Translate

الجمعة، 11 مارس 2022

كتاب إثبات صفة العلو لابن قدامة المقدسي

إثبات صفة العلو لابن قدامة المقدسي

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
 
رب يسر يا كريم واعن بمنك وبرحمتك
 
الحمد الله الذي علا في سمائه وجلا باليقين قلوب اوليائه وحار لهم في قدره وبارك لهم في قضائه وأشهد أن لا الله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مؤمن بلقائه وأشهد ان محمدا ﷺ عبده ورسوله وخاتم أنبيائه وصلى الله عليه وعلى آله وصحبه واحبابه واصفيائه وسلم تسليما
 
أما بعد
 
  فإن الله تعالى وصف نفسه بالعلو في السماء ووصفه بذلك رسوله محمد خاتم الانبياء وأجمع على ذلك جميع العلماء من الصحابة الأتقياء والأئمة من الفقهاء وتواترت الأخبار بذلك على وجه حصل به اليقين وجمع الله تعالى عليه قلوب المسلمين وجعله مغروزا في طباع الخلق اجمعين فتراهم عند نزول الكرب بهم يلحظون السماء بأعينهم ويرفعون نحوها للدعاء أيديهم وينتظرون مجئ الفرج من ربهم وينطقون بذلك بألسنتهم لا ينكر ذلك إلا مبتدع غال في بدعته أو مفتون بتقليد واتباعه على ضلالته وأنا ذاكر في هذا الجزء بعض ما بلغني من الأخبار في ذلك عن رسول الله ﷺ وصحابته والأئمة المقتدين بسنته على وجه يحصل به القطع واليقين بصحبه ذلك عنهم ويعلم تواتر الروايه بوجوه منهم ليزداد من وقف عليه من المؤمنين ايمانا ويتنبه من خفي عليه ذلك حتى يصبر كالشاهد له عيانا ويصبر للمتمسك بالسنه حجة وبرهانا
 
واعلم رحمك الله أنه ليس من شرط صحة التواتر الذي يحصل به اليقين أن يوجد عدد التواتر في خبر واحد بل متى نقلت أخبار كثيرة في معنى واحد من طرق يصدق بعضها بعضا ولم يأت ما يكذبها أو يقدح فيها حتى استقر ذلك في القلوب واستيقنته فقد حصل التواتر وثبت القطع واليقين فإننا نتيقن جود حاتم وان كان لم يرد بذلك خبر واحد مرضي الاسناد لوجود ما ذكرنا وكذلك عدل عمر وشجاعة علي وعلمه وعلم عائشة رضي الله عنها وأنها زوج رسول الله ﷺ وابنة أبي بكر وأشباه هذا لايشك في شئ من ذلك ولا يكاد يوجد تواتر إلا على هذا الوجه فحصول التواتر واليقين في مسألتنا مع صحة الاسانيد ونقل العدول المرضيين وكثرة الأخبار وتخريجها فيما لا يحصى عدده ولا يمكن حصره من دواوين الائمة والحفاظ وتلقي الأمة لها بالقبول وروايتهم لها من غير معارض يعارضها ولا منكر لمن يسمع من لشئ منها أولى ولا سيما وقد جاءت على وفق ما جاء في القرآن العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد
قال تعالى ثم استوى على العرش في مواضع من كتابه
وقال تعالى أأمنتم من في السماء في موضعين
وقال تعالى إليه يصعد الكلم الطيب
وقال سبحانه يدبر الامر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه
وقال تعالى تعرج الملائكة والروح إليه
وقال لعيسى إني متوفيك ورافعك إلي
وقال تعالى بل رفعه الله إليه
وقال تعالى وهو القاهر فوق عباده
وقال سبحانه تعالى يخافون ربهم من فوقهم
 
وأخبر عن فرعون أنه قال يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الاسباب أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا، يعني أظن موسى كاذبا في أن الله إلهه في السماء
 
والمخالف في هذه المسألة قد أنكر هذا يزعم أن موسى كاذب في هذا بطريق القطع واليقين مع مخالفته لرب العالمين وتخطئته لنبيه الصادق الأمين وتركه منهج الصحابة والتابعين والأئمة السابقين وسائر الخلق أجمعين ونسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل الاتباع و يعصمنا من البدع برحمته ويوفقنا لاتباع سنته
 
ذكر الأحاديث الصحيحة الصريحة في أن الله تعالى في السماء
 
أخبرنا الشيخ أبو بكر أحمد بن المقرب بن الحسين الكرخي وهو أول حديث سمعته من يومئذ قال حدثنا أبو محمد جعفر بن أحمد بن الحسين بن السراج القارئ وهو أول حديث سمعته منه قال حدثنا الحافظ أبو نصر عبيد الله بن سعيد بن حاتم السجزي الوائلي بمكه وهو أول حديث سمعته منه قال أخبرنا أبو يعلى حمزة بن عبد العزيز المهلبي وهو أول حديث سمعته منه قال حدثنا أبو حامد أحمد بن محمد بن يحيى بن بلال البزاز وهو أول حديث سمعته منه قال حدثنا عبد الرحمن بن بشير بن الحكم وهو أول حديث سمعته من قال حدثنا سفيان بن عيينة وهو أول حديث سمعته من سفيان عن عمرو ابن دينار عن أبي قابوس مولى لعبد الله بن عمرو بن العاص عن عبد الله بن عمرو بن العاص ان رسول الله ﷺ قال الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا أهل الارض يرحمكم من في السماء
 
أخرجه الترمذي غير مسلسل عن العدني محمد بن يحيى بن أبي عمرو عن سفيان وقال حديث حسن صحيح
 
أخبرنا الشيخ أبو الفتح محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن سليمان حدثنا حمد ابن أحمد الحداد أنبأنا أبو نعيم أحمد بن عبدالله الحافظ أنبأنا عبد الله بن جعفر ابن أحمد بن فارس حدثنا يونس بن حبيب حدثنا أبو داود الطيالسي حدثنا حرب بن شداد وأبان بن يزيد عن يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونه عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمي قال كانت لي غنم بين أحد والجوانيه فيها جارية لي فاطلعتها ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب منها بشاة وأنا من بني آدم آسف كما يأسفون فرفعت يدي فصككتها صكة فأتيت رسول الله ﷺ فذكرت له ذلك فعظم ذلك علي فقلت يا رسول الله أفلا اعتقها قال ادعها فدعوتها قال فقال لها رسول الله ﷺ أين الله قالت في السماء قال من أنا قالت أنت رسول الله ﷺ قال رسول الله ﷺ أعتقها فإنها مؤمنة
 
هذا صحيح رواه مسلم في صحيحه ومالك في موطأه وابو داود والنسائي وأبو داود الطيالسي
 
أخبرنا عبد الله بن محمد أبو بكر بن النقور أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي بن زكريا الطريثيثي قال أنبأنا أبو القاسم هبة الله بن الحسن الطبري أنبأنا أحمد ابن عبيد أنبأنا علي بن عبدالله بن مبشر حدثنا أحمد بن سنان حدثنا يزيد بن هارون حدثنا المسعودي عن عون بن عبدالله عن أخيه عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة عن أبي هريرة أن رجلا أتى النبي ﷺ بجارية سوداء أعجمية فقال يا رسول الله إن علي عتق رقبة مؤمنة فقال لها رسول الله ﷺ أين الله فأشارت بأصبعها السبابة إلى السماء فقال لها من أنا فأشارت بأصبعها إلى رسول الله ﷺ وإلى السماء أي أنت رسول الله فقال أعتقها
 
أخرجه الامام أحمد والقاضي البرقي في مسنديهما
 
أخبرنا أبو المظفر بن أحمد بن محمد بن حمدي أنبأنا القاضي أبو الحسين محمد بن محمد بن الحسين أنبانا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب أنبأنا القاسم بن جعفر أنبأنا أبو علي اللؤلؤي أنبأنا أبو داود السجستاني حدثنا يزيد بن خالد الرملي حدثنا الليث بن سعد عن زياده بن محمد عن محمد بن كعب القرظي عن فضاله بن عبيد عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال سمعت رسول الله ﷺ يقول من اشتكى منكم أو اشتكى أخ له فليقل ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك أمرك في السماء في السماء والأرض كما رحمتك في السماء الارض اغفر لنا حوبنا وخطايانا أنت رب الطيبين أنزل علينا رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على هذا الوجع فيبرأ
أخرجه أبو داود في سننه
 
أخبرنا أبو الفتح محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن سليمان أنبأنا أبو الفضل أحمد بن الحسن بن خيرون أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد بن ابراهيم بن شاذان أنبأنا أبو سهل أحمد بن محمد بن زياد القطان أنبأنا أبو يحيى عبد الكريم بن الهيثم بن زياد الديرعاقولي حدثنا رجاء بن محمد البصري حدثنا عمران بن خالد بن طليق حدثني أبي عن أبيه عن جده قال اختلفت قريش إلى الحصين أبي عمران فقالوا ان هذا الرجل يذكر آلهتنا فنحن نحب أن تكلمه وتعظه فمشوا معه إلى قريب من باب النبي ﷺ قال فجلسوا ودخل حصين فلما رآه النبي ﷺ أوسعوا للشيخ فأوسعوا له وعمران وأصحاب النبي ﷺ متوافرون فقال حصين ما هذا الذي يبلغنا عنك أنك تشتم آلهتنا وتذكرهم وقد كان أبوك جفنة وخبزا فقال ﷺ يا حصين إن أبي وأباك في النار كم إلها تعبد اليوم قال سبعة في الأرض وإلها في السماء قال فإذا اصابك الضيق فمن تدعو قال الذي في السماء قال فإذا هلك المال فمن تدعو قال الذي في السماء قال فيستجيب لك وحده وتشركهم معه قال أما رضيته أو كلمة نحوها أو تخاف أن يغلب عليك قال لا واحدة من هاتين وعرفت أني لم أكلم مثله فقال يا حصين أسلم تسلم قال إن لي قوما وعشيرة فماذا أقول لهم قال قل اللهم إني استهديك لأرشد أمري وأستجيرك من شر نفسي علمني ما ينفعني وانفعني بما علمتني وزدني علما ينفعني فقالها فلم يقم حتى أسلم فوثب عمران فقبل رأسه ويديه ورجليه فلما رأى ذلك النبي ﷺ بكى فقيل له يا رسول الله ما يبكيك قال مما صنع عمران دخل حصين وهو مشرك فلم يقم إليه ولم يلتفت إلى ناحيته فلما أسلم قضى حقه فدخلني من ذلك رقة فلما أراد أن ينصرف حصين قال النبي ﷺ قوموا فشيعوه إلى منزله فلما خرج من سدة الباب نظرت إليه قريش فقالت صبأ وتفرقوا عنه
 
أخبرنا أبو محمد عبد الله بن منصور بن هبه الله بن الموصلي أنبأنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار الصيرفي أنبانا أبو الحسن محمد بن عبد الواحد بن جعفر أنبأنا أبو بكر أحمد بن ابراهيم بن الحسن بن شاذان أنبأنا أبو عبدالله أحمد بن محمد بن المغلس حدثنا أبو عثمان سعيد بن يحيى بن سعيد الاموي قال حدثني أبي قال ابن اسحاق خرج عبد أسود لبعض أهل خيبر في غنم له حتى جاء رسول الله ﷺ فقال لبعض أصحابه من هذا الرجل قالوا رسول الله ﷺ الذي من عند الله قال الذي في السماء قالوا نعم قال ادنوني منه فذهبوا به إلى رسول الله ﷺ فقال أنت رسول الله قال نعم قال الذي في السماء قال نعم فأمره رسول الله ﷺ بالشهادة فتشهد ثم استقبل غنمه فرمى في وجوهها بالبطحاء ثم قال اذهبي فوالله لا أتبعك أبدا فولت فكان ذلك آخر العهد بها قال فقاتل العبد حتى استشهد قبل أن يصلي سجدة واحده فأتى به رسول الله ﷺ فألقى إليه فالتفت إليه ثم أعرض عنه فقيل يا رسول الله التفت إليه ثم أعرضت عنه فقال إنه معه الآن لزوجتيه من الحور العين قال واسم العبد أسلم
أخرجه الاموي في المغازي
 
أخبرنا أبو محمد عبد الله بن منصور الموصلي أنبأنا أبو الحسين بن الطيوري أنبأنا محمد بن عبد الواحد بن جعفر أنبانا أحمد بن ابراهيم بن شاذان أنبأنا أحمد بن محمد بن المغلس حدثنا سعيد بن يحيى الاموي حدثنا عبد الله عن زياد عن ابن اسحاق قال حدثني يزيد بن سنان عن سعيد بن الأجيرد الكندي عن العرس بن قيس الكندي عن عدي بن عميرة بن فروة العبدي قال كان بأرضنا حبر من إليهود يقال له ابن شهلاء فالتقيت أنا وهو يوما فقال يا عدي بن عميرة فقلت ما شأنك يا ابن شهلاء فقال إني اجد في كتاب الله المنزل أن أصحاب الفردوس قوم يعبدون ربهم على وجوههم لا والله ما أعلم هذه الصفة في امة من الأمم إلا فينا معشر يهود وأجد نبيها يخرج من اليمن فمن تبعه كان على هدى و لا نراه يخرج إلا منا معشر يهود وأجد وقعتين تكونان إحداهما بمصرين والأخرى بصفين فأما مصرين فسمعنا بها مرابض الفراعنة وأما صفين فو الله ما أدري أين هي قال عدي فوالله ما مكثنا إلا يسيرا حتى بلغنا أن رجلا من بني هاشم قد تنبأ وسجد على وجهه فذكرت حديث ابن شهلاء فخرجت مهاجرا إلى النبي ﷺ فإذا هو ومن معه يسجدون على وجوههم ويزعمون أن إلههم في السماء فأسلمت وتبعته
 
