, وهذا قول مالك والشافعي ولنا أنه حق فسخ لا يجوز الاعتياض عنه فلم يورث كخيار الرجوع في الهبة. مسألة:
قال: ( وإذا تفرقا من غير فسخ لم يكن لأحدهما رده إلا بعيب أو خيار ) لا خلاف في أن البيع يلزم بعد التفرق, ما لم يكن سبب يقتضي جوازه وقد دل عليه قول النبي - ﷺ-: (وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك أحدهما البيع فقد وجب البيع) وقوله: (البيعان بالخيار حتى يتفرقا) جعل التفرق غاية للخيار وما بعد الغاية يجب أن يكون مخالفا لما قبلها إلا أن يجد بالسلعة عيبا فيردها به, أو يكون قد شرط الخيار لنفسه مدة معلومة فيملك الرد أيضا ولا خلاف بين أهل العلم في ثبوت الرد بهذين الأمرين وقد قال النبي - ﷺ - (المؤمنون على شروطهم) استشهد به البخاري وفي معنى العيب أن يدلس المبيع بما يختلف به الثمن أو يشترط في المبيع صفة يختلف بها الثمن, فيتبين بخلافه فيثبت له الخيار أيضا ويقرب منه ما لو أخبره في المرابحة في الثمن أنه حال فبان مؤجلا, ونحو هذا ونذكر هذا في مواضعه. فصل:
ولو ألحقا في العقد خيارا بعد لزومه لم يلحقه وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة وأصحابه: يلحقه لأن لهما فسخ العقد فكان لهما إلحاق الخيار به كحالة المجلس ولنا, أنه عقد لازم فلم يصر جائزا بقولهما كالنكاح وفارق حال المجلس لأنه جائز. فصل:
وكلام الخرقي يحتمل أن يريد به بيوع الأعيان المرئية فلا يكون فيه تعرض لبيع الغائب, ويحتمل أنه أراد كل ما يسمى خيارا فيدخل فيه خيار الرؤية وغيره وفي بيع الغائب روايتان أظهرهما أن الغائب الذي لم يوصف, ولم تتقدم رؤيته لا يصح بيعه وبهذا قال الشعبي والنخعي والحسن, والأوزاعي ومالك وإسحاق وهو أحد قولي الشافعي وفي رواية أخرى, أنه يصح وهو مذهب أبي حنيفة والقول الثاني للشافعي وهل يثبت للمشتري خيار الرؤية؟ على روايتين أشهرهما ثبوته وهو قول أبي حنيفة واحتج من أجازه بعموم قول الله تعالى: {وأحل الله البيع} [البقرة: 275]. وروى عن عثمان وطلحة, أنهما تبايعا داريهما بالكوفة والأخرى بالمدينة فقيل لعثمان: إنك قد غبنت, فقال: ما أبالي لأني بعت ما لم أره وقيل لطلحة فقال: لي الخيار لأنني اشتريت ما لم أره فتحاكما إلى جبير فجعل الخيار لطلحة وهذا اتفاق منهم على صحة البيع, ولأنه عقد معاوضة فلم تفتقر صحته إلى رؤية المعقود عليه كالنكاح ولنا, ما روى عن النبي - ﷺ- أنه (نهى عن بيع الغرر) رواه مسلم ولأنه باع ما لم يره ولم يوصف له فلم يصح, كبيع النوى في التمر ولأنه نوع بيع فلم يصح مع الجهل بصفة المبيع كالسلم, والآية مخصوصة بالأصل الذي ذكرناه وأما حديث عثمان وطلحة فيحتمل أنهما تبايعا بالصفة على أنه قول صحابي, وفي كونه حجة خلاف ولا يعارض به حديث رسول الله - ﷺ - والنكاح لا يقصد منه المعاوضة ولا يفسد بفساد العوض, ولا يترك ذكره ولا يدخله شيء من الخيارات وفي اشتراط الرؤية مشقة على المخدرات وإضرار بهن على أن الصفات التي تعلم بالرؤية ليست هي المقصودة بالنكاح فلا يضر الجهل بها بخلاف البيع فإن قيل: فقد روي عن النبي - ﷺ - أنه قال: (من اشترى ما لم يره فهو بالخيار إذا رآه) والخيار لا يثبت إلا في عقد صحيح قلنا: هذا يرويه عمر بن إبراهيم الكردي, وهو متروك الحديث ويحتمل أنه بالخيار بين العقد عليه وتركه إذا ثبت هذا فإنه يشترط رؤية ما هو مقصود بالبيع كداخل الثوب, وشعر الجارية ونحوهما فلو باع ثوبا مطويا أو عينا حاضرة, لا يشاهد منها ما يختلف الثمن لأجله كان كبيع الغائب وإن حكمنا بالصحة فللمشتري الخيار عند رؤية المبيع في الفسخ والإمضاء, ويكون على الفور فإن اختار الفسخ فله ذلك وإن لم يفسخ لزم العقد لأن الخيار خيار الرؤية, فوجب أن يكون عندها وقيل: يتقيد بالمجلس الذي وجدت الرؤية فيه لأنه خيار ثبت بمقتضى العقد من غير شرط فتقيد بالمجلس كخيار المجلس وإن اختار الفسخ قبل الرؤية انفسخ لأن العقد غير لازم في حقه فملك الفسخ, كحالة الرؤية وإن اختار إمضاء العقد لم يلزم لأن الخيار يتعلق بالرؤية ولأنه يؤدي إلى إلزام العقد على المجهول, فيفضي إلى الضرر وكذلك لو تبايعا بشرط أن لا يثبت الخيار للمشتري لم يصح الشرط لذلك وهل يفسد البيع بهذا الشرط؟ على وجهين, بناء على الشروط الفاسدة في البيع. فصل:
وإذا وصف المبيع للمشتري فذكر له من صفاته ما يكفي في صحة السلم صح بيعه في ظاهر المذهب وهو قول أكثر أهل العلم وعن أحمد, لا يصح حتى يراه لأن الصفة لا تحصل بها معرفة المبيع فلم يصح البيع بها كالذي لا يصح السلم فيه ولنا أنه بيع بالصفة, فصح كالسلم ولا نسلم أنه لا تحصل به معرفة المبيع فإنها تحصل بالصفات الظاهرة التي يختلف بها الثمن ظاهرا, وهذا يكفي بدليل أنه يكفي في السلم وأنه لا يعتبر في الرؤية الاطلاع على الصفات الخفية وأما ما لا يصح السلم فيه, فلا يصح بيعه بالصفة لأنه لا يمكن ضبطه بها إذا ثبت هذا فإنه متى وجده على الصفة لم يكن له الفسخ وبهذا قال محمد بن سيرين, وأيوب ومالك والعنبري, وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر وقال الثوري, وأبو حنيفة وأصحابه: له الخيار بكل حال لأنه يسمى بيع خيار الرؤية ولأن الرؤية من تمام العقد, فأشبه غير الموصوف ولأصحاب الشافعي وجهان كالمذهبين ولنا أنه سلم له المعقود عليه بصفاته فلم يكن له الخيار كالمسلم فيه, ولأنه مبيع موصوف فلم يكن للعاقد فيه الخيار في جميع الأحوال كالسلم وقولهم: إنه يسمى بيع خيار الرؤية لا نعرف صحته, فإن ثبت فيحتمل أن يسميه من يرى ثبوت الخيار ولا يحتج به على غيره, فأما إن وجده بخلاف الصفة فله الخيار ويسمى خيار الخلف في الصفة لأنه وجد الموصوف بخلاف الصفة فلم يلزمه كالسلم وإن اختلفا, فقال البائع: لم تختلف الصفة وقال المشتري: قد اختلفت فالقول قول المشتري لأن الأصل براءة ذمته من الثمن فلا يلزمه ما لم يقر به, أو يثبت ببينة أو ما يقوم مقامها. فصل:
والبيع بالصفة نوعان أحدهما بيع عين معينة مثل أن يقول: بعتك عبدي التركي ويذكر سائر صفاته, فهذا ينفسخ العقد عليه برده على البائع وتلفه قبل قبضه لكون المعقود عليه معينا فيزول العقد بزوال محله, ويجوز التفرق قبل قبض ثمنه وقبضه كبيع الحاضر. الثاني, بيع موصوف غير معين مثل أن يقول: بعتك عبدا تركيا ثم يستقصي صفات السلم, فهذا في معنى السلم فمتى سلم إليه عبدا على غير ما وصف, فرده أو على ما وصف فأبدله, لم يفسد العقد لأن العقد لم يقع على غير هذا فلم ينفسخ العقد برده كما لو سلم إليه في السلم غير ما وصف له, فرده ولا يجوز التفرق عن مجلس العقد قبل قبض المبيع أو قبض ثمنه وهذا قول الشافعي لأنه بيع في الذمة فلم يجز التفرق فيه قبل قبض أحد العوضين, كالسلم وقال القاضي: يجوز التفرق فيه قبل القبض لأنه بيع حال فجاز التفرق فيه قبل القبض كبيع العين. فصل:
إذا رأيا المبيع, ثم عقدا البيع بعد ذلك بزمن لا تتغير العين فيه جاز في قول أكثر أهل العلم وحكي عن أحمد رواية أخرى لا يجوز حتى يرياها حالة العقد وحكي ذلك عن الحكم, وحماد لأن ما كان شرطا في صحة العقد يجب أن يكون موجودا حال العقد كالشهادة في النكاح ولنا, أنه معلوم عندهما أشبه ما لو شاهداه حال العقد والشرط إنما هو العلم, وإنما الرؤية طريق للعلم ولهذا اكتفى بالصفة المحصلة للعلم والشهادة في النكاح تراد لحل العقد والاستيثاق عليه, فلهذا اشترطت حال العقد ويقرر ما ذكرناه ما لو رأيا دارا ووقفا في بيت منها أو أرضا, ووقفا في طريقها وتبايعاها صح بلا خلاف مع عدم المشاهدة للكل في الحال ولو كانت الرؤية المشروطة للبيع مشروطة حال العقد لاشترط رؤية جميعه, ومتى وجد المبيع بحاله لم يتغير لزم البيع, وإن كان ناقصا ثبت له الخيار لأن ذلك كحدوث العيب وإن اختلفا في التغير فالقول قول المشتري مع يمينه لأنه يلزمه الثمن فلا يلزمه ما لم يعترف به فأما إن عقد البيع بعد رؤية المبيع بمدة يتحقق فيها فساد المبيع, لم يصح البيع لأنه مما لا يصح بيعه وإن لم يتغير فيها لم يصح بيعه لأنه مجهول وكذلك إن كان الظاهر تغيره فأما إن كان يحتمل التغير وعدمه, وليس الظاهر تغيره صح بيعه لأن الأصل السلامة ولم يعارضه ظاهر, فصح بيعه كما لو كانت الغيبة يسيرة وهذا ظاهر مذهب الشافعي. فصل:
ويثبت الخيار في البيع للغبن في مواضع: أحدها, تلقى الركبان إذا تلقاهم فاشترى منهم وباعهم وغبنهم الثاني: بيع النجش ويذكران في مواضعهما الثالث: المسترسل إذا غبن غبنا يخرج عن العادة فله الخيار بين الفسخ والإمضاء وبهذا قال مالك, وقال ابن أبي موسى وقد قيل: قد لزمه البيع وليس له فسخه وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي لأن نقصان قيمة السلعة مع سلامتها لا يمنع لزوم العقد, كبيع غير المسترسل وكالغبن اليسير ولنا أنه غبن حصل لجهله بالمبيع, فأثبت الخيار كالغبن في تلقي الركبان فأما غير المسترسل, فإنه دخل على بصيرة بالغبن فهو كالعالم بالعيب وكذا لو استعجل, فجهل ما لو تثبت لعلمه لم يكن له خيار لأنه انبنى على تقصيره وتفريطه والمسترسل هو الجاهل بقيمة السلعة ولا يحسن المبايعة قال أحمد: المسترسل, الذي لا يحسن أن يماكس وفي لفظ الذي لا يماكس فكأنه استرسل إلى البائع فأخذ ما أعطاه من غير مماكسة, ولا معرفة بغبنه فأما العالم بذلك والذي لو توقف لعرف إذا استعجل في الحال فغبن, فلا خيار لهما ولا تحديد للغبن في المنصوص عن أحمد وحده أبو بكر في "التنبيه" وابن أبي موسى في "الإرشاد" بالثلث وهو قول مالك لأن الثلث كثير بدليل قول النبي - ﷺ -: (والثلث كثير) وقيل: بالسدس, وقيل: ما لا يتغابن الناس به في العادة لأن ما لا يرد الشرع بتحديده يرجع فيه إلى العرف. فصل:
وإذا وقع البيع على غير معين كقفيز من صبرة ورطل زيت من دن, فمقتضى قول الخرقي إذا تفرقا من غير فسخ لم يكن لأحدهما رده, إلا بعيب أو خيار لأن البيع ها هنا يلزم بالتفرق سواء تقابضا أو لم يتقابضا وقال القاضي: البيع لا يلزم إلا بالقبض كالمكيل والموزون وهذا تصريح بأنه لا يلزم قبل قبضه وذكر في موضع آخر, من اشترى قفيزين من صبرتين فتلفت إحداهما قبل القبض بطل العقد في التالف دون الباقي, رواية واحدة ولا خيار للبائع وهذا يدل على اللزوم في حق البائع قبل القبض فإنه لو كان جائزا كان له الخيار, سواء تلفت إحداهما أو لم تتلف ووجه الجواز أنه مبيع لا يملك بيعه, ولا التصرف فيه فكان البيع فيه جائزا كما قبل التفرق ولأنه لو تلف لكان من ضمان البائع ووجه الأول, قول النبي - ﷺ -: (وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك أحدهما البيع فقد وجب البيع) وما ذكرناه للقول الآخر ينتقض ببيع ما تقدمت رؤيته, وبيع الموصوف والسلم فإن ذلك لازم مع ما ذكرناه, وكذلك سائر المبيع على إحدى الروايتين. مسألة:
قال: [والخيار يجوز أكثر من ثلاث] يعني ثلاث ليال بأيامها وإنما ذكر الليالي لأن التاريخ يغلب فيه التأنيث قال الله تعالى: {وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة} [الأعراف: 142]. وقال تعالى: {يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} [البقرة: 234]. وفي حديث حبان: (ولك الخيار ثلاثا) ويجوز اشتراط الخيار ما يتفقان عليه من المدة المعلومة قلت مدته أو كثرت, وبذلك قال أبو يوسف ومحمد وابن المنذر وحكي ذلك عن الحسن بن صالح, والعنبري وابن أبي ليلى وإسحاق, وأبي ثور وأجازه مالك فيما زاد على الثلاث بقدر الحاجة مثل قرية لا يصل إليها في أقل من أربعة أيام لأن الخيار لحاجته, فيقدر بها وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يجوز أكثر من ثلاث لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: ما أجد لكم أوسع مما جعل رسول الله - ﷺ - لحبان جعل له الخيار ثلاثة أيام, إن رضي أخذ وإن سخط ترك ولأن الخيار ينافي مقتضى البيع لأنه يمنع الملك واللزوم وإطلاق التصرف وإنما جاز لموضع الحاجة, فجاز القليل منه وآخر حد القلة ثلاث قال الله تعالى: {فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام} [هود: 65]. بعد قوله: {فيأخذكم عذاب قريب} [هود: 64]. ولنا, أنه حق يعتمد الشرط فرجع في تقديره إلى مشترطه كالأجل, أو نقول: مدة ملحقة بالعقد فكانت إلى تقدير المتعاقدين كالأجل ولا يثبت عندنا ما روي عن عمر رضي الله عنه وقد روي عن أنس خلافه وتقدير مالك بالحاجة لا يصح فإن الحاجة لا يمكن ربط الحكم بها لخفائها واختلافها, وإنما يربط بمظنتها وهو الإقدام فإنه يصلح أن يكون ضابطا, وربط الحكم به فيما دون الثلاث وفي السلم والأجل وقول الآخرين: إنه ينافي مقتضى البيع لا يصح فإن مقتضى البيع نقل الملك والخيار لا ينافيه وإن سلمنا ذلك, لكن متى خولف الأصل لمعنى في محل وجب تعدية الحكم لتعدى ذلك المعنى. فصل: ويجوز شرط الخيار لكل واحد من المتعاقدين ويجوز لأحدهما دون الآخر ويجوز أن يشرطا لأحدهما مدة وللآخر دونها لأن ذلك حقهما, وإنما جوز رفقا بهما فكيفما تراضيا به جاز ولو اشترى شيئين وشرط الخيار في أحدهما بعينه دون الآخر صح لأن أكثر ما فيه أنه جمع بين مبيع فيه الخيار, ومبيع لا خيار فيه وذلك جائز بالقياس على شراء ما فيه شفعة, وما لا شفعة فيه فإنه يصح ويحصل كل واحد منهما مبيعا بقسطه من الثمن فإن فسخ البيع مما فيه الخيار, رجع بقسطه من الثمن كما لو وجد أحدهما معيبا فرده وإن شرط الخيار في أحدهما لا بعينه, أو شرط الخيار لأحد المتعاقدين لا بعينه لم يصح لأنه مجهول فأشبه ما لو اشترى واحدا من عبدين لا بعينه ولأنه يفضي إلى التنازع, وربما طلب كل واحد من المتعاقدين ضد ما يطلبه الآخر ويدعي أنني المستحق للخيار أو يطلب من له الخيار رد أحد المبيعين, ويقول الآخر: ليس هذا الذي شرطت لك الخيار فيه ويحتمل أن لا يصح شرط الخيار في أحد المبيعين بعينه كما لا يصح بيعه بقسطه من الثمن وهذا الفصل كله مذهب الشافعي. فصل:
وإن شرط الخيار لأجنبي, صح وكان اشتراطا لنفسه وتوكيلا لغيره, وهذا قول أبي حنيفة ومالك وللشافعي فيه قولان أحدهما لا يصح, وكذلك قال القاضي: إذا أطلق الخيار لفلان أو قال لفلان دوني لم يصح لأن الخيار شرط لتحصيل الحظ لكل واحد من المتعاقدين بنظره فلا يكون لمن لا حظ له فيه وإن جعل الأجنبي وكيلا, صح ولنا أن الخيار يعتمد شرطهما ويفوض إليهما, وقد أمكن تصحيح شرطهما وتنفيذ تصرفهما على الوجه الذي ذكرناه فلا يجوز إلغاؤه مع إمكان تصحيحه لقول النبي - ﷺ -: (المسلمون على شروطهم) فعلى هذا, يكون لكل واحد من المشترط ووكيله الذي شرط الخيار له الفسخ ولو كان المبيع عبدا فشرط الخيار له صح, سواء شرطه له البائع أو المشتري لأنه بمنزلة الأجنبي وإن كان العاقد وكيلا فشرط الخيار لنفسه, صح فإن النظر في تحصيل الحظ مفوض إليه وإن شرطه للمالك صح لأنه هو المالك, والحظ له وإن شرطه لأجنبي لم يصح لأنه ليس له أن يوكل غيره ويحتمل الجواز, بناء على الرواية التي تقول: للوكيل التوكيل. فصل:
ولو قال: بعتك على أن أستأمر فلانا وحدد ذلك بوقت معلوم فهو خيار صحيح, وله الفسخ قبل أن يستأمره لأنا جعلنا ذلك كناية على الخيار وهذا قول بعض أصحاب الشافعي وإن لم يضبطه بمدة معلومة فهو خيار مجهول, حكمه حكمه. فصل:
وإن شرط الخيار يوما أو ساعات معلومة اعتبر ابتداء مدة الخيار من حين العقد في أحد الوجهين والآخر من حين التفرق لأن الخيار ثابت في المجلس حكما, فلا حاجة إلى إثباته بالشرط ولأن حالة المجلس كحالة العقد لأن لهما فيه الزيادة والنقصان فكان كحالة العقد في ابتداء مدة الخيار بعد انقضائه والأول أصح لأنها مدة ملحقة بالعقد, فكان ابتداؤها منه كالأجل ولأن الاشتراط سبب ثبوت الخيار فيجب أن يتعقبه حكمه, كالملك في البيع ولأننا لو جعلنا ابتداءه من حين التفرق أدى إلى جهالته لأننا لا نعلم متى يتفرقان فلا نعلم متى ابتداؤه, ولا متى انتهاؤه ولا يمنع ثبوت الحكم بسببين كتحريم الوطء بالصيام والإحرام والظهار وعلى هذا, لو شرطا ابتداءه من حين التفرق لم يصح لذلك إلا على الرواية التي تقول بصحة الخيار المجهول وإن قلنا: ابتداؤه من حين التفرق فشرطا ثبوته من حين العقد, صح لأنه معلوم الابتداء والانتهاء ويحتمل أن لا يصح لأن الخيار في المجلس يغني عن خيار آخر فيمنع ثبوته والأول أولى ومذهب الشافعي في هذا الفصل كله كما ذكرنا. فصل:
وإن شرطا الخيار إلى الليل أو الغد, لم يدخل الليل والغد في مدة الخيار وهذا مذهب الشافعي ويتخرج أن يدخل وهو مذهب أبي حنيفة لأن " إلى " تستعمل بمعنى " مع " كقوله تعالى {وأيديكم إلى المرافق} [المائدة: 6]. {ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم} [النساء: 2]. والخيار ثابت بيقين, فلا نزيله بالشك ولنا أن موضوع " إلى " لانتهاء الغاية فلا يدخل ما بعدها فيما قبلها, كقوله سبحانه: {ثم أتموا الصيام إلى الليل} [البقرة: 187]. وكالأجل ولو قال: أنت طالق من واحدة إلى ثلاث أو: له على من درهم إلى عشرة لم يدخل الدرهم العاشر والطلقة الثالثة وليس ها هنا شك فإن الأصل حمل اللفظ على موضوعه, فكأن الواضع قال: متى سمعتم هذه اللفظة فافهموا منها انتهاء الغاية وفي المواضع التي استشهدوا بها حملت على معنى " مع " بدليل, أو لتعذر حملها على موضوعها كما تصرف سائر حروف الصلات عن موضوعها لدليل والأصل حملها على موضوعها ولأن الأصل لزوم العقد, وإنما خولف فيما اقتضاه الشرط فيثبت ما يتيقن منه وما شككنا فيه رددناه إلى الأصل. فصل:
وإن شرط الخيار إلى طلوع الشمس, أو إلى غروبها صح وقال بعض أهل العلم: لا يصح توقيته بطلوعها لأنها قد تتغيم فلا يعلم وقت طلوعها ولنا, أنه تعليق للخيار بأمر ظاهر معلوم فصح كتعليقه بغروبها وطلوع الشمس, بروزها من الأفق كما أن غروبها سقوط القرص ولذلك لو علق طلاق امرأته أو عتق عبده, بطلوع الشمس وقع ببروزها من الأفق وإن عرض غيم يمنع المعرفة بطلوعها فالخيار ثابت حتى يتيقن طلوعها, كما لو علقه بغروبها فمنع الغيم المعرفة بوقته ولو جعل الخيار إلى طلوع الشمس من تحت السحاب أو إلى غيبتها تحته, كان خيارا مجهولا لا يصح في الصحيح من المذهب. فصل:
وإذا شرطا الخيار أبدا أو متى شئنا, أو قال أحدهما: ولى الخيار ولم يذكر مدته أو شرطاه إلى مدة مجهولة كقدوم زيد, أو هبوب ريح أو نزول مطر أو مشاورة إنسان, ونحو ذلك لم يصح في الصحيح من المذهب وهذا اختيار القاضي وابن عقيل, ومذهب الشافعي وعن أحمد أنه يصح وهما على خيارهما أبدا, أو يقطعاه أو تنتهى مدته إن كان مشروطا إلى مدة وهو قول ابن شبرمة لقول النبي - ﷺ -: (المسلمون على شروطهم) وقال مالك يصح وتضرب لهما مدة يختبر المبيع في مثلها في العادة لأن ذلك مقدر في العادة, فإذا أطلقا حمل عليه وقال أبو حنيفة: إن أسقطا الشرط قبل مضى الثلاث أو حذفا الزائد عليها وبينا مدته, صح لأنهما حذفا المفسد قبل اتصاله بالعقد فوجب أن يصح كما لو لم يشرطاه ولنا, أنها مدة ملحقة بالعقد فلا تجوز مع الجهالة كالأجل ولأن اشتراط الخيار أبدا يقتضي المنع من التصرف على الأبد, وذلك ينافى مقتضى العقد فلم يصح كما لو قال: بعتك بشرط أن لا تتصرف وقول مالك: إنه يرد إلى العادة لا يصح, فإنه لا عادة في الخيار يرجع إليها واشتراطه مع الجهالة نادر وقول أبي حنيفة لا يصح فإن المفسد هو الشرط وهو مقترن بالعقد ولأن العقد لا يخلو من أن يكون صحيحا, أو فاسدا فإن كان صحيحا مع الشرط لم يفسد بوجود ما شرطاه فيه, وإن كان فاسدا لم ينقلب صحيحا كما لو باع درهما بدرهمين, ثم حذف أحدهما وعلى قولنا: الشرط فاسد هل يفسد به البيع؟ على روايتين: إحداهما يفسد وهو مذهب الشافعي لأنه عقد قارنه شرط فاسد, فأفسده كنكاح الشغار والمحلل ولأن البائع إنما رضي ببذله بهذا الثمن, مع الخيار في استرجاعه والمشتري إنما رضي ببذل هذا الثمن فيه مع الخيار في فسخه, فلو صححناه لأزلنا ملك كل واحد منهما عنه بغير رضاه وألزمناه ما لم يرض به ولأن الشرط يأخذ قسطا من الثمن فإذا حذفناه وجب رد ما سقط من الثمن من أجله, وذلك مجهول فيكون الثمن مجهولا فيفسد العقد والثانية, لا يفسد العقد به وهو قول ابن أبي ليلى لحديث بريرة ولأن العقد قد تم بأركانه والشرط زائد, فإذا فسد وزال سقط الفاسد وبقي العقد بركنيه, كما لو لم يشترط. فصل:
وإن شرطه إلى الحصاد أو الجذاذ احتمل أن يكون كتعليقه على قدوم زيد لأن ذلك يختلف, ويتقدم ويتأخر فكان مجهولا واحتمل أن يصح لأن ذلك يتقارب في العادة, ولا يكثر تفاوته وإن شرطه إلى العطاء وأراد وقت العطاء وكان معلوما, صح كما لو شرطه إلى يوم معلوم وإن أراد نفس العطاء فهو مجهول لأنه يختلف. فصل:
وإن شرط الخيار شهرا, يوم يثبت ويوم لا يثبت فقال ابن عقيل: يصح في اليوم الأول لإمكانه ويبطل فيما بعده لأنه إذا لزم في اليوم الثاني لم يعد إلى الجواز ويحتمل بطلان الشرط كله لأنه شرط واحد, تناول الخيار في أيام فإذا فسد في بعضه فسد جميعه, كما لو شرط إلى الحصاد. فصل:
ويجوز لمن له الخيار الفسخ من غير حضور صاحبه ولا رضاه وبهذا قال مالك والشافعي وأبو يوسف, وزفر وقال أبو حنيفة: ليس له الفسخ إلا بحضرة صاحبه لأن العقد تعلق به حق كل واحد من المتعاقدين فلم يملك أحدهما فسخه بغير حضور صاحبه كالوديعة ولنا, أنه رفع عقد لا يفتقر إلى رضا صاحبه فلم يفتقر إلى حضوره كالطلاق وما قالوه ينتقض بالطلاق, الوديعة لا حق للمودع فيها ويصح فسخها مع غيبته. فصل:
وإذا انقضت مدة الخيار ولم يفسخ أحدهما, بطل الخيار ولزم العقد وهذا قول أبي حنيفة والشافعي وقال القاضي: لا يلزم بمضي المدة وهو قول مالك لأن مدة الخيار ضربت لحق له, لا لحق عليه فلم يلزم الحكم بنفس مرور الزمان كمضي الأجل في حق المولى ولنا, أنها مدة ملحقة بالعقد فبطلت بانقضائها كالأجل ولأن الحكم ببقائها يفضي إلى بقاء الخيار في غير المدة التي شرطاه فيها والشرط سبب الخيار فلا يجوز أن يثبت به ما لم يتناوله, ولأنه حكم مؤقت ففات بفوات وقته كسائر المؤقتات, ولأن البيع يقتضي اللزوم وإنما تخلف موجبه بالشرط ففيما لم يتناوله الشرط يجب أن يثبت موجبه لزوال المعارض, كما لو أمضوه وأما المولى فإن المدة إنما ضربت لاستحقاق المطالبة وهي تستحق بمضي المدة والحكم في هذه المسألة ظاهر. فصل:
فإن قال أحد المتعاقدين عند العقد: لا خلابة فقال أحمد: أرى ذلك جائزا, وله الخيار إن كان خلبه وإن لم يكن خلبه فليس له خيار وذلك (لأن رجلا ذكر للنبي - ﷺ - أنه يخدع في البيوع فقال: إذا بايعت فقل لا خلابة) متفق عليه ولمسلم: (من بايعت فقل لا خلابة) (فكان إذا بايع يقول: لا خلابة) ويحتمل أن لا يكون له الخيار ويكون هذا الخبر خاصا لحبان لأنه روي أنه عاش إلى زمن عثمان رضي الله عنه فكان يبايع الناس, ثم يخاصمهم فيمر بهم بعض الصحابة فيقول لمن يخاصمه: ويحك, إن النبي - ﷺ - جعل له الخيار ثلاثا وهذا يدل على اختصاصه بهذا لأنه لو كان للناس عامة لقال لمن يخاصمه: إن النبي - ﷺ - جعل الخيار لمن قال: لا خلابة وقال بعض أصحاب الشافعي: إن كانا عالمين أن ذلك عبارة عن خيار الثلاث ثبت وإن علم أحدهما دون الآخر, فعلى وجهين لأنه روى أن حبان بن منقذ بن عمرو كان لا يزال يغبن فأتى النبي - ﷺ - فذكر ذلك له, فقال له: (إذا أنت بايعت فقل: لا خلابة ثم أنت في كل سلعة ابتعتها بالخيار ثلاث ليال فإن رضيت أمسكت, وإن سخطت فارددها على صاحبها) وما ثبت في حق واحد من الصحابة يثبت في حق سائر الناس ما لم يقم على تخصيصه دليل ولنا أن هذا اللفظ لا يقتضي الخيار مطلقا, ولا يقتضي تقييده بثلاث والأصل اعتبار اللفظ فيما يقتضيه والخبر على الوجه الذي احتجوا به إنما رواه ابن ماجه مرسلا, وهم لا يرون المرسل حجة ثم لم يقولوا بالحديث على وجهه إنما قالوا به في حق من يعلم أن مقتضاه ثبوت الخيار ثلاثا, ولا يعلم ذلك أحد لأن اللفظ لا يقتضيه فكيف يعلم أن مقتضاه ما ليس بمقتضاه وعلى أنه إنما كان خاصا لحبان بدليل ما رويناه, ولأنه كان يثبت له الرد على من لم يعلم مقتضاه. فصل:
إذا شرط الخيار حيلة على الانتفاع بالقرض ليأخذ غلة المبيع ونفعه في مدة انتفاع المقترض بالثمن ثم يرد المبيع بالخيار عند رد الثمن, فلا خير فيه لأنه من الحيل ولا يحل لآخذ الثمن الانتفاع به في مدة الخيار ولا التصرف فيه قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل عن الرجل يشتري من الرجل الشيء ويقول: لك الخيار إلى كذا وكذا مثل العقار؟ قال: هو جائز إذا لم يكن حيلة أراد أن يقرضه, فيأخذ منه العقار فيستغله ويجعل له فيه الخيار, ليربح فيما أقرضه بهذه الحيلة فإن لم يكن أراد هذا فلا بأس قيل لأبي عبد الله: فإن أراد إرفاقه أراد أن يقرضه مالا يخاف أن يذهب, فاشترى منه شيئا وجعل له الخيار ولم يرد الحيلة؟ فقال أبو عبد الله: هذا جائز, إلا أنه إذا مات انقطع الخيار لم يكن لورثته وقول أحمد بالجواز في هذه المسألة محمول على المبيع الذي لا ينتفع به إلا بإتلافه أو على أن المشتري لا ينتفع بالمبيع في مدة الخيار لئلا يفضي إلى أن القرض جر منفعة. فصل:
فإن قال: بعتك على أن تنقدني الثمن إلى ثلاث, أو مدة معلومة وإلا فلا بيع بيننا فالبيع صحيح نص عليه وبه قال أبو حنيفة والثوري, وإسحاق ومحمد بن الحسن وبه قال أبو ثور إذا كان الشرط إلى ثلاث وحكى مثل قوله عن ابن عمر وقال مالك: يجوز في اليومين والثلاثة ونحوها, وإن كان عشرين ليلة فسخ البيع وقال الشافعي وزفر: البيع فاسد لأنه علق فسخ البيع على غرر فلم يصح, كما لو علقه بقدوم زيد ولنا أن هذا يروى عن عمر ـ رضي الله عنه ـ ولأنه علق رفع العقد بأمر يحدث في مدة الخيار فجاز, كما لو شرط الخيار ولأنه نوع بيع فجاز أن ينفسخ بتأخير القبض, كالصرف ولأن هذا بمعنى شرط الخيار لأنه كما يحتاج إلى التروي في البيع هل يوافقه أو لا؟ يحتاج إلى التروي في الثمن, هل يصير منقودا أو لا؟ فهما سيان في المعنى متغايران في الصورة إلا أنه في الخيار يحتاج إلى الفسخ, وها هنا ينفسخ إذا لم ينقد لأنه جعله كذلك. فصل:
والعقود على أربعة أضرب: أحدها عقد لازم يقصد منه العوض, وهو البيع وما في معناه وهو نوعان أحدهما يثبت فيه الخياران: خيار المجلس, وخيار الشرط وهو البيع فيما لا يشترط فيه القبض في المجلس والصلح بمعنى البيع, والهبة بعوض على إحدى الروايتين والإجارة في الذمة نحو أن يقول أستأجرتك لتخيط لي هذا الثوب ونحوه, فهذا يثبت فيه الخيار لأن الخيار ورد في البيع وهذا في معناه فأما الإجارة المعينة, فإن كانت مدتها من حين العقد دخلها خيار المجلس دون خيار الشرط لأن دخوله يفضي إلى فوت بعض المنافع المعقود عليها أو إلى استيفائها في مدة الخيار, وكلاهما لا يجوز وهذا مذهب الشافعي وذكره القاضي مرة مثل هذا ومرة قال: يثبت فيها الخياران قياسا على البيع وقد ذكرنا ما يقتضي الفرق بينهما وأما الشفعة فلا خيار فيها لأن المشتري يؤخذ منه المبيع قهرا, والشفيع يستقل بانتزاع المبيع من غير رضا صاحبه فأشبه فسخ البيع بالرد بالعيب ونحوه ويحتمل أن يثبت للشفيع خيار المجلس لأنه قبل المبيع بثمنه, فأشبه المشتري النوع الثاني ما يشترط فيه القبض في المجلس كالصرف, والسلم وبيع مال الربا بجنسه فلا يدخله خيار الشرط, رواية واحدة لأن موضوعها على أن لا يبقى بينها علقة بعد التفرق بدليل اشتراط القبض وثبوت الخيار يبقى بينهما علقة, ويثبت فيها خيار المجلس في الصحيح من المذهب لعموم الخبر ولأن موضوعه للنظر في الحظ في المعاوضة وهو موجود فيها وعنه لا يثبت فيها الخيار إلحاقا بخيار الشرط الضرب الثاني, لازم لا يقصد به العوض كالنكاح والخلع فلا يثبت فيهما خيار لأن الخيار إنما يثبت لمعرفة الحظ في كون العوض جائزا, لما يذهب من ماله والعوض ها هنا ليس هو المقصود وكذلك الوقف والهبة ولأن في ثبوت الخيار في النكاح ضررا ذكرناه قبل هذا الضرب الثالث, لازم من أحد طرفيه دون الآخر كالرهن لازم في حق الراهن, جائز في حق المرتهن فلا يثبت فيه خيار لأن المرتهن يستغني بالجواز في حقه عن ثبوت خيار آخر والراهن يستغني بثبوت الخيار له إلى أن يقبض, وكذلك الضامن والكفيل لا خيار لهما لأنهما دخلا متطوعين راضيين بالغبن وكذلك المكاتب الضرب الرابع, عقد جائز من الطرفين كالشركة والمضاربة, والجعالة والوكالة الوديعة, والوصية فهذه لا يثبت فيها خيار استغناء بجوازها, والتمكن من فسخها بأصل وضعها الضرب الخامس وهو متردد بين الجواز واللزوم كالمساقاة, والمزارعة والظاهر أنهما جائزان فلا يدخلهما خيار وقد قيل: هما لازمان, ففي ثبوت الخيار فيهما وجهان والسبق والرمي والظاهر أنهما جعالة, فلا يثبت فيهما خيار وقيل: هما إجارة وقد مضى ذكرها الضرب السادس لازم يستقل به أحد المتعاقدين, كالحوالة والأخذ بالشفعة فلا خيار فيهما لأن من لا يعتبر رضاه لا خيار له وإذا لم يثبت في أحد طرفيه لم يثبت في الآخر, كسائر العقود ويحتمل أن يثبت الخيار للمحيل والشفيع لأنها معاوضة يقصد فيها العوض فأشبهت سائر البيع. باب الربا والصرف
الربا في اللغة: هو الزيادة قال الله تعالى: {فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت} [الحج: 5]. وقال: {أن تكون أمة هي أربى من أمة} [النحل: 9]. أي أكثر عددا يقال: أربى فلان على فلان, إذا زاد عليه وهو في الشرع: الزيادة في أشياء مخصوصة وهو محرم بالكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب, فقول الله تعالى: {وحرم الربا} [البقرة: 275]. وما بعدها من الآيات وأما السنة فروي عن النبي - ﷺ - أنه قال: (اجتنبوا السبع الموبقات قيل: يا رسول الله ما هي؟ قال: الشرك بالله والسحر, وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم, والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات) وروي عن النبي - ﷺ - أنه لعن آكل الربا وموكله, وشاهديه وكاتبه متفق عليهما في أخبار سوى هذين كثيرة وأجمعت الأمة على أن الربا محرم. فصل:
والربا على ضربين: ربا الفضل, وربا النسيئة وأجمع أهل العلم على تحريمهما وقد كان في ربا الفضل اختلاف بين الصحابة فحكي عن ابن عباس وأسامة بن زيد وزيد بن أرقم, وابن الزبير أنهم قالوا: إنما الربا في النسيئة لقول النبي - ﷺ -: (لا ربا إلا في النسيئة) رواه البخاري والمشهور من ذلك قول ابن عباس ثم إنه رجع إلى قول الجماعة, روى ذلك الأثرم بإسناده وقاله الترمذي وابن المنذر, وغيرهم وقال سعيد بإسناده عن أبي صالح قال: صحبت ابن عباس حتى مات, فوالله ما رجع عن الصرف وعن سعيد بن جبير قال: سألت ابن عباس قبل موته بعشرين ليلة عن الصرف؟ فلم ير به بأسا وكان يأمر به والصحيح قول الجمهور لحديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله - ﷺ - (, قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل, ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض, ولا تبيعوا غائبا بناجز) وروى أبو سعيد أيضا قال: (جاء بلال إلى النبي - ﷺ - بتمر برني فقال له النبي - ﷺ -: من أين هذا يا بلال؟ قال: كان عندنا تمر رديء, فبعت صاعين بصاع ليطعم النبي - ﷺ - فقال النبي - ﷺ -: أوه عين الربا, عين الربا لا تفعل ولكن إن أردت أن تشتري فبع التمر ببيع آخر, ثم اشتر به) متفق عليهما قال الترمذي على حديث أبي سعيد العمل عند أهل العلم من أصحاب النبي - ﷺ - وغيرهم وقول النبي - ﷺ -: (لا ربا إلا في النسيئة) محمول على الجنسين. مسألة:
قال أبو القاسم - رحمه الله-: [وكل ما كيل أو وزن من سائر الأشياء, فلا يجوز التفاضل فيه إذا كان جنسا واحدا] قوله: "من سائر الأشياء" يعني من جميعها وضع سائر موضع جميع تجوزا وموضوعها الأصلي لباقي الشيء وقد روي عن النبي - ﷺ - في الربا أحاديث كثيرة, ومن أتمها ما روى عبادة بن الصامت عن النبي - ﷺ - أنه قال: (الذهب بالذهب مثلا بمثل والفضة بالفضة مثلا بمثل, والتمر بالتمر مثلا بمثل والبر بالبر مثلا بمثل والملح بالملح مثلا بمثل, والشعير بالشعير مثلا بمثل فمن زاد أو ازداد فقد أربى بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يدا بيد, وبيعوا البر بالتمر كيف شئتم يدا بيد وبيعوا الشعير بالتمر كيف شئتم يدا بيد) رواه مسلم فهذه الأعيان المنصوص عليها يثبت الربا فيها بالنص والإجماع واختلف أهل العلم فيما سواها فحكي عن طاوس وقتادة أنهما قصرا الربا عليها, وقالا: لا يجري في غيرها وبه قال داود ونفاة القياس وقالوا: ما عداها علي أصل الإباحة لقول الله تعالى: {وأحل الله البيع} [البقرة: 275]. واتفق القائلون بالقياس على أن ثبوت الربا فيها بعلة وأنه يثبت في كل ما وجدت فيه علتها لأن القياس دليل شرعي, فيجب استخراج علة هذا الحكم وإثباته في كل موضع وجدت علته فيه وقول الله تعالى: {وحرم الربا} [القرة: 275]. يقتضي تحريم كل زيادة إذ الربا في اللغة الزيادة, إلا ما أجمعنا على تخصيصه وهذا يعارض ما ذكروه ثم اتفق أهل العلم على أن ربا الفضل لا يجري إلا في الجنس الواحد إلا سعيد بن جبير فإنه قال: كل شيئين يتقارب الانتفاع بهما لا يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا, كالحنطة بالشعير والتمر بالزبيب والذرة بالدخن لأنهما يتقارب نفعهما, فجريا مجرى نوعي جنس واحد وهذا يخالف قول النبي - ﷺ -: (بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يدا بيد وبيعوا البر بالتمر كيف شئتم). فلا يعول عليه ثم يبطل بالذهب بالفضة فإنه يجوز التفاضل فيهما مع تقاربهما واتفق المعللون على أن علة الذهب والفضة واحدة, وعلة الأعيان الأربعة واحدة ثم اختلفوا في علة كل واحد منهما فروي عن أحمد في ذلك ثلاث روايات أشهرهن أن علة الربا في الذهب والفضة كونه موزون جنس, وعلة الأعيان الأربعة مكيل جنس نقلها عن أحمد الجماعة وذكرها الخرقي وابن أبي موسى, وأكثر الأصحاب وهو قول النخعي والزهري والثوري, وإسحاق وأصحاب الرأي فعلى هذه الرواية يجري الربا في كل مكيل أو موزون بجنسه, مطعوما كان أو غير مطعوم كالحبوب والأشنان, والنورة والقطن والصوف, والكتان والورس والحناء, والعصفر والحديد والنحاس, ونحو ذلك ولا يجري في مطعوم لا يكال ولا يوزن لما روى ابن عمر قال قال رسول الله - ﷺ-: (لا تبيعوا الدينار بالدينارين ولا الدرهم بالدرهمين, ولا الصاع بالصاعين فإني أخاف عليكم الرماء وهو الربا فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله, أرأيت الرجل يبيع الفرس بالأفراس والنجيبة بالإبل؟ فقال: لا بأس إذا كان يدا بيد) رواه الإمام أحمد في المسند عن ابن حبان, عن أبيه عن ابن عمر وعن أنس أن النبي - ﷺ- قال: (ما وزن مثلا بمثل إذا كان نوعا واحدا, وما كيل مثلا بمثل إذا كان نوعا واحدا). رواه الدارقطني ورواه عن ابن صاعد عن عبد الله بن أحمد بن حنبل, عن أحمد بن محمد بن أيوب عن أبي بكر بن عياش عن الربيع بن صبيح, عن الحسن عن عبادة وأنس, عن النبي - ﷺ - وقال: لم يروه عن أبي بكر هكذا غير محمد بن أحمد بن أيوب وخالفه غيره فرواه بلفظ آخر وعن عمار أنه قال: (العبد خير من العبدين والثوب خير من الثوبين فما كان يدا بيد فلا بأس به, إنما الربا في النساء إلا ما كيل أو وزن) ولأن قضية البيع المساواة والمؤثر في تحقيقها الكيل, والوزن والجنس فإن الوزن أو الكيل يسوي بينهما صورة, والجنس يسوي بينهما معنى فكانا علة ووجدنا الزيادة في الكيل محرمة دون الزيادة في الطعم بدليل بيع الثقيلة بالخفيفة, فإنه جائز إذا تساويا في الكيل والرواية الثانية أن العلة في الأثمان الثمنية وفيما عداها كونه مطعوم جنس, فيختص بالمطعومات ويخرج منه ما عداها قال أبو بكر: روى ذلك عن أحمد جماعة, ونحو هذا قال الشافعي فإنه قال: العلة الطعم والجنس شرط والعلة في الذهب والفضة جوهرية الثمنية غالبا, فيختص بالذهب والفضة لما روى معمر بن عبد الله (أن النبي - ﷺ - نهى عن بيع الطعام بالطعام إلا مثلا بمثل) رواه مسلم ولأن الطعم وصف شرف إذ به قوام الأبدان والثمنية وصف شرف, إذ بها قوام الأموال فيقتضي التعليل بهما ولأنه لو كانت العلة في الأثمان الوزن لم يجز إسلامهما في الموزونات لأن أحد وصفي علة ربا الفضل يكفي في تحريم النساء والرواية الثالثة العلة فيما عدا الذهب والفضة كونه مطعوم جنس مكيلا أو موزونا, فلا يجري الربا في مطعوم لا يكال ولا يوزن كالتفاح والرمان والخوخ, والبطيخ والكمثرى والأترج, والسفرجل والإجاص والخيار, والجوز والبيض ولا فيما ليس بمطعوم, كالزعفران والأشنان والحديد, والرصاص ونحوه ويروى ذلك عن سعيد بن المسيب وهو قديم قولي الشافعي لما روى عن سعيد بن المسيب, عن رسول الله - ﷺ - أنه قال: (لا ربا إلا فيما كيل أو وزن مما يؤكل أو يشرب) أخرجه الدارقطني وقال: الصحيح أنه من قول سعيد, ومن رفعه فقد وهم ولأن لكل واحد من هذه الأوصاف أثرا والحكم مقرون بجميعها في المنصوص عليه فلا يجوز حذفه ولأن الكيل والوزن والجنس لا يقتضي وجوب المماثلة, وإنما أثره في تحقيقها في العلة ما يقتضي ثبوت الحكم لا ما تحقق شرطه والطعم بمجرده لا تتحقق المماثلة به لعدم المعيار الشرعي فيه وإنما تجب المماثلة في المعيار الشرعي وهو الكيل والوزن, ولهذا وجبت المساواة في المكيل كيلا وفي الموزون وزنا فوجب أن يكون الطعم معتبرا في المكيل والموزون, دون غيرهما والأحاديث الواردة في هذا الباب يجب الجمع بينها وتقييد كل واحد منها بالآخر فنهى النبي - ﷺ - عن بيع الطعام إلا مثلا بمثل يتقيد بما فيه معيار شرعي, وهو الكيل والوزن ونهيه عن بيع الصاع بالصاعين يتقيد بالمطعوم المنهي عن التفاضل فيه وقال مالك: العلة القوت أو: ما يصلح به القوت من جنس واحد من المدخرات وقال ربيعة: يجري الربا فيما تجب فيه الزكاة دون غيره وقال ابن سيرين: الجنس الواحد علة وهذا القول لا يصح لقول النبي - ﷺ - في بيع الفرس بالأفراس, والنجيبة بالإبل: (لا بأس به إذا كان يدا بيد) وروى (أن النبي - ﷺ- ابتاع عبدا بعبدين) رواه أبو داود والترمذي وقال: هو حديث حسن صحيح وقول مالك ينتقض بالحطب والإدام يستصلح به القوت ولا ربا فيه عنده, وتعليل ربيعة ينعكس بالملح والعكس لازم عند اتحاد العلة والحاصل أن ما اجتمع فيه الكيل والوزن والطعم من جنس واحد, ففيه الربا رواية واحدة كالأرز والدخن, والذرة والقطنيات والدهن, والخل واللبن واللحم, ونحوه وهذا قول أكثر أهل العلم قال ابن المنذر: هذا قول علماء الأمصار في القديم والحديث سوى قتادة فإنه بلغني أنه شذ عن جماعة الناس, فقصر تحريم التفاضل على الستة الأشياء وما انعدم فيه الكيل والوزن والطعم, واختلف جنسه فلا ربا فيه رواية واحدة وهو قول أكثر أهل العلم, كالتين والنوى والقت, والماء والطين الأرمني فإنه يؤكل دواء, فيكون موزونا مأكولا فهو إذا من القسم الأول وما عداه إنما يؤكل سفها, فجرى مجرى الرمل والحصى وقد روى عن النبي - ﷺ - أنه قال لعائشة: (لا تأكلي الطين فإنه يصفر اللون) وما وجد فيه الطعم وحده أو الكيل أو الوزن, من جنس واحد ففيه روايتان واختلف أهل العلم فيه, والأولى - إن شاء الله تعالى - حله إذ ليس في تحريمه دليل موثوق به ولا معنى يقوي التمسك به وهي مع ضعفها يعارض بعضها بعضا, فوجب اطراحها أو الجمع بينها والرجوع إلى أصل الحل الذي يقتضيه الكتاب, والسنة والاعتبار ولا فرق في المطعومات بين ما يؤكل قوتا كالأرز, والذرة والدخن أو أدما كالقطنيات, واللبن واللحم أو تفكها كالثمار, أو تداويا كالإهليلج والسقمونيا فإن الكل في باب الربا واحد. فصل:
وقوله: ما كيل, أو وزن أي: ما كان جنسه مكيلا أو موزونا وإن لم يتأت فيه كيل, ولا وزن إما لقلته كالحبة والحبتين والحفنة والحفنتين, وما دون الأرزة من الذهب والفضة أو لكثرته كالزبرة العظيمة فإنه لا يجوز بيع بعضه ببعض, إلا مثلا بمثل ويحرم التفاضل فيه وبهذا قال الثوري والشافعي, وإسحاق وابن المنذر ورخص أبو حنيفة في بيع الحفنة بالحفنتين والحبة بالحبتين, وسائر المكيل الذي لا يتأتى كيله ووافق في الموزون واحتج بأن العلة الكيل, ولم يوجد في اليسير ولنا قول النبي - ﷺ -: (التمر بالتمر مثلا بمثل والبر بالبر مثلا بمثل, من زاد أو ازداد فقد أربى) ولأن ما جرى الربا في كثيره جرى في قليله كالموزون. فصل:
ولا يجوز بيع تمرة بتمرة ولا حفنة بحفنة وهذا قول الثوري, ولا أعلمه منصوصا عليه ولكنه قياس قولهم لأن ما أصله الكيل لا تجرى المماثلة في غيره. فصل:
فأما ما لا وزن للصناعة فيه كمعمول الحديد, والرصاص والنحاس والقطن, والكتان والصوف والإبريسم, فالمنصوص عن أحمد في الثياب والأكسية أنه لا يجري فيها الربا فإنه قال: لا بأس بالثوب بالثوبين والكساء بالكساءين وهذا قول أكثر أهل العلم, وقال: لا يباع الفلس بالفلسين ولا السكين بالسكينين ولا إبرة بإبرتين, أصله الوزن ونقل القاضي حكم إحدى المسألتين إلى الأخرى فجعل فيهما جميعا روايتين إحداهما لا يجري في الجميع وهو قول الثوري, وأبي حنيفة وأكثر أهل العلم لأنه ليس بموزون ولا مكيل وهذا هو الصحيح إذ لا معنى لثبوت الحكم مع انتفاء العلة, وعدم النص والإجماع فيه والثانية يجري الربا في الجميع اختارها ابن عقيل لأن أصله الوزن فلا يخرج بالصناعة عنه كالخبز, وذكر أن اختيار القاضي أن ما كان يقصد وزنه بعد عمله كالأسطال ففيه الربا ومالا فلا. فصل:
ويجري الربا في لحم الطير وعن أبي يوسف: لا يجرى فيه لأنه يباع بغير وزن ولنا, أنه لحم فجرى فيه الربا كسائر اللحمان وقوله: لا يوزن قلنا: هو من جنس ما يوزن ويقصد ثقله, وتختلف قيمته بثقله وخفته فأشبه ما يباع من الخبز بالعدد. فصل:
والجيد والرديء والتبر والمضروب, والصحيح والمكسور سواء في جواز البيع مع التماثل وتحريمه مع التفاضل وهذا قول أكثر أهل العلم, منهم أبو حنيفة والشافعي وحكي عن مالك جواز بيع المضروب بقيمته من جنسه وأنكر أصحابه ذلك, ونفوه عنه وحكى بعض أصحابنا عن أحمد رواية لا يجوز بيع الصحاح بالمكسرة ولأن للصناعة قيمة بدليل حالة الإتلاف فيصير كأنه ضم قيمة الصناعة إلى الذهب ولنا, قول النبي - ﷺ -: (الذهب بالذهب مثلا بمثل والفضة بالفضة مثلا بمثل) وعن عبادة عن النبي - ﷺ- أنه قال: (الذهب بالذهب تبرها وعينها, والفضة بالفضة تبرها وعينها) رواه أبو داود وروى مسلم عن أبي الأشعث أن معاوية أمر ببيع آنية من فضة في أعطيات الناس, فبلغ عبادة فقال: (إني سمعت رسول الله - ﷺ- ينهي عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر, والشعير بالشعير والملح بالملح إلا سواء بسواء, عينا بعين فمن زاد أو ازداد فقد أربى) وروى الأثرم عن عطاء بن يسار, أن معاوية باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها فقال أبو الدرداء: (سمعت رسول الله - ﷺ - ينهي عن مثل هذا إلا مثلا بمثل) ثم قدم أبو الدرداء على عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنهما ـ فذكر له ذلك فكتب عمر إلى معاوية, لا تبع ذلك إلا مثلا بمثل وزنا بوزن ولأنهما تساويا في الوزن فلا يؤثر اختلافهما في القيمة, كالجيد والرديء فأما إن قال لصائغ: صغ لي خاتما وزنه درهم وأعطيك مثل وزنه وأجرتك درهما فليس ذلك ببيع درهم بدرهمين وقال أصحابنا: للصائغ أخذ الدرهمين أحدهما في مقابلة الخاتم, والثاني أجرة له. فصل:
وكل ما حرم فيه التفاضل حرم فيه النساء بغير خلاف نعلمه ويحرم التفرق قبل القبض لقول النبي - ﷺ -: (عينا بعين) وقوله: (يدا بيد) ولأن تحريم النساء آكد ولذلك جرى في الجنسين المختلفين, فإذا حرم التفاضل فالنساء أولى بالتحريم. قال مسألة:
( وما كان من جنسين فجائز التفاضل فيه يدا بيد ولا يجوز نسيئة ) لا خلاف في جواز التفاضل في الجنسين نعلمه, إلا عن سعيد بن جبير أنه قال: ما يتقارب الانتفاع بهما لا يجوز التفاضل فيهما وهذا يرده قول النبي - ﷺ -: (بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يدا بيد وبيعوا البر بالتمر كيف شئتم يدا بيد وبيعوا الشعير بالتمر كيف شئتم يدا بيد) وفي لفظ: (إذا اختلفت هذه الأشياء فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد) رواه مسلم, وأبو داود ولأنهما جنسان فجاز التفاضل فيهما كما لو تباعدت منافعهما ولا خلاف في إباحة التفاضل في الذهب بالفضة, مع تقارب منافعهما فأما النساء فكل جنسين يجري فيهما الربا بعلة واحدة كالمكيل بالمكيل والموزون بالموزون, والمطعوم بالمطعوم عند من يعلل به فإنه يحرم بيع أحدهما بالأخر نساء, بغير خلاف نعلمه وذلك لقوله عليه السلام: (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم يدا بيد) وفي لفظ: (لا بأس ببيع الذهب بالفضة والفضة أكثرهما يدا بيد وأما نسيئة فلا ولا بأس ببيع البر بالشعير والشعير أكثرهما يدا بيد, وأما النسيئة فلا) رواه أبو داود إلا أن يكون أحد العوضين ثمنا والآخر مثمنا فإنه يجوز النساء بينهما بغير خلاف لأن الشرع أرخص في السلم, والأصل في رأس المال الدراهم والدنانير فلو حرم النساء ها هنا لانسد باب السلم في الموزونات في الغالب فأما إن اختلفت علتهما كالمكيل بالموزون مثل بيع اللحم بالبر, ففيهما روايتان إحداهما يحرم النساء فيهما وهو الذي ذكره الخرقي ها هنا لأنهما مالان من أموال الربا, فحرم النساء فيهما كالمكيل بالمكيل والثانية يجوز النساء فيهما وهو قول النخعي لأنهما لم يجتمعا في أحد وصفي علة ربا الفضل, فجاز النساء فيهما كالثياب بالحيوان. فصل:
وإذا باع شيئا من مال الربا بغير جنسه وعلة ربا الفضل فيهما واحدة, لم يجز التفرق قبل القبض فإن فعلا بطل العقد وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة: لا يشترط التقابض فيهما كغير أموال الربا, وكبيع ذلك بأحد النقدين ولنا قول النبي - ﷺ -: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة, والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر, والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء, يدا بيد) رواه مسلم وقال عليه السلام: (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم يدا بيد) وروى مالك بن أوس بن الحدثان أنه التمس صرفا بمائة دينار قال: فدعاني طلحة بن عبيد الله فتراوضنا حتى اصطرف مني فأخذ الذهب يقلبها في يديه, ثم قال: حتى يأتي خازني من الغابة وعمر يسمع ذلك فقال: لا والله لا تفارقه حتى تأخذ منه قال رسول الله - ﷺ -: (الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء, والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء) متفق عليه والمراد به القبض بدليل أن المراد به ذلك في الذهب والفضة ولهذا فسره عمر به, ولأنهما مالان من أموال الربا علتهما واحدة فحرم التفرق فيهما قبل القبض كالذهب بالفضة فأما إن اختلفت علتهما كالمكيل بالموزون عند من يعلل بهما, فقال أبو الخطاب: يجوز التفرق فيهما قبل القبض رواية واحدة لأن علتهما مختلفة فجاز التفرق قبل القبض كالثمن بالمثمن وبهذا قال الشافعي, إلا أنه لا يتصور عنده ذلك إلا في بيع الأثمان بغيرها ويحتمل كلام الخرقي وجوب التقابض على كل حال لقوله: (يدا بيد). مسألة:
قال: [وما كان مما لا يكال ولا يوزن فجائز التفاضل فيه يدا بيد ولا يجوز نسيئة] اختلفت الرواية في تحريم النساء في غير المكيل والموزون, على أربع روايات إحداهن لا يحرم النساء في شيء من ذلك سواء بيع بجنسه أو بغيره, متساويا أو متفاضلا إلا على قولنا: إن العلة الطعم فيحرم النساء في المطعوم ولا يحرم في غيره وهذا مذهب الشافعي واختار القاضي هذه الرواية لما روى أبو داود, عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله - ﷺ- (أمره أن يجهز جيشا فنفدت الإبل, فأمره أن يأخذ في قلاص الصدقة فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة) رواه أبو داود " وروى سعيد في سننه عن أبي معشر, عن صالح بن كيسان عن الحسن بن محمد: أن عليا باع بعيرا له يقال له: عصيفير بأربعة أبعرة إلى أجل ولأنهما مالان لا يجري فيهما ربا الفضل, فجاز النساء فيهما كالعرض بالدينار ولأن النساء أحد نوعي الربا فلم يجز في الأنواع كلها, كالنوع الآخر والرواية الثانية يحرم النساء في كل مال بيع بجنسه كالحيوان بالحيوان, والثياب بالثياب ولا يحرم في غير ذلك وهذا مذهب أبي حنيفة وممن كره بيع الحيوان بالحيوان نساء ابن الحنفية وعبد الله بن عمير, وعطاء وعكرمة بن خالد وابن سيرين, والثوري وروى ذلك عن عمار وابن عمر لما روى سمرة: أن النبي - ﷺ - (نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة) قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح ولأن الجنس أحد وصفي علة ربا الفضل, فحرم النساء كالكيل والوزن والثالثة لا يحرم النساء إلا فيما بيع بجنسه متفاضلا, فأما مع التماثل فلا لما روي جابر أن النبي - ﷺ - قال: (الحيوان اثنان بواحد لا يصلح نساء ولا بأس به يدا بيد) قال الترمذي: هذا حديث حسن وروى ابن عمر: (أن رجلا قال: يا رسول الله, أرأيت الرجل يبيع الفرس بالأفراس والنجيبة بالإبل؟ فقال: لا بأس إذا كان يدا بيد) من المسند وهذا يدل على إباحة النساء مع التماثل بمفهومه والرابعة يحرم النساء في كل مال بيع بمال آخر سواء كان من جنسه أو من غير جنسه وهذا ظاهر كلام الخرقي ويحتمل أنه أراد الرواية الثالثة لأنه بيع عرض بعرض, فحرم النساء بينهما كالجنسين من أموال الربا قال القاضي: فعلى هذا لو باع عرضا بعرض ومع أحدهما دراهم, العروض نقدا والدراهم نسيئة جاز وإن كانت الدراهم نقدا والعروض نسيئة, لم يجز لأنه يفضي إلى النسيئة في العروض وهذه الرواية ضعيفة جدا لأنه إثبات حكم يخالف الأصل بغير نص ولا إجماع ولا قياس صحيح فإن في المحل المجمع عليه أو المنصوص عليه أوصافا لها أثر في تحريم الفضل فلا يجوز حذفها عن درجة الاعتبار, وما هذا سبيله لا يجوز إثبات الحكم فيه وإن لم يخالف أصلا فكيف يثبت مع مخالفة الأصل في حل البيع, وأصح الروايات هي الأولى لموافقتها الأصل والأحاديث المخالفة لها قال أبو عبد الله: ليس فيها حديث يعتمد عليه ويعجبني أن يتوقاه وذكر له حديث ابن عباس وابن عمر في هذا, فقال: هما مرسلان وحديث سمرة يرويه الحسن عن سمرة قال الأثرم قال أبو عبد الله: لا يصح سماع الحسن من سمرة وحديث جابر, قال أبو عبد الله: هذا حجاج زاد فيه: "نساء" وليث بن سعد سمعه من أبي الزبير ولا يذكر فيه: " نساء ", وحجاج هذا هو حجاج بن أرطاة قال يعقوب بن شيبة: هو واهي الحديث وهو صدوق وإن كان أحد المبيعين مما لا ربا فيه, والآخر فيه ربا كالمكيل بالمعدود ففيهما روايتان إحداهما: يحرم النساء فيهما والثانية: لا يحرم, كما لو باع معدودا بمعدود من غير جنسه. فصل:
فأما بيع الرطب بالرطب والعنب بالعنب ونحوه من الرطب بمثله فيجوز مع التماثل في قول أكثر أهل العلم, ومنع منه الشافعي فيما ييبس أما ما لا ييبس كالقثاء والخيار ونحوه, فعلى قولين لأنه لا يعلم تساويهما حالة الادخار فأشبه الرطب بالتمر وذهب أبو حفص العكبري من أصحابنا إلى هذا وحمل كلام الخرقي عليه لقوله في اللحم: لا يجوز بيع بعضه ببعض رطبا, ويجوز إذا تناهى جفافه مثلا بمثل ومفهوم كلام الخرقي ها هنا: إباحة ذلك لأن مفهوم نهيه عليه السلام عن بيع التمر بالتمر إباحة بيع كل واحد منهما بمثله ولأنهما تساويا في الحال على وجه لا ينفرد أحدهما بالنقصان فجاز, كبيع اللبن باللبن والتمر بالتمر ولأن قوله تعالى: {وأحل الله البيع} [البقرة: 275]. عام خرج منه المنصوص عليه, وهو بيع التمر بالتمر وليس هذا في معناه فبقي على العموم, وما ذكره لا يصح فإن التفاوت كثير وينفرد أحدهما بالنقصان, بخلاف مسألتنا ولا بأس ببيع الحديث بالعتيق لأن التفاوت في ذلك يسير ولا يمكن ضبطه فعفي عنه. مسألة:
قال: [ولا يباع ما أصله الكيل بشيء من جنسه وزنا, ولا ما أصله الوزن كيلا] لا خلاف بين أهل العلم في وجوب المماثلة في بيع الأموال التي يحرم التفاضل فيها وأن المساواة المرعية هي المساواة في المكيل كيلا وفي الموزون وزنا ومتى تحققت هذه المساواة, لم يضر اختلافهما فيما سواها وإن لم يوجد لم يصح البيع وإن تساويا في غيرها, وهذا قول أبي حنيفة والشافعي وجمهور أهل العلم, لا نعلم أحدا خالفهم إلا مالكا قال: يجوز بيع الموزونات بعضها ببعض جزافا ولنا قول النبي - ﷺ -: (الذهب بالذهب وزنا بوزن والفضة بالفضة وزنا بوزن, والبر بالبر كيلا بكيل والشعير بالشعير كيلا بكيل) رواه الأثرم في حديث عبادة ورواه أبو داود, ولفظه: (البر بالبر مدي بمدي والشعير بالشعير مدي بمدي والملح بالملح مدي بمدي, فمن زاد أو ازداد فقد أربى) فأمر بالمساواة في الموزونات المذكورة في الوزن كما أمر بالمساواة في المكيلات في الكيل وما عدا الذهب والفضة من الموزونات مقيس عليهما ومشبه بهما ولأنه جنس يجري فيه الربا, فلم يجز بيع بعضه ببعض جزافا كالمكيل ولأنه موزون من أموال الربا فأشبه الذهب والفضة, ولأن حقيقة الفضل مبطلة للبيع ولا نعلم عدم ذلك إلا بالوزن فوجب ذلك, كما في المكيل والأثمان إذا ثبت هذا فإنه لا يجوز بيع المكيل بالمكيل وزنا ولا بيع الموزون بالموزون كيلا لأن التماثل في الكيل مشترط في المكيل, وفي الوزن في الموزون فمتى باع رطلا من المكيل برطل حصل في الرطل من الخفيف أكثر مما يحصل من الثقيل فيختلفان في الكيل, وإن لم يعلم الفضل لكن يجهل التساوي فلا يصح, كما لو باع بعضه ببعض جزافًا وكذلك لو باع الموزون بالموزون بالكيل فلا يتحقق التماثل في الوزن, فلم يصح كما ذكرنا في المكيل. فصل:
ولو باع بعضه ببعض جزافا أو كان جزافا من أحد الطرفين لم يجز قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن ذلك غير جائز إذا كانا من صنف واحد وذلك لما روى مسلم, عن جابر قال: (نهى رسول الله - ﷺ - عن بيع الصبرة من التمر لا يعلم مكيلها, بالكيل المسمى من التمر) وفي قول النبي - ﷺ -: (الذهب بالذهب وزنا بوزن) إلى تمام الحديث دليل على أنه لا يجوز بيعه إلا كذلك ولأن التماثل شرط, والجهل به يبطل البيع كحقيقة التفاضل فصل:
وما لا يشترط التماثل فيه كالجنسين وما لا ربا فيه, يجوز بيع بعضه ببعض كيلا ووزنا وجزافا وهذا ظاهر كلام الخرقي لتخصيصه ما يكال بمنع بيعه بشيء من جنسه وزنا وما يوزن بمنع بيعه من جنسه كيلا وهذا قول أكثر أهل العلم قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن بيع الصبرة من الطعام بالصبرة, لا يدري كم كيل هذه ولا كيل هذه من صنف واحد, غير جائز ولا بأس به من صنفين استدلالا بقوله عليه السلام: (فإذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم) وذهب جماعة من أصحابنا إلى منع بيع المكيل بالمكيل جزافا وبيع الموزون بالموزون جزافا وقال أحمد, في رواية محمد بن الحكم: أكره ذلك قال ابن أبي موسى: لا خير فيما يكال بما يكال جزافا ولا فيما يوزن بما يوزن جزافا اتفقت الأجناس أو اختلفت, ولا بأس ببيع المكيل بالموزون جزافا وقال ذلك القاضي والشريف أبو جعفر وذلك لأن النبي - ﷺ - (نهى عن بيع الطعام بالطعام مجازفة) ولأنه بيع مكيل بمكيل, أشبه الجنس الواحد ولنا قول النبي - ﷺ -: (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم يدا بيد) ولأن قول الله تعالى: (وأحل الله البيع) عام خصصناه في الجنس الواحد الذي يجب التماثل فيه ففيما عداه يجب البقاء على العموم, ولأنه يجوز التفاضل فيه فجاز جزافا من الطرفين كالمكيل بالموزون يحققه أنه إذا كان حقيقة الفضل لا يمنع, فاحتماله أولى أن لا يكون مانعا وحديثهم أراد به الجنس الواحد ولهذا جاء في بعض ألفاظه: (نهى أن تباع الصبرة لا يعلم مكيلها من التمر بالصبرة لا يعلم مكيلها من التمر) ثم هو مخصوص بالمكيل والموزون, فنقيس عليه محل النزاع وما ذكر من القياس غير صحيح لأن المكيل من جنس واحد يجب التماثل فيه, فمنع من بيعه مجازفة لفوات المماثلة المشروطة وفي الجنسين لا يشترط التماثل ولا يمنع حقيقة التفاضل, فاحتماله أولى أن لا يكون مانعا. فصل:
ولو قال: بعتك هذه الصبرة بهذه الصبرة وهما من جنس واحد ولا يعلمان كيلهما لم يصح لما ذكرنا وإن علما كيلهما وتساويهما, صح البيع لوجود التماثل المشترط وإن قال: بعتك هذه الصبرة بهذه الصبرة مثلا بمثل فكيلتا فكانتا سواء صح البيع, وإلا فلا وإن باع صبرة بصبرة من غير جنسها صح عند من يجوز بيع المكيل بالمكيل جزافا وإن قال: بعتك هذه الصبرة بهذه مثلا بمثل فكيلتا فكانتا سواء, صح البيع وإن زادت إحداهما فرضي صاحب الناقصة بها مع نقصها أو رضي صاحب الزائدة برد الفضل على صاحبه, جاز وإن امتنعا فسخ البيع بينهما ذكر هذا الفصل القاضي وهو مذهب الشافعي. فصل:
ويجوز قسم المكيل وزنا, وقسم الموزون كيلا وقسم الثمار خرصا وقسم ما لا يجوز بيع بعضه ببعض لأن القسمة إفراز حق, وليست بيعا ونقل عن ابن بطة ما يدل على أنها بيع فيثبت فيها أحكام البيع ويمنع فيها ما ذكرناه لأن كل جزء من ذلك مشترك بينهما, فإذا تعين لكل واحد منهما حق فقد اشترى نصيب شريكه مما تعين له بنصيبه فيما تعين لشريكه وللشافعي قولان كالمذهبين والظاهر أنها إفراز حق بدليل اعتبار تعديل السهام, ودخول القرعة فيها ولزومها بها والإجبار عليها, وأنها لا تفتقر إلى لفظ بيع ولا تمليك ولا يدخلها خيار ولا تجوز إلا بقدر الحقين, ولا يثبت فيها شفعة وتختص باسم وتغاير الأحكام والأسماء دليل على اختلافهما وروي عن ابن عباس أنه قال: قسمت الصحابة رضي الله عنهم الغنائم بالحجف وذلك كيل الأثمان بمحضر من جماعة كثيرة منهم, وانتشر في بقيتهم فلم ينكر فصار إجماعا على ما قلناه. فصل:
في معرفة المكيل والموزون والمرجع في ذلك إلى العرف بالحجاز في عهد النبي - ﷺ - وبهذا قال الشافعي وحكي عن أبي حنيفة: أن الاعتبار في كل بلد بعادته ولنا, ما روي عبد الله بن عمر عن النبي - ﷺ - أنه قال: (المكيال مكيال المدينة والميزان ميزان مكة) والنبي - ﷺ - إنما يحمل كلامه على بيان الأحكام لأن ما كان مكيلا بالحجاز في زمن النبي - ﷺ - انصرف التحريم في تفاضل الكيل إليه, فلا يجوز أن يتغير بعد ذلك وهكذا الموزون وما لا عرف له بالحجاز يحتمل وجهين أحدهما, يرد إلى أقرب الأشياء شبها به بالحجاز كما أن الحوادث ترد إلى أشبه المنصوص عليه بها وهو القياس والثاني, يعتبر عرفه في موضعه فإن لم يكن له في الشرع حد كان المرجع فيه إلى العرف كالقبض, والإحراز والتفرق وهذا قول أبي حنيفة وعلى هذا إن اختلفت البلاد, فالاعتبار بالغالب فإن لم يكن غالب بطل هذا الوجه وتعين الأول ومذهب الشافعي على هذين الوجهين, فالبر والشعير مكيلان منصوص عليهما بقول النبي - ﷺ -: (البر بالبر كيلا بكيل والشعير بالشعير كيلا بكيل) وكذلك سائر الحبوب, والأبازير والأشنان والجص, والنورة وما أشبهها والتمر مكيل وهو من المنصوص عليه, وكذلك سائر تمر النخل من الرطب والبسر وغيرهما وسائر ما تجب فيه الزكاة من الثمار مثل الزبيب, والفستق والبندق والعناب, والمشمش والبطم والزيتون, واللوز والملح مكيل وهو من المنصوص عليه بقوله عليه السلام: (الملح بالملح مدي بمدي) والذهب والفضة موزونان ثبت ذلك بقول النبي - ﷺ -: (الذهب بالذهب وزنا بوزن والفضة بالفضة وزنا بوزن) وكذلك ما أشبههما من جواهر الأرض كالحديد, والنحاس والصفر والرصاص, والزجاج والزئبق ومنه الإبريسم والقطن, والكتان والصوف وغزل ذلك, وما أشبهه ومنه الخبز واللحم والشحم, والجبن والزبد والشمع, وما أشبهه وكذلك الزعفران والعصفر, والورس وما أشبه ذلك. فصل:
والدقيق والسويق مكيلان لأن أصلهما مكيل ولم يوجد ما ينقلهما عنه, ولأنهما يشبهان ما يكال وذكر القاضي في الدقيق أنه يجوز بيع بعضه ببعض بالوزن, ولا يمتنع أن يكون أصله مكيلا وهو موزون كالخبز ولنا ما ذكرناه, ولأنه يقدر بالصاع بدليل أنه يخرج في الفطرة صاع من دقيق وقد جاء في الحديث والصاع إنما يقدر به المكيلات, وعلى هذا يكون الأقط مكيلا لأن في حديث صدقة الفطر: (صاع من أقط). فصل:
فأما اللبن وغيره من المائعات كالأدهان من الزيت, والشيرج والعسل والخل, والدبس ونحو ذلك فالظاهر أنها مكيلة قال القاضي في الأدهان: هي مكيلة وفي اللبن: يصح السلم فيه كيلا وقال أصحاب الشافعي: لا يباع اللبن بعضه ببعض إلا كيلا وقد روى عن أحمد, أنه سئل عن السلف في اللبن؟ فقال: نعم كيلا أو وزنا وذلك لأن الماء مقدر بالصاع ولذلك (كان النبي - ﷺ - يتوضأ بالمد, ويغتسل بالصاع ويغتسل هو وبعض نسائه من الفرق) وهذه مكاييل قدر بها الماء وكذلك سائر المائعات وروي عن النبي - ﷺ - أنه (نهى عن بيع ما في ضروع الأنعام إلا بالكيل) رواه ابن ماجه وأما غير المكيل, والموزون فما لم يكن له أصل بالحجاز في كيل ولا وزن ولا يشبه ما جرى فيه العرف بذلك, كالثياب والحيوان والمعدودات من الجوز, والبيض والرمان والقثاء, والخيار وسائر الخضراوات والبقول, والسفرجل والتفاح والكمثرى, والخوخ ونحوها فهذه المعدودات إذا اعتبرنا التماثل فيها, فإنه يعتبر التماثل في الوزن لأنه أخصر ذكره القاضي في الفواكه الرطبة وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي والآخر, قالوا: يعتبر ما أمكن كيله بالكيل لأن الأصل الأعيان الأربعة وهي مكيلة ومن شأن الفرع أن يرد إلى أصله بحكمه, والأصل حكمه تحريم التفاضل بالكيل فكذلك يكون حكم فروعها ولنا أن الوزن أخصر, فوجب اعتباره في غير المكيل والموزون كالذي لا يمكن كيله وإنما اعتبر الكيل في المنصوص عليه لأنه يقدر به في العادة, وهذا بخلافه. مسألة:
قال: [والتمور كلها جنس واحد وإن اختلفت أنواعها] الجنس: هو الشامل لأشياء مختلفة بأنواعها والنوع: الشامل لأشياء مختلفة بأشخاصها وقد يكون النوع جنسا بالنسبة إلى ما تحته نوعا بالنسبة إلى ما فوقه, والمراد هنا الجنس الأخص والنوع الأخص فكل نوعين اجتمعا في اسم خاص فهما جنس, كأنواع التمر وأنواع الحنطة فالتمور كلها جنس واحد لأن الاسم الخاص يجمعها وهو التمر, وإن كثرت أنواعه كالبرني والمعقلي, والإبراهيمي والخاستوي وغيرها وكل شيئين اتفقا في الجنس ثبت فيهما حكم الشرع بتحريم التفاضل, وإن اختلفت الأنواع لقول النبي - ﷺ -: (التمر بالتمر مثلا بمثل والبر بالبر مثلا بمثل) الحديث بتمامه فاعتبر المساواة في جنس التمر بالتمر والبر بالبر, ثم قال: (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم) وفي لفظ: (فإذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم) وفي لفظ: (إلا ما اختلفت ألوانه) ولا خلاف بين أهل العلم علمناه في وجوب المساواة في التمر بالتمر وسائر ما ذكر في الخبر مع اتفاق الأنواع, واختلافها. فصل:
فإن كان المشتركان في الاسم الخاص من أصلين مختلفين فهما جنسان كالأدقة والأخباز, والخلول والأدهان وعصير الأشياء المختلفة, كلها أجناس مختلفة باختلاف أصولها وحكي عن أحمد أن خل التمر وخل العنب, جنس وحكي ذلك عن مالك لأن الاسم الخاص يجمعهما والصحيح أنهما جنسان لأنهما من أصلين مختلفين فكانا جنسين كدقيق الحنطة, ودقيق الشعير وما ذكر للرواية الأخرى منتقض بسائر فروع الأصول التي ذكرناها وكل نوع مبني على أصله فإذا كان شيئان من أصلين فهما جنسان فزيت الزيتون, وزيت البطم وزيت الفجل أجناس ودهن السمك والشيرج, ودهن الجوز ودهن اللوز والبزر أجناس وعسل النحل وعسل القصب, جنسان وتمر النخل وتمر الهند جنسان وكل شيئين أصلهما واحد فهما جنس واحد وإن اختلفت مقاصدهما فدهن الورد, والبنفسج والزئبق ودهن الياسمين, إذا كانت من دهن واحد فهي جنس واحد وهذا الصحيح من مذهب الشافعي وله قول آخر: لا يجري الربا فيها لأنها لا تقصد للأكل وقال أبو حنيفة: هي أجناس لأن مقاصدها مختلفة ولنا, أنها كلها شيرج وإنما طيبت بهذه الرياحين فنسبت إليها, فلم تصر أجناسا كما لو طيب سائر أنواع الأجناس وقولهم: لا تقصد الرياحين للأكل قلنا: هي صالحة للأكل وإنما تعد لما هو أعلى منه, فلا تخرج عن كونها مأكولة بصلاحها لغيره وقولهم: إنها أجناس لا يصح لأنها من أصل واحد ويشملها اسم واحد فكانت جنسا, كأنواع التمر والحنطة. فصل: وقد يكون الجنس الواحد مشتملا على جنسين كالتمر, يشتمل على النوى وغيره وهما جنسان واللبن, يشتمل على المخيض والزبد وهما جنسان فما داما متصلين اتصال الخلقة فهما جنس واحد, فإذا ميز أحدهما من الآخر صارا جنسين حكمهما حكم الجنسين الأصليين. فصل:
في بيع التمر بالتمر وفروعه, يجوز بيع التمر بالتمر كيلا بكيل بغير خلاف وسواء تساويا في الجودة والرداءة وفي كونهما ينكبسان في المكيال, أو اختلفا في ذلك قيل لأحمد: صاع تمر بصاع تمر وأحد التمرين يدخل في المكيال منه أكثر؟ فقال: إنما هو صاع بصاع وذلك لقول النبي - ﷺ -: (التمر بالتمر مدي بمدي ثم قال: من زاد, أو ازداد فقد أربى) فإن كان في كل واحد منهما نواه جاز بيعه متساويا بغير خلاف لأن النبي - ﷺ - قد علم أن التمر يكون فيه النوى وإن نزع من كل واحد منهما نواه, جاز أيضا وقال أصحاب الشافعي: لا يجوز في أحد الوجهين لأنهما لم يتساويا في حال الكمال ولأنه يتجافى في المكيال ولنا قول النبي - ﷺ -: (التمر بالتمر مدي بمدي) ولأنهما تساويا في الحال على وجه لا ينفرد أحدهما بالنقصان فجاز, كما لو كان في كل واحد منهما نواه ويجوز بيع النوى بالنوى كيلا لذلك وإذا باع تمرا منزوع النوى بتمر نواه فيه لم يجز لاشتمال أحدهما على ما ليس من جنسه دون الآخر وإن نزع النوى ثم باع النوى والتمر بنوى وتمر, لم يجز لأنه زالت التبعية بنزعه فصار كبيع تمر وحنطة بتمر وحنطة وإن باع النوى بتمر منزوع النوى جاز متفاضلا, ومتساويا لأنهما جنسان وإن باع النوى بتمر نواه فيه فعلى روايتين منع منه في رواية مهنا وأحمد بن القاسم لأن التمر نوى, فيصير كمد عجوة وكما لو باع تمرا فيه نواه بتمر منزوع النوى وأجاز ذلك في رواية ابن منصور لأن النوى في التمر غير مقصود, ولذلك جاز بيع التمر بالتمر في كل واحد منهما نواه وصار هذا كبيع دار مموه سقفها بالذهب بذهب فعلى هذا يجوز بيعه متفاضلا ومتساويا لأن النوى الذي في التمر لا عبرة به فصار كبيع النوى بمنزوع النوى. فصل:
ويصنع من التمر الدبس, والخل والناطف والقطارة ولا يجوز بيع التمر بشيء منها لأن مع بعضها من غير جنسه, وبعضها مائع والتمر جامد ولا يجوز بيع الناطف بعضه ببعض ولا بغيره من المصنوع من التمر لأن معها شيئا مقصودا من غير جنسهما, فينزل منزلة مد عجوة ويجوز بيع القطارة والدبس والخل, كل نوع بعضه ببعض متساويا قال أحمد في رواية مهنا في خل الدقل: يجوز بيع بعضه ببعض متساويا وذلك لأن الماء في كل واحد منهما غير مقصود وهو من مصلحته, فلم يمنع جواز البيع كالخبز بالخبز والتمر بالتمر, في كل واحد منهما نواه ولا يباع نوع بنوع آخر لأن في كل واحد منهما من غير جنسه يقل ويكثر فيفضي إلى التفاضل. فصل:
والعنب كالتمر فيما ذكرناه إلا أنه لا يباع خل العنب بخل الزبيب لانفراد كل واحد منهما بما ليس من جنسه ويجوز بيع خل الزبيب بعضه ببعض, كما يجوز بيع خل التمر بعضه ببعض. مسألة:
قال: ( والبر والشعير جنسان ) هذا هو المذهب وبه يقول الثوري والشافعي, وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وعن أحمد, أنهما جنس واحد وحكي ذلك عن سعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث وابن معيقيب الدوسي, والحكم وحماد ومالك, والليث لما روي عن معمر بن عبد الله أنه أرسل غلامه بصاع قمح فقال: بعه, ثم اشتر به شعيرا فذهب الغلام فأخذ صاعا وزيادة بعض صاع فلما جاء معمرا, أخبره بذلك فقال له معمر: لم فعلت ذلك؟ انطلق فرده ولا تأخذن إلا مثلا بمثل, فإن (النبي - ﷺ - نهى عن بيع الطعام بالطعام إلا مثلا بمثل) وكان طعامنا يومئذ الشعير قيل: فإنه ليس بمثله قال: إني أخاف أن يضارع أخرجه مسلم ولأن أحدهما يغش بالآخر فكانا كنوعي الجنس ولنا قول النبي - ﷺ -: (بيعوا البر بالشعير كيف شئتم يدا بيد) وفي لفظ: (لا بأس ببيع البر بالشعير, والشعير أكثرهما يدا بيد وأما نسيئة فلا) وفي لفظ: (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم) وهذا صريح صحيح, لا يجوز تركه بغير معارض مثله ولأنهما لم يشتركا في الاسم الخاص فلم يكونا جنسا واحدا, كالتمر والحنطة ولأنهما مسميان في الأصناف الستة, فكانا جنسين كسائرها وحديث معمر لا بد فيه من إضمار الجنس بدليل سائر أجناس الطعام, ويحتمل أنه أراد الطعام المعهود عندهم وهو الشعير فإنه قال في الخبر: وكان طعامنا يومئذ الشعير, ثم لو كان عاما لوجب تقديم الخاص الصريح عليه وفعل معمر وقوله لا يعارض به قول النبي - ﷺ - وقياسهم ينتقض بالذهب والفضة. فصل:
في الحنطة وفروعها وفروعها نوعان, أحدهما ما ليس فيه غيره كالدقيق, والسويق والثاني ما فيه غيره كالخبز, والهريسة والفالوذج والنشاء, وأشباهها ولا يجوز بيع الحنطة بشيء من فروعها وهي ثلاثة أقسام: أحدها السويق فلا يجوز بيعه بالحنطة وبهذا قال الشافعي, وحكي عن مالك وأبي ثور جواز ذلك متماثلا, ومتفاضلا ولنا أنه بيع الحنطة ببعض أجزائها متفاضلا فلم يجز, كبيع مكوك حنطة بمكوكي دقيق ولا سبيل إلى التماثل لأن النار قد أخذت من أحدهما دون الآخر فأشبهت المقلية القسم الثاني, ما معه غيره فلا يجوز بيعها به أيضا وقال أصحاب أبي حنيفة: يجوز ذلك بناء على مسألة مد عجوة وسنذكر الدليل على ذلك - إن شاء الله تعالى - القسم الثالث, الدقيق فلا يجوز بيعها به في الصحيح وهو مذهب سعيد بن المسيب والحسن, والحكم وحماد والثوري, وأبي حنيفة ومكحول وهو المشهور عن الشافعي وعن أحمد رواية أخرى أنه جائز وبهذا قال ربيعة, ومالك وحكي ذلك عن النخعي وقتادة وابن شبرمة, وإسحاق وأبي ثور لأن الدقيق نفس الحنطة وإنما تكسرت أجزاؤها, فجاز بيع بعضها ببعض كالحنطة المكسرة بالصحاح فعلى هذا إنما تباع الحنطة بالدقيق وزنا لأنها قد تفرقت أجزاؤها بالطحن وانتشرت, فتأخذ من المكيال مكانا كبيرا والحنطة تأخذ مكانا صغيرا والوزن يسوي بينهما وبهذا قال إسحاق ولنا, أن بيع الحنطة بالدقيق بيع للحنطة بجنسها متفاضلا فحرم كبيع مكيلة بمكيلتين وذلك لأن الطحن قد فرق أجزاءها, فيحصل في مكيالها دون ما يحصل في مكيال الحنطة وإن لم يتحقق التفاضل فقد جهل التماثل, والجهل بالتماثل كالعلم بالتفاضل فيما يشترط التماثل فيه ولذلك لم يجز بيع بعضها ببعض جزافا وتساويهما في الوزن لا يلزم منه التساوي في الكيل, والحنطة والدقيق مكيلان لأن الأصل الكيل ولم يوجد ما ينقل عنه ولأن الدقيق يشبه المكيلات, فكان مكيلا كالحنطة ثم لو كان موزونا, لم يتحقق التساوي بين المكيل والموزون لأن المكيل لا يقدر بالوزن كما لا يقدر الموزون بالكيل. فصل:
فأما بيع بعض فروعها ببعض فيجوز بيع كل واحد من الدقيق والسويق بنوعه متساويا, وبه قال أبو حنيفة والمشهور عن الشافعي المنع من ذلك لأنه يعتبر تساويهما حالة الكمال وهو حال كونها حنطة وقد فات ذلك لأن أحد الدقيقين قد يكون من حنطة رزينة, والآخر من حنطة خفيفة فيستويان دقيقا ولا يستويان حنطة ولنا, أنهما تساويا حال العقد على وجه لا ينفرد أحدهما بالنقصان فجاز كبيع التمر بالتمر إذا ثبت هذا, فإنما يباع بعضه ببعض كيلا لأن الحنطة مكيلة ولم يوجد في الدقيق والسويق ما ينقلهما عن ذلك ويشترط أن يتساويا في النعومة ذكره أبو بكر وغيره من أصحابنا وهو مذهب أبي حنيفة لأنهما إذا تفاوتا في النعومة تفاوتا في ثاني الحال, فيصير كبيع الحنطة بالدقيق وذكر القاضي أن الدقيق يباع بالدقيق وزنا ولا وجه له وقد سلم في السويق أنه يباع بالكيل والدقيق مثله فأما بيع الدقيق بالسويق, فالصحيح أنه لا يجوز وهو مذهب الشافعي وروي عن أحمد أنه يجوز لأن كل واحد منهما أجزاء حنطة ليس معه غيره فأشبه الدقيق بالدقيق, والسويق بالسويق ولنا أن النار قد أخذت من أحدهما فلم يجز بيع بعضه ببعض, كالمقلية بالنيئة وروي عن مالك وأبي يوسف ومحمد, وأبي ثور أنه لا بأس ببيع الدقيق بالسويق متفاضلا لأنهما جنسان ولنا أنهما أجزاء جنس واحد, فلم يجز التفاضل بينهما كالدقيق مع الدقيق والسويق بالسويق. فصل:
فأما ما فيه غيره, كالخبز وغيره فهو نوعان أحدهما, أن يكون ما فيه من غيره غير مقصود في نفسه إنما جعل فيه لمصلحته كالخبز والنشاء, فيجوز بيع كل واحد منهما بنوعه إذا تساويا في النشافة والرطوبة ويعتبر التساوي في الوزن لأنه يقدر به في العادة ولا يمكن كيله وقال مالك: إذا تحرى أن يكون مثلا بمثل, فلا بأس به وإن لم يوزن وبه قال الأوزاعي وأبو ثور وحكي عن أبي حنيفة: لا بأس به قرصا بقرصين وقال الشافعي: لا يجوز بيع بعضه ببعض بحال, إلا أن ييبس ويدق دقا ناعما ويباع بالكيل, ففيه قولان لأنه مكيل يجب التساوي فيه ولا يمكن كيله فتعذرت المساواة فيه, ولأن في كل واحد منهما من غير جنسه فلم يجز بيعه به كالمغشوش من الذهب والفضة, وغيرهما ولنا على وجوب التساوي أنه مطعوم موزون, فحرم التفاضل فيهما كاللحم واللبن, ومتى وجب التساوي وجبت معرفة حقيقة التساوي في المعيار الشرعي كالحنطة بالحنطة, والدقيق بالدقيق ولنا على الشافعي أن معظم نفعه في حال رطوبته فجاز بيعه به, كاللبن باللبن ولا يمتنع أن يكون موزونا أصله غير موزون كاللحم, والأدهان ولا يجوز بيع الرطب باليابس لانفراد أحدهما بالنقص في ثاني الحال فأشبه الرطب بالتمر ولا يمنع زيادة أخذ النار من أحدهما أكثر من الآخر حال رطوبتهما إذا لم يكثر لأن ذلك يسير ولا يمكن التحرز منه, أشبه بيع الحديثة بالعتيقة ولا يلزم ما فيه من الملح والماء لأن ذلك ليس بمقصود فيه ويراد لمصلحته فهو كالملح في الشيرج وإن يبس الخبز, فدق وجعل فتيتا بيع بمثله كيلا لأنه أمكن كيله, فرد إلى أصله وقال ابن عقيل: فيه وجه آخر أنه يباع بالوزن لأنه انتقل إليه النوع الثاني ما فيه غيره مما هو مقصود, كالهريسة والخزيرة والفالوذج, وخبز الأبازير والخشكنانج والسنبوسك, ونحوه فلا يجوز بيع بعضه ببعض ولا بيع نوع بنوع آخر لأن كل واحد منهما يشتمل على ما ليس من جنسه, وهو مقصود كاللحم في الهريسة والعسل في الفالوذج والماء, والدهن في الخزيرة ويكثر التفاوت في ذلك فلا يتحقق التماثل فيه وإذا لم يمكن التماثل في النوع الواحد ففي النوعين أولى. فصل:
والحكم في الشعير وسائر الحبوب كالحكم في الحنطة ويجوز بيع الحنطة والمصنوع منها بغيرها من الحبوب والمصنوع منها لعدم اشتراط المماثلة بينهما والله أعلم. مسألة:
قال: ( وسائر اللحمان جنس واحد ) أراد جميع اللحم, وجمعه - وهو اسم جنس - لاختلاف أنواعه ظاهر كلام الخرقي أن اللحم كله جنس واحد وذكره أبو الخطاب, وابن عقيل رواية عن أحمد وهو قول أبي ثور وأحد قولي الشافعي وأنكر القاضي أبو يعلى كون هذا رواية عن أحمد, وقال: الأنعام والوحوش والطير, ودواب الماء أجناس يجوز التفاضل فيها رواية واحدة وإنما في اللحم روايتان إحداهما, أنه أربعة أجناس كما ذكرنا وهو مذهب مالك إلا أنه يجعل الأنعام, والوحش جنسا واحدا فيكون عنده ثلاثه أصناف والثانية أنه أجناس باختلاف أصوله, وهو قول أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي وهي أصح لأنها فروع أصول هي أجناس, فكانت أجناسا كالأدقة والأخباز وهذا اختيار ابن عقيل واختيار القاضي أنها أربعة أجناس وحمل كلام الخرقي عليها, واحتج بأن لحم هذه الحيوانات تختلف المنفعة بها والقصد إلى أكلها فكانت أجناسا وهذا ضعيف جدا لأن كونها أجناسا لا يوجب حصرها في أربعة أجناس, ولا نظير لهذا فيقاس عليه ولا يصح حمل كلام الخرقي عليه لعدم احتمال لفظه له وتصريحه في الأيمان بأنه إذا حلف لا يأكل لحما فأكل من لحم الأنعام, أو الطائر أو السمك حنث فيتعين حمل كلامه على عمومه في أن جميع اللحم جنس لأنه اشترك في الاسم الواحد حال حدوث الربا فيه, فكان جنسا واحدا كالطلع والصحيح أنه أجناس باختلاف أصوله وهذا الدليل ينتقض بالتمر الهندي والتمر البرني, وعسل القصب وعسل النحل وغير ذلك فعلى هذا لحم الإبل كله صنف, بخاتيها وعرابها والبقر عرابها وجواميسها صنف والغنم ضأنها ومعزها صنف ويحتمل أن يكونا صنفين لأن الله تعالى سماها في الأزواج الثمانية فقال: (ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين) ففرق بينهما, كما فرق بين الإبل والبقر فقال: (ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين) والوحش أصناف بقرها صنف وغنمها صنف, وظباؤها صنف وكل ماله اسم يخصه فهو صنف والطيور أصناف كل ما انفرد باسم وصفة فهو صنف, فيباع لحم صنف بلحم صنف آخر متفاضلا ومتماثلا ويباع بصفة متماثلا, ومن جعلها صنفا واحدا لم يجز عنده بيع لحم بلحم إلا متماثلا. مسألة:
قال: ( لا يجوز بيع بعضه ببعض رطبا ويجوز إذا تناهى جفافه مثلا بمثل ) اختار الخرقي أنه لا يباع بعضه ببعض إلا في حال جفافه وذهاب رطوبته كلها وهو مذهب الشافعي وذهب أبو حفص في " شرحه " إلى هذا قال القاضي: والمذهب: جواز بيعه, ونص عليه وقوله في الرطب بالرطب بجواز البيع ينبه على إباحة بيع اللحم باللحم من حيث كان اللحم, حال كماله ومعظم نفعه في حال رطوبته دون حال يبسه فجرى مجرى اللبن بخلاف الرطب فإن حال كماله ومعظم نفعه في حال يبسه, فإذا جاز فيه البيع ففي اللحم أولى ولأنه وجد التماثل فيهما في الحال على وجه لا ينفرد أحدهما بالنقص, فجاز كبيع اللبن باللبن فأما بيع رطبه بيابسه أو نيئه بمطبوخه أو مشويه فغير جائز لانفراد أحدهما بالنقص في الثاني, فلم يجز كالرطب بالتمر. فصل:
قال القاضي: ولا يجوز بيع بعضه ببعض إلا منزوع العظام كما لا يجوز بيع العسل بالعسل إلا بعد التصفية وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي وكلام أحمد, -رحمه الله- يقتضي الإباحة من غير نزع عظامه ولا جفافه قال في رواية حنبل: إذا صار إلى الوزن مثلا بمثل, رطلا برطل فأطلق ولم يشترط شيئا وذلك لأن العظم تابع للحم بأصل الخلقة فلم يشترط نزعه كالنوى في التمر وفارق العسل, من حيث إن اختلاط الشمع بالعسل من فعل النحل لا من أصل الخلقة. فصل:
واللحم والشحم جنسان والكبد صنف والطحال صنف والقلب صنف والمخ صنف ويجوز بيع كل صنف بصنف آخر متفاضلا وقال القاضي: لا يجوز بيع اللحم بالشحم وكره مالك ذلك, إلا أن يتماثلا وظاهر المذهب إباحة البيع فيهما متماثلا ومتفاضلا وهو قول أبي حنيفة, والشافعي لأنهما جنسان فجاز التفاضل فيهما كالذهب والفضة وإن منع منه لكون اللحم لا يخلو من شحم لم يصح لأن الشحم لا يظهر وإن كان فيه شيء فهو غير مقصود, فلا يمنع البيع ولو منع لذلك لم يجز بيع لحم بلحم لاشتمال كل واحد منهما على ما ليس من جنسه ثم لا يصح هذا عند القاضي لأن السمين الذي يكون مع اللحم لحم عنده, فلا يتصور اشتمال اللحم على الشحم وذكر القاضي أن اللحم الأبيض الذي على ظاهر اللحم الأحمر هو والأحمر جنس واحد وأن الألية والشحم جنسان وظاهر كلام الخرقي خلاف هذا لقوله: إن اللحم لا يخلو من شحم, ولو لم يكن هذا شحما لم يختلط لحم بشحم فعلى قوله كل أبيض في الحيوان يذوب بالإذابة ويصير دهنا, فهو جنس واحد وهذا أصح لقوله تعالى: {حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما} [الأنعام: 146]. فاستثنى ما حملت الظهور من الشحم ولأنه يشبه الشحم في ذوبه ولونه ومقصده فكان شحما, كالذي في البطن. فصل:
وفي اللبن روايتان إحداهما هو جنس واحد لما ذكرنا في اللحم والثانية هو أجناس باختلاف أصوله كاللحم وهذا مذهب الشافعي وبه قال مالك لأن الأنعام كلها جنس واحد وقال ابن عقيل: لبن البقر الأهلية والوحشية جنس واحد على الروايات كلها لأن اسم البقر يشملهما وليس بصحيح لأن لحمهما جنسان, فكان لبنهما جنسين كالإبل والبقر ويجوز بيع اللبن بغير جنسه متفاضلا, وكيف شاء يدا بيد وبجنسه متماثلا كيلا قال القاضي: هو مكيل لا يباع إلا بالكيل لأنه العادة فيه ولا فرق بين أن يكونا حليبين أو حامضين, أو أحدهما حليب والآخر حامض لأن تغيير الصفة لا يمنع جواز البيع كالجودة والرداءة وإن شيب أحدهما بماء, أو غيره لم يجز بيعه بخالص ولا بمشوب من جنسه لأن معه من غير جنسه لغير مصلحته. فصل:
ويتفرع من اللبن قسمان ما ليس فيه غيره كالزبد والسمن, والمخيض واللبأ وما فيه غيره وكلاهما لا يجوز بيعه باللبن لأنه مستخرج من اللبن فلم يجز بيعه بأصله الذي فيه منه, كالحيوان باللحم والسمسم بالشيرج وهذا مذهب الشافعي وعن أحمد أنه يجوز بيع اللبن بالزبد, إذا كان الزبد المنفرد أكثر من الزبد الذي في اللبن وهذا يقتضي جواز بيعه به متفاضلا ومنع جوازه متماثلا قال القاضي: وهذه الرواية لا تخرج على المذهب لأن الشيئين إذا دخلهما الربا لم يجز بيع أحدهما بالآخر, ومعه من غير جنسه كمد عجوة ودرهم بمدين والصحيح أن هذه الرواية دالة على جواز البيع في مسألة مد عجوة وكونها مخالفة لروايات أخر لا يمنع كونها رواية, كسائر الروايات المخالفة لغيرها لكنها مخالفة لظاهر المذهب والحكم في السمن كالحكم في الزبد وأما اللبن بالمخيض الذي فيه زبده فلا يجوز نص عليه أحمد, فقال: اللبن بالمخيض لا خير فيه ويتخرج الجواز كالتي قبلها وأما اللبن باللبأ فإن كان قبل أن تمسه النار جاز متماثلا لأنه لبن بلبن وإن مسته النار لم يجز وذكر القاضي وجها, أنه يجوز وليس بصحيح لأن النار عقدت أجزاء أحدهما وذهبت ببعض رطوبته, فلم يجز بيعه بما لم تمسه النار كالخبز بالعجين والمقلية بالنيئة وهذا مذهب الشافعي وأما بيع النوع من فروع اللبن بنوعه, فما فيه خلط من غير اللبن كالكشك والكامخ ونحوهما, لا يجوز بيعه بنوعه ولا بغيره لأنه مختلط بغيره فهو كمسألة مد عجوة وما ليس فيه غيره, أو فيه غيره إلا أن ذلك الغير لمصلحته فيجوز بيع كل نوع منه بعضه ببعض إذا تساويا في النشافة والرطوبة, فيبيع المخيض بالمخيض واللبأ باللبأ والجبن بالجبن, والمصل بالمصل والأقط بالأقط والزبد بالزبد, والسمن بالسمن متساويا ويعتبر التساوي بين الأقط بالأقط بالكيل لأنه قدر بالصاع في صدقة الفطر وهو يشبه المكيلات, وكذلك المصل والمخيض ويباع الخبز بالخبز بالوزن لأنه موزون ولا يمكن كيله فأشبه الخبز وكذلك الزبد والسمن ويتخرج أن يباع السمن بالكيل ولا يباع ناشف من ذلك برطب كما لا يباع الرطب بالتمر ويحتمل كلام الخرقي أن لا يباع رطب من ذلك برطب كاللحم وأما بيع ما نزع من اللبن بنوع آخر, كالزبد والسمن والمخيض, فظاهر المذهب أنه يجوز بيع الزبد والسمن بالمخيض متماثلا ومتفاضلا لأنهما جنسان, وذلك لأنهما شيئان من أصل واحد أشبها اللحم بالشحم وممن أجاز بيع الزبد بالمخيض الثوري والشافعي, وإسحاق ولأن اللبن الذي في الزبد غير مقصود وهو يسير فأشبه الملح في الشيرج وبيع السمن بالمخيض أولى بالجواز لخلو السمن من المخيض ولا يجوز بيع الزبد بالسمن لأن في الزبد لبنا يسيرا, ولا شيء في السمن فيختل التماثل ولأنه مستخرج من الزبد, فلم يجز بيعه به كالزيتون بالزيت وهذا مذهب الشافعي وقال القاضي: عندي يجوز لأن اللبن في الزبد غير مقصود فوجوده كعدمه, ولذلك جاز بيعه بالمخيض وبزبد مثله وهذا لا يصح لأن التماثل واجب بينهما وانفراد أحدهما بوجود اللبن فيه يخل بالتماثل, فلم يجز بيعه به كتمر منزوع النوى بتمر فيه نواه ولأن أحدهما ينفرد برطوبة لا توجد في الآخر, فأشبه الرطب بالتمر والعنب بالزبيب وكل رطب بيابس من جنسه ولا يجوز بيع شيء من الزبد والسمن والمخيض بشيء من أنواع اللبن, كالجبن واللبأ ونحوهما لأن هذه الأنواع لم ينتزع منها شيء فيكون حكمها حكم اللبن الذي فيه زبده فلم يجز بيعها, كبيع اللبن بها وأما بيع الجبن بالأقط فلا يجوز مع رطوبتهما أو رطوبة أحدهما, كما لا يجوز بيع الرطب بالتمر وإن كانا يابسين احتمل أن لا يجوز أيضا لأن الجبن موزون والأقط مكيل فلم يجز بيع أحدهما بالآخر كالخبز بالدقيق, ويحتمل الجواز إذا تماثلا كبيع الخبز بالخبز. مسألة:
قال: [ولا يجوز بيع اللحم بالحيوان] لا يختلف المذهب أنه لا يجوز بيع اللحم بحيوان من جنسه وهو مذهب مالك, والشافعي وقول فقهاء المدينة السبعة وحكي عن مالك أنه لا يجوز بيع اللحم بحيوان معد للحم, ويجوز بغيره وقال أبو حنيفة: يجوز مطلقا لأنه باع مال الربا بما لا ربا فيه أشبه بيع اللحم بالدراهم أو بلحم من غير جنسه ولنا, ما روي أن النبي - ﷺ - (نهى عن بيع اللحم بالحيوان) رواه مالك في الموطأ عن زيد بن أسلم عن سعيد بن المسيب, عن النبي - ﷺ - قال ابن عبد البر: هذا أحسن أسانيده وروي عن النبي - ﷺ - أنه (نهى أن يباع حي بميت) ذكره الإمام أحمد وروي عن ابن عباس أن جزورا نحرت فجاء رجل بعناق فقال: أعطوني جزءا بهذا العناق فقال أبو بكر: لا يصلح هذا قال الشافعي: لا أعلم مخالفا لأبي بكر في ذلك وقال أبو الزناد: وكل من أدركت ينهي عن بيع اللحم بالحيوان ولأن اللحم نوع فيه الربا بيع بأصله الذي فيه منه, فلم يجز كبيع السمسم بالشيرج وبهذا فارق ما قاسوا عليه وأما بيع اللحم بحيوان من غير جنسه فظاهر كلام أحمد والخرقي, أنه لا يجوز فإن أحمد سئل عن بيع الشاة باللحم فقال: لا يصح لأن النبي - ﷺ - (نهى أن يباع حي بميت) واختار القاضي جوازه وللشافعي فيه قولان واحتج من منعه بعموم الأخبار, وبأن اللحم كله جنس واحد ومن أجازه قال: مال الربا بيع بغير أصله ولا جنسه فجاز كما لو باعه بالأثمان وإن باعه بحيوان غير مأكول اللحم, جاز في ظاهر قول أصحابنا وهو قول عامة الفقهاء. فصل:
ولا يجوز بيع شيء من مال الربا بأصله الذي فيه منه كالسمسم بالشيرج, والزيتون بالزيت وسائر الأدهان بأصولها والعصير بأصله, كعصير العنب والرمان والتفاح, والسفرجل وقصب السكر لا يباع شيء منها بأصله وبه قال الشافعي وابن المنذر وقال أبو ثور: يجوز لأن الأصل مختلف, والمعنى مختلف وقال أبو حنيفة يجوز إذا علم يقينا أن ما في الأصل من الدهن والعصير أقل من المنفرد وإن لم يعلم لم يجز ولنا, أنه مال ربا بيع بأصله الذي فيه منه فلم يجز كبيع اللحم بالحيوان, وقد أثبتنا ذلك بالنص. فصل:
فأما بيع شيء من هذه المعتصرات بجنسه فيجوز متماثلا ويجوز بيعه بغير جنسه متفاضلا وكيف شاء لأنهما جنسان, ويعتبر التساوي فيهما بالكيل لأنه يقدر به ويباع به عادة وهذا مذهب الشافعي وسواء كانا مطبوخين أو نيئين وقال أصحاب الشافعي: لا يجوز بيع المطبوخ بجنسه لأن النار تعقد أجزاءهما, فيختلف ويؤدي إلى التفاضل ولنا أنهما متساويان في الحال على وجه لا ينفرد أحدهما بالنقص فأشبه النيء بالنيء فأما بيع النيء بالمطبوخ من جنس واحد, فلا يجوز لأن أحدهما ينفرد بالنقص في ثاني الحال فلم يجز بيعه به كالرطب بالتمر وإن باع عصير شيء من ذلك بثفله فإن كانت فيه بقية من المستخرج منه, لم يجز بيعه به فلا يجوز بيع الشيرج بالكسب ولا الزيت بثفله الذي فيه بقية من الزيت, إلا على الرواية التي يجوز فيها مسألة مد عجوة فإن لم يبق فيه شيء من عصيره جاز بيعه به متفاضلا ومتماثلا لأنهما جنسان. فصل:
وإن باع شيئا فيه الربا, بعضه ببعض ومعهما أو مع أحدهما من غير جنسه, كمد ودرهم بمد ودرهم أو بمدين أو بدرهمين أو باع شيئا محلى بجنس حليته, فهذه المسألة تسمى مسألة مد عجوة والمذهب أنه لا يجوز ذلك نص على ذلك أحمد في مواضع كثيرة وذكره قدماء الأصحاب, قال ابن أبي موسى في السيف المحلى والمنطقة والمراكب المحلاة بجنس ما عليها: لا يجوز قولا واحدا وروي هذا عن سالم بن عبد الله والقاسم بن محمد, وشريح وابن سيرين وبه قال الشافعي وإسحاق, وأبو ثور وعن أحمد رواية أخرى, تدل على أنه يجوز بشرط أن يكون المفرد أكثر من الذي معه غيره أو يكون مع كل واحد منهما من غير جنسه فإن مهنا نقل عن أحمد في بيع الزبد باللبن, يجوز إذا كان الزبد المنفرد أكثر من الزبد الذي في اللبن وروى حرب قال: قلت لأحمد: دفعت دينارا كوفيا ودرهما, وأخذت دينارا شاميا وزنهما سواء لكن الكوفي أوضع؟ قال: لا يجوز, إلا أن ينقص الدينار فيعطيه بحسابه فضة وكذلك روى عنه محمد بن أبي حرب الجرجرائي وروى الميموني أنه سأله: لا يشتري السيف والمنطقة حتى يفصلها؟ فقال: لا يشتريها حتى يفصلها إلا أن هذا أهون من ذلك لأنه قد يشتري أحد النوعين بالآخر يفصله وفيه غير النوع الذي يشتري به فإذا كان من فضل الثمن, إلا أن من ذهب إلى ظاهر القلادة لا يشتريه حتى يفصله قيل له: فما تقول أنت؟ قال: هذا موضع نظر وقال أبو داود: سمعت أحمد سئل عن الدراهم المسيبية بعضها صفر وبعضها فضة بالدراهم؟ قال: لا أقول فيه شيئا, قال أبو بكر: روي هذه المسألة عن أبي عبد الله خمسة عشر نفسا كلهم اتفقوا على أنه لا يجوز حتى يفصل إلا الميموني ونقل مهنا كلاما آخر وقال حماد بن أبي سليمان وأبو حنيفة: يجوز هذا كله إذا كان المفرد أكثر من الذي معه غيره أو كان مع كل واحد منهما من غير جنسه وقال الحسن: لا بأس ببيع السيف المحلى بالفضة بالدراهم وبه قال الشعبي, والنخعي واحتج من أجاز ذلك بأن العقد إذا أمكن حمله على الصحة لم يحمل على الفساد لأنه لو اشترى لحمًا من قصاب, جاز مع احتمال كونه ميتة ولكن وجب حمله على أنه مذكى تصحيحا للعقد ولو اشترى من إنسان شيئا جاز, مع احتمال كونه غير ملكه ولا إذن له في بيعه تصحيحا للعقد أيضا وقد أمكن التصحيح ها هنا, بجعل الجنس في مقابلة غير الجنس أو جعل غير الجنس في مقابلة الزائد على المثل ولنا ما روى فضالة بن عبيد, قال: (أتى النبي - ﷺ- بقلادة فيها ذهب وخرز ابتاعها رجل بتسعة دنانير أو سبعة دنانير فقال النبي - ﷺ -: لا, حتى تميز بينهما) قال: فرده حتى ميز بينهما رواه أبو داود وفي لفظ رواه مسلم قال: فأمر رسول الله - ﷺ - بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده ثم قال لهم رسول الله - ﷺ -: (الذهب بالذهب وزنا بوزن) ولأن العقد إذا جمع عوضين مختلفي الجنس وجب أن ينقسم أحدهما على الآخر على قدر قيمة الآخر في نفسه, فإذا اختلفت القيمة اختلف ما يأخذه من العوض بيانه أنه إذا اشترى عبدين قيمة أحدهما مثل نصف قيمة الآخر بعشرة كان ثمن أحدهما ثلثي العشرة, والآخر ثلثها فلو رد أحدهما بعيب رده بقسطه من الثمن, ولذلك إذا اشترى شقصا وسيفا بثمن أخذ الشفيع الشقص بقسطه من الثمن فإذا فعلنا هذا في من باع درهما ومدا قيمته درهمان بمدين قيمتهما ثلاثة, حصل الدرهم في مقابلة ثلثي مد والمد الذي مع الدرهم في مقابلة مد وثلث فهذا إذا تفاوتت القيم ومع التساوي يجهل ذلك لأن التقويم ظن وتخمين, والجهل بالتساوي كالعلم بعدمه في باب الربا ولذلك لم يجز بيع صبرة بصبرة بالظن والخرص وقولهم: يجب تصحيح العقد ليس كذلك, بل يحمل على ما يقتضيه من صحة وفساد ولذلك لو باع بثمن وأطلق وفي البلاد نقود بطل ولم يحمل على نقد أقرب البلاد إليه, أما إذا اشترى من إنسان شيئا فإنه يصح لأن الظاهر أنه ملكه لأن اليد دليل الملك وإذا باع لحما فالظاهر أنه مذكى لأن المسلم في الظاهر لا يبيع الميتة. فصل:
فأما إن باع نوعين مختلفي القيمة من جنس, وبنوع واحد من ذلك الجنس كدينار مغربي ودينار سابوري بدينارين مغربيين, أو دينار صحيح ودينار قراضة بدينارين صحيحين أو قراضتين, أو حنطة حمراء وسمراء ببيضاء أو تمرا برنيا ومعقليا بإبراهيمي فإنه يصح قال أبو بكر: وأومأ إليه أحمد واختار القاضي أبو يعلى أن الحكم فيها كالتي قبلها وهو مذهب مالك والشافعي لأن العقد يقتضي انقسام الثمن على عوضه على حسب اختلافه في قيمته كما ذكرنا وروى عن أحمد منع ذلك في النقد, وتجويزه في الثمن نقله أحمد بن القاسم لأن الأنواع في غير الأثمان يكثر اختلاطها ويشق تمييزها فعفي عنها بخلاف الأثمان ولنا قول النبي - ﷺ -: (الذهب بالذهب مثلا بمثل, والفضة بالفضة مثلا بمثل) الحديث وهذا يدل على إباحة البيع عند وجود المماثلة المراعاة وهي المماثلة في الموزون وزنا وفي المكيل كيلا, ولأن الجودة ساقطة في باب الربويات فيما قوبل بجنسه فيما لو اتحد النوع في كل واحد من الطرفين, فكذلك إذا اختلفا واختلاف القيمة ينبني على الجودة والرداءة لأنه باع ذهبا بذهب متساويا في الوزن فصح, كما لو اتفق النوع وإنما يقسم العوض على المعوض فيما يشتمل على جنسين أو في غير الربويات بدليل ما لو باع نوعا بنوع يشتمل على جيد ورديء. فصل:
وإن باع ما فيه الربا بغير جنسه, ومعه من جنس ما بيع به إلا أنه غير مقصود كدار مموه سقفها بالذهب, جاز لا أعلم فيه خلافا وكذلك لو باع دارا بدار مموه سقف كل واحدة منها بذهب أو فضة جاز لأن ما فيه الربا غير مقصود بالبيع فوجوده كعدمه وكذلك لو اشترى عبدا له مال فاشترط ماله وهو من جنس الثمن, جاز إذا كان المال غير مقصود ولو اشترى عبدا بعبد واشترط كل واحد منهما مال العبد الذي اشتراه, جاز إذا لم يكن ماله مقصودا لأنه غير مقصود بالبيع فأشبه التمويه في السقف ولذلك لا تشترط رؤيته في صحة البيع ولا لزومه, وإن باع شاة ذات لبن بلبن أو عليها صوف بصوف أو باع لبونا بلبون, وذات صوف بمثلها ففيه وجهان أحدهما الجواز, اختاره ابن حامد وهو قول أبي حنيفة وسواء كانت الشاة حية أو مذكاة لأن ما فيه الربا غير مقصود, فلم يمنع كالدار المموه سقفها الثاني المنع, وهو مذهب الشافعي لأنه باع مال الربا بأصله الذي فيه منه أشبه الحيوان باللحم والفرق بينهما, أن اللحم في الحيوان مقصود بخلاف اللبن ولو كانت الشاة محلوبة اللبن جاز بيعها بمثلها وباللبن وجها واحدا لأن اللبن لا أثر له, ولا يقابله شيء من الثمن فأشبه الملح في الشيرج والخبز والجبن وحبات الشعير في الحنطة, ولا نعلم فيه أيضا خلافا وكذلك لو كان اللبن المنفرد من غير جنس لبن الشاة جاز بكل حال ولو باع نخلة عليها تمر بتمر, أو بنخلة عليها تمر ففيه أيضا وجهان أحدهما الجواز اختاره أبو بكر لأن التمر غير مقصود بالبيع والثاني, لا يجوز ووجه الوجهين ما ذكرناه في المسألة قبلها واختار القاضي أنه لا يجوز وفرق بينهما وبين الشاة ذات اللبن بكون الثمرة يصح إفرادها بالبيع وهي معلومة, بخلاف اللبن في الشاة وهذا الفرق غير مؤثر فإن ما يمنع إذا جاز إفراده يمنع, وإن لم يجز إفراده كالسيف المحلى يباع بجنس حليته وما لا يمنع لا يمنع, وإن جاز إفراده كمال العبد. فصل:
وإن باع جنسا فيه الربا بجنسه ومع كل واحد من غير جنسه غير مقصود, فذلك ينقسم أقساما أحدها أن يكون غير المقصود يسيرا لا يؤثر في كيل ولا وزن, كالملح فيما يعمل فيه وحبات الشعير في الحنطة فلا يمنع لأنه يسير لا يخل بالتماثل, وكذلك لو وجد في أحدهما دون الآخر لم يمنع لذلك ولو باع ذلك بجنس غير المقصود الذي معه, مثل أن يبيع الخبز بالملح جاز لأن وجود ذلك كعدمه الثاني أن يكون غير المقصود كثيرا, إلا أنه لمصلحة المقصود كالماء في خل التمر والزبيب, ودبس التمر فهذا يجوز بيع الشيء منه بمثله وينزل خلطه منزلة رطوبته لكونه من مصلحته, فلا يمنع من بيعه بما يماثله كالرطب بالرطب ولا يجوز بيعه بما ليس فيه خلط, كبيع خل العنب بخل الزبيب لإفضائه إلى التفاضل فجرى مجرى بيع التمر بالرطب ومنع الشافعي ذلك كله إلا بيع الشيرج بالشيرج لكون الماء لا يظهر في الشيرج الثالث, أن يكون غير المقصود كثيرا وليس من مصلحته كاللبن المشوب بالماء, والأثمان المغشوشة بغيرها فلا يجوز بيع بعضها ببعض لأن خلطه ليس من مصلحته وهو يخل بالتماثل المقصود فيه, وإن باعه بجنس غير المقصود كبيع الدينار المغشوش بالفضة بالدراهم احتمل الجواز لأنه يبيعه بجنس غير مقصود فيه, فأشبه بيع اللبن بشاة فيها لبن ويحتمل المنع بناء على الوجه الآخر في الأصل وإن باع دينارا مغشوشا بمثله والغش فيهما متفاوت أو غير معلوم المقدار, لم يجز لأنه يخل بالتماثل المقصود وإن علم التساوي في الذهب والغش الذي فيهما خرج على الوجهين أولاهما الجواز لأنهما تماثلا في المقصود وفي غيره, ولا يفضي إلى التفاضل بالتوزيع بالقيمة لكون الغش غير مقصود فكأنه لا قيمة له. فصل:
ولو دفع إليه درهما فقال: أعطني بنصف هذا الدرهم نصف درهم, وبنصفه فلوسا أو حاجة أخرى جاز لأنه اشترى نصفا بنصف وهما متساويان, فصح كما لو دفع إليه درهمين وقال: بعني بهذا الدرهم فلوسا, وأعطني بالآخر نصفين وإن قال: أعطني بهذا الدرهم نصفا وفلوسا جاز أيضا لأن معناه ذلك ولأن ذلك لا يفضي إلى التفاضل بالتوزيع بالقيمة فإن قيمة النصف الذي في الدرهم كقيمة النصف الذي مع الفلوس يقينا, وقيمة الفلوس كقيمة النصف الآخر سواء. فصل
وما كان مشتملا على جنسين بأصل الخلقة, كالتمر الذي اشتمل على النوى وما عليه والحيوان المشتمل على لحم وشحم وغيره وأشباه ذلك, فهذا إذا قوبل بمثله جاز بيعه به ولا نظر إلى ما فيه, فإن (النبي - ﷺ - أجاز بيع التمر بالتمر والحيوان بالحيوان) وقد علم اشتمالهما على ما فيهما ولو باع ذلك بنوع غير مقصود فيه, كبيع التمر الذي فيه النوى بالنوى ففيه عن أحمد روايتان قد ذكرناهما فيما مضى, فأما العسل قبل تصفيته فقال أصحابنا: لا يجوز بيع بعضه ببعض لاشتماله على عسل وشمع وذلك بفعل النحل فأشبه السيف المحلى.
فصل: ويحرم الربا في دار الحرب, كتحريمه في دار الإسلام وبه قال مالك والأوزاعي وأبو يوسف, والشافعي وإسحاق وقال أبو حنيفة: لا يجري الربا بين مسلم وحربي في دار الحرب وعنه في مسلمين أسلما في دار الحرب لا ربا بينهما لما روى مكحول, عن النبي - ﷺ - أنه قال: (لا ربا بين المسلمين وأهل الحرب في دار الحرب). ولأن أموالهم مباحة وإنما حظرها الأمان في دار الإسلام فما لم يكن كذلك كان مباحا ولنا, قول الله تعالى: {وحرم الربا} [البقرة: 275]. وقوله: {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس} [البقرة: 275]. وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا} [البقرة: 278]. وعموم الأخبار يقتضي تحريم التفاضل وقوله: (من زاد أو ازداد فقد أربى). عام وكذلك سائر الأحاديث ولأن ما كان محرما في دار الإسلام كان محرما في دار الحرب كالربا بين المسلمين, وخبرهم مرسل لا نعرف صحته ويحتمل أنه أراد النهي عن ذلك ولا يجوز ترك ما ورد بتحريمه القرآن, وتظاهرت به السنة وانعقد الإجماع على تحريمه بخبر مجهول, لم يرد في صحيح ولا مسند ولا كتاب موثوق به, وهو مع ذلك مرسل محتمل ويحتمل أن المراد بقوله: (لا ربا) النهي عن الربا كقوله: {فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج} [البقرة: 197]. وما ذكروه من الإباحة منتقض بالحربي إذا دخل دار الإسلام فإن ماله مباح, إلا فيما حظره الأمان ويمكن حمله بين المسلمين على هيئة التفاضل وهو محرم بالإجماع, فكذا ها هنا.
مسألة: قال: [وإذا اشترى ذهبا بورق عينا بعين فوجد أحدهما فيما اشتراه عيبا, فله الخيار بين أن يرد أو يقبل إذا كان بصرف يومه وكان العيب يدخل عليه من غير جنسه] معنى قوله: " عينا بعين " هو أن يقول بعتك هذا الدينار بهذه الدراهم ويشير إليهما, وهما حاضران وبغير عينه أن يوقع العقد على موصوف غير مشار إليه, فيقول: بعتك دينارا مصريا بعشرة دراهم ناصرية وإن وقع القبض في المجلس وقد يكون أحد العوضين معينا دون الآخر وكل ذلك جائز والمشهور في المذهب, أن النقود تتعين بالتعيين في العقود فيثبت الملك في أعيانها فعلى هذا إذا تبايعا ذهبا بفضة مع التعيين فيهما, ثم تقابضا فوجد أحدهما بما قبضه عيبا لم يخل من قسمين: أحدهما, أن يكون العيب غشا من غير جنس المبيع مثل أن يجد الدراهم رصاصا أو نحاسا, أو فيه شيء من ذلك أو الدينار مسحا فالصرف باطل نص عليه أحمد, وهو قول الشافعي وذكر أبو بكر فيها ثلاث روايات إحداهن البيع باطل والثانية, البيع صحيح لأن البيع وقع على عينه وللمشتري الخيار بين الإمساك أو الرد, وأخذ البدل والثالثة يلزمه العقد وليس له رده, ولا بدله ولنا أنه باعه غير ما سمي له فلم يصح كما لو قال: بعتك هذه البغلة فإذا هو حمار, أو هذا الثوب القز فوجده كتانا وأما القول بأنه يلزمه المبيع فغير صحيح فإن اشترى معيبا لم يعلم عيبه فلم يلزمه ذلك بغير أرش, كسائر المبيعات ثم إن أبا بكر يقول فيمن دلس العيب: لا يصح بيعه مع وجود ذات المسمى في البيع فهاهنا مع اختلاف الذات أولى القسم الثاني أن يكون العيب من جنسه مثل كون الفضة سوداء, أو خشنة تتفطر عند الضرب أو سكتها مخالفة لسكة السلطان فالعقد صحيح, والمشتري مخير بين الإمساك وبين فسخ العقد والرد وليس له البدل لأن العقد واقع على عينه فإذا أخذ غيره أخذ ما لم يشتره, وإن قلنا: إن النقد لا يتعين بالتعيين في العقد فله أخذ البدل ولا يبطل العقد لأن الذي قبضه ليس هو المعقود عليه فأشبه السلم إذا قبضه, فوجد به عيبا وإن كان العيب في بعضه فله رد الكل أو إمساكه وهل له رد المعيب وإمساك الصحيح؟ على وجهين بناء على تفريق الصفقة, والحكم فيما إذا كان العوضان من جنس واحد كالحكم في الجنسين على ما ذكرنا لكن يتخرج على قول من منع بيع النوعين بنوع واحد من ذلك الجنس, أنه إذا وجد بعض العوض معيبا أن يبطل العقد في الجميع لأن الذي يقابل المعيب أقل من الذي يقابل الصحيح فيصير كمسألة مد عجوة ومذهب الشافعي مثل ما ذكرنا في هذا الفصل, سواء.
فصل: ولو أراد أخذ أرش العيب والعوضان في الصرف من جنس واحد لم يجز لحصول الزيادة في أحد العوضين, وفوات المماثلة المشترطة في الجنس الواحد وخرج القاضي وجها بجواز أخذ الأرش في المجلس لأن الزيادة طرأت بعد العقد وليس لهذا الوجه وجه فإن أرش العيب من العوض, يجبر به في المرابحة ويأخذ به الشفيع ويرد به, إذا رد المبيع بفسخ أو إقالة ولو لم يكن من العوض, فبأي شيء استحقه المشتري؟ فإنه ليس بهبة على أن الزيادة في المجلس من العوض ولو لم يكن أرشا, فالأرش أولى وإن كان الصرف بغير جنسه فله أخذ الأرش في المجلس لأن المماثلة غير معتبرة وتخلف قبض بعض العوض عن بعض ما داما في المجلس لا يضر فجاز, كما في سائر البيع وإن كان بعد التفرق لم يجز لأنه يفضي إلى حصول التفرق قبل القبض لأحد العوضين, إلا أن يجعلا الأرش من غير جنس الثمن كأنه أخذ أرش عيب الفضة قفيز حنطة فيجوز وكذلك الحكم في سائر أموال الربا فيما بيع بجنسه, أو بغير جنسه مما يشترط فيه القبض فإذا كان الأرش مما لا يشترط قبضه, كمن باع قفيز حنطة بقفيزي شعير فوجد أحدهما عيبا فأخذ أرشه درهما جاز وإن كان بعد التفرق لأنه لم يحصل التفرق قبل قبض ما شرط فيه القبض.
فصل: قول الخرقي: "إذا كان بصرف يومه" يعني الرد جائز, ما لم ينقص قيمة ما أخذه من النقد عن قيمته يوم اصطرفا فإن نقصت قيمته كأن أخذ عشرة بدينار, فصارت أحد عشر بدينار فظاهر كلام أحمد والخرقي أنه لا يملك الرد لأن المبيع تعيب في يده لنقص قيمته, وإن كانت قيمته قد زادت مثل أن صارت تسعة بدينار لم يمنع الرد لأنه زيادة, وليس بعيب والصحيح أن هذا لا يمنع الرد لأن تغير السعر ليس بعيب ولهذا لا يضمن في الغصب ولا يمنع من الرد بالعيب في القرض ولو كان عيبا, فإن ظاهر المذهب أنه إذا تعيب المبيع عند المشتري ثم ظهر على عيب قديم فله رده, ورد أرش العيب الحادث عنده وأخذ الثمن.
فصل: وإن تلف العوض في الصرف بعد القبض ثم علم عيبه, فسخ العقد ورد الموجود وتبقى قيمة العيب في ذمة من تلف في يده, فيرد مثلها أو عوضها إن اتفقا على ذلك سواء كان الصرف بجنسه أو بغير جنسه ذكره ابن عقيل, وهو قول الشافعي قال ابن عقيل: وقد روي عن أحمد جواز أخذ الأرش والأول أولى إلا أن يكونا في المجلس, والعوضان من جنسين.
فصل: إذا علم المصطرفان قدر العوضين جاز أن يتبايعا بغير وزن وكذلك لو أخبر أحدهما الآخر بوزن ما معه فصدقه, فإذا باع دينارا بدينار كذلك وافترقا فوجد أحدهما ما قبضه ناقصا, بطل الصرف لأنهما تبايعا ذهبا بذهب متفاضلا فإن وجد أحدهما فيما قبضه زيادة على الدينار نظرت في العقد فإن كان قال: بعتك هذا الدينار بهذا فالعقد باطل لأنه باع ذهبا بذهب متفاضلا, وإن قال: بعتك دينارا بدينار ثم تقابضا كان الزائد في يد القابض مشاعا مضمونا لمالكه لأنه قبضه على أنه عوض ولم يفسد العقد لأنه إنما باع دينارا بمثله, وإنما وقع القبض للزيادة على المعقود عليه فإن أراد دفع عوض الزائد جاز سواء كان من جنسه, أو من غير جنسه لأنه معاوضة مبتدأة وإن أراد أحدهما الفسخ فله ذلك لأن آخذ الزائد وجد المبيع مختلطا بغيره معيبا بعيب الشركة, ودافعه لا يلزمه أخذ عوضه إلا أن يكون في المجلس فيرد الزائد, ويدفع بدله ولو كان لرجل على رجل عشرة دنانير فوفاه عشرة عددا فوجدها أحد عشر, كان هذا الدينار الزائد في يد القابض مشاعا مضمونا لمالكه لأنه قبضه على أنه عوض عن ماله فكان مضمونا بهذا القبض ولمالكه التصرف فيه كيف شاء.
فصل: والدراهم والدنانير تتعين بالتعيين في النقد, بمعنى أنه يثبت الملك بالعقد فيما عيناه ويتعين عوضا فيه فلا يجوز إبداله, وإن خرج مغصوبا بطل العقد وبهذا قال مالك والشافعي وعن أحمد أنها لا تتعين بالعقد فيجوز إبدالها, ولا يبطل العقد بخروجها مغصوبة وهذا مذهب أبي حنيفة لأنه يجوز إطلاقها في العقد فلا تتعين بالتعيين فيه كالمكيال والصنجة ولنا, أنه عوض في عقد فيتعين بالتعيين كسائر الأعواض ولأنه أحد العوضين فيتعين بالتعيين كالآخر, ويفارق ما ذكروه فإنه ليس بعوض وإنما يراد لتقدير العقود عليه وتعريف قدره, ولا يثبت فيها الملك بحال بخلاف مسألتنا.
مسألة: قال: ( وإذا تبايعا ذلك بغير عينه فوجد أحدهما فيما اشتراه عيبا, فله البدل إذا كان العيب ليس بدخيل عليه من غير جنسه كالوضوح في الذهب والسواد في الفضة ) يعني اصطرفا في الذمة, نحو أن يقول: بعتك دينارا مصريا بعشرة دراهم فيقول الآخر: قبلت فيصح البيع سواء كانت الدراهم والدنانير عندهما أو لم يكونا, إذا تقابضا قبل الافتراق بأن يستقرضا أو غير ذلك وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وحكي عن مالك لا يجوز الصرف, إلا أن تكون العينان حاضرتين وعنه لا يجوز حتى تظهر إحدى العينين وتعين وعن زفر مثله لأن النبي - ﷺ - قال: (لا تبيعوا غائبا منها بناجز) ولأنه إذا لم يعين أحد العوضين كان بيع دين بدين, وهو غير جائز ولنا أنهما تقابضا في المجلس فصح كما لو كانا حاضرين والحديث يراد به أن لا يباع عاجل بآجل, أو مقبوض بغير مقبوض بدليل ما لو عين أحدهما فإنه يصح وإن كان الآخر غائبا والقبض في المجلس يجري مجرى القبض حالة العقد, ألا ترى إلى قوله: (عينا بعين) (يدا بيد) والقبض يجري في المجلس كذا التعين فإذا ثبت هذا فلا بد من تعيينهما بالتقابض في المجلس, ومتى تقابضا فوجد أحدهما بما قبضه عيبا قبل التفرق فله المطالبة بالبدل, سواء كان العيب من جنسه أو من غير جنسه لأن العقد وقع على مطلق لا عيب فيه, فله المطالبة بما وقع عليه العقد كالمسلم فيه وإن رضيه بعيبه والعيب من جنسه جاز, كما لو رضي بالمسلم فيه معيبا وإن اختار أخذ الأرش فإن كان العوضان من جنس واحد, لم يجز لإفضائه إلى التفاضل فيما يشترط فيه التماثل وإن كانا من جنسين جاز فأما إن تقابضا وافترقا ثم وجد العيب من جنسه, فله إبداله في إحدى الروايتين اختارها الخلال والخرقي وروى ذلك عن الحسن وقتادة وبه قال أبو يوسف ومحمد, وهو أحد قولي الشافعي لأن ما جاز إبداله قبل التفرق جاز بعده كالمسلم فيه والرواية الثانية, ليس له ذلك وهو قول أبي بكر ومذهب أبي حنيفة والقول الثاني للشافعي لأنه يقبضه بعد التفرق, ولا يجوز ذلك في الصرف ومن صار إلى الرواية الأولى قال: قبض الأول صح به العقد وقبض الثاني يدل على الأول ويشترط أن يأخذ البدل في مجلس الرد, فإن تفرقا من غير قبض بطل العقد وإن وجد البعض رديئا فرده فعلى الرواية الأولى له البدل, وعلى الثانية يبطل في المردود وهل يصح فيما لم يرد؟ على وجهين بناء على تفريق الصفقة ولا فرق بين كون المبيع من جنس أو من جنسين وقال مالك: إن وجد درهما زيفا فرضي به, جاز وإن رده انتقض الصرف في دينار, وإن رد أحد عشر درهما انتقض الصرف في دينارين وكلما زاد على دينار, انتقض الصرف في دينار آخر ولنا أن ما لا عيب فيه لم يرد فلم ينتقض الصرف فيما يقابله كسائر العوض وإن اختار واجد العيب الفسخ, فعلى قولنا له البدل ليس له الفسخ إذا أبدل له لأنه يمكنه أخذ حقه غير معيب وعلى الرواية الأخرى, له الفسخ أو الإمساك في الجميع لأنه تعذر عليه الوصول إلى ما عقد عليه مع إبقاء العقد فإن اختار أخذ أرش العيب بعد التفرق لم يكن له ذلك لأنه عوض يقبضه بعد التفرق عن الصرف, إلا على الرواية الأخرى.
فصل: ومن شرط المصارفة في الذمة أن يكون العوضان معلومين إما بصفة يتميزان بها, وإما أن يكون للبلد نقد معلوم أو غالب فينصرف الإطلاق إليه ولو قال: بعتك دينارا مصريا بعشرين درهما من نقد عشرة بدينار لم يصح, إلا أن لا يكون في البلد نقد عشرة بدينار إلا نوع واحد فتنصرف تلك الصفة إليه وكذلك الحكم في البيع.
فصل: إذا كان لرجل في ذمة رجل ذهب, وللآخر عليه دراهم فاصطرفا بما في ذمتهما لم يصح, وبهذا قال الليث والشافعي وحكي ابن عبد البر عن مالك وأبي حنيفة جوازه لأن الذمة الحاضرة كالعين الحاضرة ولذلك جاز أن يشتري الدراهم بدنانير من غير تعيين ولنا أنه بيع دين بدين, ولا يجوز ذلك بالإجماع قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن بيع الدين بالدين لا يجوز وقال أحمد: إنما هو إجماع وقد روى أبو عبيد في الغريب (أن النبي - ﷺ - نهى عن بيع الكالئ بالكالئ) وفسره بالدين بالدين إلا أن الأثرم روى عن أحمد أنه سئل: أيصح في هذا حديث؟ قال: لا وإنما صح الصرف بغير تعيين بشرط أن يتقابضا في المجلس, فجرى القبض والتعيين في المجلس مجرى وجوده حالة العقد ولو كان لرجل على رجل دنانير فقضاه دراهم شيئا بعد شيء نظرت فإن كان يعطيه كل درهم بحسابه من الدينار, صح نص عليه أحمد وإن لم يفعل ذلك ثم تحاسبا بعد ذلك فصارفه بها وقت المحاسبة لم يجز نص عليه أيضا لأن الدنانير دين, والدراهم صارت دينا فيصير بيع دين بدين وإن قبض أحدهما من الآخر ماله عليه ثم صارفه بعين وذمة, صح وإذا أعطاه الدراهم شيئا بعد شيء ولم يقضه ذلك وقت دفعها إليه ثم أحضرها, وقوماها فإنه يحتسب بقيمتها يوم القضاء لا يوم دفعها إليه لأنها قبل ذلك لم تصر في ملكه, إنما هي وديعة في يده فإن تلفت أو نقصت, فهي من ضمان مالكها ويحتمل أن تكون من ضمان القابض لها إذا قبضها بنية الاستيفاء لأنها مقبوضة على أنها عوض ووفاء والمقبوض في عقد فاسد كالمقبوض في العقد الصحيح, فيما يرجع إلى الضمان وعدمه ولو كان لرجل عند صيرفي دنانير فأخذ منه دراهم إدرارا لتكون هذه بهذه لم يكن كذلك, بل كل واحد منهما في ذمة من قبضه فإذا أراد التصارف أحضرا أحدهما واصطرفا بعين وذمة.