قرئ على الشيخ أبي الفتح محمد بن عبد الباقي وأنا اسمع أخبركم أحمد بن علي بن الحسين قال أنبأ هبة الله بن الحسن أنبأ عبيد الله بن أحمد بن علي ثنا عبد الله بن محمد بن زياد ثنا محمد بن غالب الأنطاكي ثنا يحيى بن السكن عن شعبه وقيس عن أبي اسحاق عن أبي عبيدة عن ابيه قال قال رسول الله ﷺ ارحم من في الارض يرحمك من في السماء

أخبرنا الشيخ الصالح العالم أبو بكر عبد الله بن محمد بن أحمد بن النقور أنبأنا أبو طالب عبد القادر بن محمد اليوسفي أنبأ أبو علي بن المذهب أنبأ أبو بكر القطيعي حدثنا عبد الله بن أحمد ثنا أبي محمد بن فضيل ثنا عمارة بن القعقاع عن ابن أبي نعم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال بعث علي من اليمن إلى رسول الله ﷺ بذهيبة في أديم مقروظ لم تحصل من ترابها فقسمها رسول الله ﷺ بين أربعة بين زيد الخير والأقرع بن حابس وعيينة بن حصن وعلقمه بن علاثه أو عامر بن الطفيل شك عمارة فوجد من ذلك بعض أصحابه والانصار وغيرهم فقال رسول الله ﷺ ألا تأمنوني وانا أمين من في السماء يأتيني خبر من في السماء صباح مساء ثم أتاه رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناشز الجبهة كث اللحية مشمر الإزار محلوق الرأس فقال اتق الله يا رسول الله قال فرفع رأسه إليه فقال ويحك ألست أحق أهل الارض أن يتق الله أنا ثم أدبر فقال خالد يا رسول الله ألا اضرب عنقه فقال رسول الله ﷺ فلعله يكون يصلي فقال إنه رب مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه فقال رسول الله ﷺ إني لم اؤمر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم ثم نظر إليه النبي ﷺ وهو مقف فقال هاه إنه سيخرج من ضئضئ هذا قوم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية
أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من طرق منها البخاري عن قتيبة بن سعيد عن عبد الواحد بن زياد عن عماره بن القعقاع ومسلم عن ابن نمير عن محمد بن فضيل عن عماره عن ابن أبي نعم واسمه عبد الرحمن
أخبرنا عبد الله بن محمد أنبأ عبد القادر بن محمد أنبأ الحسن بن علي أنبأ أحمد ابن جعفر قال ثنا عبد الله ثنا أبي ثنا حسين بن محمد ثنا ابن أبي ذئب عن محمد بن عمرو بن عطاء عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال إن الميت تحضره الملائكة فإذا كان الرجل الصالح قالوا اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب اخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان قال فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج ثم يعرج بها إلى السماء فيستفتح لها فيقال من هذا فيقال فلان فيقولون مرحبا بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب ادخلي حميدة وابشري بروح وريحان ورب غير غضبان قال فلا يزال يقال لها ذلك حتى ينتهي بها إلى السماء التي فيها الله تعالى واذا كان الرجل السوء قالوا اخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث اخرجي ذميمة وأبشري بحميم وغساق وآخر من شكله ازواج ولا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج ثم يعرج بها إلى السماء فيستفتح لها فيقال من هذا فيقال فلان فيقال لا مرحبا بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث ارجعي ذميمة فإنه لاتفتح لك أبواب السماء ثم ترسل من السماء ثم تصير إلى القبر
أخرجه أحمد والطبراني والخلال
أخبرنا أبو عبد الله بن صدقة الحراني أنبأ الفروي أنبأ عبد الغافر الفارسي قال أخبرنا أبو أحمد الجلودي أخبرنا إبراهيم بن محمد بن سفيان أنبأ مسلم بن الحجاج أخبرنا ابن أبي عمر قال ثنا مروان قال ثنا يزيد يعني ابن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله ﷺ قال والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبى عليه الا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها
أخرجه مسلم ابن يونس
أنبأنا أبو سعيد الخليل بن أبي الفتح الراراني أنبأ أبو علي الحداد أنبأ أبو نعيم أنبأ أبو بكر بن خلاد ثنا الحارث بن محمد بن أبي اسامه ثنا أحمد ثنا أبو الحارث الوراق عن بكر بن خنيس عن محمد بن سعيد عن عباده بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله ﷺ إن الله ليكره في السماء أن يخطأ أبو بكر في الأرض
كتب إلي الامام الفقيه نجم الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن خلف يقول رايت النبي ﷺ في المنام فقلت يا رسول الله اريد أن اسألك عن مسألة قال ما هي قلت قد جاء في القرآن والأحاديث الصحيحة أن الله في السماء واكثر الناس ينكرون هذا قال ومن ينكر هذا الامر كذلك الله في السماء
ذكر الأخبار الواردة بأن الله تعالى فوق عرشه
أخبرنا الشيخ أبو الفتح محمد بن عبد الباقي بن أحمد ويده على كتفي قال حدثنا أبو عبد الله بن أبي نصر الحميدي ويده على كتفي قال حدثنا أبو اسحاق ابراهيم بن سعيد بن عبد الله النعماني ويده على كتفي قال حدثنا أبو سعد أحمد بن محمد بن أحمد الحافظ ويده على كتفي قال حدثنا أبو الحسن أحمد بن عيسى الفرضي ويده على كتفي قال أنبأ أبو الحسن أحمد بن الحسن ابن محمد المكي ويده على كتفي قال ثنا أبو عمرو هلال بن العلاء الرقي ويده على كتفي قال حدثني أبي ويده على كتفي ثنا عبيد الله بن عمرو ثنا زيد بن أبي انيسة ويده على كتفي ثنا أبو إسحاق السبيعي ويده على كتفي قال حدثني عبد الله بن الحارث ويده على كتفي قال حدثني الحارث الأعور ويده على كتفي قال ثنا علي بن أبي طالب ويده على كتفي قال حدثني رسول الله ﷺ ويده على كتفي قال حدثني الصادق الناطق رسول رب العالمين وأمينه على وحيه جبريل ويده على كتفي قال سمعت اسرافيل يقول سمعت القلم يقول سمعت اللوح يقول سمعت الله تعالى من فوق العرش يقول للشيء كن فلا يبلغ الكاف النون حتى يكون ما يكون
قرأت على أبي المظفر أحمد بن أحمد بن محمد بن حمدي أخبركم القاضي أبو الحسين قال أنبأ أبو بكر الخطيب أنبأ أبو عمر الهاشمي أنبأ أبو علي اللؤلؤي حدثنا أبو داود السجستاني ثنا محمد بن الصباح ثنا الوليد بن أبي ثور عن سماك عن عبد الله بن عميره عن الاحنف بن قيس عن العباس بن عبد المطلب قال كنت في البطحاء في عصابة فيهم رسول الله ﷺ فمرت بهم سحابة فنظر إليها فقال ما تسمون هذه قالوا السحاب قال والمزن قالوا والمزن قال العنان قالوا والعنان قال هل تدرون ما بعد ما بين السماء والارض قالوا لاندري قال إن بعد ما بينهما إما واحدة وإما اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة ثم السماء فوقهما كذلك حتى عد سبع سموات ثم فوق السماء السابعة بحر بين أسفله واعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء ثم فوق ذلك ثمانية أو عال بين اظلافهم وركبهم مثل ما بين سماء إلى سماء ثم على ظهورهم العرش بين اسفله واعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء ثم الله تعالى فوق ذلك
وقرأت على أبي المظفر بن حمدي أخبركم محمد بن محمد الحسين أنبأنا أحمد ابن ثابت أنبأ القاسم بن جعفر أنبأ محمد بن أحمد بن عمرو ثنا سليمان بن الأشعث ثنا محمد بن بشار أنبأ وهب بن جرير ثنا أبي قال سمعت محمد بن اسحاق يحدث عن يعقوب بن عتبة عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن ابيه عن جده قال أتى رسول الله ﷺ أعرابي فقال يا رسول الله جهدت الأنفس وضاعت العيال ونهكت الأموال وهلكت الأنعام فاستسق الله لنا فإنا نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك فقال رسول الله ﷺ ويحك اتدري ما تقول وسبح رسول الله ﷺ فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه ثم قال ويحك إنه لايستشفع بالله على أحد ويحك أتدري ما الله فوق عرشه وعرشه فوق سمواته
قرئ على فاطمة بنت محمد بن علي البزاره المعروفة بنفيسة وأنا اسمع أخبركم أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن طلحة قال أنبأ أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران أنبأ عبد الصمد بن على بن مكرم ثنا الحارث بن محمد بن داهر التميمي أنبأ علي بن عاصم ثنا داود بن أبي هند عن عامر الشعبي قال كانت زينب تقول للنبي ﷺ أنا اعظم نسائك عليك حقا وأنا خيرهن منكحا تقول زوجنيك الرحمن من فوق عرشه وكان جبريل هو السفير بذلك وأنا ابنة عمك وليس لك من نسائك قريبة غيري
أخبرنا أبو الفتح محمد بن عبد الباقي ابن البطي أنبأ أبو الفضل بن خيرون أنبأ أبو علي بن شاذان ثنا القاضي أحمد بن محمد البرتي ثنا القعني ثنا المغيرة بن عبد الرحمن القرشي عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ لما قضى الله الخلق كتب في كتابه هو عنده فوق العرش إن رحمتي غلبت غضبي
وفي لفظ عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله ﷺ يقول إن الله كتب كتابا قبل أن يخلق الخلق إن رحمتي سبقت غضبي فهو مكتوب عنده فوق العرش
أخرجه البخاري ومسلم
أخبرنا محمد بن عبد الباقي أنبأ حمد بن أحمد الحداد أنبأ أحمد بن عبد الله ثنا محمد بن المظفر ثنا أحمد بن عمير ثنا علي بن معبد بن نوح ثنا صالح ابن بيان ثنا شعبة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله ﷺ إن العبد ليشرف على حاجة من حاجات الدنيا فيذكره الله تعالى من فوق عرشه من فوق سبع سموات فيقول ملائكتي إن عبدي هذا قد أشرف على حاجة من حوائج الدنيا فإن فتحتها له فتحت له بابا من أبواب النار ولكن أذودها عنه فيصبح العبد عاضا على أنامله يقول من سبقني من دهاني وما هي إلا رحمة رحمه الله بها
هذا حديث غريب من حديث شعبه عن الحكم عن مجاهد قال أبو نعيم لم نكتبه إلا من حديث علي بن معبد عن صالح
أخبرنا محمد بن أحمد أنبأ حمد أنبأ أحمد بن عبد الله ثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن أحمد بن البراء ثنا عبد المنعم بن ادريس بن سنان عن أبيه عن وهب عن جابر بن عبد الله وابن عباس رضي الله عنهما قالا قال علي رضي الله عنه يا رسول الله إذا أنت قبضت فمن يغسلك وفيم نكفنك ومن يصلي عليك ومن يدخلك القبر فقال النبي ﷺ يا علي أما الغسل فاغسلني أنت وابن عباس يصب الماء وجبريل ثالثكما فإذا أنتم فرغتم من غسلي فكفنوني في ثلاثة أثواب جدد وجبريل عليه السلام يأتني بحنوط من الجنة فإذا أنتم وضعتموني على السرير فضعوني في المسجد واخرجوا عني فإن أول من يصلي علي الرب تعالى من فوق عرشه ثم جبريل ثم ميكائيل ثم إسرافيل ثم الملائكة زمرا زمرا ثم ادخلوا فقوموا صفوفا صفوفا لا يتقدم علي أحد فقبض رسول الله ﷺ ثم أدخلوه المسجد ووضعوه في المسجد وخرج الناس عنه فأول من صلى عليه الرب تعالى من فوق عرشه تعالى وتقدس ثم جبريل ثم ميكائيل ثم اسرافيل ثم الملائكة زمرا زمرا
أخبرنا محمد بن أحمد أنبأ حمد أنبأ أحمد ثنا أبو بكر أحمد بن السندي ثنا جعفر بن محمد بن الصباح ثنا يحيى بن خدام بن منصور ثنا محمد بن عبد الله بن زياد الأنصاري ثنا مالك بن دينار عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ أخبرني جبريل عليه السلام عن الله تعالى أن الله تعالى يقول وعزتي وجلالي ووحدانيتي وفاقة خلقي إلي واستوائي على عرشي وارتفاع مكاني إني لأستحيي من عبدي وأمتي يشيبان في الإسلام ثم أعذبهما ورأيت رسول الله ﷺ يبكي عند ذلك فقلت ما يبكيك يا رسول الله فقال بكيت لمن يستحي الله تعالى منه ولا يستحي من الله تعالى
أنبأنا أبو الفرج يحيى بن محمود الثقفي أنبأ جدي الحافظ اسماعيل بن محمد بن الفضل أنبأ أبو الحسن علي بن محمد بن الخطيب الانباري أنبأ أبو عبد الله الحسين بن عمر بن برهان ثنا جعفر بن محمد الخلدي ثنا ابراهيم بن عبد الله بن مسلم ثنا سهل بن بكار ثنا عبد السلام عن عبيده الهجيمي قال قال أبو جري جابر بن سليم ركبت قعودا لي واتيت مكة في طلبه فأنخت بباب المسجد فإذا هو جالس ﷺ وهو محتب ببرده لها طرائق حمر فقلت السلام عليك يا رسول الله قال وعليك السلام قال إنا معشر أهل البادية قوم بنا الجفاء فعلمني كلمات ينفعني الله بهن قال ادن ثلاثا فقال أعد علي فقلت إنا معشر أهل البادية قوم بنا الجفاء فعلمني كلمات ينفعني الله بهن قال اتق الله ولا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تصب فضل دلوك في إناء المستسقي وإذا لقيت أخاك فالقه بوجه طلق منبسط وإياك وإسبال الازار فإنه من المخيلة وان الله لايحب المخيلة وان امرؤ سبك بما يعلم فيك فلا تسبه بما تعلم فيه فإن الله تعالى يجعل لك أجرا ويجعل عليه وزرا ولا تسبن شيئا مما خولك الله تعالى قال أبو جري فوالذي ذهب بنفس محمد ﷺ ما سببت لي شاة ولا بعيرا فقال رجل يا رسول الله ذكرت إسبال الازار وقد يكون بالرجل القرح أو الشيء يستحي منه قال لا بأس إلى نصف الساق أو إلى الكعبين إن رجلا ممن كان قبلكم لبس بردين فتبختر فيهما فنظر الله إليه من فوق عرشه فقمته فأمر الأرض فأخذته فهو يتجلجل في الأرض فاحذروا وقائع الله تعالى
قرأت على أبي المعالي عبد الله بن عبد الرحمن بن أحمد بن صابر السلمي أخبركم الشريف أبو القاسم الحسيني أنبأنا عبد العزيز بن أحمد الكتاني حدثنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان أنبأ عمي محمد بن القاسم ابن معروف أنبأ أبو بكر أحمد بن علي بن سعيد أبو بكر بن أبي شيبه ثنا عبدة ابن سليمان عن أبي حيان عن حبيب بن أبي ثابت ان حسان بن ثابت انشد النبي ﷺ
شهدت بإذن الله أن محمدا ... رسول الله الذي فوق السموات من عال
وان ابا يحيى كلاهما ... له عمل في دينه متقبل
وان اخا الأحقاق اذ قام فيهم ... يقول بذات الله فيهم ويعدل