فصل: ويجوز اقتضاء أحد النقدين من الأخر, ويكون صرفا بعين وذمة في قول أكثر أهل العلم ومنع منه ابن عباس, وأبو سلمة بن عبد الرحمن وابن شبرمة وروى ذلك عن ابن مسعود لأن القبض شرط وقد تخلف ولنا, ما روى أبو داود والأثرم في " سننهما ", عن ابن عمر قال: (كنت أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم, وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير آخذ هذه من هذه وأعطى هذه من هذه, فأتيت النبي - ﷺ - في بيت حفصة فقلت: يا رسول الله رويدك, أسألك إني أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير, وآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير, آخذ هذه من هذه وأعطى هذه من هذه؟ فقال رسول الله: - ﷺ - لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء) قال أحمد: إنما يقضيه إياها بالسعر لم يختلفوا أنه يقضيه إياها بالسعر, إلا ما قال أصحاب الرأي إنه يقضيه مكانها ذهبا على التراضي لأنه بيع في الحال فجاز ما تراضيا عليه إذا اختلف الجنس, كما لو كان العوض عرضا ووجه الأول قول النبي: - ﷺ - " لا بأس أن تأخذها بسعر يومها " وروى عن ابن عمر: أن بكر بن عبد الله المزني ومسروقا العجلي سألاه عن كرى لهما, له عليهما دراهم وليس معهما إلا دنانير؟ فقال ابن عمر: أعطوه بسعر السوق ولأن هذا جرى مجرى القضاء فيقيد بالمثل, كما لو قضاه من الجنس والتماثل ها هنا من حيث القيمة لتعذر التماثل من حيث الصورة قيل لأبي عبد الله: فإن أهل السوق يتغابنون بينهم بالدانق في الدينار وما أشبهه؟ فقال: إذا كان مما يتغابن الناس به فسهل فيه ما لم يكن حيلة, ويزاد شيئا كثيرا. فصل: فإن كان المقضى الذي في الذمة مؤجلا فقد توقف أحمد فيه وقال القاضي: يحتمل وجهين أحدهما المنع وهو قول مالك ومشهور قولي الشافعي لأن ما في الذمة لا يستحق قبضه, فكان القبض ناجزا في أحدهما والناجز يأخذ قسطا من الثمن والآخر الجواز وهو قول أبي حنيفة لأنه ثابت في الذمة بمنزلة المقبوض, فكأنه رضي بتعجيل المؤجل والصحيح الجواز إذا قضاه بسعر يومها ولم يجعل للمقضي فضلا لأجل تأجيل ما في الذمة لأنه إذا لم ينقصه عن سعرها شيئا, فقد رضي بتعجيل ما في الذمة بغير عوض فأشبه ما لو قضاه من جنس الدين ولم يستفصل النبي - ﷺ - ابن عمر حين سأله, ولو افترق الحال لسأل واستفصل. فصل:
قال أحمد: ولو كان لرجل على رجل عشرة دراهم فدفع إليه دينارا فقال: استوف حقك منه فاستوفاه بعد يومين, جاز ولو كان عليه دنانير فوكل غريمه في بيع داره واستيفاء حقه من ثمنها, فباعها بدراهم لم يجز أن يأخذ منها قدر حقه لأنه لم يأذن له في مصارفة نفسه ولأنه متهم ولو باع جارية بدنانير, فأخذ بها دراهم فردت الجارية بعيب أو إقالة لم يكن للمشتري إلا الدنانير لأنه الثمن الذي وقع عليه العقد, وإنما أخذ الدراهم بعقد صرف مستأنف نص أحمد على هذه المسائل. فصل:
إذا كان عليه دين مؤجل فقال لغريمه: ضع عني بعضه وأعجل لك بقيته لم يجز كرهه زيد بن ثابت, وابن عمر والمقداد وسعيد بن المسيب, وسالم والحسن وحماد, والحكم والشافعي ومالك, والثوري وهشيم وابن علية, وإسحاق وأبو حنيفة وقال المقداد لرجلين فعلا ذلك: كلاكما قد آذن بحرب من الله ورسوله وروى عن ابن عباس: أنه لم ير به بأسا وروى ذلك عن النخعي وأبي ثور لأنه آخذ لبعض حقه, تارك لبعضه فجاز كما لو كان الدين حالا وقال الخرقي: لا بأس أن يعجل المكاتب لسيده, ويضع عنه بعض كتابته ولنا أنه بيع الحلول فلم يجز كما لو زاده الذي له الدين, فقال له: أعطيك عشرة دراهم وتعجل لي المائة التي عليك فأما المكاتب فإن معاملته مع سيده وهو يبيع بعض ماله ببعض فدخلت المسامحة فيه ولأنه سبب للعتق, فسومح فيه بخلاف غيره. مسألة:
قال [فإن كان العيب دخيلا عليه من غير جنسه كان الصرف فيه فاسدا] يعني إذا وجد أحدهما ما قبضه مغشوشا بغش من غير جنسه, فينظر فيه فإن كان الصرف عينا بعين فهو فاسد لما أسلفناه وإن كان بغير عين وعلم ذلك في المجلس, فرده وأخذ بدله فالصرف صحيح لأنه عين المعقود عليه, وإن افترقا قبل رده فالصرف فيه فاسد أيضا لأنهما تفرقا قبل قبض المعقود عليه ولم يقبض ما يصلح عوضا عن المعقود عليه وهذا ظاهر كلام الخرقي وقيل عن أحمد: إنه إذا أخذ البدل في مجلس الرد, لم يبطل كما لو كان العيب من جنسه وهذا فيما إذا لم يكن مشترى المعيب عالما بعيبه فأما إن علم بعيبه, فاشتراه على ذلك والعيب من جنسه جاز, ولا خيار له ولا بدل وإن كان من غير جنسه وكان الصرف ذهبا بذهب, أو فضة بمثلها فالصرف فيه فاسد لأنه يخل بالتماثل إلا أن يبيع ذهبا أو فضة مغشوشا بمثل غشه, كبيعه دينارا صوريا بمثله مع علمه بتساوي غشهما وقد ذكرنا أن الظاهر جوازه وإن باع مغشوشا بغير مغشوش, لم يجز إلا أن يكون للغش قيمة فيخرج على مسألة مد عجوة وإن كان الصرف في جنسين, كذهب بفضة انبنى على إنفاق المغشوشة. فصل:
وفي إنفاق المغشوش من النقود روايتان أظهرهما الجواز, نقل صالح عنه في دراهم يقال لها المسيبية عامتها نحاس إلا شيئا فيها فضة فقال: إذا كان شيئا اصطلحوا عليه مثل الفلوس, اصطلحوا عليها فأرجو ألا يكون بها بأس والثانية التحريم نقل حنبل في دراهم يخلط فيها مش ونحاس يشتري بها ويباع, فلا يجوز أن يبتاع بها أحد كل ما وقع عليه اسم الغش فالشراء به والبيع حرام وقال أصحاب الشافعي: إن كان الغش مما لا قيمة له جاز الشراء بها وإن كان مما له قيمة, ففي جواز إنفاقها وجهان واحتج من منع إنفاق المغشوشة بقول النبي - ﷺ -: (من غشنا فليس منا) وبأن عمر رضي الله عنه نهى عن بيع نفاية بيت المال ولأن المقصود فيه مجهول أشبه تراب الصاغة, والأولى أن يحمل كلام أحمد في الجواز على الخصوص فيما ظهر غشه واصطلح عليه فإن المعاملة به جائزة, إذ ليس فيه أكثر من اشتماله على جنسين لا غرر فيهما فلا يمنع من بيعهما كما لو كانا متميزين ولأن هذا مستفيض في الأعصار, جار بينهم من غير نكير وفي تحريمه مشقة وضرر وليس شراؤه بها غشا للمسلمين, ولا تغريرا لهم والمقصود منها ظاهر مرئي معلوم بخلاف تراب الصاغة ورواية المنع محمولة على ما يخفى غشه, ويقع اللبس به فإن ذلك يفضي إلى التغرير بالمسلمين وقد أشار أحمد إلى هذا في رجل اجتمعت عنده دراهم زيوف, ما يصنع بها؟ قال: يسبكها قيل له: فيبيعها بدنانير؟ قال: لا قيل: يبيعها بفلوس؟ قال: لا قيل فبسلعة؟ قال: لا إني أخاف أن يغر بها مسلما قيل لأبي عبد الله: أيتصدق بها؟ قال: إني أخاف أن يغر بها مسلما وقال: ما ينبغي له لأنه يغر بها المسلمين ولا أقول إنه حرام لأنه على تأويل, وذلك إنما كرهته لأنه يغر بها مسلما فقد صرح بأنه إنما كرهه لما فيه من التغرير بالمسلمين وعلى هذا يحمل منع عمر نفاية بيت المال لما فيه من التغرير بالمسلمين فإن مشتريها ربما خلطها بدراهم جيدة, واشترى بها ممن لا يعرف حالها ولو كانت مما اصطلح على إنفاقه لم يكن نفاية فإن قيل: فقد روى عن عمر أنه قال: من زافت عليه دراهمه فليخرج بها إلى البقيع, فليشتر بها سحق الثياب وهذا دليل على جواز إنفاق المغشوشة التي لم يصطلح عليها قلنا: قد قال أحمد: معنى زافت عليه دراهمه أي نفيت ليس أنها زيوف فيتعين حمله على هذا جمعا بين الروايتين عنه ويحتمل أنه أراد ما ظهر غشه وبان زيفه, بحيث لا يخفى على أحد ولا يحصل بها تغرير وإن تعذر تأويلها تعارضت الروايتان عنه, ويرجع إلى ما ذكرنا من المعنى ولا فرق بين ما كان غشه ذا بقاء وثبات كالرصاص, والنحاس وما لا ثبات له كالزرنيخية, والأندرانية وهو زرنيخ ونورة يطلى عليه فضة فإذا دخل النار استهلك الغش, وذهب. مسألة:
قال: [ومتى انصرف المتصارفان قبل التقابض فلا بيع بينهما] الصرف: بيع الأثمان بعضها ببعض والقبض في المجلس شرط لصحته بغير خلاف قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المتصارفين إذا افترقا قبل أن يتقابضا أن الصرف فاسد والأصل فيه قول النبي - ﷺ -: (الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء) وقوله عليه السلام (بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يدا بيد) (ونهى النبي - ﷺ- عن بيع الذهب بالورق دينا, ونهى أن يباع غائب منها بناجز) كلها أحاديث صحاح ويجزئ القبض في المجلس وإن طال, ولو تماشيا مصطحبين إلى منزل أحدهما أو إلى الصراف فتقابضا عنده, جاز وبهذا قال الشافعي وقال مالك: لا خير في ذلك لأنهما فارقا مجلسهما ولنا أنهما لم يفترقا قبل التقابض فأشبه ما لو كانا في سفينة تسير بهما أو راكبين على دابة واحدة تمشي بهما وقد دل على ذلك حديث أبي برزة الأسلمي في قوله للذين مشيا إليه من جانب العسكر: وما أراكما افترقتما وإن تفرقا قبل التقابض بطل الصرف لفوات شرطه وإن قبض البعض, ثم افترقا بطل فيما لم يقبض وفيما يقابله من العوض وهل يصح في المقبوض؟ على وجهين, بناء على تفريق الصفقة ولو وكل أحدهما وكيلا في القبض فقبض الوكيل قبل تفرقهما جاز, وقام قبض وكيله مقام قبضه سواء فارق الوكيل المجلس قبل القبض أو لم يفارقه وإن افترقا قبل قبض الوكيل, بطل لأن القبض في المجلس شرط وقد فات وإن تخايرا قبل القبض في المجلس لم يبطل العقد بذلك لأنهما لم يفترقا قبل القبض ويحتمل أن يبطل إذا قلنا بلزوم العقد, وهو مذهب الشافعي لأن العقد لم يبق فيه خيار قبل القبض أشبه ما لو افترقا والصحيح الأول فإن الشرط التقابض في المجلس, وقد وجد واشتراط التقابض قبل اللزوم تحكم بغير دليل ثم يبطل بما إذا تخايرا قبل الصرف ثم اصطرفا, فإن الصرف يقع لازما صحيحا قبل القبض ثم يشترط القبض في المجلس. فصل:
ولو صارف رجلا دينارا بعشرة دراهم وليس معه إلا خمسة دراهم, لم يجز أن يتفرقا قبل قبض العشرة كلها فإن قبض الخمسة وافترقا بطل الصرف في نصف الدينار وهل يبطل فيما يقابل الخمسة المقبوضة؟ على وجهين, بناء على تفريق الصفقة وإن أراد التخلص فسخا الصرف في النصف الذي ليس معه عوضه أو يفسخان العقد كله, ثم يشتري منه نصف الدينار بخمسة ويدفعها إليه ثم يأخذ الدينار كله, فيكون ما اشتراه منه له وما بقي أمانة في يده ثم يفترقان, ثم إذا صارفه بعد ذلك بالباقي له من الدينار أو اشترى به منه شيئا أو جعله سلما في شيء أو وهبه له, جاز وكذلك إن وكله فيه ولو اشترى فضة بدينار ونصف ودفع إلى البائع دينارين, وقال: أنت وكيلي في نصف الدينار الزائد صح ولو صارفه عشرة دراهم بدينار فأعطاه أكثر من دينار ليزن له حقه في وقت آخر, جاز وإن طال ويكون الزائد أمانة في يده, لا شيء عليه في تلفه نص أحمد على أكثر هذه المسائل فإن لم يكن مع أحدهما إلا خمسة دراهم فاشترى بها نصف دينار وقبض دينارا كاملا, ودفع إليه الدراهم ثم اقترضها منه فاشترى بها النصف الباقي, أو اشترى الدينار منه بعشرة ابتداء ودفع إليه الخمسة ثم اقترضها منه, ودفعها إليه عوضا عن النصف الآخر على غير وجه الحيلة فلا بأس. فصل:
وإذا باع مدي تمر رديء بدرهم ثم اشترى بالدرهم تمرا جنيبا, أو اشترى من رجل دينارا صحيحا بدراهم وتقابضاها ثم اشترى منه بالدراهم قراضة من غير مواطأة, ولا حيلة فلا بأس به وقال ابن أبي موسى: لا يجوز إلا أن يمضي إلى غيره ليبتاع منه, فلا يستقيم له فيجوز أن يرجع إلى البائع فيبتاع منه وقال أحمد في رواية الأثرم: يبيعها من غيره أحب إلى قلت له: قال لم يعلمه أنه يريد أن يبيعها منه؟ فقال: يبيعها من غيره, فهو أطيب لنفسه وأحرى أن يستوفي الذهب منه فإنه إذا ردها إليه لعله أن لا يوفيه الذهب ولا يحكم الوزن, ولا يستقصى يقول: هي ترجع إليه قيل لأبي عبد الله: فذهب ليشتري الدراهم بالذهب الذي أخذها منه من غيره فلم يجدها, فرجع إليه؟ فقال: إذا كان لا يبالي اشترى منه أو من غيره فنعم فظاهر أن هذا على وجه الاستحباب لا الإيجاب ولعل أحمد إنما أراد اجتناب المواطأة على هذا, ولهذا قال: إذا كان لا يبالي اشترى منه أو من غيره فنعم وقال مالك: إن فعل ذلك مرة جاز, وإن فعله أكثر من مرة لم يجز لأنه يضارع الربا ولنا ما روى أبو سعيد قال: (جاء بلال إلى النبي - ﷺ - بتمر برني, فقال له النبي - ﷺ - : من أين هذا؟ قال بلال: كان عندنا تمر رديء فبعت صاعين بصاع ليطعم النبي - ﷺ - فقال له النبي - ﷺ -: أوه عين الربا, لا تفعل ولكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر ببيع آخر, ثم اشتر به) وروى أيضا أبو سعيد وأبو هريرة: (أن رسول الله - ﷺ - استعمل رجلا على خيبر فجاءه بتمر جنيب, فقال: أكل تمر خيبر هكذا؟ قال: لا والله إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة فقال رسول الله - ﷺ -: لا تفعل بع التمر بالدراهم, ثم اشتر بالدراهم جنيبا) متفق عليهما ولم يأمره أن يبيعه من غير من يشتري منه ولو كان ذلك محرما لبينه له وعرفه إياه ولأنه باع الجنس بغيره من غير شرط, ولا مواطأة فجاز كما لو باعه من غيره ولأن ما جاز من البياعات مرة, جاز على الإطلاق كسائر البياعات فأما إن تواطآ على ذلك لم يجز وكان حيلة محرمة, وبه قال مالك وقال أبو حنيفة والشافعي: يجوز ما لم يكن مشروطا في العقد ولنا أنه إذا كان عن مواطأة كان حيلة, والحيل محرمة على ما سنذكره. فصل:
والحيل كلها محرمة غير جائزة في شيء من الدين وهو أن يظهر عقدا مباحا يريد به محرما, مخادعة وتوسلا إلى فعل ما حرم الله واستباحة محظوراته أو إسقاط واجب, أو دفع حق ونحو ذلك قال أيوب السختياني: إنهم ليخادعون الله كأنما يخادعون صبيا, لو كانوا يأتون الأمر على وجهه كان أسهل على فمن ذلك ما لو كان مع رجل عشرة صحاح ومع الآخر خمسة عشر مكسرة فاقترض كل واحد منهما ما مع صاحبه, ثم تباريا توصلا إلى بيع الصحاح بالمكسرة متفاضلا أو باعه الصحاح بمثلها من المكسرة, ثم وهبه الخمسة الزائدة أو اشترى منه بها أوقية صابون أو نحوها ما يأخذه بأقل من قيمته, أو اشترى منه بعشرة إلا حبة من الصحيح مثلها من المكسرة ثم اشترى منه بالحبة الباقية ثوبا قيمته خمسة دنانير وهكذا لو أقرضه شيئا أو باعه سلعة بأكثر من قيمتها, أو اشترى منه سلعة بأقل من قيمتها توصلا إلى أخذ عوض عن القرض فكل ما كان من هذا على وجه الحيلة فهو خبيث محرم وبهذا قال مالك وقال أبو حنيفة والشافعي: ذلك كله وأشباهه جائز, إذا لم يكن مشروطا في العقد وقال بعض أصحاب الشافعي: يكره أن يدخلا في البيع على ذلك لأن كل ما لا يجوز شرطه في العقد يكره أن يدخلا عليه ولنا أن الله تعالى عذب أمة بحيلة احتالوها فمسخهم قردة, وسماهم معتدين وجعل ذلك نكالا وموعظة للمتقين ليتعظوا بهم ويمتنعوا من مثل أفعالهم وقال بعض المفسرين في قوله تعالى: {وموعظة للمتقين} [البقرة: 66]. أي لأمة محمد - ﷺ- فروى أنهم كانوا ينصبون شباكهم للحيتان يوم الجمعة, ويتركونها إلى يوم الأحد ومنهم من كان يحفر حفائر ويجعل إليها مجاري, فيفتحها يوم الجمعة فإذا جاء السمك يوم السبت جرى مع الماء في المجاري, فيقع في الحفائر فيدعها إلى يوم الأحد ثم يأخذها, ويقول: ما اصطدت يوم السبت ولا اعتديت فيه فهذه حيلة وقال النبي - ﷺ -: (من أدخل فرسا بين فرسين وقد أمن أن يسبق, فهو قمار ومن أدخل فرسا بين فرسين وهو لا يأمن أن يسبق, فليس بقمار) رواه أبو داود وغيره فجعله قمارا مع إدخاله الفرس الثالث لكونه لا يمنع معنى القمار وهو كون كل واحد من المتسابقين لا ينفك عن كونه آخذا, أو مأخوذا منه وإنما دخل صورة تحيلا على إباحة المحرم, وسائر الحيل مثل ذلك ولأن الله تعالى إنما حرم هذه المحرمات لمفسدتها والضرر الحاصل منها ولا تزول مفسدتها مع إبقاء معناها بإظهارهما صورة غير صورتها, فوجب أن لا يزول التحريم كما لو سمى الخمر بغير اسمها لم يبح ذلك شربها, وقد جاء عن النبي - ﷺ - أنه قال: (ليستحلن قوم من أمتى الخمر يسمونها بغير اسمها) ومن الحيل في غير الربا أنهم يتوصلون إلى بيع الشيء المنهي عنه أن يستأجر بياض أرض البستان بأمثال أجرته, ثم يساقيه على ثمر شجره بجزء من ألف جزء للمالك وتسعمائة وتسعة وتسعون للعامل ولا يأخذ منه المالك شيئا, ولا يريد ذلك وإنما قصد بيع الثمرة قبل بدو صلاحها بما سماه أجرة والعامل لا يقصد أيضا سوى ذلك, وربما لا ينتفع بالأرض التي سمى الأجرة في مقابلتها ومتى لم يخرج الثمر أو أصابته جائحة, جاء المستأجر يطلب الجائحة ويعتقد أنه إنما بذل ماله في مقابلة الثمرة لا غير ورب الأرض يعلم ذلك. فصل:
ولو اشترى شيئا بمكسرة, لم يجز أن يعطيه صحيحا أقل منها قال أحمد: هذا هو الربا المحض وذلك لأنه يأخذ عوض الفضة أقل منها فيحصل التفاضل بينهما ولو اشتراه بصحيح لم يجز أن يعطيه مكسرة أكثر منها كذلك فإن تفاسخا البيع, ثم عقدا بالصحاح أو بالمكسرة جاز ولو اشترى ثوبا بنصف دينار لزمه نصف دينار شق, فإن عاد فاشترى شيئا آخر بنصف آخر لزمه نصف شق أيضا فإن وفاه دينارا صحيحا بطل العقد الثاني لأنه تضمن اشتراط زيادة ثمن العقد الأول, وإن كان ذلك قبل لزوم العقد الأول بطل أيضا لأنه وجد ما يفسده قبل انبرامه وإن كان بعد تفرقهما فلزومه لم يؤثر ذلك فيه, ولا يلزمه أكثر من ثمنه الذي عقد البيع به ومذهب الشافعي في هذا كما ذكرنا. فصل:
إذا كان له عند رجل دينار وديعة فصارفه به وهو معلوم بقاؤه, أو مظنون صح الصرف وإن ظن أنه غير موجود لم يصح الصرف لأن حكمه حكم المعدوم وإن شك فيه فقال ابن عقيل: يصح وهو قول بعض الشافعية وقال القاضي: لا يصح لأنه غير معلوم البقاء وهو منصوص الشافعي ووجه الأول, أن الأصل بقاؤه فصح البناء عليه عند الشك فإن الشك لا يزيل اليقين ولذلك صح بيع الحيوان الغائب المشكوك في حياته, فإن تبين أنه كان تالفا حين العقد تبينا أن العقد وقع باطلا. فصل:
ولا يجوز بيع تراب الصاغة والمعدن بشيء من جنسه لأنه مال ربا بيع بجنسه على وجه لا تعلم المماثلة بينهما فلم يصح, كبيع الصبرة بالصبرة وإن بيع بغير جنسه فحكى ابن المنذر عن أحمد كراهة بيع تراب المعادن وهو قول عطاء, والشافعي والشعبي والثوري, والأوزاعي وإسحاق لأنه مجهول وقال ابن أبي موسى في [الإرشاد] : يجوز ذلك وهو قول مالك وروى ذلك عن الحسن والنخعي, وربيعة والليث قالوا: فإن اختلط, أو أشكل فليبعه بعرض ولا يبعه بعين ولا ورق لأنه باعه بما لا ربا فيه فجاز كما لو اشترى ثوبا بدينار ودرهم. فصل:
ولا يجوز أن يشتري أكثر من خمسة أوسق, فيما زاد على صفقة سواء اشتراها من واحد أو من جماعة وقال الشافعي: يجوز للإنسان بيع جميع ثمر حائطه عرايا من رجل واحد, ومن رجال في عقود متكررة لعموم حديث زيد وسهل ولأن كل عقد جاز مرة, جاز أن يتكرر كسائر البيوع ولنا عموم النهي عن المزابنة, استثنى منه العرية فيما دون خمسة أوسق فما زاد يبقى على العموم في التحريم ولأن ما لا يجوز عليه العقد مرة إذا كان نوعا واحدا لا يجوز في عقدين, كالذي على وجه الأرض وكالجمع بين الأختين فأما حديث سهل فإنه مقيد بالنخلة والنخلتين بدليل ما روينا, فيدل على تحريم الزيادة عليهما ثم إن المطلق يحمل على المقيد كما في العقد الواحد فأما إن باع رجل عريتين من رجلين فيهما أكثر من خمسة أوسق جاز وقال أبو بكر والقاضي: لا يجوز لما ذكرنا في المشتري ولنا أن المغلب في التجويز حاجة المشتري بدليل ما روى محمود بن لبيد قال: (قلت لزيد بن ثابت: ما عراياكم هذه؟ فسمى رجالا محتاجين من الأنصار شكوا إلى رسول الله أن الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يبتاعون به رطبا يأكلونه, وعندهم فضول من التمر فرخص لهم أن يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر الذي في أيديهم يأكلونه رطبا) وإذا كان سبب الرخصة حاجة المشتري لم تعتبر حاجة البائع إلى البيع, فلا يتقيد في حقه بخمسة أوسق ولأننا لو اعتبرنا الحاجة من المشتري وحاجة البائع إلى البيع أفضى إلى أن لا يحصل الإرفاق إذ لا يكاد يتفق وجود الحاجتين, فتسقط الرخصة فإن قلنا: لا يجوز ذلك بطل العقد الثاني فإن اشترى عريتين أو باعهما وفيهما أقل من خمسة أوسق, جاز وجها واحدا الفصل الثالث:
أنه لا يشترط في بيع العرية أن تكون موهوبة لبائعها هذا ظاهر كلام أصحابنا وبه قال الشافعي وظاهر قول الخرقي أنه شرط وقد روى الأثرم, قال: سمعت أحمد سئل عن تفسير العرايا فقال: العرايا أن يعري الرجل الجار أو القرابة للحاجة أو المسكنة فللمعري أن يبيعها ممن شاء وقال مالك: بيع العرايا الجائز هو أن يعري الرجل الرجل نخلات من حائطه ثم يكره صاحب الحائط دخول الرجل المعري لأنه ربما كان مع أهله في الحائط, فيؤذيه دخول صاحبه عليه فيجوز أن يشتريها منه واحتجوا بأن العرية في اللغة هبة ثمرة النخيل عاما قال أبو عبيد: الإعراء أن يجعل الرجل للرجل ثمرة نخله عامها ذلك قال الشاعر الأنصاري يصف النخل: ليست بسنهاء ولا رجبية ** ولكن عرايا في السنين الجوائح يقول: إنا نعريها الناس فتعين صرف اللفظ إلى موضوعه لغة ومقتضاه في العربية, ما لم يوجد ما يصرفه عن ذلك ولنا حديث زيد بن ثابت وهو حجة على مالك, في تصريحه بجواز بيعها من غير الواهب ولأنه لو كان لحاجة الواهب لما اختص بخمسة أوسق لعدم اختصاص الحاجة بها ولم يجز بيعها بالتمر لأن الظاهر من حال صاحب الحائط الذي له النخيل الكثير يعريه الناس, أنه لا يعجز عن أداء ثمن العرية وفيه حجة على من اشترط كونها موهوبة لبائعها لأن علة الرخصة حاجة المشتري إلى أكل الرطب ولا ثمن معه سوى التمر, فمتى وجد ذلك جاز البيع ولأن اشتراط كونها موهوبة مع اشتراط حاجة المشتري إلى أكلها رطبا ولا ثمن معه, يفضي إلى سقوط الرخصة إذ لا يكاد يتفق ذلك ولأن ما جاز بيعه إذا كان موهوبا جاز وإن لم يكن موهوبا, كسائر الأموال وما جاز بيعه لواهبه جاز لغيره, كسائر الأموال وإنما سمى عرية لتعريه عن غيره وإفراده بالبيع. الفصل الرابع:
أنه إنما يجوز بيعها بخرصها من التمر, لا أقل منه ولا أكثر ويجب أن يكون التمر الذي يشتري به معلوما بالكيل ولا يجوز جزافا لا نعلم في هذا عند من أباح بيع العرايا اختلافا لما روى زيد بن ثابت (أن رسول الله - ﷺ- أرخص في العرايا أن تباع بخرصها كيلا) متفق عليه ولمسلم أن تؤخذ بمثل خرصها تمرا يأكلها أهلها رطبا ولأن الأصل اعتبار الكيل من الطرفين, سقط في أحدهما للتعذر فيجب في الآخر بقضية الأصل ولأن ترك الكيل من الطرفين يكثر الغرر وفي تركه من أحدهما يقلل الغرر, ولا يلزم من صحته مع قلة الغرر صحته مع كثرته ومعنى خرصها بمثلها من التمر أن يطيف الخارص بالعرية, فينظر كم يجيء منها تمرا فيشتريها المشتري بمثلها تمرا وبهذا قال الشافعي ونقل حنبل عن أحمد أنه قال: يخرصها رطبا, ويعطي تمرا رخصة وهذا يحتمل الأول ويحتمل أنه يشتريها بتمر مثل الرطب الذي عليها لأنه بيع اشترطت المماثلة فيه فاعتبرت حال البيع كسائر البيوع ولأن الأصل اعتبار المماثلة في الحال, وأن لا يباع الرطب بالتمر خولف الأصل في بيع الرطب بالتمر فيبقى فيما عداه على قضية الدليل وقال القاضي: الأول أصح لأنه يبني على خرص الثمار في العشر والصحيح ثم خرصه تمرا ولأن المماثلة في بيع التمر بالتمر معتبرة حالة الادخار, وبيع الرطب بمثله تمرا يفضي إلى فوات ذلك فأما إن اشتراها بخرصها رطبا لم يجز وهذا أحد الوجوه لأصحاب الشافعي والثاني يجوز والثالث لا يجوز مع اتفاق النوع, ويجوز مع اختلافه ووجه جوازه ما روى الجوزجاني عن أبي صالح, عن الليث عن ابن شهاب عن سالم, عن ابن عمر عن زيد بن ثابت (عن رسول الله - ﷺ - أنه أرخص بعد ذلك في بيع العرية بالرطب أو التمر, ولم يرخص في غير ذلك) ولأنه إذا جاز بيع الرطب بالتمر مع اختصاص أحدهما بالنقص في ثاني الحال فلأن يجوز مع عدم ذلك أولى ولنا ما روى مسلم بإسناده عن زيد بن ثابت (أن رسول الله - ﷺ - أرخص في العرايا أن تؤخذ بمثل خرصها تمرا) وعن سهل بن أبي حثمة (أن رسول الله - ﷺ - نهى عن بيع الثمر بالتمر, وقال: ذلك الربا تلك المزابنة إلا أنه رخص في العرية النخلة والنخلتين, يأخذها أهل البيت بخرصها تمرا يأكلونها رطبا) ولأنه مبيع يجب فيه مثله تمرا فلم يجز بيعه بمثله رطبا, كالتمر الجاف ولأن من له رطب فهو مستغن عن شراء الرطب بأكل ما عنده وبيع العرايا يشترط فيه حاجة المشتري على ما أسلفناه وحديث ابن عمر شك في الرطب والتمر, فلا يجوز العمل به مع الشك سيما وهذه الأحاديث تبينه وتزيل الشك. فصل:
ويشترط في بيع العرايا التقابض في المجلس وهذا قول الشافعي, ولا نعلم فيه مخالفا لأنه بيع تمر بتمر فاعتبر فيه شروطه إلا ما استثناه الشرع مما لا يمكن اعتباره في بيع العرايا والقبض في كل واحد منهما على حسبه, ففي التمر اكتياله أو نقله وفي الثمرة التخلية وليس من شروطه حضور التمر عند النخيل بل لو تبايعا بعد معرفة التمر والثمرة, ثم مضيا جميعا إلى النخلة فسلمها إلى مشتريها ثم مشيا إلى التمر فتسلمه من مشتريها, أو تسلم التمر ثم مضيا إلى النخلة جميعا فسلمها إلى مشتريها أو سلم النخلة ثم مضيا إلى التمر فتسلمه, جاز لأن التفرق لا يحصل قبل القبض إذا ثبت هذا فإن بيع العرية يقع على وجهين أحدهما أن يقول: بعتك ثمرة هذه النخلة بكذا وكذا من التمر ويصفه والثاني, أن يكيل من التمر بقدر خرصها ثم يقول: بعتك هذا بهذا أو يقول: بعتك ثمرة هذه النخلة بهذا التمر, ونحو هذا وإن باعه بمعين فقبضه بنقله وأخذه وإن باع بموصوف فقبضه باكتياله. الفصل الخامس:
أنه لا يجوز بيعها إلا لمحتاج إلى أكلها رطبا ولا يجوز بيعها لغني وهذا أحد قولي الشافعي, وأباحها في القول الآخر مطلقا لكل أحد لأن كل بيع جاز للمحتاج جاز للغني كسائر البياعات, ولأن حديث أبي هريرة وسهل مطلقان ولنا حديث (زيد بن ثابت حين سأله محمود بن لبيد ما عراياكم هذه؟ فسمى رجالا محتاجين من الأنصار, شكوا إلى رسول الله - ﷺ- أن الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يبتاعون به رطبا يأكلونه وعندهم فضول من التمر فرخص لهم أن يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر يأكلونه رطبا) ومتى خولف الأصل بشرط, لم تجز مخالفته بدون ذلك الشرط ولأن ما أبيح للحاجة لم يبح مع عدمها كالزكاة للمساكين, والترخص في السفر فعلى هذا متى كان صاحبها غير محتاج إلى أكل الرطب أو كان محتاجا, ومعه من الثمن ما يشتري به العرية لم يجز له شراؤها بالتمر وسواء باعها لواهبها تحرزا من دخول صاحب العرية حائطه كمذهب مالك, أو لغيره فإنه لا يجوز وقال ابن عقيل يباح ويحتمله كلام أحمد لأن الحاجة وجدت من الجانبين فجاز كما لو كان المشتري محتاجا إلى أكلها ولنا, حديث زيد الذي ذكرناه والرخصة لمعنى خاص لا تثبت مع عدمه ولأن في حديث زيد وسهل: (يأكلها أهلها رطبا) ولو جاز لتخليص المعري لما شرط ذلك فيشترط إذا في بيع العرية شروط خمسة, أن يكون فيما دون خمسة أوسق وبيعها بخرصها من التمر وقبض ثمنها قبل التفرق, وحاجة المشتري إلى أكل الرطب وأن لا يكون معه ما يشتري به سوى التمر واشترط القاضي وأبو بكر شرطا سادسا وهو حاجة البائع إلى البيع واشترط الخرقي, كونها موهوبة لبائعها واشترط أصحابنا لبقاء العقد بأن يأكلها أهلها رطبا فإن تركها حتى تصير تمرا بطل العقد وسنذكر ذلك - إن شاء الله تعالى -.
مسألة: قال: فإن تركه المشتري حتى يتمر بطل العقد يعني إن لم يأخذها المشتري رطبا بطل العقد خلافا للشافعي في قوله: لا يبطل وعن أحمد مثله لأن كل ثمرة جاز بيعها رطبا, لا يبطل العقد إذا صارت تمرا كغير العرية ولنا قول النبي - ﷺ-: (يأكلها أهلها رطبا) ولأن شراءها إنما جاز للحاجة إلى أكل الرطب, فإذا أتمرت تبينا عدم الحاجة فيبطل العقد ثم لا فرق بين تركه لغناه عنها أو مع حاجته إليها, أو تركها لعذر أو لغير عذر للخبر ولو أخذها رطبا فتركها عنده فأتمرت أو شمسها, حتى صارت تمرا جاز لأنه قد أخذها ونقل عن أحمد رواية أخرى في من اشترى ثمرة قبل بدو صلاحها ثم تركها حتى بدا صلاحها, لا يبطل البيع فيخرج ها هنا مثله فإن أخذ بعضها رطبا وترك باقيها حتى أتمر فهل يبطل البيع في الباقي؟ على وجهين.
فصل: ولا يجوز بيع العرية في غير النخيل, وهو اختيار ابن حامد وقول الليث بن سعد إلا أن يكون مما ثمرته لا يجري فيها الربا فيجوز بيع رطبها بيابسها لعدم جريان الربا فيها ويحتمل أن يجوز في العنب والرطب دون غيرهما وهو قول الشافعي لأن العنب كالرطب في وجوب الزكاة فيهما, وجواز خرصهما وتوسيقهما وكثرة تيبيسهما, واقتياتهما في بعض البلدان والحاجة إلى أكل رطبهما والتنصيص على الشيء يوجب ثبوت الحكم في مثله ولا يجوز في غيرهما لاختلافهما في أكثر هذه المعاني فإنه لا يمكن خرصها لتفرقها في الأغصان, واستتارها بالأوراق ولا يقتات يابسها فلا يحتاج إلى الشراء به وقال القاضي: يجوز في سائر الثمار وهو قول مالك والأوزاعي قياسا على ثمرة النخيل ولنا, ما روى الترمذي أن النبي - ﷺ - (نهى عن المزابنة الثمر بالتمر, إلا أصحاب العرايا فإنه قد أذن لهم وعن بيع العنب بالزبيب, وكل ثمرة بخرصها) وهذا حديث حسن وهذا يدل على تخصيص العرية بالتمر وعن زيد بن ثابت (عن رسول الله - ﷺ - أنه رخص بعد ذلك في بيع العرية بالرطب أو بالتمر ولم يرخص في غير ذلك) وعن ابن عمر قال: (نهى رسول الله - ﷺ - عن المزابنة) والمزابنة: بيع ثمر النخل بالتمر كيلا وبيع العنب بالزبيب كيلا وعن كل ثمرة بخرصه ولأن الأصل يقتضي تحريم بيع العرية, وإنما جازت في ثمرة النخيل رخصة ولا يصح قياس غيرها عليها لوجهين أحدهما أن غيرها لا يساويها في كثرة الاقتيات بها, وسهولة خرصها وكون الرخصة في الأصل لأهل المدينة وإنما كانت حاجتهم إلى الرطب دون غيره الثاني, أن القياس لا يعمل به إذا خالف نصا وقياسهم يخالف نصوصا غير مخصوصة وإنما يجوز التخصيص بالقياس على المحل المخصوص (ونهى النبي - ﷺ - عن بيع العنب بالزبيب) لم يدخله تخصيص فيقاس عليه, وكذلك سائر الثمار والله أعلم. باب بيع الأصول والثمار:
مسألة: قال أبو القاسم - رحمه الله- : [ومن باع نخلا مؤبرا وهو ما قد تشقق طلعه, فالثمرة للبائع متروكة في النخل إلى الجزاز إلا أن يشترطها المبتاع] أصل الإبار عند أهل العلم: التلقيح قال ابن عبد البر: إلا أنه لا يكون حتى يتشقق الطلع وتظهر الثمرة فعبر به عن ظهور الثمرة للزومه منه والحكم متعلق بالظهور, دون نفس التلقيح بغير اختلاف بين العلماء يقال: أبرت النخلة بالتخفيف والتشديد, فهي مؤبرة ومأبورة ومنه قول النبي - ﷺ-: (خير المال سكة مأبورة) والسكة: النخل المصفوف وأبرت النخلة آبرها أبرا وإبارا وأبرتها تأبيرا, وتأبرت النخلة وائتبرت ومنه قول الشاعر: تأبري يا خيرة الفسيل** وفسر الخرقي المؤبر بما قد تشقق طلعه لتعلق الحكم بذلك, دون نفس التأبير قال القاضي: وقد يتشقق الطلع بنفسه فيظهر وقد يشقه الصعاد فيظهر وأيهما كان فهو التأبير المراد ها هنا وفي هذه المسألة فصول ثلاثة:
الفصل الأول: أن البيع متى وقع على نخل مثمر ولم يشترط الثمرة, وكانت الثمرة مؤبرة فهي للبائع وإن كانت غير مؤبرة فهي للمشتري وبهذا قال مالك, والليث والشافعي وقال ابن أبي ليلى: هي للمشتري في الحالين لأنها متصلة بالأصل اتصال خلقة فكانت تابعة له, كالأغصان وقال أبو حنيفة والأوزاعي: هي للبائع في الحالين لأن هذا نماء له حد فلم يتبع أصله في البيع, كالزرع في الأرض ولنا قول النبي - ﷺ -: (من ابتاع نخلا بعد أن تؤبر فثمرتها للذي باعها إلا أن يشترط المبتاع) متفق عليه وهذا صريح في رد قول ابن أبي ليلى, وحجة على أبي حنيفة والأوزاعي بمفهومه لأنه جعل التأبير حدا لملك البائع للثمرة فيكون ما قبله للمشتري وإلا لم يكن حدا, ولا كان ذكر التأبير مفيدا ولأنه نماء كامن لظهوره غاية فكان تابعا لأصله قبل ظهوره وغير تابع له بعد ظهوره, كالحمل في الحيوان فأما الأغصان فإنها تدخل في اسم النخل وليس لانفصالها غاية, والزرع ليس من نماء الأرض وإنما هو مودع فيها. الفصل الثاني:
أنه متى اشترطها أحد المتبايعين فهي له مؤبرة كانت أو غير مؤبرة, البائع فيه والمشتري سواء وقال مالك: إن اشترطها المشتري بعد التأبير جاز لأنه بمنزلة شرائها مع أصلها وإن اشترطها البائع قبل التأبير, لم يجز لأن اشتراطه لها بمنزلة شرائه لها قبل بدو صلاحها بشرط تركها ولنا أنه استثنى بعض ما وقع عليه العقد وهو معلوم فصح, كما لو باع حائطا واستثنى نخلة بعينها (ولأن النبي - ﷺ - نهى عن الثنيا إلا أن تعلم) ولأنه أحد المتبايعين, فصح اشتراطه للثمرة كالمشتري وقد ثبت الأصل بالاتفاق عليه, وبقوله عليه السلام: (إلا أن يشترطها المبتاع) ولو اشترط أحدهما جزءا من الثمرة معلوما كان ذلك كاشتراط جميعها في الجواز في قول جمهور الفقهاء وقول أشهب من أصحاب مالك وقال ابن القاسم: لا يجوز اشتراط بعضها لأن الخبر إنما ورد باشتراط جميعها ولنا, أن ما جاز اشتراط جميعه جاز اشتراط بعضه كمدة الخيار, وكذلك القول في مال العبد إذا اشترط بعضه.
الفصل الثالث: إن الثمرة إذا بقيت للبائع فله تركها في الشجر إلى أوان الجزاز سواء استحقها بشرطه أو بظهورها وبه قال مالك, والشافعي وقال أبو حنيفة: يلزمه قطعها وتفريغ النخل منها لأنه مبيع مشغول بملك البائع فلزم نقله وتفريغه, كما لو باع دارا فيها طعام أو قماش له ولنا أن النقل والتفريغ للمبيع على حسب العرف والعادة, كما لو باع دارا فيها طعام لم يجب نقله إلا على حسب العادة في ذلك وهو أن ينقله نهارا, شيئا بعد شيء ولا يلزمه النقل ليلا ولا جمع دواب البلد لنقله كذلك ها هنا, يفرغ النخل من الثمرة في أوان تفريغها وهو أوان جزازها وقياسه حجة لنا لما بيناه إذا تقرر هذا, فالمرجع في جزه إلى ما جرت به العادة فإذا كان المبيع نخلا فحين تتناهى حلاوة ثمره, إلا أن يكون مما بسره خير من رطبه أو ما جرت العادة بأخذه بسرا فإنه يجزه حين تستحكم حلاوة بسره لأن هذا هو العادة, فإذا استحكمت حلاوته فعليه نقله وإن قيل: بقاؤه في شجره خير له وأبقى فعليه النقل لأن العادة في النقل قد حصلت وليس له إبقاؤه بعد ذلك وإن كان المبيع عنبا, أو فاكهة سواه فأخذه حين يتناهى إدراكه وتستحكم حلاوته, ويجز مثله وهذا قول مالك والشافعي.
فصل: فإن أبر بعضه دون بعض فالمنصوص عن أحمد, أن ما أبر للبائع وما لم يؤبر للمشتري وهو قول أبي بكر للخبر الذي عليه مبني هذه المسألة فإن صريحه, أن ما أبر للبائع ومفهومه أن ما لم يؤبر للمشتري وقال ابن حامد: الكل للبائع وهو مذهب الشافعي لأنا إذا لم نجعل الكل للبائع, أدى إلى الإضرار باشتراك الأيدي في البستان فيجب أن يجعل ما لم يؤبر تبعا لما أبر كثمر النخلة الواحدة, فإنه لا خلاف في أن تأبير بعض النخلة يجعل جميعها للبائع وقد يتبع الباطن الظاهر منه كأساسات الحيطان تتبع الظاهر منه ولأن البستان إذا بدا صلاح ثمرة منه جاز بيع جميعها بغير شرط القطع, كذا ها هنا وهذا من النوع الواحد لأن الظاهر أن النوع الواحد يتقارب يتلاحق فأما إن أبر, لم يتبعه النوع الآخر ولم يفرق أبو الخطاب بين النوع والجنس كله وهو ظاهر مذهب الشافعي لأنه يفضي إلى سوء المشاركة واختلاف الأيدي, كما في النوع الواحد ولنا أن النوعين يتباعدان ويتميز أحدهما من الآخر, ولا يخشى اختلاطهما واشتباههما فأشبها الجنسين وما ذكره يبطل بالجنسين ولا يصح القياس على النوع الواحد لافتراقهما فيما ذكرناه ولو باع حائطين قد أبر أحدهما لم يتبعه الآخر لأنه يفضي إلى سوء المشاركة واختلاف الأيدي لانفراد كل واحد منهما عن صاحبه ولو أبر بعض الحائط, فأفرد بالبيع ما لم يؤبر فللمبيع حكم نفسه ولا يتبع غيره وخرج القاضي وجها في أنه يتبع غير المبيع, ويكون للبائع لأنه قد ثبت للحائط كله حكم التأبير وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي ولا يصح هذا لأن المبيع لم يؤبر منه شيء فوجب أن يكون للمشتري بمفهوم الخبر, وكما لو كان منفردا في بستان وحده ولأنه لا يفضي إلى سوء المشاركة ولا اختلاف الأيدي ولا إلى ضرر, فبقي على حكم الأصل فإن بيعت النخلة وقد أبرت كلها أو بعضها فأطلعت بعد ذلك, فالطلع للمشتري لأنه حدث في ملكه فكان له كما لو حدث بعد جزاز الثمرة ولأن ما أطلع بعد تأبير غيره لا يكاد يشتبه به لتباعد ما بينهما.
فصل: وطلع الفحال كطلع الإناث وهو ظاهر كلام الشافعي ويحتمل أن يكون طلع الفحال للبائع قبل ظهوره لأنه يؤخذ للأكل قبل ظهوره, فهو كثمرة لا تخلق إلا ظاهرة كالتين ويكون ظهور طلعه كظهور ثمرة غيره ولنا, أنها ثمرة نخل إذا تركت ظهرت فهي كالإناث أو يدخل في عموم الخبر وما ذكر للوجه الآخر لا يصح فإن أكله ليس هو المقصود منه, وإنما يراد للتلقيح به وهو يكون بعد ظهوره فأشبه طلع الإناث فإن باع نخلا فيه فحال وإناث لم يتشقق منه شيء, فالكل للمشتري إلا على الوجه الآخر فإن طلع الفحال يكون للبائع وإن كان قد تشقق طلع أحد النوعين دون الآخر, فما تشقق فهو للبائع وما لم يتشقق للمشتري إلا عند من سوى بين الأنواع كلها وإن تشقق طلع بعض الإناث أو بعض الفحال, فالذي قد ظهر للبائع وما لم يظهر على ما ذكرنا من الاختلاف فيه.
فصل: وكل عقد معاوضة يجري مجرى البيع في أن الثمرة المؤبرة تكون لمن انتقل عنه الأصل, وغير المؤبرة لمن انتقل إليه مثل أن يصدق المرأة نخلا أو يخلعها به, أو يجعله عوضا في إجارة أو عقد صلح لأنه عقد معاوضة فجرى مجرى البيع وإن انتقل بغير معاوضة كالهبة, والرهن أو فسخ لأجل العيب أو فلس المشتري, أو رجوع الأب في هبته لولده أو تقايلا المبيع أو كان صداقا فرجع إلى الزوج لفسخ المرأة النكاح, أو نصفه لطلاق الزوج فإنه في الفسخ يتبع الأصل سواء أبر, أو لم يؤبر لأنه نماء متصل فأشبه السمن وفي الهبة والرهن حكمهما حكم البيع, في أنه يتبع قبل التأبير ولا يتبع فيما بعده لأن الملك زال عن الأصل بغير فسخ فكان الحكم فيه ما ذكرناه, كالبيع وأما رجوع البائع لفلس المشتري أو الزوج لانفساخ النكاح فيذكران في بابيهما.
مسألة: قال: [وكذلك بيع الشجر إذا كان فيه ثمر باد] وجملة ذلك, أن الشجر على خمسة أضرب: أحدها ما يكون ثمره في أكمامه ثم تتفتح الأكمام, فيظهر كالنخل الذي وردت السنة فيه وبينا حكمه, وهو الأصل وما عداه مقيس عليه وملحق به ومن هذا الضرب القطن, وما يقصد نوره كالورد والياسمين والنرجس, والبنفسج فإنه تظهر أكمامه ثم تتفتح فيظهر, فهو كالطلع إن تفتح صجنبذه فهو للبائع وإلا فهو للمشتري الثاني, ما تظهر ثمرته بارزة لا قشر عليها ولا نور كالتين والتوت, والجميز فهن للبائع لأن ظهورها من شجرها بمنزلة ظهور الطلع من قشره الثالث ما يظهر في قشره, ثم يبقى فيه إلى حين الأكل كالرمان والموز, فهو للبائع أيضا بنفس الظهور لأن قشره من مصلحته ويبقى فيه إلى حين الأكل فهو كالتين ولأن قشره ينزل منزلة أجزائه للزومه إياه, وكونه من مصلحته الضرب الرابع ما يظهر في قشرين كالجوز, واللوز فهو للبائع أيضا بنفس الظهور لأن قشره لا يزول عنه غالبا إلا بعد جزازه, فأشبه الضرب الذي قبله ولأن قشر اللوز يؤكل معه فأشبه التين وقال القاضي: إن تشقق القشر الأعلى فهو للبائع وإن لم يتشقق فهو للمشتري, كالطلع ولو اعتبر هذا لم يكن للبائع إلا نادرا ولا يصح قياسه على الطلع لأن الطلع لا بد من تشققه وتشققه من مصلحته, وهذا بخلافه فإنه لا يتشقق على شجره وتشققه قبل كماله يفسده الخامس, ما يظهر نوره ثم يتناثر فتظهر الثمرة, كالتفاح والمشمش والإجاص, والخوخ فإذا تفتح نوره وظهرت الثمرة فيه فهي للبائع, وإن لم تظهر فهي للمشتري وقيل: ما تناثر نوره فهو للبائع, وما لا فهو للمشتري لأن الثمرة لا تظهر حتى يتناثر النور وقال القاضي: يحتمل أن تكون للبائع بظهور نوره لأن الطلع إذا تشقق كان كنور الشجر فإن العقد التي في جوف الطلع ليست عين الثمرة وإنما هي أوعية لها, تكبر الثمرة في جوفها وتظهر فتصير العقدة في طرفها, وهي قمع الرطبة وقول الخرقي يقتضي ما قلناه لأنه علق استحقاق البائع لها بكون الثمر باديا لا يبدو نوره ولا يبدو الثمر حتى يتفتح نوره وقد يبدو إذا كبر قبل أن ينثر النور فتعلق ذلك بظهوره والعنب بمنزلة ما له نور لأنه يبدو في قطوفه شيء صغار كحب الدخن ثم يتفتح, ويتناثر كتناثر النور فيكون من هذا القسم والله أعلم وهذا يفارق الطلع لأن الذي في الطلع عين الثمرة ينمو ويتغير والنور في هذه الثمار يتساقط, ويذهب وتظهر الثمرة ومذهب الشافعي في هذا الفصل جميعه كما ذكرنا ها هنا أو قريبا منه, وبينهما اختلاف على حسب ما ذكرنا من الخلاف أو قريبا منه.
فصل: فأما الأغصان والورق, وسائر أجزاء الشجر فهو للمشتري بكل حال لأنه من أجزائها خلق لمصلحتها فهو كأجزاء سائر المبيع ويحتمل أن يكون ورق التوت الذي يقصد أخذه لتربية دود القز إن تفتح, فهو للبائع وإلا فهو للمشتري لأنه بمنزلة الجنبذ الذي يتفتح فيظهر نوره من الورد وغيره, وهذا في المواضع التي عادتهم أخذ الورق وإن لم تكن عادتهم ذلك فهو للمشتري, كسائر ورق الشجر والله أعلم.
فصل: وإذا كانت الثمرة للبائع مبقاة في شجر المشتري فاحتاجت إلى سقي لم يكن للمشتري منعه منه لأنه يبقى به, فلزمه تمكينه منه كتركه على الأصول وإن أراد سقيها من غير حاجة, فللمشتري منعه منه لأنه بسقيه يتضمن التصرف في ملك غيره ولأن الأصل منعه من التصرف في ملك غيره وإنما أباحته الحاجة, فإن لم توجد الحاجة يبقى على أصل المنع فإن احتاجت إلى السقي وفيه ضرر على الشجر, أو احتاج الشجر إلى سقي يضر بالثمرة فقال القاضي: أيهما طلب السقي لحاجته أجبر الآخر عليه لأنه دخل في العقد على ذلك فإن المشتري اقتضى عقده تبقية الثمرة, والسقي من تبقيتها والعقد اقتضى تمكين المشتري من حفظ الأصول وتسليمها, فلزم كل واحد منهما ما أوجبه العقد للآخر وإن أضر به وإنما له أن يسقي بقدر حاجته فإن اختلفا في قدر الحاجة, رجع إلى أهل الخبرة وأيهما التمس السقي فالمؤنة عليه لأنه لحاجته.
فصل: فإن خيف على الأصول الضرر بتبقية الثمرة عليها لعطش أو غيره والضرر يسير لم يجبر على قطعها لأنها مستحقة للبقاء, فلم يجبر على إزالتها لدفع ضرر يسير عن غيره وإن كان كثيرا فخيف على الأصول الجفاف أو نقص حملها ففيه وجهان أحدهما, لا يجبر أيضا لذلك الثاني يجبر على القطع لأن الضرر يلحقها وإن لم تقطع والأصول تسلم بالقطع, فكان القطع أولى وللشافعي قولان كالوجهين.
فصل: وإذا باع شجرا فيه ثمر للبائع فحدثت ثمرة أخرى أو اشترى ثمرة في شجرها, فحدثت ثمرة أخرى فإن تميزتا فلكل واحد ثمرته, وإن لم تتميز إحداهما من الأخرى فهما شريكان فيهما كل واحد بقدر ثمرته فإن لم يعلم قدر كل واحدة منهما, اصطلحا عليها ولا يبطل العقد لأن المبيع لم يتعذر تسليمه وإنما اختلط بغيره, فهو كما لو اشترى طعاما في مكان فانثال عليه طعام للبائع أو انثال هو على طعام للبائع, ولم يعرف قدر كل واحد منهما ويفارق هذا ما لو اشترى ثمرة قبل بدو صلاحها فتركها حتى بدا صلاحها أو اشترى عرية, فتركها حتى أثمرت فإن العقد يبطل في إحدى الروايتين لكون اختلاط المبيع بغيره حصل بارتكاب النهي وكونه يتخذ حيلة على شراء الثمرة قبل بدو صلاحها, أو شراء الرطب بالتمر من غير كيل من غير حاجة إلى أكله رطبا وها هنا ما ارتكب نهيا ولا يجعل هذا طريقا إلى فعل المحرم وجمع أبو الخطاب بينهما, فقال: في الجميع روايتان إحداهما يبطل العقد والأخرى لا يبطل وقال القاضي: إن كانت الثمرة للبائع, فحدثت ثمرة أخرى قيل لكل واحد: اسمح بنصيبك لصاحبك فإن فعله أحدهما أقررنا العقد وأجبرنا الآخر على القبول لأنه يزول به النزاع وإن امتنعا, فسخنا العقد لتعذر وصول كل واحد منهما إلى قدر حقه وإن اشترى ثمرة فحدثت ثمرة أخرى لم نقل للمشتري: اسمح بنصيبك لأن الثمرة كل المبيع, فلا يؤمر بتخليته كله ونقول للبائع ذلك فإن سمح بنصيبه للمشتري أجبرناه على القبول, وإلا فسخ البيع بينهما وهذا مذهب الشافعي قال ابن عقيل: لعل هذا قول لبعض أصحابنا فإنني لم أجده معزيا إلى أحمد والظاهر أن هذا اختيار القاضي, وليس بمذهب لأحمد ولو اشترى حنطة فانثالت عليها أخرى لم ينفسخ البيع, والحكم فيه كالحكم في الثمرة تحدث معها أخرى والله أعلم.
فصل: إذا باع الأرض وفيها زرع لا يحصد إلا مرة كالحنطة والشعير, والقطاني وما المقصود منه مستتر كالجزر, والفجل والبصل والثوم, وأشباهها فاشترطه للمشتري فهو له, قصيلا كان أو ذا حب مستترا أو ظاهرا معلوما أو مجهولا لكونه دخل في البيع تبعا للأرض, فلم يضر جهله وعدم كماله كما لو اشترى شجرة فاشترط ثمرتها بعد تأبيرها وإن أطلق البيع, فهو للبائع لأنه مودع في الأرض فهو كالكنز والقماش ولأنه يراد للنقل, فأشبه الثمرة المؤبرة وهذا قول أبي حنيفة والشافعي ولا أعلم فيه مخالفا ويكون للبائع مبقى في الأرض إلى حين الحصاد بغير أجرة لأن المنفعة حصلت مستثناة له وعليه حصاده في أول وقت حصاده وإن كان بقاؤه أنفع له, كقولنا في الثمرة وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة: عليه نقله عقيب البيع كقوله في الثمرة وقد مضى الكلام فيها وهكذا قال الحكم في القصب الفارسي لأن له وقتا يقطع فيه إلا أن العروق تكون للمشتري لأنها تترك في الأرض للبقاء فيها والقصب نفسه كالثمرة, وإن لم يظهر منه شيء فهو للمشتري وأما قصب السكر فإنه يؤخذ مرة واحدة فهو كالزرع فإن حصده قبل أوان الحصاد لينتفع بالأرض في غيره, لم يملك الانتفاع بها لأن منفعتها إنما حصلت مستثناة عن مقتضى العقد ضرورة بقاء الزرع فتقدر ببقائه, كالثمرة على الشجرة وكما لو كان المبيع طعاما لا ينقل مثله عادة إلا في شهر لم يكلف إلا ذلك, فإن تكلف نقله في يوم واحد لينتفع بالدار في غيره لم يجز, كذلك ها هنا ومتى حصد الزرع وبقيت له عروق تستضر بها الأرض كعروق القطن والذرة, فعلى البائع إزالتها وإن تحفرت الأرض فعليه تسوية حفرها لأنه استصلاح لملكه فصار كما لو باع دارا فيها خابية كبيرة, لا تخرج إلا بهدم باب الدار فهدمها كان عليه الضمان, وكذلك كل نقص دخل على ملك شخص لاستصلاح ملك الآخر من غير إذن الأول ولا فعل صدر عنه النقص واستند إليه, كان الضمان على مدخل النقص.
فصل: وإن باع أرضا وفيها زرع يجز مرة بعد أخرى فالأصول للمشتري والجزة الظاهرة عند البيع للبائع, سواء كان مما يبقى سنة كالهندبا والبقول, أو أكثر كالرطبة وعلى البائع قطع ما يستحقه منه في الحال, فإنه ليس لذلك حد ينتهي إليه ولأن ذلك يطول ويخرج غير ما كان ظاهرا والزيادة من الأصول التي هي ملك للمشتري وكذلك إن كان الزرع مما تكرر ثمرته, كالقثاء والخيار والبطيخ, والباذنجان وشبهه فهو للمشتري, والثمرة الظاهرة عند البيع للبائع لأن ذلك مما تتكرر الثمرة فيه فأشبه الشجر ولو كان مما تؤخذ زهرته وتبقى عروقه في الأرض, كالبنفسج والنرجس فالأصول للمشتري لأنه جعل في الأرض للبقاء فيها, فهو كالرطبة وكذلك أوراقه وغصونه لأنه لا يقصد أخذه فهو كورق الشجر وأغصانه, وأما زهرته فإن كانت قد تفتحت فهي للبائع, وإلا فهي للمشتري على ما ذكرناه فيما مضى واختار ابن عقيل في هذا كله أن البائع إن قال: بعتك هذه الأرض بحقوقها دخل فيها وإن لم يقل: بحقوقها فهل يدخل؟ على وجهين, كالشجر.
فصل: وإذا اشترى أرضا فيها بذر فاستحق المشتري أصله كالرطبة, والنعناع والبقول التي تجز مرة بعد أخرى فهو له لأنه ترك في الأرض للتبقية, فهو كأصول الشجر ولأنه لو كان ظاهرا كان له فالمستتر أولى سواء علقت عروقه في الأرض, أو لا فإن كان بذرا لما يستحقه البائع فهو له إلا أن يشترطه المبتاع, فيكون له وقال الشافعي: البيع باطل لأن البذر مجهول وهو مقصود ولنا أن البذر يدخل تبعا في البيع, فلم يضر جهله كما لو اشترى عبدا فاشترط ماله ويجوز في التابع من الغرر ما لا يجوز في المتبوع, كبيع اللبن في الضرع مع الشاة والحمل مع الأم والسقوف في الدار, وأساسات الحيطان تدخل تبعا في البيع ولا تضر جهالتها, ولا تجوز مفردة وإن لم يعلم المشتري بذلك فله الخيار في فسخ البيع وإمضائه لأنه يفوت عليه منفعة الأرض عاما فإن رضي البائع بتركه للمشتري أو قال: أنا أحوله وأمكنه ذلك في زمن يسير لا يضر بمنافع الأرض فلا خيار للمشتري لأنه أزال العيب بالنقل, أو زاده خيرا بالترك فلزمه قبوله لأن فيه تصحيحا للعقد وهذا مذهب الشافعي وكذلك لو اشترى نخيلا فيه طلع, فبان أنه مؤبر فله الخيار لأنه يفوت المشتري ثمرة عامه ويضر بقاؤها بنخله فإن تركها له البائع, لم يكن له خيار فإن قال: أنا أقطعها الآن لم يسقط خياره بذلك لأن ثمرة العام تفوت سواء قطعها أو تركها وإن اشترى أرضا فيها زرع للبائع, أو شجرا فيه ثمر للبائع والمشتري جاهل بذلك يظن أن الزرع والثمر له, فله الخيار أيضا كما لو جهل وجوده لأنه إنما رضي ببذل ماله عوضا عن الأرض والشجر بما فيهما فإذا بان خلاف ذلك ينبغي أن يثبت له الخيار, كالمشتري للمعيب يظنه صحيحا وإن اختلفا في جهله لذلك فالقول قول المشتري إذا كان ممن يجهل ذلك لكونه عاميا, فإن هذا مما يجهله كثير من الناس وإن كان ممن يعلم ذلك لم يقبل قوله لأن الظاهر أنه لا يجهله.
فصل: إذا باعه أرضًا بحقوقها دخل ما فيها من غراس وبناء في البيع وكذلك إذا قال: رهنتك هذه الأرض بحقوقها دخل في الرهن غراسها وبناؤها وإن لم يقل: بحقوقها فهل يدخل الغراس والبناء فيهما؟ على وجهين ونص الشافعي على أنهما يدخلان في البيع دون الرهن, واختلف أصحابه في ذلك فمنهم من قال: فيهما جميعا قولان ومنهم من فرق بينهما بكون البيع أقوى فيستتبع البناء والشجر بخلاف الرهن, ومنهم من قال: إنهما سواء لأن ما تبع في البيع تبع في الرهن كالطرق والمنافع وفيهما جميعا وجهان أحدهما, يدخل البناء والشجر لأنهما من حقوق الأرض ولذلك يدخلان إذا قال: بحقوقها وما كان من حقوقها يدخل فيها بالإطلاق كطرقها ومنافعها والثاني, لا يدخلان لأنهما ليسا من حقوق الأرض فلا يدخلان في بيعها ورهنها كالثمرة المؤبرة ومن نصر الأول فرق بينهما بكون الثمرة تراد للنقل, وليست من حقوقها بخلاف الشجر والبناء فإن قال: بعتك هذا البستان دخل فيه الشجر لأن البستان اسم للأرض والشجر, والحائط ولذلك لا تسمى الأرض المكشوفة بستانا قال ابن عقيل: ويدخل فيه البناء لأن ما دخل فيه الشجر دخل فيه البناء ويحتمل أن لا يدخل.
فصل: وإن باعه شجرا لم تدخل الأرض في البيع ذكره أبو إسحاق بن شاقلا لأن الاسم لا يتناولها, ولا هي تبع للمبيع.
فصل: وإن قال: بعتك هذه القرية فإن كانت في اللفظ قرينة مثل المساومة على أرضها أو ذكر الزرع والغرس فيها, وذكر حدودها أو بذل ثمن لا يصلح إلا فيها وفي أرضها دخل في البيع لأن الاسم يجوز أن يطلق عليها مع أرضها, والقرينة صارفة إليه ودالة عليه فأشبه ما لو صرح به وإن لم يكن قرينة تصرف إلى ذلك, فالبيع يتناول البيوت والحصن الدائر عليها فإن القرية اسم لذلك, وهو مأخوذ من الجمع لأنه يجمع الناس وسواء قال: بحقوقها أو لم يقل وأما الغراس بين بنيانها فحكمه حكم الغراس في الأرض, إن قال: بحقوقها دخل وإن لم يقل فعلى وجهين.
فصل: وما كان في الأرض من الحجارة المخلوقة فيها, أو مبني فيها كأساسات الحيطان المتهدمة فهي للمشتري بالبيع لأنه من أجزائها فهي كحيطانها, وترابها والمعادن الجامدة فيها والآجر كالحجارة في هذا وإذا كان المشتري عالما بذلك, فلا خيار له وإن لم يكن عالما به وكان ذلك يضر بالأرض وينقصها, كالصخر المضر بعروق الشجر فهو عيب وللمشتري الخيار بين الفسخ وأخذ الثمن, أو الإمساك وأخذ أرش العيب كما في سائر المبيع فأما إن كانت الحجارة أو الآجر مودعا فيها للنقل عنها فهي للبائع, كالكنز وعليه نقلها وتسوية الأرض إذا نقلها, وإصلاح الحفر لأنه ضرر لحق لاستصلاح ملكه فكان عليه إزالته وإن كان قلعها يضر بالأرض أو تتطاول مدته, ولم يكن المشتري عالما فله الخيار كما ذكرنا لأنه عيب وإن لم يكن في نقلها ضرر ويمكن نقلها في أيام يسيرة, كالثلاثة فما دون فلا خيار له وله مطالبة البائع بنقلها في الحال لأنه لا عرف في تبقيتها, بخلاف الزرع وإن كان عالما بالحال فلا خيار له ولا أجرة في الزمان الذي نقلت فيه لأنه علم بذلك ورضي, فأشبه ما لو اشترى أرضا فيها زرع وإن لم يعلم واختار إمساك المبيع فهل له أجرة لزمان النقل؟ على وجهين أحدهما, له ذلك لأن المنافع مضمونة على المتلف فكان عليه بدلها كالأجزاء والثاني, لا يجب لأنه لما رضي بإمساك المبيع رضي بتلف المنفعة في زمان النقل فإن لم يختر الإمساك فقال البائع: أنا أدع ذلك لك وكان مما لا ضرر في بقائه, لم يكن له خيار لأن الضرر زال عنه. فصل: فإن كان في الأرض معادن جامدة كمعادن الذهب والفضة, والحديد والنحاس والرصاص, ونحوها دخلت في البيع وملكت بملك الأرض التي هي فيها لأنها من أجزائها, فهي كترابها وأحجارها ولكن لا يباع معدن الذهب بذهب ولا معدن الفضة بفضة, ويجوز بيعها بغير جنسها وإن ظهر في الأرض معدن لم يعلم البائع به فله الخيار لأنه زيادة لم يعلم بها فأشبه ما لو باعه ثوبا على أنه عشرة, فبان أحد عشر هذا إذا كان قد ملك الأرض بإحياء أو إقطاع وقد روي أن ولد بلال بن الحارث باعوا عمر بن عبد العزيز أرضا فظهر فيها معدن فقالوا: إنما بعنا الأرض, ولم نبع المعدن وأتوا عمر بن عبد العزيز بالكتاب الذي فيه قطيعة النبي - ﷺ - لأبيهم فأخذه عمر فقبله ورد عليهم المعدن وإن كان البائع ملك الأرض بالبيع, احتمل أن لا يكون له خيار لأن الحق لغيره وهو المالك الأول واحتمل أن يكون له الخيار كما لو اشترى معيبا ثم باعه ولم يعلم عيبه, فإنه يستحق الرد عليه وإن كان قد باعه مثلما اشتراه وقد روى أبو طالب عن أحمد أنه إذا ظهر المعدن في ملكه ملكه وظاهر هذا أنه لم يجعله للبائع, ولا جعل له خيارا لأنه من أجزاء الأرض فأشبه ما لو ظهر فيها حجارة لها قيمة كبيرة. فصل: وإذا كان في الأرض بئر أو عين مستنبطة فنفس البئر وأرض العين مملوكة لمالك الأرض, والماء الذي فيها غير مملوك لأنه يجري من تحت الأرض إلى ملكه فأشبه الماء الجاري في النهر إلى ملكه وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي والوجه الآخر, يدخل في الملك لأنه نماء الملك وقد روي عن أحمد ما يدل على أنه يملك فإنه قال في رجل له أرض ولآخر ماء فيشترك صاحب الأرض وصاحب الماء في الزرع ويكون بينهما؟ فقال: لا بأس اختاره أبو بكر وهذا يدل على أن الماء مملوك لصاحبه, وفي معنى الماء المعادن الجارية في الأملاك كالقار, والنفط والمومياء والملح وكذلك الحكم في النابت في أرضه من الكلأ والشوك, ففي كل ذلك يخرج على الروايتين في الماء والصحيح أن الماء لا يملك فكذلك هذه قال أحمد: لا يعجبني بيع الماء ألبتة قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل عن قوم بينهم نهر تشرب منه أرضوهم لهذا يوم, ولهذا يومان يتفقون عليه بالحصص فجاء يومي ولا أحتاج إليه, أكريه بدراهم؟ قال: ما أدري أما النبي - ﷺ- (فنهى عن بيع الماء) قيل: إنه ليس يبيعه إنما يكريه قال: إنما احتالوا بهذا ليحسنوه, فأي شيء هذا إلا البيع وروى الأثرم بإسناده عن جابر, وإياس بن عبد الله المزني أن النبي - ﷺ- (نهى أن يباع الماء) وروى أيضا عن رجل من أصحاب النبي - ﷺ - قال: (المسلمون شركاء في ثلاث: في الماء والنار والكلأ) رواه أبو عبيد في كتاب " الأموال ", فإذا قلنا: لا يملك فصاحب الأرض أحق به من غيره لكونه في ملكه فإن دخل غيره بغير إذنه فأخذه ملكه لأنه مباح في الأصل, فأشبه ما لو عشش في أرضه طائر أو دخل فيها ظبي أو نضبت عن سمك, فدخل إليه داخل فأخذه وأما ما يحوزه من الماء في إنائه أو يأخذه من الكلأ في حبله, أو يحوزه في رحله أو يأخذه من المعادن فإنه يملكه بذلك, وله بيعه بلا خلاف بين أهل العلم فإن النبي - ﷺ - قال: (لأن يأخذ أحدكم حبلا فيأخذ حزمة من حطب فيبيع, فيكف الله به وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطى أو منع) رواه البخاري وروى أبو عبيد في "الأموال", عن المشيخة أن النبي - ﷺ- (نهى عن بيع الماء إلا ما حمل منه) وعلى ذلك مضت العادة في الأمصار ببيع الماء في الروايا والحطب, والكلأ من غير نكير وليس لأحد أن يشرب منه, ولا يتوضأ ولا يأخذ إلا بإذن مالكه وكذلك لو وقف على بئره أو بئر مباح فاستقى بدلوه, أو بدولاب أو نحوه فما يرقيه من الماء فهو ملكه, وله بيعه لأنه ملكه بأخذه في إنائه قال أحمد: إنما نهى عن بيع فضل ماء البئر والعيون في قراره ويجوز بيع البئر نفسها والعين ومشتريها أحق بمائها وقد روى أن النبي - ﷺ- قال: (من يشتري بئر رومة يوسع بها على المسلمين وله الجنة) أو كما قال فاشتراها عثمان بن عفان رضي الله عنه من يهودي, بأمر النبي - ﷺ - وسبلها للمسلمين وكان اليهودي يبيع ماءها وروى أن عثمان اشترى منه نصفها باثني عشر ألفا ثم قال اليهودي: اختر, إما أن تأخذها يوما وآخذها أنا يوما وإما أن ننصب لك عليها دلوا وأنصب عليها دلوا فاختار يوما ويوما, فكان الناس يستقون منها في يوم عثمان لليومين فقال اليهودي: أفسدت على بئري فاشتر باقيها فاشتراه بثمانية آلاف وفي هذا دليل على صحة بيعها, وتسبيلها وصحة بيع ما يستقيه منها وجواز قسمة مائها بالمهايأة, وكون مالكها أحق بمائها وجواز قسمة ما فيه حق وليس بمملوك فأما المياه الجارية فما كان نابعا في غير ملك, كالأنهار الكبار وغيرها لم تملك بحال, ولو دخل إلى أرض رجل لم يملكه بذلك كالطير يدخل إلى أرضه, ولكل أحد أخذه ولا يملكه إلا أن يجعل له في أرضه مستقرا كالبركة, والقرار أو يحتفر ساقية يأخذ فيها من ماء النهر الكبير, فيكون أحق بذلك الماء من غيره كنقع البئر وإن كان ما يستقر في البركة لا يخرج منها, فالأولى أنه يملكه بذلك على ما سنذكره في مياه الأمطار وما كان نابعا أو مستنبطا كالقنى فهو كنقع البئر وفيه من الخلاف ما فيه, فأما المصانع المتخذة لمياه الأمطار تجمع فيها ونحوها من البرك وغيرها فالأولى أنه يملك ماءها, ويصح بيعه إذا كان معلوما لأنه مباح حصله بشيء معد له فملكه كالصيد يحصل في شبكته, والسمك في بركة معدة له ولا يجوز أخذ شيء منه إلا بإذن مالكه. مسألة:
قال: وإذا اشترى الثمرة دون الأصل ولم يبد صلاحها على الترك إلى الجزاز, لم يجز وإن اشتراها على القطع جاز لا يخلو بيع الثمرة قبل بدو صلاحها من ثلاثة أقسام أحدها أن يشتريها بشرط التبقية, فلا يصح البيع إجماعا (لأن النبي - ﷺ- نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها نهى البائع والمبتاع) متفق عليه النهي يقتضي فساد المنهي عنه قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على القول بجملة هذا الحديث القسم الثاني أن يبيعها بشرط القطع في الحال فيصح بالإجماع لأن المنع إنما كان خوفا من تلف الثمرة, وحدوث العاهة عليها قبل أخذها بدليل ما روى أنس (أن النبي - ﷺ- نهى عن بيع الثمار حتى تزهو قال: أرأيت إذا منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه؟) رواه البخاري وهذا مأمون فيما يقطع فصح بيعه كما لو بدا صلاحه القسم الثالث, أن يبيعها مطلقا ولم يشترط قطعا ولا تبقية فالبيع باطل وبه قال مالك, والشافعي وأجازه أبو حنيفة لأن إطلاق العقد يقتضي القطع فهو كما لو اشترطه قال: ومعنى النهي, أن يبيعها مدركة قبل إدراكها بدلالة قوله: " أرأيت إن منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه؟ " فلفظة المنع تدل على أن العقد يتناول معنى, وهو مفقود في الحال حتى يتصور المنع ولنا (أن النبي - ﷺ- أطلق النهي عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها) فيدخل فيه محل النزاع واستدلالهم بسياق الحديث يدل على هدم قاعدتهم التي قرروها في أن إطلاق العقد يقتضي القطع, ويقرر ما قلنا من أن إطلاق العقد يقتضي التبقية فيصير العقد المطلق كالذي شرطت فيه التبقية, يتناولهما النهي جميعا ويصح تعليلهما بالعلة التي علل بها النبي - ﷺ - من منع الثمرة وهلاكها. فصل:
وبيع الثمرة قبل بدو صلاحها من غير شرط القطع على ثلاثة أضرب: أحدها أن يبيعها مفردة لغير مالك الأصل, فهذا الضرب الذي ذكرنا حكمه وبينا بطلانه الثاني أن يبيعها مع الأصل, فيجوز بالإجماع لقول النبي - ﷺ-: (من ابتاع نخلا بعد أن تؤبر فثمرتها للذي باعها إلا أن يشترط المبتاع) ولأنه إذا باعها مع الأصل حصلت تبعا في البيع, فلم يضر احتمال الغرر فيها كما احتملت الجهالة في بيع اللبن في الضرع مع بيع الشاة والنوى في التمر مع التمر, وأساسات الحيطان في بيع الدار الثالث أن يبيعها مفردة لمالك الأصل نحو أن تكون للبائع ولا يشترطها المبتاع, فيبيعها له بعد ذلك أو يوصي لرجل بثمرة نخلته فيبيعها لورثة الموصي, ففيه وجهان أحدهما يصح البيع وهو المشهور من قول مالك, وأحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأنه يجتمع الأصل والثمرة للمشتري فيصح كما لو اشتراهما معا ولأنه إذا باعها لمالك الأصل حصل التسليم إلى المشتري على الكمال لكونه مالكا لأصولها وقرارها, فصح كبيعها مع أصلها والثاني لا يصح وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأن العقد يتناول الثمرة خاصة, والغرر فيما يتناوله العقد أصلا يمنع الصحة كما لو كانت الأصول لأجنبي ولأنها تدخل في عموم النهي, بخلاف ما إذا باعهما معا فإنه مستثنى بالخبر المروي فيه ولأن الغرر فيما يتناوله العقد أصلا يمنع الصحة, وفيما إذا باعهما معا تدخل الثمرة تبعا ويجوز في التابع من الغرر ما لا يجوز في المتبوع كما يجوز بيع اللبن في الضرع, والحمل مع الشاة وغيرهما وإن باعه الثمر بشرط القطع في الحال, صح وجها واحدا ولا يلزم المشتري الوفاء بالشرط لأن الأصل له. فصل:
ولا يجوز بيع الزرع الأخضر في الأرض إلا بشرط القطع في الحال, كما ذكرنا في الثمرة على الأصول لما روى مسلم عن ابن عمر (أن النبي - ﷺ- نهى عن بيع النخل حتى يزهى وعن بيع السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة نهى البائع والمشتري) قال ابن المنذر: لا أعلم أحدا يعدل عن القول به وهو قول مالك, وأهل المدينة وأهل البصرة وأصحاب الحديث, وأصحاب الرأي فإن باعه مع الأرض جاز كبيع الثمرة مع الأصل, وإن باعه لمالك الأرض ففيه وجهان على ما ذكرنا في الثمرة تباع من مالك الأصل وقال أبو الخطاب: يجوز وإن باعه إياه بشرط القطع, جاز وجها واحدا ولم يلزم المشتري الوفاء بالشرط لأن الأصل له, فهو كبيع الثمرة من مالك الأصل بشرط القطع وإذا اشتد حب الزرع جاز بيعه مطلقا وبشرط التبقية, لقول النبي - ﷺ - في الحديث: (حتى يبيض) فجعل ذلك غاية المنع من بيعه فيدل على الجواز بعده وفي رواية (نهى النبي- ﷺ- عن بيع العنب حتى يسود وعن بيع الحب حتى يشتد) ولأنه إذا اشتد حبه بدا صلاحه, فصار كالثمرة إذا بدا صلاحها وإذا اشتد شيء من حبه جاز بيع جميع ما في البستان من نوعه كالشجرة إذا بدا الصلاح في شيء منها. فصل:
ذكره القاضي في الصلح قال: وإذا اعترف لرجل بزرع ثم صالحه منه بعوض, صح فيما يصح في البيع وبطل فيما يبطل فيه ولو ادعى اثنان زرعا في يد آخر فأقر لهما به, فالزرع بينهما نصفان فإن صالح أحدهما عن حقه منه قبل اشتداد حبه لم يجز, سواء شرط القطع أو أطلق لأنه إن أطلق بطل للنهي عن بيع المخاضرة, وإن شرط القطع لم يمكنه قطع نصيبه إلا بقطع الزرع كله وإن كانت الأرض للمقر احتمل أن يصح واحتمل أن لا يصح, بناء على الوجهين فيما إذا اشترى زرعا أخضر في أرض مملوكة له ولو كانت الأرض لرجل والزرع لآخر, فقال أحدهما: صالحني من نصف أرضي على نصف زرعك فيكون الزرع والأرض بيننا نصفين فإن كان بعد اشتداد حبه جاز لأنه يجوز بيعه وإن كان قبل ذلك, فهل يجوز؟ على وجهين بناء على بيع الزرع من مالك الأرض وذلك لأنه يبيع نصف الزرع لمالك الأرض ويشتري منه نصف الأرض التي له فيها الزرع, وإن شرطا في البيع أن يقطعا الزرع جميعه ويسلم الأرض فارغة ففيه وجهان أيضا أحدهما, يصح لاشتراطهما قطع كل الزرع وتفريغ الأرض منه واحتمل أن يبطل لأن صاحب الأرض باعه نصف الأرض بشرط قطع زرع غيره ليسلم إليه أرضه وإن قلنا: يصح لم يلزم الوفاء بالشرط لأن كل واحد منهما حصل زرعه في أرضه فلم يلزمه قطعه. فصل:
وإذا اشترى رجل نصف الثمرة قبل بدو صلاحها, أو نصف الزرع قبل اشتداد حبه مشاعا لم يجز سواء اشتراه من رجل, أو من أكثر منه وسواء شرط القطع أو لم يشرطه لأنه لا يمكنه قطعه إلا بقطع ما لا يملكه, فلم يصح اشتراطه. فصل:
والقطن ضربان أحدهما ما له أصل يبقى في الأرض أعواما كالشجر تتكرر ثمرته, فهذا حكمه حكم الشجر في أنه يصح إفراده بالبيع وإذا بيعت الأرض بحقوقها دخل في البيع, وثمره كالطلع إن تفتح فهو للبائع وإلا فهو للمشتري والثاني ما يتكرر زرعه كل عام, فحكمه حكم الزرع ومتى كان جوزه ضعيفا رطبا لم يقو ما فيه, لم يجز بيعه إلا بشرط القطع كالزرع الأخضر وإن قوى جوزه واشتد, جاز بيعه بشرط التبقية كالزرع الذي اشتد حبه وإذا بيعت الأرض لم يدخل في البيع إلا أن يشترطه المبتاع والباذنجان نوعان أحدهما, ما له شجر تبقى أصوله وتتكرر ثمرته فهو كالشجر والثاني ما يتكرر زرعه كل عام, فهو كالحنطة والشعير. مسألة:
قال: فإن تركها حتى يبدو صلاحها بطل البيع اختلفت الرواية عن أحمد -رحمه الله- , في من اشترى ثمرة قبل بدو صلاحها فتركها حتى بدا صلاحها فنقل عنه حنبل, وأبو طالب: أن البيع يبطل قال القاضي: هي أصح فعلى هذا يرد المشتري الثمرة إلى البائع ويأخذ الثمن ونقل أحمد بن سعيد أن البيع لا يبطل وهو قول أكثر الفقهاء لأن أكثر ما فيه أن المبيع اختلط بغيره, فأشبه ما لو اشترى ثمرة فحدثت ثمرة أخرى ولم تتميز, أو حنطة فانثالت عليها أخرى أو ثوبا فاختلط بغيره ونقل عنه أبو داود, في من اشترى قصيلا فمرض أو توانى حتى صار شعيرا قال: إن أراد به حيلة فسد البيع, وإلا لم يفسد والظاهر: أن هذه ترجع إلى ما نقله ابن سعيد فإنه يتعين حمل ما نقله أحمد بن سعيد في صحة البيع على من لم يرد حيلة فإن أراد الحيلة, وقصد بشرطه القطع الحيلة على إبقائه لم يصح بحال إذ قد ثبت من مذهب أحمد أن الحيل كلها باطلة ووجه الرواية الأولى (أن النبي - ﷺ - نهى عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها) فاستثنى منه ما اشتراه بشرط القطع, فقطعه بالإجماع فيبقى ما عداه على أصل التحريم ولأن التبقية معنى حرم الشرع اشتراطه لحق الله تعالى, فأبطل العقد وجوده كالنسيئة فيما يحرم فيه النساء وترك التقابض فيما يشترط فيه القبض أو الفضل فيما يجب التساوي فيه, ولأن صحة البيع تجعل ذلك ذريعة إلى شراء الثمرة قبل بدو صلاحها وتركها حتى يبدو صلاحها ووسائل الحرام حرام, كبيع العينة ومتى حكمنا بفساد البيع فالثمرة كلها للبائع وعنه أنهما يتصدقان بالزيادة قال القاضي: هذا مستحب لوقوع الخلاف في مستحق الثمرة, فاستحبت الصدقة بها وإلا فالحق أنها للبائع تبعا للأصل كسائر نماء المبيع المتصل إذا رد على البائع بفسخ أو بطلان ونقل ابن أبي موسى في "الإرشاد", أن البائع والمشتري يكونان شريكين في الزيادة وأما إن حكمنا بصحة العقد فقد روى أنهما يشتركان في الزيادة لحصولها في ملكهما فإن ملك المشتري الثمرة, وملك البائع الأصل وهو سبب الزيادة قال القاضي: الزيادة للمشتري كالعبد إذا سمن وحمل قول أحمد: "يشتركان "على الاستحباب والأول أظهر لما ذكرنا فإن الزيادة حصلت من أصل البائع من غير استحقاق تركها, فكان فيها حق له بخلاف العبد إذا سمن فإنه لا يتحقق فيه هذا المعنى, ولا يشبهه ولا يصح حمل قول أحمد على الاستحباب فإنه لا يستحب للبائع أن يأخذ من المشتري ما ليس بحق له بل ذلك حرام عليه, فكيف يكون مستحبا وعن أحمد أنهما يتصدقان بالزيادة, وهو قول الثوري ومحمد بن الحسن لأن عين المبيع زاد بجهة محظورة قال الثوري: إذا اشترى قصيلا يأخذ رأس ماله, ويتصدق بالباقي ولأن الأمر اشتبه في هذه الزيادة وفي مستحقها فكان الأولى الصدقة بها ويشبه أن يكون هذا استحبابا لأن الصدقة بالشبهات مستحبة وإن أبيا الصدقة بها, اشتركا فيها والزيادة هي ما بين قيمتها حين الشراء وقيمتها يوم أخذها قال القاضي: ويحتمل أنها ما بين قيمتها قبل بدو صلاحها وقيمتها بعده لأن الثمرة قبل بدو صلاحها, كانت للمشتري بتمامها لا حق للبائع فيها وقال الثوري: يأخذ المشتري رأس ماله ويتصدق بالباقي وكذلك الحكم في الرطبة إذا طالت, والزرع الأخضر إذا أدجن وهذا فيما إذا لم يقصد وقت الشراء تأخيره ولم يجعل شراؤه بشرط القطع حيلة على المنهي عنه من شراء الثمرة قبل بدو صلاحها, ليتركها حتى يبدو صلاحها فأما إن قصد ذلك فالبيع باطل من أصله لأنه حيلة محرمة وعند أبي حنيفة, والشافعي لا حكم لقصده والبيع صحيح, قصد أو لم يقصد وأصل هذا الخلاف في تحريم الحيل, وقد سبق الكلام في هذا. مسألة:
قال: فإن اشتراها بعد أن بدا صلاحها على الترك إلى الجزاز جاز وجملة ذلك أنه إذا بدا الصلاح في الثمرة, جاز بيعها مطلقا وبشرط التبقية إلى حال الجزاز وبشرط القطع وبذلك قال مالك, والشافعي وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يجوز بشرط التبقية إلا أن محمدا قال: إذا تناهى عظمها جاز واحتجوا بأن هذا شرط الانتفاع بملك البائع على وجه لا يقتضيه العقد فلم يجز, كما لو شرط تبقية الطعام في كندوجه ولنا أن النبي - ﷺ - (نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها) فمفهومه إباحة بيعها بعد بدو صلاحها والمنهي عنه قبل بدو الصلاح عندهم البيع بشرط التبقية, فيجب أن يكون ذلك جائزا بعد بدو الصلاح وإلا لم يكن بدو الصلاح غاية ولا فائدة في ذكره (ولأن النبي - ﷺ - نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها, وتأمن العاهة) وتعليله بأمن العاهة يدل على التبقية لأن ما يقطع في الحال لا يخاف العاهة عليه وإذا بدا الصلاح فقد أمنت العاهة فيجب أن يجوز بيعه مبقي لزوال علة المنع, ولأن النقل والتحويل يجب في المبيع بحكم العرف فإذا شرطه جاز كما لو شرط نقل الطعام من ملك البائع حسب الإمكان وفي هذا انفصال عما ذكروه. فصل:
ولا يختلف المذهب أن بدو الصلاح في بعض ثمرة النخلة, أو الشجرة صلاح لجميعها أعني أنه يباح بيع جميعها بذلك ولا أعلم فيه اختلافا وهل يجوز بيع سائر ما في البستان من ذلك النوع؟ فيه روايتان أظهرهما جوازه وهو قول الشافعي, ومحمد بن الحسن وعنه: لا يجوز إلا بيع ما بدا صلاحه لأن ما لم يبد صلاحه داخل في عموم النهي ولأنه لم يبد صلاحه فلم يجز بيعه من غير شرط القطع, كالجنس الآخر وكالذي في البستان الآخر ووجه الأولى أنه بدا الصلاح في نوعه من البستان الذي هو فيه فجاز بيع جميعه, كالشجرة الواحدة ولأن اعتبار بدو الصلاح في الجميع يشق ويؤدي إلى الاشتراك واختلاف الأيدي, فوجب أن يتبع ما لم يبد صلاحه من نوعه لما بدا على ما ذكرنا فيما أبر بعضه دون بعض فأما نوع آخر من ذلك الجنس فقال القاضي: لا يتبعه وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي وقال محمد بن الحسن: ما كان متقارب الإدراك, فبدو صلاح بعضه يجوز به بيع جميعه وإن كان يتأخر إدراك البعض تأخيرا كثيرا فالبيع جائز فيما أدرك, ولا يجوز في الباقي وقال أبو الخطاب: يجوز بيع ما في البستان من ذلك الجنس وهو الوجه الثاني لأصحاب الشافعي لأن الجنس الواحد يضم بعضه إلى بعض في إكمال النصاب في الزكاة فيتبعه في جواز البيع كالنوع الواحد والأول أولى لأن النوعين قد يتباعد إدراكهما, فلم يتبع أحدهما الآخر في بدو الصلاح كالجنسين ويخالف الزكاة فإن القصد هو الغنى من جنس ذلك المال لتقارب منفعته, وقيام كل نوع مقام النوع الآخر في المقصود والمعنى ها هنا هو تقارب إدراك أحدهما من الآخر ودفع الضرر الحاصل بالاشتراك واختلاف الأيدي ولا يحصل ذلك في النوعين, فصار في هذا كالجنسين. فصل:
فأما النوع الواحد من بستانين فلا يتبع أحدهما الآخر في جواز البيع حتى يبدو الصلاح في أحدهما متجاورين كانا أو متباعدين, وهذا مذهب الشافعي وحكي عن أحمد رواية أخرى أن بدو الصلاح في شجرة من القراح صلاح له ولما قاربه وبهذا قال مالك لأنهما يتقاربان في الصلاح فأشبها القراح الواحد ولأن المقصود الأمن من العاهة, وقد وجد والمذهب الأول لأنه إنما جعل ما لم يبد صلاحه بمنزلة ما بدا وتابعا له دفعا لضرر الاشتراك, واختلاف الأيدي وإلا فالأصل اعتبار كل شيء بنفسه وما في قراح آخر لا يوجد فيه هذا الضرر فوجب أن لا يتبع الآخر, كما لو تباعدا وما ذكروه ينتقض بما لم يجاوره من ذلك النوع ولو بدا صلاح بعض النوع الواحد فأفرد بالبيع ما لم يبد صلاحه من بقية النوع من ذلك البستان لم يجز لدخوله تحت عموم النهي ويقدر قياسه على الصورة المخصوصة من العموم, وهي ما إذا باعه مع ما بدا صلاحه لأنه دخل في جواز البيع تبعا دفعا لمضرة الاشتراك واختلاف الأيدي ولا يوجد ذلك ها هنا, ولأنه قد يدخل في البيع تبعا ما يجوز إفراده كالثمرة تباع مع الأصل والزرع مع الأرض, واللبن في الضرع مع الشاة ويحتمل الجواز لأن الكل في حكم ما بدا صلاحه ولأنه يجوز بيعه مع غيره فجاز بيعه مفردا, كالذي بدا صلاحه. فصل:
وإذا احتاجت الثمرة إلى سقي لزم البائع ذلك لأنه يجب عليه تسليم الثمرة كاملة وذلك يكون بالسقي فإن قيل: فلم قلتم إنه إذا باع الأصل, وعليه ثمرة للبائع لا يلزم المشتري سقيها؟ قلنا: لأن المشتري لا يجب عليه تسليم الثمرة لأنه لم يملكها من جهته وإنما بقي ملكه عليها, بخلاف مسألتنا فإن امتنع البائع من السقي لضرر يلحق بالأصل, أجبر عليه لأنه دخل على ذلك. فصل:
ويجوز لمشتري الثمرة بيعها في شجرها روى ذلك عن الزبير بن العوام وزيد بن ثابت والحسن بن أبي الحسن البصري, وأبي حنيفة والشافعي وابن المنذر وكرهه ابن عباس, وعكرمة وأبو سلمة لأنه بيع له قبل قبضه فلم يجز, كما لو كان على وجه الأرض فلم يقبضه ولنا أنه يجوز له التصرف فيه, فجاز له بيعه كما لو جزه وقولهم: لم يقبضه لا يصح فإن قبض كل شيء بحسبه, وهذا قبضه التخلية وقد وجدت. مسألة:
قال: فإن كانت ثمرة نخل فبدو صلاحها أن تظهر فيها الحمرة أو الصفرة وإن كانت ثمرة كرم فصلاحها أن تتموه, وصلاح ما سوى النخل والكرم أن يبدو فيها النضج وجملة ذلك أن ما كان من الثمرة يتغير لونه عند صلاحه كثمرة النخل, والعنب الأسود والإجاص فبدو صلاحه بذلك وإن كان العنب أبيض, فصلاحه بتموهه وهو أن يبدو فيه الماء الحلو ويلين ويصفر لونه وإن كان مما لا يتلون, كالتفاح ونحوه فبأن يحلو أو يطيب وإن كان بطيخا, أو نحوه فبأن يبدو فيه النضج وإن كان مما لا يتغير لونه ويؤكل طيبا, صغارا وكبارا كالقثاء والخيار فصلاحه بلوغه أن يؤكل عادة وقال القاضي, وأصحاب الشافعي: بلوغه أن يتناهي عظمه وما قلناه أشبه بصلاحه مما قالوه فإن بدو صلاح الشيء ابتداؤه وتناهى عظمه آخر صلاحه ولأن بدو الصلاح في الثمر يسبق حال الجزاز فلا يجوز أن يجعل بدو الصلاح فيما يقاس عليه بسبقه قطعه عادة إلا أن يريدوا بتناهي عظمه انتهاءه إلى الحال التي جرت العادة بأخذه فيها, فيكون كما ذكرنا وما قلنا في هذا الفصل فهو قول مالك والشافعي وكثير من أهل العلم, أو مقارب له وقال عطاء: لا يباع حتى يؤكل من التمر قليل أو كثير وروى نحوه عن ابن عمر وابن عباس ولعلهم أرادوا صلاحه للأكل, فيرجع معناه إلى ما قلنا فإن ابن عباس قال: (نهى رسول الله - ﷺ- عن بيع النخل حتى يأكل منه أو يؤكل) متفق عليه وإن أرادوا حقيقة الأكل كان ما ذكرنا أولى لأن ما رووه يحتمل صلاحه للأكل فيحمل على ذلك, موافقة لأكثر الأخبار وهو ما روى (عن النبي - ﷺ- أنه نهى عن بيع الثمرة حتى تطيب) متفق عليه ونهى أن تباع الثمرة حتى تزهو قيل: وما تزهو؟ قال: ( تحمار أو تصفار ) رواه البخاري (ونهى عن بيع العنب حتى يسود) رواه الترمذي وابن ماجه والأحاديث في هذا كثيرة, كلها تدل على هذا المعنى. مسألة:
قال: ولا يجوز بيع القثاء والخيار والباذنجان, وما أشبهه إلا لقطة لقطة وجملة ذلك أنه إذا باع ثمرة شيء من هذه البقول لم يجز إلا بيع الموجود منها دون المعدوم وبهذا قال أبو حنيفة, والشافعي وقال مالك: يجوز بيع الجميع لأن ذلك يشق تمييزه فجعل ما لم يظهر تبعا لما ظهر كما أن ما لم يبد صلاحه تبع لما بدا ولنا, أنها ثمرة لم تخلق فلم يجز بيعها كما لو باعها قبل ظهور شيء منها, والحاجة تندفع ببيع أصوله ولأن ما لم يبد صلاحه يجوز إفراده بالبيع بخلاف ما لم يخلق ولأن ما لم يخلق من ثمرة النخل لا يجوز بيعه تبعا لما خلق, وإن كان ما لم يبد صلاحه تبعا لما بدا إذا تقرر هذا فإن باعها قبل بدو صلاحها لم يجز إلا بشرط القطع, فإن كان بعد بدو صلاحها جاز مطلقا وبشرط القطع والتبقية, على ما ذكرنا في ثمرة الأشجار وقد بينا بماذا يكون بدو صلاحه. فصل:
قال القاضي: ويصح بيع أصول هذه البقول التي تتكرر ثمرتها من غير شرط القطع وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي ولا فرق بين كون الأصول صغارًا أو كبارًا مثمرة أو غير مثمرة, لأنه أصل تكرر فيه الثمرة فأشبه الشجر فإن باع المثمر منه فثمرته الظاهرة للبائع, متروكة إلى حين بلوغها إلا أن يشترطها المبتاع فإن حدثت ثمرة أخرى فهي للمشتري فإن اختلطت بثمرة البائع ولم تتميز, كان الحكم فيها كثمرة الشجرة إذا اختلطت بثمرة أخرى على ما مر حكمه. فصل:
ولا يجوز بيع ما المقصود منه مستور في الأرض كالجزر, والفجل والبصل والثوم حتى يقلع, ويشاهد وهذا قول الشافعي وابن المنذر وأصحاب الرأي وأباحه مالك, والأوزاعي وإسحاق لأن الحاجة داعية إليه فأشبه بيع ما لم يبد صلاحه تبعا لما بدا ولنا أنه مبيع مجهول, لم يره ولم يوصف له فأشبه بيع الحمل ولأن النبي - ﷺ - (نهى عن بيع الغرر) رواه مسلم وهذا غرر وأما بيع ما لم يبد صلاحه, فإنما جاز بيعه لأن الظاهر أنه يتلاحق في الصلاح ويتبع بعضه بعضا فإن كان مما تقصد فروعه وأصوله, كالبصل المبيع أخضر والكراث والفجل, أو كان المقصود فروعه فالأولى جواز بيعه لأن المقصود منه ظاهر فأشبه الشجر, والحيطان التي لها أساسات مدفونة ويدخل ما لم يظهر في البيع تبعا فلا تضر جهالته كالحمل في البطن, واللبن في الضرع مع الحيوان وإن كان معظم المقصود منه أصوله لم يجز بيعه في الأرض لأن الحكم للأغلب فإن تساويا لم يجز لأن الأصل اعتبار الشرط في الجميع, وإنما سقط اعتباره فيما كان معظم المقصود منه ظاهرا تبعا ففيما عداه يبقى على الأصل. فصل:
ويجوز بيع الجوز واللوز والباقلا الأخضر في قشرته مقطوعا وفي شجره, وبيع الحب المشتد في سنبله وبيع الطلع قبل تشققه مقطوعا على وجه الأرض, وفي شجره وبهذا قال أبو حنيفة ومالك وقال الشافعي: لا يجوز حتى ينزع عنه قشره الأعلى, إلا في الطلع والسنبل في أحد القولين واحتج بأنه مستور بما لا يدخر عليه ولا مصلحة فيه فلم يجز بيعه, كتراب الصاغة والمعادن وبيع الحيوان المذبوح في سلخه ولنا (أن النبي - ﷺ- نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها وعن بيع السنبل حتى يبيض, ويأمن العاهة) فمفهومه إباحة بيعه إذا بدا صلاحه وابيض سنبله ولأنه مستور بحائل من أصل خلقته فجاز بيعه كالرمان, والبيض والقشر الأسفل ولا يصح قولهم: ليس من مصلحته فإنه لا قوام له في شجره إلا به والباقلا يؤكل رطبا, وقشره يحفظ رطوبته ولأن الباقلا يباع في أسواق المسلمين من غير نكير فكان ذلك إجماعا وكذلك الجوز واللوز في شجرهما والحيوان المذبوح يجوز بيعه في سلخه, فإنه إذا جاز بيعه قبل ذبحه وهو يراد للذبح فكذلك إذا ذبح كما أن الرمانة إذا جاز بيعها قبل كسرها, فكذلك إذا كسرت وأما تراب الصاغة والمعدن فلنا فيهما منع وإن سلم, فليس ذلك من أصل الخلقة في تراب الصاغة ولا بقاؤه فيه من مصلحته بخلاف مسألتنا. مسألة:
قال: وكذلك الرطبة كل جزة وجملة ذلك أن الرطبة وما أشبهها مما تثبت أصوله في الأرض, ويؤخذ ما ظهر منه بالقطع دفعة بعد دفعة كالنعناع, والهندبا وشبههما لا يجوز بيعه إلا أن يبيع الظاهر منه, بشرط القطع في الحال وبذلك قال الشافعي وروى ذلك عن الحسن وعطاء ورخص مالك في أن يشتري جزتين وثلاثا ولا يصح لأن ما في الأرض منه مستور وما يحدث منه معدوم, فلا يجوز بيعه كما لا يجوز بيع ما يحدث من الثمرة فإذا ثبت هذا فمتى اشتراها قبل, لم يجز له إبقاؤها لأن ما لم يظهر منها أعيان لم يتناولها البيع فيكون ذلك للبائع إذا ظهر فيفضي إلى اختلاط المبيع بغيره, والثمرة بخلاف ذلك فإن أخرها حتى طالت فالحكم فيها كالثمرة إذا اشتراها قبل بدو صلاحها ثم تركها حتى بدا صلاحها. فصل:
وإن اشترى قصيلاً من شعير, ونحوه فقطعه ثم عاد فنبت, فهو لصاحب الأرض لأن المشتري ترك الأصل على سبيل الرفض لها فسقط حقه منها كما يسقط حق صاحب الزرع من السنابل التي يخلفها, ولذلك أبيح لكل أحد التقاطها ولو سقط من الزرع حب ثم نبت من العام المقبل فهو لصاحب الأرض نص أحمد على هاتين المسألتين ومما يؤكد ما قلنا أن البائع لو أراد التصرف في أرضه, بعد فصل الزرع بما يفسد الأصول ويقلعها كان له ذلك, ولم يملك المشتري منعه منه ولو كان الباقي مستحقا له لملك منعه منه. مسألة:
قال: والحصاد على المشتري فإن شرطه على البائع بطل البيع الكلام في هذه المسألة في فصلين: الفصل الأول:
أن من اشترى زرعا أو جزة من الرطبة ونحوها, أو ثمرة في أصولها فإن حصاد الزرع وجذ الرطبة, وجزاز الثمرة وقطعها على المشتري لأن نقل المبيع, وتفريغ ملك البائع منه على المشتري كنقل الطعام المبيع من دار البائع ويفارق الكيل والوزن, فإنهما على البائع لأنهما من مؤنة التسليم إلى المشتري والتسليم على البائع وها هنا حصل التسليم بالتخلية بدون القطع, بدليل جواز بيعها والتصرف فيها وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي ولا أعلم فيه مخالفا. الفصل الثاني:
إذا شرطه على البائع, فاختلف أصحابنا فقال الخرقي: يبطل البيع وقال ابن أبي موسى: لا يجوز وقيل: يجوز فإن قلنا: لا يجوز فهل يبطل البيع لبطلان الشرط؟ على روايتين وقال القاضي: المذهب جواز الشرط ذكره ابن حامد وأبو بكر ولم أجد هذا الذي ذكره الخرقي رواية في المذهب واختلف أصحاب الشافعي أيضا فقال بعضهم: إذا شرط الحصاد على البائع فسد البيع قولا واحدا وقال بعضهم: يكون على قولين فمن أفسد قال: لا يصح لثلاثة معان أحدها, أنه شرط العمل في الزرع قبل أن يملكه والثاني أنه شرط ما لا يقتضيه العقد والثالث أنه شرط تأخير التسليم لأن معنى ذلك تسليمه مقطوعا ومن أجازه قال: هذا بيع, وإجارة لأنه باعه الزرع وآجره نفسه على حصاده وكل واحد منهما يصح إفراده بالعقد, فإذا جمعهما جاز كالعينين وقولهم: شرط العمل فيما لا يملكه يبطل بشرط رهن المبيع على الثمن في البيع والثاني يبطل بشرط الرهن, والكفيل والخيار والثالث ليس بتأخير لأنه يمكنه تسليمه قائما, ولأن الشرط من المتسلم فليس ذلك بتأخير التسليم فإذا فسدت هذه المعاني صح لما ذكرناه فإن قيل: فالبيع يخالف حكمه حكم الإجارة لأن الضمان ينتقل في البيع بتسليم العين بخلاف الإجارة, فكيف يصح الجمع بينهما؟ قلنا: كما يصح بيع الشقص والسيف وحكمهما مختلف فإن الشفعة تثبت في الشقص دون السيف, ويجوز الجمع بينهما وقول الخرقي: إن العقد ها هنا يبطل يحتمل أن يختص بهذه المسألة وشبهها مما يفضي الشرط فيه إلى التنازع فإن البائع ربما أراد قطعها من أعلاها, ليبقى له منها بقية والمشتري يريد الاستقصاء عليها ليزيد له ما يأخذه, فيفضي إلى التنازع وهو مفسدة فيبطل البيع من أجله ويحتمل أن يقاس عليه ما أشبهه, من اشتراط منفعة البائع في المبيع لما ذكرنا في صدر المسألة والأول أولى لوجهين أحدهما أنه قال في موضع آخر: ولا يبطل البيع بشرط واحد والثاني أن المذهب, أنه يصح اشتراط منفعة البائع في المبيع مثل أن يشتري ثوبا ويشترط على بائعه خياطته قميصا, أو قلعة ويشترط حذوها نعلا أو جرزة حطب, ويشترط حملها إلى موضع معلوم نص عليه أحمد في رواية مهنا وغيره حتى قال القاضي: لم أجد بما قال الخرقي رواية في أنه لا يصح واحتج أحمد بأن محمد بن مسلمة اشترى من نبطي جرزة حطب, وشارطه على حملها وبه قال إسحاق وأبو عبيد وقال أبو حنيفة: يجوز أن يشتري قلعة ويشترط على البائع تشريكها وحكى عن أبي ثور, والثوري أنهما أبطلا العقد بهذا الشرط لأنه شرط فاسد فأشبه سائر الشروط الفاسدة وروي (عن النبي - ﷺ- أنه نهى عن بيع, وشرط) ولنا ما تقدم ولم يصح أن النبي - ﷺ- نهى عن بيع, وشرط إنما الصحيح (أن النبي - ﷺ - نهى عن شرطين في بيع) كذا ذكره الترمذي وهذا دال بمفهومه على جواز الشرط الواحد قال أحمد: إنما النهي عن شرطين في بيع أما الشرط الواحد فلا بأس به. فصل:
ويصح أن يشترط البائع نفع المبيع مدة معلومة مثل أن يبيع دارا, ويستثنى سكناها شهرا أو جملا ويشترط ظهره إلى مكان معلوم, أو عبدا ويستثنى خدمته سنة نص على هذا أحمد وهو قول الأوزاعي وإسحاق, وأبي ثور وابن المنذر وقال الشافعي, وأصحاب الرأي: لا يصح الشرط (لنهي النبي - ﷺ- عن بيع وشرط) ولأنه ينافي مقتضى البيع فأشبه ما لو شرط أن لا يسلمه وذلك لأنه شرط تأخير تسليم المبيع إلى أن يستوفي البائع منفعته, ولأن مقتضى البيع ملك المبيع ومنافعه وهذا شرط ينافيه وقال ابن عقيل: فيه رواية ثانية, أنه يبطل البيع والشرط نقلها عبد الله بن محمد الفقيه في الرجل يشتري من الرجل جارية, ويشترط أن تخدمه فالبيع باطل وهذه الرواية لا تدل على محل النزاع في هذه المسألة فإن اشتراط خدمة الجارية باطل لوجهين أحدهما, أنها مجهولة وإطلاقها يقتضي خدمتها أبدا وهذا لا خلاف في بطلانه, إنما الخلاف في اشتراط منفعة معلومة الثاني أن يشترط خدمتها بعد زوال ملكه عنها فيفضي إلى الخلوة بها, والخطر برؤيتها وصحبتها ولا يوجد هذا في غيرها, ولذلك منع إعارة الجارية الشابة لغير محرمها وقال مالك: إذا اشترط ركوبا إلى مكان قريب جاز وإن كان إلى مكان بعيد كره لأن اليسير تدخله المسامحة ولنا, ما روى جابر: (أنه باع النبي - ﷺ- جملا واشترط ظهره إلى المدينة) وفي لفظ قال: (فبعته بأوقية واستثنيت حملانه إلى أهلي) متفق عليه وفي لفظ (قال: فبعته منه بخمس أواق, قال: قلت: على أن لي ظهره إلى المدينة قال: ولك ظهره إلى المدينة) ورواه مسلم (ولأن النبي - ﷺ -: نهى عن الثنيا إلا أن تعلم) وهذه معلومة ولأن المنفعة قد تقع مستثناة بالشرع على المشتري فيما إذا اشترى نخلة مؤبرة أو أرضا مزروعة, أو دارا مؤجرة أو أمة مزوجة فجاز أن يستثنيها, كما لو اشترط البائع الثمرة قبل التأبير ولم يصح (نهى النبي - ﷺ- عن بيع وشرط وإنما نهى عن شرطين في بيع) فمفهومه إباحة الشرط الواحد وقياسهم ينتقض باشتراط الخيار والتأجيل في الثمن. فصل:
وإن باعه أمة, واستثنى وطأها مدة معلومة لم يجز لأن الوطء لا يباح في غير ملك أو نكاح لقوله تعالى: {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} [المعارج: 29: 31]. وفارق اشتراط وطء المكاتبة حيث نبيحه لأن المكاتبة مملوكة فيستباح وطؤها بالشرط في المحل المملوك واختار ابن عقيل, أنه لا يباح وطؤها أيضا وهو قول أكثر الفقهاء. فصل:
وإن باع المشتري العين المستثناة منفعتها صح البيع وتكون في يد المشتري الثاني مستثناة أيضا, فإن كان عالما بذلك فلا خيار له لأنه دخل على بصيرة فلم يثبت له خيار, كما لو اشترى معيبا يعلم عيبه فإن لم يعلم فله خيار الفسخ لأنه عيب, فهو كما لو اشترى أمة مزوجة أو دارا مؤجرة وإن أتلف المشتري العين فعليه أجرة المثل لتفويت المنفعة المستحقة لغيره, وثمن المبيع وإن تلفت العين بتفريطه فهو كتلفها بفعله نص عليه أحمد وقال: يرجع البائع على المبتاع بأجرة المثل قال القاضي: معناه عندي, القدر الذي نقصه البائع لأجل الشرط وظاهر كلام أحمد خلاف هذا لأنه يضمن ما فات بتفريطه فضمنه بعوضه وهو أجرة المثل, فأما إن تلفت بغير فعله ولا بتفريطه لم يضمن قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: فعلى المشتري أن يحمله على غيره لأنه كان له حملان؟ قال: لا إنما شرط هذا عليه بعينه ولأنه لم يملكها البائع من جهته, فلم يلزمه عوضها كما لو تلفت النخلة المؤبرة بثمرتها أو غير المؤبرة إذ اشترط البائع ثمرتها, وكما لو باع حائطا واستثنى منه شجرة بعينها فتلفت وقال القاضي: عليه ضمانها أخذا من عموم كلام أحمد وإذا تلفت العين, رجع البائع على المبتاع بأجرة المثل وهو محمول على حالة التفريط على ما ذكرنا. فصل:
وإذا اشترط البائع منفعة المبيع وأراد المشتري أن يعطيه ما يقوم مقام المبيع في المنفعة, أو يعوضه عنها لم يلزمه قبوله وله استيفاء المنفعة من غير المبيع نص عليه أحمد لأن حقه تعلق بها فأشبه ما لو استأجر عينا, فبذل له الآخر مثلها ولأن البائع قد يكون له غرض في استيفاء منافع تلك العين فلا يجبر على قبول عوضها فإن تراضيا على ذلك, جاز لأن الحق لهما ولا يخرج عنهما وإن أراد البائع إعارة العين, أو إجارتها لمن يقوم مقامه فله ذلك في قياس المذهب لأنها منافع مستحقة له فملك ذلك فيها, كمنافع الدار المستأجرة والموصى بمنافعها ولا يجوز إجارتها إلا لمثله في الانتفاع فإن أراد إجارتها أو إعارتها لمن يضر بالعين بانتفاعه, لم يجز ذلك كما لا يجوز له إجارة العين المستأجرة لمن لا يقوم مقامه ذكر ذلك ابن عقيل. فصل:
إذا اشترط المشتري منفعة البائع في المبيع فأقام البائع مقامه من يعمل العمل فله ذلك لأنه ها هنا بمنزلة الأجير المشترك, يجوز أن يعمل العمل بنفسه وبمن يقوم مقامه وإن أراد بذل العوض عن ذلك لم يلزم المشتري قبوله, وإن أراد المشتري أخذ العوض عنه لم يلزم البائع بدله لأن المعاوضة عقد تراض فلم يجبر عليه أحد وإن تراضيا عليه, احتمل الجواز لأنها منفعة يجوز أخذ العوض عنها لو لم يشترطها فإذا ملكها المشتري, جاز له أخذ العوض عنها كما لو استأجرها وكما يجوز أن يؤجر المنافع الموصي بها من ورثة الموصي, ويحتمل أن لا يجوز لأنه مشترط بحكم العادة والاستحسان لأجل الحاجة فلم يجز أخذ العوض عنه كالقرض, فإنه يجوز أن يرد في الخبز والخمير أقل أو أكثر ولو أراد أن يأخذ بقدر خبزه وكسره بقدر الزيادة الجائزة لم يجز ولأنه أخذ عوض عن مرفق معتاد جرت العادة بالعفو عنه دون أخذ العوض فأشبه المنافع المستثناة شرعا, وهو ما لو باع أرضا فيها زرع للبائع واستحق تبقيته إلى حين الحصاد فلو أخذه قصيلا لينتفع بالأرض إلى وقت الحصاد, لم يكن له ذلك. فصل:
ولو قال: بعتك هذه الدار وأجرتكها شهرا لم يصح لأنه إذا باعه فقد ملك المشتري المنافع فإذا أجره إياها فقد شرط أن يكون له بدل في مقابلة ما ملكه المشتري فلم يصح قال ابن عقيل: وقد (نهى النبي - ﷺ- عن قفيز الطحان) ومعناه أن يستأجر طحانا, ليطحن له كراء بقفيز منه فيصير كأنه شرط عمله في القفيز عوضا عن عمله في باقي الكراء المطحون ويحتمل الجواز بناء على اشتراط منفعة البائع في المبيع. فصل:
وإن شرط في المبيع إن هو باعه فالبائع أحق به بالثمن فروى المروذي عنه أنه قال: في معنى حديث النبي - ﷺ -: (لا شرطان في بيع) يعني أنه فاسد لأنه شرط أن يبيعه إياه وأن يعطيه إياه بالثمن الأول, فهما شرطان في بيع نهي عنهما ولأنه ينافي مقتضى العقد لأنه شرط أن لا يبيعه لغيره إذا أعطاه ثمنه فهو كما لو شرط أن لا يبيعه إلا من فلان, أو أن لا يبيعه أصلا وروى عنه إسماعيل بن سعيد: البيع جائز لما روى عن ابن مسعود أنه قال: ابتعت من امرأتي زينب الثقفية جارية, وشرطت لها إن بعتها فهي لها بالثمن الذي ابتعتها به فذكرت ذلك لعمر, فقال: لا تقربها ولأحد فيها شرط قال إسماعيل: فذكرت لأحمد الحديث فقال: البيع جائز و "لا تقربها" لأنه كان فيها شرط واحد للمرأة ولم يقل عمر في ذلك البيع: فاسد فحمل الحديث على ظاهره, وأخذ به وقد اتفق عمر وابن مسعود على صحته والقياس يقتضي فساده ويحتمل أن يحمل كلام أحمد في رواية المروذي على فساد الشرط وفي رواية إسماعيل بن سعيد على جواز البيع فيكون البيع صحيحا, والشرط فاسدا كما لو اشتراها بشرط أن لا يبيعها وقول أحمد: " لا تقربها " قد روى مثله في من اشترط في الأمة أن لا يبيعها ولا يهبها أو شرط عليه ولاءها, ولا يقربها والبيع جائز واحتج بحديث عمر: " لا تقربها ولأحد فيها مثنوية " قال القاضي: وهذا على الكراهة لا على التحريم قال ابن عقيل: عندي أنه إنما منع من الوطء لمكان الخلاف في العقد لكونه يفسد بفساد الشرط في بعض المذاهب والله أعلم. مسألة:
قال: وإذا باع حائطا واستثنى منه صاعا لم يجز وإن استثنى منه نخلة أو شجرة بعينها جاز الكلام في هذه المسألة في فصلين. الفصل الأول:
أنه إذا باع ثمرة بستان, واستثنى صاعا أو آصعا أو مدا, أو أمدادا أو باع صبرة واستثنى منها مثل ذلك لم يجز وروى ذلك عن سعيد بن المسيب, والحسن والشافعي والأوزاعي, وإسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي وقال أبو الخطاب: فيه رواية أخرى, أنه يجوز وهو قول ابن سيرين وسالم بن عبد الله, ومالك (لأن النبي - ﷺ -: نهى عن بيع الثنيا إلا أن تعلم) رواه الترمذي وقال: هو حديث حسن صحيح وهذه ثنيا معلومة ولأنه استثنى معلوما أشبه ما إذا استثنى منها جزءا ولنا (أن النبي - ﷺ -: نهى عن الثنيا) رواه البخاري ولأن المبيع معلوم بالمشاهدة لا بالقدر, والاستثناء يغير حكم المشاهدة لأنه لا يدري كم يبقى في حكم المشاهدة فلم يجز ويخالف الجزء فإنه لا يغير حكم المشاهدة, ولا يمنع المعرفة بها. فصل:
وإن باع شجرة أو نخلة واستثنى أرطالا معلومة, فالحكم فيه كما لو باع حائطا واستثنى آصعا وقال القاضي في " شرحه ": يصح لأن الصحابة رضي الله عنهم أجازوا استثناء سواقط الشاة والصحيح ما ذكرناه وهذا أشبه بمسألة الصاع من الحائط وإليها أقرب, والمعنى الذي ذكرناه فيها متحقق ها هنا فلا يصح والله أعلم. الفصل الثاني:
أنه إذا استثنى نخلة أو شجرة بعينها, جاز ولا نعلم في ذلك خلافا وذلك لأن المستثنى معلوم ولا يؤدي إلى جهالة المستثنى منه وإن استثنى شجرة غير معينة لم يجز لأن الاستثناء غير معلوم, فصار المبيع والمستثنى مجهولين وروي عن ابن عمر أنه باع ثمرته بأربعة آلاف واستثنى طعام القيان وهذا يحتمل أنه استثنى نخلا معينا بقدر طعام القيان لأنه لو حمل على غير ذلك لكان مخالفا (لنهى النبي - ﷺ - عن الثنيا إلا أن تعلم) ولأن المستثنى متى كان مجهولا لزم أن يكون الباقي بعده مجهولا, فلا يصح بيعه كما لو قال: بعتك من هذه الثمرة طعام القيان. فصل:
وإن استثنى جزءا معلوما من الصبرة أو الحائط مشاعا كثلث, أو ربع أو أجزاء كسبعين, أو ثلاثة أثمان صح البيع والاستثناء ذكره أصحابنا وهو مذهب الشافعي وقال أبو بكر وابن أبي موسى: لا يجوز ولنا أنه لا يؤدي إلى جهالة المستثنى ولا المستثنى منه, فصح كما لو اشترى شجرة بعينها وذلك لأن معنى: بعتك هذه الصبرة إلا ثلثها أي بعتك ثلثيها وقوله: إلا ربعها معناه: بعتك ثلاثة أرباعها ولو باع حيوانا واستثنى ثلثه, جاز وكان معناه بعتك ثلثيه ومنع منه القاضي أبو يعلى قياسا على استثناء الشحم ولا يصح لأن الشحم مجهول لا يصح إفراده بالبيع وهذا معلوم ويصح إفراده بالبيع, فصح استثناؤه كالشجرة المعينة وقياس المعلوم على المجهول في الفساد لا يصح, فعلى هذا يصيران شريكين فيه للمشتري ثلثاه وللبائع ثلثه. فصل:
فإن قال: بعتك قفيزا من هذه الصبرة إلا مكوكا جاز لأن القفيز معلوم والمكوك معلوم, فلا يفضي إلى الجهالة ولو قال: بعتك هذه الثمرة بأربعة دراهم إلا بقدر درهم صح لأن قدره معلوم من المبيع وهو الربع, فكأنه قال: بعتك ثلاثة أرباع هذه الثمرة بأربعة دراهم ولو قال: إلا ما يساوي درهما لم يصح لأن ما يساوي الدرهم قد يكون الربع أو أكثر أو أقل فيكون مجهولا, فيبطل. فصل:
وإن باع قطيعا واستثنى منه شاة بعينها صح وإن استثنى شاة غير معينة, لم يصح نص عليه وهذا قول أكثر أهل العلم وقال مالك: يصح أن يبيع مائة شاة إلا شاة يختارها أو يبيع ثمرة حائطه ويستثنى ثمرة نخلات يعدها ولنا (أن النبي - ﷺ -: نهى عن الثنيا إلا أن تعلم ونهى عن بيع الغرر) ولأنه مبيع مجهول, والمستثنى منه مجهول فلم يصح كما لو قال: إلا شاة مطلقة ولأنه مبيع مجهول, فلم يصح كما لو قال: بعتك شاة تختارها من القطيع وضابط هذا الباب أنه لا يصح استثناء ما لا يصح بيعه مفردا أو بيع ما عداه منفردا عن المستثنى, ونحو هذا مذهب أبي حنيفة والشافعي إلا أن أصحابنا استثنوا من هذا سواقط الشاة, وجلدها للأثر الوارد فيه والحمل على رواية الجواز لفعل ابن عمر وما عدا هذا فيبقي على الأصل. فصل:
وإن باع حيوانا مأكولا واستثنى رأسه وجلده وأطرافه وسواقطه, صح نص عليه أحمد وقال مالك: يصح في السفر دون الحضر لأن المسافر لا يمكنه الانتفاع بالجلد والسواقط فجوز له شراء اللحم دونها وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يجوز لأنه لا يجوز إفراده بالعقد فلم يجز استثناؤه كالحمل ولنا (أن النبي - ﷺ- نهى عن الثنيا إلا أن تعلم) وهذه معلومة, وروى (أن النبي - ﷺ - لما هاجر إلى المدينة ومعه أبو بكر وعامر بن فهيرة مروا براعي غنم, فذهب أبو بكر وعامر فاشتريا منه شاة وشرطا له سلبها) وروى أبو بكر في "الشافي" بإسناده عن جابر, عن الشعبي قال: قضى زيد بن ثابت وأصحاب رسول الله - ﷺ - في بقرة باعها رجل واشترط رأسها فقضى بالشروى يعنى أن يعطي رأسا مثل رأس ولأن المستثنى والمستثنى منه معلومان, فصح كما لو باع حائطا واستثنى منه نخلة معينة وكونه لا يجوز إفراده بالبيع يبطل بالثمرة قبل التأبير لا يجوز إفرادها بالبيع بشرط التبقية, ويجوز استثناؤها والحمل مجهول ولنا فيه منع فإن امتنع المشتري من ذبحها لم يجبر عليه, ويلزمه قيمة ذلك على التقريب نص عليه لما روى عن على ـ رضي الله عنه ـ أنه قضى في رجل اشترى ناقة وشرط ثنياها فقال: اذهبوا إلى السوق فإذا بلغت أقصى ثمنها, فأعطوه حساب ثنياها من ثمنها. فصل:
فإن استثنى شحم الحيوان لم يصح نص عليه أحمد قال أبو بكر: لا يختلفون عن أبي عبد الله أنه لا يجوز ذلك (لأن النبي - ﷺ - نهي عن الثنيا إلا أن تعلم) ولأنه مجهول لا يصح إفراده بالبيع, فلم يصح استثناؤه كفخذها وإن استثنى الحمل, لم يصح استثناؤه لذلك وهذا قول أبي حنيفة ومالك والثوري, والشافعي وقد نقل عن أحمد صحته وبه قال الحسن والنخعي, وإسحاق وأبو ثور لما روى نافع عن ابن عمر أنه باع جارية, واستثنى ما في بطنها ولأنه يصح استثناؤه في العتق فصح في البيع قياسا عليه ولنا ما تقدم والصحيح من حديث ابن عمر أنه أعتق جارية واستثنى ما في بطنها لأن الثقات الحفاظ حدثوا الحديث, فقالوا: أعتق جارية والإسناد واحد قاله أبو بكر ولا يلزم من الصحة في العتق الصحة في البيع لأن العتق لا تمنعه الجهالة ولا العجز عن التسليم ولا يعتبر فيه شروط البيع. فصل:
وإن باع جارية حاملا بحر فقال القاضي: لا يصح وهو مذهب الشافعي لأنه لا يدخل في البيع, فكأنه مستثنى والأولى صحته لأن المبيع معلوم وجهالة الحمل لا تضر من حيث إنه ليس بمبيع ولا مستثنى باللفظ وقد يستثنى بالشرع ما لا يصح استثناؤه باللفظ, كما لو باع أمة مزوجة صح ووقعت منفعة البضع مستثناة بالشرع ولو استثناها باللفظ لم يجز ولو باع أرضا فيها زرع للبائع أو نخلة مؤبرة, لوقعت منفعتها مستثناة بالشرع مدة بقاء الزرع والثمرة ولو استثناها بقوله لم يجز. فصل:
ولو باع دارا إلا ذراعا, وهما يعلمان ذرعان الدار جاز وكان مستثنيا جزءا مشاعا منها, لأنه جزء معلوم يصح إفراده بالبيع فجاز استثناؤه كثلثها وربعها, وإن لم يعلما لم يجز لأنه مجهول لا يجوز إفراده بالبيع ولأنه استثنى معلوم المقدار من مبيع معلوم بالمشاهدة, فلم يجز كاستثناء الصاع من ثمرة الحائط والقفيز من الصبرة وهكذا الحكم إذا باعه ضيعة إلا جريبا فمتى علم جربان الضيعة صح, وإلا فلا. فصل:
وإذا باع سمسما واستثنى الكسب لم يجز لأنه قد باعه الشيرج في الحقيقة وهو غير معلوم فإنه غير معين ولا موصوف (ولأن النبي - ﷺ - نهى عن الثنيا إلا أن تعلم) وكذا لو باعه قطنا واستثنى الحب, لم يجز لجهالة ذلك ولأن المستثنى غير معلوم ولو باعه السمسم واستثنى الشيرج لم يجز كذلك. فصل:
ولو باعه بدينار إلا درهما, أو إلا قفيزا من حنطة أو شعير لم يصح البيع لأنه قصد رفع قدر المستثنى من المستثنى منه وقدر ذلك مجهول فيصير الثمن مجهولًا. مسألة:
قال: وإذا اشترى الثمرة دون الأصل, فتلفت بجائحة من السماء رجع بها على البائع الكلام في هذه المسألة في فصول ثلاثة: الفصل الأول:
أن ما تهلكه الجائحة من الثمار من ضمان البائع وبهذا قال أكثر أهل المدينة منهم يحيى بن سعيد الأنصاري ومالك, وأبو عبيد وجماعة من أهل الحديث وبه قال الشافعي في القديم وقال أبو حنيفة والشافعي في الجديد: هو من ضمان المشتري لما روى (أن امرأة أتت النبي - ﷺ - فقالت: إن ابني اشترى ثمرة من فلان, فأذهبتها الجائحة فسألته أن يضع عنه فتألى أن لا يفعل فقال النبي - ﷺ -: تألى فلان أن لا يفعل خيرا) متفق عليه ولو كان واجبا لأجبره عليه لأن التخلية يتعلق بها جواز التصرف, فتعلق بها الضمان كالنقل والتحويل ولأنه لا يضمنه إذا أتلفه آدمي, كذلك لا يضمنه بإتلاف غيره ولنا ما روى مسلم في " صحيحه " عن جابر (أن النبي - ﷺ - أمر بوضع الجوائح) وعنه قال: قال رسول الله - ﷺ -: (إن بعت من أخيك ثمرا فأصابته جائحة, فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا لم تأخذ مال أخيك بغير حق؟) رواه مسلم وأبو داود ولفظه: (من باع ثمرا, فأصابته جائحة فلا يأخذ من مال أخيه شيئا على ما يأخذ أحدكم مال أخيه المسلم؟) وهذا صريح في الحكم فلا يعدل عنه قال الشافعي: لم يثبت عندي أن رسول الله - ﷺ - أمر بوضع الجوائح ولو ثبت لم أعده, ولو كنت قائلا بوضعها لوضعتها في القليل والكثير قلنا: الحديث ثابت رواه الأئمة منهم: الإمام أحمد ويحيى بن معين, وعلي بن حرب وغيرهم عن ابن عيينة عن حميد الأعرج, عن سليمان بن عتيق عن جابر ورواه مسلم في " صحيحه " وأبو داود في "سننه " وابن ماجه وغيرهم ولا حجة لهم في حديثهم, فإن فعل الواجب خير فإذا تألى أن لا يفعل الواجب فقد تألى ألا يفعل خيرا فأما الإجبار, فلا يفعله النبي - ﷺ - بمجرد قول المدعى من غير إقرار من البائع ولا حضور ولأن التخلية ليست بقبض تام بدليل ما لو تلفت بعطش عند بعضهم ولا يلزم من إباحة التصرف تمام القبض, بدليل المنافع في الإجارة يباح التصرف فيها ولو تلفت كانت من ضمان المؤجر كذلك الثمرة, فإنها في شجرها كالمنافع قبل استيفائها توجد حالا فحالا, وقياسهم يبطل بالتخلية في الإجارة. الفصل الثاني: أن الجائحة كل آفة لا صنع للآدمي فيها كالريح والبرد, والجراد والعطش لما روى الساجي بإسناده عن جابر (أن النبي - ﷺ - قضى في الجائحة) والجائحة تكون في البرد, والجراد وفي الحبق والسيل, وفي الريح وهذا تفسير من الراوي لكلام النبي - ﷺ - فيجب الرجوع إليه وأما ما كان بفعل آدمي فقال القاضي: المشتري بالخيار بين فسخ العقد ومطالبة البائع بالثمن, وبين البقاء عليه ومطالبة الجاني بالقيمة لأنه أمكن الرجوع ببدله بخلاف التالف بالجائحة الفصل الثالث:
أن ظاهر المذهب, أنه لا فرق بين قليل الجائحة وكثيرها إلا أن ما جرت العادة بتلف مثله كالشيء اليسير الذي لا ينضبط, فلا يلتفت إليه قال أحمد: إني لا أقول في عشر ثمرات ولا عشرين ثمرة ولا أدرى ما الثلث, ولكن إذا كانت جائحة تعرف الثلث أو الربع أو الخمس, توضع وفيه رواية أخرى أن ما كان يعد دون الثلث فهو من ضمان المشتري وهو مذهب مالك والشافعي في القديم لأنه لا بد أن يأكل الطير منها, وتنثر الريح ويسقط منها فلم يكن بد من ضابط واحد فاصل بين ذلك وبين الجائحة, والثلث قد رأينا الشرع اعتبره في مواضع: منها الوصية وعطايا المريض وتساوي جراح المرأة جراح الرجل إلى الثلث قال الأثرم: قال أحمد: إنهم يستعملون الثلث في سبع عشرة مسألة ولأن الثلث في حد الكثرة, وما دونه في حد القلة بدليل قول النبي - ﷺ - في الوصية: ( الثلث والثلث كثير ) فيدل هذا على أنه آخر حد الكثرة, فلهذا قدر به ووجه الأول عموم الأحاديث فإن النبي - ﷺ - أمر بوضع الجوائح وما دون الثلث داخل فيه, فيجب وضعه ولأن هذه الثمرة لم يتم قبضها فكان ما تلف منها من مال البائع وإن كان قليلا, كالتي على وجه الأرض وما أكله الطير أو سقط لا يؤثر في العادة ولا يسمى جائحة, فلا يدخل في الخبر ولا يمكن التحرز منه فهو معلوم الوجود بحكم العادة, فكأنه مشروط إذا ثبت هذا فإنه إذا تلف شيء له قدر خارج عن العادة وضع من الثمن بقدر الذاهب فإن تلف الجميع, بطل العقد ويرجع المشتري بجميع الثمن وأما على الرواية الأخرى فإنه يعتبر ثلث المبلغ, وقيل: ثلث القيمة فإن تلف الجميع أو أكثر من الثلث رجع بقيمة التالف كله من الثمن, وإذا اختلفا في الجائحة أو قدر ما أتلف فالقول قول البائع لأن الأصل السلامة ولأنه غارم والقول في الأصول قول الغارم. فصل:
فإن بلغت الثمرة أوان الجزاز, فلم يجزها حتى اجتيحت فقال القاضي: عندي لا يوضع عنه لأنه مفرط بترك النقل في وقته مع قدرته فكان الضمان عليه ولو اشترى ثمرة قبل بدو صلاحها بشرط القطع, فأمكنه قطعها فلم يقطعها حتى تلفت فهي من ضمانه لأن تلفها بتفريطه وإن تلفت قبل إمكان قطعها, فهي من ضمان بائعها كالمسألة فيها. فصل:
إذا استأجر أرضا فزرعها, فتلف الزرع فلا شيء على المؤجر نص عليه أحمد ولا نعلم فيه خلافا لأن المعقود عليه منافع الأرض, ولم تتلف وإنما تلف مال المستأجر فيها فصار كدار استأجرها ليقصر فيها ثيابا, فتلفت الثياب فيها. مسألة:
قال: ( وإذا وقع البيع على مكيل أو على موزون أو معدود, فتلف قبل قبضه فهو من مال البائع). ظاهر كلام الخرقي أن المكيل والموزون, والمعدود لا يدخل في ضمان المشتري إلا بقبضه سواء كان متعينا, كالصبرة أو غير متعين كقفيز منها وهو ظاهر كلام أحمد ونحوه قول إسحاق وروى عن عثمان بن عفان, وسعيد بن المسيب والحسن والحكم, وحماد بن أبي سليمان أن كل ما بيع على الكيل والوزن لا يجوز بيعه قبل قبضه وما ليس بمكيل ولا موزون يجوز بيعه قبل قبضه وقال القاضي وأصحابه: المراد بالمكيل, والموزون والمعدود ما ليس بمتعين منه, كالقفيز من صبرة والرطل من زبرة ومكيلة زيت من دن, فأما المتعين فيدخل في ضمان المشتري كالصبرة يبيعها من غير تسمية كيل وقد نقل عن أحمد ما يدل على قولهم, فإنه قال في رواية أبي الحارث في رجل اشترى طعاما فطلب من يحمله, فرجع وقد احترق الطعام فهو من مال المشتري واستدل بحديث ابن عمر: ما أدركت الصفقة حيا مجموعا, فهو من مال المشتري وذكر الجوزجاني عنه في من اشترى ما في السفينة صبرة ولم يسم كيلا فلا بأس أن يشرك فيها, ويبيع ما شاء إلا أن يكون بينهما كيل فلا يولى حتى يكال عليه ونحو هذا قال مالك, فإنه قال: ما بيع من الطعام مكايلة أو موازنة لم يجز بيعه قبل قبضه, وما بيع مجازفة أو بيع من غير الطعام مكايلة أو موازنة, جاز بيعه قبل قبضه ووجه ذلك ما روى الأوزاعي عن الزهري, عن حمزة بن عبد الله بن عمر أنه سمع عبد الله بن عمر يقول: (مضت السنة أن ما أدركته الصفقة حيا مجموعا فهو من مال المبتاع) رواه البخاري, عن ابن عمر من قوله تعليقا وقول الصحابي مضت السنة يقتضي سنة النبي - ﷺ - ولأن المبيع المعين لا يتعلق به حق توفية فكان من مال المشتري كغير المكيل والموزون ونقل عن أحمد, أن المطعوم لا يجوز بيعه قبل قبضه سواء كان مكيلا أو موزونا, أو لم يكن وهذا يقتضي أن الطعام خاصة لا يدخل في ضمان المشتري حتى يقبضه فإن الترمذي روى عن أحمد أنه أرخص في بيع ما لا يكال ولا يوزن مما لا يؤكل ولا يشرب قبل قبضه وقال الأثرم: سألت أبا عبد الله عن قوله: نهى عن ربح ما لم يضمن قال: هذا في الطعام وما أشبهه من مأكول أو مشروب, فلا يبيعه حتى يقبضه قال ابن عبد البر: الأصح عن أحمد بن حنبل أن الذي يمنع من بيعه قبل قبضه هو الطعام وذلك لأن النبي - ﷺ - نهى عن بيع الطعام قبل قبضه فمفهومه إباحة بيع ما سواه قبل قبضه وروى ابن عمر قال: (رأيت الذين يشترون الطعام مجازفة يضربون على عهد رسول الله - ﷺ - أن يبيعوه حتى يؤووه إلى رحالهم) وهذا نص في بيع المعين وعموم قوله عليه السلام: (من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه) متفق عليهما ولمسلم عن ابن عمر قال: (كنا نشتري الطعام من الركبان جزافا, فنهانا رسول الله - ﷺ - أن نبيعه حتى ننقله من مكانه) وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن من اشترى طعاما فليس له أن يبيعه حتى يستوفيه ولو دخل في ضمان المشتري جاز له بيعه والتصرف فيه, كما بعد القبض وهذا يدل على تعميم المنع في كل طعام مع تنصيصه على المبيع مجازفة بالمنع وهو خلاف قول القاضي وأصحابه, ويدل بمفهومه على أن ما عدا الطعام يخالفه في ذلك ووجه قول الخرقي أن الطعام المنهي عن بيعه قبل قبضه لا يكاد يخلو من كونه مكيلا أو موزونا أو معدودا, فتعلق الحكم بذلك كتعلق ربا الفضل به ويحتمل أنه أراد المكيل والموزون, والمعدود من الطعام الذي ورد النص بمنع بيعه وهذا أظهر دليلا وأحسن إذا ثبت هذا فإنه إن تلف المبيع من ذلك قبل قبضه بآفة سماوية, بطل العقد ورجع المشتري بالثمن وإن تلف بفعل المشتري استقر الثمن عليه, وكان كالقبض لأنه تصرف فيه وإن أتلفه أجنبي لم يبطل العقد على قياس قوله في الجائحة, ويثبت للمشتري الخيار بين الفسخ والرجوع بالثمن لأن التلف حصل في يد البائع فهو كحدوث العيب في يده وبين البقاء على العقد, ومطالبة المتلف بالمثل إن كان مثليا وبهذا قال الشافعي ولا أعلم فيه مخالفا وإن أتلفه البائع فقال أصحابنا: الحكم فيه كما لو أتلفه أجنبي لأنه أتلفه من يلزمه ضمانه, فأشبه ما لو أتلفه أجنبي وقال الشافعي: ينفسخ العقد ويرجع المشتري بالثمن لا غير لأنه تلف يضمنه به البائع فكان الرجوع عليه بالثمن كالتلف بفعل الله تعالى وفرق أصحابنا بينهما بكونه إذا تلف بفعل الله تعالى, لم يوجد مقتض للضمان سوى حكم العقد بخلاف ما إذا أتلفه فإن إتلافه يقتضي الضمان بالمثل, وحكم العقد يقتضي الضمان بالثمن فكانت الخيرة إلى المشتري في التضمين بأيهما شاء. فصل:
ولو تعيب في يد البائع أو تلف بعضه بأمر سماوي, فالمشتري مخير بين قبوله ناقصا ولا شيء له وبين فسخ العقد والرجوع بالثمن لأنه إن رضيه معيبا, فكأنه اشترى معيبا وهو عالم بعيبه ولا يستحق شيئا من أجل العيب وإن فسخ العقد لم يكن له أكثر من الثمن لأنه لو تلف المبيع كله, لم يكن له أكثر من الثمن فإذا تعيب أو تلف بعضه, كان أولى وإن تعيب بفعل المشتري أو تلف بعضه لم يكن له فسخ لذلك لأنه أتلف ملكه, فلم يرجع على غيره وإن كان ذلك بفعل البائع فقياس قول أصحابنا أن المشتري مخير بين الفسخ والرجوع بالثمن, وبين أخذه والرجوع على البائع بعوض ما أتلف أو عيب وقياس قول الشافعي أن يكون بمنزلة ما لو تلف بفعل الله تعالى وإن كان بفعل أجنبي, فله الخيار بين الفسخ والمطالبة بالثمن وبين أخذ المبيع, ومطالبة المتلف بعوض ما أتلف. فصل:
ولو باع شاة بشعير فأكلته قبل قبضه فإن كانت في يد المشتري, فهو كما لو أتلفه وإن كانت في يد البائع فهو بمنزلة إتلافه له, وكذلك إن كانت في يد أجنبي فهو كإتلافه فإن لم تكن في يد أحد انفسخ البيع لأن المبيع هلك قبل القبض بأمر لا ينسب إلى آدمي, فهو كتلفه بفعل الله تعالى. فصل:
ولو اشترى شاة أو عبدا أو شقصا بطعام فقبض الشاة أو العبد أو باعهما, أو أخذ الشقص بالشفعة ثم تلف الطعام قبل قبضه انفسخ العقد الأول دون الثاني ولا يبطل الأخذ بالشفعة لأنه كمل قبل فسخ العقد, ويرجع مشترى الطعام على مشترى الشاة والعبد والشقص بقيمة ذلك لتعذر رده وعلى الشفيع مثل الطعام لأنه عوض الشقص. مسألة:
قال: [وما عداه فلا يحتاج فيه إلى قبض وإن تلف فهو من مال المشتري] يعني ما عدا المكيل, والموزون والمعدود فإنه يدخل في ضمان المشتري قبل قبضه وقال أبو حنيفة: كل مبيع تلف قبل قبضه من ضمان البائع, إلا العقار وقال الشافعي: كل مبيع من ضمان البائع حتى يقبضه المشتري وحكى أبو الخطاب عن أحمد رواية أخرى كقوله لأن ابن عباس قال: أرى كل شيء بمنزلة الطعام ولأن التسليم واجب على البائع لأنه في يده فإذا تعذر بتلفه انفسخ العقد, كالمكيل والموزون والمعدود ولنا قول النبي - ﷺ -: (الخراج بالضمان) وهذا المبيع نماؤه للمشتري, فضمانه عليه وقول ابن عمر: مضت السنة أن ما أدركته الصفقة حيا مجموعا فهو من مال المبتاع ولأنه لا يتعلق به حق توفية وهو من ضمانه بعد قبضه فكان من ضمانه قبله, كالميراث وتخصيص النبي - ﷺ - الطعام بالنهي عن بيعه قبل قبضه دليل على مخالفة غيره له. فصل:
والمبيع بصفة أو رؤية متقدمة, من ضمان البائع حتى يقبضه المبتاع لأنه يتعلق به حق توفية فجرى مجرى المكيل والموزون قال أحمد: لو اشترى من رجل عبدا بعينه, فمات في يد البائع فهو من مال المشتري إلا أن يطلبه, فيمنعه البائع فهو ضامن لقيمته حين عطب ولو حبسه ببقية الثمن فهو غاصب, ولا يكون رهنا إلا أن يكون قد اشترط عليه في نفس الرهن. فصل:
وقبض كل شيء بحسبه فإن كان مكيلا, أو موزونا بيع كيلا أو وزنا, فقبضه بكيله ووزنه وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة: التخلية في ذلك قبض وقد روى أبو الخطاب عن أحمد رواية أخرى أن القبض في كل شيء بالتخلية مع التمييز لأنه خلى بينه وبين المبيع من غير حائل, فكان قبضا له كالعقار ولنا ما روى أبو هريرة, أن رسول الله - ﷺ - قال: (إذا بعت فكل وإذا ابتعت فاكتل) رواه البخاري وعن النبي - ﷺ - (أنه نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان صاع البائع وصاع المشتري) رواه ابن ماجه, وهذا فيما بيع كيلا وإن بيع جزافا فقبضه نقله لأن ابن عمر قال: كانوا (يضربون على عهد رسول الله - ﷺ- إذا اشتروا طعاما جزافا أن يبيعوه في مكانه حتى يحولوه) وفي لفظ: (كنا نبتاع الطعام جزافا فبعث علينا من يأمرنا بانتقاله من مكانه الذي ابتعناه إلى مكان سواه قبل أن نبيعه) وفي لفظ: (كنا نشتري الطعام من الركبان جزافا فنهانا رسول الله - ﷺ- أن نبيعه حتى ننقله) رواهن مسلم وهذا يبين أن الكيل إنما وجب فيما بيع بالكيل, وقد دل على ذلك أيضا قول النبي - ﷺ -: (إذا سميت الكيل فكل) رواه الأثرم وإن كان المبيع دراهم أو دنانير فقبضها باليد وإن كان ثيابا فقبضها نقلها وإن كان حيوانا, فقبضه تمشيته من مكانه وإن كان مما لا ينقل ويحول فقبضه التخلية بينه وبين مشتريه لا حائل دونه وقد ذكره الخرقي في باب الرهن فقال: إن كان مما ينقل, فقبضه أخذه إياه من راهنه منقولا وإن كان مما لا ينقل فقبضه تخلية راهنه بينه وبين مرتهنه لا حائل دونه ولأن القبض مطلق في الشرع, فيجب الرجوع فيه إلى العرف كالإحراز والتفرق والعادة في قبض هذه الأشياء ما ذكرنا.