أنبأنا أبو القاسم يحيى بن اسعد بن بوش قال أنبأنا أبو العز أحمد بن عبيد الله ابن كادش أنبأ أبو علي محمد بن الحسين الجازري أنبأ أبو الفرج المعافى بن زكريا بن يحيى الجريري ثنا محمد بن القاسم الانباري ثنا محمد بن المرزبان ثنا أبو عبد الرحمن الجوهري ثنا عبيد الله ابن الضحاك أنبأ الهيثم بن عدي عن عوانة بن الحكم قال لما استخلف عمر بن عبد العزيز وفد الشعراء إليه فأقاموا ببابه اياما لايؤذن لهم فبيناهم كذلك يوما وقد ازمعوا على الرحيل مر بهم عدي بن ارطاه فقال له جرير
يا أيها الراكب المزجي مطيته ... هذا زمانك اني قد مضى زمني
ابلغ خليفتنا ان كنت لاقيه ... اني لدى الباب كالمصفود في قرن
لا تنس حا جتنا القيت مغفرة ... قد طال مكثي عن أهلي وعن وطني
قال فدخل عدي على عمر فقال يا أمير المؤمنين الشعراء ببابك وسهامهم مسمومه واقوالهم نافذة قال ويحك يا عدي مالي وللشعراء قال اعز الله أمير المؤمنين ان رسول الله ﷺ امتدح فأعطى ولك في رسول الله ﷺ اسوة حسنه فقال كيف
قال امتدحه العباس بن مرداس السلمي فأعطاه حلة قطع بها لسانه قال أو تروي من قوله شيئا قال نعم فأنشده ... رأيتك يا خير البريه كلها ... نشرت كتابا جاء بالحق معلما ... شرعت لنا دين الهدى بعد جورنا ... عن الحق لما اصبح الحق مظلما ... ونورت بالبرهان امرا مدلسا ... واطفأت بالبرهان نارا تضرما ... فمن مبلغ عني النبي محمدا ... وكل امرئ ييجزى بما كان قدما ... اقمت سبيل الحق بعد اعوجاجه ... وكان قديما ركنه قد تهدما ... تعالى علوا فوق عرش الهنا ... وكان مكان الله اعلى واعظما ...
ثم ذكر بقية الخبر
قرئ على عبد الله بن منصور وانا اسمع أخبركم أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار أنبأنا محمد بن عبد الواحد أنبأ أبو بكر بن شاذان أنبأ أبو عبد الله بن المغلس ثنا سعيد بن يحيى القصه لأنه تابعي قال حدثني أبي قال ثنا محمد بن اسحاق عن معبد بن كعب بن مالك ان سعد بن معاذ لما حكم في بني قريظة قال له رسول الله ﷺ لقد حكمت فيهم حكما حكم الله به من فوق سبعة ارقعة
أخبرنا أبو زرعه طاهر بن محمد بن طاهر المقدسي أنبأ أبو الحسن مكي بن منصور أنبأ أبو بكر أحمد بن الحسن الحرشي ثنا أبو العباس الأصم قال أنبأ الربيع المرادي قال أنبأ الشافعي قال أنبأ ابراهيم بن محمد قال حدثني موسى بن عبيدة قال حدثني أبو الأزهر معاوية بن اسحاق بن طلحة عن عبيد الله بن عمير أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول أتى جبريل عليه السلام بمرآة بيضاء فيها نكتة إلى النبي ﷺ فقال النبي ﷺ ما هذه يا جبريل قال هذه الجمعة فضلت بها أنت وأمتك فالناس لكم فيها تبع إليهود والنصارى ولكم فيها خير وفيها ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يدعو الله فيها بخير إلا استجيب له وهو عندنا يوم المزيد قال النبي عليه السلام يا جبريل وما يوم المزيد قال إن ربك اتخذ في الفردوس واديا افيح فيه كثب مسك فإذا كان يوم الجمعة أنزل الله تعالى ما شاء من ملائكته وحوله منابر من نور وعليها مقاعد النبين وحف تلك المنابر بمنابر من ذهب مكللة بالياقوت والزبرجد عليها الشهداء والصديقون فيجلسوا من ورائهم على تلك الكثب فيقول الله لهم أنا ربكم وقد صدقتكم وعدي فاسألوني أعطكم فيقولون ربنا نسألك رضوانك فيقول قد رضيت عنكم ولكم على ما تمنيتم ولدي مزيد فهم يحبون يوم الجمعة لما يعطيهم فيه ربهم من الخير وهو اليوم الذي استوى ربكم على العرش فيه وفيه خلق آدم وفيه تقوم الساعة
أخرجه الشافعي في مسنده
أخبرنا محمد بن عبد الباقي أنبأنا أحمد بن الحسن أنبأنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله الحرفي قال ثنا أبو بكر أحمد بن سليمان النجاد ثنا محمد بن عبد الله بن سليمان ثنا محمد بن أبي بكر ثنا زائده بن أبي الرقاد عن زياد النميري عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال فأدخل على ربي تعالى وهو على عرشه تبارك وتعالى في حديث الشفاعة
قرأت علي أبي العباس أحمد بن المبارك بن سعد أخبركم جدي أبو المعالي ثابت بن بندار بن ابراهيم قال أنبأ أبو علي الحسن بن الحسين بن دوما أنبأ مخلد بن جعفر قال أنبأ أبو محمد الحسن بن علي القطان أنبا اسماعيل بن عيسى العطار أنبأ اسحاق بن بشر أخبرني عثمان بن الساج عن مقاتل بن حيان عن أبي الجارود العبدي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال بلغني حديث في القصاص وصاحبه بمصر فاشتريت بعيرا وشددت عليه رحلا ثم سرت شهرا حتى وردت مصر فسألت عن صاحب الحديث فدللت عليه فإذا له باب لاط وغلام أسود فقلت اههنا مولاك فسكت عني ثم دخل فأخبر مولاه أن رجلا اعرابيا بالباب فخرج إلي فقال من أنت قلت أنا جابر بن عبد الله قال ادخل فدخلت فقلت له بلغني عنك انك تحدث بحديث في القصاص عن رسول الله ﷺ ولم أشهده وليس أحد أحفظ له منك قال نعم سمعت رسول الله صلى عليه وسلم يقول إن الله يبعثكم يوم القيامة حفاه عراة غرلا بهما ثم يجمعكم ثم ينادي بصوت وهو قائم على عرشه بصوت رفيع غير فظيع يسمع القريب والبعيد يقول أنا الديان لا ظلم اليوم وعزتي وجلالي لأقتصن للمظلوم من الظالم ولو لطمة ولو ضربة يد ولأقتصن للجماء من القرناء ولأسألن العود لم خدش صاحبه ولأسألن الحجر لم ثلب صاحبه بذلك أرسلت رسلي وأنزلت كتبي وفي ذلك قلت ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين
ذكر أخبار دالة على ذلك في الجملة
ونقل من الجزء الاول من حديث أحمد بن كامل أخبرنا أبو القاسم يحيى بن أحمد بن علي بن السيبي القصري انا أبو علي الحسن بن أحمد بن ابراهيم بن شاذان أنبأنا أبو بكر أحمد بن كامل بن خلف عن محمد بن سعد العوفي ثنا عبد الله بن بكر السهمي ثنا يزيد بن عوانه عن محمد بن ذكوان عن عمرو بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال كنا جلوسا ذات يوم بفناء رسول الله ﷺ اذ مرت بنا إمرأة من بنات رسول الله ﷺ فقال رجل من القوم هذه ابنة رسول الله ﷺ فقال أبو سفيان ما مثل محمد في بني هاشم الا كمثل ريحانه في وسط الزبل فسمعت تلك المرأة فأبلغته رسول الله ﷺ فخرج رسول الله ﷺ احسبه قال مغضبا فصعد على منبره وقال ما بال اقوال تبلغني عن اقوام ان الله خلق سموات سبعا فاختار العليا فسكنها واسكن سمواته من شآء من خلقه وخلق ارضين سبعا فاختار العليا فأسكنها من شاء من خلقه ثم اختار خلقه فاختار بني آدم ثم اختار بني آدم فاختار العرب ثم اختار العرب فاختار مضر ثم اختار
مضر فاختار قريشا ثم اختار قريشا فاختار بني هاشم ثم اختار بني هاشم فاختارني فلم ازل خيارا من خيار الا و من احب قريشا فبحبي احبهم ومن ابغض العرب فبغضبي ابغضهم
أخبرنا محمد أنبأ حمد أنبأ أحمد ثنا سليمان حدثنا المقدام بن داود حدثنا علي بن معبد ثنا وهب بن راشد عن فرقد عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ اوحى الله تعالى إلى نبي من الأنبياء ما بال عبادي يدحلون بيوتي يعني المساجد بقلوب غير طاهره وايد غير نقيه أبي يغترون و اياي يخادعون وعزتي وجلالي وعلوي في
ارتفاعي لأبتلينهم ببلية اترك الحليم فيهم حيران لا ينجو منهم الا من دعا كدعاء الغريق
أخبرنا أبو بكر النقور أنبأ أبو طالب اليوسفي أنبأ أبو علي بن المذهب أنبأ أبو بكر القطيعي ثنا عبد الله بن أحمد ثنا أبي ثنا عفان ثنا همام بن يحيى قال سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك ان مالك بن صعصعة حدثه ان النبي ﷺ حدثهم عن ليلة اسري به قال بينما انا في الحطيم وربما قال قتادة في الحجر مضطجع إذا اتاني آت فذكر الحديث قال ثم اتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار ابيض يقع خطوه عند اقصى طرفه قال فحملت عليه فانطلق
بي جبريل عليه السلام حتى اتى بي السماء الدنيا فاستفتح فقيل له من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قال أو قد ارسل إليه قال نعم فقيل مرحبا به ونعم المجيء جاء قال ففتح قال فلما خلصت إذا فيها آدم عليه السلام قال هذا ابوك آدم فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالإبن الصالح والنبي الصالح ثم صعد حتى اتى السماء الثانيه فاستفتح قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد ارسل إليه قال نعم قال مرحبا به ونعم المجيء جاء قال ففتح فلما خلصت فإذا يحيى وعيسى وهما إبنا الخاله قال هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما قال فسلمت فردا السلام وقالا مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم صعد حتى اتى السماء الثالثة فاستفتح قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال
محمد قيل وقد ارسل إليه قال نعم قال مرحبا به ونعم المجئ جاء قال ففتح فلما خلصت إذا يوسف عليه السلام قال هذا يوسف فسلم عليه قال فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم صعد حتى اتى السماء الرابعه فاستفتح فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل اوقد ارسل إليه قال نعم قال مرحبا به ونعم المجئ جاء قال ففتح فلما خلصت قال فإذا ادريس عليه السلام قال هذا ادريس فسلم عليه قال فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالاخ الصالح والنبي الصالح قال ثم صعد حتى اتى السماء الخامسه فاستفتح فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد ارسل إليه قال نعم قال مرحبا به ونعم المجئ جاء قال ففتح فلما خلصت فإذا هارون عليه السلام قال هذا هارون فسلم عليه قال فسلمت عليه قال فرد السلام ثم قال مرحبا بالاخ الصالح والنبي الصالح قال ثم صعد حتى اتى السماء السادسه فاستفتح
قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد ارسل إليه قال نعم قال مرحبا به ونعم المجيء جاء قال ففتح فلما خلصت فإذا انا بموسى عليه السلام قال هذا موسى فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح قال فلما تجاوزت بكى قيل له و ما يبكيك قال ابكي لأن غلاما بعث من بعدي ثم يدخل الجنة من امته اكثر مما يدخلها من امتي قال ثم صعد حتى اتى إلى السمآء السابعة فاستفتح قيل من هذا قال جبريل قال ومن معك قال محمد قيل وقد ارسل إليه قال نعم قال مرحبا به ونعم المجيء جاء قال ففتح فلما خلصت فإذا ابراهيم عليه السلام قال هذا ابراهيم فسلم عليه قال فسلمت عليه قال فرد السلام ثم قال مرحبا بالإبن الصالح والنبي الصالح قال ثم رفعت الي سدره المنتهى قال ثم رفع لي البيت
المعمور قال ثم فرضت الصلاة علي خمسين صلاة كل يوم قال فرجعت فمررت على موسى عليه السلام فقال بم امرت قال امرت بخمسين صلاة كل يوم قال ان امتك لا تستطيع خمسين صلاة واني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني اسرائيل اشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك قال فرجعت فوضع عني عشرا قال فرجعت إلى موسى فقال بم امرت قلت بأربعين صلاة كل يوم قال ان امتك لاتستطيع اربعين صلاة كل يوم واني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني اسرائيل اشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك قال فرجعت فوضع عني عشرا اخر قال فرجعت إلى موسى فقال لي بم امرت قال امرت بثلاثين صلاة كل يوم قال ان امتك لا تستطيع ثلاثين صلاة كل يوم واني قد أخبرت الناس قبلك وعالجت بني اسرائيل اشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك
قال فرجعت فوضع عني عشرا اخر فرجعت إلى موسى فقال لي بم امرت قلت بعشرين صلاة كل يوم فقال ان امتك لاتستطيع عشرين صلاة كل يوم واني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني اسرائيل اشد المعالجه فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك قال فرجعت فأمرت بعشر صلوات كل يوم قال فرجعت إلى موسى فقال بم امرت قلت امرت بعشر صلوات كل يوم فقال ان امتك لاتستطيع عشر صلوات كل يوم واني قد أخبرت الناس قبلك وعالجت بني اسرائيل اشد المعالجة فارجع إلى ربك فاساله التخفيف لأمتك قال فرجعت فامرت بخمس صلوات كل يوم فرجعت إلى موسى فقال بم امرت قلت امرت بخمس صلوات كل يوم فقال ان امتك لاتستطيع خمس صلوات كل يوم واني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني اسرائيل اشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف قال قلت قد سألت ربي حتى استحيت منه ولكني ارضى وأسلم فلما نفذت نادى مناد قد امضيت فريضتي وخففت عن عبادي
قال الحافظ أبو الفضل ابن ناصر رحمه الله تعالى اتفق أئمة أصحاب الحديث على صحة هذا الحديث وثبوته وأخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما وغيرهما
قرئ على أبي زرعه طاهر بن محمد بن طاهر المقدسي وانا اسمع أخبركم أبو منصور محمد بن الحسين المقومي أنبأ أبو طلحه القاسم بن أبي المنذر أنبأ أبو الحسن علي بن ابراهيم بن سلمه أنبأ أبو عبد الله محمد ابن يزيد بن ماجه ثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ثنا أبو عاصم العباداني ثنا الفضل الرقاشي عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله ﷺ بينا أهل الجنة في نعيمهم اذ سطع لهم نور فرفعوا رؤوسهم فإذا الرب تعالى قد اشرف عليهم من فوقهم فقال السلام عليكم يا أهل الجنه قال وذلك قوله الله تعالى سلام قولا من رب رحيم قال فينظر إليهم وينظرون إليه ولا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم ويبقى نوره وبركته عليهم في ديارهم
أخبرنا طاهر بن محمد المقدسي أنبأ محمد بن الحسين أنبأ القاسم بن أبي المنذر أنبأ علي بن ابراهيم بن سلمة قال أنبأ محمد بن يزيد ثنا بكر ابن خلف حدثني يحيى بن سعد عن موسى بن أبي عيسى الطحان عن عون بن عبد الله عن ابيه أو عن اخيه عن النعمان بن بشير قال قال رسول الله ﷺ ان مما تذكرون من جلال الله التسبيح والتهليل والتحميد يتعطفن حول العرش لهن دوي كدوي النحل تذكر بصاحبها اما يحب احدكم ان يكون له أو يزال من يذكر به
رواه ابن ماجه
أخبرنا محمد بن عبد الباقي أنبأ أحمد بن الحسن بن خيرون أنبأ أبو القاسم بن بشران أنبأ أبو علي أحمد بن الفضل بن العباس بن خزيمه ثنا علي بن الحسين بن يزيد الصدابي ثنا أبي الوليد بن القاسم عن يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله ﷺ ما قال عبد لا اله الا الله مخلصا الا صعدت لا يردها حجاب فإذا وصلت إلى الله نظر إلى قائلها وحق على الله ان لا ينظر إلى موحد الا رحمه
أخبرنا الرئييس الاديب أبو العز محمد بن محمد بن مواهب الخراساني أنبأنا أبو الحسين بن الطيوري أنبأ محمد بن علي بن الفتح الحربي أنبأ أبو حفص بن شاهين ثنا محمد بن مخلد ثنا عبدوس بن بشر ثنا عبد العزيز بن عبد الواحد العسقلاني ثنا أبو نعيم عمر بن صبح عن مقاتل بن حيان عن الضاحك بن مزاحم عن ابن عباس رضى الله عنهما عن النبي ﷺ قال ان الله عمودا من نور اسفله تحت الارض السابعة وراسه تحت العرش فإذا قال العبد أشهد ان لا اله الا الله وأشهد ان محمدا عبده ورسوله اهتز ذلك العمود فيقول الله تعالى له اسكن قال يا رب كيف اسكن وانت لم تغفر لقائلها قال فيقول الله تعالى قد غفرت له فقال رسول الله ﷺ اكثروا من هز ذلك العمود
أخبرنا محمد أنبأ أحمد أنبأ أبو نعيم الحافظ أنبأ أبو بكر بن خلاد ثنا الحارث أبي اسامه ثنا أبو النعيم ثنا الاعمش عن ابراهيم التميمي عن ابيه عن أبي ذر رضى الله عنه قال كنا جلوسا عند النبي ﷺ في المسجد عند غروب الشمس فقال يا ابا ذر اتدري اين تغرب الشمس قلت الله ورسوله اعلم قال فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش عند ربها وتستأذن فلا يؤذن لها حتى تستشفع وتطلب فإذا طال عليها قيل لها اطلعي من مكانك فذلك قوله تعالى والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم
صحيح متفق عليه قال أبو نعيم
أخبرنا محمد بن عبد الباقي أنبأ أحمد بن الحسن أنبأ الحسن بن أحمد أنبأ أحمد بن محمد بن عبد الله أنبأ أحمد بن محمد بن عيسى ثنا القعنبي ثنا مالك عن أبي الزناد عن الاعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله ﷺ قال يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويتجمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم وهو اعلم بهم كيف تركتم عبادي فيقولون تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون
متفق عليه
أخبرنا محمد أنبأ أحمد بن الحسن أنبأ أبو علي بن شاذان أنبأ أبو سهل أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد أنبأ أحمد بن محمد بن عيسى البرتي ثنا يحيى يعني الحماني ثنا أبو معاويه عن الاعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله ﷺ ان الله ملائكة سياحين في الأرض فضلا عن كتاب الناس فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تعالى نادوا هلموا إلى بغيتكم فيحفون بهم يعني فإذا تفرقوا صعدوا إلى السماء فيقول الله تبارك وتعالى اي شئ تركتم عبادي يصنعونن فيقولون تركناهم يحمدونك ويمجدونك ويذكرونك فيقول وهل رأوني فيقولون لا فيقول وكيف لو رأوني فيقولون لو رأوك كانوا لك اشد تحميدا وتمجيدا وذكرا فيقول فأي شئ يطلبون فيقولون يطلبون الجنه فيقول وهل رأوها فيقولون لا فيقول فكيف لو رأوها فيقولون لو رأوها
كانوا اشد طلبا لها واشد حرصا فيقول من اي شيء يتعذون فيقولون يتعذون من النار فيقول هل رأوها فيقولون لا فيقول فكيف لو رأوها فيقولون لو رأوها لكانوا اشد منها هربا واشد منها تعوذا وخوفا فيقول فإني أشهدكم اني قد غفرت لهم فيقولون فيهم فلان الخطاء لم يردهم انما جآء لحاجه فيقول هم القوم لا يشقى جليسهم مرتين
أخبرنا محمد أنبأ حمد أنبأ أحمد ثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا عبد الله بن عمر بن ابان ثنا مروان بن معاويه عن عبيد الله بن عبد الله عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة رضى الله عنه قاله قال رسول الله ﷺ ما طرف صاحب الصور مذ
وكل به مستعد ينظر نحو العرش مخافة ان يؤمر قبل ان يرتد إليه طرف كأن عينيه كوكبان دريان
قال أحمد وحدثنا سليمان بن أحمد حدثنا المقدام بن داود حدثنا اسد بن موسى حدثنا يوسف بن زياد عن عبد المنعم بن ادريس عن ابيه عن جده وهب بن منبه عن أبي هريرة رضى الله عنه ان رجلا من إليهود اتى النبي ﷺ فقال يا رسول الله هل احتجب الله من خلقه بشئ غير السموات قال نعم بينه وبين الملائكة الذين حول العرش سبعون حجابا من نور وسبعون حجابا من نار وسبعون حجابا من ظلمه وسبعون حجابا من رفاف الاستبرق وسبعون حجابا من رفاف السندس وسبعون حجابا من در ابيض وسبعون حجابا من در احمر وسبعون حجابا من در اصفر وسبعون حجابا من در اخضر وسبعون حجابا من ضياء إستضاءه من ضوء النار والنور وسبعون حجابا من ثلج وسبعون حجابا من ماء وسبعون حجابا من غمام وسبعونه حجابا من برد وسبعون حجابا من عظمة الله التي لاتوصف قال فأخبرني عن ملك الله الذي يليه فقال النبي ﷺ اصدقت فيما أخبرتك يا يهودي قال نعم قال فإن الملك الذي يليه اسرافيل
ثم جبريل ثم ميكائيل ثم ملك الموت
قرأت على أبي العباس أحمد بن المبارك بن سعد بن المرقعاتي أخبركم جدك أبو المعالي ثابت بن بندار بن ابراهيم البقال قال أنبأ أبو علي الحسن ابن الحسين بن العباس بن دوما أنبأ أبو علي مخلد بن جعفر الباقرحي أنبأ أبو محمد الحسن بن علي أنبأ اسماعيل بن عيسى العطار أنبأ أبو حذيفه اسحاق بن بشر أخبرنا ابن جريح عن عطاء ومقاتل عن عكرمه عن ابن عباس قال قال جبريل يا محمد كيف لو رأيت
اسرافيل ورأسه من تحت العرش ورجلاه في التخوم السابعه وان العرش لعلي كاهله وانه ليتضاءل احيانا من مخافة الله تعالى حتى يصير مثل الوصع يعني مثل العصفور حتى ما يحمل عرش ربك الا عظمته
ذكر أخبار وارده في هذا عن الأنبياء المتقدمين عليهم السلام
أخبرنا أبو الفتح محمد بن عبد الباقي أنبأ حمد بن أحمد أنبأ أبو نعيم ثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا محمد بن يزيد الرفاعي ثنا اسحاق بن سليمان ثنا أبو جعفر الرازي عن عاصم بن بهدلة عن أبي صالح عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله ﷺ لما القي ابراهيم عليه السلام في النار قال اللهم انك واحد في السماء وانا في الأرض واحد اعبدك
ومن كتاب العروس قال ثنا محمد بن سعد بن الحسين ثنا أحمد بن ابراهيم الموصلي ثنا الربيع بن سليمان عن حفص بن عبد الله عن عثمان بن
عطاء الخراساني عن ابيه عن أبي سفيان الألهاني عن تميم الداري قال سألنا رسول الله ﷺ عن معانقة الرحل الرجل إذا هو لقيه فقال رسول الله ﷺ ان أول من عانق خليل الله ابراهيم وذلك انه خرج يرتاد لماشيته في جبل من جبال بيت المقدس فسمع صوتا يقدس الله تعالى فذهل عما كان يطلب وقصد قصد الصوت فإذا هو برجل أهلب طوله ثمانية عشره ذراعا يقدس الله تعالى فقال له ابراهيم يا شيخ من ربك قال الذي في السماء قال من رب الذي في السماء قال الذي في السماء قال وما فيهما اله غيره قال لا إله إلا هو رب من في السماء ورب من في الأرض قال يا شيخ هل معك أحد من قومك قال ما علمت ان احدا من قومي بقي غيري قال فما طعامك قال اجمع من ثمر هذا الشجر في الصيف فآكله في الشتاء قال فأين قبلتك قال فأومأ إلى قبلة ابراهيم عليه السلام قال اين منزلك قال في تلك المغارة قال فانطلق إلى بيتك قال ان بيني وبين بيتي واديا لاينخاض قال فكيف تعبره قال اعبر على الماء ذاهبا واعبر عليه جائيا فقال ابراهيم انطلق فلعل الذي يذلله لك يذلله لي فانطلقا فأتيا الماء فمشى كل واحد منهما على الماء يعجب مما أوتي صاحبه فدخلا إلى الغار فنظر ابراهيم فإذا قبلته قبلة فقال له
ابراهيم يا شيخ اي يوم اعظم قال يزم يضع الله كرسيه للحساب يوم تؤمر جهنم ان تزفر زفرة لايبقى لها ملك مقرب ولا نبي مرسل الا خر ساجدا تهمته نفسه من هول ذلك اليوم قال ابراهيم يا شيخ ادع الله ان يؤمنني وإياك من هول ذلك اليوم قال وما تصنع بدعائي ان لي دعوه محبوسة في السماء منذ ثلاث سنين لم ارها قال له ابراهيم ألا أخبرك ما حبس دعاءك قال بلى قال ان الله تعالى إذا احب عبدا اخر مسألته لحبه صوته وإذا ابغض عبدا عجل مسألته أو القي الإياس في صدره فما دعوتك المحبوسة في السماء منذ ثلاث سنين قال مر بي في هذا المكان شاب له ذؤابة في راسه معه غنم له كأنما حشيت وبقر كأنما دهنت قلت بالله لمن هذه قال لخليل الله ابراهيم عليه السلام فقلت اللهم ان كان لك خليل في الارض فأرنيه قبل خروجي من الدنيا فقال ابراهيم قد اجيب دعوتك فاعتنق هو وابراهيم وكان قبل ذلك السجود يسجد هذا لهذا وهذا لهذا إذا هو لقيه ثم جاء الاسلام بالمصافحة فلا يفترق الأصابع حتى يغفر لكل واحد منهما والحمد الله الذي وضع عنا الآصار
أخبرنا الشيخ أبو بكر عبد الله بن محمد بن أحمد بن النقور وقراءة عليه وانا اسمع قال أنبأ أبو بكر الطريثيثي ثنا أبو القاسم الطبري
أنبأ عيسى بن علي أنبأ عبد الله بن محمد البغوي ثنا علي بن مسلم ثنا سيار ثنا جعفر بن سليمان ثنا ثابت قال كان داود عليه السلام يطيل الصلاه ثم يركع ثم يرفع رأسه إلى السماء ثم يقول اليك رفعت رأسي يا عامر السماء نظر العبيد إلى أربابها يا سكن السماء
أخبرنا أحمد بن المبارك أنبأ جدي لأمي ثابت بن بندار أنبأ أبو علي بن دوما أنبأ مخلد بن جعفر أنبأ الحسن بن علويه ثنا اسماعيل أنبأ اسحاق أنبأ سعيد عن قتادة عن الحسن قال سمع يونس عليه السلام تسبيح الحصى وتسبيح الحيتان وقال فجعل يسبح ويهلل ويقدس وكان يقول في دعائه سيدي في السماء مسكنك وفي الأرض قدرتك وعجائبك سيدي من الجبال اهبطتني وفي البلاد سيرتني وفي الظلمات الثلاث حبستني الهي سجنتني بسجن لم تسجن به احدا قلبي الهي عاقبتني بعقوبه لم تعاقب بها احدا قبلي فلما كان تمام اربعين يوما واصابة الغم فنادى في الظلمات ان لا اله إلا أنت سبحانك اني كنت من الظالمين
قرأت على أبي العباس أحمد بن المبارك بن سعد بن المرقعاتي أخبركم جدك أبو
المعالي ثابت بن بندار بن ابراهيم البقال قال أنبأ أبو علي الحسن بن الحسين ابن العباس بن دوما أنبأ أبو علي مخلد بن جعفر الباقرحي أنبأ أبو محمد الحسن ابن علي أنبأ اسماعيل بن عيسى العطار أنبأ أبو حذيفة اسحاق بن بشر عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قالت إمرأه العزيز ليوسف عليه السلام يا يوسف اني كثيرة الدر والياقوت والزمرد فأعطيك ذلك كله حتى تنفقه في مرضاة سيدك الذي في السماء
أخبرنا محمد بن عبد الباقي أنبأنا حمد ابن أحمد الحداد أنبأنا أحمد حدثنا أبي ومحمد بن أحمد قالا ثنا الحسن ثنا محمد بن حميد ثنا يعقوب عن جعفر عن سعيد بن جبير قال قحط الناس في زمن ملك من ملوك بني اسرائيل ثلاث سنين فقال الملك ليرسلن الله علينا السماء أو لنؤذيه فقال له جلساؤه وكيف تقدر على ان تؤذيه أو تغيظه وهو في السماء وانت في الارض قال اقتل اوليائه من أهل الأرض فيكون ذلك اذى له قال فأرسل الله عليهم السماء
اقوال الصحابة رضي الله عنهم اجمعين
قد تقدمت الرواية عن عدي بن عميره العبدي انه قال فخرجت مهاجرا إلى النبي ﷺ فإذا هو ومن معه يسجدون على وجوههم ويزعمون ان الههم في السماء وهذا أخبار عن جمعيعهم
وكذلك خبر العبد الأسود حين انتهى إلى أصحاب رسول الله ﷺ فقال لبعض أصحابه من هذا قالوا رسول الله ﷺ قال الذي في السماء قالوا نعم
وكذلك روايتهم الأخبار التي رووها في هذا المعنى ولا شك في انهم كانوا مصدقين بها معتقدين صحتها
وكذلك جواب من سئل منهم عن الله تعالى فقال هو في السماء
وذكرنا شعر حسان والعباس بن مرداس الذي انشده بين يدي
رسول الله ﷺ
وقال أبو عمر بن عبد البر في كتاب الاستيعاب روينا من جوه صحاح ان عبد الله بن رواحة رضي الله عنه مشى ليلة إلى أمة له فنالها فرأته امرأته فلامته فجحدها فقالت ان كنت صادقا فاقرأ القرآن فإن الجنب لا يقرأ القرآن فقال ... شهدت بأن وعد الله حق ... وان النار مثوى الكافيرنا ... وان العرش فوق الماء طاف ... وفوق العرش رب العالمينا ... وتحمله ملائكة كرام ... واملاك إلإله مسومينا ...
فقالت امرأته صدق الله وكذبت عيني وكانت لا تحفظ القرآن
وأخبرنا أبو المعالي عبد الله بن عبد الرحمن السلمي قال أنبأنا أبو القاسم الحسني أنبأ عبد العزيز الكتاني أنبأ عبد الرحمن بن عثمان أنبأ عمي محمد بن القاسم أنبأ أبو بكر أحمد بن علي بن سعيد أنبأ أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو اسامة عن نافع قال كانت لعبد الله بن رواحة جارية فكان يكاتم امرأته غشيانها فوقع عليها ذات يوم ثم جاء إلى امرأته فاتهمته ان يكون وقع عليها فأنكرت ذلك فقالت له أقرأ القرآن فقال ... شهدت باذن الله ان محمدا ... رسول الذي فوق السموات من عل ... وان ابا يحيى ويحيى كلاهما ... له عمل من ربه متقبل ...
فقالت اولى لك
وقد اشتهر شعر امية بن أبي الصلت ... مجدوا الله وهو للمجد أهل ... ربنا في السماء امسى كبيرا ... بالبناء الأعلى الذي سبق الخا ... لق وسوى فوق السماء سريرا ... سيرجع ما يناله بصر العي ... ن دونه الملائكة صورا
وقال النبي ﷺ آمن شعره وكفر قلبه
أخبرنا الشيخ أبو الحسين عبد الحق بن عبد الخالق اليوسفي أنبأنا محمد بن علي بن ميمون النرسي أنبأ أبو محمد الغندجاني أنبأ أبو بكر بن عبدان أنبأ أبو الحسن بن سهل أنبأ محمد بن اسماعيل البخاري قال قال محمد بن فضيل عن فضيل بن غزوان عن نافع عن ابن عمر رضى الله