=========
والبيع على ضربين أحدهما, الإيجاب والقبول فالإيجاب أن يقول: بعتك أو ملكتك أو لفظ يدل عليهما والقبول, أن يقول: اشتريت أو قبلت ونحوهما فإن تقدم القبول على الإيجاب بلفظ الماضي, فقال: ابتعت منك فقال: بعتك صح لأن لفظ الإيجاب والقبول وجد منهما على وجه تحصل منه الدلالة على تراضيهما به فصح كما لو تقدم الإيجاب وإن تقدم بلفظ الطلب, فقال: بعني ثوبك فقال: بعتك ففيه روايتان إحداهما يصح كذلك وهو قول مالك, والشافعي والثانية لا يصح وهو قول أبي حنيفة لأنه لو تأخر عن الإيجاب لم يصح به البيع, فلم يصح إذا تقدم كلفظ الاستفهام ولأنه عقد عري عن القبول, فلم ينعقد كما لو لم يطلب وحكى أبو الخطاب فيما إذا تقدم بلفظ الماضي روايتين أيضا, فأما إن تقدم بلفظ الاستفهام مثل أن يقول: أتبيعني ثوبك بكذا؟ فيقول: بعتك لم يصح بحال نص عليه أحمد وبه يقول أبو حنيفة والشافعي ولا نعلم عن غيرهم خلافهم لأن ذلك ليس بقبول ولا استدعاء الضرب الثاني, المعاطاة مثل أن يقول: أعطني بهذا الدينار خبزا فيعطيه ما يرضيه أو يقول: خذ هذا الثوب بدينار فيأخذه, فهذا بيع صحيح نص عليه أحمد في من قال لخباز: كيف تبيع الخبز؟ قال: كذا بدرهم قال: زنه وتصدق به فإذا وزنه فهو عليه وقول مالك نحو من هذا, فإنه قال: يقع البيع بما يعتقده الناس بيعا وقال بعض الحنفية: يصح في خسائس الأشياء وحكي عن القاضي مثل هذا قال: يصح في الأشياء اليسيرة دون الكبيرة ومذهب الشافعي -رحمه الله- , أن البيع لا يصح إلا بالإيجاب والقبول وذهب بعض أصحابه إلى مثل قولنا ولنا أن الله أحل البيع, ولم يبين كيفيته فوجب الرجوع فيه إلى العرف كما رجع إليه في القبض والإحراز والتفرق, والمسلمون في أسواقهم وبياعاتهم على ذلك ولأن البيع كان موجودا بينهم معلوما عندهم, وإنما علق الشرع عليه أحكاما وأبقاه على ما كان فلا يجوز تغييره بالرأي والتحكم, ولم ينقل عن النبي - ﷺ - ولا عن أصحابه مع كثرة وقوع البيع بينهم استعمال الإيجاب والقبول, ولو استعملوا ذلك في بياعاتهم لنقل نقلا شائعا ولو كان ذلك شرطا لوجب نقله, ولم يتصور منهم إهماله والغفلة عن نقله ولأن البيع مما تعم به البلوى فلو اشترط له الإيجاب والقبول لبينه - ﷺ - بيانًا عامًا, ولم يخف حكمه لأنه يفضي إلى وقوع العقود الفاسدة كثيرا وأكلهم المال بالباطل ولم ينقل ذلك عن النبي - ﷺ - ولا عن أحد من أصحابه فيما علمناه, ولأن الناس يتبايعون في أسواقهم بالمعاطاة في كل عصر ولم ينقل إنكاره من قبل مخالفينا فكان ذلك إجماعا, وكذلك الحكم في الإيجاب والقبول في الهبة والهدية, والصدقة ولم ينقل عن النبي - ﷺ - ولا عن أحد من أصحابه استعمال ذلك فيه وقد أهدي إلى رسول الله - ﷺ- من الحبشة وغيرها, وكان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة متفق عليه وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله - ﷺ - إذا أتي بطعام سأل عنه: أهدية أم صدقة؟ فإن قيل: صدقة قال لأصحابه: كلوا ولم يأكل وإن قيل: هدية ضرب بيده, وأكل معهم) وفي حديث سلمان حين جاء إلى النبي - ﷺ - بتمر فقال: هذا شيء من الصدقة, رأيتك أنت وأصحابك أحق الناس به (فقال النبي - ﷺ - لأصحابه: كلوا ولم يأكل) ثم أتاه ثانية بتمر فقال: رأيتك لا تأكل الصدقة, وهذا شيء أهديته لك (فقال النبي - ﷺ - : بسم الله وأكل) ولم ينقل قبول ولا أمر بإيجاب وإنما سأل ليعلم هل هو صدقة أو هدية, وفي أكثر الأخبار لم ينقل إيجاب ولا قبول وليس إلا المعاطاة والتفرق عن تراض يدل على صحته, ولو كان الإيجاب والقبول شرطا في هذه العقود لشق ذلك ولكانت أكثر عقود المسلمين فاسدة وأكثر أموالهم محرمة ولأن الإيجاب والقبول إنما يرادان للدلالة على التراضي, فإذا وجد ما يدل عليه من المساومة والتعاطي قام مقامهما, وأجزأ عنهما لعدم التعبد فيه. [خيار المتبايعين] أي باب خيار المتبايعين فحذف اختصارًا. مسألة:
قال أبو القاسم - رحمه الله -: [والمتبايعان كل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما]. في هذه المسألة ثلاثة فصول: فصل:
أحدها أن البيع يقع جائزا ولكل من المتبايعين الخيار في فسخ البيع, ما داما مجتمعين لم يتفرقا وهو قول أكثر أهل العلم, يروى ذلك عن عمر وابن عمر وابن عباس, وأبي هريرة وأبي برزة وبه قال سعيد بن المسيب, وشريح والشعبي وعطاء, وطاوس والزهري والأوزاعي وابن أبي ذئب, والشافعي وإسحاق وأبو عبيد, وأبو ثور وقال مالك وأصحاب الرأي: يلزم العقد بالإيجاب والقبول ولا خيار لهما لأنه روي عن عمر ـ رضي الله عنه ـ : البيع صفقة أو خيار ولأنه عقد معاوضة فلزم بمجرده, كالنكاح والخلع ولنا ما روى ابن عمر عن رسول الله - ﷺ - أنه قال: (إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار, ما لم يتفرقا وكانا جميعا أو يخير أحدهما الآخر, فإن خير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع, وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك أحدهما البيع فقد وجب البيع) متفق عليه وقال - ﷺ -: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا) رواه الأئمة كلهم ورواه عبد الله بن عمر, وعبد الله بن عمرو وحكيم بن حزام وأبو برزة الأسلمي واتفق على حديث ابن عمر, وحكيم ورواه عن نافع عن ابن عمر, مالك وأيوب وعبيد الله بن عمر, وابن جريج والليث بن سعد ويحيى بن سعيد, وغيرهم وهو صريح في حكم المسألة وعاب كثير من أهل العلم على مالك مخالفته للحديث مع روايته له وثبوته عنده, وقال الشافعي - رحمه الله -: لا أدري هل اتهم مالك نفسه أو نافعا؟ وأعظم أن أقول: عبد الله بن عمر وقال ابن أبي ذئب: يستتاب مالك في تركه لهذا الحديث فإن قيل: المراد بالتفرق ها هنا التفرق بالأقوال كما قال الله تعالى: {وما تفرق الذين أوتوا الكتاب} [البينة:4]. وقال النبي - ﷺ -: (ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة) أي بالأقوال والاعتقادات قلنا: هذا باطل لوجوه: منها, أن اللفظ لا يحتمل ما قالوه إذ ليس بين المتبايعين تفرق بلفظ ولا اعتقاد إنما بينهما اتفاق على الثمن والمبيع بعد الاختلاف فيه الثاني أن هذا يبطل فائدة الحديث إذ قد علم أنهما بالخيار قبل العقد في إنشائه وإتمامه, أو تركه الثالث أنه قال في الحديث: (إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار) فجعل لهما الخيار بعد تبايعهما, وقال: (وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك أحدهما البيع فقد وجب البيع) الرابع, أنه يرده تفسير ابن عمر للحديث بفعله فإنه كان إذا بايع رجلا مشى خطوات ليلزم البيع وتفسير أبي برزة له, بقوله على مثل قولنا وهما راويا الحديث وأعلم بمعناه, وقول عمر: البيع صفقة أو خيار معناه أن البيع ينقسم إلى بيع شرط فيه الخيار وبيع لم يشترط فيه, سماه صفقة لقصر مدة الخيار فيه فإنه قد روى عنه أبو إسحاق الجوزجاني مثل مذهبنا ولو أراد ما قالوه, لم يجز أن يعارض به قول النبي ـ ﷺ ـ فلا حجة في قول أحد مع قول النبي ـ ﷺ ـ وقد كان عمر إذا بلغه قول النبي ـ ﷺ ـ رجع عن قوله فكيف يعارض قوله بقوله؟ على أن قول عمر ليس بحجة إذا خالفه بعض الصحابة وقد خالفه ابنه, وأبو برزة وغيرهما ولا يصح قياس البيع على النكاح لأن النكاح لا يقع غالبا إلا بعد روية ونظر وتمكث, فلا يحتاج إلى الخيار بعده ولأن في ثبوت الخيار فيه مضرة لما يلزم من رد المرأة بعد ابتذالها بالعقد, وذهاب حرمتها بالرد وإلحاقها بالسلع المبيعة فلم يثبت فيه خيار لذلك, ولهذا لم يثبت فيه خيار الشرط ولا خيار الرؤية والحكم في هذه المسألة ظاهر لظهور دليله, ووهاء ما ذكره المخالف في مقابلته والله أعلم. الفصل الثاني:
أن البيع يلزم بتفرقهما لدلالة الحديث عليه ولا خلاف في لزومه بعد التفرق, والمرجع في التفرق إلى عرف الناس وعادتهم فيما يعدونه تفرقا لأن الشارع علق عليه حكما ولم يبينه, فدل ذلك على أنه أراد ما يعرفه الناس كالقبض والإحراز, فإن كانا في فضاء واسع كالمسجد الكبير والصحراء, فبأن يمشي أحدهما مستدبرًا لصاحبه خطوات وقيل: هو أن يبعد منه بحيث لا يسمع كلامه الذي يتكلم به في العادة قال أبو الحارث: سئل أحمد عن تفرقة الأبدان؟ فقال: إذا أخذ هذا كذا وهذا كذا, فقد تفرقا وروى مسلم عن نافع قال: فكان ابن عمر إذا بايع, فأراد أن لا يقيله مشي هنيهة ثم رجع وإن كانا في دار كبيرة, ذات مجالس وبيوت فالمفارقة أن يفارقه من بيت إلى بيت أو إلى مجلس, أو صفة أو من مجلس إلى بيت أو نحو ذلك فإن كانا في دار صغيرة, فإذا صعد أحدهما السطح أو خرج منها فقد فارقه وإن كانا في سفينة صغيرة, خرج أحدهما منها ومشى وإن كانت كبيرة صعد أحدهما على أعلاها ونزل الآخر في أسفلها وهذا كله مذهب الشافعي فإن كان المشتري هو البائع, مثل أن يشتري لنفسه من مال ولده أو اشترى لولده من مال نفسه لم يثبت فيه خيار المجلس لأنه تولى طرفي العقد, فلم يثبت له خيار كالشفيع ويحتمل أن يثبت فيه, ويعتبر مفارقة مجلس العقد للزومه لأن الافتراق لا يمكن ها هنا لكون البائع هو المشتري ومتى حصل التفرق لزم العقد, قصدا ذلك أو لم يقصداه علماه أو جهلاه لأن النبي ـ ﷺ- علق الخيار على التفرق وقد وجد ولو هرب أحدهما من صاحبه, لزم العقد لأنه فارقه باختياره ولا يقف لزوم العقد على رضاهما ولهذا كان ابن عمر يفارق صاحبه ليلزم البيع ولو أقاما في المجلس, وسدلا بينهما سترا أو بنيا بينهما حاجزا أو ناما, أو قاما فمضيا جميعا ولم يتفرقا فالخيار بحاله وإن طالت المدة لعدم التفرق وروى أبو داود, والأثرم بإسنادهما عن أبي الوضيء قال: غزونا غزوة لنا, فنزلنا منزلا فباع صاحب لنا فرسا بغلام ثم أقاما بقية يومهما وليلتهما, فلما أصبحا من الغد وحضر الرحيل قام إلى فرسه يسرجه, فندم فأتى الرجل وأخذه بالبيع, فأبى الرجل أن يدفعه إليه فقال: بيني وبينك أبو برزة صاحب رسول الله - ﷺ - فأتيا أبا برزة في ناحية العسكر فقالا له هذه القصة فقال: أترضيان أن أقضي بينكما بقضاء رسول الله - ﷺ -؟ قال رسول الله - ﷺ -: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا) ما أراكما افترقتما فإن فارق أحدهما الآخر مكرها, احتمل بطلان الخيار لوجود غايته وهو التفرق ولأنه لا يعتبر رضاه في مفارقة صاحبه له, فكذلك في مفارقته لصاحبه وقال القاضي: لا ينقطع الخيار لأنه حكم علق على التفرق فلم يثبت مع الإكراه كما لو علق عليه الطلاق ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين فعلى قول من لا يرى انقطاع الخيار, إن أكره أحدهما على فرقة صاحبه انقطع خيار صاحبه كما لو هرب منه, وفارقه بغير رضاه ويكون الخيار للمكره منهما في المجلس الذي يزول عنه فيه الإكراه حتى يفارقه وإن أكرها جميعا انقطع خيارهما لأن كل واحد منهما ينقطع خياره بفرقة الآخر له, فأشبه ما لو أكره صاحبه دونه وذكر ابن عقيل من صور الإكراه ما لو رأيا سبعا أو ظالما خشياه فهربا فزعا منه, أو حملهما سيل أو فرقت ريح بينهما. فصل:
وإن خرس أحدهما قامت إشارته مقام لفظه فإن لم تفهم إشارته, أو جن أو أغمي عليه قام وليه من الأب, أو وصيه أو الحاكم مقامه, وهذا مذهب الشافعي وإن مات أحدهما بطل خياره لأنه قد تعذر منه الخيار والخيار لا يورث وأما الباقي منهما فيبطل خياره أيضا لأنه يبطل بالتفرق والتفرق بالموت أعظم, ويحتمل أن لا يبطل لأن التفرق بالأبدان لم يحصل فإن حمل الميت بطل الخيار لأن الفرقة حصلت بالبدن والروح معا. فصل:
وقد روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده, أن النبي - ﷺ - قال: (البائع والمبتاع بالخيار حتى يتفرقا إلا أن تكون صفقة خيار فلا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله) رواه النسائي, والأثرم والترمذي وقال: حديث حسن وقوله: "إلا أن تكون صفقة خيار" يحتمل أنه أراد البيع المشروط فيه الخيار, فإنه لا يلزم بتفرقهما ولا يكون تفرقهما غاية للخيار فيه لكونه ثابتا بعد تفرقهما ويحتمل أنه أراد البيع الذي شرطا فيه أن لا يكون بينهما فيه خيار فيلزم بمجرد العقد من غير تفرق وظاهر الحديث تحريم مفارقة أحد المتبايعين لصاحبه خشية من فسخ البيع, وهذا ظاهر كلام أحمد في رواية الأثرم فإنه ذكر له فعل ابن عمر وحديث عمرو بن شعيب, فقال: هذا الآن قول النبي - ﷺ - وهذا اختيار أبي بكر وذكر القاضي أن ظاهر كلام أحمد, جواز ذلك لأن ابن عمر كان إذا اشترى شيئا يعجبه فارق صاحبه متفق عليه والأول أصح لأن قول النبي - ﷺ- يقدم على فعل ابن عمر والظاهر أن ابن عمر لم يبلغه هذا ولو علمه لما خالفه الفصل الثالث:
أن ظاهر كلام الخرقي أن الخيار يمتد إلى التفرق ولا يبطل بالتخاير قبل العقد ولا بعده, وهو إحدى الروايتين عن أحمد لأن أكثر الروايات عن النبي - ﷺ -: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا) من غير تقييد ولا تخصيص هكذا رواه حكيم بن حزام, وأبو برزة وأكثر الروايات عن عبد الله بن عمر والرواية الثانية أن الخيار يبطل بالتخاير اختارها الشريف بن أبي موسى وهذا مذهب الشافعي, وهو أصح لقول النبي - ﷺ - في حديث ابن عمر: (فإن خير أحدهما صاحبه فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع) يعني لزم وفي لفظ: (المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا, إلا أن يكون البيع كان عن خيار فإن كان البيع عن خيار فقد وجب البيع) متفق عليه والأخذ بالزيادة أولى والتخاير في ابتداء العقد وبعده في المجلس واحد فالتخاير في ابتدائه أن يقول: بعتك ولا خيار بيننا ويقبل الآخر على ذلك, فلا يكون لهما خيار والتخاير بعده أن يقول كل واحد منهما بعد العقد: اخترت إمضاء العقد أو إلزامه أو اخترت العقد, أو أسقطت خيارى فيلزم العقد من الطرفين وإن اختار أحدهما دون الآخر لزم في حقه وحده, كما لو كان خيار الشرط لهما فأسقط أحدهما خياره دون الآخر وقال أصحاب الشافعي: في التخاير في ابتداء العقد قولان أظهرهما لا يقطع الخيار لأنه إسقاط للحق قبل سببه, فلم يجز كخيار الشفعة فعلى هذا هل يبطل العقد بهذا الشرط؟ على وجهين, بناء على الشروط الفاسدة ولنا قوله عليه السلام: (فإن خير أحدهما صاحبه فتبايعا على ذلك, فقد وجب البيع) وقوله: (إلا أن يكون البيع كان عن خيار فإن كان البيع عن خيار وجب البيع) وهذا صريح في الحكم فلا يعول على ما خالفه ولأن ما أثر في الخيار في المجلس, أثر فيه مقارنا للعقد كاشتراط الخيار ولأنه أحد الخيارين في البيع فجاز إخلاؤه عنه, كخيار الشرط وقولهم: إنه إسقاط للخيار قبل سببه ليس كذلك فإن سبب الخيار البيع المطلق فأما البيع مع التخاير فليس بسبب له ثم لو ثبت أنه سبب الخيار, لكن المانع مقارن له فلم يثبت حكمه وأما الشفيع, فإنه أجنبي من العقد فلم يصح اشتراط إسقاط خياره في العقد بخلاف مسألتنا فإن قال أحدهما لصاحبه: اختر ولم يقل الآخر شيئا, فالساكت منهما على خياره لأنه لم يوجد منه ما يبطل خياره وأما القائل فيحتمل أن يبطل خياره لما روى ابن عمر أن النبي - ﷺ- قال: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يقول أحدهما لصاحبه: اختر) رواه البخاري, وأبو داود والنسائي ولأنه جعل لصاحبه ما ملكه من الخيار, فسقط خياره وهذا ظاهر مذهب الشافعي ويحتمل أن لا يبطل خياره لأنه خيره فلم يختر, فلم يؤثر فيه كما لو جعل لزوجته الخيار فلم تختر, شيئا ويحمل الحديث على أنه خيره فاختار والأول أولى لظاهر الحديث ولأنه جعل الخيار لغيره, ويفارق الزوجة لأنه ملكها ما لا تملك فإذا لم تقبل سقط, وها هنا كل واحد منهما يملك الخيار فلم يكن قوله تمليكا إنما كان إسقاطا, فسقط. مسألة:
قال: [فإن تلفت السلعة أو كان عبدا فأعتقه المشتري أو مات, بطل الخيار] أما إذا تلفت السلعة في مدة الخيار فلا يخلو إما أن تكون قبل القبض, أو بعده فإن كان قبل القبض وكان مكيلا, أو موزونا انفسخ البيع وكان من مال البائع, ولا أعلم في هذا خلافا إلا أن يتلفه المشتري فيكون من ضمانه, ويبطل خياره وفي خيار البائع روايتان وإن كان المبيع غير المكيل والموزون ولم يمنع البائع المشتري من قبضه فظاهر المذهب أنه من ضمان المشتري, ويكون كتلفه بعد القبض وأما إن تلف المبيع بعد القبض في مدة الخيار فهو من ضمان المشتري ويبطل خياره وفي خيار البائع روايتان إحداهما, يبطل وهو اختيار الخرقي وأبي بكر لأنه خيار فسخ, فبطل بتلف المبيع كخيار الرد بالعيب إذا تلف المعيب والرواية الثانية لا يبطل, وللبائع أن يفسخ ويطالب المشتري بقيمته وهذا اختيار القاضي وابن عقيل لقول النبي - ﷺ -: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا) ولأنه خيار فسخ فلم يبطل بتلف المبيع, كما لو اشترى ثوبا بثوب فتلف أحدهما ووجد الآخر بالثوب عيبا, فإنه يرده ويرجع بقيمة ثوبه كذا ها هنا وأما إذا أعتقه المشتري, فإن خياره يبطل لأنه أتلفه وفي بطلان خيار البائع روايتان كما لو تلف المبيع وخيار المجلس, وخيار الشرط في هذا كله سواء. فصل:
ومتى تصرف المشتري في المبيع في مدة الخيار تصرفا يختص الملك بطل خياره كإعتاق العبد, وكتابته وبيعه وهبته, ووطء الجارية أو مباشرتها أو لمسها لشهوة, ووقف المبيع وركوب الدابة لحاجته أو سفر, أو حمله عليها أو سكنى الدار ورمها, وحصاد الزرع وقصل منه فما وجد من هذا فهو رضاء بالمبيع, ويبطل به خياره لأن الخيار يبطل بالتصريح بالرضاء وبدلالته ولذلك يبطل خيار المعتقة بتمكينها الزوج من وطئها (وقال لها رسول الله -ﷺ -: إن وطئك فلا خيار لك) وهذا مذهب أبي حنيفة, والشافعي فأما ركوب الدابة لينظر سيرها والطحن على الرحى ليعلم قدر طحنها وحلب الشاة ليعلم قدر لبنها, ونحو ذلك فليس برضا بالبيع ولا يبطل خياره لأن ذلك هو المقصود بالخيار, وهو اختبار المبيع وذكر أبو الخطاب وجها في أن تصرف المشتري لا يبطل خياره ولا يبطل إلا بالتصريح بالرضا ولا يصح لأن هذا يتضمن إجازة البيع, ويدل على الرضا به فبطل به الخيار كصريح القول ولأن التصريح إنما أبطل الخيار لدلالته على الرضا به فما دل على الرضا به يقوم مقامه, ككنايات الطلاق تقوم مقام صريحه وإن عرضه على البيع أو باعه بيعا فاسدا, أو عرضه على الرهن أو غيره من التصرفات أو وهبه, فلم يقبل الموهوب له بطل خياره لأن ذلك يدل على الرضا به قال أحمد: إذا اشترط الخيار فباعه قبل ذلك بربح, فالربح للمبتاع لأنه وجب عليه حين عرضه وإن استخدم المشتري المبيع ففيه روايتان إحداهما لا يبطل خياره, وقال أبو الصقر: قلت لأحمد: رجل اشترى جارية وله الخيار فيها يومين فانطلق بها, فغسلت رأسه أو غمزت رجله أو طحنت له, أو خبزت هل يستوجبها بذلك؟ قال: لا حتى يبلغ منها ما لا يحل لغيره قلت: فإن مشطها, أو خضبها أو حفها هل يستوجبها بذلك؟ قال: قد بطل خياره لأنه وضع يده عليها وذلك لأن الاستخدام لا يختص الملك, ويراد لتجربة المبيع فأشبه ركوب الدابة ليعلم سيرها ونقل حرب عن أحمد, أنه يبطل خياره لأنه انتفاع بالمبيع أشبه لمسها لشهوة ويمكن أن يقال: ما قصد به من الاستخدام تجربة المبيع, لا يبطل الخيار كركوب الدابة ليعلم سيرها وما لا يقصد به ذلك يبطل الخيار, كركوب الدابة لحاجته وإن قبلت الجارية المشتري لم يبطل خياره وهذا مذهب الشافعي وقال أبو الخطاب: يحتمل أن يبطل خياره إذا لم يمنعها لأن إقراره لها على ذلك يجري مجرى استمتاعه بها وقال أبو حنيفة: إن قبلته لشهوة بطل خياره, لأنه استمتاع يختص الملك فأبطل خياره كقبلته لها ولنا: أنها قبلة لأحد المتعاقدين, فلم يبطل خياره كما لو قبلت البائع ولأن الخيار له لا لها, فلو ألزمناه بفعلها لألزمناه بغير رضاه ولا دلالة عليه وفارق ما إذا قبلها فإنه وجد منه ما يدل على الرضا بها ومتى بطل خيار المشتري بتصرفه, فخيار البائع باق بحاله لأن خياره لا يبطل برضا غيره إلا أن يكون تصرف المشتري بإذن البائع فإنه يبطل خيارهما معا لوجود الرضا منهما بإبطاله وإن تصرف البائع في المبيع بما يفتقر إلى الملك, كان فسخا للبيع وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي لما ذكرناه في المشتري ولأنه أحد المتعاقدين, فتصرفه في المبيع اختيار له كالمشتري وعن أحمد رواية أخرى أنه لا ينفسخ البيع بذلك لأن الملك انتقل عنه, فلم يكن تصرفه فيه استرجاعا له كمن وجد ماله عند مفلس فتصرف فيه. فصل:
وينتقل الملك إلى المشتري في بيع الخيار بنفس العقد في ظاهر المذهب, ولا فرق بين كون الخيار لهما أو لأحدهما أيهما كان, وهذا أحد أقوال الشافعي وعن أحمد: أن الملك لا ينتقل حتى ينقضي الخيار وهو قول مالك والقول الثاني للشافعي, وبه قال أبو حنيفة إذا كان الخيار لهما وللبائع وإن كان للمشتري خرج عن ملك البائع فلم يدخل في ملك المشتري لأن البيع الذي فيه الخيار عقد قاصر, فلم ينقل الملك كالهبة قبل القبض والقول الثالث للشافعي: أن الملك موقوف مراعى فإن أمضيا البيع تبينا أن الملك للمشتري, وإلا تبينا أنه لم ينتقل عن البائع ولنا قول النبي - ﷺ -: (من باع عبدًا وله مال فماله للبائع, إلا أن يشترطه المبتاع) رواه مسلم وقوله: (من باع نخلا بعد أن تؤبر فثمرته للبائع إلا أن يشترطه المبتاع) متفق عليه فجعله للمبتاع بمجرد اشتراطه, وهو عام في كل بيع ولأنه بيع صحيح فنقل الملك عقيبه كالذي لا خيار له ولأن البيع تمليك, بدليل قوله: ملكتك فيثبت به الملك كسائر البيع يحققه أن التمليك يدل على نقل الملك إلى المشتري ويقتضيه لفظه, والشرع قد اعتبره وقضى بصحته فيجب أن يعتبره فيما يقتضيه ويدل عليه لفظه وثبوت الخيار فيه لا ينافيه, كما لو باع عرضا بعرض فوجد كل واحد منهما بما اشتراه عيبا وقولهم: إنه قاصر غير صحيح وجواز فسخه لا يوجب قصوره, ولا يمنع نقل الملك كبيع المعيب وامتناع التصرف إنما كان لأجل حق الغير فلا يمنع ثبوت الملك, كالمرهون والمبيع قبل القبض وقولهم: إنه يخرج من ملك البائع ولا يدخل في ملك المشتري لا يصح لأنه يفضي إلى وجود ملك لا مالك له, وهو محال ويفضي أيضا إلى ثبوت الملك للبائع في الثمن من غير حصول عوضه للمشتري أو إلى نقل ملكه عن المبيع من غير ثبوته في عوضه, وكون العقد معاوضة يأبى ذلك وقول أصحاب الشافعي: إن الملك موقوف إن أمضيا البيع تبينا أنه انتقل وإلا فلا غير صحيح أيضا فإن انتقال الملك إنما ينبني على سببه الناقل له, وهو البيع وذلك لا يختلف بإمضائه وفسخه فإن إمضاءه ليس من المقتضي ولا شرطا فيه, إذ لو كان كذلك لما ثبت الملك قبله والفسخ ليس بمانع فإن المنع لا يتقدم المانع كما أن الحكم لا يسبق سببه ولا شرطه ولأن البيع مع الخيار سبب يثبت الملك عقيبه فيما إذا لم يفسخ, فوجب أن يثبته وإن فسخ كبيع المعيب وهذا ظاهر إن شاء الله. فصل:
وما يحصل من غلات المبيع ونمائه المنفصل في مدة الخيار, فهو للمشتري أمضيا العقد أو فسخاه, قال أحمد في من اشترى عبدا فوهب له مال قبل التفرق ثم اختار البائع العبد: فالمال للمشتري وقال الشافعي: إن أمضيا العقد, وقلنا: الملك للمشتري أو موقوف فالنماء المنفصل له وإن قلنا: الملك للبائع فالنماء له وإن فسخا العقد, وقلنا: الملك للبائع أو موقوف فالنماء له وإلا فهو للمشتري ولنا, قول النبي - ﷺ -: (الخراج بالضمان) قال الترمذي: هذا حديث صحيح وهذا من ضمان المشتري فيجب أن يكون خراجه له ولأن الملك ينتقل بالبيع على ما ذكرنا فيجب أن يكون نماؤه له, كما بعد انقضاء الخيار ويتخرج أن يكون النماء المنفصل للبائع إذا فسخا العقد بناء على الرواية التي قلنا: إن الملك لا ينتقل فأما النماء المتصل فهو تابع للمبيع أمضيا العقد, أو فسخاه كما يتبعه في الرد بالعيب والمقايلة. فصل:
وضمان المبيع على المشتري إذا قبضه ولم يكن مكيلا, ولا موزونا فإن تلف أو نقص أو حدث به عيب في مدة الخيار, فهو من ضمانه لأنه ملكه وغلته له فكان من ضمانه, كما بعد انقضاء الخيار ومؤنته عليه وإن كان عبدا فهل هلال شوال, ففطرته عليه لذلك فإن اشترى حاملا فولدت عنده في مدة الخيار ثم ردها على البائع, لزمه رد ولدها لأنه مبيع حدثت فيه بزيادة متصلة فلزمه رده بزيادته كما لو اشترى عبدين, فسمن أحدهما عنده وقال الشافعي في أحد قوليه: لا يرد الولد لأن الحمل لا حكم له لأنه جزء متصل بالأم فلم يأخذ قسطا من الثمن كأطرافها ولنا, أن كل ما يقسط عليه الثمن إذا كان منفصلا يقسط عليه إذا كان متصلا كاللبن وما قالوه يبطل بالجزء المشاع, كالثلث والربع والحكم في الأصل ممنوع, ثم يفارق الحمل الأطراف لأنه يئول إلى الانفصال وينتفع به منفصلا ويصح إفراده بالعتق, والوصية به وله ويرث إن كان من أهل الميراث, ويفرد بالدية ويرثها ورثته ولا يصح قولهم: إنه لا حكم للحمل لهذه الأحكام وغيرها مما ذكرناه في غير هذا الموضع. فصل:
وإن تصرف أحد المتبايعين في مدة الخيار في المبيع تصرفا ينقل المبيع كالبيع, والهبة والوقف أو يشغله, كالإجارة والتزويج والرهن, والكتابة ونحوها لم يصح تصرفه, إلا العتق سواء وجد من البائع أو المشتري لأن البائع تصرف في غير ملكه, والمشتري يسقط حق البائع من الخيار واسترجاع المبيع فلم يصح تصرفه فيه, كالتصرف في الرهن إلا أن يكون الخيار للمشتري وحده فينفذ تصرفه, ويبطل خياره لأنه لا حق لغيره فيه وثبوت الخيار له لا يمنع تصرفه فيه كالمعيب قال أحمد: إذا اشترط الخيار, فباعه قبل ذلك بربح فالربح للمبتاع لأنه قد وجب عليه حين عرضه يعني بطل خياره ولزمه وهذا والله أعلم فيما إذا شرط الخيار له وحده, وكذلك إذا قلنا: إن البيع لا ينقل الملك وكان الخيار لهما أو للبائع وحده, فتصرف فيه البائع نفذ تصرفه وصح لأنه ملكه, وله إبطال خيار غيره وقال ابن أبي موسى: في تصرف المشتري في المبيع قبل التفرق ببيع أو هبة روايتان إحداهما لا يصح لأن في صحته إسقاط حق البائع من الخيار والثانية, هو موقوف فإن تفرقا قبل الفسخ صح وإن اختار البائع الفسخ بطل بيع المشتري قال أحمد في رواية أبي طالب: إذا اشترى ثوبا بشرط فباعه بربح قبل انقضاء الشرط, يرده إلى صاحبه إن طلبه فإن لم يقدر على رده فللبائع قيمة الثوب لأنه استهلك ثوبه, أو يصالحه فقوله: يرده إن طلبه يدل على أن وجوب رده مشروط بطلبه وقد روى البخاري عن (ابن عمر أنه كان مع رسول الله - ﷺ - في سفر, فكان على بكر صعب وكان يتقدم النبي - ﷺ - فيقول له أبوه: لا يتقدم النبي - ﷺ - أحد فقال له النبي - ﷺ -: بعنيه فقال عمر: هو لك يا رسول الله فقال النبي - ﷺ -: هو لك يا عبد الله بن عمر فاصنع به ما شئت) وهذا يدل على أن التصرف قبل التفرق جائز, وذكر أصحابنا في صحة تصرف المشتري بالوقف وجها آخر لأنه تصرف يبطل الشفعة فأشبه العتق والصحيح أنه لا يصح شيء من هذه التصرفات لأن المبيع يتعلق به حق البائع تعلقا يمنع جواز التصرف, فمنع صحته كالرهن ويفارق الوقف العتق لأن العتق مبني على التغليب والسراية بخلاف الوقف وأما حديث ابن عمر, فليس فيه تصريح بالبيع فإن قول عمر: هو لك يحتمل أنه أراد هبة وهو الظاهر, فإنه لم يذكر ثمنا والهبة لا يثبت فيها الخيار وقال الشافعي: تصرف البائع في المبيع بالبيع والهبة ونحوهما صحيح لأنه إما أن يكون على ملكه فيملك بالعقد عليه وإما أن يكون للمشتري, والبائع يملك فسخه فجعل البيع والهبة فسخا وأما تصرف المشتري فلا يصح إذا قلنا: الملك لغيره وإن قلنا: الملك له ففي صحة تصرفه وجهان ولنا, على إبطال تصرف البائع أنه تصرف في ملك غيره بغير ولاية شرعية ولا نيابة عرفية, فلم يصح كما بعد الخيار وقولهم: يملك الفسخ قلنا: إلا أن ابتداء التصرف لم يصادف ملكه فلم يصح, كتصرف الأب فيما وهب لولده قبل استرجاعه وتصرف الشفيع في الشقص المشفوع قبل أخذه. فصل:
وإن تصرف المشتري بإذن البائع أو البائع بوكالة المشتري, صح التصرف وانقطع خيارهما لأن ذلك يدل على تراضيهما بإمضاء البيع فيقطع به خيارهما, كما لو تخايرا ويصح تصرفهما لأن قطع الخيار حصل بالإذن في البيع فيقع البيع بعد انقطاع الخيار وإن تصرف البائع بإذن المشتري, احتمل أن يقع صحيحا لأن ذلك دليل على فسخ البيع أو استرجاع المبيع فيقع تصرفه بعد استرجاعه, ويحتمل أن لا يصح لأن البائع لا يحتاج إلى إذن المشتري في استرجاع المبيع فيصير كتصرفه بغير إذن المشتري وقد ذكرنا أنه لا يصح, كذا ها هنا وكل موضع قلنا: إن تصرف البائع لا ينفذ ولكن ينفسخ به البيع فإنه متى أعاد ذلك التصرف أو تصرف تصرفا سواه, صح لأنه بفسخ البيع عاد إليه الملك فصح تصرفه فيه كما لو فسخ البيع بصريح قوله, ثم تصرف فيه وكذلك إن تقدم تصرفه ما ينفسخ به البيع صح تصرفه لما ذكرنا. فصل:
وإن تصرف أحدهما بالعتق, نفذ عتق من حكمنا بالملك له وظاهر المذهب أن الملك للمشتري فينفذ عتقه, سواء كان الخيار لهما أو لأحدهما لأنه عتق من مالك جائز التصرف فنفذ, كما بعد المدة وقول النبي - ﷺ -: (لا عتق فيما لا يملك ابن آدم) يدل بمفهومه على أنه ينفذ في الملك وملك البائع للفسخ لا يمنع نفوذ العتق كما لو باع عبدا بجارية معينة, فإن مشتري العبد ينفذ عتقه مع أن للبائع الفسخ ولو وهب رجل ابنه عبدا فأعتقه, نفذ عتقه مع ملك الأب لاسترجاعه ولا ينفذ عتق البائع في ظاهر المذهب وقال أبو حنيفة والشافعي, ومالك ينفذ عتقه لأنه ملكه وإن كان الملك انتقل فإنه يسترجعه بالعتق ولنا أنه إعتاق من غير مالك, فلم ينفذ كعتق الأب عبد ابنه الذي وهبه إياه وقد دللنا على أن الملك انتقل إلى المشتري وإن قلنا بالرواية الأخرى, وأن الملك لم ينتقل إلى المشتري نفذ عتق البائع دون المشتري وإن أعتق البائع والمشتري جميعا فإن تقدم عتق المشتري, فالحكم على ما ذكرنا وإن تقدم عتق البائع فينبغي أن لا ينفذ عتق واحد منهما لأن البائع لم ينفذ عتقه لكونه أعتق غير مملوكه, ولكن حصل بإعتاقه فسخ البيع واسترجاع العبد فلم ينفذ عتق المشتري ومتى أعاد البائع الإعتاق مرة ثانية, نفذ إعتاقه لأنه عاد العبد إليه فأشبه ما لو استرجعه بصريح قوله ولو اشترى من يعتق عليه جرى مجرى إعتاقه بصريح قوله, وقد ذكرنا حكمه وإن باع عبدا بجارية بشرط الخيار فأعتقهما, نفذ عتق الأمة دون العبد وإن أعتق أحدهما ثم أعتق الآخر نظرت, فإن أعتق الأمة أولا نفذ عتقها وبطل خياره, ولم ينفذ عتق العبد وإن أعتق العبد أولا انفسخ البيع, ورجع إليه العبد ولم ينفذ إعتاقه ولا ينفذ عتق الأمة لأنها خرجت بالفسخ عن ملكه, وعادت إلى سيدها البائع لها. فصل:
إذا قال لعبده: إذا بعتك فأنت حر ثم باعه صار حرا نص عليه أحمد, وبه قال الحسن وابن أبي ليلى ومالك, والشافعي وسواء شرطا الخيار أو لم يشرطاه وقال أبو حنيفة والثوري: لا يعتق لأنه إذا تم بيعه زال ملكه عنه فلم ينفذ إعتاقه له ولنا, أن زمن انتقال الملك زمن الحرية لأن البيع سبب لنقل الملك وشرط للحرية فيجب تغليب الحرية كما لو قال لعبده: إذا مت فأنت حر, ولأنه علق حريته على فعله للبيع والصادر منه في البيع إنما هو الإيجاب فمتى قال للمشتري: بعتك فقد وجد شرط الحرية فيعتق قبل قبول المشتري, وعلله القاضي بأن الخيار ثابت في كل بيع فلا ينقطع تصرفه فيه فعلى هذا لو تخايرا ثم باعه لم يعتق ولا يصح هذا التعليل على مذهبنا فإننا ذكرنا أن البائع لو أعتق في مدة الخيار لم ينفذ إعتاقه. فصل:
ولا يجوز للمشتري وطء الجارية في مدة الخيار إذا كان الخيار لهما أو للبائع وحده لأنه يتعلق بها حق البائع, فلم يبح له وطؤها كالمرهونة ولا نعلم في هذا اختلافا فإن وطئها فلا حد عليه لأن الحد يدرأ بشبهة الملك فبحقيقته أولى, ولا مهر لها لأنها مملوكته وإن علقت منه فالولد حر يلحقه نسبه لأنه من أمته, ولا يلزمه قيمته وتصير أم ولد له وإن فسخ البائع البيع رجع بقيمتها لأنه تعذر الفسخ فيها, ولا يرجع بقيمة ولدها لأنه حدث في ملك المشتري وإن قلنا: إن الملك لا ينتقل إلى المشتري فلا حد عليه أيضا لأن له فيها شبهة لوجود سبب نقل الملك إليه واختلاف أهل العلم في ثبوت الملك له, والحد يدرأ بالشبهات وعليه المهر وقيمة الولد يكون حكمها حكم نمائها, وإن علم التحريم وأن ملكه غير ثابت فولده رقيق وأما البائع فلا يحل له الوطء قبل فسخ البيع وقال بعض أصحاب الشافعي: له وطؤها لأن البيع ينفسخ بوطئه, فإن كان الملك انتقل رجعت إليه وإن لم يكن انتقل انقطع حق المشتري منها فيكون واطئا لمملوكته التي لا حق لغيره فيها ولنا أن الملك انتقل عنه فلم يحل له وطؤها لقول الله تعالى: {إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} [المؤمنون: 7]. ولأن ابتداء الوطء يقع في غير ملكه, فيكون حراما ولو انفسخ البيع قبل وطئه لم تحل له حتى يستبرئها ولا يلزمه حد وبهذا قال أبو حنيفة, ومالك والشافعي وقال بعض أصحابنا: إن علم التحريم, وأن ملكه قد زال ولا ينفسخ بالوطء فعليه الحد وذكر أن أحمد نص عليه لأن وطأه لم يصادف ملكا ولا شبهة ملك ولنا, أن ملكه يحصل بابتداء وطئه فيحصل تمام الوطء في ملكه مع اختلاف العلماء في كون الملك له, وحل الوطء له ولا يجب الحد مع واحدة من هذه الشبهات فكيف إذا اجتمعت, مع أنه يحتمل أن يحصل الفسخ بالملامسة قبل الوطء فيكون الملك قد رجع إليه قبل وطئه ولهذا قال أحمد في المشتري: إنها قد وجبت عليه حين وضع يده عليها فيما إذا مشطها, أو خضبها أو حفها فبوضع يده عليها للجماع ولمس فرجها بفرجه أولى فعلى هذا يكون ولده منها حرا, ونسبه لاحق به ولا يلزمه قيمته ولا مهر عليه, وتصير الأمة أم ولده وقال أصحابنا: إن علم التحريم فولده رقيق ولا يلحقه نسبه فإن لم يعلم لحقه النسب وولده حر, وعليه قيمته يوم الولادة وعليه المهر ولا تصير الأمة أم ولده, لأنه وطئها في غير ملكه. فصل:
ولا بأس بنقد الثمن وقبض المبيع في مدة الخيار وهو قول أبي حنيفة والشافعي وكرهه مالك قال: لأنه في معنى بيع وسلف إذا أقبضه الثمن ثم تفاسخا البيع صار كأنه أقرضه إياه ولنا, أن هذا حكم من أحكام البيع فجاز في مدة الخيار كالإجارة, وما ذكره لا يصح لأننا لم نجز له التصرف فيه فصل:
قول الخرقي: " أو مات " الظاهر أنه أراد العبد ورد الضمير إليه وهو في معنى قوله: " أو تلفت السلعة " ويحتمل أنه رد الضمير إلى المشتري, وأراد إذا مات المشتري بطل الخيار لأن موت العبد قد تناوله بقوله: " أو تلفت السلعة " والحكم في موت البائع والمشتري واحد والمذهب أن خيار الميت منهما يبطل بموته ويبقى خيار الآخر بحاله إلا أن يكون الميت قد طالب بالفسخ قبل موته فيه, فيكون لورثته وهو قول الثوري وأبي حنيفة ويتخرج أن الخيار لا يبطل وينتقل إلى ورثته لأنه حق مالي, فينتقل إلى الوارث كالأجل وخيار الرد بالعيب ولأنه حق فسخ للبيع, فينتقل إلى الوارث كالرد بالعيب والفسخ بالتحالف, وهذا قول مالك والشافعي ولنا أنه حق فسخ لا يجوز الاعتياض عنه فلم يورث كخيار الرجوع في الهبة. مسألة:
قال: ( وإذا تفرقا من غير فسخ لم يكن لأحدهما رده إلا بعيب أو خيار ) لا خلاف في أن البيع يلزم بعد التفرق, ما لم يكن سبب يقتضي جوازه وقد دل عليه قول النبي - ﷺ-: (وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك أحدهما البيع فقد وجب البيع) وقوله: (البيعان بالخيار حتى يتفرقا) جعل التفرق غاية للخيار وما بعد الغاية يجب أن يكون مخالفا لما قبلها إلا أن يجد بالسلعة عيبا فيردها به, أو يكون قد شرط الخيار لنفسه مدة معلومة فيملك الرد أيضا ولا خلاف بين أهل العلم في ثبوت الرد بهذين الأمرين وقد قال النبي - ﷺ - (المؤمنون على شروطهم) استشهد به البخاري وفي معنى العيب أن يدلس المبيع بما يختلف به الثمن أو يشترط في المبيع صفة يختلف بها الثمن, فيتبين بخلافه فيثبت له الخيار أيضا ويقرب منه ما لو أخبره في المرابحة في الثمن أنه حال فبان مؤجلا, ونحو هذا ونذكر هذا في مواضعه. فصل:
ولو ألحقا في العقد خيارا بعد لزومه لم يلحقه وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة وأصحابه: يلحقه لأن لهما فسخ العقد فكان لهما إلحاق الخيار به كحالة المجلس ولنا, أنه عقد لازم فلم يصر جائزا بقولهما كالنكاح وفارق حال المجلس لأنه جائز. فصل:
وكلام الخرقي يحتمل أن يريد به بيوع الأعيان المرئية فلا يكون فيه تعرض لبيع الغائب, ويحتمل أنه أراد كل ما يسمى خيارا فيدخل فيه خيار الرؤية وغيره وفي بيع الغائب روايتان أظهرهما أن الغائب الذي لم يوصف, ولم تتقدم رؤيته لا يصح بيعه وبهذا قال الشعبي والنخعي والحسن, والأوزاعي ومالك وإسحاق وهو أحد قولي الشافعي وفي رواية أخرى, أنه يصح وهو مذهب أبي حنيفة والقول الثاني للشافعي وهل يثبت للمشتري خيار الرؤية؟ على روايتين أشهرهما ثبوته وهو قول أبي حنيفة واحتج من أجازه بعموم قول الله تعالى: {وأحل الله البيع} [البقرة: 275]. وروى عن عثمان وطلحة, أنهما تبايعا داريهما بالكوفة والأخرى بالمدينة فقيل لعثمان: إنك قد غبنت, فقال: ما أبالي لأني بعت ما لم أره وقيل لطلحة فقال: لي الخيار لأنني اشتريت ما لم أره فتحاكما إلى جبير فجعل الخيار لطلحة وهذا اتفاق منهم على صحة البيع, ولأنه عقد معاوضة فلم تفتقر صحته إلى رؤية المعقود عليه كالنكاح ولنا, ما روى عن النبي - ﷺ- أنه (نهى عن بيع الغرر) رواه مسلم ولأنه باع ما لم يره ولم يوصف له فلم يصح, كبيع النوى في التمر ولأنه نوع بيع فلم يصح مع الجهل بصفة المبيع كالسلم, والآية مخصوصة بالأصل الذي ذكرناه وأما حديث عثمان وطلحة فيحتمل أنهما تبايعا بالصفة على أنه قول صحابي, وفي كونه حجة خلاف ولا يعارض به حديث رسول الله - ﷺ - والنكاح لا يقصد منه المعاوضة ولا يفسد بفساد العوض, ولا يترك ذكره ولا يدخله شيء من الخيارات وفي اشتراط الرؤية مشقة على المخدرات وإضرار بهن على أن الصفات التي تعلم بالرؤية ليست هي المقصودة بالنكاح فلا يضر الجهل بها بخلاف البيع فإن قيل: فقد روي عن النبي - ﷺ - أنه قال: (من اشترى ما لم يره فهو بالخيار إذا رآه) والخيار لا يثبت إلا في عقد صحيح قلنا: هذا يرويه عمر بن إبراهيم الكردي, وهو متروك الحديث ويحتمل أنه بالخيار بين العقد عليه وتركه إذا ثبت هذا فإنه يشترط رؤية ما هو مقصود بالبيع كداخل الثوب, وشعر الجارية ونحوهما فلو باع ثوبا مطويا أو عينا حاضرة, لا يشاهد منها ما يختلف الثمن لأجله كان كبيع الغائب وإن حكمنا بالصحة فللمشتري الخيار عند رؤية المبيع في الفسخ والإمضاء, ويكون على الفور فإن اختار الفسخ فله ذلك وإن لم يفسخ لزم العقد لأن الخيار خيار الرؤية, فوجب أن يكون عندها وقيل: يتقيد بالمجلس الذي وجدت الرؤية فيه لأنه خيار ثبت بمقتضى العقد من غير شرط فتقيد بالمجلس كخيار المجلس وإن اختار الفسخ قبل الرؤية انفسخ لأن العقد غير لازم في حقه فملك الفسخ, كحالة الرؤية وإن اختار إمضاء العقد لم يلزم لأن الخيار يتعلق بالرؤية ولأنه يؤدي إلى إلزام العقد على المجهول, فيفضي إلى الضرر وكذلك لو تبايعا بشرط أن لا يثبت الخيار للمشتري لم يصح الشرط لذلك وهل يفسد البيع بهذا الشرط؟ على وجهين, بناء على الشروط الفاسدة في البيع. فصل:
وإذا وصف المبيع للمشتري فذكر له من صفاته ما يكفي في صحة السلم صح بيعه في ظاهر المذهب وهو قول أكثر أهل العلم وعن أحمد, لا يصح حتى يراه لأن الصفة لا تحصل بها معرفة المبيع فلم يصح البيع بها كالذي لا يصح السلم فيه ولنا أنه بيع بالصفة, فصح كالسلم ولا نسلم أنه لا تحصل به معرفة المبيع فإنها تحصل بالصفات الظاهرة التي يختلف بها الثمن ظاهرا, وهذا يكفي بدليل أنه يكفي في السلم وأنه لا يعتبر في الرؤية الاطلاع على الصفات الخفية وأما ما لا يصح السلم فيه, فلا يصح بيعه بالصفة لأنه لا يمكن ضبطه بها إذا ثبت هذا فإنه متى وجده على الصفة لم يكن له الفسخ وبهذا قال محمد بن سيرين, وأيوب ومالك والعنبري, وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر وقال الثوري, وأبو حنيفة وأصحابه: له الخيار بكل حال لأنه يسمى بيع خيار الرؤية ولأن الرؤية من تمام العقد, فأشبه غير الموصوف ولأصحاب الشافعي وجهان كالمذهبين ولنا أنه سلم له المعقود عليه بصفاته فلم يكن له الخيار كالمسلم فيه, ولأنه مبيع موصوف فلم يكن للعاقد فيه الخيار في جميع الأحوال كالسلم وقولهم: إنه يسمى بيع خيار الرؤية لا نعرف صحته, فإن ثبت فيحتمل أن يسميه من يرى ثبوت الخيار ولا يحتج به على غيره, فأما إن وجده بخلاف الصفة فله الخيار ويسمى خيار الخلف في الصفة لأنه وجد الموصوف بخلاف الصفة فلم يلزمه كالسلم وإن اختلفا, فقال البائع: لم تختلف الصفة وقال المشتري: قد اختلفت فالقول قول المشتري لأن الأصل براءة ذمته من الثمن فلا يلزمه ما لم يقر به, أو يثبت ببينة أو ما يقوم مقامها. فصل:
والبيع بالصفة نوعان أحدهما بيع عين معينة مثل أن يقول: بعتك عبدي التركي ويذكر سائر صفاته, فهذا ينفسخ العقد عليه برده على البائع وتلفه قبل قبضه لكون المعقود عليه معينا فيزول العقد بزوال محله, ويجوز التفرق قبل قبض ثمنه وقبضه كبيع الحاضر. الثاني, بيع موصوف غير معين مثل أن يقول: بعتك عبدا تركيا ثم يستقصي صفات السلم, فهذا في معنى السلم فمتى سلم إليه عبدا على غير ما وصف, فرده أو على ما وصف فأبدله, لم يفسد العقد لأن العقد لم يقع على غير هذا فلم ينفسخ العقد برده كما لو سلم إليه في السلم غير ما وصف له, فرده ولا يجوز التفرق عن مجلس العقد قبل قبض المبيع أو قبض ثمنه وهذا قول الشافعي لأنه بيع في الذمة فلم يجز التفرق فيه قبل قبض أحد العوضين, كالسلم وقال القاضي: يجوز التفرق فيه قبل القبض لأنه بيع حال فجاز التفرق فيه قبل القبض كبيع العين. فصل:
إذا رأيا المبيع, ثم عقدا البيع بعد ذلك بزمن لا تتغير العين فيه جاز في قول أكثر أهل العلم وحكي عن أحمد رواية أخرى لا يجوز حتى يرياها حالة العقد وحكي ذلك عن الحكم, وحماد لأن ما كان شرطا في صحة العقد يجب أن يكون موجودا حال العقد كالشهادة في النكاح ولنا, أنه معلوم عندهما أشبه ما لو شاهداه حال العقد والشرط إنما هو العلم, وإنما الرؤية طريق للعلم ولهذا اكتفى بالصفة المحصلة للعلم والشهادة في النكاح تراد لحل العقد والاستيثاق عليه, فلهذا اشترطت حال العقد ويقرر ما ذكرناه ما لو رأيا دارا ووقفا في بيت منها أو أرضا, ووقفا في طريقها وتبايعاها صح بلا خلاف مع عدم المشاهدة للكل في الحال ولو كانت الرؤية المشروطة للبيع مشروطة حال العقد لاشترط رؤية جميعه, ومتى وجد المبيع بحاله لم يتغير لزم البيع, وإن كان ناقصا ثبت له الخيار لأن ذلك كحدوث العيب وإن اختلفا في التغير فالقول قول المشتري مع يمينه لأنه يلزمه الثمن فلا يلزمه ما لم يعترف به فأما إن عقد البيع بعد رؤية المبيع بمدة يتحقق فيها فساد المبيع, لم يصح البيع لأنه مما لا يصح بيعه وإن لم يتغير فيها لم يصح بيعه لأنه مجهول وكذلك إن كان الظاهر تغيره فأما إن كان يحتمل التغير وعدمه, وليس الظاهر تغيره صح بيعه لأن الأصل السلامة ولم يعارضه ظاهر, فصح بيعه كما لو كانت الغيبة يسيرة وهذا ظاهر مذهب الشافعي. فصل:
ويثبت الخيار في البيع للغبن في مواضع: أحدها, تلقى الركبان إذا تلقاهم فاشترى منهم وباعهم وغبنهم الثاني: بيع النجش ويذكران في مواضعهما الثالث: المسترسل إذا غبن غبنا يخرج عن العادة فله الخيار بين الفسخ والإمضاء وبهذا قال مالك, وقال ابن أبي موسى وقد قيل: قد لزمه البيع وليس له فسخه وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي لأن نقصان قيمة السلعة مع سلامتها لا يمنع لزوم العقد, كبيع غير المسترسل وكالغبن اليسير ولنا أنه غبن حصل لجهله بالمبيع, فأثبت الخيار كالغبن في تلقي الركبان فأما غير المسترسل, فإنه دخل على بصيرة بالغبن فهو كالعالم بالعيب وكذا لو استعجل, فجهل ما لو تثبت لعلمه لم يكن له خيار لأنه انبنى على تقصيره وتفريطه والمسترسل هو الجاهل بقيمة السلعة ولا يحسن المبايعة قال أحمد: المسترسل, الذي لا يحسن أن يماكس وفي لفظ الذي لا يماكس فكأنه استرسل إلى البائع فأخذ ما أعطاه من غير مماكسة, ولا معرفة بغبنه فأما العالم بذلك والذي لو توقف لعرف إذا استعجل في الحال فغبن, فلا خيار لهما ولا تحديد للغبن في المنصوص عن أحمد وحده أبو بكر في "التنبيه" وابن أبي موسى في "الإرشاد" بالثلث وهو قول مالك لأن الثلث كثير بدليل قول النبي - ﷺ -: (والثلث كثير) وقيل: بالسدس, وقيل: ما لا يتغابن الناس به في العادة لأن ما لا يرد الشرع بتحديده يرجع فيه إلى العرف. فصل:
وإذا وقع البيع على غير معين كقفيز من صبرة ورطل زيت من دن, فمقتضى قول الخرقي إذا تفرقا من غير فسخ لم يكن لأحدهما رده, إلا بعيب أو خيار لأن البيع ها هنا يلزم بالتفرق سواء تقابضا أو لم يتقابضا وقال القاضي: البيع لا يلزم إلا بالقبض كالمكيل والموزون وهذا تصريح بأنه لا يلزم قبل قبضه وذكر في موضع آخر, من اشترى قفيزين من صبرتين فتلفت إحداهما قبل القبض بطل العقد في التالف دون الباقي, رواية واحدة ولا خيار للبائع وهذا يدل على اللزوم في حق البائع قبل القبض فإنه لو كان جائزا كان له الخيار, سواء تلفت إحداهما أو لم تتلف ووجه الجواز أنه مبيع لا يملك بيعه, ولا التصرف فيه فكان البيع فيه جائزا كما قبل التفرق ولأنه لو تلف لكان من ضمان البائع ووجه الأول, قول النبي - ﷺ -: (وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك أحدهما البيع فقد وجب البيع) وما ذكرناه للقول الآخر ينتقض ببيع ما تقدمت رؤيته, وبيع الموصوف والسلم فإن ذلك لازم مع ما ذكرناه, وكذلك سائر المبيع على إحدى الروايتين. مسألة:
قال: [والخيار يجوز أكثر من ثلاث] يعني ثلاث ليال بأيامها وإنما ذكر الليالي لأن التاريخ يغلب فيه التأنيث قال الله تعالى: {وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة} [الأعراف: 142]. وقال تعالى: {يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} [البقرة: 234]. وفي حديث حبان: (ولك الخيار ثلاثا) ويجوز اشتراط الخيار ما يتفقان عليه من المدة المعلومة قلت مدته أو كثرت, وبذلك قال أبو يوسف ومحمد وابن المنذر وحكي ذلك عن الحسن بن صالح, والعنبري وابن أبي ليلى وإسحاق, وأبي ثور وأجازه مالك فيما زاد على الثلاث بقدر الحاجة مثل قرية لا يصل إليها في أقل من أربعة أيام لأن الخيار لحاجته, فيقدر بها وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يجوز أكثر من ثلاث لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: ما أجد لكم أوسع مما جعل رسول الله - ﷺ - لحبان جعل له الخيار ثلاثة أيام, إن رضي أخذ وإن سخط ترك ولأن الخيار ينافي مقتضى البيع لأنه يمنع الملك واللزوم وإطلاق التصرف وإنما جاز لموضع الحاجة, فجاز القليل منه وآخر حد القلة ثلاث قال الله تعالى: {فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام} [هود: 65]. بعد قوله: {فيأخذكم عذاب قريب} [هود: 64]. ولنا, أنه حق يعتمد الشرط فرجع في تقديره إلى مشترطه كالأجل, أو نقول: مدة ملحقة بالعقد فكانت إلى تقدير المتعاقدين كالأجل ولا يثبت عندنا ما روي عن عمر رضي الله عنه وقد روي عن أنس خلافه وتقدير مالك بالحاجة لا يصح فإن الحاجة لا يمكن ربط الحكم بها لخفائها واختلافها, وإنما يربط بمظنتها وهو الإقدام فإنه يصلح أن يكون ضابطا, وربط الحكم به فيما دون الثلاث وفي السلم والأجل وقول الآخرين: إنه ينافي مقتضى البيع لا يصح فإن مقتضى البيع نقل الملك والخيار لا ينافيه وإن سلمنا ذلك, لكن متى خولف الأصل لمعنى في محل وجب تعدية الحكم لتعدى ذلك المعنى. فصل: ويجوز شرط الخيار لكل واحد من المتعاقدين ويجوز لأحدهما دون الآخر ويجوز أن يشرطا لأحدهما مدة وللآخر دونها لأن ذلك حقهما, وإنما جوز رفقا بهما فكيفما تراضيا به جاز ولو اشترى شيئين وشرط الخيار في أحدهما بعينه دون الآخر صح لأن أكثر ما فيه أنه جمع بين مبيع فيه الخيار, ومبيع لا خيار فيه وذلك جائز بالقياس على شراء ما فيه شفعة, وما لا شفعة فيه فإنه يصح ويحصل كل واحد منهما مبيعا بقسطه من الثمن فإن فسخ البيع مما فيه الخيار, رجع بقسطه من الثمن كما لو وجد أحدهما معيبا فرده وإن شرط الخيار في أحدهما لا بعينه, أو شرط الخيار لأحد المتعاقدين لا بعينه لم يصح لأنه مجهول فأشبه ما لو اشترى واحدا من عبدين لا بعينه ولأنه يفضي إلى التنازع, وربما طلب كل واحد من المتعاقدين ضد ما يطلبه الآخر ويدعي أنني المستحق للخيار أو يطلب من له الخيار رد أحد المبيعين, ويقول الآخر: ليس هذا الذي شرطت لك الخيار فيه ويحتمل أن لا يصح شرط الخيار في أحد المبيعين بعينه كما لا يصح بيعه بقسطه من الثمن وهذا الفصل كله مذهب الشافعي. فصل:
وإن شرط الخيار لأجنبي, صح وكان اشتراطا لنفسه وتوكيلا لغيره, وهذا قول أبي حنيفة ومالك وللشافعي فيه قولان أحدهما لا يصح, وكذلك قال القاضي: إذا أطلق الخيار لفلان أو قال لفلان دوني لم يصح لأن الخيار شرط لتحصيل الحظ لكل واحد من المتعاقدين بنظره فلا يكون لمن لا حظ له فيه وإن جعل الأجنبي وكيلا, صح ولنا أن الخيار يعتمد شرطهما ويفوض إليهما, وقد أمكن تصحيح شرطهما وتنفيذ تصرفهما على الوجه الذي ذكرناه فلا يجوز إلغاؤه مع إمكان تصحيحه لقول النبي - ﷺ -: (المسلمون على شروطهم) فعلى هذا, يكون لكل واحد من المشترط ووكيله الذي شرط الخيار له الفسخ ولو كان المبيع عبدا فشرط الخيار له صح, سواء شرطه له البائع أو المشتري لأنه بمنزلة الأجنبي وإن كان العاقد وكيلا فشرط الخيار لنفسه, صح فإن النظر في تحصيل الحظ مفوض إليه وإن شرطه للمالك صح لأنه هو المالك, والحظ له وإن شرطه لأجنبي لم يصح لأنه ليس له أن يوكل غيره ويحتمل الجواز, بناء على الرواية التي تقول: للوكيل التوكيل. فصل:
ولو قال: بعتك على أن أستأمر فلانا وحدد ذلك بوقت معلوم فهو خيار صحيح, وله الفسخ قبل أن يستأمره لأنا جعلنا ذلك كناية على الخيار وهذا قول بعض أصحاب الشافعي وإن لم يضبطه بمدة معلومة فهو خيار مجهول, حكمه حكمه. فصل:
وإن شرط الخيار يوما أو ساعات معلومة اعتبر ابتداء مدة الخيار من حين العقد في أحد الوجهين والآخر من حين التفرق لأن الخيار ثابت في المجلس حكما, فلا حاجة إلى إثباته بالشرط ولأن حالة المجلس كحالة العقد لأن لهما فيه الزيادة والنقصان فكان كحالة العقد في ابتداء مدة الخيار بعد انقضائه والأول أصح لأنها مدة ملحقة بالعقد, فكان ابتداؤها منه كالأجل ولأن الاشتراط سبب ثبوت الخيار فيجب أن يتعقبه حكمه, كالملك في البيع ولأننا لو جعلنا ابتداءه من حين التفرق أدى إلى جهالته لأننا لا نعلم متى يتفرقان فلا نعلم متى ابتداؤه, ولا متى انتهاؤه ولا يمنع ثبوت الحكم بسببين كتحريم الوطء بالصيام والإحرام والظهار وعلى هذا, لو شرطا ابتداءه من حين التفرق لم يصح لذلك إلا على الرواية التي تقول بصحة الخيار المجهول وإن قلنا: ابتداؤه من حين التفرق فشرطا ثبوته من حين العقد, صح لأنه معلوم الابتداء والانتهاء ويحتمل أن لا يصح لأن الخيار في المجلس يغني عن خيار آخر فيمنع ثبوته والأول أولى ومذهب الشافعي في هذا الفصل كله كما ذكرنا. فصل:
وإن شرطا الخيار إلى الليل أو الغد, لم يدخل الليل والغد في مدة الخيار وهذا مذهب الشافعي ويتخرج أن يدخل وهو مذهب أبي حنيفة لأن " إلى " تستعمل بمعنى " مع " كقوله تعالى {وأيديكم إلى المرافق} [المائدة: 6]. {ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم} [النساء: 2]. والخيار ثابت بيقين, فلا نزيله بالشك ولنا أن موضوع " إلى " لانتهاء الغاية فلا يدخل ما بعدها فيما قبلها, كقوله سبحانه: {ثم أتموا الصيام إلى الليل} [البقرة: 187]. وكالأجل ولو قال: أنت طالق من واحدة إلى ثلاث أو: له على من درهم إلى عشرة لم يدخل الدرهم العاشر والطلقة الثالثة وليس ها هنا شك فإن الأصل حمل اللفظ على موضوعه, فكأن الواضع قال: متى سمعتم هذه اللفظة فافهموا منها انتهاء الغاية وفي المواضع التي استشهدوا بها حملت على معنى " مع " بدليل, أو لتعذر حملها على موضوعها كما تصرف سائر حروف الصلات عن موضوعها لدليل والأصل حملها على موضوعها ولأن الأصل لزوم العقد, وإنما خولف فيما اقتضاه الشرط فيثبت ما يتيقن منه وما شككنا فيه رددناه إلى الأصل. فصل:
وإن شرط الخيار إلى طلوع الشمس, أو إلى غروبها صح وقال بعض أهل العلم: لا يصح توقيته بطلوعها لأنها قد تتغيم فلا يعلم وقت طلوعها ولنا, أنه تعليق للخيار بأمر ظاهر معلوم فصح كتعليقه بغروبها وطلوع الشمس, بروزها من الأفق كما أن غروبها سقوط القرص ولذلك لو علق طلاق امرأته أو عتق عبده, بطلوع الشمس وقع ببروزها من الأفق وإن عرض غيم يمنع المعرفة بطلوعها فالخيار ثابت حتى يتيقن طلوعها, كما لو علقه بغروبها فمنع الغيم المعرفة بوقته ولو جعل الخيار إلى طلوع الشمس من تحت السحاب أو إلى غيبتها تحته, كان خيارا مجهولا لا يصح في الصحيح من المذهب. فصل:
وإذا شرطا الخيار أبدا أو متى شئنا, أو قال أحدهما: ولى الخيار ولم يذكر مدته أو شرطاه إلى مدة مجهولة كقدوم زيد, أو هبوب ريح أو نزول مطر أو مشاورة إنسان, ونحو ذلك لم يصح في الصحيح من المذهب وهذا اختيار القاضي وابن عقيل, ومذهب الشافعي وعن أحمد أنه يصح وهما على خيارهما أبدا, أو يقطعاه أو تنتهى مدته إن كان مشروطا إلى مدة وهو قول ابن شبرمة لقول النبي - ﷺ -: (المسلمون على شروطهم) وقال مالك يصح وتضرب لهما مدة يختبر المبيع في مثلها في العادة لأن ذلك مقدر في العادة, فإذا أطلقا حمل عليه وقال أبو حنيفة: إن أسقطا الشرط قبل مضى الثلاث أو حذفا الزائد عليها وبينا مدته, صح لأنهما حذفا المفسد قبل اتصاله بالعقد فوجب أن يصح كما لو لم يشرطاه ولنا, أنها مدة ملحقة بالعقد فلا تجوز مع الجهالة كالأجل ولأن اشتراط الخيار أبدا يقتضي المنع من التصرف على الأبد, وذلك ينافى مقتضى العقد فلم يصح كما لو قال: بعتك بشرط أن لا تتصرف وقول مالك: إنه يرد إلى العادة لا يصح, فإنه لا عادة في الخيار يرجع إليها واشتراطه مع الجهالة نادر وقول أبي حنيفة لا يصح فإن المفسد هو الشرط وهو مقترن بالعقد ولأن العقد لا يخلو من أن يكون صحيحا, أو فاسدا فإن كان صحيحا مع الشرط لم يفسد بوجود ما شرطاه فيه, وإن كان فاسدا لم ينقلب صحيحا كما لو باع درهما بدرهمين, ثم حذف أحدهما وعلى قولنا: الشرط فاسد هل يفسد به البيع؟ على روايتين: إحداهما يفسد وهو مذهب الشافعي لأنه عقد قارنه شرط فاسد, فأفسده كنكاح الشغار والمحلل ولأن البائع إنما رضي ببذله بهذا الثمن, مع الخيار في استرجاعه والمشتري إنما رضي ببذل هذا الثمن فيه مع الخيار في فسخه, فلو صححناه لأزلنا ملك كل واحد منهما عنه بغير رضاه وألزمناه ما لم يرض به ولأن الشرط يأخذ قسطا من الثمن فإذا حذفناه وجب رد ما سقط من الثمن من أجله, وذلك مجهول فيكون الثمن مجهولا فيفسد العقد والثانية, لا يفسد العقد به وهو قول ابن أبي ليلى لحديث بريرة ولأن العقد قد تم بأركانه والشرط زائد, فإذا فسد وزال سقط الفاسد وبقي العقد بركنيه, كما لو لم يشترط. فصل:
وإن شرطه إلى الحصاد أو الجذاذ احتمل أن يكون كتعليقه على قدوم زيد لأن ذلك يختلف, ويتقدم ويتأخر فكان مجهولا واحتمل أن يصح لأن ذلك يتقارب في العادة, ولا يكثر تفاوته وإن شرطه إلى العطاء وأراد وقت العطاء وكان معلوما, صح كما لو شرطه إلى يوم معلوم وإن أراد نفس العطاء فهو مجهول لأنه يختلف. فصل:
وإن شرط الخيار شهرا, يوم يثبت ويوم لا يثبت فقال ابن عقيل: يصح في اليوم الأول لإمكانه ويبطل فيما بعده لأنه إذا لزم في اليوم الثاني لم يعد إلى الجواز ويحتمل بطلان الشرط كله لأنه شرط واحد, تناول الخيار في أيام فإذا فسد في بعضه فسد جميعه, كما لو شرط إلى الحصاد. فصل:
ويجوز لمن له الخيار الفسخ من غير حضور صاحبه ولا رضاه وبهذا قال مالك والشافعي وأبو يوسف, وزفر وقال أبو حنيفة: ليس له الفسخ إلا بحضرة صاحبه لأن العقد تعلق به حق كل واحد من المتعاقدين فلم يملك أحدهما فسخه بغير حضور صاحبه كالوديعة ولنا, أنه رفع عقد لا يفتقر إلى رضا صاحبه فلم يفتقر إلى حضوره كالطلاق وما قالوه ينتقض بالطلاق, الوديعة لا حق للمودع فيها ويصح فسخها مع غيبته. فصل:
وإذا انقضت مدة الخيار ولم يفسخ أحدهما, بطل الخيار ولزم العقد وهذا قول أبي حنيفة والشافعي وقال القاضي: لا يلزم بمضي المدة وهو قول مالك لأن مدة الخيار ضربت لحق له, لا لحق عليه فلم يلزم الحكم بنفس مرور الزمان كمضي الأجل في حق المولى ولنا, أنها مدة ملحقة بالعقد فبطلت بانقضائها كالأجل ولأن الحكم ببقائها يفضي إلى بقاء الخيار في غير المدة التي شرطاه فيها والشرط سبب الخيار فلا يجوز أن يثبت به ما لم يتناوله, ولأنه حكم مؤقت ففات بفوات وقته كسائر المؤقتات, ولأن البيع يقتضي اللزوم وإنما تخلف موجبه بالشرط ففيما لم يتناوله الشرط يجب أن يثبت موجبه لزوال المعارض, كما لو أمضوه وأما المولى فإن المدة إنما ضربت لاستحقاق المطالبة وهي تستحق بمضي المدة والحكم في هذه المسألة ظاهر. فصل:
فإن قال أحد المتعاقدين عند العقد: لا خلابة فقال أحمد: أرى ذلك جائزا, وله الخيار إن كان خلبه وإن لم يكن خلبه فليس له خيار وذلك (لأن رجلا ذكر للنبي - ﷺ - أنه يخدع في البيوع فقال: إذا بايعت فقل لا خلابة) متفق عليه ولمسلم: (من بايعت فقل لا خلابة) (فكان إذا بايع يقول: لا خلابة) ويحتمل أن لا يكون له الخيار ويكون هذا الخبر خاصا لحبان لأنه روي أنه عاش إلى زمن عثمان رضي الله عنه فكان يبايع الناس, ثم يخاصمهم فيمر بهم بعض الصحابة فيقول لمن يخاصمه: ويحك, إن النبي - ﷺ - جعل له الخيار ثلاثا وهذا يدل على اختصاصه بهذا لأنه لو كان للناس عامة لقال لمن يخاصمه: إن النبي - ﷺ - جعل الخيار لمن قال: لا خلابة وقال بعض أصحاب الشافعي: إن كانا عالمين أن ذلك عبارة عن خيار الثلاث ثبت وإن علم أحدهما دون الآخر, فعلى وجهين لأنه روى أن حبان بن منقذ بن عمرو كان لا يزال يغبن فأتى النبي - ﷺ - فذكر ذلك له, فقال له: (إذا أنت بايعت فقل: لا خلابة ثم أنت في كل سلعة ابتعتها بالخيار ثلاث ليال فإن رضيت أمسكت, وإن سخطت فارددها على صاحبها) وما ثبت في حق واحد من الصحابة يثبت في حق سائر الناس ما لم يقم على تخصيصه دليل ولنا أن هذا اللفظ لا يقتضي الخيار مطلقا, ولا يقتضي تقييده بثلاث والأصل اعتبار اللفظ فيما يقتضيه والخبر على الوجه الذي احتجوا به إنما رواه ابن ماجه مرسلا, وهم لا يرون المرسل حجة ثم لم يقولوا بالحديث على وجهه إنما قالوا به في حق من يعلم أن مقتضاه ثبوت الخيار ثلاثا, ولا يعلم ذلك أحد لأن اللفظ لا يقتضيه فكيف يعلم أن مقتضاه ما ليس بمقتضاه وعلى أنه إنما كان خاصا لحبان بدليل ما رويناه, ولأنه كان يثبت له الرد على من لم يعلم مقتضاه. فصل:
إذا شرط الخيار حيلة على الانتفاع بالقرض ليأخذ غلة المبيع ونفعه في مدة انتفاع المقترض بالثمن ثم يرد المبيع بالخيار عند رد الثمن, فلا خير فيه لأنه من الحيل ولا يحل لآخذ الثمن الانتفاع به في مدة الخيار ولا التصرف فيه قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل عن الرجل يشتري من الرجل الشيء ويقول: لك الخيار إلى كذا وكذا مثل العقار؟ قال: هو جائز إذا لم يكن حيلة أراد أن يقرضه, فيأخذ منه العقار فيستغله ويجعل له فيه الخيار, ليربح فيما أقرضه بهذه الحيلة فإن لم يكن أراد هذا فلا بأس قيل لأبي عبد الله: فإن أراد إرفاقه أراد أن يقرضه مالا يخاف أن يذهب, فاشترى منه شيئا وجعل له الخيار ولم يرد الحيلة؟ فقال أبو عبد الله: هذا جائز, إلا أنه إذا مات انقطع الخيار لم يكن لورثته وقول أحمد بالجواز في هذه المسألة محمول على المبيع الذي لا ينتفع به إلا بإتلافه أو على أن المشتري لا ينتفع بالمبيع في مدة الخيار لئلا يفضي إلى أن القرض جر منفعة. فصل:
فإن قال: بعتك على أن تنقدني الثمن إلى ثلاث, أو مدة معلومة وإلا فلا بيع بيننا فالبيع صحيح نص عليه وبه قال أبو حنيفة والثوري, وإسحاق ومحمد بن الحسن وبه قال أبو ثور إذا كان الشرط إلى ثلاث وحكى مثل قوله عن ابن عمر وقال مالك: يجوز في اليومين والثلاثة ونحوها, وإن كان عشرين ليلة فسخ البيع وقال الشافعي وزفر: البيع فاسد لأنه علق فسخ البيع على غرر فلم يصح, كما لو علقه بقدوم زيد ولنا أن هذا يروى عن عمر ـ رضي الله عنه ـ ولأنه علق رفع العقد بأمر يحدث في مدة الخيار فجاز, كما لو شرط الخيار ولأنه نوع بيع فجاز أن ينفسخ بتأخير القبض, كالصرف ولأن هذا بمعنى شرط الخيار لأنه كما يحتاج إلى التروي في البيع هل يوافقه أو لا؟ يحتاج إلى التروي في الثمن, هل يصير منقودا أو لا؟ فهما سيان في المعنى متغايران في الصورة إلا أنه في الخيار يحتاج إلى الفسخ, وها هنا ينفسخ إذا لم ينقد لأنه جعله كذلك. فصل:
والعقود على أربعة أضرب: أحدها عقد لازم يقصد منه العوض, وهو البيع وما في معناه وهو نوعان أحدهما يثبت فيه الخياران: خيار المجلس, وخيار الشرط وهو البيع فيما لا يشترط فيه القبض في المجلس والصلح بمعنى البيع, والهبة بعوض على إحدى الروايتين والإجارة في الذمة نحو أن يقول أستأجرتك لتخيط لي هذا الثوب ونحوه, فهذا يثبت فيه الخيار لأن الخيار ورد في البيع وهذا في معناه فأما الإجارة المعينة, فإن كانت مدتها من حين العقد دخلها خيار المجلس دون خيار الشرط لأن دخوله يفضي إلى فوت بعض المنافع المعقود عليها أو إلى استيفائها في مدة الخيار, وكلاهما لا يجوز وهذا مذهب الشافعي وذكره القاضي مرة مثل هذا ومرة قال: يثبت فيها الخياران قياسا على البيع وقد ذكرنا ما يقتضي الفرق بينهما وأما الشفعة فلا خيار فيها لأن المشتري يؤخذ منه المبيع قهرا, والشفيع يستقل بانتزاع المبيع من غير رضا صاحبه فأشبه فسخ البيع بالرد بالعيب ونحوه ويحتمل أن يثبت للشفيع خيار المجلس لأنه قبل المبيع بثمنه, فأشبه المشتري النوع الثاني ما يشترط فيه القبض في المجلس كالصرف, والسلم وبيع مال الربا بجنسه فلا يدخله خيار الشرط, رواية واحدة لأن موضوعها على أن لا يبقى بينها علقة بعد التفرق بدليل اشتراط القبض وثبوت الخيار يبقى بينهما علقة, ويثبت فيها خيار المجلس في الصحيح من المذهب لعموم الخبر ولأن موضوعه للنظر في الحظ في المعاوضة وهو موجود فيها وعنه لا يثبت فيها الخيار إلحاقا بخيار الشرط الضرب الثاني, لازم لا يقصد به العوض كالنكاح والخلع فلا يثبت فيهما خيار لأن الخيار إنما يثبت لمعرفة الحظ في كون العوض جائزا, لما يذهب من ماله والعوض ها هنا ليس هو المقصود وكذلك الوقف والهبة ولأن في ثبوت الخيار في النكاح ضررا ذكرناه قبل هذا الضرب الثالث, لازم من أحد طرفيه دون الآخر كالرهن لازم في حق الراهن, جائز في حق المرتهن فلا يثبت فيه خيار لأن المرتهن يستغني بالجواز في حقه عن ثبوت خيار آخر والراهن يستغني بثبوت الخيار له إلى أن يقبض, وكذلك الضامن والكفيل لا خيار لهما لأنهما دخلا متطوعين راضيين بالغبن وكذلك المكاتب الضرب الرابع, عقد جائز من الطرفين كالشركة والمضاربة, والجعالة والوكالة الوديعة, والوصية فهذه لا يثبت فيها خيار استغناء بجوازها, والتمكن من فسخها بأصل وضعها الضرب الخامس وهو متردد بين الجواز واللزوم كالمساقاة, والمزارعة والظاهر أنهما جائزان فلا يدخلهما خيار وقد قيل: هما لازمان, ففي ثبوت الخيار فيهما وجهان والسبق والرمي والظاهر أنهما جعالة, فلا يثبت فيهما خيار وقيل: هما إجارة وقد مضى ذكرها الضرب السادس لازم يستقل به أحد المتعاقدين, كالحوالة والأخذ بالشفعة فلا خيار فيهما لأن من لا يعتبر رضاه لا خيار له وإذا لم يثبت في أحد طرفيه لم يثبت في الآخر, كسائر العقود ويحتمل أن يثبت الخيار للمحيل والشفيع لأنها معاوضة يقصد فيها العوض فأشبهت سائر البيع. باب الربا والصرف
الربا في اللغة: هو الزيادة قال الله تعالى: {فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت} [الحج: 5]. وقال: {أن تكون أمة هي أربى من أمة} [النحل: 9]. أي أكثر عددا يقال: أربى فلان على فلان, إذا زاد عليه وهو في الشرع: الزيادة في أشياء مخصوصة وهو محرم بالكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب, فقول الله تعالى: {وحرم الربا} [البقرة: 275]. وما بعدها من الآيات وأما السنة فروي عن النبي - ﷺ - أنه قال: (اجتنبوا السبع الموبقات قيل: يا رسول الله ما هي؟ قال: الشرك بالله والسحر, وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم, والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات) وروي عن النبي - ﷺ - أنه لعن آكل الربا وموكله, وشاهديه وكاتبه متفق عليهما في أخبار سوى هذين كثيرة وأجمعت الأمة على أن الربا محرم. فصل:
والربا على ضربين: ربا الفضل, وربا النسيئة وأجمع أهل العلم على تحريمهما وقد كان في ربا الفضل اختلاف بين الصحابة فحكي عن ابن عباس وأسامة بن زيد وزيد بن أرقم, وابن الزبير أنهم قالوا: إنما الربا في النسيئة لقول النبي - ﷺ -: (لا ربا إلا في النسيئة) رواه البخاري والمشهور من ذلك قول ابن عباس ثم إنه رجع إلى قول الجماعة, روى ذلك الأثرم بإسناده وقاله الترمذي وابن المنذر, وغيرهم وقال سعيد بإسناده عن أبي صالح قال: صحبت ابن عباس حتى مات, فوالله ما رجع عن الصرف وعن سعيد بن جبير قال: سألت ابن عباس قبل موته بعشرين ليلة عن الصرف؟ فلم ير به بأسا وكان يأمر به والصحيح قول الجمهور لحديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله - ﷺ - (, قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل, ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض, ولا تبيعوا غائبا بناجز) وروى أبو سعيد أيضا قال: (جاء بلال إلى النبي - ﷺ - بتمر برني فقال له النبي - ﷺ -: من أين هذا يا بلال؟ قال: كان عندنا تمر رديء, فبعت صاعين بصاع ليطعم النبي - ﷺ - فقال النبي - ﷺ -: أوه عين الربا, عين الربا لا تفعل ولكن إن أردت أن تشتري فبع التمر ببيع آخر, ثم اشتر به) متفق عليهما قال الترمذي على حديث أبي سعيد العمل عند أهل العلم من أصحاب النبي - ﷺ - وغيرهم وقول النبي - ﷺ -: (لا ربا إلا في النسيئة) محمول على الجنسين. مسألة:
قال أبو القاسم - رحمه الله-: [وكل ما كيل أو وزن من سائر الأشياء, فلا يجوز التفاضل فيه إذا كان جنسا واحدا] قوله: "من سائر الأشياء" يعني من جميعها وضع سائر موضع جميع تجوزا وموضوعها الأصلي لباقي الشيء وقد روي عن النبي - ﷺ - في الربا أحاديث كثيرة, ومن أتمها ما روى عبادة بن الصامت عن النبي - ﷺ - أنه قال: (الذهب بالذهب مثلا بمثل والفضة بالفضة مثلا بمثل, والتمر بالتمر مثلا بمثل والبر بالبر مثلا بمثل والملح بالملح مثلا بمثل, والشعير بالشعير مثلا بمثل فمن زاد أو ازداد فقد أربى بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يدا بيد, وبيعوا البر بالتمر كيف شئتم يدا بيد وبيعوا الشعير بالتمر كيف شئتم يدا بيد) رواه مسلم فهذه الأعيان المنصوص عليها يثبت الربا فيها بالنص والإجماع واختلف أهل العلم فيما سواها فحكي عن طاوس وقتادة أنهما قصرا الربا عليها, وقالا: لا يجري في غيرها وبه قال داود ونفاة القياس وقالوا: ما عداها علي أصل الإباحة لقول الله تعالى: {وأحل الله البيع} [البقرة: 275]. واتفق القائلون بالقياس على أن ثبوت الربا فيها بعلة وأنه يثبت في كل ما وجدت فيه علتها لأن القياس دليل شرعي, فيجب استخراج علة هذا الحكم وإثباته في كل موضع وجدت علته فيه وقول الله تعالى: {وحرم الربا} [القرة: 275]. يقتضي تحريم كل زيادة إذ الربا في اللغة الزيادة, إلا ما أجمعنا على تخصيصه وهذا يعارض ما ذكروه ثم اتفق أهل العلم على أن ربا الفضل لا يجري إلا في الجنس الواحد إلا سعيد بن جبير فإنه قال: كل شيئين يتقارب الانتفاع بهما لا يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا, كالحنطة بالشعير والتمر بالزبيب والذرة بالدخن لأنهما يتقارب نفعهما, فجريا مجرى نوعي جنس واحد وهذا يخالف قول النبي - ﷺ -: (بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يدا بيد وبيعوا البر بالتمر كيف شئتم). فلا يعول عليه ثم يبطل بالذهب بالفضة فإنه يجوز التفاضل فيهما مع تقاربهما واتفق المعللون على أن علة الذهب والفضة واحدة, وعلة الأعيان الأربعة واحدة ثم اختلفوا في علة كل واحد منهما فروي عن أحمد في ذلك ثلاث روايات أشهرهن أن علة الربا في الذهب والفضة كونه موزون جنس, وعلة الأعيان الأربعة مكيل جنس نقلها عن أحمد الجماعة وذكرها الخرقي وابن أبي موسى, وأكثر الأصحاب وهو قول النخعي والزهري والثوري, وإسحاق وأصحاب الرأي فعلى هذه الرواية يجري الربا في كل مكيل أو موزون بجنسه, مطعوما كان أو غير مطعوم كالحبوب والأشنان, والنورة والقطن والصوف, والكتان والورس والحناء, والعصفر والحديد والنحاس, ونحو ذلك ولا يجري في مطعوم لا يكال ولا يوزن لما روى ابن عمر قال قال رسول الله - ﷺ-: (لا تبيعوا الدينار بالدينارين ولا الدرهم بالدرهمين, ولا الصاع بالصاعين فإني أخاف عليكم الرماء وهو الربا فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله, أرأيت الرجل يبيع الفرس بالأفراس والنجيبة بالإبل؟ فقال: لا بأس إذا كان يدا بيد) رواه الإمام أحمد في المسند عن ابن حبان, عن أبيه عن ابن عمر وعن أنس أن النبي - ﷺ- قال: (ما وزن مثلا بمثل إذا كان نوعا واحدا, وما كيل مثلا بمثل إذا كان نوعا واحدا). رواه الدارقطني ورواه عن ابن صاعد عن عبد الله بن أحمد بن حنبل, عن أحمد بن محمد بن أيوب عن أبي بكر بن عياش عن الربيع بن صبيح, عن الحسن عن عبادة وأنس, عن النبي - ﷺ - وقال: لم يروه عن أبي بكر هكذا غير محمد بن أحمد بن أيوب وخالفه غيره فرواه بلفظ آخر وعن عمار أنه قال: (العبد خير من العبدين والثوب خير من الثوبين فما كان يدا بيد فلا بأس به, إنما الربا في النساء إلا ما كيل أو وزن) ولأن قضية البيع المساواة والمؤثر في تحقيقها الكيل, والوزن والجنس فإن الوزن أو الكيل يسوي بينهما صورة, والجنس يسوي بينهما معنى فكانا علة ووجدنا الزيادة في الكيل محرمة دون الزيادة في الطعم بدليل بيع الثقيلة بالخفيفة, فإنه جائز إذا تساويا في الكيل والرواية الثانية أن العلة في الأثمان الثمنية وفيما عداها كونه مطعوم جنس, فيختص بالمطعومات ويخرج منه ما عداها قال أبو بكر: روى ذلك عن أحمد جماعة, ونحو هذا قال الشافعي فإنه قال: العلة الطعم والجنس شرط والعلة في الذهب والفضة جوهرية الثمنية غالبا, فيختص بالذهب والفضة لما روى معمر بن عبد الله (أن النبي - ﷺ - نهى عن بيع الطعام بالطعام إلا مثلا بمثل) رواه مسلم ولأن الطعم وصف شرف إذ به قوام الأبدان والثمنية وصف شرف, إذ بها قوام الأموال فيقتضي التعليل بهما ولأنه لو كانت العلة في الأثمان الوزن لم يجز إسلامهما في الموزونات لأن أحد وصفي علة ربا الفضل يكفي في تحريم النساء والرواية الثالثة العلة فيما عدا الذهب والفضة كونه مطعوم جنس مكيلا أو موزونا, فلا يجري الربا في مطعوم لا يكال ولا يوزن كالتفاح والرمان والخوخ, والبطيخ والكمثرى والأترج, والسفرجل والإجاص والخيار, والجوز والبيض ولا فيما ليس بمطعوم, كالزعفران والأشنان والحديد, والرصاص ونحوه ويروى ذلك عن سعيد بن المسيب وهو قديم قولي الشافعي لما روى عن سعيد بن المسيب, عن رسول الله - ﷺ - أنه قال: (لا ربا إلا فيما كيل أو وزن مما يؤكل أو يشرب) أخرجه الدارقطني وقال: الصحيح أنه من قول سعيد, ومن رفعه فقد وهم ولأن لكل واحد من هذه الأوصاف أثرا والحكم مقرون بجميعها في المنصوص عليه فلا يجوز حذفه ولأن الكيل والوزن والجنس لا يقتضي وجوب المماثلة, وإنما أثره في تحقيقها في العلة ما يقتضي ثبوت الحكم لا ما تحقق شرطه والطعم بمجرده لا تتحقق المماثلة به لعدم المعيار الشرعي فيه وإنما تجب المماثلة في المعيار الشرعي وهو الكيل والوزن, ولهذا وجبت المساواة في المكيل كيلا وفي الموزون وزنا فوجب أن يكون الطعم معتبرا في المكيل والموزون, دون غيرهما والأحاديث الواردة في هذا الباب يجب الجمع بينها وتقييد كل واحد منها بالآخر فنهى النبي - ﷺ - عن بيع الطعام إلا مثلا بمثل يتقيد بما فيه معيار شرعي, وهو الكيل والوزن ونهيه عن بيع الصاع بالصاعين يتقيد بالمطعوم المنهي عن التفاضل فيه وقال مالك: العلة القوت أو: ما يصلح به القوت من جنس واحد من المدخرات وقال ربيعة: يجري الربا فيما تجب فيه الزكاة دون غيره وقال ابن سيرين: الجنس الواحد علة وهذا القول لا يصح لقول النبي - ﷺ - في بيع الفرس بالأفراس, والنجيبة بالإبل: (لا بأس به إذا كان يدا بيد) وروى (أن النبي - ﷺ- ابتاع عبدا بعبدين) رواه أبو داود والترمذي وقال: هو حديث حسن صحيح وقول مالك ينتقض بالحطب والإدام يستصلح به القوت ولا ربا فيه عنده, وتعليل ربيعة ينعكس بالملح والعكس لازم عند اتحاد العلة والحاصل أن ما اجتمع فيه الكيل والوزن والطعم من جنس واحد, ففيه الربا رواية واحدة كالأرز والدخن, والذرة والقطنيات والدهن, والخل واللبن واللحم, ونحوه وهذا قول أكثر أهل العلم قال ابن المنذر: هذا قول علماء الأمصار في القديم والحديث سوى قتادة فإنه بلغني أنه شذ عن جماعة الناس, فقصر تحريم التفاضل على الستة الأشياء وما انعدم فيه الكيل والوزن والطعم, واختلف جنسه فلا ربا فيه رواية واحدة وهو قول أكثر أهل العلم, كالتين والنوى والقت, والماء والطين الأرمني فإنه يؤكل دواء, فيكون موزونا مأكولا فهو إذا من القسم الأول وما عداه إنما يؤكل سفها, فجرى مجرى الرمل والحصى وقد روى عن النبي - ﷺ - أنه قال لعائشة: (لا تأكلي الطين فإنه يصفر اللون) وما وجد فيه الطعم وحده أو الكيل أو الوزن, من جنس واحد ففيه روايتان واختلف أهل العلم فيه, والأولى - إن شاء الله تعالى - حله إذ ليس في تحريمه دليل موثوق به ولا معنى يقوي التمسك به وهي مع ضعفها يعارض بعضها بعضا, فوجب اطراحها أو الجمع بينها والرجوع إلى أصل الحل الذي يقتضيه الكتاب, والسنة والاعتبار ولا فرق في المطعومات بين ما يؤكل قوتا كالأرز, والذرة والدخن أو أدما كالقطنيات, واللبن واللحم أو تفكها كالثمار, أو تداويا كالإهليلج والسقمونيا فإن الكل في باب الربا واحد. فصل:
وقوله: ما كيل, أو وزن أي: ما كان جنسه مكيلا أو موزونا وإن لم يتأت فيه كيل, ولا وزن إما لقلته كالحبة والحبتين والحفنة والحفنتين, وما دون الأرزة من الذهب والفضة أو لكثرته كالزبرة العظيمة فإنه لا يجوز بيع بعضه ببعض, إلا مثلا بمثل ويحرم التفاضل فيه وبهذا قال الثوري والشافعي, وإسحاق وابن المنذر ورخص أبو حنيفة في بيع الحفنة بالحفنتين والحبة بالحبتين, وسائر المكيل الذي لا يتأتى كيله ووافق في الموزون واحتج بأن العلة الكيل, ولم يوجد في اليسير ولنا قول النبي - ﷺ -: (التمر بالتمر مثلا بمثل والبر بالبر مثلا بمثل, من زاد أو ازداد فقد أربى) ولأن ما جرى الربا في كثيره جرى في قليله كالموزون. فصل:
ولا يجوز بيع تمرة بتمرة ولا حفنة بحفنة وهذا قول الثوري, ولا أعلمه منصوصا عليه ولكنه قياس قولهم لأن ما أصله الكيل لا تجرى المماثلة في غيره. فصل:
فأما ما لا وزن للصناعة فيه كمعمول الحديد, والرصاص والنحاس والقطن, والكتان والصوف والإبريسم, فالمنصوص عن أحمد في الثياب والأكسية أنه لا يجري فيها الربا فإنه قال: لا بأس بالثوب بالثوبين والكساء بالكساءين وهذا قول أكثر أهل العلم, وقال: لا يباع الفلس بالفلسين ولا السكين بالسكينين ولا إبرة بإبرتين, أصله الوزن ونقل القاضي حكم إحدى المسألتين إلى الأخرى فجعل فيهما جميعا روايتين إحداهما لا يجري في الجميع وهو قول الثوري, وأبي حنيفة وأكثر أهل العلم لأنه ليس بموزون ولا مكيل وهذا هو الصحيح إذ لا معنى لثبوت الحكم مع انتفاء العلة, وعدم النص والإجماع فيه والثانية يجري الربا في الجميع اختارها ابن عقيل لأن أصله الوزن فلا يخرج بالصناعة عنه كالخبز, وذكر أن اختيار القاضي أن ما كان يقصد وزنه بعد عمله كالأسطال ففيه الربا ومالا فلا. فصل:
ويجري الربا في لحم الطير وعن أبي يوسف: لا يجرى فيه لأنه يباع بغير وزن ولنا, أنه لحم فجرى فيه الربا كسائر اللحمان وقوله: لا يوزن قلنا: هو من جنس ما يوزن ويقصد ثقله, وتختلف قيمته بثقله وخفته فأشبه ما يباع من الخبز بالعدد. فصل:
والجيد والرديء والتبر والمضروب, والصحيح والمكسور سواء في جواز البيع مع التماثل وتحريمه مع التفاضل وهذا قول أكثر أهل العلم, منهم أبو حنيفة والشافعي وحكي عن مالك جواز بيع المضروب بقيمته من جنسه وأنكر أصحابه ذلك, ونفوه عنه وحكى بعض أصحابنا عن أحمد رواية لا يجوز بيع الصحاح بالمكسرة ولأن للصناعة قيمة بدليل حالة الإتلاف فيصير كأنه ضم قيمة الصناعة إلى الذهب ولنا, قول النبي - ﷺ -: (الذهب بالذهب مثلا بمثل والفضة بالفضة مثلا بمثل) وعن عبادة عن النبي - ﷺ- أنه قال: (الذهب بالذهب تبرها وعينها, والفضة بالفضة تبرها وعينها) رواه أبو داود وروى مسلم عن أبي الأشعث أن معاوية أمر ببيع آنية من فضة في أعطيات الناس, فبلغ عبادة فقال: (إني سمعت رسول الله - ﷺ- ينهي عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر, والشعير بالشعير والملح بالملح إلا سواء بسواء, عينا بعين فمن زاد أو ازداد فقد أربى) وروى الأثرم عن عطاء بن يسار, أن معاوية باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها فقال أبو الدرداء: (سمعت رسول الله - ﷺ - ينهي عن مثل هذا إلا مثلا بمثل) ثم قدم أبو الدرداء على عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنهما ـ فذكر له ذلك فكتب عمر إلى معاوية, لا تبع ذلك إلا مثلا بمثل وزنا بوزن ولأنهما تساويا في الوزن فلا يؤثر اختلافهما في القيمة, كالجيد والرديء فأما إن قال لصائغ: صغ لي خاتما وزنه درهم وأعطيك مثل وزنه وأجرتك درهما فليس ذلك ببيع درهم بدرهمين وقال أصحابنا: للصائغ أخذ الدرهمين أحدهما في مقابلة الخاتم, والثاني أجرة له. فصل:
وكل ما حرم فيه التفاضل حرم فيه النساء بغير خلاف نعلمه ويحرم التفرق قبل القبض لقول النبي - ﷺ -: (عينا بعين) وقوله: (يدا بيد) ولأن تحريم النساء آكد ولذلك جرى في الجنسين المختلفين, فإذا حرم التفاضل فالنساء أولى بالتحريم. قال مسألة:
( وما كان من جنسين فجائز التفاضل فيه يدا بيد ولا يجوز نسيئة ) لا خلاف في جواز التفاضل في الجنسين نعلمه, إلا عن سعيد بن جبير أنه قال: ما يتقارب الانتفاع بهما لا يجوز التفاضل فيهما وهذا يرده قول النبي - ﷺ -: (بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يدا بيد وبيعوا البر بالتمر كيف شئتم يدا بيد وبيعوا الشعير بالتمر كيف شئتم يدا بيد) وفي لفظ: (إذا اختلفت هذه الأشياء فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد) رواه مسلم, وأبو داود ولأنهما جنسان فجاز التفاضل فيهما كما لو تباعدت منافعهما ولا خلاف في إباحة التفاضل في الذهب بالفضة, مع تقارب منافعهما فأما النساء فكل جنسين يجري فيهما الربا بعلة واحدة كالمكيل بالمكيل والموزون بالموزون, والمطعوم بالمطعوم عند من يعلل به فإنه يحرم بيع أحدهما بالأخر نساء, بغير خلاف نعلمه وذلك لقوله عليه السلام: (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم يدا بيد) وفي لفظ: (لا بأس ببيع الذهب بالفضة والفضة أكثرهما يدا بيد وأما نسيئة فلا ولا بأس ببيع البر بالشعير والشعير أكثرهما يدا بيد, وأما النسيئة فلا) رواه أبو داود إلا أن يكون أحد العوضين ثمنا والآخر مثمنا فإنه يجوز النساء بينهما بغير خلاف لأن الشرع أرخص في السلم, والأصل في رأس المال الدراهم والدنانير فلو حرم النساء ها هنا لانسد باب السلم في الموزونات في الغالب فأما إن اختلفت علتهما كالمكيل بالموزون مثل بيع اللحم بالبر, ففيهما روايتان إحداهما يحرم النساء فيهما وهو الذي ذكره الخرقي ها هنا لأنهما مالان من أموال الربا, فحرم النساء فيهما كالمكيل بالمكيل والثانية يجوز النساء فيهما وهو قول النخعي لأنهما لم يجتمعا في أحد وصفي علة ربا الفضل, فجاز النساء فيهما كالثياب بالحيوان. فصل:
وإذا باع شيئا من مال الربا بغير جنسه وعلة ربا الفضل فيهما واحدة, لم يجز التفرق قبل القبض فإن فعلا بطل العقد وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة: لا يشترط التقابض فيهما كغير أموال الربا, وكبيع ذلك بأحد النقدين ولنا قول النبي - ﷺ -: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة, والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر, والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء, يدا بيد) رواه مسلم وقال عليه السلام: (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم يدا بيد) وروى مالك بن أوس بن الحدثان أنه التمس صرفا بمائة دينار قال: فدعاني طلحة بن عبيد الله فتراوضنا حتى اصطرف مني فأخذ الذهب يقلبها في يديه, ثم قال: حتى يأتي خازني من الغابة وعمر يسمع ذلك فقال: لا والله لا تفارقه حتى تأخذ منه قال رسول الله - ﷺ -: (الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء, والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء) متفق عليه والمراد به القبض بدليل أن المراد به ذلك في الذهب والفضة ولهذا فسره عمر به, ولأنهما مالان من أموال الربا علتهما واحدة فحرم التفرق فيهما قبل القبض كالذهب بالفضة فأما إن اختلفت علتهما كالمكيل بالموزون عند من يعلل بهما, فقال أبو الخطاب: يجوز التفرق فيهما قبل القبض رواية واحدة لأن علتهما مختلفة فجاز التفرق قبل القبض كالثمن بالمثمن وبهذا قال الشافعي, إلا أنه لا يتصور عنده ذلك إلا في بيع الأثمان بغيرها ويحتمل كلام الخرقي وجوب التقابض على كل حال لقوله: (يدا بيد). مسألة:
قال: [وما كان مما لا يكال ولا يوزن فجائز التفاضل فيه يدا بيد ولا يجوز نسيئة] اختلفت الرواية في تحريم النساء في غير المكيل والموزون, على أربع روايات إحداهن لا يحرم النساء في شيء من ذلك سواء بيع بجنسه أو بغيره, متساويا أو متفاضلا إلا على قولنا: إن العلة الطعم فيحرم النساء في المطعوم ولا يحرم في غيره وهذا مذهب الشافعي واختار القاضي هذه الرواية لما روى أبو داود, عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله - ﷺ- (أمره أن يجهز جيشا فنفدت الإبل, فأمره أن يأخذ في قلاص الصدقة فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة) رواه أبو داود " وروى سعيد في سننه عن أبي معشر, عن صالح بن كيسان عن الحسن بن محمد: أن عليا باع بعيرا له يقال له: عصيفير بأربعة أبعرة إلى أجل ولأنهما مالان لا يجري فيهما ربا الفضل, فجاز النساء فيهما كالعرض بالدينار ولأن النساء أحد نوعي الربا فلم يجز في الأنواع كلها, كالنوع الآخر والرواية الثانية يحرم النساء في كل مال بيع بجنسه كالحيوان بالحيوان, والثياب بالثياب ولا يحرم في غير ذلك وهذا مذهب أبي حنيفة وممن كره بيع الحيوان بالحيوان نساء ابن الحنفية وعبد الله بن عمير, وعطاء وعكرمة بن خالد وابن سيرين, والثوري وروى ذلك عن عمار وابن عمر لما روى سمرة: أن النبي - ﷺ - (نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة) قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح ولأن الجنس أحد وصفي علة ربا الفضل, فحرم النساء كالكيل والوزن والثالثة لا يحرم النساء إلا فيما بيع بجنسه متفاضلا, فأما مع التماثل فلا لما روي جابر أن النبي - ﷺ - قال: (الحيوان اثنان بواحد لا يصلح نساء ولا بأس به يدا بيد) قال الترمذي: هذا حديث حسن وروى ابن عمر: (أن رجلا قال: يا رسول الله, أرأيت الرجل يبيع الفرس بالأفراس والنجيبة بالإبل؟ فقال: لا بأس إذا كان يدا بيد) من المسند وهذا يدل على إباحة النساء مع التماثل بمفهومه والرابعة يحرم النساء في كل مال بيع بمال آخر سواء كان من جنسه أو من غير جنسه وهذا ظاهر كلام الخرقي ويحتمل أنه أراد الرواية الثالثة لأنه بيع عرض بعرض, فحرم النساء بينهما كالجنسين من أموال الربا قال القاضي: فعلى هذا لو باع عرضا بعرض ومع أحدهما دراهم, العروض نقدا والدراهم نسيئة جاز وإن كانت الدراهم نقدا والعروض نسيئة, لم يجز لأنه يفضي إلى النسيئة في العروض وهذه الرواية ضعيفة جدا لأنه إثبات حكم يخالف الأصل بغير نص ولا إجماع ولا قياس صحيح فإن في المحل المجمع عليه أو المنصوص عليه أوصافا لها أثر في تحريم الفضل فلا يجوز حذفها عن درجة الاعتبار, وما هذا سبيله لا يجوز إثبات الحكم فيه وإن لم يخالف أصلا فكيف يثبت مع مخالفة الأصل في حل البيع, وأصح الروايات هي الأولى لموافقتها الأصل والأحاديث المخالفة لها قال أبو عبد الله: ليس فيها حديث يعتمد عليه ويعجبني أن يتوقاه وذكر له حديث ابن عباس وابن عمر في هذا, فقال: هما مرسلان وحديث سمرة يرويه الحسن عن سمرة قال الأثرم قال أبو عبد الله: لا يصح سماع الحسن من سمرة وحديث جابر, قال أبو عبد الله: هذا حجاج زاد فيه: "نساء" وليث بن سعد سمعه من أبي الزبير ولا يذكر فيه: " نساء ", وحجاج هذا هو حجاج بن أرطاة قال يعقوب بن شيبة: هو واهي الحديث وهو صدوق وإن كان أحد المبيعين مما لا ربا فيه, والآخر فيه ربا كالمكيل بالمعدود ففيهما روايتان إحداهما: يحرم النساء فيهما والثانية: لا يحرم, كما لو باع معدودا بمعدود من غير جنسه. فصل:
فأما بيع الرطب بالرطب والعنب بالعنب ونحوه من الرطب بمثله فيجوز مع التماثل في قول أكثر أهل العلم, ومنع منه الشافعي فيما ييبس أما ما لا ييبس كالقثاء والخيار ونحوه, فعلى قولين لأنه لا يعلم تساويهما حالة الادخار فأشبه الرطب بالتمر وذهب أبو حفص العكبري من أصحابنا إلى هذا وحمل كلام الخرقي عليه لقوله في اللحم: لا يجوز بيع بعضه ببعض رطبا, ويجوز إذا تناهى جفافه مثلا بمثل ومفهوم كلام الخرقي ها هنا: إباحة ذلك لأن مفهوم نهيه عليه السلام عن بيع التمر بالتمر إباحة بيع كل واحد منهما بمثله ولأنهما تساويا في الحال على وجه لا ينفرد أحدهما بالنقصان فجاز, كبيع اللبن باللبن والتمر بالتمر ولأن قوله تعالى: {وأحل الله البيع} [البقرة: 275]. عام خرج منه المنصوص عليه, وهو بيع التمر بالتمر وليس هذا في معناه فبقي على العموم, وما ذكره لا يصح فإن التفاوت كثير وينفرد أحدهما بالنقصان, بخلاف مسألتنا ولا بأس ببيع الحديث بالعتيق لأن التفاوت في ذلك يسير ولا يمكن ضبطه فعفي عنه. مسألة:
قال: [ولا يباع ما أصله الكيل بشيء من جنسه وزنا, ولا ما أصله الوزن كيلا] لا خلاف بين أهل العلم في وجوب المماثلة في بيع الأموال التي يحرم التفاضل فيها وأن المساواة المرعية هي المساواة في المكيل كيلا وفي الموزون وزنا ومتى تحققت هذه المساواة, لم يضر اختلافهما فيما سواها وإن لم يوجد لم يصح البيع وإن تساويا في غيرها, وهذا قول أبي حنيفة والشافعي وجمهور أهل العلم, لا نعلم أحدا خالفهم إلا مالكا قال: يجوز بيع الموزونات بعضها ببعض جزافا ولنا قول النبي - ﷺ -: (الذهب بالذهب وزنا بوزن والفضة بالفضة وزنا بوزن, والبر بالبر كيلا بكيل والشعير بالشعير كيلا بكيل) رواه الأثرم في حديث عبادة ورواه أبو داود, ولفظه: (البر بالبر مدي بمدي والشعير بالشعير مدي بمدي والملح بالملح مدي بمدي, فمن زاد أو ازداد فقد أربى) فأمر بالمساواة في الموزونات المذكورة في الوزن كما أمر بالمساواة في المكيلات في الكيل وما عدا الذهب والفضة من الموزونات مقيس عليهما ومشبه بهما ولأنه جنس يجري فيه الربا, فلم يجز بيع بعضه ببعض جزافا كالمكيل ولأنه موزون من أموال الربا فأشبه الذهب والفضة, ولأن حقيقة الفضل مبطلة للبيع ولا نعلم عدم ذلك إلا بالوزن فوجب ذلك, كما في المكيل والأثمان إذا ثبت هذا فإنه لا يجوز بيع المكيل بالمكيل وزنا ولا بيع الموزون بالموزون كيلا لأن التماثل في الكيل مشترط في المكيل, وفي الوزن في الموزون فمتى باع رطلا من المكيل برطل حصل في الرطل من الخفيف أكثر مما يحصل من الثقيل فيختلفان في الكيل, وإن لم يعلم الفضل لكن يجهل التساوي فلا يصح, كما لو باع بعضه ببعض جزافًا وكذلك لو باع الموزون بالموزون بالكيل فلا يتحقق التماثل في الوزن, فلم يصح كما ذكرنا في المكيل. فصل:
ولو باع بعضه ببعض جزافا أو كان جزافا من أحد الطرفين لم يجز قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن ذلك غير جائز إذا كانا من صنف واحد وذلك لما روى مسلم, عن جابر قال: (نهى رسول الله - ﷺ - عن بيع الصبرة من التمر لا يعلم مكيلها, بالكيل المسمى من التمر) وفي قول النبي - ﷺ -: (الذهب بالذهب وزنا بوزن) إلى تمام الحديث دليل على أنه لا يجوز بيعه إلا كذلك ولأن التماثل شرط, والجهل به يبطل البيع كحقيقة التفاضل فصل:
وما لا يشترط التماثل فيه كالجنسين وما لا ربا فيه, يجوز بيع بعضه ببعض كيلا ووزنا وجزافا وهذا ظاهر كلام الخرقي لتخصيصه ما يكال بمنع بيعه بشيء من جنسه وزنا وما يوزن بمنع بيعه من جنسه كيلا وهذا قول أكثر أهل العلم قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن بيع الصبرة من الطعام بالصبرة, لا يدري كم كيل هذه ولا كيل هذه من صنف واحد, غير جائز ولا بأس به من صنفين استدلالا بقوله عليه السلام: (فإذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم) وذهب جماعة من أصحابنا إلى منع بيع المكيل بالمكيل جزافا وبيع الموزون بالموزون جزافا وقال أحمد, في رواية محمد بن الحكم: أكره ذلك قال ابن أبي موسى: لا خير فيما يكال بما يكال جزافا ولا فيما يوزن بما يوزن جزافا اتفقت الأجناس أو اختلفت, ولا بأس ببيع المكيل بالموزون جزافا وقال ذلك القاضي والشريف أبو جعفر وذلك لأن النبي - ﷺ - (نهى عن بيع الطعام بالطعام مجازفة) ولأنه بيع مكيل بمكيل, أشبه الجنس الواحد ولنا قول النبي - ﷺ -: (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم يدا بيد) ولأن قول الله تعالى: (وأحل الله البيع) عام خصصناه في الجنس الواحد الذي يجب التماثل فيه ففيما عداه يجب البقاء على العموم, ولأنه يجوز التفاضل فيه فجاز جزافا من الطرفين كالمكيل بالموزون يحققه أنه إذا كان حقيقة الفضل لا يمنع, فاحتماله أولى أن لا يكون مانعا وحديثهم أراد به الجنس الواحد ولهذا جاء في بعض ألفاظه: (نهى أن تباع الصبرة لا يعلم مكيلها من التمر بالصبرة لا يعلم مكيلها من التمر) ثم هو مخصوص بالمكيل والموزون, فنقيس عليه محل النزاع وما ذكر من القياس غير صحيح لأن المكيل من جنس واحد يجب التماثل فيه, فمنع من بيعه مجازفة لفوات المماثلة المشروطة وفي الجنسين لا يشترط التماثل ولا يمنع حقيقة التفاضل, فاحتماله أولى أن لا يكون مانعا. فصل:
ولو قال: بعتك هذه الصبرة بهذه الصبرة وهما من جنس واحد ولا يعلمان كيلهما لم يصح لما ذكرنا وإن علما كيلهما وتساويهما, صح البيع لوجود التماثل المشترط وإن قال: بعتك هذه الصبرة بهذه الصبرة مثلا بمثل فكيلتا فكانتا سواء صح البيع, وإلا فلا وإن باع صبرة بصبرة من غير جنسها صح عند من يجوز بيع المكيل بالمكيل جزافا وإن قال: بعتك هذه الصبرة بهذه مثلا بمثل فكيلتا فكانتا سواء, صح البيع وإن زادت إحداهما فرضي صاحب الناقصة بها مع نقصها أو رضي صاحب الزائدة برد الفضل على صاحبه, جاز وإن امتنعا فسخ البيع بينهما ذكر هذا الفصل القاضي وهو مذهب الشافعي. فصل:
ويجوز قسم المكيل وزنا, وقسم الموزون كيلا وقسم الثمار خرصا وقسم ما لا يجوز بيع بعضه ببعض لأن القسمة إفراز حق, وليست بيعا ونقل عن ابن بطة ما يدل على أنها بيع فيثبت فيها أحكام البيع ويمنع فيها ما ذكرناه لأن كل جزء من ذلك مشترك بينهما, فإذا تعين لكل واحد منهما حق فقد اشترى نصيب شريكه مما تعين له بنصيبه فيما تعين لشريكه وللشافعي قولان كالمذهبين والظاهر أنها إفراز حق بدليل اعتبار تعديل السهام, ودخول القرعة فيها ولزومها بها والإجبار عليها, وأنها لا تفتقر إلى لفظ بيع ولا تمليك ولا يدخلها خيار ولا تجوز إلا بقدر الحقين, ولا يثبت فيها شفعة وتختص باسم وتغاير الأحكام والأسماء دليل على اختلافهما وروي عن ابن عباس أنه قال: قسمت الصحابة رضي الله عنهم الغنائم بالحجف وذلك كيل الأثمان بمحضر من جماعة كثيرة منهم, وانتشر في بقيتهم فلم ينكر فصار إجماعا على ما قلناه. فصل:
في معرفة المكيل والموزون والمرجع في ذلك إلى العرف بالحجاز في عهد النبي - ﷺ - وبهذا قال الشافعي وحكي عن أبي حنيفة: أن الاعتبار في كل بلد بعادته ولنا, ما روي عبد الله بن عمر عن النبي - ﷺ - أنه قال: (المكيال مكيال المدينة والميزان ميزان مكة) والنبي - ﷺ - إنما يحمل كلامه على بيان الأحكام لأن ما كان مكيلا بالحجاز في زمن النبي - ﷺ - انصرف التحريم في تفاضل الكيل إليه, فلا يجوز أن يتغير بعد ذلك وهكذا الموزون وما لا عرف له بالحجاز يحتمل وجهين أحدهما, يرد إلى أقرب الأشياء شبها به بالحجاز كما أن الحوادث ترد إلى أشبه المنصوص عليه بها وهو القياس والثاني, يعتبر عرفه في موضعه فإن لم يكن له في الشرع حد كان المرجع فيه إلى العرف كالقبض, والإحراز والتفرق وهذا قول أبي حنيفة وعلى هذا إن اختلفت البلاد, فالاعتبار بالغالب فإن لم يكن غالب بطل هذا الوجه وتعين الأول ومذهب الشافعي على هذين الوجهين, فالبر والشعير مكيلان منصوص عليهما بقول النبي - ﷺ -: (البر بالبر كيلا بكيل والشعير بالشعير كيلا بكيل) وكذلك سائر الحبوب, والأبازير والأشنان والجص, والنورة وما أشبهها والتمر مكيل وهو من المنصوص عليه, وكذلك سائر تمر النخل من الرطب والبسر وغيرهما وسائر ما تجب فيه الزكاة من الثمار مثل الزبيب, والفستق والبندق والعناب, والمشمش والبطم والزيتون, واللوز والملح مكيل وهو من المنصوص عليه بقوله عليه السلام: (الملح بالملح مدي بمدي) والذهب والفضة موزونان ثبت ذلك بقول النبي - ﷺ -: (الذهب بالذهب وزنا بوزن والفضة بالفضة وزنا بوزن) وكذلك ما أشبههما من جواهر الأرض كالحديد, والنحاس والصفر والرصاص, والزجاج والزئبق ومنه الإبريسم والقطن, والكتان والصوف وغزل ذلك, وما أشبهه ومنه الخبز واللحم والشحم, والجبن والزبد والشمع, وما أشبهه وكذلك الزعفران والعصفر, والورس وما أشبه ذلك. فصل:
والدقيق والسويق مكيلان لأن أصلهما مكيل ولم يوجد ما ينقلهما عنه, ولأنهما يشبهان ما يكال وذكر القاضي في الدقيق أنه يجوز بيع بعضه ببعض بالوزن, ولا يمتنع أن يكون أصله مكيلا وهو موزون كالخبز ولنا ما ذكرناه, ولأنه يقدر بالصاع بدليل أنه يخرج في الفطرة صاع من دقيق وقد جاء في الحديث والصاع إنما يقدر به المكيلات, وعلى هذا يكون الأقط مكيلا لأن في حديث صدقة الفطر: (صاع من أقط). فصل:
فأما اللبن وغيره من المائعات كالأدهان من الزيت, والشيرج والعسل والخل, والدبس ونحو ذلك فالظاهر أنها مكيلة قال القاضي في الأدهان: هي مكيلة وفي اللبن: يصح السلم فيه كيلا وقال أصحاب الشافعي: لا يباع اللبن بعضه ببعض إلا كيلا وقد روى عن أحمد, أنه سئل عن السلف في اللبن؟ فقال: نعم كيلا أو وزنا وذلك لأن الماء مقدر بالصاع ولذلك (كان النبي - ﷺ - يتوضأ بالمد, ويغتسل بالصاع ويغتسل هو وبعض نسائه من الفرق) وهذه مكاييل قدر بها الماء وكذلك سائر المائعات وروي عن النبي - ﷺ - أنه (نهى عن بيع ما في ضروع الأنعام إلا بالكيل) رواه ابن ماجه وأما غير المكيل, والموزون فما لم يكن له أصل بالحجاز في كيل ولا وزن ولا يشبه ما جرى فيه العرف بذلك, كالثياب والحيوان والمعدودات من الجوز, والبيض والرمان والقثاء, والخيار وسائر الخضراوات والبقول, والسفرجل والتفاح والكمثرى, والخوخ ونحوها فهذه المعدودات إذا اعتبرنا التماثل فيها, فإنه يعتبر التماثل في الوزن لأنه أخصر ذكره القاضي في الفواكه الرطبة وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي والآخر, قالوا: يعتبر ما أمكن كيله بالكيل لأن الأصل الأعيان الأربعة وهي مكيلة ومن شأن الفرع أن يرد إلى أصله بحكمه, والأصل حكمه تحريم التفاضل بالكيل فكذلك يكون حكم فروعها ولنا أن الوزن أخصر, فوجب اعتباره في غير المكيل والموزون كالذي لا يمكن كيله وإنما اعتبر الكيل في المنصوص عليه لأنه يقدر به في العادة, وهذا بخلافه. مسألة:
قال: [والتمور كلها جنس واحد وإن اختلفت أنواعها] الجنس: هو الشامل لأشياء مختلفة بأنواعها والنوع: الشامل لأشياء مختلفة بأشخاصها وقد يكون النوع جنسا بالنسبة إلى ما تحته نوعا بالنسبة إلى ما فوقه, والمراد هنا الجنس الأخص والنوع الأخص فكل نوعين اجتمعا في اسم خاص فهما جنس, كأنواع التمر وأنواع الحنطة فالتمور كلها جنس واحد لأن الاسم الخاص يجمعها وهو التمر, وإن كثرت أنواعه كالبرني والمعقلي, والإبراهيمي والخاستوي وغيرها وكل شيئين اتفقا في الجنس ثبت فيهما حكم الشرع بتحريم التفاضل, وإن اختلفت الأنواع لقول النبي - ﷺ -: (التمر بالتمر مثلا بمثل والبر بالبر مثلا بمثل) الحديث بتمامه فاعتبر المساواة في جنس التمر بالتمر والبر بالبر, ثم قال: (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم) وفي لفظ: (فإذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم) وفي لفظ: (إلا ما اختلفت ألوانه) ولا خلاف بين أهل العلم علمناه في وجوب المساواة في التمر بالتمر وسائر ما ذكر في الخبر مع اتفاق الأنواع, واختلافها. فصل:
فإن كان المشتركان في الاسم الخاص من أصلين مختلفين فهما جنسان كالأدقة والأخباز, والخلول والأدهان وعصير الأشياء المختلفة, كلها أجناس مختلفة باختلاف أصولها وحكي عن أحمد أن خل التمر وخل العنب, جنس وحكي ذلك عن مالك لأن الاسم الخاص يجمعهما والصحيح أنهما جنسان لأنهما من أصلين مختلفين فكانا جنسين كدقيق الحنطة, ودقيق الشعير وما ذكر للرواية الأخرى منتقض بسائر فروع الأصول التي ذكرناها وكل نوع مبني على أصله فإذا كان شيئان من أصلين فهما جنسان فزيت الزيتون, وزيت البطم وزيت الفجل أجناس ودهن السمك والشيرج, ودهن الجوز ودهن اللوز والبزر أجناس وعسل النحل وعسل القصب, جنسان وتمر النخل وتمر الهند جنسان وكل شيئين أصلهما واحد فهما جنس واحد وإن اختلفت مقاصدهما فدهن الورد, والبنفسج والزئبق ودهن الياسمين, إذا كانت من دهن واحد فهي جنس واحد وهذا الصحيح من مذهب الشافعي وله قول آخر: لا يجري الربا فيها لأنها لا تقصد للأكل وقال أبو حنيفة: هي أجناس لأن مقاصدها مختلفة ولنا, أنها كلها شيرج وإنما طيبت بهذه الرياحين فنسبت إليها, فلم تصر أجناسا كما لو طيب سائر أنواع الأجناس وقولهم: لا تقصد الرياحين للأكل قلنا: هي صالحة للأكل وإنما تعد لما هو أعلى منه, فلا تخرج عن كونها مأكولة بصلاحها لغيره وقولهم: إنها أجناس لا يصح لأنها من أصل واحد ويشملها اسم واحد فكانت جنسا, كأنواع التمر والحنطة. فصل: وقد يكون الجنس الواحد مشتملا على جنسين كالتمر, يشتمل على النوى وغيره وهما جنسان واللبن, يشتمل على المخيض والزبد وهما جنسان فما داما متصلين اتصال الخلقة فهما جنس واحد, فإذا ميز أحدهما من الآخر صارا جنسين حكمهما حكم الجنسين الأصليين. فصل:
في بيع التمر بالتمر وفروعه, يجوز بيع التمر بالتمر كيلا بكيل بغير خلاف وسواء تساويا في الجودة والرداءة وفي كونهما ينكبسان في المكيال, أو اختلفا في ذلك قيل لأحمد: صاع تمر بصاع تمر وأحد التمرين يدخل في المكيال منه أكثر؟ فقال: إنما هو صاع بصاع وذلك لقول النبي - ﷺ -: (التمر بالتمر مدي بمدي ثم قال: من زاد, أو ازداد فقد أربى) فإن كان في كل واحد منهما نواه جاز بيعه متساويا بغير خلاف لأن النبي - ﷺ - قد علم أن التمر يكون فيه النوى وإن نزع من كل واحد منهما نواه, جاز أيضا وقال أصحاب الشافعي: لا يجوز في أحد الوجهين لأنهما لم يتساويا في حال الكمال ولأنه يتجافى في المكيال ولنا قول النبي - ﷺ -: (التمر بالتمر مدي بمدي) ولأنهما تساويا في الحال على وجه لا ينفرد أحدهما بالنقصان فجاز, كما لو كان في كل واحد منهما نواه ويجوز بيع النوى بالنوى كيلا لذلك وإذا باع تمرا منزوع النوى بتمر نواه فيه لم يجز لاشتمال أحدهما على ما ليس من جنسه دون الآخر وإن نزع النوى ثم باع النوى والتمر بنوى وتمر, لم يجز لأنه زالت التبعية بنزعه فصار كبيع تمر وحنطة بتمر وحنطة وإن باع النوى بتمر منزوع النوى جاز متفاضلا, ومتساويا لأنهما جنسان وإن باع النوى بتمر نواه فيه فعلى روايتين منع منه في رواية مهنا وأحمد بن القاسم لأن التمر نوى, فيصير كمد عجوة وكما لو باع تمرا فيه نواه بتمر منزوع النوى وأجاز ذلك في رواية ابن منصور لأن النوى في التمر غير مقصود, ولذلك جاز بيع التمر بالتمر في كل واحد منهما نواه وصار هذا كبيع دار مموه سقفها بالذهب بذهب فعلى هذا يجوز بيعه متفاضلا ومتساويا لأن النوى الذي في التمر لا عبرة به فصار كبيع النوى بمنزوع النوى. فصل:
ويصنع من التمر الدبس, والخل والناطف والقطارة ولا يجوز بيع التمر بشيء منها لأن مع بعضها من غير جنسه, وبعضها مائع والتمر جامد ولا يجوز بيع الناطف بعضه ببعض ولا بغيره من المصنوع من التمر لأن معها شيئا مقصودا من غير جنسهما, فينزل منزلة مد عجوة ويجوز بيع القطارة والدبس والخل, كل نوع بعضه ببعض متساويا قال أحمد في رواية مهنا في خل الدقل: يجوز بيع بعضه ببعض متساويا وذلك لأن الماء في كل واحد منهما غير مقصود وهو من مصلحته, فلم يمنع جواز البيع كالخبز بالخبز والتمر بالتمر, في كل واحد منهما نواه ولا يباع نوع بنوع آخر لأن في كل واحد منهما من غير جنسه يقل ويكثر فيفضي إلى التفاضل. فصل:
والعنب كالتمر فيما ذكرناه إلا أنه لا يباع خل العنب بخل الزبيب لانفراد كل واحد منهما بما ليس من جنسه ويجوز بيع خل الزبيب بعضه ببعض, كما يجوز بيع خل التمر بعضه ببعض. مسألة:
قال: ( والبر والشعير جنسان ) هذا هو المذهب وبه يقول الثوري والشافعي, وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وعن أحمد, أنهما جنس واحد وحكي ذلك عن سعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث وابن معيقيب الدوسي, والحكم وحماد ومالك, والليث لما روي عن معمر بن عبد الله أنه أرسل غلامه بصاع قمح فقال: بعه, ثم اشتر به شعيرا فذهب الغلام فأخذ صاعا وزيادة بعض صاع فلما جاء معمرا, أخبره بذلك فقال له معمر: لم فعلت ذلك؟ انطلق فرده ولا تأخذن إلا مثلا بمثل, فإن (النبي - ﷺ - نهى عن بيع الطعام بالطعام إلا مثلا بمثل) وكان طعامنا يومئذ الشعير قيل: فإنه ليس بمثله قال: إني أخاف أن يضارع أخرجه مسلم ولأن أحدهما يغش بالآخر فكانا كنوعي الجنس ولنا قول النبي - ﷺ -: (بيعوا البر بالشعير كيف شئتم يدا بيد) وفي لفظ: (لا بأس ببيع البر بالشعير, والشعير أكثرهما يدا بيد وأما نسيئة فلا) وفي لفظ: (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم) وهذا صريح صحيح, لا يجوز تركه بغير معارض مثله ولأنهما لم يشتركا في الاسم الخاص فلم يكونا جنسا واحدا, كالتمر والحنطة ولأنهما مسميان في الأصناف الستة, فكانا جنسين كسائرها وحديث معمر لا بد فيه من إضمار الجنس بدليل سائر أجناس الطعام, ويحتمل أنه أراد الطعام المعهود عندهم وهو الشعير فإنه قال في الخبر: وكان طعامنا يومئذ الشعير, ثم لو كان عاما لوجب تقديم الخاص الصريح عليه وفعل معمر وقوله لا يعارض به قول النبي - ﷺ - وقياسهم ينتقض بالذهب والفضة. فصل:
في الحنطة وفروعها وفروعها نوعان, أحدهما ما ليس فيه غيره كالدقيق, والسويق والثاني ما فيه غيره كالخبز, والهريسة والفالوذج والنشاء, وأشباهها ولا يجوز بيع الحنطة بشيء من فروعها وهي ثلاثة أقسام: أحدها السويق فلا يجوز بيعه بالحنطة وبهذا قال الشافعي, وحكي عن مالك وأبي ثور جواز ذلك متماثلا, ومتفاضلا ولنا أنه بيع الحنطة ببعض أجزائها متفاضلا فلم يجز, كبيع مكوك حنطة بمكوكي دقيق ولا سبيل إلى التماثل لأن النار قد أخذت من أحدهما دون الآخر فأشبهت المقلية القسم الثاني, ما معه غيره فلا يجوز بيعها به أيضا وقال أصحاب أبي حنيفة: يجوز ذلك بناء على مسألة مد عجوة وسنذكر الدليل على ذلك - إن شاء الله تعالى - القسم الثالث, الدقيق فلا يجوز بيعها به في الصحيح وهو مذهب سعيد بن المسيب والحسن, والحكم وحماد والثوري, وأبي حنيفة ومكحول وهو المشهور عن الشافعي وعن أحمد رواية أخرى أنه جائز وبهذا قال ربيعة, ومالك وحكي ذلك عن النخعي وقتادة وابن شبرمة, وإسحاق وأبي ثور لأن الدقيق نفس الحنطة وإنما تكسرت أجزاؤها, فجاز بيع بعضها ببعض كالحنطة المكسرة بالصحاح فعلى هذا إنما تباع الحنطة بالدقيق وزنا لأنها قد تفرقت أجزاؤها بالطحن وانتشرت, فتأخذ من المكيال مكانا كبيرا والحنطة تأخذ مكانا صغيرا والوزن يسوي بينهما وبهذا قال إسحاق ولنا, أن بيع الحنطة بالدقيق بيع للحنطة بجنسها متفاضلا فحرم كبيع مكيلة بمكيلتين وذلك لأن الطحن قد فرق أجزاءها, فيحصل في مكيالها دون ما يحصل في مكيال الحنطة وإن لم يتحقق التفاضل فقد جهل التماثل, والجهل بالتماثل كالعلم بالتفاضل فيما يشترط التماثل فيه ولذلك لم يجز بيع بعضها ببعض جزافا وتساويهما في الوزن لا يلزم منه التساوي في الكيل, والحنطة والدقيق مكيلان لأن الأصل الكيل ولم يوجد ما ينقل عنه ولأن الدقيق يشبه المكيلات, فكان مكيلا كالحنطة ثم لو كان موزونا, لم يتحقق التساوي بين المكيل والموزون لأن المكيل لا يقدر بالوزن كما لا يقدر الموزون بالكيل. فصل:
فأما بيع بعض فروعها ببعض فيجوز بيع كل واحد من الدقيق والسويق بنوعه متساويا, وبه قال أبو حنيفة والمشهور عن الشافعي المنع من ذلك لأنه يعتبر تساويهما حالة الكمال وهو حال كونها حنطة وقد فات ذلك لأن أحد الدقيقين قد يكون من حنطة رزينة, والآخر من حنطة خفيفة فيستويان دقيقا ولا يستويان حنطة ولنا, أنهما تساويا حال العقد على وجه لا ينفرد أحدهما بالنقصان فجاز كبيع التمر بالتمر إذا ثبت هذا, فإنما يباع بعضه ببعض كيلا لأن الحنطة مكيلة ولم يوجد في الدقيق والسويق ما ينقلهما عن ذلك ويشترط أن يتساويا في النعومة ذكره أبو بكر وغيره من أصحابنا وهو مذهب أبي حنيفة لأنهما إذا تفاوتا في النعومة تفاوتا في ثاني الحال, فيصير كبيع الحنطة بالدقيق وذكر القاضي أن الدقيق يباع بالدقيق وزنا ولا وجه له وقد سلم في السويق أنه يباع بالكيل والدقيق مثله فأما بيع الدقيق بالسويق, فالصحيح أنه لا يجوز وهو مذهب الشافعي وروي عن أحمد أنه يجوز لأن كل واحد منهما أجزاء حنطة ليس معه غيره فأشبه الدقيق بالدقيق, والسويق بالسويق ولنا أن النار قد أخذت من أحدهما فلم يجز بيع بعضه ببعض, كالمقلية بالنيئة وروي عن مالك وأبي يوسف ومحمد, وأبي ثور أنه لا بأس ببيع الدقيق بالسويق متفاضلا لأنهما جنسان ولنا أنهما أجزاء جنس واحد, فلم يجز التفاضل بينهما كالدقيق مع الدقيق والسويق بالسويق. فصل:
فأما ما فيه غيره, كالخبز وغيره فهو نوعان أحدهما, أن يكون ما فيه من غيره غير مقصود في نفسه إنما جعل فيه لمصلحته كالخبز والنشاء, فيجوز بيع كل واحد منهما بنوعه إذا تساويا في النشافة والرطوبة ويعتبر التساوي في الوزن لأنه يقدر به في العادة ولا يمكن كيله وقال مالك: إذا تحرى أن يكون مثلا بمثل, فلا بأس به وإن لم يوزن وبه قال الأوزاعي وأبو ثور وحكي عن أبي حنيفة: لا بأس به قرصا بقرصين وقال الشافعي: لا يجوز بيع بعضه ببعض بحال, إلا أن ييبس ويدق دقا ناعما ويباع بالكيل, ففيه قولان لأنه مكيل يجب التساوي فيه ولا يمكن كيله فتعذرت المساواة فيه, ولأن في كل واحد منهما من غير جنسه فلم يجز بيعه به كالمغشوش من الذهب والفضة, وغيرهما ولنا على وجوب التساوي أنه مطعوم موزون, فحرم التفاضل فيهما كاللحم واللبن, ومتى وجب التساوي وجبت معرفة حقيقة التساوي في المعيار الشرعي كالحنطة بالحنطة, والدقيق بالدقيق ولنا على الشافعي أن معظم نفعه في حال رطوبته فجاز بيعه به, كاللبن باللبن ولا يمتنع أن يكون موزونا أصله غير موزون كاللحم, والأدهان ولا يجوز بيع الرطب باليابس لانفراد أحدهما بالنقص في ثاني الحال فأشبه الرطب بالتمر ولا يمنع زيادة أخذ النار من أحدهما أكثر من الآخر حال رطوبتهما إذا لم يكثر لأن ذلك يسير ولا يمكن التحرز منه, أشبه بيع الحديثة بالعتيقة ولا يلزم ما فيه من الملح والماء لأن ذلك ليس بمقصود فيه ويراد لمصلحته فهو كالملح في الشيرج وإن يبس الخبز, فدق وجعل فتيتا بيع بمثله كيلا لأنه أمكن كيله, فرد إلى أصله وقال ابن عقيل: فيه وجه آخر أنه يباع بالوزن لأنه انتقل إليه النوع الثاني ما فيه غيره مما هو مقصود, كالهريسة والخزيرة والفالوذج, وخبز الأبازير والخشكنانج والسنبوسك, ونحوه فلا يجوز بيع بعضه ببعض ولا بيع نوع بنوع آخر لأن كل واحد منهما يشتمل على ما ليس من جنسه, وهو مقصود كاللحم في الهريسة والعسل في الفالوذج والماء, والدهن في الخزيرة ويكثر التفاوت في ذلك فلا يتحقق التماثل فيه وإذا لم يمكن التماثل في النوع الواحد ففي النوعين أولى. فصل:
والحكم في الشعير وسائر الحبوب كالحكم في الحنطة ويجوز بيع الحنطة والمصنوع منها بغيرها من الحبوب والمصنوع منها لعدم اشتراط المماثلة بينهما والله أعلم. مسألة:
قال: ( وسائر اللحمان جنس واحد ) أراد جميع اللحم, وجمعه - وهو اسم جنس - لاختلاف أنواعه ظاهر كلام الخرقي أن اللحم كله جنس واحد وذكره أبو الخطاب, وابن عقيل رواية عن أحمد وهو قول أبي ثور وأحد قولي الشافعي وأنكر القاضي أبو يعلى كون هذا رواية عن أحمد, وقال: الأنعام والوحوش والطير, ودواب الماء أجناس يجوز التفاضل فيها رواية واحدة وإنما في اللحم روايتان إحداهما, أنه أربعة أجناس كما ذكرنا وهو مذهب مالك إلا أنه يجعل الأنعام, والوحش جنسا واحدا فيكون عنده ثلاثه أصناف والثانية أنه أجناس باختلاف أصوله, وهو قول أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي وهي أصح لأنها فروع أصول هي أجناس, فكانت أجناسا كالأدقة والأخباز وهذا اختيار ابن عقيل واختيار القاضي أنها أربعة أجناس وحمل كلام الخرقي عليها, واحتج بأن لحم هذه الحيوانات تختلف المنفعة بها والقصد إلى أكلها فكانت أجناسا وهذا ضعيف جدا لأن كونها أجناسا لا يوجب حصرها في أربعة أجناس, ولا نظير لهذا فيقاس عليه ولا يصح حمل كلام الخرقي عليه لعدم احتمال لفظه له وتصريحه في الأيمان بأنه إذا حلف لا يأكل لحما فأكل من لحم الأنعام, أو الطائر أو السمك حنث فيتعين حمل كلامه على عمومه في أن جميع اللحم جنس لأنه اشترك في الاسم الواحد حال حدوث الربا فيه, فكان جنسا واحدا كالطلع والصحيح أنه أجناس باختلاف أصوله وهذا الدليل ينتقض بالتمر الهندي والتمر البرني, وعسل القصب وعسل النحل وغير ذلك فعلى هذا لحم الإبل كله صنف, بخاتيها وعرابها والبقر عرابها وجواميسها صنف والغنم ضأنها ومعزها صنف ويحتمل أن يكونا صنفين لأن الله تعالى سماها في الأزواج الثمانية فقال: (ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين) ففرق بينهما, كما فرق بين الإبل والبقر فقال: (ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين) والوحش أصناف بقرها صنف وغنمها صنف, وظباؤها صنف وكل ماله اسم يخصه فهو صنف والطيور أصناف كل ما انفرد باسم وصفة فهو صنف, فيباع لحم صنف بلحم صنف آخر متفاضلا ومتماثلا ويباع بصفة متماثلا, ومن جعلها صنفا واحدا لم يجز عنده بيع لحم بلحم إلا متماثلا. مسألة:
قال: ( لا يجوز بيع بعضه ببعض رطبا ويجوز إذا تناهى جفافه مثلا بمثل ) اختار الخرقي أنه لا يباع بعضه ببعض إلا في حال جفافه وذهاب رطوبته كلها وهو مذهب الشافعي وذهب أبو حفص في " شرحه " إلى هذا قال القاضي: والمذهب: جواز بيعه, ونص عليه وقوله في الرطب بالرطب بجواز البيع ينبه على إباحة بيع اللحم باللحم من حيث كان اللحم, حال كماله ومعظم نفعه في حال رطوبته دون حال يبسه فجرى مجرى اللبن بخلاف الرطب فإن حال كماله ومعظم نفعه في حال يبسه, فإذا جاز فيه البيع ففي اللحم أولى ولأنه وجد التماثل فيهما في الحال على وجه لا ينفرد أحدهما بالنقص, فجاز كبيع اللبن باللبن فأما بيع رطبه بيابسه أو نيئه بمطبوخه أو مشويه فغير جائز لانفراد أحدهما بالنقص في الثاني, فلم يجز كالرطب بالتمر. فصل:
قال القاضي: ولا يجوز بيع بعضه ببعض إلا منزوع العظام كما لا يجوز بيع العسل بالعسل إلا بعد التصفية وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي وكلام أحمد, -رحمه الله- يقتضي الإباحة من غير نزع عظامه ولا جفافه قال في رواية حنبل: إذا صار إلى الوزن مثلا بمثل, رطلا برطل فأطلق ولم يشترط شيئا وذلك لأن العظم تابع للحم بأصل الخلقة فلم يشترط نزعه كالنوى في التمر وفارق العسل, من حيث إن اختلاط الشمع بالعسل من فعل النحل لا من أصل الخلقة. فصل:
واللحم والشحم جنسان والكبد صنف والطحال صنف والقلب صنف والمخ صنف ويجوز بيع كل صنف بصنف آخر متفاضلا وقال القاضي: لا يجوز بيع اللحم بالشحم وكره مالك ذلك, إلا أن يتماثلا وظاهر المذهب إباحة البيع فيهما متماثلا ومتفاضلا وهو قول أبي حنيفة, والشافعي لأنهما جنسان فجاز التفاضل فيهما كالذهب والفضة وإن منع منه لكون اللحم لا يخلو من شحم لم يصح لأن الشحم لا يظهر وإن كان فيه شيء فهو غير مقصود, فلا يمنع البيع ولو منع لذلك لم يجز بيع لحم بلحم لاشتمال كل واحد منهما على ما ليس من جنسه ثم لا يصح هذا عند القاضي لأن السمين الذي يكون مع اللحم لحم عنده, فلا يتصور اشتمال اللحم على الشحم وذكر القاضي أن اللحم الأبيض الذي على ظاهر اللحم الأحمر هو والأحمر جنس واحد وأن الألية والشحم جنسان وظاهر كلام الخرقي خلاف هذا لقوله: إن اللحم لا يخلو من شحم, ولو لم يكن هذا شحما لم يختلط لحم بشحم فعلى قوله كل أبيض في الحيوان يذوب بالإذابة ويصير دهنا, فهو جنس واحد وهذا أصح لقوله تعالى: {حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما} [الأنعام: 146]. فاستثنى ما حملت الظهور من الشحم ولأنه يشبه الشحم في ذوبه ولونه ومقصده فكان شحما, كالذي في البطن. فصل:
وفي اللبن روايتان إحداهما هو جنس واحد لما ذكرنا في اللحم والثانية هو أجناس باختلاف أصوله كاللحم وهذا مذهب الشافعي وبه قال مالك لأن الأنعام كلها جنس واحد وقال ابن عقيل: لبن البقر الأهلية والوحشية جنس واحد على الروايات كلها لأن اسم البقر يشملهما وليس بصحيح لأن لحمهما جنسان, فكان لبنهما جنسين كالإبل والبقر ويجوز بيع اللبن بغير جنسه متفاضلا, وكيف شاء يدا بيد وبجنسه متماثلا كيلا قال القاضي: هو مكيل لا يباع إلا بالكيل لأنه العادة فيه ولا فرق بين أن يكونا حليبين أو حامضين, أو أحدهما حليب والآخر حامض لأن تغيير الصفة لا يمنع جواز البيع كالجودة والرداءة وإن شيب أحدهما بماء, أو غيره لم يجز بيعه بخالص ولا بمشوب من جنسه لأن معه من غير جنسه لغير مصلحته. فصل:
ويتفرع من اللبن قسمان ما ليس فيه غيره كالزبد والسمن, والمخيض واللبأ وما فيه غيره وكلاهما لا يجوز بيعه باللبن لأنه مستخرج من اللبن فلم يجز بيعه بأصله الذي فيه منه, كالحيوان باللحم والسمسم بالشيرج وهذا مذهب الشافعي وعن أحمد أنه يجوز بيع اللبن بالزبد, إذا كان الزبد المنفرد أكثر من الزبد الذي في اللبن وهذا يقتضي جواز بيعه به متفاضلا ومنع جوازه متماثلا قال القاضي: وهذه الرواية لا تخرج على المذهب لأن الشيئين إذا دخلهما الربا لم يجز بيع أحدهما بالآخر, ومعه من غير جنسه كمد عجوة ودرهم بمدين والصحيح أن هذه الرواية دالة على جواز البيع في مسألة مد عجوة وكونها مخالفة لروايات أخر لا يمنع كونها رواية, كسائر الروايات المخالفة لغيرها لكنها مخالفة لظاهر المذهب والحكم في السمن كالحكم في الزبد وأما اللبن بالمخيض الذي فيه زبده فلا يجوز نص عليه أحمد, فقال: اللبن بالمخيض لا خير فيه ويتخرج الجواز كالتي قبلها وأما اللبن باللبأ فإن كان قبل أن تمسه النار جاز متماثلا لأنه لبن بلبن وإن مسته النار لم يجز وذكر القاضي وجها, أنه يجوز وليس بصحيح لأن النار عقدت أجزاء أحدهما وذهبت ببعض رطوبته, فلم يجز بيعه بما لم تمسه النار كالخبز بالعجين والمقلية بالنيئة وهذا مذهب الشافعي وأما بيع النوع من فروع اللبن بنوعه, فما فيه خلط من غير اللبن كالكشك والكامخ ونحوهما, لا يجوز بيعه بنوعه ولا بغيره لأنه مختلط بغيره فهو كمسألة مد عجوة وما ليس فيه غيره, أو فيه غيره إلا أن ذلك الغير لمصلحته فيجوز بيع كل نوع منه بعضه ببعض إذا تساويا في النشافة والرطوبة, فيبيع المخيض بالمخيض واللبأ باللبأ والجبن بالجبن, والمصل بالمصل والأقط بالأقط والزبد بالزبد, والسمن بالسمن متساويا ويعتبر التساوي بين الأقط بالأقط بالكيل لأنه قدر بالصاع في صدقة الفطر وهو يشبه المكيلات, وكذلك المصل والمخيض ويباع الخبز بالخبز بالوزن لأنه موزون ولا يمكن كيله فأشبه الخبز وكذلك الزبد والسمن ويتخرج أن يباع السمن بالكيل ولا يباع ناشف من ذلك برطب كما لا يباع الرطب بالتمر ويحتمل كلام الخرقي أن لا يباع رطب من ذلك برطب كاللحم وأما بيع ما نزع من اللبن بنوع آخر, كالزبد والسمن والمخيض, فظاهر المذهب أنه يجوز بيع الزبد والسمن بالمخيض متماثلا ومتفاضلا لأنهما جنسان, وذلك لأنهما شيئان من أصل واحد أشبها اللحم بالشحم وممن أجاز بيع الزبد بالمخيض الثوري والشافعي, وإسحاق ولأن اللبن الذي في الزبد غير مقصود وهو يسير فأشبه الملح في الشيرج وبيع السمن بالمخيض أولى بالجواز لخلو السمن من المخيض ولا يجوز بيع الزبد بالسمن لأن في الزبد لبنا يسيرا, ولا شيء في السمن فيختل التماثل ولأنه مستخرج من الزبد, فلم يجز بيعه به كالزيتون بالزيت وهذا مذهب الشافعي وقال القاضي: عندي يجوز لأن اللبن في الزبد غير مقصود فوجوده كعدمه, ولذلك جاز بيعه بالمخيض وبزبد مثله وهذا لا يصح لأن التماثل واجب بينهما وانفراد أحدهما بوجود اللبن فيه يخل بالتماثل, فلم يجز بيعه به كتمر منزوع النوى بتمر فيه نواه ولأن أحدهما ينفرد برطوبة لا توجد في الآخر, فأشبه الرطب بالتمر والعنب بالزبيب وكل رطب بيابس من جنسه ولا يجوز بيع شيء من الزبد والسمن والمخيض بشيء من أنواع اللبن, كالجبن واللبأ ونحوهما لأن هذه الأنواع لم ينتزع منها شيء فيكون حكمها حكم اللبن الذي فيه زبده فلم يجز بيعها, كبيع اللبن بها وأما بيع الجبن بالأقط فلا يجوز مع رطوبتهما أو رطوبة أحدهما, كما لا يجوز بيع الرطب بالتمر وإن كانا يابسين احتمل أن لا يجوز أيضا لأن الجبن موزون والأقط مكيل فلم يجز بيع أحدهما بالآخر كالخبز بالدقيق, ويحتمل الجواز إذا تماثلا كبيع الخبز بالخبز. مسألة:
قال: [ولا يجوز بيع اللحم بالحيوان] لا يختلف المذهب أنه لا يجوز بيع اللحم بحيوان من جنسه وهو مذهب مالك, والشافعي وقول فقهاء المدينة السبعة وحكي عن مالك أنه لا يجوز بيع اللحم بحيوان معد للحم, ويجوز بغيره وقال أبو حنيفة: يجوز مطلقا لأنه باع مال الربا بما لا ربا فيه أشبه بيع اللحم بالدراهم أو بلحم من غير جنسه ولنا, ما روي أن النبي - ﷺ - (نهى عن بيع اللحم بالحيوان) رواه مالك في الموطأ عن زيد بن أسلم عن سعيد بن المسيب, عن النبي - ﷺ - قال ابن عبد البر: هذا أحسن أسانيده وروي عن النبي - ﷺ - أنه (نهى أن يباع حي بميت) ذكره الإمام أحمد وروي عن ابن عباس أن جزورا نحرت فجاء رجل بعناق فقال: أعطوني جزءا بهذا العناق فقال أبو بكر: لا يصلح هذا قال الشافعي: لا أعلم مخالفا لأبي بكر في ذلك وقال أبو الزناد: وكل من أدركت ينهي عن بيع اللحم بالحيوان ولأن اللحم نوع فيه الربا بيع بأصله الذي فيه منه, فلم يجز كبيع السمسم بالشيرج وبهذا فارق ما قاسوا عليه وأما بيع اللحم بحيوان من غير جنسه فظاهر كلام أحمد والخرقي, أنه لا يجوز فإن أحمد سئل عن بيع الشاة باللحم فقال: لا يصح لأن النبي - ﷺ - (نهى أن يباع حي بميت) واختار القاضي جوازه وللشافعي فيه قولان واحتج من منعه بعموم الأخبار, وبأن اللحم كله جنس واحد ومن أجازه قال: مال الربا بيع بغير أصله ولا جنسه فجاز كما لو باعه بالأثمان وإن باعه بحيوان غير مأكول اللحم, جاز في ظاهر قول أصحابنا وهو قول عامة الفقهاء. فصل:
ولا يجوز بيع شيء من مال الربا بأصله الذي فيه منه كالسمسم بالشيرج, والزيتون بالزيت وسائر الأدهان بأصولها والعصير بأصله, كعصير العنب والرمان والتفاح, والسفرجل وقصب السكر لا يباع شيء منها بأصله وبه قال الشافعي وابن المنذر وقال أبو ثور: يجوز لأن الأصل مختلف, والمعنى مختلف وقال أبو حنيفة يجوز إذا علم يقينا أن ما في الأصل من الدهن والعصير أقل من المنفرد وإن لم يعلم لم يجز ولنا, أنه مال ربا بيع بأصله الذي فيه منه فلم يجز كبيع اللحم بالحيوان, وقد أثبتنا ذلك بالنص. فصل:
فأما بيع شيء من هذه المعتصرات بجنسه فيجوز متماثلا ويجوز بيعه بغير جنسه متفاضلا وكيف شاء لأنهما جنسان, ويعتبر التساوي فيهما بالكيل لأنه يقدر به ويباع به عادة وهذا مذهب الشافعي وسواء كانا مطبوخين أو نيئين وقال أصحاب الشافعي: لا يجوز بيع المطبوخ بجنسه لأن النار تعقد أجزاءهما, فيختلف ويؤدي إلى التفاضل ولنا أنهما متساويان في الحال على وجه لا ينفرد أحدهما بالنقص فأشبه النيء بالنيء فأما بيع النيء بالمطبوخ من جنس واحد, فلا يجوز لأن أحدهما ينفرد بالنقص في ثاني الحال فلم يجز بيعه به كالرطب بالتمر وإن باع عصير شيء من ذلك بثفله فإن كانت فيه بقية من المستخرج منه, لم يجز بيعه به فلا يجوز بيع الشيرج بالكسب ولا الزيت بثفله الذي فيه بقية من الزيت, إلا على الرواية التي يجوز فيها مسألة مد عجوة فإن لم يبق فيه شيء من عصيره جاز بيعه به متفاضلا ومتماثلا لأنهما جنسان. فصل:
وإن باع شيئا فيه الربا, بعضه ببعض ومعهما أو مع أحدهما من غير جنسه, كمد ودرهم بمد ودرهم أو بمدين أو بدرهمين أو باع شيئا محلى بجنس حليته, فهذه المسألة تسمى مسألة مد عجوة والمذهب أنه لا يجوز ذلك نص على ذلك أحمد في مواضع كثيرة وذكره قدماء الأصحاب, قال ابن أبي موسى في السيف المحلى والمنطقة والمراكب المحلاة بجنس ما عليها: لا يجوز قولا واحدا وروي هذا عن سالم بن عبد الله والقاسم بن محمد, وشريح وابن سيرين وبه قال الشافعي وإسحاق, وأبو ثور وعن أحمد رواية أخرى, تدل على أنه يجوز بشرط أن يكون المفرد أكثر من الذي معه غيره أو يكون مع كل واحد منهما من غير جنسه فإن مهنا نقل عن أحمد في بيع الزبد باللبن, يجوز إذا كان الزبد المنفرد أكثر من الزبد الذي في اللبن وروى حرب قال: قلت لأحمد: دفعت دينارا كوفيا ودرهما, وأخذت دينارا شاميا وزنهما سواء لكن الكوفي أوضع؟ قال: لا يجوز, إلا أن ينقص الدينار فيعطيه بحسابه فضة وكذلك روى عنه محمد بن أبي حرب الجرجرائي وروى الميموني أنه سأله: لا يشتري السيف والمنطقة حتى يفصلها؟ فقال: لا يشتريها حتى يفصلها إلا أن هذا أهون من ذلك لأنه قد يشتري أحد النوعين بالآخر يفصله وفيه غير النوع الذي يشتري به فإذا كان من فضل الثمن, إلا أن من ذهب إلى ظاهر القلادة لا يشتريه حتى يفصله قيل له: فما تقول أنت؟ قال: هذا موضع نظر وقال أبو داود: سمعت أحمد سئل عن الدراهم المسيبية بعضها صفر وبعضها فضة بالدراهم؟ قال: لا أقول فيه شيئا, قال أبو بكر: روي هذه المسألة عن أبي عبد الله خمسة عشر نفسا كلهم اتفقوا على أنه لا يجوز حتى يفصل إلا الميموني ونقل مهنا كلاما آخر وقال حماد بن أبي سليمان وأبو حنيفة: يجوز هذا كله إذا كان المفرد أكثر من الذي معه غيره أو كان مع كل واحد منهما من غير جنسه وقال الحسن: لا بأس ببيع السيف المحلى بالفضة بالدراهم وبه قال الشعبي, والنخعي واحتج من أجاز ذلك بأن العقد إذا أمكن حمله على الصحة لم يحمل على الفساد لأنه لو اشترى لحمًا من قصاب, جاز مع احتمال كونه ميتة ولكن وجب حمله على أنه مذكى تصحيحا للعقد ولو اشترى من إنسان شيئا جاز, مع احتمال كونه غير ملكه ولا إذن له في بيعه تصحيحا للعقد أيضا وقد أمكن التصحيح ها هنا, بجعل الجنس في مقابلة غير الجنس أو جعل غير الجنس في مقابلة الزائد على المثل ولنا ما روى فضالة بن عبيد, قال: (أتى النبي - ﷺ- بقلادة فيها ذهب وخرز ابتاعها رجل بتسعة دنانير أو سبعة دنانير فقال النبي - ﷺ -: لا, حتى تميز بينهما) قال: فرده حتى ميز بينهما رواه أبو داود وفي لفظ رواه مسلم قال: فأمر رسول الله - ﷺ - بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده ثم قال لهم رسول الله - ﷺ -: (الذهب بالذهب وزنا بوزن) ولأن العقد إذا جمع عوضين مختلفي الجنس وجب أن ينقسم أحدهما على الآخر على قدر قيمة الآخر في نفسه, فإذا اختلفت القيمة اختلف ما يأخذه من العوض بيانه أنه إذا اشترى عبدين قيمة أحدهما مثل نصف قيمة الآخر بعشرة كان ثمن أحدهما ثلثي العشرة, والآخر ثلثها فلو رد أحدهما بعيب رده بقسطه من الثمن, ولذلك إذا اشترى شقصا وسيفا بثمن أخذ الشفيع الشقص بقسطه من الثمن فإذا فعلنا هذا في من باع درهما ومدا قيمته درهمان بمدين قيمتهما ثلاثة, حصل الدرهم في مقابلة ثلثي مد والمد الذي مع الدرهم في مقابلة مد وثلث فهذا إذا تفاوتت القيم ومع التساوي يجهل ذلك لأن التقويم ظن وتخمين, والجهل بالتساوي كالعلم بعدمه في باب الربا ولذلك لم يجز بيع صبرة بصبرة بالظن والخرص وقولهم: يجب تصحيح العقد ليس كذلك, بل يحمل على ما يقتضيه من صحة وفساد ولذلك لو باع بثمن وأطلق وفي البلاد نقود بطل ولم يحمل على نقد أقرب البلاد إليه, أما إذا اشترى من إنسان شيئا فإنه يصح لأن الظاهر أنه ملكه لأن اليد دليل الملك وإذا باع لحما فالظاهر أنه مذكى لأن المسلم في الظاهر لا يبيع الميتة. فصل:
فأما إن باع نوعين مختلفي القيمة من جنس, وبنوع واحد من ذلك الجنس كدينار مغربي ودينار سابوري بدينارين مغربيين, أو دينار صحيح ودينار قراضة بدينارين صحيحين أو قراضتين, أو حنطة حمراء وسمراء ببيضاء أو تمرا برنيا ومعقليا بإبراهيمي فإنه يصح قال أبو بكر: وأومأ إليه أحمد واختار القاضي أبو يعلى أن الحكم فيها كالتي قبلها وهو مذهب مالك والشافعي لأن العقد يقتضي انقسام الثمن على عوضه على حسب اختلافه في قيمته كما ذكرنا وروى عن أحمد منع ذلك في النقد, وتجويزه في الثمن نقله أحمد بن القاسم لأن الأنواع في غير الأثمان يكثر اختلاطها ويشق تمييزها فعفي عنها بخلاف الأثمان ولنا قول النبي - ﷺ -: (الذهب بالذهب مثلا بمثل, والفضة بالفضة مثلا بمثل) الحديث وهذا يدل على إباحة البيع عند وجود المماثلة المراعاة وهي المماثلة في الموزون وزنا وفي المكيل كيلا, ولأن الجودة ساقطة في باب الربويات فيما قوبل بجنسه فيما لو اتحد النوع في كل واحد من الطرفين, فكذلك إذا اختلفا واختلاف القيمة ينبني على الجودة والرداءة لأنه باع ذهبا بذهب متساويا في الوزن فصح, كما لو اتفق النوع وإنما يقسم العوض على المعوض فيما يشتمل على جنسين أو في غير الربويات بدليل ما لو باع نوعا بنوع يشتمل على جيد ورديء. فصل:
وإن باع ما فيه الربا بغير جنسه, ومعه من جنس ما بيع به إلا أنه غير مقصود كدار مموه سقفها بالذهب, جاز لا أعلم فيه خلافا وكذلك لو باع دارا بدار مموه سقف كل واحدة منها بذهب أو فضة جاز لأن ما فيه الربا غير مقصود بالبيع فوجوده كعدمه وكذلك لو اشترى عبدا له مال فاشترط ماله وهو من جنس الثمن, جاز إذا كان المال غير مقصود ولو اشترى عبدا بعبد واشترط كل واحد منهما مال العبد الذي اشتراه, جاز إذا لم يكن ماله مقصودا لأنه غير مقصود بالبيع فأشبه التمويه في السقف ولذلك لا تشترط رؤيته في صحة البيع ولا لزومه, وإن باع شاة ذات لبن بلبن أو عليها صوف بصوف أو باع لبونا بلبون, وذات صوف بمثلها ففيه وجهان أحدهما الجواز, اختاره ابن حامد وهو قول أبي حنيفة وسواء كانت الشاة حية أو مذكاة لأن ما فيه الربا غير مقصود, فلم يمنع كالدار المموه سقفها الثاني المنع, وهو مذهب الشافعي لأنه باع مال الربا بأصله الذي فيه منه أشبه الحيوان باللحم والفرق بينهما, أن اللحم في الحيوان مقصود بخلاف اللبن ولو كانت الشاة محلوبة اللبن جاز بيعها بمثلها وباللبن وجها واحدا لأن اللبن لا أثر له, ولا يقابله شيء من الثمن فأشبه الملح في الشيرج والخبز والجبن وحبات الشعير في الحنطة, ولا نعلم فيه أيضا خلافا وكذلك لو كان اللبن المنفرد من غير جنس لبن الشاة جاز بكل حال ولو باع نخلة عليها تمر بتمر, أو بنخلة عليها تمر ففيه أيضا وجهان أحدهما الجواز اختاره أبو بكر لأن التمر غير مقصود بالبيع والثاني, لا يجوز ووجه الوجهين ما ذكرناه في المسألة قبلها واختار القاضي أنه لا يجوز وفرق بينهما وبين الشاة ذات اللبن بكون الثمرة يصح إفرادها بالبيع وهي معلومة, بخلاف اللبن في الشاة وهذا الفرق غير مؤثر فإن ما يمنع إذا جاز إفراده يمنع, وإن لم يجز إفراده كالسيف المحلى يباع بجنس حليته وما لا يمنع لا يمنع, وإن جاز إفراده كمال العبد. فصل:
وإن باع جنسا فيه الربا بجنسه ومع كل واحد من غير جنسه غير مقصود, فذلك ينقسم أقساما أحدها أن يكون غير المقصود يسيرا لا يؤثر في كيل ولا وزن, كالملح فيما يعمل فيه وحبات الشعير في الحنطة فلا يمنع لأنه يسير لا يخل بالتماثل, وكذلك لو وجد في أحدهما دون الآخر لم يمنع لذلك ولو باع ذلك بجنس غير المقصود الذي معه, مثل أن يبيع الخبز بالملح جاز لأن وجود ذلك كعدمه الثاني أن يكون غير المقصود كثيرا, إلا أنه لمصلحة المقصود كالماء في خل التمر والزبيب, ودبس التمر فهذا يجوز بيع الشيء منه بمثله وينزل خلطه منزلة رطوبته لكونه من مصلحته, فلا يمنع من بيعه بما يماثله كالرطب بالرطب ولا يجوز بيعه بما ليس فيه خلط, كبيع خل العنب بخل الزبيب لإفضائه إلى التفاضل فجرى مجرى بيع التمر بالرطب ومنع الشافعي ذلك كله إلا بيع الشيرج بالشيرج لكون الماء لا يظهر في الشيرج الثالث, أن يكون غير المقصود كثيرا وليس من مصلحته كاللبن المشوب بالماء, والأثمان المغشوشة بغيرها فلا يجوز بيع بعضها ببعض لأن خلطه ليس من مصلحته وهو يخل بالتماثل المقصود فيه, وإن باعه بجنس غير المقصود كبيع الدينار المغشوش بالفضة بالدراهم احتمل الجواز لأنه يبيعه بجنس غير مقصود فيه, فأشبه بيع اللبن بشاة فيها لبن ويحتمل المنع بناء على الوجه الآخر في الأصل وإن باع دينارا مغشوشا بمثله والغش فيهما متفاوت أو غير معلوم المقدار, لم يجز لأنه يخل بالتماثل المقصود وإن علم التساوي في الذهب والغش الذي فيهما خرج على الوجهين أولاهما الجواز لأنهما تماثلا في المقصود وفي غيره, ولا يفضي إلى التفاضل بالتوزيع بالقيمة لكون الغش غير مقصود فكأنه لا قيمة له. فصل:
ولو دفع إليه درهما فقال: أعطني بنصف هذا الدرهم نصف درهم, وبنصفه فلوسا أو حاجة أخرى جاز لأنه اشترى نصفا بنصف وهما متساويان, فصح كما لو دفع إليه درهمين وقال: بعني بهذا الدرهم فلوسا, وأعطني بالآخر نصفين وإن قال: أعطني بهذا الدرهم نصفا وفلوسا جاز أيضا لأن معناه ذلك ولأن ذلك لا يفضي إلى التفاضل بالتوزيع بالقيمة فإن قيمة النصف الذي في الدرهم كقيمة النصف الذي مع الفلوس يقينا, وقيمة الفلوس كقيمة النصف الآخر سواء. فصل
وما كان مشتملا على جنسين بأصل الخلقة, كالتمر الذي اشتمل على النوى وما عليه والحيوان المشتمل على لحم وشحم وغيره وأشباه ذلك, فهذا إذا قوبل بمثله جاز بيعه به ولا نظر إلى ما فيه, فإن (النبي - ﷺ - أجاز بيع التمر بالتمر والحيوان بالحيوان) وقد علم اشتمالهما على ما فيهما ولو باع ذلك بنوع غير مقصود فيه, كبيع التمر الذي فيه النوى بالنوى ففيه عن أحمد روايتان قد ذكرناهما فيما مضى, فأما العسل قبل تصفيته فقال أصحابنا: لا يجوز بيع بعضه ببعض لاشتماله على عسل وشمع وذلك بفعل النحل فأشبه السيف المحلى.
فصل: ويحرم الربا في دار الحرب, كتحريمه في دار الإسلام وبه قال مالك والأوزاعي وأبو يوسف, والشافعي وإسحاق وقال أبو حنيفة: لا يجري الربا بين مسلم وحربي في دار الحرب وعنه في مسلمين أسلما في دار الحرب لا ربا بينهما لما روى مكحول, عن النبي - ﷺ - أنه قال: (لا ربا بين المسلمين وأهل الحرب في دار الحرب). ولأن أموالهم مباحة وإنما حظرها الأمان في دار الإسلام فما لم يكن كذلك كان مباحا ولنا, قول الله تعالى: {وحرم الربا} [البقرة: 275]. وقوله: {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس} [البقرة: 275]. وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا} [البقرة: 278]. وعموم الأخبار يقتضي تحريم التفاضل وقوله: (من زاد أو ازداد فقد أربى). عام وكذلك سائر الأحاديث ولأن ما كان محرما في دار الإسلام كان محرما في دار الحرب كالربا بين المسلمين, وخبرهم مرسل لا نعرف صحته ويحتمل أنه أراد النهي عن ذلك ولا يجوز ترك ما ورد بتحريمه القرآن, وتظاهرت به السنة وانعقد الإجماع على تحريمه بخبر مجهول, لم يرد في صحيح ولا مسند ولا كتاب موثوق به, وهو مع ذلك مرسل محتمل ويحتمل أن المراد بقوله: (لا ربا) النهي عن الربا كقوله: {فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج} [البقرة: 197]. وما ذكروه من الإباحة منتقض بالحربي إذا دخل دار الإسلام فإن ماله مباح, إلا فيما حظره الأمان ويمكن حمله بين المسلمين على هيئة التفاضل وهو محرم بالإجماع, فكذا ها هنا.
مسألة: قال: [وإذا اشترى ذهبا بورق عينا بعين فوجد أحدهما فيما اشتراه عيبا, فله الخيار بين أن يرد أو يقبل إذا كان بصرف يومه وكان العيب يدخل عليه من غير جنسه] معنى قوله: " عينا بعين " هو أن يقول بعتك هذا الدينار بهذه الدراهم ويشير إليهما, وهما حاضران وبغير عينه أن يوقع العقد على موصوف غير مشار إليه, فيقول: بعتك دينارا مصريا بعشرة دراهم ناصرية وإن وقع القبض في المجلس وقد يكون أحد العوضين معينا دون الآخر وكل ذلك جائز والمشهور في المذهب, أن النقود تتعين بالتعيين في العقود فيثبت الملك في أعيانها فعلى هذا إذا تبايعا ذهبا بفضة مع التعيين فيهما, ثم تقابضا فوجد أحدهما بما قبضه عيبا لم يخل من قسمين: أحدهما, أن يكون العيب غشا من غير جنس المبيع مثل أن يجد الدراهم رصاصا أو نحاسا, أو فيه شيء من ذلك أو الدينار مسحا فالصرف باطل نص عليه أحمد, وهو قول الشافعي وذكر أبو بكر فيها ثلاث روايات إحداهن البيع باطل والثانية, البيع صحيح لأن البيع وقع على عينه وللمشتري الخيار بين الإمساك أو الرد, وأخذ البدل والثالثة يلزمه العقد وليس له رده, ولا بدله ولنا أنه باعه غير ما سمي له فلم يصح كما لو قال: بعتك هذه البغلة فإذا هو حمار, أو هذا الثوب القز فوجده كتانا وأما القول بأنه يلزمه المبيع فغير صحيح فإن اشترى معيبا لم يعلم عيبه فلم يلزمه ذلك بغير أرش, كسائر المبيعات ثم إن أبا بكر يقول فيمن دلس العيب: لا يصح بيعه مع وجود ذات المسمى في البيع فهاهنا مع اختلاف الذات أولى القسم الثاني أن يكون العيب من جنسه مثل كون الفضة سوداء, أو خشنة تتفطر عند الضرب أو سكتها مخالفة لسكة السلطان فالعقد صحيح, والمشتري مخير بين الإمساك وبين فسخ العقد والرد وليس له البدل لأن العقد واقع على عينه فإذا أخذ غيره أخذ ما لم يشتره, وإن قلنا: إن النقد لا يتعين بالتعيين في العقد فله أخذ البدل ولا يبطل العقد لأن الذي قبضه ليس هو المعقود عليه فأشبه السلم إذا قبضه, فوجد به عيبا وإن كان العيب في بعضه فله رد الكل أو إمساكه وهل له رد المعيب وإمساك الصحيح؟ على وجهين بناء على تفريق الصفقة, والحكم فيما إذا كان العوضان من جنس واحد كالحكم في الجنسين على ما ذكرنا لكن يتخرج على قول من منع بيع النوعين بنوع واحد من ذلك الجنس, أنه إذا وجد بعض العوض معيبا أن يبطل العقد في الجميع لأن الذي يقابل المعيب أقل من الذي يقابل الصحيح فيصير كمسألة مد عجوة ومذهب الشافعي مثل ما ذكرنا في هذا الفصل, سواء.
فصل: ولو أراد أخذ أرش العيب والعوضان في الصرف من جنس واحد لم يجز لحصول الزيادة في أحد العوضين, وفوات المماثلة المشترطة في الجنس الواحد وخرج القاضي وجها بجواز أخذ الأرش في المجلس لأن الزيادة طرأت بعد العقد وليس لهذا الوجه وجه فإن أرش العيب من العوض, يجبر به في المرابحة ويأخذ به الشفيع ويرد به, إذا رد المبيع بفسخ أو إقالة ولو لم يكن من العوض, فبأي شيء استحقه المشتري؟ فإنه ليس بهبة على أن الزيادة في المجلس من العوض ولو لم يكن أرشا, فالأرش أولى وإن كان الصرف بغير جنسه فله أخذ الأرش في المجلس لأن المماثلة غير معتبرة وتخلف قبض بعض العوض عن بعض ما داما في المجلس لا يضر فجاز, كما في سائر البيع وإن كان بعد التفرق لم يجز لأنه يفضي إلى حصول التفرق قبل القبض لأحد العوضين, إلا أن يجعلا الأرش من غير جنس الثمن كأنه أخذ أرش عيب الفضة قفيز حنطة فيجوز وكذلك الحكم في سائر أموال الربا فيما بيع بجنسه, أو بغير جنسه مما يشترط فيه القبض فإذا كان الأرش مما لا يشترط قبضه, كمن باع قفيز حنطة بقفيزي شعير فوجد أحدهما عيبا فأخذ أرشه درهما جاز وإن كان بعد التفرق لأنه لم يحصل التفرق قبل قبض ما شرط فيه القبض.
فصل: قول الخرقي: "إذا كان بصرف يومه" يعني الرد جائز, ما لم ينقص قيمة ما أخذه من النقد عن قيمته يوم اصطرفا فإن نقصت قيمته كأن أخذ عشرة بدينار, فصارت أحد عشر بدينار فظاهر كلام أحمد والخرقي أنه لا يملك الرد لأن المبيع تعيب في يده لنقص قيمته, وإن كانت قيمته قد زادت مثل أن صارت تسعة بدينار لم يمنع الرد لأنه زيادة, وليس بعيب والصحيح أن هذا لا يمنع الرد لأن تغير السعر ليس بعيب ولهذا لا يضمن في الغصب ولا يمنع من الرد بالعيب في القرض ولو كان عيبا, فإن ظاهر المذهب أنه إذا تعيب المبيع عند المشتري ثم ظهر على عيب قديم فله رده, ورد أرش العيب الحادث عنده وأخذ الثمن.
فصل: وإن تلف العوض في الصرف بعد القبض ثم علم عيبه, فسخ العقد ورد الموجود وتبقى قيمة العيب في ذمة من تلف في يده, فيرد مثلها أو عوضها إن اتفقا على ذلك سواء كان الصرف بجنسه أو بغير جنسه ذكره ابن عقيل, وهو قول الشافعي قال ابن عقيل: وقد روي عن أحمد جواز أخذ الأرش والأول أولى إلا أن يكونا في المجلس, والعوضان من جنسين.
فصل: إذا علم المصطرفان قدر العوضين جاز أن يتبايعا بغير وزن وكذلك لو أخبر أحدهما الآخر بوزن ما معه فصدقه, فإذا باع دينارا بدينار كذلك وافترقا فوجد أحدهما ما قبضه ناقصا, بطل الصرف لأنهما تبايعا ذهبا بذهب متفاضلا فإن وجد أحدهما فيما قبضه زيادة على الدينار نظرت في العقد فإن كان قال: بعتك هذا الدينار بهذا فالعقد باطل لأنه باع ذهبا بذهب متفاضلا, وإن قال: بعتك دينارا بدينار ثم تقابضا كان الزائد في يد القابض مشاعا مضمونا لمالكه لأنه قبضه على أنه عوض ولم يفسد العقد لأنه إنما باع دينارا بمثله, وإنما وقع القبض للزيادة على المعقود عليه فإن أراد دفع عوض الزائد جاز سواء كان من جنسه, أو من غير جنسه لأنه معاوضة مبتدأة وإن أراد أحدهما الفسخ فله ذلك لأن آخذ الزائد وجد المبيع مختلطا بغيره معيبا بعيب الشركة, ودافعه لا يلزمه أخذ عوضه إلا أن يكون في المجلس فيرد الزائد, ويدفع بدله ولو كان لرجل على رجل عشرة دنانير فوفاه عشرة عددا فوجدها أحد عشر, كان هذا الدينار الزائد في يد القابض مشاعا مضمونا لمالكه لأنه قبضه على أنه عوض عن ماله فكان مضمونا بهذا القبض ولمالكه التصرف فيه كيف شاء.