عنهما قال لما قبض رسول ﷺ دخل أبو بكر عليه فأكب عليه وقبل جبهته وقال بأبي أنت وامي طبت حيا وميتا وقال من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله في السماء حي لا يموت
أخبرنا محمد أنبأنا حمد أنبأ أبو نعيم ثنا عبد الله بن محمد بن شبل ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا وكيع عن اسماعيل عن قيس قال لما قدم عمر رضي الله عنه الشام استقبله الناس وهو على بعيره فقالوا يا أمير المؤمنين لو ركبت برذونا تلقاك عظماء الناس ووجوههم فقال عمر الا اراكم ههنا انما الأمر من ههنا واشار بيده إلى السماء
قال أبو عمر بن عبد البر روينا من وجوه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه خرج ومعه الناس فمر بعجوز فاستوقفته فوقف فجعل يحدثها وتحدثه فقال رجل يا أمير المؤمنين حبست الناس على هذه العجوز قال ويلك اتدري من هي هذه أمرأة سمع الله شكواها من فوق سبع
سموات هذه خولة بنت ثعلبة التي انزل الله فيها قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما والله لو انها وقفت إلى الليل ما فارقتها الا الصلاه ثم ارجع إليها
وروى خليد بن دعلج عن قتاده قال خرج عمر رضي الله عنه من المسجد ومعه الجارود العبدي فإذا بامرأة برزة على ظهر الطريق فسلم عمر عليها فردت عليه السلام وقالت ايها يا عمر عهدتك وانت تسمى عميرا في سوق عكاظ ترع الصبيان بعصاك فلم تذهب الأيام حتى سميت عمر ثم لم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمنين فاتق الله في الرعيه واعلم انه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد ومن خاف الموت خشي الفوت فقال الجارود اكثرت أيتها المرأه على أمير المؤمنين فقال عمر دعها اما تعرفها هذه خولة بنت حكيم التي سمع الله قولها من فوق سبع سموات فعمر احق ان يسمع لها
أخبرنا محمد أنبأ حمد أبو نعيم أنبأ أبو بكر أحمد بن محمد بن الحارث ثنا الفضل بن الحباب الجمحي ثنا مسدد ثنا عبد الوارث بن سعيد عن محمد ابن اسحاق عن النعمان بن سعد قال كنت بالكوفه في دار الامارة دار علي بن أبي طالب رضي الله عنه إذ دخل علينا نوف بن عبد الله فقال يا أمير المؤمنين ان بالباب اربعون رجلا من إليهود فقال علي علي بهم فلما وقفوا بين يديه قالوا له يا علي صف لنا ربك هذا الذي هو في السماء كيف هو وكيف كان ومتى كان وعلى اي شيء هو فاستوى علي جالسا فقال يا معشر إليهود اسمعوا مني ولا تبالوا ان لا تسألوا أحد غيري ان ربي تعالى هو الاول لم يبد مماء ولا ممازج مع ماء ولا حال وهما ولا شبح ينقضي ثم ذكر الحديث بطوله
أخبرنا عبد الله بن محمد أنبأ أحمد بن علي أنبأ هبد الله أنبا كوهي بن الحسن أنبأ محمد بن هارون الحضرمي أنبأ المنذر بن الوليد ثنا أبي ثنا الحسن بن أبي جعفر عن عاصم عن زر عن عبد الله يعني ابن مسعود رضي الله عنه قال ما بين السماء القصوى وبين الكرسي خمس مائة سنة وما بين الكرسي
والماء خمس مائة سنه والعرش فوق الماء والله فوق العرش لايخفى عليه شيء من اعمال بني آدم
وأخبرنا أبو بكر عبد الله بن محمد قال أنبأ أبو بكر الطريثيثي أنبأ أبو القاسم الطبري أنبأ عبد الله بن محمد بن جعفر ثنا عبد الغافر بن سلامة ثنا أبو ثوبان مزداد بن جميل أنبأ عبد الملك بن ابراهيم الجدي أنبأ شعبه عن أبي اسحاق الهمداني عن أبي عبيدة عن عبد الله قال ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء
أخبرنا أبو بكر بن النقور قال أنبأنا أبو بكر الطيرثيثي قال حدثنا أبو القاسم الطبري أنبا الحسن بن عثمان أنبأ علي بن محمد بن الزبير ثنا ابراهيم ابن أبي العنبس ثنا يعلى بن عبيد عن سفيان عن أبي هاشم عن مجاهد قال
قيل لابن عباس ان ناسا يقولون بالقدر فقال يكذبون بالكتاب لئن اخذت بشعر احدهم لانضونه ان الله تعالى كان على عرشه قبل ان يخلق شيئا فخلق الخلق وكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة وانما يجري الناس على امر قد فرغ منه
قال وأخبرنا أحمد بن محمد أخبرنا عبد الله بن محمد بن زياد حدثنا ابن شيرويه حدثنا اسحاق ابن راهويه ثنا ابراهيم بن الحكم بن ابان عن ابيه في عكرمة في قوله تعالى ثم لآتينهم من بين ايديهم ومن خلفهم وعن ايمانهم وعن شمائلهم قال ابن عباس لم يستطع ان يقول من فوقهم علم ان الله من فوقهم
وروى عبد الله بن أحمد ثنا أبو بكر ثنا عاصم بن علي ثنا أبي عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال تفكروا في كل شيء ولا تفكروا في ذات الله فإن بين السموات السبع إلى
كرسيه سبعة آلاف سنة وهو فوق ذلك تبارك وتعالى
أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال أنبأنا أبو الفضل حمد بن أحمد قال أنبأنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن اسحاق الحافظ قال ثنا أبو عمرو بن حمدان قال ثنا الحسن بن سفيان قال ثنا الهيثم بن جناد ثنا يحيى يعني ابن سليم عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن ابن أبي مليكة قال إستأذن ابن عباس على عائشه رضي الله عنها وهي تموت فقالت لا حاجة لي بتزكيته فقال عبد الرحمن بن أبي بكر يا امتاه ان ابن عباس من صالح بنيك جاء يعودك قالت فائذن له فدخل عليها فقال يا امه ابشري فو الله ما بينك وبين ان تلق محمدا والأحبه الا ان يفارق روحك جسدك كنت احب نساء رسول الله ﷺ إليه ولم يكن رسول الله ﷺ يحب الا طيبا قالت ايضا قال هلكت قلادتك بالأبواء فأصبح رسول الله ﷺ يلتقطها فلم يجدوا ماء فأنزل الله تعالى فتيمموا
صعيدا طيبا فكان ذلك سببك وبركتك ما انزل الله تعالى لهذه الأمة من الرخصه وكان من امر مسطح ما كان فأنزل الله تعالى براءتك من فوق سبع سموات فليس مسجد يذكر الله تعالى فيه الا وشأنك يتلى فيه آناء الليل واطراف النهار
أخبرنا محمد بن عبد الباقي أنبأنا حمد بن أحمد أنبأنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ حدثنا أبو حامد بن جبله ثنا محمد بن اسحاق ثنا الحسن بن محمد ابن الصباح ثنا عمرو بن محمد العنقري قال ثنا عيسى بن طهمان قال سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول كانت زينب تفخر على ازواج رسول الله ﷺ تقول ان الله زوجني من السمآء واطعم عليها خبزا ولحما
وفي لفظ تقول زوجكن اهاليكن وزوجني الله تعالى من فوق سبع سموات أخرجه البخاري
أخبرنا عبد الله بن محمد أنبأ أبو بكر أحمد بن علي أنبأ أبو القاسم هبة الله ابن الحسن أنبأ عبيد الله بن محمد ثنا عبد الصمد بن علي ثنا محمد بن عمر ثنا أبو كنانة محمد بن اشرس الأنصاري ثنا أبو عمير الحنفي عن قرة بن خالد عن الحسن عن امه عن ام سلمة رضي الله عنها في قوله تعالى الرحمن على العرش استوى قالت الكيف غير معقول والاستواء غير مجهول والإقرار به ايمان والجحود به كفر
اقوال التابعين رحمه الله عليهم اجمعين
أخبرنا محمد بن عبد الباقي أنبأ أحمد بن الحسن أنبأ أبو القاسم بن بشران أنبأ أبو الفضل ابن خزيمه ثنا محمد بن أبي العوام ثنا موسى بن داود ثنا أبو مسعود الجرار عن علي بن الأقمر قال كان مسروق اذا حدث عن عائشه رضي الله عنها قال حدثتني الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله المبرأة من فوق سبع سموات فلم اكذبها
أخبرنا محمد أنبأ حمد أنبأأحمد ثنا أبو محمد بن حيان ثنا الوليد بن أبان ثنا عبد الله بن محمد بن زكريا ثنا سلمه بن شبيب ثنا ابراهيم بن الحكم حدثني أبي عن عكرمة قال بينما رجل مستلق على مثلة في الجنة فقال في
نفسه ولم يحرك شفتيه لو ان الله يأذن لي لزرعت في الجنة فلم يعلم الا والملائكة على أبواب جنته قابضين على اكفهم فيقولون سلام عليك فاستوى قاعدا فقالوا له يقول لك ربك تمنيت شيئا في نفسك فقد علمته وقد بعث معنا هذا البذر يقول لك ربك ابذر فألقى يمينا وشمالا وبين يديه وخلفه فخرج امثال الجبال على ما كان تمنى وأراده فقال له الرب تعالى من فوق عرشه كل يا ابن آدم فإن ابن آدم لايشبع
قرأت على أحمد بن المبارك أخبركم ثابت بن بندار أنبأ أبو علي بن دوما أنبأ مخلد بن جعفر أنبأ الحسن بن علي القطان أنبأ اسماعيل بن عيسى العطار ثنا اسحاق بن بشر عن أبي بكر الهذلي عن الحسن قال ليس شئ عند ربك من الخلق اقرب إليه من اسلاافيل وبينه وبين ربه سبع
حجب كل حجاب مسيرة خمسمائة عام واسرافيل دون هؤلاء وراسه من تحت العرش ورجلاه في تخوم الثرى
أخبرنا محمد أنبأنا حمد أنبانا أحمد بن عبد الله حدثنا أحمد بن محمد بن الفضل ثنا أبو العباس السراج ثنا عبد الله بن أبي الزناد وهارون قالا ثنا سيار ثنا جعفر قال سمعت مالك بن دينار يقول ان الصديقين اذا قرئ عليهم القرآن طربت قلوبهم إلى الآخره ثم قال خذوا فيقرأ ويقول اسمعوا إلى قول الصادق من فوق عرشه
قال أحمد حدثنا أبي ثنا أحمد بن محمد بن عمر ثنا أبو بكر بن عبيد حدثني أبو علي المدائني ثنا ابراهيم بن الحسن عن شيخ من قريش يكنى ابا جعفر عن مالك بن دينار قال قرات في بعض الكتب ان الله تعالى يقول يا ابن آدم خيري ينزل عليك وشرك يصعد الي واتحبب اليك
بالنعم وتتبغض الي بالمعاصي ولا يزال ملك كريم قد عرج منك الي بعمل قبيح
قال ابن عبد البر وذكر سنيد عن مقاتل بن حيان عن الضحاك بن مزاحم في قوله تعالى ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم 00 الايه قال هو على عرشه وعلمه معهم اينما كانوا
قال وبلغني عن سفيان الثوري مثله
أخبرنا عبد الله بن محمد أنبأنا أحمد بن علي أنبأنا هبه الله بن الحسن حدثنا عبد الله بن أحمد بن القاسم أنبأنا أبو بكر أحمد بن محمود ابن يحيى ثنا أحمد بن محمد بن صدقه ثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان ثنا يحيى بن آدم عن ابن عيينه قال سئل ربيعة عن قوله تعالى الرحمن على العرش استوى كيف استوى قال الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول ومن الله الرسالة وعلى الرسول البلاغ وعلينا التصديق
أخبرنا أبو بكر أنبأنا أبو القاسم قال أنبأنا أحمد بن عبيد أنبأ محمد بن الحسين أنبأنا أحمد بن أبي خيثمة ثنا هارون بن معروف ثنا ضمرة عن صدقة قال سمعت سليمان التميمي يقول لو سئلت اين الله تبارك وتعالى قلت في السماء
اقوال الأئمة رضي الله عنهم
أخبرنا أبو بكر عبد الله بن محمد قال أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي أنبأ هبة الله بن الحسن أنبأ محمد بن عبيد الله بن الحجاج أنبأ أحمد بن الحسن ثنا عبد الله ابن أحمد أنبأ أبي ثنا سريج بن النعمان قال حدثني عبد الله بن نافع قال قال مالك الله في السماء وعلمه في كل مكان لا يخلو منه شيء
قال أبو عمر بن عبد البر علماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم التأويل قالوا في تأويل قوله تعالى ما يكون من نجوى ثلاثه الا هو رابعهم هو على العرش وعلمه في كل مكان وما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله
وروى بإسناده عن معدان قال سالت سفيان الثوري عن قوله تعالى وهو معكم أينما كنتم قال
علمه
وقال حنبل قلت لأبي عبد الله ما معنى قوله وهو معكم أينما كنتم و ما يكون من نجوى ثلاثه الا هو رابعهم قال علمه عالم الغيب والشهاده علمه محيط بكل شيء شاهد علام الغيوب يعلم الغيب ربنا على العرش بلا حد ولا صفه وسع كرسيه السموات والأرض
وروى عن يوسف بن موسى الغدادي انه قال قيل لأبي عبد الله أحمد بن حنبل الله تعالى فوق السمآء السابعة على عرشه بائن من خلقه وقدرته وعلمه بكل مكان قال نعم على العرش و لايخلو منه مكان
وبلغني عن أبي حنيفة رحمه الله انه قال في كتاب الفقه
الأكبر من انكر ان الله تعالى في السماء فقد كفر
أخبرنا عبد الله بن محمد أنبأنا أحمد بن علي أنبأنا هبة الله بن الحسن أنبأنا أحمد بن محمد بن حفص أنبأ محمد بن أحمد ثنا الحسن بن يوسف ثنا أحمد بن علي بن زيد ثنا محمد بن أبي عمرو ثنا بن وهب قال سمعت شداد بن حكيم يذكر عن محمد بن الحسن في الأحاديث ان الله يهبط إلى السماء الدنيا ونحو هذا من الأحاديث ان هذه الأحاديث قد روتها الثقات فنحن نرويها ونؤمن بها ولا نفسرها
أخبرنا الإمام أبو الحسن علي بن عساكر بن المرحب البطائحي المقرئ قال أنبأنا الأمين أبو طالب عبد القادر بن محمد بن عبد القادر اليوسفي قال أنبأنا أبو اسحاق ابراهيم بن عمر البرمكي أنبأ أبو بكر محمد بن عبد الله بن بخيت قال أنبأ أبو حفص عمر بن محمد بن عيسى الجوهري قال ثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن هانئ الطائي الأثرم قال حدثني علي بن الحسن بن شقيق قال قلت لابن المبارك كيف نعرف ربنا قال في السماء السابعة
على عرشه ولا نقول كما تقول الجهمية انه ههنا وههنا
قال أبو بكر الأثرم وحدثني محمد بن ابراهيم القيسي قال قلت لأحمد ابن حنبل يحكى عن ابن المبارك انه قيل له كيف نعرف ربنا قال في السماء السابعة على عرشه قال أحمد هكذا هو عندنا
قال الأثرم وحدثنا أبو عبد الله الأوسي قال سمعت وهب بن جرير يقول انما يريد الجهمية انه ليس في السماء شئ
قال وقلت لسليمان بن حرب اي شيء كان حماد بن زيد يقول في الجهميه فقال كان يقول إنما يريدون انه ليس في السماء شيء
أخبرنا عبدالله أنبأنا حمد حدثنا هبة الله قال أخبرنا محمد بن الحسين بن يعقوب أنبأ دعلج بن أحمد ثنا أحمد بن علي الأبار ثنا محمد بن منصور الطوسي ثنا نوح بن ميمون ثنا بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان في قوله تعالى ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم
قال هو العرش ولن يخل شئ من علمه
وعن جعفر بن عبدالله انه قال جاء رجل إلى مالك بن أنس فقال يا ابا عبد الله الرحمن على العرش استوى كيف استوى قال فما رايت مالكا وجد من شيء كموجدته من مقالته وعلاه الرخضآء يعني العرق واطرق القوم وجعلوا ينتظرون ما يأتي منه فيه قال فسري عن مالك فقال الكيف غير معقول والإستواء منه غير مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعه واني اخاف ان تكون ضالا وأمر به فأخرج