فصل: والدراهم والدنانير تتعين بالتعيين في النقد, بمعنى أنه يثبت الملك بالعقد فيما عيناه ويتعين عوضا فيه فلا يجوز إبداله, وإن خرج مغصوبا بطل العقد وبهذا قال مالك والشافعي وعن أحمد أنها لا تتعين بالعقد فيجوز إبدالها, ولا يبطل العقد بخروجها مغصوبة وهذا مذهب أبي حنيفة لأنه يجوز إطلاقها في العقد فلا تتعين بالتعيين فيه كالمكيال والصنجة ولنا, أنه عوض في عقد فيتعين بالتعيين كسائر الأعواض ولأنه أحد العوضين فيتعين بالتعيين كالآخر, ويفارق ما ذكروه فإنه ليس بعوض وإنما يراد لتقدير العقود عليه وتعريف قدره, ولا يثبت فيها الملك بحال بخلاف مسألتنا.
مسألة: قال: ( وإذا تبايعا ذلك بغير عينه فوجد أحدهما فيما اشتراه عيبا, فله البدل إذا كان العيب ليس بدخيل عليه من غير جنسه كالوضوح في الذهب والسواد في الفضة ) يعني اصطرفا في الذمة, نحو أن يقول: بعتك دينارا مصريا بعشرة دراهم فيقول الآخر: قبلت فيصح البيع سواء كانت الدراهم والدنانير عندهما أو لم يكونا, إذا تقابضا قبل الافتراق بأن يستقرضا أو غير ذلك وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وحكي عن مالك لا يجوز الصرف, إلا أن تكون العينان حاضرتين وعنه لا يجوز حتى تظهر إحدى العينين وتعين وعن زفر مثله لأن النبي - ﷺ - قال: (لا تبيعوا غائبا منها بناجز) ولأنه إذا لم يعين أحد العوضين كان بيع دين بدين, وهو غير جائز ولنا أنهما تقابضا في المجلس فصح كما لو كانا حاضرين والحديث يراد به أن لا يباع عاجل بآجل, أو مقبوض بغير مقبوض بدليل ما لو عين أحدهما فإنه يصح وإن كان الآخر غائبا والقبض في المجلس يجري مجرى القبض حالة العقد, ألا ترى إلى قوله: (عينا بعين) (يدا بيد) والقبض يجري في المجلس كذا التعين فإذا ثبت هذا فلا بد من تعيينهما بالتقابض في المجلس, ومتى تقابضا فوجد أحدهما بما قبضه عيبا قبل التفرق فله المطالبة بالبدل, سواء كان العيب من جنسه أو من غير جنسه لأن العقد وقع على مطلق لا عيب فيه, فله المطالبة بما وقع عليه العقد كالمسلم فيه وإن رضيه بعيبه والعيب من جنسه جاز, كما لو رضي بالمسلم فيه معيبا وإن اختار أخذ الأرش فإن كان العوضان من جنس واحد, لم يجز لإفضائه إلى التفاضل فيما يشترط فيه التماثل وإن كانا من جنسين جاز فأما إن تقابضا وافترقا ثم وجد العيب من جنسه, فله إبداله في إحدى الروايتين اختارها الخلال والخرقي وروى ذلك عن الحسن وقتادة وبه قال أبو يوسف ومحمد, وهو أحد قولي الشافعي لأن ما جاز إبداله قبل التفرق جاز بعده كالمسلم فيه والرواية الثانية, ليس له ذلك وهو قول أبي بكر ومذهب أبي حنيفة والقول الثاني للشافعي لأنه يقبضه بعد التفرق, ولا يجوز ذلك في الصرف ومن صار إلى الرواية الأولى قال: قبض الأول صح به العقد وقبض الثاني يدل على الأول ويشترط أن يأخذ البدل في مجلس الرد, فإن تفرقا من غير قبض بطل العقد وإن وجد البعض رديئا فرده فعلى الرواية الأولى له البدل, وعلى الثانية يبطل في المردود وهل يصح فيما لم يرد؟ على وجهين بناء على تفريق الصفقة ولا فرق بين كون المبيع من جنس أو من جنسين وقال مالك: إن وجد درهما زيفا فرضي به, جاز وإن رده انتقض الصرف في دينار, وإن رد أحد عشر درهما انتقض الصرف في دينارين وكلما زاد على دينار, انتقض الصرف في دينار آخر ولنا أن ما لا عيب فيه لم يرد فلم ينتقض الصرف فيما يقابله كسائر العوض وإن اختار واجد العيب الفسخ, فعلى قولنا له البدل ليس له الفسخ إذا أبدل له لأنه يمكنه أخذ حقه غير معيب وعلى الرواية الأخرى, له الفسخ أو الإمساك في الجميع لأنه تعذر عليه الوصول إلى ما عقد عليه مع إبقاء العقد فإن اختار أخذ أرش العيب بعد التفرق لم يكن له ذلك لأنه عوض يقبضه بعد التفرق عن الصرف, إلا على الرواية الأخرى.
فصل: ومن شرط المصارفة في الذمة أن يكون العوضان معلومين إما بصفة يتميزان بها, وإما أن يكون للبلد نقد معلوم أو غالب فينصرف الإطلاق إليه ولو قال: بعتك دينارا مصريا بعشرين درهما من نقد عشرة بدينار لم يصح, إلا أن لا يكون في البلد نقد عشرة بدينار إلا نوع واحد فتنصرف تلك الصفة إليه وكذلك الحكم في البيع.
فصل: إذا كان لرجل في ذمة رجل ذهب, وللآخر عليه دراهم فاصطرفا بما في ذمتهما لم يصح, وبهذا قال الليث والشافعي وحكي ابن عبد البر عن مالك وأبي حنيفة جوازه لأن الذمة الحاضرة كالعين الحاضرة ولذلك جاز أن يشتري الدراهم بدنانير من غير تعيين ولنا أنه بيع دين بدين, ولا يجوز ذلك بالإجماع قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن بيع الدين بالدين لا يجوز وقال أحمد: إنما هو إجماع وقد روى أبو عبيد في الغريب (أن النبي - ﷺ - نهى عن بيع الكالئ بالكالئ) وفسره بالدين بالدين إلا أن الأثرم روى عن أحمد أنه سئل: أيصح في هذا حديث؟ قال: لا وإنما صح الصرف بغير تعيين بشرط أن يتقابضا في المجلس, فجرى القبض والتعيين في المجلس مجرى وجوده حالة العقد ولو كان لرجل على رجل دنانير فقضاه دراهم شيئا بعد شيء نظرت فإن كان يعطيه كل درهم بحسابه من الدينار, صح نص عليه أحمد وإن لم يفعل ذلك ثم تحاسبا بعد ذلك فصارفه بها وقت المحاسبة لم يجز نص عليه أيضا لأن الدنانير دين, والدراهم صارت دينا فيصير بيع دين بدين وإن قبض أحدهما من الآخر ماله عليه ثم صارفه بعين وذمة, صح وإذا أعطاه الدراهم شيئا بعد شيء ولم يقضه ذلك وقت دفعها إليه ثم أحضرها, وقوماها فإنه يحتسب بقيمتها يوم القضاء لا يوم دفعها إليه لأنها قبل ذلك لم تصر في ملكه, إنما هي وديعة في يده فإن تلفت أو نقصت, فهي من ضمان مالكها ويحتمل أن تكون من ضمان القابض لها إذا قبضها بنية الاستيفاء لأنها مقبوضة على أنها عوض ووفاء والمقبوض في عقد فاسد كالمقبوض في العقد الصحيح, فيما يرجع إلى الضمان وعدمه ولو كان لرجل عند صيرفي دنانير فأخذ منه دراهم إدرارا لتكون هذه بهذه لم يكن كذلك, بل كل واحد منهما في ذمة من قبضه فإذا أراد التصارف أحضرا أحدهما واصطرفا بعين وذمة.
فصل: ويجوز اقتضاء أحد النقدين من الأخر, ويكون صرفا بعين وذمة في قول أكثر أهل العلم ومنع منه ابن عباس, وأبو سلمة بن عبد الرحمن وابن شبرمة وروى ذلك عن ابن مسعود لأن القبض شرط وقد تخلف ولنا, ما روى أبو داود والأثرم في " سننهما ", عن ابن عمر قال: (كنت أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم, وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير آخذ هذه من هذه وأعطى هذه من هذه, فأتيت النبي - ﷺ - في بيت حفصة فقلت: يا رسول الله رويدك, أسألك إني أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير, وآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير, آخذ هذه من هذه وأعطى هذه من هذه؟ فقال رسول الله: - ﷺ - لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء) قال أحمد: إنما يقضيه إياها بالسعر لم يختلفوا أنه يقضيه إياها بالسعر, إلا ما قال أصحاب الرأي إنه يقضيه مكانها ذهبا على التراضي لأنه بيع في الحال فجاز ما تراضيا عليه إذا اختلف الجنس, كما لو كان العوض عرضا ووجه الأول قول النبي: - ﷺ - " لا بأس أن تأخذها بسعر يومها " وروى عن ابن عمر: أن بكر بن عبد الله المزني ومسروقا العجلي سألاه عن كرى لهما, له عليهما دراهم وليس معهما إلا دنانير؟ فقال ابن عمر: أعطوه بسعر السوق ولأن هذا جرى مجرى القضاء فيقيد بالمثل, كما لو قضاه من الجنس والتماثل ها هنا من حيث القيمة لتعذر التماثل من حيث الصورة قيل لأبي عبد الله: فإن أهل السوق يتغابنون بينهم بالدانق في الدينار وما أشبهه؟ فقال: إذا كان مما يتغابن الناس به فسهل فيه ما لم يكن حيلة, ويزاد شيئا كثيرا. فصل: فإن كان المقضى الذي في الذمة مؤجلا فقد توقف أحمد فيه وقال القاضي: يحتمل وجهين أحدهما المنع وهو قول مالك ومشهور قولي الشافعي لأن ما في الذمة لا يستحق قبضه, فكان القبض ناجزا في أحدهما والناجز يأخذ قسطا من الثمن والآخر الجواز وهو قول أبي حنيفة لأنه ثابت في الذمة بمنزلة المقبوض, فكأنه رضي بتعجيل المؤجل والصحيح الجواز إذا قضاه بسعر يومها ولم يجعل للمقضي فضلا لأجل تأجيل ما في الذمة لأنه إذا لم ينقصه عن سعرها شيئا, فقد رضي بتعجيل ما في الذمة بغير عوض فأشبه ما لو قضاه من جنس الدين ولم يستفصل النبي - ﷺ - ابن عمر حين سأله, ولو افترق الحال لسأل واستفصل. فصل:
قال أحمد: ولو كان لرجل على رجل عشرة دراهم فدفع إليه دينارا فقال: استوف حقك منه فاستوفاه بعد يومين, جاز ولو كان عليه دنانير فوكل غريمه في بيع داره واستيفاء حقه من ثمنها, فباعها بدراهم لم يجز أن يأخذ منها قدر حقه لأنه لم يأذن له في مصارفة نفسه ولأنه متهم ولو باع جارية بدنانير, فأخذ بها دراهم فردت الجارية بعيب أو إقالة لم يكن للمشتري إلا الدنانير لأنه الثمن الذي وقع عليه العقد, وإنما أخذ الدراهم بعقد صرف مستأنف نص أحمد على هذه المسائل. فصل:
إذا كان عليه دين مؤجل فقال لغريمه: ضع عني بعضه وأعجل لك بقيته لم يجز كرهه زيد بن ثابت, وابن عمر والمقداد وسعيد بن المسيب, وسالم والحسن وحماد, والحكم والشافعي ومالك, والثوري وهشيم وابن علية, وإسحاق وأبو حنيفة وقال المقداد لرجلين فعلا ذلك: كلاكما قد آذن بحرب من الله ورسوله وروى عن ابن عباس: أنه لم ير به بأسا وروى ذلك عن النخعي وأبي ثور لأنه آخذ لبعض حقه, تارك لبعضه فجاز كما لو كان الدين حالا وقال الخرقي: لا بأس أن يعجل المكاتب لسيده, ويضع عنه بعض كتابته ولنا أنه بيع الحلول فلم يجز كما لو زاده الذي له الدين, فقال له: أعطيك عشرة دراهم وتعجل لي المائة التي عليك فأما المكاتب فإن معاملته مع سيده وهو يبيع بعض ماله ببعض فدخلت المسامحة فيه ولأنه سبب للعتق, فسومح فيه بخلاف غيره. مسألة:
قال [فإن كان العيب دخيلا عليه من غير جنسه كان الصرف فيه فاسدا] يعني إذا وجد أحدهما ما قبضه مغشوشا بغش من غير جنسه, فينظر فيه فإن كان الصرف عينا بعين فهو فاسد لما أسلفناه وإن كان بغير عين وعلم ذلك في المجلس, فرده وأخذ بدله فالصرف صحيح لأنه عين المعقود عليه, وإن افترقا قبل رده فالصرف فيه فاسد أيضا لأنهما تفرقا قبل قبض المعقود عليه ولم يقبض ما يصلح عوضا عن المعقود عليه وهذا ظاهر كلام الخرقي وقيل عن أحمد: إنه إذا أخذ البدل في مجلس الرد, لم يبطل كما لو كان العيب من جنسه وهذا فيما إذا لم يكن مشترى المعيب عالما بعيبه فأما إن علم بعيبه, فاشتراه على ذلك والعيب من جنسه جاز, ولا خيار له ولا بدل وإن كان من غير جنسه وكان الصرف ذهبا بذهب, أو فضة بمثلها فالصرف فيه فاسد لأنه يخل بالتماثل إلا أن يبيع ذهبا أو فضة مغشوشا بمثل غشه, كبيعه دينارا صوريا بمثله مع علمه بتساوي غشهما وقد ذكرنا أن الظاهر جوازه وإن باع مغشوشا بغير مغشوش, لم يجز إلا أن يكون للغش قيمة فيخرج على مسألة مد عجوة وإن كان الصرف في جنسين, كذهب بفضة انبنى على إنفاق المغشوشة. فصل:
وفي إنفاق المغشوش من النقود روايتان أظهرهما الجواز, نقل صالح عنه في دراهم يقال لها المسيبية عامتها نحاس إلا شيئا فيها فضة فقال: إذا كان شيئا اصطلحوا عليه مثل الفلوس, اصطلحوا عليها فأرجو ألا يكون بها بأس والثانية التحريم نقل حنبل في دراهم يخلط فيها مش ونحاس يشتري بها ويباع, فلا يجوز أن يبتاع بها أحد كل ما وقع عليه اسم الغش فالشراء به والبيع حرام وقال أصحاب الشافعي: إن كان الغش مما لا قيمة له جاز الشراء بها وإن كان مما له قيمة, ففي جواز إنفاقها وجهان واحتج من منع إنفاق المغشوشة بقول النبي - ﷺ -: (من غشنا فليس منا) وبأن عمر رضي الله عنه نهى عن بيع نفاية بيت المال ولأن المقصود فيه مجهول أشبه تراب الصاغة, والأولى أن يحمل كلام أحمد في الجواز على الخصوص فيما ظهر غشه واصطلح عليه فإن المعاملة به جائزة, إذ ليس فيه أكثر من اشتماله على جنسين لا غرر فيهما فلا يمنع من بيعهما كما لو كانا متميزين ولأن هذا مستفيض في الأعصار, جار بينهم من غير نكير وفي تحريمه مشقة وضرر وليس شراؤه بها غشا للمسلمين, ولا تغريرا لهم والمقصود منها ظاهر مرئي معلوم بخلاف تراب الصاغة ورواية المنع محمولة على ما يخفى غشه, ويقع اللبس به فإن ذلك يفضي إلى التغرير بالمسلمين وقد أشار أحمد إلى هذا في رجل اجتمعت عنده دراهم زيوف, ما يصنع بها؟ قال: يسبكها قيل له: فيبيعها بدنانير؟ قال: لا قيل: يبيعها بفلوس؟ قال: لا قيل فبسلعة؟ قال: لا إني أخاف أن يغر بها مسلما قيل لأبي عبد الله: أيتصدق بها؟ قال: إني أخاف أن يغر بها مسلما وقال: ما ينبغي له لأنه يغر بها المسلمين ولا أقول إنه حرام لأنه على تأويل, وذلك إنما كرهته لأنه يغر بها مسلما فقد صرح بأنه إنما كرهه لما فيه من التغرير بالمسلمين وعلى هذا يحمل منع عمر نفاية بيت المال لما فيه من التغرير بالمسلمين فإن مشتريها ربما خلطها بدراهم جيدة, واشترى بها ممن لا يعرف حالها ولو كانت مما اصطلح على إنفاقه لم يكن نفاية فإن قيل: فقد روى عن عمر أنه قال: من زافت عليه دراهمه فليخرج بها إلى البقيع, فليشتر بها سحق الثياب وهذا دليل على جواز إنفاق المغشوشة التي لم يصطلح عليها قلنا: قد قال أحمد: معنى زافت عليه دراهمه أي نفيت ليس أنها زيوف فيتعين حمله على هذا جمعا بين الروايتين عنه ويحتمل أنه أراد ما ظهر غشه وبان زيفه, بحيث لا يخفى على أحد ولا يحصل بها تغرير وإن تعذر تأويلها تعارضت الروايتان عنه, ويرجع إلى ما ذكرنا من المعنى ولا فرق بين ما كان غشه ذا بقاء وثبات كالرصاص, والنحاس وما لا ثبات له كالزرنيخية, والأندرانية وهو زرنيخ ونورة يطلى عليه فضة فإذا دخل النار استهلك الغش, وذهب. مسألة:
قال: [ومتى انصرف المتصارفان قبل التقابض فلا بيع بينهما] الصرف: بيع الأثمان بعضها ببعض والقبض في المجلس شرط لصحته بغير خلاف قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المتصارفين إذا افترقا قبل أن يتقابضا أن الصرف فاسد والأصل فيه قول النبي - ﷺ -: (الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء) وقوله عليه السلام (بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يدا بيد) (ونهى النبي - ﷺ- عن بيع الذهب بالورق دينا, ونهى أن يباع غائب منها بناجز) كلها أحاديث صحاح ويجزئ القبض في المجلس وإن طال, ولو تماشيا مصطحبين إلى منزل أحدهما أو إلى الصراف فتقابضا عنده, جاز وبهذا قال الشافعي وقال مالك: لا خير في ذلك لأنهما فارقا مجلسهما ولنا أنهما لم يفترقا قبل التقابض فأشبه ما لو كانا في سفينة تسير بهما أو راكبين على دابة واحدة تمشي بهما وقد دل على ذلك حديث أبي برزة الأسلمي في قوله للذين مشيا إليه من جانب العسكر: وما أراكما افترقتما وإن تفرقا قبل التقابض بطل الصرف لفوات شرطه وإن قبض البعض, ثم افترقا بطل فيما لم يقبض وفيما يقابله من العوض وهل يصح في المقبوض؟ على وجهين, بناء على تفريق الصفقة ولو وكل أحدهما وكيلا في القبض فقبض الوكيل قبل تفرقهما جاز, وقام قبض وكيله مقام قبضه سواء فارق الوكيل المجلس قبل القبض أو لم يفارقه وإن افترقا قبل قبض الوكيل, بطل لأن القبض في المجلس شرط وقد فات وإن تخايرا قبل القبض في المجلس لم يبطل العقد بذلك لأنهما لم يفترقا قبل القبض ويحتمل أن يبطل إذا قلنا بلزوم العقد, وهو مذهب الشافعي لأن العقد لم يبق فيه خيار قبل القبض أشبه ما لو افترقا والصحيح الأول فإن الشرط التقابض في المجلس, وقد وجد واشتراط التقابض قبل اللزوم تحكم بغير دليل ثم يبطل بما إذا تخايرا قبل الصرف ثم اصطرفا, فإن الصرف يقع لازما صحيحا قبل القبض ثم يشترط القبض في المجلس. فصل:
ولو صارف رجلا دينارا بعشرة دراهم وليس معه إلا خمسة دراهم, لم يجز أن يتفرقا قبل قبض العشرة كلها فإن قبض الخمسة وافترقا بطل الصرف في نصف الدينار وهل يبطل فيما يقابل الخمسة المقبوضة؟ على وجهين, بناء على تفريق الصفقة وإن أراد التخلص فسخا الصرف في النصف الذي ليس معه عوضه أو يفسخان العقد كله, ثم يشتري منه نصف الدينار بخمسة ويدفعها إليه ثم يأخذ الدينار كله, فيكون ما اشتراه منه له وما بقي أمانة في يده ثم يفترقان, ثم إذا صارفه بعد ذلك بالباقي له من الدينار أو اشترى به منه شيئا أو جعله سلما في شيء أو وهبه له, جاز وكذلك إن وكله فيه ولو اشترى فضة بدينار ونصف ودفع إلى البائع دينارين, وقال: أنت وكيلي في نصف الدينار الزائد صح ولو صارفه عشرة دراهم بدينار فأعطاه أكثر من دينار ليزن له حقه في وقت آخر, جاز وإن طال ويكون الزائد أمانة في يده, لا شيء عليه في تلفه نص أحمد على أكثر هذه المسائل فإن لم يكن مع أحدهما إلا خمسة دراهم فاشترى بها نصف دينار وقبض دينارا كاملا, ودفع إليه الدراهم ثم اقترضها منه فاشترى بها النصف الباقي, أو اشترى الدينار منه بعشرة ابتداء ودفع إليه الخمسة ثم اقترضها منه, ودفعها إليه عوضا عن النصف الآخر على غير وجه الحيلة فلا بأس. فصل:
وإذا باع مدي تمر رديء بدرهم ثم اشترى بالدرهم تمرا جنيبا, أو اشترى من رجل دينارا صحيحا بدراهم وتقابضاها ثم اشترى منه بالدراهم قراضة من غير مواطأة, ولا حيلة فلا بأس به وقال ابن أبي موسى: لا يجوز إلا أن يمضي إلى غيره ليبتاع منه, فلا يستقيم له فيجوز أن يرجع إلى البائع فيبتاع منه وقال أحمد في رواية الأثرم: يبيعها من غيره أحب إلى قلت له: قال لم يعلمه أنه يريد أن يبيعها منه؟ فقال: يبيعها من غيره, فهو أطيب لنفسه وأحرى أن يستوفي الذهب منه فإنه إذا ردها إليه لعله أن لا يوفيه الذهب ولا يحكم الوزن, ولا يستقصى يقول: هي ترجع إليه قيل لأبي عبد الله: فذهب ليشتري الدراهم بالذهب الذي أخذها منه من غيره فلم يجدها, فرجع إليه؟ فقال: إذا كان لا يبالي اشترى منه أو من غيره فنعم فظاهر أن هذا على وجه الاستحباب لا الإيجاب ولعل أحمد إنما أراد اجتناب المواطأة على هذا, ولهذا قال: إذا كان لا يبالي اشترى منه أو من غيره فنعم وقال مالك: إن فعل ذلك مرة جاز, وإن فعله أكثر من مرة لم يجز لأنه يضارع الربا ولنا ما روى أبو سعيد قال: (جاء بلال إلى النبي - ﷺ - بتمر برني, فقال له النبي - ﷺ - : من أين هذا؟ قال بلال: كان عندنا تمر رديء فبعت صاعين بصاع ليطعم النبي - ﷺ - فقال له النبي - ﷺ -: أوه عين الربا, لا تفعل ولكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر ببيع آخر, ثم اشتر به) وروى أيضا أبو سعيد وأبو هريرة: (أن رسول الله - ﷺ - استعمل رجلا على خيبر فجاءه بتمر جنيب, فقال: أكل تمر خيبر هكذا؟ قال: لا والله إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة فقال رسول الله - ﷺ -: لا تفعل بع التمر بالدراهم, ثم اشتر بالدراهم جنيبا) متفق عليهما ولم يأمره أن يبيعه من غير من يشتري منه ولو كان ذلك محرما لبينه له وعرفه إياه ولأنه باع الجنس بغيره من غير شرط, ولا مواطأة فجاز كما لو باعه من غيره ولأن ما جاز من البياعات مرة, جاز على الإطلاق كسائر البياعات فأما إن تواطآ على ذلك لم يجز وكان حيلة محرمة, وبه قال مالك وقال أبو حنيفة والشافعي: يجوز ما لم يكن مشروطا في العقد ولنا أنه إذا كان عن مواطأة كان حيلة, والحيل محرمة على ما سنذكره. فصل:
والحيل كلها محرمة غير جائزة في شيء من الدين وهو أن يظهر عقدا مباحا يريد به محرما, مخادعة وتوسلا إلى فعل ما حرم الله واستباحة محظوراته أو إسقاط واجب, أو دفع حق ونحو ذلك قال أيوب السختياني: إنهم ليخادعون الله كأنما يخادعون صبيا, لو كانوا يأتون الأمر على وجهه كان أسهل على فمن ذلك ما لو كان مع رجل عشرة صحاح ومع الآخر خمسة عشر مكسرة فاقترض كل واحد منهما ما مع صاحبه, ثم تباريا توصلا إلى بيع الصحاح بالمكسرة متفاضلا أو باعه الصحاح بمثلها من المكسرة, ثم وهبه الخمسة الزائدة أو اشترى منه بها أوقية صابون أو نحوها ما يأخذه بأقل من قيمته, أو اشترى منه بعشرة إلا حبة من الصحيح مثلها من المكسرة ثم اشترى منه بالحبة الباقية ثوبا قيمته خمسة دنانير وهكذا لو أقرضه شيئا أو باعه سلعة بأكثر من قيمتها, أو اشترى منه سلعة بأقل من قيمتها توصلا إلى أخذ عوض عن القرض فكل ما كان من هذا على وجه الحيلة فهو خبيث محرم وبهذا قال مالك وقال أبو حنيفة والشافعي: ذلك كله وأشباهه جائز, إذا لم يكن مشروطا في العقد وقال بعض أصحاب الشافعي: يكره أن يدخلا في البيع على ذلك لأن كل ما لا يجوز شرطه في العقد يكره أن يدخلا عليه ولنا أن الله تعالى عذب أمة بحيلة احتالوها فمسخهم قردة, وسماهم معتدين وجعل ذلك نكالا وموعظة للمتقين ليتعظوا بهم ويمتنعوا من مثل أفعالهم وقال بعض المفسرين في قوله تعالى: {وموعظة للمتقين} [البقرة: 66]. أي لأمة محمد - ﷺ- فروى أنهم كانوا ينصبون شباكهم للحيتان يوم الجمعة, ويتركونها إلى يوم الأحد ومنهم من كان يحفر حفائر ويجعل إليها مجاري, فيفتحها يوم الجمعة فإذا جاء السمك يوم السبت جرى مع الماء في المجاري, فيقع في الحفائر فيدعها إلى يوم الأحد ثم يأخذها, ويقول: ما اصطدت يوم السبت ولا اعتديت فيه فهذه حيلة وقال النبي - ﷺ -: (من أدخل فرسا بين فرسين وقد أمن أن يسبق, فهو قمار ومن أدخل فرسا بين فرسين وهو لا يأمن أن يسبق, فليس بقمار) رواه أبو داود وغيره فجعله قمارا مع إدخاله الفرس الثالث لكونه لا يمنع معنى القمار وهو كون كل واحد من المتسابقين لا ينفك عن كونه آخذا, أو مأخوذا منه وإنما دخل صورة تحيلا على إباحة المحرم, وسائر الحيل مثل ذلك ولأن الله تعالى إنما حرم هذه المحرمات لمفسدتها والضرر الحاصل منها ولا تزول مفسدتها مع إبقاء معناها بإظهارهما صورة غير صورتها, فوجب أن لا يزول التحريم كما لو سمى الخمر بغير اسمها لم يبح ذلك شربها, وقد جاء عن النبي - ﷺ - أنه قال: (ليستحلن قوم من أمتى الخمر يسمونها بغير اسمها) ومن الحيل في غير الربا أنهم يتوصلون إلى بيع الشيء المنهي عنه أن يستأجر بياض أرض البستان بأمثال أجرته, ثم يساقيه على ثمر شجره بجزء من ألف جزء للمالك وتسعمائة وتسعة وتسعون للعامل ولا يأخذ منه المالك شيئا, ولا يريد ذلك وإنما قصد بيع الثمرة قبل بدو صلاحها بما سماه أجرة والعامل لا يقصد أيضا سوى ذلك, وربما لا ينتفع بالأرض التي سمى الأجرة في مقابلتها ومتى لم يخرج الثمر أو أصابته جائحة, جاء المستأجر يطلب الجائحة ويعتقد أنه إنما بذل ماله في مقابلة الثمرة لا غير ورب الأرض يعلم ذلك. فصل:
ولو اشترى شيئا بمكسرة, لم يجز أن يعطيه صحيحا أقل منها قال أحمد: هذا هو الربا المحض وذلك لأنه يأخذ عوض الفضة أقل منها فيحصل التفاضل بينهما ولو اشتراه بصحيح لم يجز أن يعطيه مكسرة أكثر منها كذلك فإن تفاسخا البيع, ثم عقدا بالصحاح أو بالمكسرة جاز ولو اشترى ثوبا بنصف دينار لزمه نصف دينار شق, فإن عاد فاشترى شيئا آخر بنصف آخر لزمه نصف شق أيضا فإن وفاه دينارا صحيحا بطل العقد الثاني لأنه تضمن اشتراط زيادة ثمن العقد الأول, وإن كان ذلك قبل لزوم العقد الأول بطل أيضا لأنه وجد ما يفسده قبل انبرامه وإن كان بعد تفرقهما فلزومه لم يؤثر ذلك فيه, ولا يلزمه أكثر من ثمنه الذي عقد البيع به ومذهب الشافعي في هذا كما ذكرنا. فصل:
إذا كان له عند رجل دينار وديعة فصارفه به وهو معلوم بقاؤه, أو مظنون صح الصرف وإن ظن أنه غير موجود لم يصح الصرف لأن حكمه حكم المعدوم وإن شك فيه فقال ابن عقيل: يصح وهو قول بعض الشافعية وقال القاضي: لا يصح لأنه غير معلوم البقاء وهو منصوص الشافعي ووجه الأول, أن الأصل بقاؤه فصح البناء عليه عند الشك فإن الشك لا يزيل اليقين ولذلك صح بيع الحيوان الغائب المشكوك في حياته, فإن تبين أنه كان تالفا حين العقد تبينا أن العقد وقع باطلا. فصل:
ولا يجوز بيع تراب الصاغة والمعدن بشيء من جنسه لأنه مال ربا بيع بجنسه على وجه لا تعلم المماثلة بينهما فلم يصح, كبيع الصبرة بالصبرة وإن بيع بغير جنسه فحكى ابن المنذر عن أحمد كراهة بيع تراب المعادن وهو قول عطاء, والشافعي والشعبي والثوري, والأوزاعي وإسحاق لأنه مجهول وقال ابن أبي موسى في [الإرشاد] : يجوز ذلك وهو قول مالك وروى ذلك عن الحسن والنخعي, وربيعة والليث قالوا: فإن اختلط, أو أشكل فليبعه بعرض ولا يبعه بعين ولا ورق لأنه باعه بما لا ربا فيه فجاز كما لو اشترى ثوبا بدينار ودرهم. فصل:
ولا يجوز أن يشتري أكثر من خمسة أوسق, فيما زاد على صفقة سواء اشتراها من واحد أو من جماعة وقال الشافعي: يجوز للإنسان بيع جميع ثمر حائطه عرايا من رجل واحد, ومن رجال في عقود متكررة لعموم حديث زيد وسهل ولأن كل عقد جاز مرة, جاز أن يتكرر كسائر البيوع ولنا عموم النهي عن المزابنة, استثنى منه العرية فيما دون خمسة أوسق فما زاد يبقى على العموم في التحريم ولأن ما لا يجوز عليه العقد مرة إذا كان نوعا واحدا لا يجوز في عقدين, كالذي على وجه الأرض وكالجمع بين الأختين فأما حديث سهل فإنه مقيد بالنخلة والنخلتين بدليل ما روينا, فيدل على تحريم الزيادة عليهما ثم إن المطلق يحمل على المقيد كما في العقد الواحد فأما إن باع رجل عريتين من رجلين فيهما أكثر من خمسة أوسق جاز وقال أبو بكر والقاضي: لا يجوز لما ذكرنا في المشتري ولنا أن المغلب في التجويز حاجة المشتري بدليل ما روى محمود بن لبيد قال: (قلت لزيد بن ثابت: ما عراياكم هذه؟ فسمى رجالا محتاجين من الأنصار شكوا إلى رسول الله أن الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يبتاعون به رطبا يأكلونه, وعندهم فضول من التمر فرخص لهم أن يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر الذي في أيديهم يأكلونه رطبا) وإذا كان سبب الرخصة حاجة المشتري لم تعتبر حاجة البائع إلى البيع, فلا يتقيد في حقه بخمسة أوسق ولأننا لو اعتبرنا الحاجة من المشتري وحاجة البائع إلى البيع أفضى إلى أن لا يحصل الإرفاق إذ لا يكاد يتفق وجود الحاجتين, فتسقط الرخصة فإن قلنا: لا يجوز ذلك بطل العقد الثاني فإن اشترى عريتين أو باعهما وفيهما أقل من خمسة أوسق, جاز وجها واحدا الفصل الثالث:
أنه لا يشترط في بيع العرية أن تكون موهوبة لبائعها هذا ظاهر كلام أصحابنا وبه قال الشافعي وظاهر قول الخرقي أنه شرط وقد روى الأثرم, قال: سمعت أحمد سئل عن تفسير العرايا فقال: العرايا أن يعري الرجل الجار أو القرابة للحاجة أو المسكنة فللمعري أن يبيعها ممن شاء وقال مالك: بيع العرايا الجائز هو أن يعري الرجل الرجل نخلات من حائطه ثم يكره صاحب الحائط دخول الرجل المعري لأنه ربما كان مع أهله في الحائط, فيؤذيه دخول صاحبه عليه فيجوز أن يشتريها منه واحتجوا بأن العرية في اللغة هبة ثمرة النخيل عاما قال أبو عبيد: الإعراء أن يجعل الرجل للرجل ثمرة نخله عامها ذلك قال الشاعر الأنصاري يصف النخل: ليست بسنهاء ولا رجبية ** ولكن عرايا في السنين الجوائح يقول: إنا نعريها الناس فتعين صرف اللفظ إلى موضوعه لغة ومقتضاه في العربية, ما لم يوجد ما يصرفه عن ذلك ولنا حديث زيد بن ثابت وهو حجة على مالك, في تصريحه بجواز بيعها من غير الواهب ولأنه لو كان لحاجة الواهب لما اختص بخمسة أوسق لعدم اختصاص الحاجة بها ولم يجز بيعها بالتمر لأن الظاهر من حال صاحب الحائط الذي له النخيل الكثير يعريه الناس, أنه لا يعجز عن أداء ثمن العرية وفيه حجة على من اشترط كونها موهوبة لبائعها لأن علة الرخصة حاجة المشتري إلى أكل الرطب ولا ثمن معه سوى التمر, فمتى وجد ذلك جاز البيع ولأن اشتراط كونها موهوبة مع اشتراط حاجة المشتري إلى أكلها رطبا ولا ثمن معه, يفضي إلى سقوط الرخصة إذ لا يكاد يتفق ذلك ولأن ما جاز بيعه إذا كان موهوبا جاز وإن لم يكن موهوبا, كسائر الأموال وما جاز بيعه لواهبه جاز لغيره, كسائر الأموال وإنما سمى عرية لتعريه عن غيره وإفراده بالبيع. الفصل الرابع:
أنه إنما يجوز بيعها بخرصها من التمر, لا أقل منه ولا أكثر ويجب أن يكون التمر الذي يشتري به معلوما بالكيل ولا يجوز جزافا لا نعلم في هذا عند من أباح بيع العرايا اختلافا لما روى زيد بن ثابت (أن رسول الله - ﷺ- أرخص في العرايا أن تباع بخرصها كيلا) متفق عليه ولمسلم أن تؤخذ بمثل خرصها تمرا يأكلها أهلها رطبا ولأن الأصل اعتبار الكيل من الطرفين, سقط في أحدهما للتعذر فيجب في الآخر بقضية الأصل ولأن ترك الكيل من الطرفين يكثر الغرر وفي تركه من أحدهما يقلل الغرر, ولا يلزم من صحته مع قلة الغرر صحته مع كثرته ومعنى خرصها بمثلها من التمر أن يطيف الخارص بالعرية, فينظر كم يجيء منها تمرا فيشتريها المشتري بمثلها تمرا وبهذا قال الشافعي ونقل حنبل عن أحمد أنه قال: يخرصها رطبا, ويعطي تمرا رخصة وهذا يحتمل الأول ويحتمل أنه يشتريها بتمر مثل الرطب الذي عليها لأنه بيع اشترطت المماثلة فيه فاعتبرت حال البيع كسائر البيوع ولأن الأصل اعتبار المماثلة في الحال, وأن لا يباع الرطب بالتمر خولف الأصل في بيع الرطب بالتمر فيبقى فيما عداه على قضية الدليل وقال القاضي: الأول أصح لأنه يبني على خرص الثمار في العشر والصحيح ثم خرصه تمرا ولأن المماثلة في بيع التمر بالتمر معتبرة حالة الادخار, وبيع الرطب بمثله تمرا يفضي إلى فوات ذلك فأما إن اشتراها بخرصها رطبا لم يجز وهذا أحد الوجوه لأصحاب الشافعي والثاني يجوز والثالث لا يجوز مع اتفاق النوع, ويجوز مع اختلافه ووجه جوازه ما روى الجوزجاني عن أبي صالح, عن الليث عن ابن شهاب عن سالم, عن ابن عمر عن زيد بن ثابت (عن رسول الله - ﷺ - أنه أرخص بعد ذلك في بيع العرية بالرطب أو التمر, ولم يرخص في غير ذلك) ولأنه إذا جاز بيع الرطب بالتمر مع اختصاص أحدهما بالنقص في ثاني الحال فلأن يجوز مع عدم ذلك أولى ولنا ما روى مسلم بإسناده عن زيد بن ثابت (أن رسول الله - ﷺ - أرخص في العرايا أن تؤخذ بمثل خرصها تمرا) وعن سهل بن أبي حثمة (أن رسول الله - ﷺ - نهى عن بيع الثمر بالتمر, وقال: ذلك الربا تلك المزابنة إلا أنه رخص في العرية النخلة والنخلتين, يأخذها أهل البيت بخرصها تمرا يأكلونها رطبا) ولأنه مبيع يجب فيه مثله تمرا فلم يجز بيعه بمثله رطبا, كالتمر الجاف ولأن من له رطب فهو مستغن عن شراء الرطب بأكل ما عنده وبيع العرايا يشترط فيه حاجة المشتري على ما أسلفناه وحديث ابن عمر شك في الرطب والتمر, فلا يجوز العمل به مع الشك سيما وهذه الأحاديث تبينه وتزيل الشك. فصل:
ويشترط في بيع العرايا التقابض في المجلس وهذا قول الشافعي, ولا نعلم فيه مخالفا لأنه بيع تمر بتمر فاعتبر فيه شروطه إلا ما استثناه الشرع مما لا يمكن اعتباره في بيع العرايا والقبض في كل واحد منهما على حسبه, ففي التمر اكتياله أو نقله وفي الثمرة التخلية وليس من شروطه حضور التمر عند النخيل بل لو تبايعا بعد معرفة التمر والثمرة, ثم مضيا جميعا إلى النخلة فسلمها إلى مشتريها ثم مشيا إلى التمر فتسلمه من مشتريها, أو تسلم التمر ثم مضيا إلى النخلة جميعا فسلمها إلى مشتريها أو سلم النخلة ثم مضيا إلى التمر فتسلمه, جاز لأن التفرق لا يحصل قبل القبض إذا ثبت هذا فإن بيع العرية يقع على وجهين أحدهما أن يقول: بعتك ثمرة هذه النخلة بكذا وكذا من التمر ويصفه والثاني, أن يكيل من التمر بقدر خرصها ثم يقول: بعتك هذا بهذا أو يقول: بعتك ثمرة هذه النخلة بهذا التمر, ونحو هذا وإن باعه بمعين فقبضه بنقله وأخذه وإن باع بموصوف فقبضه باكتياله. الفصل الخامس:
أنه لا يجوز بيعها إلا لمحتاج إلى أكلها رطبا ولا يجوز بيعها لغني وهذا أحد قولي الشافعي, وأباحها في القول الآخر مطلقا لكل أحد لأن كل بيع جاز للمحتاج جاز للغني كسائر البياعات, ولأن حديث أبي هريرة وسهل مطلقان ولنا حديث (زيد بن ثابت حين سأله محمود بن لبيد ما عراياكم هذه؟ فسمى رجالا محتاجين من الأنصار, شكوا إلى رسول الله - ﷺ- أن الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يبتاعون به رطبا يأكلونه وعندهم فضول من التمر فرخص لهم أن يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر يأكلونه رطبا) ومتى خولف الأصل بشرط, لم تجز مخالفته بدون ذلك الشرط ولأن ما أبيح للحاجة لم يبح مع عدمها كالزكاة للمساكين, والترخص في السفر فعلى هذا متى كان صاحبها غير محتاج إلى أكل الرطب أو كان محتاجا, ومعه من الثمن ما يشتري به العرية لم يجز له شراؤها بالتمر وسواء باعها لواهبها تحرزا من دخول صاحب العرية حائطه كمذهب مالك, أو لغيره فإنه لا يجوز وقال ابن عقيل يباح ويحتمله كلام أحمد لأن الحاجة وجدت من الجانبين فجاز كما لو كان المشتري محتاجا إلى أكلها ولنا, حديث زيد الذي ذكرناه والرخصة لمعنى خاص لا تثبت مع عدمه ولأن في حديث زيد وسهل: (يأكلها أهلها رطبا) ولو جاز لتخليص المعري لما شرط ذلك فيشترط إذا في بيع العرية شروط خمسة, أن يكون فيما دون خمسة أوسق وبيعها بخرصها من التمر وقبض ثمنها قبل التفرق, وحاجة المشتري إلى أكل الرطب وأن لا يكون معه ما يشتري به سوى التمر واشترط القاضي وأبو بكر شرطا سادسا وهو حاجة البائع إلى البيع واشترط الخرقي, كونها موهوبة لبائعها واشترط أصحابنا لبقاء العقد بأن يأكلها أهلها رطبا فإن تركها حتى تصير تمرا بطل العقد وسنذكر ذلك - إن شاء الله تعالى -.
مسألة: قال: فإن تركه المشتري حتى يتمر بطل العقد يعني إن لم يأخذها المشتري رطبا بطل العقد خلافا للشافعي في قوله: لا يبطل وعن أحمد مثله لأن كل ثمرة جاز بيعها رطبا, لا يبطل العقد إذا صارت تمرا كغير العرية ولنا قول النبي - ﷺ-: (يأكلها أهلها رطبا) ولأن شراءها إنما جاز للحاجة إلى أكل الرطب, فإذا أتمرت تبينا عدم الحاجة فيبطل العقد ثم لا فرق بين تركه لغناه عنها أو مع حاجته إليها, أو تركها لعذر أو لغير عذر للخبر ولو أخذها رطبا فتركها عنده فأتمرت أو شمسها, حتى صارت تمرا جاز لأنه قد أخذها ونقل عن أحمد رواية أخرى في من اشترى ثمرة قبل بدو صلاحها ثم تركها حتى بدا صلاحها, لا يبطل البيع فيخرج ها هنا مثله فإن أخذ بعضها رطبا وترك باقيها حتى أتمر فهل يبطل البيع في الباقي؟ على وجهين.
فصل: ولا يجوز بيع العرية في غير النخيل, وهو اختيار ابن حامد وقول الليث بن سعد إلا أن يكون مما ثمرته لا يجري فيها الربا فيجوز بيع رطبها بيابسها لعدم جريان الربا فيها ويحتمل أن يجوز في العنب والرطب دون غيرهما وهو قول الشافعي لأن العنب كالرطب في وجوب الزكاة فيهما, وجواز خرصهما وتوسيقهما وكثرة تيبيسهما, واقتياتهما في بعض البلدان والحاجة إلى أكل رطبهما والتنصيص على الشيء يوجب ثبوت الحكم في مثله ولا يجوز في غيرهما لاختلافهما في أكثر هذه المعاني فإنه لا يمكن خرصها لتفرقها في الأغصان, واستتارها بالأوراق ولا يقتات يابسها فلا يحتاج إلى الشراء به وقال القاضي: يجوز في سائر الثمار وهو قول مالك والأوزاعي قياسا على ثمرة النخيل ولنا, ما روى الترمذي أن النبي - ﷺ - (نهى عن المزابنة الثمر بالتمر, إلا أصحاب العرايا فإنه قد أذن لهم وعن بيع العنب بالزبيب, وكل ثمرة بخرصها) وهذا حديث حسن وهذا يدل على تخصيص العرية بالتمر وعن زيد بن ثابت (عن رسول الله - ﷺ - أنه رخص بعد ذلك في بيع العرية بالرطب أو بالتمر ولم يرخص في غير ذلك) وعن ابن عمر قال: (نهى رسول الله - ﷺ - عن المزابنة) والمزابنة: بيع ثمر النخل بالتمر كيلا وبيع العنب بالزبيب كيلا وعن كل ثمرة بخرصه ولأن الأصل يقتضي تحريم بيع العرية, وإنما جازت في ثمرة النخيل رخصة ولا يصح قياس غيرها عليها لوجهين أحدهما أن غيرها لا يساويها في كثرة الاقتيات بها, وسهولة خرصها وكون الرخصة في الأصل لأهل المدينة وإنما كانت حاجتهم إلى الرطب دون غيره الثاني, أن القياس لا يعمل به إذا خالف نصا وقياسهم يخالف نصوصا غير مخصوصة وإنما يجوز التخصيص بالقياس على المحل المخصوص (ونهى النبي - ﷺ - عن بيع العنب بالزبيب) لم يدخله تخصيص فيقاس عليه, وكذلك سائر الثمار والله أعلم. باب بيع الأصول والثمار:
مسألة: قال أبو القاسم - رحمه الله- : [ومن باع نخلا مؤبرا وهو ما قد تشقق طلعه, فالثمرة للبائع متروكة في النخل إلى الجزاز إلا أن يشترطها المبتاع] أصل الإبار عند أهل العلم: التلقيح قال ابن عبد البر: إلا أنه لا يكون حتى يتشقق الطلع وتظهر الثمرة فعبر به عن ظهور الثمرة للزومه منه والحكم متعلق بالظهور, دون نفس التلقيح بغير اختلاف بين العلماء يقال: أبرت النخلة بالتخفيف والتشديد, فهي مؤبرة ومأبورة ومنه قول النبي - ﷺ-: (خير المال سكة مأبورة) والسكة: النخل المصفوف وأبرت النخلة آبرها أبرا وإبارا وأبرتها تأبيرا, وتأبرت النخلة وائتبرت ومنه قول الشاعر: تأبري يا خيرة الفسيل** وفسر الخرقي المؤبر بما قد تشقق طلعه لتعلق الحكم بذلك, دون نفس التأبير قال القاضي: وقد يتشقق الطلع بنفسه فيظهر وقد يشقه الصعاد فيظهر وأيهما كان فهو التأبير المراد ها هنا وفي هذه المسألة فصول ثلاثة:
الفصل الأول: أن البيع متى وقع على نخل مثمر ولم يشترط الثمرة, وكانت الثمرة مؤبرة فهي للبائع وإن كانت غير مؤبرة فهي للمشتري وبهذا قال مالك, والليث والشافعي وقال ابن أبي ليلى: هي للمشتري في الحالين لأنها متصلة بالأصل اتصال خلقة فكانت تابعة له, كالأغصان وقال أبو حنيفة والأوزاعي: هي للبائع في الحالين لأن هذا نماء له حد فلم يتبع أصله في البيع, كالزرع في الأرض ولنا قول النبي - ﷺ -: (من ابتاع نخلا بعد أن تؤبر فثمرتها للذي باعها إلا أن يشترط المبتاع) متفق عليه وهذا صريح في رد قول ابن أبي ليلى, وحجة على أبي حنيفة والأوزاعي بمفهومه لأنه جعل التأبير حدا لملك البائع للثمرة فيكون ما قبله للمشتري وإلا لم يكن حدا, ولا كان ذكر التأبير مفيدا ولأنه نماء كامن لظهوره غاية فكان تابعا لأصله قبل ظهوره وغير تابع له بعد ظهوره, كالحمل في الحيوان فأما الأغصان فإنها تدخل في اسم النخل وليس لانفصالها غاية, والزرع ليس من نماء الأرض وإنما هو مودع فيها. الفصل الثاني:
أنه متى اشترطها أحد المتبايعين فهي له مؤبرة كانت أو غير مؤبرة, البائع فيه والمشتري سواء وقال مالك: إن اشترطها المشتري بعد التأبير جاز لأنه بمنزلة شرائها مع أصلها وإن اشترطها البائع قبل التأبير, لم يجز لأن اشتراطه لها بمنزلة شرائه لها قبل بدو صلاحها بشرط تركها ولنا أنه استثنى بعض ما وقع عليه العقد وهو معلوم فصح, كما لو باع حائطا واستثنى نخلة بعينها (ولأن النبي - ﷺ - نهى عن الثنيا إلا أن تعلم) ولأنه أحد المتبايعين, فصح اشتراطه للثمرة كالمشتري وقد ثبت الأصل بالاتفاق عليه, وبقوله عليه السلام: (إلا أن يشترطها المبتاع) ولو اشترط أحدهما جزءا من الثمرة معلوما كان ذلك كاشتراط جميعها في الجواز في قول جمهور الفقهاء وقول أشهب من أصحاب مالك وقال ابن القاسم: لا يجوز اشتراط بعضها لأن الخبر إنما ورد باشتراط جميعها ولنا, أن ما جاز اشتراط جميعه جاز اشتراط بعضه كمدة الخيار, وكذلك القول في مال العبد إذا اشترط بعضه.
الفصل الثالث: إن الثمرة إذا بقيت للبائع فله تركها في الشجر إلى أوان الجزاز سواء استحقها بشرطه أو بظهورها وبه قال مالك, والشافعي وقال أبو حنيفة: يلزمه قطعها وتفريغ النخل منها لأنه مبيع مشغول بملك البائع فلزم نقله وتفريغه, كما لو باع دارا فيها طعام أو قماش له ولنا أن النقل والتفريغ للمبيع على حسب العرف والعادة, كما لو باع دارا فيها طعام لم يجب نقله إلا على حسب العادة في ذلك وهو أن ينقله نهارا, شيئا بعد شيء ولا يلزمه النقل ليلا ولا جمع دواب البلد لنقله كذلك ها هنا, يفرغ النخل من الثمرة في أوان تفريغها وهو أوان جزازها وقياسه حجة لنا لما بيناه إذا تقرر هذا, فالمرجع في جزه إلى ما جرت به العادة فإذا كان المبيع نخلا فحين تتناهى حلاوة ثمره, إلا أن يكون مما بسره خير من رطبه أو ما جرت العادة بأخذه بسرا فإنه يجزه حين تستحكم حلاوة بسره لأن هذا هو العادة, فإذا استحكمت حلاوته فعليه نقله وإن قيل: بقاؤه في شجره خير له وأبقى فعليه النقل لأن العادة في النقل قد حصلت وليس له إبقاؤه بعد ذلك وإن كان المبيع عنبا, أو فاكهة سواه فأخذه حين يتناهى إدراكه وتستحكم حلاوته, ويجز مثله وهذا قول مالك والشافعي.
فصل: فإن أبر بعضه دون بعض فالمنصوص عن أحمد, أن ما أبر للبائع وما لم يؤبر للمشتري وهو قول أبي بكر للخبر الذي عليه مبني هذه المسألة فإن صريحه, أن ما أبر للبائع ومفهومه أن ما لم يؤبر للمشتري وقال ابن حامد: الكل للبائع وهو مذهب الشافعي لأنا إذا لم نجعل الكل للبائع, أدى إلى الإضرار باشتراك الأيدي في البستان فيجب أن يجعل ما لم يؤبر تبعا لما أبر كثمر النخلة الواحدة, فإنه لا خلاف في أن تأبير بعض النخلة يجعل جميعها للبائع وقد يتبع الباطن الظاهر منه كأساسات الحيطان تتبع الظاهر منه ولأن البستان إذا بدا صلاح ثمرة منه جاز بيع جميعها بغير شرط القطع, كذا ها هنا وهذا من النوع الواحد لأن الظاهر أن النوع الواحد يتقارب يتلاحق فأما إن أبر, لم يتبعه النوع الآخر ولم يفرق أبو الخطاب بين النوع والجنس كله وهو ظاهر مذهب الشافعي لأنه يفضي إلى سوء المشاركة واختلاف الأيدي, كما في النوع الواحد ولنا أن النوعين يتباعدان ويتميز أحدهما من الآخر, ولا يخشى اختلاطهما واشتباههما فأشبها الجنسين وما ذكره يبطل بالجنسين ولا يصح القياس على النوع الواحد لافتراقهما فيما ذكرناه ولو باع حائطين قد أبر أحدهما لم يتبعه الآخر لأنه يفضي إلى سوء المشاركة واختلاف الأيدي لانفراد كل واحد منهما عن صاحبه ولو أبر بعض الحائط, فأفرد بالبيع ما لم يؤبر فللمبيع حكم نفسه ولا يتبع غيره وخرج القاضي وجها في أنه يتبع غير المبيع, ويكون للبائع لأنه قد ثبت للحائط كله حكم التأبير وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي ولا يصح هذا لأن المبيع لم يؤبر منه شيء فوجب أن يكون للمشتري بمفهوم الخبر, وكما لو كان منفردا في بستان وحده ولأنه لا يفضي إلى سوء المشاركة ولا اختلاف الأيدي ولا إلى ضرر, فبقي على حكم الأصل فإن بيعت النخلة وقد أبرت كلها أو بعضها فأطلعت بعد ذلك, فالطلع للمشتري لأنه حدث في ملكه فكان له كما لو حدث بعد جزاز الثمرة ولأن ما أطلع بعد تأبير غيره لا يكاد يشتبه به لتباعد ما بينهما.
فصل: وطلع الفحال كطلع الإناث وهو ظاهر كلام الشافعي ويحتمل أن يكون طلع الفحال للبائع قبل ظهوره لأنه يؤخذ للأكل قبل ظهوره, فهو كثمرة لا تخلق إلا ظاهرة كالتين ويكون ظهور طلعه كظهور ثمرة غيره ولنا, أنها ثمرة نخل إذا تركت ظهرت فهي كالإناث أو يدخل في عموم الخبر وما ذكر للوجه الآخر لا يصح فإن أكله ليس هو المقصود منه, وإنما يراد للتلقيح به وهو يكون بعد ظهوره فأشبه طلع الإناث فإن باع نخلا فيه فحال وإناث لم يتشقق منه شيء, فالكل للمشتري إلا على الوجه الآخر فإن طلع الفحال يكون للبائع وإن كان قد تشقق طلع أحد النوعين دون الآخر, فما تشقق فهو للبائع وما لم يتشقق للمشتري إلا عند من سوى بين الأنواع كلها وإن تشقق طلع بعض الإناث أو بعض الفحال, فالذي قد ظهر للبائع وما لم يظهر على ما ذكرنا من الاختلاف فيه.
فصل: وكل عقد معاوضة يجري مجرى البيع في أن الثمرة المؤبرة تكون لمن انتقل عنه الأصل, وغير المؤبرة لمن انتقل إليه مثل أن يصدق المرأة نخلا أو يخلعها به, أو يجعله عوضا في إجارة أو عقد صلح لأنه عقد معاوضة فجرى مجرى البيع وإن انتقل بغير معاوضة كالهبة, والرهن أو فسخ لأجل العيب أو فلس المشتري, أو رجوع الأب في هبته لولده أو تقايلا المبيع أو كان صداقا فرجع إلى الزوج لفسخ المرأة النكاح, أو نصفه لطلاق الزوج فإنه في الفسخ يتبع الأصل سواء أبر, أو لم يؤبر لأنه نماء متصل فأشبه السمن وفي الهبة والرهن حكمهما حكم البيع, في أنه يتبع قبل التأبير ولا يتبع فيما بعده لأن الملك زال عن الأصل بغير فسخ فكان الحكم فيه ما ذكرناه, كالبيع وأما رجوع البائع لفلس المشتري أو الزوج لانفساخ النكاح فيذكران في بابيهما.
مسألة: قال: [وكذلك بيع الشجر إذا كان فيه ثمر باد] وجملة ذلك, أن الشجر على خمسة أضرب: أحدها ما يكون ثمره في أكمامه ثم تتفتح الأكمام, فيظهر كالنخل الذي وردت السنة فيه وبينا حكمه, وهو الأصل وما عداه مقيس عليه وملحق به ومن هذا الضرب القطن, وما يقصد نوره كالورد والياسمين والنرجس, والبنفسج فإنه تظهر أكمامه ثم تتفتح فيظهر, فهو كالطلع إن تفتح صجنبذه فهو للبائع وإلا فهو للمشتري الثاني, ما تظهر ثمرته بارزة لا قشر عليها ولا نور كالتين والتوت, والجميز فهن للبائع لأن ظهورها من شجرها بمنزلة ظهور الطلع من قشره الثالث ما يظهر في قشره, ثم يبقى فيه إلى حين الأكل كالرمان والموز, فهو للبائع أيضا بنفس الظهور لأن قشره من مصلحته ويبقى فيه إلى حين الأكل فهو كالتين ولأن قشره ينزل منزلة أجزائه للزومه إياه, وكونه من مصلحته الضرب الرابع ما يظهر في قشرين كالجوز, واللوز فهو للبائع أيضا بنفس الظهور لأن قشره لا يزول عنه غالبا إلا بعد جزازه, فأشبه الضرب الذي قبله ولأن قشر اللوز يؤكل معه فأشبه التين وقال القاضي: إن تشقق القشر الأعلى فهو للبائع وإن لم يتشقق فهو للمشتري, كالطلع ولو اعتبر هذا لم يكن للبائع إلا نادرا ولا يصح قياسه على الطلع لأن الطلع لا بد من تشققه وتشققه من مصلحته, وهذا بخلافه فإنه لا يتشقق على شجره وتشققه قبل كماله يفسده الخامس, ما يظهر نوره ثم يتناثر فتظهر الثمرة, كالتفاح والمشمش والإجاص, والخوخ فإذا تفتح نوره وظهرت الثمرة فيه فهي للبائع, وإن لم تظهر فهي للمشتري وقيل: ما تناثر نوره فهو للبائع, وما لا فهو للمشتري لأن الثمرة لا تظهر حتى يتناثر النور وقال القاضي: يحتمل أن تكون للبائع بظهور نوره لأن الطلع إذا تشقق كان كنور الشجر فإن العقد التي في جوف الطلع ليست عين الثمرة وإنما هي أوعية لها, تكبر الثمرة في جوفها وتظهر فتصير العقدة في طرفها, وهي قمع الرطبة وقول الخرقي يقتضي ما قلناه لأنه علق استحقاق البائع لها بكون الثمر باديا لا يبدو نوره ولا يبدو الثمر حتى يتفتح نوره وقد يبدو إذا كبر قبل أن ينثر النور فتعلق ذلك بظهوره والعنب بمنزلة ما له نور لأنه يبدو في قطوفه شيء صغار كحب الدخن ثم يتفتح, ويتناثر كتناثر النور فيكون من هذا القسم والله أعلم وهذا يفارق الطلع لأن الذي في الطلع عين الثمرة ينمو ويتغير والنور في هذه الثمار يتساقط, ويذهب وتظهر الثمرة ومذهب الشافعي في هذا الفصل جميعه كما ذكرنا ها هنا أو قريبا منه, وبينهما اختلاف على حسب ما ذكرنا من الخلاف أو قريبا منه.
فصل: فأما الأغصان والورق, وسائر أجزاء الشجر فهو للمشتري بكل حال لأنه من أجزائها خلق لمصلحتها فهو كأجزاء سائر المبيع ويحتمل أن يكون ورق التوت الذي يقصد أخذه لتربية دود القز إن تفتح, فهو للبائع وإلا فهو للمشتري لأنه بمنزلة الجنبذ الذي يتفتح فيظهر نوره من الورد وغيره, وهذا في المواضع التي عادتهم أخذ الورق وإن لم تكن عادتهم ذلك فهو للمشتري, كسائر ورق الشجر والله أعلم.
فصل: وإذا كانت الثمرة للبائع مبقاة في شجر المشتري فاحتاجت إلى سقي لم يكن للمشتري منعه منه لأنه يبقى به, فلزمه تمكينه منه كتركه على الأصول وإن أراد سقيها من غير حاجة, فللمشتري منعه منه لأنه بسقيه يتضمن التصرف في ملك غيره ولأن الأصل منعه من التصرف في ملك غيره وإنما أباحته الحاجة, فإن لم توجد الحاجة يبقى على أصل المنع فإن احتاجت إلى السقي وفيه ضرر على الشجر, أو احتاج الشجر إلى سقي يضر بالثمرة فقال القاضي: أيهما طلب السقي لحاجته أجبر الآخر عليه لأنه دخل في العقد على ذلك فإن المشتري اقتضى عقده تبقية الثمرة, والسقي من تبقيتها والعقد اقتضى تمكين المشتري من حفظ الأصول وتسليمها, فلزم كل واحد منهما ما أوجبه العقد للآخر وإن أضر به وإنما له أن يسقي بقدر حاجته فإن اختلفا في قدر الحاجة, رجع إلى أهل الخبرة وأيهما التمس السقي فالمؤنة عليه لأنه لحاجته.
فصل: فإن خيف على الأصول الضرر بتبقية الثمرة عليها لعطش أو غيره والضرر يسير لم يجبر على قطعها لأنها مستحقة للبقاء, فلم يجبر على إزالتها لدفع ضرر يسير عن غيره وإن كان كثيرا فخيف على الأصول الجفاف أو نقص حملها ففيه وجهان أحدهما, لا يجبر أيضا لذلك الثاني يجبر على القطع لأن الضرر يلحقها وإن لم تقطع والأصول تسلم بالقطع, فكان القطع أولى وللشافعي قولان كالوجهين.
فصل: وإذا باع شجرا فيه ثمر للبائع فحدثت ثمرة أخرى أو اشترى ثمرة في شجرها, فحدثت ثمرة أخرى فإن تميزتا فلكل واحد ثمرته, وإن لم تتميز إحداهما من الأخرى فهما شريكان فيهما كل واحد بقدر ثمرته فإن لم يعلم قدر كل واحدة منهما, اصطلحا عليها ولا يبطل العقد لأن المبيع لم يتعذر تسليمه وإنما اختلط بغيره, فهو كما لو اشترى طعاما في مكان فانثال عليه طعام للبائع أو انثال هو على طعام للبائع, ولم يعرف قدر كل واحد منهما ويفارق هذا ما لو اشترى ثمرة قبل بدو صلاحها فتركها حتى بدا صلاحها أو اشترى عرية, فتركها حتى أثمرت فإن العقد يبطل في إحدى الروايتين لكون اختلاط المبيع بغيره حصل بارتكاب النهي وكونه يتخذ حيلة على شراء الثمرة قبل بدو صلاحها, أو شراء الرطب بالتمر من غير كيل من غير حاجة إلى أكله رطبا وها هنا ما ارتكب نهيا ولا يجعل هذا طريقا إلى فعل المحرم وجمع أبو الخطاب بينهما, فقال: في الجميع روايتان إحداهما يبطل العقد والأخرى لا يبطل وقال القاضي: إن كانت الثمرة للبائع, فحدثت ثمرة أخرى قيل لكل واحد: اسمح بنصيبك لصاحبك فإن فعله أحدهما أقررنا العقد وأجبرنا الآخر على القبول لأنه يزول به النزاع وإن امتنعا, فسخنا العقد لتعذر وصول كل واحد منهما إلى قدر حقه وإن اشترى ثمرة فحدثت ثمرة أخرى لم نقل للمشتري: اسمح بنصيبك لأن الثمرة كل المبيع, فلا يؤمر بتخليته كله ونقول للبائع ذلك فإن سمح بنصيبه للمشتري أجبرناه على القبول, وإلا فسخ البيع بينهما وهذا مذهب الشافعي قال ابن عقيل: لعل هذا قول لبعض أصحابنا فإنني لم أجده معزيا إلى أحمد والظاهر أن هذا اختيار القاضي, وليس بمذهب لأحمد ولو اشترى حنطة فانثالت عليها أخرى لم ينفسخ البيع, والحكم فيه كالحكم في الثمرة تحدث معها أخرى والله أعلم.
فصل: إذا باع الأرض وفيها زرع لا يحصد إلا مرة كالحنطة والشعير, والقطاني وما المقصود منه مستتر كالجزر, والفجل والبصل والثوم, وأشباهها فاشترطه للمشتري فهو له, قصيلا كان أو ذا حب مستترا أو ظاهرا معلوما أو مجهولا لكونه دخل في البيع تبعا للأرض, فلم يضر جهله وعدم كماله كما لو اشترى شجرة فاشترط ثمرتها بعد تأبيرها وإن أطلق البيع, فهو للبائع لأنه مودع في الأرض فهو كالكنز والقماش ولأنه يراد للنقل, فأشبه الثمرة المؤبرة وهذا قول أبي حنيفة والشافعي ولا أعلم فيه مخالفا ويكون للبائع مبقى في الأرض إلى حين الحصاد بغير أجرة لأن المنفعة حصلت مستثناة له وعليه حصاده في أول وقت حصاده وإن كان بقاؤه أنفع له, كقولنا في الثمرة وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة: عليه نقله عقيب البيع كقوله في الثمرة وقد مضى الكلام فيها وهكذا قال الحكم في القصب الفارسي لأن له وقتا يقطع فيه إلا أن العروق تكون للمشتري لأنها تترك في الأرض للبقاء فيها والقصب نفسه كالثمرة, وإن لم يظهر منه شيء فهو للمشتري وأما قصب السكر فإنه يؤخذ مرة واحدة فهو كالزرع فإن حصده قبل أوان الحصاد لينتفع بالأرض في غيره, لم يملك الانتفاع بها لأن منفعتها إنما حصلت مستثناة عن مقتضى العقد ضرورة بقاء الزرع فتقدر ببقائه, كالثمرة على الشجرة وكما لو كان المبيع طعاما لا ينقل مثله عادة إلا في شهر لم يكلف إلا ذلك, فإن تكلف نقله في يوم واحد لينتفع بالدار في غيره لم يجز, كذلك ها هنا ومتى حصد الزرع وبقيت له عروق تستضر بها الأرض كعروق القطن والذرة, فعلى البائع إزالتها وإن تحفرت الأرض فعليه تسوية حفرها لأنه استصلاح لملكه فصار كما لو باع دارا فيها خابية كبيرة, لا تخرج إلا بهدم باب الدار فهدمها كان عليه الضمان, وكذلك كل نقص دخل على ملك شخص لاستصلاح ملك الآخر من غير إذن الأول ولا فعل صدر عنه النقص واستند إليه, كان الضمان على مدخل النقص.
فصل: وإن باع أرضا وفيها زرع يجز مرة بعد أخرى فالأصول للمشتري والجزة الظاهرة عند البيع للبائع, سواء كان مما يبقى سنة كالهندبا والبقول, أو أكثر كالرطبة وعلى البائع قطع ما يستحقه منه في الحال, فإنه ليس لذلك حد ينتهي إليه ولأن ذلك يطول ويخرج غير ما كان ظاهرا والزيادة من الأصول التي هي ملك للمشتري وكذلك إن كان الزرع مما تكرر ثمرته, كالقثاء والخيار والبطيخ, والباذنجان وشبهه فهو للمشتري, والثمرة الظاهرة عند البيع للبائع لأن ذلك مما تتكرر الثمرة فيه فأشبه الشجر ولو كان مما تؤخذ زهرته وتبقى عروقه في الأرض, كالبنفسج والنرجس فالأصول للمشتري لأنه جعل في الأرض للبقاء فيها, فهو كالرطبة وكذلك أوراقه وغصونه لأنه لا يقصد أخذه فهو كورق الشجر وأغصانه, وأما زهرته فإن كانت قد تفتحت فهي للبائع, وإلا فهي للمشتري على ما ذكرناه فيما مضى واختار ابن عقيل في هذا كله أن البائع إن قال: بعتك هذه الأرض بحقوقها دخل فيها وإن لم يقل: بحقوقها فهل يدخل؟ على وجهين, كالشجر.
فصل: وإذا اشترى أرضا فيها بذر فاستحق المشتري أصله كالرطبة, والنعناع والبقول التي تجز مرة بعد أخرى فهو له لأنه ترك في الأرض للتبقية, فهو كأصول الشجر ولأنه لو كان ظاهرا كان له فالمستتر أولى سواء علقت عروقه في الأرض, أو لا فإن كان بذرا لما يستحقه البائع فهو له إلا أن يشترطه المبتاع, فيكون له وقال الشافعي: البيع باطل لأن البذر مجهول وهو مقصود ولنا أن البذر يدخل تبعا في البيع, فلم يضر جهله كما لو اشترى عبدا فاشترط ماله ويجوز في التابع من الغرر ما لا يجوز في المتبوع, كبيع اللبن في الضرع مع الشاة والحمل مع الأم والسقوف في الدار, وأساسات الحيطان تدخل تبعا في البيع ولا تضر جهالتها, ولا تجوز مفردة وإن لم يعلم المشتري بذلك فله الخيار في فسخ البيع وإمضائه لأنه يفوت عليه منفعة الأرض عاما فإن رضي البائع بتركه للمشتري أو قال: أنا أحوله وأمكنه ذلك في زمن يسير لا يضر بمنافع الأرض فلا خيار للمشتري لأنه أزال العيب بالنقل, أو زاده خيرا بالترك فلزمه قبوله لأن فيه تصحيحا للعقد وهذا مذهب الشافعي وكذلك لو اشترى نخيلا فيه طلع, فبان أنه مؤبر فله الخيار لأنه يفوت المشتري ثمرة عامه ويضر بقاؤها بنخله فإن تركها له البائع, لم يكن له خيار فإن قال: أنا أقطعها الآن لم يسقط خياره بذلك لأن ثمرة العام تفوت سواء قطعها أو تركها وإن اشترى أرضا فيها زرع للبائع, أو شجرا فيه ثمر للبائع والمشتري جاهل بذلك يظن أن الزرع والثمر له, فله الخيار أيضا كما لو جهل وجوده لأنه إنما رضي ببذل ماله عوضا عن الأرض والشجر بما فيهما فإذا بان خلاف ذلك ينبغي أن يثبت له الخيار, كالمشتري للمعيب يظنه صحيحا وإن اختلفا في جهله لذلك فالقول قول المشتري إذا كان ممن يجهل ذلك لكونه عاميا, فإن هذا مما يجهله كثير من الناس وإن كان ممن يعلم ذلك لم يقبل قوله لأن الظاهر أنه لا يجهله.
فصل: إذا باعه أرضًا بحقوقها دخل ما فيها من غراس وبناء في البيع وكذلك إذا قال: رهنتك هذه الأرض بحقوقها دخل في الرهن غراسها وبناؤها وإن لم يقل: بحقوقها فهل يدخل الغراس والبناء فيهما؟ على وجهين ونص الشافعي على أنهما يدخلان في البيع دون الرهن, واختلف أصحابه في ذلك فمنهم من قال: فيهما جميعا قولان ومنهم من فرق بينهما بكون البيع أقوى فيستتبع البناء والشجر بخلاف الرهن, ومنهم من قال: إنهما سواء لأن ما تبع في البيع تبع في الرهن كالطرق والمنافع وفيهما جميعا وجهان أحدهما, يدخل البناء والشجر لأنهما من حقوق الأرض ولذلك يدخلان إذا قال: بحقوقها وما كان من حقوقها يدخل فيها بالإطلاق كطرقها ومنافعها والثاني, لا يدخلان لأنهما ليسا من حقوق الأرض فلا يدخلان في بيعها ورهنها كالثمرة المؤبرة ومن نصر الأول فرق بينهما بكون الثمرة تراد للنقل, وليست من حقوقها بخلاف الشجر والبناء فإن قال: بعتك هذا البستان دخل فيه الشجر لأن البستان اسم للأرض والشجر, والحائط ولذلك لا تسمى الأرض المكشوفة بستانا قال ابن عقيل: ويدخل فيه البناء لأن ما دخل فيه الشجر دخل فيه البناء ويحتمل أن لا يدخل.
فصل: وإن باعه شجرا لم تدخل الأرض في البيع ذكره أبو إسحاق بن شاقلا لأن الاسم لا يتناولها, ولا هي تبع للمبيع.
فصل: وإن قال: بعتك هذه القرية فإن كانت في اللفظ قرينة مثل المساومة على أرضها أو ذكر الزرع والغرس فيها, وذكر حدودها أو بذل ثمن لا يصلح إلا فيها وفي أرضها دخل في البيع لأن الاسم يجوز أن يطلق عليها مع أرضها, والقرينة صارفة إليه ودالة عليه فأشبه ما لو صرح به وإن لم يكن قرينة تصرف إلى ذلك, فالبيع يتناول البيوت والحصن الدائر عليها فإن القرية اسم لذلك, وهو مأخوذ من الجمع لأنه يجمع الناس وسواء قال: بحقوقها أو لم يقل وأما الغراس بين بنيانها فحكمه حكم الغراس في الأرض, إن قال: بحقوقها دخل وإن لم يقل فعلى وجهين.
فصل: وما كان في الأرض من الحجارة المخلوقة فيها, أو مبني فيها كأساسات الحيطان المتهدمة فهي للمشتري بالبيع لأنه من أجزائها فهي كحيطانها, وترابها والمعادن الجامدة فيها والآجر كالحجارة في هذا وإذا كان المشتري عالما بذلك, فلا خيار له وإن لم يكن عالما به وكان ذلك يضر بالأرض وينقصها, كالصخر المضر بعروق الشجر فهو عيب وللمشتري الخيار بين الفسخ وأخذ الثمن, أو الإمساك وأخذ أرش العيب كما في سائر المبيع فأما إن كانت الحجارة أو الآجر مودعا فيها للنقل عنها فهي للبائع, كالكنز وعليه نقلها وتسوية الأرض إذا نقلها, وإصلاح الحفر لأنه ضرر لحق لاستصلاح ملكه فكان عليه إزالته وإن كان قلعها يضر بالأرض أو تتطاول مدته, ولم يكن المشتري عالما فله الخيار كما ذكرنا لأنه عيب وإن لم يكن في نقلها ضرر ويمكن نقلها في أيام يسيرة, كالثلاثة فما دون فلا خيار له وله مطالبة البائع بنقلها في الحال لأنه لا عرف في تبقيتها, بخلاف الزرع وإن كان عالما بالحال فلا خيار له ولا أجرة في الزمان الذي نقلت فيه لأنه علم بذلك ورضي, فأشبه ما لو اشترى أرضا فيها زرع وإن لم يعلم واختار إمساك المبيع فهل له أجرة لزمان النقل؟ على وجهين أحدهما, له ذلك لأن المنافع مضمونة على المتلف فكان عليه بدلها كالأجزاء والثاني, لا يجب لأنه لما رضي بإمساك المبيع رضي بتلف المنفعة في زمان النقل فإن لم يختر الإمساك فقال البائع: أنا أدع ذلك لك وكان مما لا ضرر في بقائه, لم يكن له خيار لأن الضرر زال عنه. فصل: فإن كان في الأرض معادن جامدة كمعادن الذهب والفضة, والحديد والنحاس والرصاص, ونحوها دخلت في البيع وملكت بملك الأرض التي هي فيها لأنها من أجزائها, فهي كترابها وأحجارها ولكن لا يباع معدن الذهب بذهب ولا معدن الفضة بفضة, ويجوز بيعها بغير جنسها وإن ظهر في الأرض معدن لم يعلم البائع به فله الخيار لأنه زيادة لم يعلم بها فأشبه ما لو باعه ثوبا على أنه عشرة, فبان أحد عشر هذا إذا كان قد ملك الأرض بإحياء أو إقطاع وقد روي أن ولد بلال بن الحارث باعوا عمر بن عبد العزيز أرضا فظهر فيها معدن فقالوا: إنما بعنا الأرض, ولم نبع المعدن وأتوا عمر بن عبد العزيز بالكتاب الذي فيه قطيعة النبي - ﷺ - لأبيهم فأخذه عمر فقبله ورد عليهم المعدن وإن كان البائع ملك الأرض بالبيع, احتمل أن لا يكون له خيار لأن الحق لغيره وهو المالك الأول واحتمل أن يكون له الخيار كما لو اشترى معيبا ثم باعه ولم يعلم عيبه, فإنه يستحق الرد عليه وإن كان قد باعه مثلما اشتراه وقد روى أبو طالب عن أحمد أنه إذا ظهر المعدن في ملكه ملكه وظاهر هذا أنه لم يجعله للبائع, ولا جعل له خيارا لأنه من أجزاء الأرض فأشبه ما لو ظهر فيها حجارة لها قيمة كبيرة. فصل: وإذا كان في الأرض بئر أو عين مستنبطة فنفس البئر وأرض العين مملوكة لمالك الأرض, والماء الذي فيها غير مملوك لأنه يجري من تحت الأرض إلى ملكه فأشبه الماء الجاري في النهر إلى ملكه وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي والوجه الآخر, يدخل في الملك لأنه نماء الملك وقد روي عن أحمد ما يدل على أنه يملك فإنه قال في رجل له أرض ولآخر ماء فيشترك صاحب الأرض وصاحب الماء في الزرع ويكون بينهما؟ فقال: لا بأس اختاره أبو بكر وهذا يدل على أن الماء مملوك لصاحبه, وفي معنى الماء المعادن الجارية في الأملاك كالقار, والنفط والمومياء والملح وكذلك الحكم في النابت في أرضه من الكلأ والشوك, ففي كل ذلك يخرج على الروايتين في الماء والصحيح أن الماء لا يملك فكذلك هذه قال أحمد: لا يعجبني بيع الماء ألبتة قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل عن قوم بينهم نهر تشرب منه أرضوهم لهذا يوم, ولهذا يومان يتفقون عليه بالحصص فجاء يومي ولا أحتاج إليه, أكريه بدراهم؟ قال: ما أدري أما النبي - ﷺ- (فنهى عن بيع الماء) قيل: إنه ليس يبيعه إنما يكريه قال: إنما احتالوا بهذا ليحسنوه, فأي شيء هذا إلا البيع وروى الأثرم بإسناده عن جابر, وإياس بن عبد الله المزني أن النبي - ﷺ- (نهى أن يباع الماء) وروى أيضا عن رجل من أصحاب النبي - ﷺ - قال: (المسلمون شركاء في ثلاث: في الماء والنار والكلأ) رواه أبو عبيد في كتاب " الأموال ", فإذا قلنا: لا يملك فصاحب الأرض أحق به من غيره لكونه في ملكه فإن دخل غيره بغير إذنه فأخذه ملكه لأنه مباح في الأصل, فأشبه ما لو عشش في أرضه طائر أو دخل فيها ظبي أو نضبت عن سمك, فدخل إليه داخل فأخذه وأما ما يحوزه من الماء في إنائه أو يأخذه من الكلأ في حبله, أو يحوزه في رحله أو يأخذه من المعادن فإنه يملكه بذلك, وله بيعه بلا خلاف بين أهل العلم فإن النبي - ﷺ - قال: (لأن يأخذ أحدكم حبلا فيأخذ حزمة من حطب فيبيع, فيكف الله به وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطى أو منع) رواه البخاري وروى أبو عبيد في "الأموال", عن المشيخة أن النبي - ﷺ- (نهى عن بيع الماء إلا ما حمل منه) وعلى ذلك مضت العادة في الأمصار ببيع الماء في الروايا والحطب, والكلأ من غير نكير وليس لأحد أن يشرب منه, ولا يتوضأ ولا يأخذ إلا بإذن مالكه وكذلك لو وقف على بئره أو بئر مباح فاستقى بدلوه, أو بدولاب أو نحوه فما يرقيه من الماء فهو ملكه, وله بيعه لأنه ملكه بأخذه في إنائه قال أحمد: إنما نهى عن بيع فضل ماء البئر والعيون في قراره ويجوز بيع البئر نفسها والعين ومشتريها أحق بمائها وقد روى أن النبي - ﷺ- قال: (من يشتري بئر رومة يوسع بها على المسلمين وله الجنة) أو كما قال فاشتراها عثمان بن عفان رضي الله عنه من يهودي, بأمر النبي - ﷺ - وسبلها للمسلمين وكان اليهودي يبيع ماءها وروى أن عثمان اشترى منه نصفها باثني عشر ألفا ثم قال اليهودي: اختر, إما أن تأخذها يوما وآخذها أنا يوما وإما أن ننصب لك عليها دلوا وأنصب عليها دلوا فاختار يوما ويوما, فكان الناس يستقون منها في يوم عثمان لليومين فقال اليهودي: أفسدت على بئري فاشتر باقيها فاشتراه بثمانية آلاف وفي هذا دليل على صحة بيعها, وتسبيلها وصحة بيع ما يستقيه منها وجواز قسمة مائها بالمهايأة, وكون مالكها أحق بمائها وجواز قسمة ما فيه حق وليس بمملوك فأما المياه الجارية فما كان نابعا في غير ملك, كالأنهار الكبار وغيرها لم تملك بحال, ولو دخل إلى أرض رجل لم يملكه بذلك كالطير يدخل إلى أرضه, ولكل أحد أخذه ولا يملكه إلا أن يجعل له في أرضه مستقرا كالبركة, والقرار أو يحتفر ساقية يأخذ فيها من ماء النهر الكبير, فيكون أحق بذلك الماء من غيره كنقع البئر وإن كان ما يستقر في البركة لا يخرج منها, فالأولى أنه يملكه بذلك على ما سنذكره في مياه الأمطار وما كان نابعا أو مستنبطا كالقنى فهو كنقع البئر وفيه من الخلاف ما فيه, فأما المصانع المتخذة لمياه الأمطار تجمع فيها ونحوها من البرك وغيرها فالأولى أنه يملك ماءها, ويصح بيعه إذا كان معلوما لأنه مباح حصله بشيء معد له فملكه كالصيد يحصل في شبكته, والسمك في بركة معدة له ولا يجوز أخذ شيء منه إلا بإذن مالكه. مسألة:
قال: وإذا اشترى الثمرة دون الأصل ولم يبد صلاحها على الترك إلى الجزاز, لم يجز وإن اشتراها على القطع جاز لا يخلو بيع الثمرة قبل بدو صلاحها من ثلاثة أقسام أحدها أن يشتريها بشرط التبقية, فلا يصح البيع إجماعا (لأن النبي - ﷺ- نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها نهى البائع والمبتاع) متفق عليه النهي يقتضي فساد المنهي عنه قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على القول بجملة هذا الحديث القسم الثاني أن يبيعها بشرط القطع في الحال فيصح بالإجماع لأن المنع إنما كان خوفا من تلف الثمرة, وحدوث العاهة عليها قبل أخذها بدليل ما روى أنس (أن النبي - ﷺ- نهى عن بيع الثمار حتى تزهو قال: أرأيت إذا منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه؟) رواه البخاري وهذا مأمون فيما يقطع فصح بيعه كما لو بدا صلاحه القسم الثالث, أن يبيعها مطلقا ولم يشترط قطعا ولا تبقية فالبيع باطل وبه قال مالك, والشافعي وأجازه أبو حنيفة لأن إطلاق العقد يقتضي القطع فهو كما لو اشترطه قال: ومعنى النهي, أن يبيعها مدركة قبل إدراكها بدلالة قوله: " أرأيت إن منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه؟ " فلفظة المنع تدل على أن العقد يتناول معنى, وهو مفقود في الحال حتى يتصور المنع ولنا (أن النبي - ﷺ- أطلق النهي عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها) فيدخل فيه محل النزاع واستدلالهم بسياق الحديث يدل على هدم قاعدتهم التي قرروها في أن إطلاق العقد يقتضي القطع, ويقرر ما قلنا من أن إطلاق العقد يقتضي التبقية فيصير العقد المطلق كالذي شرطت فيه التبقية, يتناولهما النهي جميعا ويصح تعليلهما بالعلة التي علل بها النبي - ﷺ - من منع الثمرة وهلاكها. فصل:
وبيع الثمرة قبل بدو صلاحها من غير شرط القطع على ثلاثة أضرب: أحدها أن يبيعها مفردة لغير مالك الأصل, فهذا الضرب الذي ذكرنا حكمه وبينا بطلانه الثاني أن يبيعها مع الأصل, فيجوز بالإجماع لقول النبي - ﷺ-: (من ابتاع نخلا بعد أن تؤبر فثمرتها للذي باعها إلا أن يشترط المبتاع) ولأنه إذا باعها مع الأصل حصلت تبعا في البيع, فلم يضر احتمال الغرر فيها كما احتملت الجهالة في بيع اللبن في الضرع مع بيع الشاة والنوى في التمر مع التمر, وأساسات الحيطان في بيع الدار الثالث أن يبيعها مفردة لمالك الأصل نحو أن تكون للبائع ولا يشترطها المبتاع, فيبيعها له بعد ذلك أو يوصي لرجل بثمرة نخلته فيبيعها لورثة الموصي, ففيه وجهان أحدهما يصح البيع وهو المشهور من قول مالك, وأحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأنه يجتمع الأصل والثمرة للمشتري فيصح كما لو اشتراهما معا ولأنه إذا باعها لمالك الأصل حصل التسليم إلى المشتري على الكمال لكونه مالكا لأصولها وقرارها, فصح كبيعها مع أصلها والثاني لا يصح وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأن العقد يتناول الثمرة خاصة, والغرر فيما يتناوله العقد أصلا يمنع الصحة كما لو كانت الأصول لأجنبي ولأنها تدخل في عموم النهي, بخلاف ما إذا باعهما معا فإنه مستثنى بالخبر المروي فيه ولأن الغرر فيما يتناوله العقد أصلا يمنع الصحة, وفيما إذا باعهما معا تدخل الثمرة تبعا ويجوز في التابع من الغرر ما لا يجوز في المتبوع كما يجوز بيع اللبن في الضرع, والحمل مع الشاة وغيرهما وإن باعه الثمر بشرط القطع في الحال, صح وجها واحدا ولا يلزم المشتري الوفاء بالشرط لأن الأصل له. فصل:
ولا يجوز بيع الزرع الأخضر في الأرض إلا بشرط القطع في الحال, كما ذكرنا في الثمرة على الأصول لما روى مسلم عن ابن عمر (أن النبي - ﷺ- نهى عن بيع النخل حتى يزهى وعن بيع السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة نهى البائع والمشتري) قال ابن المنذر: لا أعلم أحدا يعدل عن القول به وهو قول مالك, وأهل المدينة وأهل البصرة وأصحاب الحديث, وأصحاب الرأي فإن باعه مع الأرض جاز كبيع الثمرة مع الأصل, وإن باعه لمالك الأرض ففيه وجهان على ما ذكرنا في الثمرة تباع من مالك الأصل وقال أبو الخطاب: يجوز وإن باعه إياه بشرط القطع, جاز وجها واحدا ولم يلزم المشتري الوفاء بالشرط لأن الأصل له, فهو كبيع الثمرة من مالك الأصل بشرط القطع وإذا اشتد حب الزرع جاز بيعه مطلقا وبشرط التبقية, لقول النبي - ﷺ - في الحديث: (حتى يبيض) فجعل ذلك غاية المنع من بيعه فيدل على الجواز بعده وفي رواية (نهى النبي- ﷺ- عن بيع العنب حتى يسود وعن بيع الحب حتى يشتد) ولأنه إذا اشتد حبه بدا صلاحه, فصار كالثمرة إذا بدا صلاحها وإذا اشتد شيء من حبه جاز بيع جميع ما في البستان من نوعه كالشجرة إذا بدا الصلاح في شيء منها. فصل:
ذكره القاضي في الصلح قال: وإذا اعترف لرجل بزرع ثم صالحه منه بعوض, صح فيما يصح في البيع وبطل فيما يبطل فيه ولو ادعى اثنان زرعا في يد آخر فأقر لهما به, فالزرع بينهما نصفان فإن صالح أحدهما عن حقه منه قبل اشتداد حبه لم يجز, سواء شرط القطع أو أطلق لأنه إن أطلق بطل للنهي عن بيع المخاضرة, وإن شرط القطع لم يمكنه قطع نصيبه إلا بقطع الزرع كله وإن كانت الأرض للمقر احتمل أن يصح واحتمل أن لا يصح, بناء على الوجهين فيما إذا اشترى زرعا أخضر في أرض مملوكة له ولو كانت الأرض لرجل والزرع لآخر, فقال أحدهما: صالحني من نصف أرضي على نصف زرعك فيكون الزرع والأرض بيننا نصفين فإن كان بعد اشتداد حبه جاز لأنه يجوز بيعه وإن كان قبل ذلك, فهل يجوز؟ على وجهين بناء على بيع الزرع من مالك الأرض وذلك لأنه يبيع نصف الزرع لمالك الأرض ويشتري منه نصف الأرض التي له فيها الزرع, وإن شرطا في البيع أن يقطعا الزرع جميعه ويسلم الأرض فارغة ففيه وجهان أيضا أحدهما, يصح لاشتراطهما قطع كل الزرع وتفريغ الأرض منه واحتمل أن يبطل لأن صاحب الأرض باعه نصف الأرض بشرط قطع زرع غيره ليسلم إليه أرضه وإن قلنا: يصح لم يلزم الوفاء بالشرط لأن كل واحد منهما حصل زرعه في أرضه فلم يلزمه قطعه. فصل:
وإذا اشترى رجل نصف الثمرة قبل بدو صلاحها, أو نصف الزرع قبل اشتداد حبه مشاعا لم يجز سواء اشتراه من رجل, أو من أكثر منه وسواء شرط القطع أو لم يشرطه لأنه لا يمكنه قطعه إلا بقطع ما لا يملكه, فلم يصح اشتراطه. فصل:
والقطن ضربان أحدهما ما له أصل يبقى في الأرض أعواما كالشجر تتكرر ثمرته, فهذا حكمه حكم الشجر في أنه يصح إفراده بالبيع وإذا بيعت الأرض بحقوقها دخل في البيع, وثمره كالطلع إن تفتح فهو للبائع وإلا فهو للمشتري والثاني ما يتكرر زرعه كل عام, فحكمه حكم الزرع ومتى كان جوزه ضعيفا رطبا لم يقو ما فيه, لم يجز بيعه إلا بشرط القطع كالزرع الأخضر وإن قوى جوزه واشتد, جاز بيعه بشرط التبقية كالزرع الذي اشتد حبه وإذا بيعت الأرض لم يدخل في البيع إلا أن يشترطه المبتاع والباذنجان نوعان أحدهما, ما له شجر تبقى أصوله وتتكرر ثمرته فهو كالشجر والثاني ما يتكرر زرعه كل عام, فهو كالحنطة والشعير. مسألة:
قال: فإن تركها حتى يبدو صلاحها بطل البيع اختلفت الرواية عن أحمد -رحمه الله- , في من اشترى ثمرة قبل بدو صلاحها فتركها حتى بدا صلاحها فنقل عنه حنبل, وأبو طالب: أن البيع يبطل قال القاضي: هي أصح فعلى هذا يرد المشتري الثمرة إلى البائع ويأخذ الثمن ونقل أحمد بن سعيد أن البيع لا يبطل وهو قول أكثر الفقهاء لأن أكثر ما فيه أن المبيع اختلط بغيره, فأشبه ما لو اشترى ثمرة فحدثت ثمرة أخرى ولم تتميز, أو حنطة فانثالت عليها أخرى أو ثوبا فاختلط بغيره ونقل عنه أبو داود, في من اشترى قصيلا فمرض أو توانى حتى صار شعيرا قال: إن أراد به حيلة فسد البيع, وإلا لم يفسد والظاهر: أن هذه ترجع إلى ما نقله ابن سعيد فإنه يتعين حمل ما نقله أحمد بن سعيد في صحة البيع على من لم يرد حيلة فإن أراد الحيلة, وقصد بشرطه القطع الحيلة على إبقائه لم يصح بحال إذ قد ثبت من مذهب أحمد أن الحيل كلها باطلة ووجه الرواية الأولى (أن النبي - ﷺ - نهى عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها) فاستثنى منه ما اشتراه بشرط القطع, فقطعه بالإجماع فيبقى ما عداه على أصل التحريم ولأن التبقية معنى حرم الشرع اشتراطه لحق الله تعالى, فأبطل العقد وجوده كالنسيئة فيما يحرم فيه النساء وترك التقابض فيما يشترط فيه القبض أو الفضل فيما يجب التساوي فيه, ولأن صحة البيع تجعل ذلك ذريعة إلى شراء الثمرة قبل بدو صلاحها وتركها حتى يبدو صلاحها ووسائل الحرام حرام, كبيع العينة ومتى حكمنا بفساد البيع فالثمرة كلها للبائع وعنه أنهما يتصدقان بالزيادة قال القاضي: هذا مستحب لوقوع الخلاف في مستحق الثمرة, فاستحبت الصدقة بها وإلا فالحق أنها للبائع تبعا للأصل كسائر نماء المبيع المتصل إذا رد على البائع بفسخ أو بطلان ونقل ابن أبي موسى في "الإرشاد", أن البائع والمشتري يكونان شريكين في الزيادة وأما إن حكمنا بصحة العقد فقد روى أنهما يشتركان في الزيادة لحصولها في ملكهما فإن ملك المشتري الثمرة, وملك البائع الأصل وهو سبب الزيادة قال القاضي: الزيادة للمشتري كالعبد إذا سمن وحمل قول أحمد: "يشتركان "على الاستحباب والأول أظهر لما ذكرنا فإن الزيادة حصلت من أصل البائع من غير استحقاق تركها, فكان فيها حق له بخلاف العبد إذا سمن فإنه لا يتحقق فيه هذا المعنى, ولا يشبهه ولا يصح حمل قول أحمد على الاستحباب فإنه لا يستحب للبائع أن يأخذ من المشتري ما ليس بحق له بل ذلك حرام عليه, فكيف يكون مستحبا وعن أحمد أنهما يتصدقان بالزيادة, وهو قول الثوري ومحمد بن الحسن لأن عين المبيع زاد بجهة محظورة قال الثوري: إذا اشترى قصيلا يأخذ رأس ماله, ويتصدق بالباقي ولأن الأمر اشتبه في هذه الزيادة وفي مستحقها فكان الأولى الصدقة بها ويشبه أن يكون هذا استحبابا لأن الصدقة بالشبهات مستحبة وإن أبيا الصدقة بها, اشتركا فيها والزيادة هي ما بين قيمتها حين الشراء وقيمتها يوم أخذها قال القاضي: ويحتمل أنها ما بين قيمتها قبل بدو صلاحها وقيمتها بعده لأن الثمرة قبل بدو صلاحها, كانت للمشتري بتمامها لا حق للبائع فيها وقال الثوري: يأخذ المشتري رأس ماله ويتصدق بالباقي وكذلك الحكم في الرطبة إذا طالت, والزرع الأخضر إذا أدجن وهذا فيما إذا لم يقصد وقت الشراء تأخيره ولم يجعل شراؤه بشرط القطع حيلة على المنهي عنه من شراء الثمرة قبل بدو صلاحها, ليتركها حتى يبدو صلاحها فأما إن قصد ذلك فالبيع باطل من أصله لأنه حيلة محرمة وعند أبي حنيفة, والشافعي لا حكم لقصده والبيع صحيح, قصد أو لم يقصد وأصل هذا الخلاف في تحريم الحيل, وقد سبق الكلام في هذا. مسألة:
قال: فإن اشتراها بعد أن بدا صلاحها على الترك إلى الجزاز جاز وجملة ذلك أنه إذا بدا الصلاح في الثمرة, جاز بيعها مطلقا وبشرط التبقية إلى حال الجزاز وبشرط القطع وبذلك قال مالك, والشافعي وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يجوز بشرط التبقية إلا أن محمدا قال: إذا تناهى عظمها جاز واحتجوا بأن هذا شرط الانتفاع بملك البائع على وجه لا يقتضيه العقد فلم يجز, كما لو شرط تبقية الطعام في كندوجه ولنا أن النبي - ﷺ - (نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها) فمفهومه إباحة بيعها بعد بدو صلاحها والمنهي عنه قبل بدو الصلاح عندهم البيع بشرط التبقية, فيجب أن يكون ذلك جائزا بعد بدو الصلاح وإلا لم يكن بدو الصلاح غاية ولا فائدة في ذكره (ولأن النبي - ﷺ - نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها, وتأمن العاهة) وتعليله بأمن العاهة يدل على التبقية لأن ما يقطع في الحال لا يخاف العاهة عليه وإذا بدا الصلاح فقد أمنت العاهة فيجب أن يجوز بيعه مبقي لزوال علة المنع, ولأن النقل والتحويل يجب في المبيع بحكم العرف فإذا شرطه جاز كما لو شرط نقل الطعام من ملك البائع حسب الإمكان وفي هذا انفصال عما ذكروه. فصل:
ولا يختلف المذهب أن بدو الصلاح في بعض ثمرة النخلة, أو الشجرة صلاح لجميعها أعني أنه يباح بيع جميعها بذلك ولا أعلم فيه اختلافا وهل يجوز بيع سائر ما في البستان من ذلك النوع؟ فيه روايتان أظهرهما جوازه وهو قول الشافعي, ومحمد بن الحسن وعنه: لا يجوز إلا بيع ما بدا صلاحه لأن ما لم يبد صلاحه داخل في عموم النهي ولأنه لم يبد صلاحه فلم يجز بيعه من غير شرط القطع, كالجنس الآخر وكالذي في البستان الآخر ووجه الأولى أنه بدا الصلاح في نوعه من البستان الذي هو فيه فجاز بيع جميعه, كالشجرة الواحدة ولأن اعتبار بدو الصلاح في الجميع يشق ويؤدي إلى الاشتراك واختلاف الأيدي, فوجب أن يتبع ما لم يبد صلاحه من نوعه لما بدا على ما ذكرنا فيما أبر بعضه دون بعض فأما نوع آخر من ذلك الجنس فقال القاضي: لا يتبعه وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي وقال محمد بن الحسن: ما كان متقارب الإدراك, فبدو صلاح بعضه يجوز به بيع جميعه وإن كان يتأخر إدراك البعض تأخيرا كثيرا فالبيع جائز فيما أدرك, ولا يجوز في الباقي وقال أبو الخطاب: يجوز بيع ما في البستان من ذلك الجنس وهو الوجه الثاني لأصحاب الشافعي لأن الجنس الواحد يضم بعضه إلى بعض في إكمال النصاب في الزكاة فيتبعه في جواز البيع كالنوع الواحد والأول أولى لأن النوعين قد يتباعد إدراكهما, فلم يتبع أحدهما الآخر في بدو الصلاح كالجنسين ويخالف الزكاة فإن القصد هو الغنى من جنس ذلك المال لتقارب منفعته, وقيام كل نوع مقام النوع الآخر في المقصود والمعنى ها هنا هو تقارب إدراك أحدهما من الآخر ودفع الضرر الحاصل بالاشتراك واختلاف الأيدي ولا يحصل ذلك في النوعين, فصار في هذا كالجنسين. فصل:
فأما النوع الواحد من بستانين فلا يتبع أحدهما الآخر في جواز البيع حتى يبدو الصلاح في أحدهما متجاورين كانا أو متباعدين, وهذا مذهب الشافعي وحكي عن أحمد رواية أخرى أن بدو الصلاح في شجرة من القراح صلاح له ولما قاربه وبهذا قال مالك لأنهما يتقاربان في الصلاح فأشبها القراح الواحد ولأن المقصود الأمن من العاهة, وقد وجد والمذهب الأول لأنه إنما جعل ما لم يبد صلاحه بمنزلة ما بدا وتابعا له دفعا لضرر الاشتراك, واختلاف الأيدي وإلا فالأصل اعتبار كل شيء بنفسه وما في قراح آخر لا يوجد فيه هذا الضرر فوجب أن لا يتبع الآخر, كما لو تباعدا وما ذكروه ينتقض بما لم يجاوره من ذلك النوع ولو بدا صلاح بعض النوع الواحد فأفرد بالبيع ما لم يبد صلاحه من بقية النوع من ذلك البستان لم يجز لدخوله تحت عموم النهي ويقدر قياسه على الصورة المخصوصة من العموم, وهي ما إذا باعه مع ما بدا صلاحه لأنه دخل في جواز البيع تبعا دفعا لمضرة الاشتراك واختلاف الأيدي ولا يوجد ذلك ها هنا, ولأنه قد يدخل في البيع تبعا ما يجوز إفراده كالثمرة تباع مع الأصل والزرع مع الأرض, واللبن في الضرع مع الشاة ويحتمل الجواز لأن الكل في حكم ما بدا صلاحه ولأنه يجوز بيعه مع غيره فجاز بيعه مفردا, كالذي بدا صلاحه. فصل:
وإذا احتاجت الثمرة إلى سقي لزم البائع ذلك لأنه يجب عليه تسليم الثمرة كاملة وذلك يكون بالسقي فإن قيل: فلم قلتم إنه إذا باع الأصل, وعليه ثمرة للبائع لا يلزم المشتري سقيها؟ قلنا: لأن المشتري لا يجب عليه تسليم الثمرة لأنه لم يملكها من جهته وإنما بقي ملكه عليها, بخلاف مسألتنا فإن امتنع البائع من السقي لضرر يلحق بالأصل, أجبر عليه لأنه دخل على ذلك. فصل:
ويجوز لمشتري الثمرة بيعها في شجرها روى ذلك عن الزبير بن العوام وزيد بن ثابت والحسن بن أبي الحسن البصري, وأبي حنيفة والشافعي وابن المنذر وكرهه ابن عباس, وعكرمة وأبو سلمة لأنه بيع له قبل قبضه فلم يجز, كما لو كان على وجه الأرض فلم يقبضه ولنا أنه يجوز له التصرف فيه, فجاز له بيعه كما لو جزه وقولهم: لم يقبضه لا يصح فإن قبض كل شيء بحسبه, وهذا قبضه التخلية وقد وجدت. مسألة:
قال: فإن كانت ثمرة نخل فبدو صلاحها أن تظهر فيها الحمرة أو الصفرة وإن كانت ثمرة كرم فصلاحها أن تتموه, وصلاح ما سوى النخل والكرم أن يبدو فيها النضج وجملة ذلك أن ما كان من الثمرة يتغير لونه عند صلاحه كثمرة النخل, والعنب الأسود والإجاص فبدو صلاحه بذلك وإن كان العنب أبيض, فصلاحه بتموهه وهو أن يبدو فيه الماء الحلو ويلين ويصفر لونه وإن كان مما لا يتلون, كالتفاح ونحوه فبأن يحلو أو يطيب وإن كان بطيخا, أو نحوه فبأن يبدو فيه النضج وإن كان مما لا يتغير لونه ويؤكل طيبا, صغارا وكبارا كالقثاء والخيار فصلاحه بلوغه أن يؤكل عادة وقال القاضي, وأصحاب الشافعي: بلوغه أن يتناهي عظمه وما قلناه أشبه بصلاحه مما قالوه فإن بدو صلاح الشيء ابتداؤه وتناهى عظمه آخر صلاحه ولأن بدو الصلاح في الثمر يسبق حال الجزاز فلا يجوز أن يجعل بدو الصلاح فيما يقاس عليه بسبقه قطعه عادة إلا أن يريدوا بتناهي عظمه انتهاءه إلى الحال التي جرت العادة بأخذه فيها, فيكون كما ذكرنا وما قلنا في هذا الفصل فهو قول مالك والشافعي وكثير من أهل العلم, أو مقارب له وقال عطاء: لا يباع حتى يؤكل من التمر قليل أو كثير وروى نحوه عن ابن عمر وابن عباس ولعلهم أرادوا صلاحه للأكل, فيرجع معناه إلى ما قلنا فإن ابن عباس قال: (نهى رسول الله - ﷺ- عن بيع النخل حتى يأكل منه أو يؤكل) متفق عليه وإن أرادوا حقيقة الأكل كان ما ذكرنا أولى لأن ما رووه يحتمل صلاحه للأكل فيحمل على ذلك, موافقة لأكثر الأخبار وهو ما روى (عن النبي - ﷺ- أنه نهى عن بيع الثمرة حتى تطيب) متفق عليه ونهى أن تباع الثمرة حتى تزهو قيل: وما تزهو؟ قال: ( تحمار أو تصفار ) رواه البخاري (ونهى عن بيع العنب حتى يسود) رواه الترمذي وابن ماجه والأحاديث في هذا كثيرة, كلها تدل على هذا المعنى. مسألة:
قال: ولا يجوز بيع القثاء والخيار والباذنجان, وما أشبهه إلا لقطة لقطة وجملة ذلك أنه إذا باع ثمرة شيء من هذه البقول لم يجز إلا بيع الموجود منها دون المعدوم وبهذا قال أبو حنيفة, والشافعي وقال مالك: يجوز بيع الجميع لأن ذلك يشق تمييزه فجعل ما لم يظهر تبعا لما ظهر كما أن ما لم يبد صلاحه تبع لما بدا ولنا, أنها ثمرة لم تخلق فلم يجز بيعها كما لو باعها قبل ظهور شيء منها, والحاجة تندفع ببيع أصوله ولأن ما لم يبد صلاحه يجوز إفراده بالبيع بخلاف ما لم يخلق ولأن ما لم يخلق من ثمرة النخل لا يجوز بيعه تبعا لما خلق, وإن كان ما لم يبد صلاحه تبعا لما بدا إذا تقرر هذا فإن باعها قبل بدو صلاحها لم يجز إلا بشرط القطع, فإن كان بعد بدو صلاحها جاز مطلقا وبشرط القطع والتبقية, على ما ذكرنا في ثمرة الأشجار وقد بينا بماذا يكون بدو صلاحه. فصل:
قال القاضي: ويصح بيع أصول هذه البقول التي تتكرر ثمرتها من غير شرط القطع وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي ولا فرق بين كون الأصول صغارًا أو كبارًا مثمرة أو غير مثمرة, لأنه أصل تكرر فيه الثمرة فأشبه الشجر فإن باع المثمر منه فثمرته الظاهرة للبائع, متروكة إلى حين بلوغها إلا أن يشترطها المبتاع فإن حدثت ثمرة أخرى فهي للمشتري فإن اختلطت بثمرة البائع ولم تتميز, كان الحكم فيها كثمرة الشجرة إذا اختلطت بثمرة أخرى على ما مر حكمه. فصل:
ولا يجوز بيع ما المقصود منه مستور في الأرض كالجزر, والفجل والبصل والثوم حتى يقلع, ويشاهد وهذا قول الشافعي وابن المنذر وأصحاب الرأي وأباحه مالك, والأوزاعي وإسحاق لأن الحاجة داعية إليه فأشبه بيع ما لم يبد صلاحه تبعا لما بدا ولنا أنه مبيع مجهول, لم يره ولم يوصف له فأشبه بيع الحمل ولأن النبي - ﷺ - (نهى عن بيع الغرر) رواه مسلم وهذا غرر وأما بيع ما لم يبد صلاحه, فإنما جاز بيعه لأن الظاهر أنه يتلاحق في الصلاح ويتبع بعضه بعضا فإن كان مما تقصد فروعه وأصوله, كالبصل المبيع أخضر والكراث والفجل, أو كان المقصود فروعه فالأولى جواز بيعه لأن المقصود منه ظاهر فأشبه الشجر, والحيطان التي لها أساسات مدفونة ويدخل ما لم يظهر في البيع تبعا فلا تضر جهالته كالحمل في البطن, واللبن في الضرع مع الحيوان وإن كان معظم المقصود منه أصوله لم يجز بيعه في الأرض لأن الحكم للأغلب فإن تساويا لم يجز لأن الأصل اعتبار الشرط في الجميع, وإنما سقط اعتباره فيما كان معظم المقصود منه ظاهرا تبعا ففيما عداه يبقى على الأصل. فصل:
ويجوز بيع الجوز واللوز والباقلا الأخضر في قشرته مقطوعا وفي شجره, وبيع الحب المشتد في سنبله وبيع الطلع قبل تشققه مقطوعا على وجه الأرض, وفي شجره وبهذا قال أبو حنيفة ومالك وقال الشافعي: لا يجوز حتى ينزع عنه قشره الأعلى, إلا في الطلع والسنبل في أحد القولين واحتج بأنه مستور بما لا يدخر عليه ولا مصلحة فيه فلم يجز بيعه, كتراب الصاغة والمعادن وبيع الحيوان المذبوح في سلخه ولنا (أن النبي - ﷺ- نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها وعن بيع السنبل حتى يبيض, ويأمن العاهة) فمفهومه إباحة بيعه إذا بدا صلاحه وابيض سنبله ولأنه مستور بحائل من أصل خلقته فجاز بيعه كالرمان, والبيض والقشر الأسفل ولا يصح قولهم: ليس من مصلحته فإنه لا قوام له في شجره إلا به والباقلا يؤكل رطبا, وقشره يحفظ رطوبته ولأن الباقلا يباع في أسواق المسلمين من غير نكير فكان ذلك إجماعا وكذلك الجوز واللوز في شجرهما والحيوان المذبوح يجوز بيعه في سلخه, فإنه إذا جاز بيعه قبل ذبحه وهو يراد للذبح فكذلك إذا ذبح كما أن الرمانة إذا جاز بيعها قبل كسرها, فكذلك إذا كسرت وأما تراب الصاغة والمعدن فلنا فيهما منع وإن سلم, فليس ذلك من أصل الخلقة في تراب الصاغة ولا بقاؤه فيه من مصلحته بخلاف مسألتنا. مسألة:
قال: وكذلك الرطبة كل جزة وجملة ذلك أن الرطبة وما أشبهها مما تثبت أصوله في الأرض, ويؤخذ ما ظهر منه بالقطع دفعة بعد دفعة كالنعناع, والهندبا وشبههما لا يجوز بيعه إلا أن يبيع الظاهر منه, بشرط القطع في الحال وبذلك قال الشافعي وروى ذلك عن الحسن وعطاء ورخص مالك في أن يشتري جزتين وثلاثا ولا يصح لأن ما في الأرض منه مستور وما يحدث منه معدوم, فلا يجوز بيعه كما لا يجوز بيع ما يحدث من الثمرة فإذا ثبت هذا فمتى اشتراها قبل, لم يجز له إبقاؤها لأن ما لم يظهر منها أعيان لم يتناولها البيع فيكون ذلك للبائع إذا ظهر فيفضي إلى اختلاط المبيع بغيره, والثمرة بخلاف ذلك فإن أخرها حتى طالت فالحكم فيها كالثمرة إذا اشتراها قبل بدو صلاحها ثم تركها حتى بدا صلاحها. فصل:
وإن اشترى قصيلاً من شعير, ونحوه فقطعه ثم عاد فنبت, فهو لصاحب الأرض لأن المشتري ترك الأصل على سبيل الرفض لها فسقط حقه منها كما يسقط حق صاحب الزرع من السنابل التي يخلفها, ولذلك أبيح لكل أحد التقاطها ولو سقط من الزرع حب ثم نبت من العام المقبل فهو لصاحب الأرض نص أحمد على هاتين المسألتين ومما يؤكد ما قلنا أن البائع لو أراد التصرف في أرضه, بعد فصل الزرع بما يفسد الأصول ويقلعها كان له ذلك, ولم يملك المشتري منعه منه ولو كان الباقي مستحقا له لملك منعه منه. مسألة:
قال: والحصاد على المشتري فإن شرطه على البائع بطل البيع الكلام في هذه المسألة في فصلين: الفصل الأول:
أن من اشترى زرعا أو جزة من الرطبة ونحوها, أو ثمرة في أصولها فإن حصاد الزرع وجذ الرطبة, وجزاز الثمرة وقطعها على المشتري لأن نقل المبيع, وتفريغ ملك البائع منه على المشتري كنقل الطعام المبيع من دار البائع ويفارق الكيل والوزن, فإنهما على البائع لأنهما من مؤنة التسليم إلى المشتري والتسليم على البائع وها هنا حصل التسليم بالتخلية بدون القطع, بدليل جواز بيعها والتصرف فيها وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي ولا أعلم فيه مخالفا. الفصل الثاني:
إذا شرطه على البائع, فاختلف أصحابنا فقال الخرقي: يبطل البيع وقال ابن أبي موسى: لا يجوز وقيل: يجوز فإن قلنا: لا يجوز فهل يبطل البيع لبطلان الشرط؟ على روايتين وقال القاضي: المذهب جواز الشرط ذكره ابن حامد وأبو بكر ولم أجد هذا الذي ذكره الخرقي رواية في المذهب واختلف أصحاب الشافعي أيضا فقال بعضهم: إذا شرط الحصاد على البائع فسد البيع قولا واحدا وقال بعضهم: يكون على قولين فمن أفسد قال: لا يصح لثلاثة معان أحدها, أنه شرط العمل في الزرع قبل أن يملكه والثاني أنه شرط ما لا يقتضيه العقد والثالث أنه شرط تأخير التسليم لأن معنى ذلك تسليمه مقطوعا ومن أجازه قال: هذا بيع, وإجارة لأنه باعه الزرع وآجره نفسه على حصاده وكل واحد منهما يصح إفراده بالعقد, فإذا جمعهما جاز كالعينين وقولهم: شرط العمل فيما لا يملكه يبطل بشرط رهن المبيع على الثمن في البيع والثاني يبطل بشرط الرهن, والكفيل والخيار والثالث ليس بتأخير لأنه يمكنه تسليمه قائما, ولأن الشرط من المتسلم فليس ذلك بتأخير التسليم فإذا فسدت هذه المعاني صح لما ذكرناه فإن قيل: فالبيع يخالف حكمه حكم الإجارة لأن الضمان ينتقل في البيع بتسليم العين بخلاف الإجارة, فكيف يصح الجمع بينهما؟ قلنا: كما يصح بيع الشقص والسيف وحكمهما مختلف فإن الشفعة تثبت في الشقص دون السيف, ويجوز الجمع بينهما وقول الخرقي: إن العقد ها هنا يبطل يحتمل أن يختص بهذه المسألة وشبهها مما يفضي الشرط فيه إلى التنازع فإن البائع ربما أراد قطعها من أعلاها, ليبقى له منها بقية والمشتري يريد الاستقصاء عليها ليزيد له ما يأخذه, فيفضي إلى التنازع وهو مفسدة فيبطل البيع من أجله ويحتمل أن يقاس عليه ما أشبهه, من اشتراط منفعة البائع في المبيع لما ذكرنا في صدر المسألة والأول أولى لوجهين أحدهما أنه قال في موضع آخر: ولا يبطل البيع بشرط واحد والثاني أن المذهب, أنه يصح اشتراط منفعة البائع في المبيع مثل أن يشتري ثوبا ويشترط على بائعه خياطته قميصا, أو قلعة ويشترط حذوها نعلا أو جرزة حطب, ويشترط حملها إلى موضع معلوم نص عليه أحمد في رواية مهنا وغيره حتى قال القاضي: لم أجد بما قال الخرقي رواية في أنه لا يصح واحتج أحمد بأن محمد بن مسلمة اشترى من نبطي جرزة حطب, وشارطه على حملها وبه قال إسحاق وأبو عبيد وقال أبو حنيفة: يجوز أن يشتري قلعة ويشترط على البائع تشريكها وحكى عن أبي ثور, والثوري أنهما أبطلا العقد بهذا الشرط لأنه شرط فاسد فأشبه سائر الشروط الفاسدة وروي (عن النبي - ﷺ- أنه نهى عن بيع, وشرط) ولنا ما تقدم ولم يصح أن النبي - ﷺ- نهى عن بيع, وشرط إنما الصحيح (أن النبي - ﷺ - نهى عن شرطين في بيع) كذا ذكره الترمذي وهذا دال بمفهومه على جواز الشرط الواحد قال أحمد: إنما النهي عن شرطين في بيع أما الشرط الواحد فلا بأس به. فصل:
ويصح أن يشترط البائع نفع المبيع مدة معلومة مثل أن يبيع دارا, ويستثنى سكناها شهرا أو جملا ويشترط ظهره إلى مكان معلوم, أو عبدا ويستثنى خدمته سنة نص على هذا أحمد وهو قول الأوزاعي وإسحاق, وأبي ثور وابن المنذر وقال الشافعي, وأصحاب الرأي: لا يصح الشرط (لنهي النبي - ﷺ- عن بيع وشرط) ولأنه ينافي مقتضى البيع فأشبه ما لو شرط أن لا يسلمه وذلك لأنه شرط تأخير تسليم المبيع إلى أن يستوفي البائع منفعته, ولأن مقتضى البيع ملك المبيع ومنافعه وهذا شرط ينافيه وقال ابن عقيل: فيه رواية ثانية, أنه يبطل البيع والشرط نقلها عبد الله بن محمد الفقيه في الرجل يشتري من الرجل جارية, ويشترط أن تخدمه فالبيع باطل وهذه الرواية لا تدل على محل النزاع في هذه المسألة فإن اشتراط خدمة الجارية باطل لوجهين أحدهما, أنها مجهولة وإطلاقها يقتضي خدمتها أبدا وهذا لا خلاف في بطلانه, إنما الخلاف في اشتراط منفعة معلومة الثاني أن يشترط خدمتها بعد زوال ملكه عنها فيفضي إلى الخلوة بها, والخطر برؤيتها وصحبتها ولا يوجد هذا في غيرها, ولذلك منع إعارة الجارية الشابة لغير محرمها وقال مالك: إذا اشترط ركوبا إلى مكان قريب جاز وإن كان إلى مكان بعيد كره لأن اليسير تدخله المسامحة ولنا, ما روى جابر: (أنه باع النبي - ﷺ- جملا واشترط ظهره إلى المدينة) وفي لفظ قال: (فبعته بأوقية واستثنيت حملانه إلى أهلي) متفق عليه وفي لفظ (قال: فبعته منه بخمس أواق, قال: قلت: على أن لي ظهره إلى المدينة قال: ولك ظهره إلى المدينة) ورواه مسلم (ولأن النبي - ﷺ -: نهى عن الثنيا إلا أن تعلم) وهذه معلومة ولأن المنفعة قد تقع مستثناة بالشرع على المشتري فيما إذا اشترى نخلة مؤبرة أو أرضا مزروعة, أو دارا مؤجرة أو أمة مزوجة فجاز أن يستثنيها, كما لو اشترط البائع الثمرة قبل التأبير ولم يصح (نهى النبي - ﷺ- عن بيع وشرط وإنما نهى عن شرطين في بيع) فمفهومه إباحة الشرط الواحد وقياسهم ينتقض باشتراط الخيار والتأجيل في الثمن. فصل:
وإن باعه أمة, واستثنى وطأها مدة معلومة لم يجز لأن الوطء لا يباح في غير ملك أو نكاح لقوله تعالى: {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} [المعارج: 29: 31]. وفارق اشتراط وطء المكاتبة حيث نبيحه لأن المكاتبة مملوكة فيستباح وطؤها بالشرط في المحل المملوك واختار ابن عقيل, أنه لا يباح وطؤها أيضا وهو قول أكثر الفقهاء. فصل:
وإن باع المشتري العين المستثناة منفعتها صح البيع وتكون في يد المشتري الثاني مستثناة أيضا, فإن كان عالما بذلك فلا خيار له لأنه دخل على بصيرة فلم يثبت له خيار, كما لو اشترى معيبا يعلم عيبه فإن لم يعلم فله خيار الفسخ لأنه عيب, فهو كما لو اشترى أمة مزوجة أو دارا مؤجرة وإن أتلف المشتري العين فعليه أجرة المثل لتفويت المنفعة المستحقة لغيره, وثمن المبيع وإن تلفت العين بتفريطه فهو كتلفها بفعله نص عليه أحمد وقال: يرجع البائع على المبتاع بأجرة المثل قال القاضي: معناه عندي, القدر الذي نقصه البائع لأجل الشرط وظاهر كلام أحمد خلاف هذا لأنه يضمن ما فات بتفريطه فضمنه بعوضه وهو أجرة المثل, فأما إن تلفت بغير فعله ولا بتفريطه لم يضمن قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: فعلى المشتري أن يحمله على غيره لأنه كان له حملان؟ قال: لا إنما شرط هذا عليه بعينه ولأنه لم يملكها البائع من جهته, فلم يلزمه عوضها كما لو تلفت النخلة المؤبرة بثمرتها أو غير المؤبرة إذ اشترط البائع ثمرتها, وكما لو باع حائطا واستثنى منه شجرة بعينها فتلفت وقال القاضي: عليه ضمانها أخذا من عموم كلام أحمد وإذا تلفت العين, رجع البائع على المبتاع بأجرة المثل وهو محمول على حالة التفريط على ما ذكرنا. فصل:
وإذا اشترط البائع منفعة المبيع وأراد المشتري أن يعطيه ما يقوم مقام المبيع في المنفعة, أو يعوضه عنها لم يلزمه قبوله وله استيفاء المنفعة من غير المبيع نص عليه أحمد لأن حقه تعلق بها فأشبه ما لو استأجر عينا, فبذل له الآخر مثلها ولأن البائع قد يكون له غرض في استيفاء منافع تلك العين فلا يجبر على قبول عوضها فإن تراضيا على ذلك, جاز لأن الحق لهما ولا يخرج عنهما وإن أراد البائع إعارة العين, أو إجارتها لمن يقوم مقامه فله ذلك في قياس المذهب لأنها منافع مستحقة له فملك ذلك فيها, كمنافع الدار المستأجرة والموصى بمنافعها ولا يجوز إجارتها إلا لمثله في الانتفاع فإن أراد إجارتها أو إعارتها لمن يضر بالعين بانتفاعه, لم يجز ذلك كما لا يجوز له إجارة العين المستأجرة لمن لا يقوم مقامه ذكر ذلك ابن عقيل. فصل:
إذا اشترط المشتري منفعة البائع في المبيع فأقام البائع مقامه من يعمل العمل فله ذلك لأنه ها هنا بمنزلة الأجير المشترك, يجوز أن يعمل العمل بنفسه وبمن يقوم مقامه وإن أراد بذل العوض عن ذلك لم يلزم المشتري قبوله, وإن أراد المشتري أخذ العوض عنه لم يلزم البائع بدله لأن المعاوضة عقد تراض فلم يجبر عليه أحد وإن تراضيا عليه, احتمل الجواز لأنها منفعة يجوز أخذ العوض عنها لو لم يشترطها فإذا ملكها المشتري, جاز له أخذ العوض عنها كما لو استأجرها وكما يجوز أن يؤجر المنافع الموصي بها من ورثة الموصي, ويحتمل أن لا يجوز لأنه مشترط بحكم العادة والاستحسان لأجل الحاجة فلم يجز أخذ العوض عنه كالقرض, فإنه يجوز أن يرد في الخبز والخمير أقل أو أكثر ولو أراد أن يأخذ بقدر خبزه وكسره بقدر الزيادة الجائزة لم يجز ولأنه أخذ عوض عن مرفق معتاد جرت العادة بالعفو عنه دون أخذ العوض فأشبه المنافع المستثناة شرعا, وهو ما لو باع أرضا فيها زرع للبائع واستحق تبقيته إلى حين الحصاد فلو أخذه قصيلا لينتفع بالأرض إلى وقت الحصاد, لم يكن له ذلك. فصل:
ولو قال: بعتك هذه الدار وأجرتكها شهرا لم يصح لأنه إذا باعه فقد ملك المشتري المنافع فإذا أجره إياها فقد شرط أن يكون له بدل في مقابلة ما ملكه المشتري فلم يصح قال ابن عقيل: وقد (نهى النبي - ﷺ- عن قفيز الطحان) ومعناه أن يستأجر طحانا, ليطحن له كراء بقفيز منه فيصير كأنه شرط عمله في القفيز عوضا عن عمله في باقي الكراء المطحون ويحتمل الجواز بناء على اشتراط منفعة البائع في المبيع. فصل:
وإن شرط في المبيع إن هو باعه فالبائع أحق به بالثمن فروى المروذي عنه أنه قال: في معنى حديث النبي - ﷺ -: (لا شرطان في بيع) يعني أنه فاسد لأنه شرط أن يبيعه إياه وأن يعطيه إياه بالثمن الأول, فهما شرطان في بيع نهي عنهما ولأنه ينافي مقتضى العقد لأنه شرط أن لا يبيعه لغيره إذا أعطاه ثمنه فهو كما لو شرط أن لا يبيعه إلا من فلان, أو أن لا يبيعه أصلا وروى عنه إسماعيل بن سعيد: البيع جائز لما روى عن ابن مسعود أنه قال: ابتعت من امرأتي زينب الثقفية جارية, وشرطت لها إن بعتها فهي لها بالثمن الذي ابتعتها به فذكرت ذلك لعمر, فقال: لا تقربها ولأحد فيها شرط قال إسماعيل: فذكرت لأحمد الحديث فقال: البيع جائز و "لا تقربها" لأنه كان فيها شرط واحد للمرأة ولم يقل عمر في ذلك البيع: فاسد فحمل الحديث على ظاهره, وأخذ به وقد اتفق عمر وابن مسعود على صحته والقياس يقتضي فساده ويحتمل أن يحمل كلام أحمد في رواية المروذي على فساد الشرط وفي رواية إسماعيل بن سعيد على جواز البيع فيكون البيع صحيحا, والشرط فاسدا كما لو اشتراها بشرط أن لا يبيعها وقول أحمد: " لا تقربها " قد روى مثله في من اشترط في الأمة أن لا يبيعها ولا يهبها أو شرط عليه ولاءها, ولا يقربها والبيع جائز واحتج بحديث عمر: " لا تقربها ولأحد فيها مثنوية " قال القاضي: وهذا على الكراهة لا على التحريم قال ابن عقيل: عندي أنه إنما منع من الوطء لمكان الخلاف في العقد لكونه يفسد بفساد الشرط في بعض المذاهب والله أعلم. مسألة:
قال: وإذا باع حائطا واستثنى منه صاعا لم يجز وإن استثنى منه نخلة أو شجرة بعينها جاز الكلام في هذه المسألة في فصلين. الفصل الأول:
أنه إذا باع ثمرة بستان, واستثنى صاعا أو آصعا أو مدا, أو أمدادا أو باع صبرة واستثنى منها مثل ذلك لم يجز وروى ذلك عن سعيد بن المسيب, والحسن والشافعي والأوزاعي, وإسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي وقال أبو الخطاب: فيه رواية أخرى, أنه يجوز وهو قول ابن سيرين وسالم بن عبد الله, ومالك (لأن النبي - ﷺ -: نهى عن بيع الثنيا إلا أن تعلم) رواه الترمذي وقال: هو حديث حسن صحيح وهذه ثنيا معلومة ولأنه استثنى معلوما أشبه ما إذا استثنى منها جزءا ولنا (أن النبي - ﷺ -: نهى عن الثنيا) رواه البخاري ولأن المبيع معلوم بالمشاهدة لا بالقدر, والاستثناء يغير حكم المشاهدة لأنه لا يدري كم يبقى في حكم المشاهدة فلم يجز ويخالف الجزء فإنه لا يغير حكم المشاهدة, ولا يمنع المعرفة بها. فصل:
وإن باع شجرة أو نخلة واستثنى أرطالا معلومة, فالحكم فيه كما لو باع حائطا واستثنى آصعا وقال القاضي في " شرحه ": يصح لأن الصحابة رضي الله عنهم أجازوا استثناء سواقط الشاة والصحيح ما ذكرناه وهذا أشبه بمسألة الصاع من الحائط وإليها أقرب, والمعنى الذي ذكرناه فيها متحقق ها هنا فلا يصح والله أعلم. الفصل الثاني:
أنه إذا استثنى نخلة أو شجرة بعينها, جاز ولا نعلم في ذلك خلافا وذلك لأن المستثنى معلوم ولا يؤدي إلى جهالة المستثنى منه وإن استثنى شجرة غير معينة لم يجز لأن الاستثناء غير معلوم, فصار المبيع والمستثنى مجهولين وروي عن ابن عمر أنه باع ثمرته بأربعة آلاف واستثنى طعام القيان وهذا يحتمل أنه استثنى نخلا معينا بقدر طعام القيان لأنه لو حمل على غير ذلك لكان مخالفا (لنهى النبي - ﷺ - عن الثنيا إلا أن تعلم) ولأن المستثنى متى كان مجهولا لزم أن يكون الباقي بعده مجهولا, فلا يصح بيعه كما لو قال: بعتك من هذه الثمرة طعام القيان. فصل:
وإن استثنى جزءا معلوما من الصبرة أو الحائط مشاعا كثلث, أو ربع أو أجزاء كسبعين, أو ثلاثة أثمان صح البيع والاستثناء ذكره أصحابنا وهو مذهب الشافعي وقال أبو بكر وابن أبي موسى: لا يجوز ولنا أنه لا يؤدي إلى جهالة المستثنى ولا المستثنى منه, فصح كما لو اشترى شجرة بعينها وذلك لأن معنى: بعتك هذه الصبرة إلا ثلثها أي بعتك ثلثيها وقوله: إلا ربعها معناه: بعتك ثلاثة أرباعها ولو باع حيوانا واستثنى ثلثه, جاز وكان معناه بعتك ثلثيه ومنع منه القاضي أبو يعلى قياسا على استثناء الشحم ولا يصح لأن الشحم مجهول لا يصح إفراده بالبيع وهذا معلوم ويصح إفراده بالبيع, فصح استثناؤه كالشجرة المعينة وقياس المعلوم على المجهول في الفساد لا يصح, فعلى هذا يصيران شريكين فيه للمشتري ثلثاه وللبائع ثلثه. فصل:
فإن قال: بعتك قفيزا من هذه الصبرة إلا مكوكا جاز لأن القفيز معلوم والمكوك معلوم, فلا يفضي إلى الجهالة ولو قال: بعتك هذه الثمرة بأربعة دراهم إلا بقدر درهم صح لأن قدره معلوم من المبيع وهو الربع, فكأنه قال: بعتك ثلاثة أرباع هذه الثمرة بأربعة دراهم ولو قال: إلا ما يساوي درهما لم يصح لأن ما يساوي الدرهم قد يكون الربع أو أكثر أو أقل فيكون مجهولا, فيبطل. فصل:
وإن باع قطيعا واستثنى منه شاة بعينها صح وإن استثنى شاة غير معينة, لم يصح نص عليه وهذا قول أكثر أهل العلم وقال مالك: يصح أن يبيع مائة شاة إلا شاة يختارها أو يبيع ثمرة حائطه ويستثنى ثمرة نخلات يعدها ولنا (أن النبي - ﷺ -: نهى عن الثنيا إلا أن تعلم ونهى عن بيع الغرر) ولأنه مبيع مجهول, والمستثنى منه مجهول فلم يصح كما لو قال: إلا شاة مطلقة ولأنه مبيع مجهول, فلم يصح كما لو قال: بعتك شاة تختارها من القطيع وضابط هذا الباب أنه لا يصح استثناء ما لا يصح بيعه مفردا أو بيع ما عداه منفردا عن المستثنى, ونحو هذا مذهب أبي حنيفة والشافعي إلا أن أصحابنا استثنوا من هذا سواقط الشاة, وجلدها للأثر الوارد فيه والحمل على رواية الجواز لفعل ابن عمر وما عدا هذا فيبقي على الأصل. فصل:
وإن باع حيوانا مأكولا واستثنى رأسه وجلده وأطرافه وسواقطه, صح نص عليه أحمد وقال مالك: يصح في السفر دون الحضر لأن المسافر لا يمكنه الانتفاع بالجلد والسواقط فجوز له شراء اللحم دونها وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يجوز لأنه لا يجوز إفراده بالعقد فلم يجز استثناؤه كالحمل ولنا (أن النبي - ﷺ- نهى عن الثنيا إلا أن تعلم) وهذه معلومة, وروى (أن النبي - ﷺ - لما هاجر إلى المدينة ومعه أبو بكر وعامر بن فهيرة مروا براعي غنم, فذهب أبو بكر وعامر فاشتريا منه شاة وشرطا له سلبها) وروى أبو بكر في "الشافي" بإسناده عن جابر, عن الشعبي قال: قضى زيد بن ثابت وأصحاب رسول الله - ﷺ - في بقرة باعها رجل واشترط رأسها فقضى بالشروى يعنى أن يعطي رأسا مثل رأس ولأن المستثنى والمستثنى منه معلومان, فصح كما لو باع حائطا واستثنى منه نخلة معينة وكونه لا يجوز إفراده بالبيع يبطل بالثمرة قبل التأبير لا يجوز إفرادها بالبيع بشرط التبقية, ويجوز استثناؤها والحمل مجهول ولنا فيه منع فإن امتنع المشتري من ذبحها لم يجبر عليه, ويلزمه قيمة ذلك على التقريب نص عليه لما روى عن على ـ رضي الله عنه ـ أنه قضى في رجل اشترى ناقة وشرط ثنياها فقال: اذهبوا إلى السوق فإذا بلغت أقصى ثمنها, فأعطوه حساب ثنياها من ثمنها. فصل:
فإن استثنى شحم الحيوان لم يصح نص عليه أحمد قال أبو بكر: لا يختلفون عن أبي عبد الله أنه لا يجوز ذلك (لأن النبي - ﷺ - نهي عن الثنيا إلا أن تعلم) ولأنه مجهول لا يصح إفراده بالبيع, فلم يصح استثناؤه كفخذها وإن استثنى الحمل, لم يصح استثناؤه لذلك وهذا قول أبي حنيفة ومالك والثوري, والشافعي وقد نقل عن أحمد صحته وبه قال الحسن والنخعي, وإسحاق وأبو ثور لما روى نافع عن ابن عمر أنه باع جارية, واستثنى ما في بطنها ولأنه يصح استثناؤه في العتق فصح في البيع قياسا عليه ولنا ما تقدم والصحيح من حديث ابن عمر أنه أعتق جارية واستثنى ما في بطنها لأن الثقات الحفاظ حدثوا الحديث, فقالوا: أعتق جارية والإسناد واحد قاله أبو بكر ولا يلزم من الصحة في العتق الصحة في البيع لأن العتق لا تمنعه الجهالة ولا العجز عن التسليم ولا يعتبر فيه شروط البيع. فصل:
وإن باع جارية حاملا بحر فقال القاضي: لا يصح وهو مذهب الشافعي لأنه لا يدخل في البيع, فكأنه مستثنى والأولى صحته لأن المبيع معلوم وجهالة الحمل لا تضر من حيث إنه ليس بمبيع ولا مستثنى باللفظ وقد يستثنى بالشرع ما لا يصح استثناؤه باللفظ, كما لو باع أمة مزوجة صح ووقعت منفعة البضع مستثناة بالشرع ولو استثناها باللفظ لم يجز ولو باع أرضا فيها زرع للبائع أو نخلة مؤبرة, لوقعت منفعتها مستثناة بالشرع مدة بقاء الزرع والثمرة ولو استثناها بقوله لم يجز. فصل:
ولو باع دارا إلا ذراعا, وهما يعلمان ذرعان الدار جاز وكان مستثنيا جزءا مشاعا منها, لأنه جزء معلوم يصح إفراده بالبيع فجاز استثناؤه كثلثها وربعها, وإن لم يعلما لم يجز لأنه مجهول لا يجوز إفراده بالبيع ولأنه استثنى معلوم المقدار من مبيع معلوم بالمشاهدة, فلم يجز كاستثناء الصاع من ثمرة الحائط والقفيز من الصبرة وهكذا الحكم إذا باعه ضيعة إلا جريبا فمتى علم جربان الضيعة صح, وإلا فلا. فصل:
وإذا باع سمسما واستثنى الكسب لم يجز لأنه قد باعه الشيرج في الحقيقة وهو غير معلوم فإنه غير معين ولا موصوف (ولأن النبي - ﷺ - نهى عن الثنيا إلا أن تعلم) وكذا لو باعه قطنا واستثنى الحب, لم يجز لجهالة ذلك ولأن المستثنى غير معلوم ولو باعه السمسم واستثنى الشيرج لم يجز كذلك. فصل:
ولو باعه بدينار إلا درهما, أو إلا قفيزا من حنطة أو شعير لم يصح البيع لأنه قصد رفع قدر المستثنى من المستثنى منه وقدر ذلك مجهول فيصير الثمن مجهولًا. مسألة:
قال: وإذا اشترى الثمرة دون الأصل, فتلفت بجائحة من السماء رجع بها على البائع الكلام في هذه المسألة في فصول ثلاثة: الفصل الأول:
أن ما تهلكه الجائحة من الثمار من ضمان البائع وبهذا قال أكثر أهل المدينة منهم يحيى بن سعيد الأنصاري ومالك, وأبو عبيد وجماعة من أهل الحديث وبه قال الشافعي في القديم وقال أبو حنيفة والشافعي في الجديد: هو من ضمان المشتري لما روى (أن امرأة أتت النبي - ﷺ - فقالت: إن ابني اشترى ثمرة من فلان, فأذهبتها الجائحة فسألته أن يضع عنه فتألى أن لا يفعل فقال النبي - ﷺ -: تألى فلان أن لا يفعل خيرا) متفق عليه ولو كان واجبا لأجبره عليه لأن التخلية يتعلق بها جواز التصرف, فتعلق بها الضمان كالنقل والتحويل ولأنه لا يضمنه إذا أتلفه آدمي, كذلك لا يضمنه بإتلاف غيره ولنا ما روى مسلم في " صحيحه " عن جابر (أن النبي - ﷺ - أمر بوضع الجوائح) وعنه قال: قال رسول الله - ﷺ -: (إن بعت من أخيك ثمرا فأصابته جائحة, فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا لم تأخذ مال أخيك بغير حق؟) رواه مسلم وأبو داود ولفظه: (من باع ثمرا, فأصابته جائحة فلا يأخذ من مال أخيه شيئا على ما يأخذ أحدكم مال أخيه المسلم؟) وهذا صريح في الحكم فلا يعدل عنه قال الشافعي: لم يثبت عندي أن رسول الله - ﷺ - أمر بوضع الجوائح ولو ثبت لم أعده, ولو كنت قائلا بوضعها لوضعتها في القليل والكثير قلنا: الحديث ثابت رواه الأئمة منهم: الإمام أحمد ويحيى بن معين, وعلي بن حرب وغيرهم عن ابن عيينة عن حميد الأعرج, عن سليمان بن عتيق عن جابر ورواه مسلم في " صحيحه " وأبو داود في "سننه " وابن ماجه وغيرهم ولا حجة لهم في حديثهم, فإن فعل الواجب خير فإذا تألى أن لا يفعل الواجب فقد تألى ألا يفعل خيرا فأما الإجبار, فلا يفعله النبي - ﷺ - بمجرد قول المدعى من غير إقرار من البائع ولا حضور ولأن التخلية ليست بقبض تام بدليل ما لو تلفت بعطش عند بعضهم ولا يلزم من إباحة التصرف تمام القبض, بدليل المنافع في الإجارة يباح التصرف فيها ولو تلفت كانت من ضمان المؤجر كذلك الثمرة, فإنها في شجرها كالمنافع قبل استيفائها توجد حالا فحالا, وقياسهم يبطل بالتخلية في الإجارة. الفصل الثاني: أن الجائحة كل آفة لا صنع للآدمي فيها كالريح والبرد, والجراد والعطش لما روى الساجي بإسناده عن جابر (أن النبي - ﷺ - قضى في الجائحة) والجائحة تكون في البرد, والجراد وفي الحبق والسيل, وفي الريح وهذا تفسير من الراوي لكلام النبي - ﷺ - فيجب الرجوع إليه وأما ما كان بفعل آدمي فقال القاضي: المشتري بالخيار بين فسخ العقد ومطالبة البائع بالثمن, وبين البقاء عليه ومطالبة الجاني بالقيمة لأنه أمكن الرجوع ببدله بخلاف التالف بالجائحة الفصل الثالث:
أن ظاهر المذهب, أنه لا فرق بين قليل الجائحة وكثيرها إلا أن ما جرت العادة بتلف مثله كالشيء اليسير الذي لا ينضبط, فلا يلتفت إليه قال أحمد: إني لا أقول في عشر ثمرات ولا عشرين ثمرة ولا أدرى ما الثلث, ولكن إذا كانت جائحة تعرف الثلث أو الربع أو الخمس, توضع وفيه رواية أخرى أن ما كان يعد دون الثلث فهو من ضمان المشتري وهو مذهب مالك والشافعي في القديم لأنه لا بد أن يأكل الطير منها, وتنثر الريح ويسقط منها فلم يكن بد من ضابط واحد فاصل بين ذلك وبين الجائحة, والثلث قد رأينا الشرع اعتبره في مواضع: منها الوصية وعطايا المريض وتساوي جراح المرأة جراح الرجل إلى الثلث قال الأثرم: قال أحمد: إنهم يستعملون الثلث في سبع عشرة مسألة ولأن الثلث في حد الكثرة, وما دونه في حد القلة بدليل قول النبي - ﷺ - في الوصية: ( الثلث والثلث كثير ) فيدل هذا على أنه آخر حد الكثرة, فلهذا قدر به ووجه الأول عموم الأحاديث فإن النبي - ﷺ - أمر بوضع الجوائح وما دون الثلث داخل فيه, فيجب وضعه ولأن هذه الثمرة لم يتم قبضها فكان ما تلف منها من مال البائع وإن كان قليلا, كالتي على وجه الأرض وما أكله الطير أو سقط لا يؤثر في العادة ولا يسمى جائحة, فلا يدخل في الخبر ولا يمكن التحرز منه فهو معلوم الوجود بحكم العادة, فكأنه مشروط إذا ثبت هذا فإنه إذا تلف شيء له قدر خارج عن العادة وضع من الثمن بقدر الذاهب فإن تلف الجميع, بطل العقد ويرجع المشتري بجميع الثمن وأما على الرواية الأخرى فإنه يعتبر ثلث المبلغ, وقيل: ثلث القيمة فإن تلف الجميع أو أكثر من الثلث رجع بقيمة التالف كله من الثمن, وإذا اختلفا في الجائحة أو قدر ما أتلف فالقول قول البائع لأن الأصل السلامة ولأنه غارم والقول في الأصول قول الغارم. فصل:
فإن بلغت الثمرة أوان الجزاز, فلم يجزها حتى اجتيحت فقال القاضي: عندي لا يوضع عنه لأنه مفرط بترك النقل في وقته مع قدرته فكان الضمان عليه ولو اشترى ثمرة قبل بدو صلاحها بشرط القطع, فأمكنه قطعها فلم يقطعها حتى تلفت فهي من ضمانه لأن تلفها بتفريطه وإن تلفت قبل إمكان قطعها, فهي من ضمان بائعها كالمسألة فيها. فصل:
إذا استأجر أرضا فزرعها, فتلف الزرع فلا شيء على المؤجر نص عليه أحمد ولا نعلم فيه خلافا لأن المعقود عليه منافع الأرض, ولم تتلف وإنما تلف مال المستأجر فيها فصار كدار استأجرها ليقصر فيها ثيابا, فتلفت الثياب فيها. مسألة:
قال: ( وإذا وقع البيع على مكيل أو على موزون أو معدود, فتلف قبل قبضه فهو من مال البائع). ظاهر كلام الخرقي أن المكيل والموزون, والمعدود لا يدخل في ضمان المشتري إلا بقبضه سواء كان متعينا, كالصبرة أو غير متعين كقفيز منها وهو ظاهر كلام أحمد ونحوه قول إسحاق وروى عن عثمان بن عفان, وسعيد بن المسيب والحسن والحكم, وحماد بن أبي سليمان أن كل ما بيع على الكيل والوزن لا يجوز بيعه قبل قبضه وما ليس بمكيل ولا موزون يجوز بيعه قبل قبضه وقال القاضي وأصحابه: المراد بالمكيل, والموزون والمعدود ما ليس بمتعين منه, كالقفيز من صبرة والرطل من زبرة ومكيلة زيت من دن, فأما المتعين فيدخل في ضمان المشتري كالصبرة يبيعها من غير تسمية كيل وقد نقل عن أحمد ما يدل على قولهم, فإنه قال في رواية أبي الحارث في رجل اشترى طعاما فطلب من يحمله, فرجع وقد احترق الطعام فهو من مال المشتري واستدل بحديث ابن عمر: ما أدركت الصفقة حيا مجموعا, فهو من مال المشتري وذكر الجوزجاني عنه في من اشترى ما في السفينة صبرة ولم يسم كيلا فلا بأس أن يشرك فيها, ويبيع ما شاء إلا أن يكون بينهما كيل فلا يولى حتى يكال عليه ونحو هذا قال مالك, فإنه قال: ما بيع من الطعام مكايلة أو موازنة لم يجز بيعه قبل قبضه, وما بيع مجازفة أو بيع من غير الطعام مكايلة أو موازنة, جاز بيعه قبل قبضه ووجه ذلك ما روى الأوزاعي عن الزهري, عن حمزة بن عبد الله بن عمر أنه سمع عبد الله بن عمر يقول: (مضت السنة أن ما أدركته الصفقة حيا مجموعا فهو من مال المبتاع) رواه البخاري, عن ابن عمر من قوله تعليقا وقول الصحابي مضت السنة يقتضي سنة النبي - ﷺ - ولأن المبيع المعين لا يتعلق به حق توفية فكان من مال المشتري كغير المكيل والموزون ونقل عن أحمد, أن المطعوم لا يجوز بيعه قبل قبضه سواء كان مكيلا أو موزونا, أو لم يكن وهذا يقتضي أن الطعام خاصة لا يدخل في ضمان المشتري حتى يقبضه فإن الترمذي روى عن أحمد أنه أرخص في بيع ما لا يكال ولا يوزن مما لا يؤكل ولا يشرب قبل قبضه وقال الأثرم: سألت أبا عبد الله عن قوله: نهى عن ربح ما لم يضمن قال: هذا في الطعام وما أشبهه من مأكول أو مشروب, فلا يبيعه حتى يقبضه قال ابن عبد البر: الأصح عن أحمد بن حنبل أن الذي يمنع من بيعه قبل قبضه هو الطعام وذلك لأن النبي - ﷺ - نهى عن بيع الطعام قبل قبضه فمفهومه إباحة بيع ما سواه قبل قبضه وروى ابن عمر قال: (رأيت الذين يشترون الطعام مجازفة يضربون على عهد رسول الله - ﷺ - أن يبيعوه حتى يؤووه إلى رحالهم) وهذا نص في بيع المعين وعموم قوله عليه السلام: (من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه) متفق عليهما ولمسلم عن ابن عمر قال: (كنا نشتري الطعام من الركبان جزافا, فنهانا رسول الله - ﷺ - أن نبيعه حتى ننقله من مكانه) وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن من اشترى طعاما فليس له أن يبيعه حتى يستوفيه ولو دخل في ضمان المشتري جاز له بيعه والتصرف فيه, كما بعد القبض وهذا يدل على تعميم المنع في كل طعام مع تنصيصه على المبيع مجازفة بالمنع وهو خلاف قول القاضي وأصحابه, ويدل بمفهومه على أن ما عدا الطعام يخالفه في ذلك ووجه قول الخرقي أن الطعام المنهي عن بيعه قبل قبضه لا يكاد يخلو من كونه مكيلا أو موزونا أو معدودا, فتعلق الحكم بذلك كتعلق ربا الفضل به ويحتمل أنه أراد المكيل والموزون, والمعدود من الطعام الذي ورد النص بمنع بيعه وهذا أظهر دليلا وأحسن إذا ثبت هذا فإنه إن تلف المبيع من ذلك قبل قبضه بآفة سماوية, بطل العقد ورجع المشتري بالثمن وإن تلف بفعل المشتري استقر الثمن عليه, وكان كالقبض لأنه تصرف فيه وإن أتلفه أجنبي لم يبطل العقد على قياس قوله في الجائحة, ويثبت للمشتري الخيار بين الفسخ والرجوع بالثمن لأن التلف حصل في يد البائع فهو كحدوث العيب في يده وبين البقاء على العقد, ومطالبة المتلف بالمثل إن كان مثليا وبهذا قال الشافعي ولا أعلم فيه مخالفا وإن أتلفه البائع فقال أصحابنا: الحكم فيه كما لو أتلفه أجنبي لأنه أتلفه من يلزمه ضمانه, فأشبه ما لو أتلفه أجنبي وقال الشافعي: ينفسخ العقد ويرجع المشتري بالثمن لا غير لأنه تلف يضمنه به البائع فكان الرجوع عليه بالثمن كالتلف بفعل الله تعالى وفرق أصحابنا بينهما بكونه إذا تلف بفعل الله تعالى, لم يوجد مقتض للضمان سوى حكم العقد بخلاف ما إذا أتلفه فإن إتلافه يقتضي الضمان بالمثل, وحكم العقد يقتضي الضمان بالثمن فكانت الخيرة إلى المشتري في التضمين بأيهما شاء. فصل:
ولو تعيب في يد البائع أو تلف بعضه بأمر سماوي, فالمشتري مخير بين قبوله ناقصا ولا شيء له وبين فسخ العقد والرجوع بالثمن لأنه إن رضيه معيبا, فكأنه اشترى معيبا وهو عالم بعيبه ولا يستحق شيئا من أجل العيب وإن فسخ العقد لم يكن له أكثر من الثمن لأنه لو تلف المبيع كله, لم يكن له أكثر من الثمن فإذا تعيب أو تلف بعضه, كان أولى وإن تعيب بفعل المشتري أو تلف بعضه لم يكن له فسخ لذلك لأنه أتلف ملكه, فلم يرجع على غيره وإن كان ذلك بفعل البائع فقياس قول أصحابنا أن المشتري مخير بين الفسخ والرجوع بالثمن, وبين أخذه والرجوع على البائع بعوض ما أتلف أو عيب وقياس قول الشافعي أن يكون بمنزلة ما لو تلف بفعل الله تعالى وإن كان بفعل أجنبي, فله الخيار بين الفسخ والمطالبة بالثمن وبين أخذ المبيع, ومطالبة المتلف بعوض ما أتلف. فصل:
ولو باع شاة بشعير فأكلته قبل قبضه فإن كانت في يد المشتري, فهو كما لو أتلفه وإن كانت في يد البائع فهو بمنزلة إتلافه له, وكذلك إن كانت في يد أجنبي فهو كإتلافه فإن لم تكن في يد أحد انفسخ البيع لأن المبيع هلك قبل القبض بأمر لا ينسب إلى آدمي, فهو كتلفه بفعل الله تعالى. فصل:
ولو اشترى شاة أو عبدا أو شقصا بطعام فقبض الشاة أو العبد أو باعهما, أو أخذ الشقص بالشفعة ثم تلف الطعام قبل قبضه انفسخ العقد الأول دون الثاني ولا يبطل الأخذ بالشفعة لأنه كمل قبل فسخ العقد, ويرجع مشترى الطعام على مشترى الشاة والعبد والشقص بقيمة ذلك لتعذر رده وعلى الشفيع مثل الطعام لأنه عوض الشقص. مسألة:
قال: [وما عداه فلا يحتاج فيه إلى قبض وإن تلف فهو من مال المشتري] يعني ما عدا المكيل, والموزون والمعدود فإنه يدخل في ضمان المشتري قبل قبضه وقال أبو حنيفة: كل مبيع تلف قبل قبضه من ضمان البائع, إلا العقار وقال الشافعي: كل مبيع من ضمان البائع حتى يقبضه المشتري وحكى أبو الخطاب عن أحمد رواية أخرى كقوله لأن ابن عباس قال: أرى كل شيء بمنزلة الطعام ولأن التسليم واجب على البائع لأنه في يده فإذا تعذر بتلفه انفسخ العقد, كالمكيل والموزون والمعدود ولنا قول النبي - ﷺ -: (الخراج بالضمان) وهذا المبيع نماؤه للمشتري, فضمانه عليه وقول ابن عمر: مضت السنة أن ما أدركته الصفقة حيا مجموعا فهو من مال المبتاع ولأنه لا يتعلق به حق توفية وهو من ضمانه بعد قبضه فكان من ضمانه قبله, كالميراث وتخصيص النبي - ﷺ - الطعام بالنهي عن بيعه قبل قبضه دليل على مخالفة غيره له. فصل:
والمبيع بصفة أو رؤية متقدمة, من ضمان البائع حتى يقبضه المبتاع لأنه يتعلق به حق توفية فجرى مجرى المكيل والموزون قال أحمد: لو اشترى من رجل عبدا بعينه, فمات في يد البائع فهو من مال المشتري إلا أن يطلبه, فيمنعه البائع فهو ضامن لقيمته حين عطب ولو حبسه ببقية الثمن فهو غاصب, ولا يكون رهنا إلا أن يكون قد اشترط عليه في نفس الرهن. فصل:
وقبض كل شيء بحسبه فإن كان مكيلا, أو موزونا بيع كيلا أو وزنا, فقبضه بكيله ووزنه وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة: التخلية في ذلك قبض وقد روى أبو الخطاب عن أحمد رواية أخرى أن القبض في كل شيء بالتخلية مع التمييز لأنه خلى بينه وبين المبيع من غير حائل, فكان قبضا له كالعقار ولنا ما روى أبو هريرة, أن رسول الله - ﷺ - قال: (إذا بعت فكل وإذا ابتعت فاكتل) رواه البخاري وعن النبي - ﷺ - (أنه نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان صاع البائع وصاع المشتري) رواه ابن ماجه, وهذا فيما بيع كيلا وإن بيع جزافا فقبضه نقله لأن ابن عمر قال: كانوا (يضربون على عهد رسول الله - ﷺ- إذا اشتروا طعاما جزافا أن يبيعوه في مكانه حتى يحولوه) وفي لفظ: (كنا نبتاع الطعام جزافا فبعث علينا من يأمرنا بانتقاله من مكانه الذي ابتعناه إلى مكان سواه قبل أن نبيعه) وفي لفظ: (كنا نشتري الطعام من الركبان جزافا فنهانا رسول الله - ﷺ- أن نبيعه حتى ننقله) رواهن مسلم وهذا يبين أن الكيل إنما وجب فيما بيع بالكيل, وقد دل على ذلك أيضا قول النبي - ﷺ -: (إذا سميت الكيل فكل) رواه الأثرم وإن كان المبيع دراهم أو دنانير فقبضها باليد وإن كان ثيابا فقبضها نقلها وإن كان حيوانا, فقبضه تمشيته من مكانه وإن كان مما لا ينقل ويحول فقبضه التخلية بينه وبين مشتريه لا حائل دونه وقد ذكره الخرقي في باب الرهن فقال: إن كان مما ينقل, فقبضه أخذه إياه من راهنه منقولا وإن كان مما لا ينقل فقبضه تخلية راهنه بينه وبين مرتهنه لا حائل دونه ولأن القبض مطلق في الشرع, فيجب الرجوع فيه إلى العرف كالإحراز والتفرق والعادة في قبض هذه الأشياء ما ذكرنا.
=========