قال هبه الله وأنبانا محمد بن جعفر النحوي حدثنا أبو عبد الله نفطويه قال حدثني أبو سليمان داود ابن علي قال كنا عند ابن الأعرابي فأتاه رجل فقال ما معنى قول الله تعالى الرحمن على العرش استوى فقال هو على عرشه كما الله تعالى فقال يا ابا عبد الله ليس هذا معناه انما معناه استولى فقال اسكت ما أنت وهذا لا يقال
استولى الشيء على الشيء الا ان يكون له مضاد فإذ ا غلب احدهما قيل استولى اما سمعت قول النابغه ... الا لمثلك أو من أنت سابقه ... سبق الجواد إذا استولى على الأمد ...
حدثني ابني أبو المجد عيسى بن عبد الله قال أخبرنا الشيخ أبو طاهر المبارك ابن أبي المعالي بن المعطوش أنبأنا أبو الغنائم محمد بن محمد بن المهتدي بالله أنبأنا الشيخ أبو اسحاق ابراهيم بن عمير البرمكي أنبأ أبو الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري قال حدثني حمزة بن الحسين بن عمر البزاز قال حدثني عبد الله بن محمد بن عبيد قال حدثني عباس ابن دهقان قال قلت لبشر بن الحارث احب ان اخلو معك قال إذا شئت فبكرت يوما فرأيته قد دخل قبة فصلى فيها اربع ركعات لا احسن ان اصلي مثلها فسمعته يقول في سجوده اللهم انك تعلم فوق عرشك ان الذل احب الي من الشرف اللهم انك تعلم فوق عرشك أن الفقر أحب إلى من الغنى اللهم إنك تعلم فوق عرشك اني لا اوثر على حبك شيئا فلما سمعته اخذني الشهيق والبكاء فلما سمعني
قال أنت تعلم اني لو أعلم ان هذا ههنا اني لم اتكلم
أخبرنا الشيخ الزكي أبو علي الحسن بن سلامه بن محمد الحراني قال أنبأنا أبو اسحاق ابراهيم بن محمد بن نبهان الغنوي الرقي قال أخبرنا شيخ الاسلام أبو الحسن علي بن أحمد بن يوسف القرشي الهكاري قال أخبرنا الزاهد أحمد بن عاصم الموصلي حدثنا أبو القاسم علي بن القاسم المقرئ بالموصل قال كتبت من كتاب ابن هشام البلدي
بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما وصى به محمد بن ادريس الشافعي ح قال شيخ الاسلام أخبرنا أبو منصور محمد بن علي بن محمد بن الحسن بن سهل بن خليفة بن الصياح البلدي قال حدثني جدي محمد بن الحسن بن سهل بن خليفة حدثنا أبو علي الحسين بن هشام ابن عمر البلدي قال هذه وصية محمد بن ادريس الشافعي رضي الله تعالى عنه
اوصي انه يشهد ان لا اله الا الله وحده لاشريك له وان
محمدا ﷺ عبد ورسوله وانه يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا يفرق بين أحد من رسله وان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك امرت وان الله يبعث من في القبور وان الجنة حق وان النار حق وان عذاب القبر والحساب والميزان والصراط حق وان الله يجزي العباد بأعمالهم عليه احيا وعليه اموت وعليه ابعث ان شاء الله وأشهد ان الايمان قول وعمل ومعرفة بالقلب يزيد وينقص وان القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق وان الله تعالى يرى في الاخره ينظر إليه المؤمنين عيانا جهارا ويسمعون كلامه وانه فوق العرش وان القدر خيره وشره من الله تعالى لا يكون الا ما اراد الله تعالى وقضاه وقدره وان خير الناس بعد رسول الله ﷺ أبو بكر وعمر وعثمان وعلي بن أبي طالب رضوان الله تعالى عنهم اجمعين واتولاهم واستغفر لهم ولأهل الجمل وصفين القاتلين والمقتولين وجميع أصحاب النبي ﷺ اجمعين والسمع والطاعه لأولي الأمر ما داموا يصلون والولاة لا يخرج عليهم بالسيف والخلافة في قريش وان قليل ما اسكر كثيره خمر والمتعة حرام وأوصي بتقوى الله تعالى ولزوم السنة والآثار عن رسول الله ﷺ وأصحابه وترك البدع والأهواء واجتنابها واتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون فإنها وصية الأولين والآخرين وان من يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لايحتسب واتقوا الله ما استطعتم وعليكم بالجمعة والجماعة ولزوم السنة والإيمان والتفقه في الدين ومن حضرني منكم فليلقني شهادة ان لااله الا الله وحده لا
شريك له وان محمدا عبده ورسوله وتعاهدوا والأظفار والشارب قبل الوفاة ان شاء الله واذا حضرت فإن كان عندي حائض فلتقم وليدخنوا عند فراشي
قال شيخ الاسلام وأخبرنا أبو يعلى الخليل بن عبدالله الحافظ أنبأنا أبو القاسم بن علقمة الأبهري حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازية عن أبي شعيب وابي ثور عن أبي عبد الله محمد بن ادريس الشافعي
رضي الله عنه قال القول في السنة التي أنا عليها ورأيت أصحابنا عليها أصحاب الحديث الذين رأيتهم فأخذت عنهم مثل سفيان ومالك وغيرهما الإقرار بشهادة ان لااله الا الله وان محمدا رسول الله وذكر شيئا ثم قال وان الله على عرشه في سمائه يقرب من خلفه كيف شاء وان الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا كيف شاء وذكر سائر الاعتقاد
وبهذا الاسناد قال عبد الرحمن بن أبي حاتم حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال سمعت ابا عبد الله محمد بن ادريس الشافعي رضي الله عنه يقول وقد سئل عن صفات الله تعالى وما يؤمن به فقال الله تعالى اسماء وصفات جاء بها كتابه وأخبر بها نبيه ﷺ امته لا يسع احدا من خلق الله تعالى قامت عليه الحجه ردها لأن القرآن نزل بها وصح عن رسول ﷺ القول بها فيما روى عنه العدل فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه فهو كافر فاما قبل ثبوت الحجة عليه فمعذور بالجهل لأن علم ذلك لايدرك بالعقل ولا بالروية والفكر ولا يفكر بالجهل بها أحد الا بعد انتهاء الخبر إليه بها ونثبت هذه الصفات وننفي عنها التشبه كما نفى التشبه عن نفسه فقال تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير
وقال الشافعي رحمة الله عليه خلافة أبي بكر رضي الله عنه
حق قضاها الله في سمائه وجمع عليها قلوب أصحاب نبيه ﷺ
أخبرنا الشيخ أبو الفتح محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن سلمان قال أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي بن الحسين بن زكريا الطريثيثي قال أنبأنا أبو القاسم هبة الله بن الحسن أنبأنا محمد بن المظفر المقرئ حدثنا الحسن بن محمد بن حبيش المقرئ ثنا أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن أبي حاتم ح وقرأت على أبي الفضل عبد الله بن أحمد بن محمد بن عبد القاهر الطوسي بالموصل قال أخبركم أبو الحسن علي بن محمد بن علي ابن محمد العلاف أنبا أبو القاسم بن بشران أنبأ أبو الحسن علي بن عبد العزيز بن مدرك أنبأ أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم قال سألت أبي وأبا زرعه عن مذاهب أهل السنة في اصول الدين وما ادركا عليه العلماء في جميع الأمصار وما يعتقدان من ذلك فقالا أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازا وعراقا ومصرا وشاما ويمنا فكان من مذاهبهم ان الايمان قول وعمل يزيد وينقص والقرآن كلام الله
غير مخلوق بجميع جهاته والقدر خبره وشره من الله تعالى وان الله تعالى فوق عرشه بائن من خلقه كما وصف نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله بلا كيف احاط بكل شئ علما ليس كمثله شئ وهو السميع البصير
قال أبو القاسم الطبري وجدت في كتاب أبي حاتم محمد بن ادريس ابن المنذر الحنطي مما سمع منه يقول مذهبنا واختيارنا اتباع رسول الله ﷺ وأصحابه والتابعين من بعدهم بإحسان وترك النظر في موضع بدعهم والتمسك بمذاهب أهل الأثر مثل أبي عبد الله أحمد بن حنبل واسحاق بن ابراهيم وابي عبيد القاسم بن سلام والشافعي رحمهم الله تعالى ولزوم الكتاب والسنه ونعتقد ان الله تعالى على عرشه بائن من خلقه ليس كمثله شئ وهو السميع البصير
أنبأنا أبو المطهر القاسم بن الفضل بن عبد الواحد الصيدلاني أنبأنا أحمد بن علي بن خلف أنبأنا أبو عبد الله الحاكم الحافظ قال سمعت محمد بن صالح بن هانئ يقول سمعت ابا بكر محمد بن اسحاق بن خزيمه رحمه
الله تعالى يقول من لم يقر بأن الله تعالى على عرشه قد استوى فوق سبع سمواته فهو كافر به يستتاب فإن تاب والا ضربت عنقه والقي على بعض المزابل حيث لا يتأذى المسلمون ولا المعاهدون بنتن ريح جيفه وكان ماله فيئا لا يرثه أحد من المسلمين إذا المسلم لا يرث من الكافر كما قال النبي ﷺ
وذكر أبو عمر بن عبد البر حديث مالك في الموطأ عن ابن شهاب عن أبي سلمه بن عبد الرحمن وابي عبد الله الأغر جميعا عن أبي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله ﷺ قال ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليله إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل فيقول من يدعوني فاستجب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له وقال هذا حديث ثابت من جهة النقل صحيح الاسناد لايختلف أهل الحديث في صحته وهو حديث منقول من طرق سوى هذه من أخبار العدول عن النبي ﷺ وفيه دليل على ان الله تعالى في السماء على العرش من فوق سبع سموات كما قالت الجماعة وهو من حجتهم على
المعتزلة وقولهم ان الله بكل مكان
قال والدليل على صحة قول أهل الحق قوله تعالى الرحمن على العرش استوى وقوله تعالى ثم استوى على العرش وقال سبحانه أأمنتم من في السماء وقال إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه وقال يخافون ربهم من فوق وقال يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه وقال تعالى تعرج الملائكة والروح إليه وقال وهو القاهر فوق عباده وقال ياعيسى اني متوفيك ورافعك الي وقال بل رفعه الله إليه وقد أخبر الله تعالى في موضعين من كتابه عن فرعون انه قال يا هامان ابن لي صرحا لعلي ابلغ الأسباب اسباب السموات فأطلع إلى اله موسى واني لأظنه كاذبا يعني اظن موسى كاذبا في ان له اله في السماء هذه الآيه تدل على ان موسى عليه السلام كان يقول ان الهي في السماء وفرعون يظنه كاذبا
قال ومن الحجه عليهم ايضا في انه على العرش فوق السموات
السبع ان الموحدين اجمعين من العرب والعجم اذا كربهم امر أو نزلت بهم شدة رفعوا ايديهم ووجوههم إلى السماء رافعين لها مشيرين بها إلى السماء يستغثيون الله ربهم تبارك وتعالى وهذا اشهر واعرف عند الخاصة والعامة من ان يحتاج فيه إلى اكثر من حكايته لأنه اضطرار لم يوقفهم عليه أحد ولا انكره عليهم مسلم وقد قال النبي ﷺ للأمه التي اراد مولاها عتقها وكانت عليه رقبة مؤمنة فاختبرها رسول الله ﷺ بأن قال لها اين الله فأشارت إلى السماء وقال لها من انا قالت رسول الله ﷺ قال اعتقها فإنها مؤمنه فاكتفى رسول الله ﷺ منها برفعها رأسها إلى السماء واستغنى بذلك عما سواه
قال أبو عمر أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الوارده كلها في القرآن والسنة والإيمان بها وحملها على الحقيقة لا على المجاز الا انهم لا يكيفون شيئا من ذلك ولا يحدون فيه صفة محصورة واما أهل البدع الجهمية والمعتزلة كلها والخوارج فكلهم ينكرها ولا يحمل منها شيئا
على الحقيقه ويزعمون ان من اقربها مشبه وهم عند من اقربها نافون للمعبود والحق فيما قاله القائلون بما ينطق به كتاب الله وسنة رسوله وهم أئمة الجماعة
والحمد الله رب العالمين على توقفه وهدايته ومعافاته لنا من سلوك طرق أهل البدع كلها
وجدت في آخر جزء فيه حديث جعفر بن محمد بن نصير الخالدي هذه الحكايه بخط كاتب الجزء وقال رأيتها في آخر الجزء ورأيت بخط أبي بكر بن شاذان سمع ابني الحسن هذه الحكاية حدثني من اثق به قال كنا نغسل ميتا وهو على سرير فكشفنا عنه الثوب فسمعناه يقول هو على عرشه وحده هو على عرشه وحده هو على عرشه وحده قال فتفرقنا من عظم ما سمعنا ثم رجعنا فغسلناه
فقد وضح الحق في هذه المسالة بحمد الله تعالى من الحجج القاطعه من الآيات الباهرة والأخبار المتواترة واجماع الصحابة كما ذكروه في اشعارهم ومنثور كلامهم من قول ائمتهم وعامتهم وروايتهم للسنه في ذلك قائلين لها مؤمنين بها مصدقين بما فيها لم ينكر ذلك منهم منكر ولا اعتراض منهم عليه معترض ثم بعدهم عصرا بعد عصر حتى قال الإمامان أبو
زرعه وابو حاتم هذا ما ادركنا عليه العلماء في جميع الأمصار حجازا وعراقا ومصرا ولم يخالف في ذلك غير مبتدع غال أو مفتون ضال واول من خالف في ذلك فيما علمنا الجهم بن صفوان فعاب ذلك عليه وعلى أصحابه الائمة من العلماء والسادة من الفقهاء واستعظموا قولهم وبدعتهم ثم ان الجهمية مضطرون إلى موافقة أهل الاسلام على رفع ايديهم في الدعاء وانتظار الفرج من السماء وقول سبحان ربي الأعلى وتلاوة ما يدل على ذلك من كتاب الله تعالى وسنة رسوله المصطفى ﷺ ثم لايزالون يسمعون من السنة ما يقرع رؤوسهم ويحزن قلوبهم ويسمعون من عامة المسلمين في اسواقهم ومحاوراتهم من ذلك ما يغيظهم لا يستطيعون له ردا ولا يجدون من سماعه بدا وليس لهم في بدعتهم هذه حجة من كتاب الله ولا سنة ولا قول صحابي ولا امام مرضي الا اتباع الهوى ومخالفة سنة المصطفى ﷺ وائمة الهدى ومن وفقه الله تعالى لاتباع صراطه المستقيم والاقتداء بنبيه الصادق الأمين واتباع صحابته الغر الميامين ورضي لنفسه ما رضى به ائمة المسلمين وعامة المؤمنين اراح نفسه في الدنيا من مخالفة المسلمين و امن في الاخره من العذاب الأليم وآتاه الله الاجر العظيم وهداه إلى الصراط المستقيم وانعم عليه بمرافقة النبين وأصحاب اليمين بدليل قول الله تعالى ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبين والصدقين والشهدآء والصالحين
جعلنا الله سبحانه تعالى ممن هداه إلى صراطه المستقيم ووفق لاتباع رضى رب العالمين والإقتداء بنبيه محمد خاتم النبيين والسلف
الصالحين برحمته انه ارحم الراحمين آمين
 
آخر الجزء والحمدالله وحده وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبين وسيد المرسلين وعلى آله وصحبه اجمعين وسلم تسليما كثيرا
=============

الأربعاء، 9 مارس 2022

كتاب تجريد التوحيد المفيد لأحمد بن علي المقريزي

تجريد التوحيد المفيد لأحمد بن علي المقريزي
محتويات الكتاب 

 
1 (توحيد الله)
2 (شرك الأمم)
3 (الشرك شركان)
4 (حقيقة الشرك)
5 (ظن السوء)
6 (عبادة الله تعالى)
7 (التحقيق من العبادة)
8 (أفضل العبادة)
9 (منفعة العبادة)
10 (قواعد العبادة)

بسم الله الرحمن الرحيم

 
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، وصلى الله على نبينا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد
فهذا الكتاب جم الفوائد بديع الفرائد ينتفع به من أراد الله والدار الآخرة، سميته «تجريد التوحيد المفيد»، والله أسأل العون على العمل به بمنه.
اعلم أن الله سبحانه هو رب كل شيء ومالكه وإلهه. فالرب مصدر ربَّ، يَرُبُّ، رَبًّا.. فهو رب. فمعنى قوله تعالى { رَبِّ العالَمينَ } رابَّ العالمين. فإن الرب سبحانه وتعالى هو الخالق الموجد لعباده القائم بتربيتهم وإصلاحهم المتكفل بصلاحهم، من خلق ورزق وعافية وإصلاح دين ودنيا.
والألوهية كون العباد يتخذونه سبحانه محبوبا مألوها، ويفردونه بالحب والخوف والرجاء والإخبات والتوبة والنذر والطاعة والطلب والتوكل، ونحو هذه الأشياء.
فإن التوحيد حقيقته أن ترى الأمور كلها من الله تعالى رؤية تقطع الالتفات إلى الأسباب والوسائط؛ فلا ترى الخير والشر إلا منه تعالى. وهذا المقام يثمر التوكل وترك شكاية الخلق وترك لومهم والرضا عن الله تعالى والتسليم لحكمه.
وإذا عرفت ذلك فاعلم أن الربوبية منه تعالى لعباده، والتأله[1] من عباده له سبحانه. كما أن الرحمة هي الوصلة بينهم وبينه عز وجل.

 
(توحيد الله)
واعلم أن أنفس الأعمال وأجلها قدرا توحيد الله تعالى. غير أن التوحيد له قشران:
الأول أن تقول بلسانك لا إله إلا الله، ويسمى هذا القول توحيدا. وهو مناقض للتثليث الذي تعتقده النصارى، وهذا التوحيد يصدر أيضا من المنافق الذي يخالف سرُّه جهرَه.
والقشر الثاني أن لا يكون في القلب مخالفة ولا إنكار لمفهوم هذا القول؛ بل يشتمل القلب على اعتقاد ذلك والتصديق به. وهذا هو توحيد عامة الناس.
ولباب التوحيد أن يرى الأمور كلها لله تعالى، ثم يقطع الالتفات إلى الوسائط، وأن يعبده سبحانه عبادة يفرده بها ولا يعبد غيره.
ويخرج عن هذا التوحيد اتباع الهوى، فكل من اتبع هواه فقد اتخذ هواه معبوده. قال الله تعالى: { أفرأيت من اتخذ إلهه هواه }.
وإذا تأملت عرفت أن عابد الصنم لم بعبده؛ إنما عبد هواه، وهو ميل نفسه إلى دين آبائه، فيتبع ذلك الميل. وميل النفس إلى المألوفات أحد المعاني التي يعبر عنها بالهوى.
ويخرج عن هذا التوحيد السخط على الخلق والالتفات إليهم. فإن من يرى الكل من الله، كيف يسخط على غيره أو يأمل سواه؟ وهذا التوحيد مقام الصديقين.
ولا ريب أن توحيد الربوبية لم ينكره المشركون، بل أقروا بأنه سبحانه وحده خالقهم وخالق السموات والأرض والقائم بمصالح العالم كله؛ وإنما أنكروا توحيد الألوهية والمحبة، كما قد حكى الله تعالى عنهم في قوله: { ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله }.
فلما سووا غيره به في هذا التوحيد كانوا مشركين، كما قال الله تعالى: { الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون }.
وقد علَّم الله سبحانه وتعالى عبادَه كيفية مباينة الشرك في توحيد الإلهية، وأنه تعالى حقيق بإفراده وليا وحكما وربا. فقال تعالى: { قل أغير الله أتخذ وليا } وقال { أفغير الله أبتغي حكما } وقال { قل أغير الله أبغي ربا }.
فلا ولي ولا حكم ولا رب إلا الله، الذي من عدل به غيره فقد أشرك في ألوهيته ولو وحد ربوبيته. فتوحيد الربوبية هو الذي اجتمعت عليه الخلائق مؤمنها وكافرها؛ وتوحيد الألوهية مفرق الطرق بين المؤمنين والمشركين. ولهذا كانت كلمة الإسلام «لا إله إلا الله». ولو قال "لا رب إلا الله" أجزأه عند المحققين.
فتوحيد الألوهية هو المطلوب من العباد. ولهذا كان أصل «الله» الإله، كما قال سيبويه، وهو الصحيح، وهو قول جمهور أصحابه إلا من شذ منهم.
وبهذا الاعتبار الذي قررنا به «الإله» وأنه المحبوب لاجتماع صفات الكمال فيه، كان الله هو الاسم الجامع لجميع معاني الأسماء الحسنى والصفات العليا؛ وهو الذي ينكره المشركون، ويحتج الرب سبحانه وتعالى عليهم بتوحيدهم ربوبيته على توحيد ألوهيته، كما قال الله تعالى: { قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ }. وكلما ذكر تعالى من آياته جملة من الجمل، قال عقبها { أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ }، فأبان سبحانه وتعالى بذلك أن المشركين إنما كانوا يتوقفون في إثبات توحيد الألوهية لا الربوبية. على أن منهم من أشرك في الربوبية كما يأتي بعد إن شاء الله تعالى.
وبالجملة فهو تعالى يحتج على منكري الألوهية بإثباتهم الربوبية، والملك هو الآمر الناهي الذي لا يخلق خلقا بمقتضى ربوبيته ويتركهم سدًى معطلين لا يؤمرون ولا ينهون ولا يثابون ولا يعاقبون. فإن الملك هو الآمر الناهي المعطي المانع الضار النافع المثيب المعاقب. ولذلك جاءت الاستعاذة في سورة الناس وسورة الفلق بالأسماء الحسنى الثلاثة: الرب والملك والإله. فإنه لما قال { قل أعوذ برب الناس } كان فيه إثبات أنه خالقهم وفاطرهم، فبقي أن يقال: لما خلقهم هل كلفهم وأمرهم ونهاهم؟ قيل: نعم، فجاء { ملك الناس } فأثبت الخلق والأمر { ألا له الخلق والأمر }. فلما قيل ذلك قيل "فإذا كان ربا موجدا وملكا مكلِّفا فهل يحب ويرغب إليه ويكون التوجه إليه غاية الخلق والأمر؟" قيل { إله الناس } أي مألوههم ومحبوبهم الذي لا يتوجه العبد المخلوق المكلف العابد إلا له. فجاءت الألوهية خاتمة وغاية، وما قبلها كالتوطئة لها. وهاتان السورتان أعظم عَوْذة في القرآن، وجاءت الاستعاذة بهما وقت الحاجة إلى ذلك، وهو حين سُحِر النبي ﷺ وخيل إليه أنه يفعل الشيء ﷺ وما فعله، وأقام على ذلك أربعين يوما كما في الصحيح، وكانت عقد السحر إحدى عشرة عقدة. فأنزل الله المعوِّذتين إحدى عشرة آية، فانحلت بكل آية عقدة، وتعلقت الاستعاذة في أوائل القرآن باسمه الإله، وهو المعبود وحده لاجتماع صفات الكمال فيه ومناجاة العبد لهذا الإله الكامل ذي الأسماء الحسنى والصفات العليا المرغوب إليه في أن يعيذ عبده الذي يناجيه بكلامه من الشيطان الحائل بينه وبين مناجاة ربه. ثم استحب التليق باسم الإله في جميع المواطن الذي فيها « أعوذ بالله من الشيطان الرجيم » لأن اسم الله تعالى هو الغاية للأسماء. ولهذا كان كل اسم بعده لا يتعرف إلا به، فتقول: الله هو السلام المؤمن المهيمن، فالجلالة تعرِّف غيرها، وغيرها لا يعرفها.
والذين أشركوا به تعالى في الربوبية منهم من أثبت معه خالقا آخر، وإن لم يقولوا إنه مكافئ له، وهم المشركون ومن ضاهاهم من القدرية. وربوبيته سبحانه للعالم الربوبية الكاملة المطلقة الشاملة تبطل أقوالهم، لأنها تقتضي ربوبيته لجميع ما فيه من الذوات والصفات والحركات والأفعال.
وحقيقة قول القدرية المجوسية أنه تعالى ليس ربا لأفعال الحيوان ولا تتناولها ربوبيته، إذ كيف يتناول ما لا يدخل تحت قدرته ومشيئته وخلقه؟
(شرك الأمم)
وشرك الأمم كله نوعان، شرك في الألوهية وشرك في الربوبية.
فالشرك في الألوهية والعبادة هو الغالب على أهل الإشراك، وهو شرك عباد الأصنام وعباد الملائكة وعباد الجن وعباد المشايخ والصالحين الأحياء والأموات الذين قالوا "{ ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } ويشفعوا لنا عنده وينالنا بسبب قربهم من الله وكرامته لهم قرب وكرامة"، كما هو المعهود في الدنيا من حصول الكرامة والزلفى [2] لمن يخدم أعوان الملك وأقاربه وخاصته.
والكتب الإلهية كلها من أولها إلى آخرها تبطل هذا المذهب وترده وتقبح أهله وتنص على أنهم أعداء الله تعالى. وجميع الرسل صلوات الله عليهم متفقون على ذلك من أولهم إلى آخرهم. وما أهلك الله تعالى من أهلك من الأمم إلا بسبب هذا الشرك ومن أجله. وأصله الشرك في محبة الله. قال تعالى: { يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله }. فأخبر سبحانه وتعالى أنه من أحب مع الله شيئا غيره كما يحبه فقد اتخذ ندا من دونه. وهذا على أصح القولين في الآية: أنهم يحبونهم كما يحبون الله. وهذا هو العدل المذكور في قوله تعالى: { ثم الذين كفروا بربهم يعدلون }. والمعنى على أصح القولين أنهم يعدلون به غيره في العبادة، فيسوون بينه وبين غيره في الحب والعبادة. وكذلك قول المشركين في النار لأصنامهم { تالله إن كنا لفي ضلال مبين * إذ نسويكم برب العالمين }. ومعلوم قطعا أن هذه التسوية لم تكن بينهم وبين الله في كونه ربهم وخالقهم، فإنهم كانوا كما أخبر الله عنهم مقرين بأن الله تعالى وحده هو ربهم وخالقهم، وأن الأرض ومن فيها لله وحده، وأنه رب السموات السبع ورب العرش العظيم، وأنه سبحانه وتعالى هو الذي بيده ملكوت كل شيء، وهو يجير ولا يجار عليه – وإنما كانت هذه التسوية بينهم وبين الله تعالى في المحبة والعبادة. فمن أحب غير الله تعالى وخافه ورجاه وذل له كما يحب الله تعالى ويخافه ويرجوه فهذا هو الشرك الذي لا يغفره الله، فكيف بمن كان غير الله آثر عنده وأحب إليه وأخوف عنده وهو في مرضاته أشد سعيا منه في مرضاة الله؟ فإذا كان المسوي بين الله وبين غيره في ذلك مشركا فما الظن بهذا؟ فعياذا بالله من أن ينسلخ القلب من التوحيد والإسلام كانسلاخ الحية من قشرها، وهو يظن أنه مسلم موحد. فهذا أحد أنواع الشرك.
والأدلة الدالة على أنه تعالى يجب أن يكون وحده هو المألوه يبطل هذا الشرك ويدحض حجج أهله. وهي أكثر من أن يحيط بها إلا الله، بل كل ما خلقه الله تعالى فهو آية شاهدة بتوحيده. وكذلك كل ما أمر به فخلقه وأمره وما فطر عليه عباده وركبه فيهم من القوى شاهد بأن الله الذي لا إله إلا هو وأن كل معبود سواه باطل وأنه هو الحق المبين – تقدس وتعالى.
وواعجبا كيف يعصى الإله ** أم كيف يجحده الجاحدُ
ولله في كل تحريكة ** وتسكينة أبدا شاهدُ
وفي كل شيء له آيةٌ ** تدل على أنه واحدُ
والنوع الثاني من الشرك: الشرك به تعالى في الربوبية كشرك من جعل معه خالقا آخر كالمجوس وغيرهم الذين يقولون بأن العالم رَبَّيْن أحدهما خالق الخير، يقولون له بلسان الفارسية يزدان، والآخر خالق الشر ويقولون له بلسان الفارسية أهرمن؛ وكالفلاسفة ومن تبعهم الذين يقولون بأنه لم يصدر عنه إلا واحد بسيط، وأن مصدر المخلوقات كلها عن العقول والنفوس، وأن مصدر هذا العالم عن العقل الفعال فهو رب كل ما تحته ومدبره. وهذا شر من شرك عباد الأصنام والمجوس والنصارى، وهو أخبث شرك في العالم، إذ يتضمن من التعطيل وجحد الألوهية والربوبية واستناد الخلق إلى غيره سبحانه وتعالى ما لم يتضمنه شرك أمة من الأمم.
وشرك القدرية مختصر من هذا وباب يُدخل منه إليه. ولهذا شبههم الصحابة رضي الله عنهم بالمجوس كما ثبت عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم. وقد روى أهل السنن في ذلك مرفوعا أنهم مجوس هذه الأمة.
وكثيرا ما يجتمع الشركان في العبد وينفرد أحدهما عن الآخر.
والقرآن الكريم بل الكتب المنزلة من عند الله تعالى كلها مصرحة بالرد على أهل هذا الإشراك، كقوله تعالى: { إياك نعبد } فإنه ينفي شرك المحبة والإلهية، وقوله: { وإياك نستعين } فإنه ينفي شرك الخلق والربوبية؛ فتضمنت هذه الآية تجريد التوحيد لرب العالمين في العبادة وأنه لا يجوز إشراك غيره معه لا في الأفعال ولا في الألفاظ ولا في الإرادات. فالشرك به في الأفعال كالسجود لغيره سبحانه وتعالى، والطواف بغير بيته المحرم، وحلق الرأس عبودية وخضوعا لغيره، وتقبيل الأحجار غير الحجر الأسود الذي هو يمينه في الأرض، وتقبيل القبور واستلامها والسجود لها. وقد لعن النبي
ﷺ من اتخذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد، فكيف من اتخذ القبور أوثانا تعبد من دون الله تعالى - { إياك نعبد }. وفي الصحيح عنه ﷺ أنه قال: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» يحذّر ما صنعوا؛ وفيه عنه أيضا: «إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد»؛ وفيه أيضا عنه ﷺ: «إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد؛ ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك»؛ وفي مسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان عنه ﷺ: «لعن الله زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسُّرُج»، وقال: «اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، وقال: «إن من كان قبلكم كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله».
والناس في هذا الباب - أعني زيارة القبور - على ثلاثة أقسام:
قوم يزورون الموتى فيدعون لهم؛ وهذه الزيارة الشرعية.
وقوم يزورونهم يدعون بهم؛ فهؤلاء هم المشركون في الألوهية والمحبة.
وقوم يزورونهم فيدعونهم أنفسَهم؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم لا تجعل قبري وثنا يُعبد»؛ وهؤلاء هم المشركون في الربوبية.
وقد حمى النبي جانب التوحيد أعظم حماية تحقيقا لقوله تعالى { إياك نعبد }، حتى نهى عن الصلاة في هذين الوقتين لكونه ذريعة إلى التشبيه[3] بعباد الشمس الذين يسجدون لها في هاتين الحالتين، وسد الذريعة بأن منع من الصلاة بعد العصر والصبح لاتصال هذين الوقتين بالوقتين اللذين يسجد المشركون فيهما للشمس.
وأما السجود لغير الله تعالى فقد قال عليه الصلاة والسلام: «لا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد إلا لله». ولا ينبغي في كلام الله ورسوله إنما يستعمل للذي هو في غاية الامتناع، كقوله تعالى { وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا } وقوله تعالى { وما علمناه الشعر وما ينبغي له } وقوله تعالى { وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم } وقوله تعالى { ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك أولياء }.
ومن الشرك بالله تعالى المباين لقوله تعالى { إياك نعبد } الشرك به في اللفظ كالحلف بغيره كما رواه الإمام أحمد وأبو داود عنه أنه قال: «من حلف بغير الله فقد أشرك». صححه الحاكم وابن حبان؛ قال ابن حبان: أخبرنا الحسن وسفيان، ثنا عبد الله بن عمر الجعفي، ثنا عبد الرحمن بن سليمان، عن الحسن بن عبد الله النخعي، عن سعيد بن عبيدة قال: كنت عند ابن عمر فحلف رجل بالكعبة فقال ابن عمر: ويحك لا تفعل فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من حلف بغير الله فقد أشرك».
ومن الإشراك قول القائل لأحد من الناس: " ما شاء الله وشئت " كما ثبت عن النبي أنه قال له رجل: ( ما شاء الله وشئتَ ) فقال: «أجعلتني لله نِدا؟ قل ما شاء الله وحده ». هذا مع أن الله قد أثبت للعبد مشيئة كقوله تعالى { لمن شاء منكم أن يستقيم }؛ فكيف بمن يقول: ( أنا متوكل على الله وعليك ) و ( أنا في حسب الله وحسبك ) و ( ما لي إلا الله وأنت ) و ( هذا من الله ومنك ) و ( هذا من بركات الله وبركاتك ) و ( الله لي في السماء وأنت لي في
الأرض )؛ وَزِنْ بين هذا الألفاظ الصادرة من غالب الناس اليوم وبين ما نهى الله عنه من ( ما شاء الله وشئت ) ثم انظر أيها أفحش يتبين لك أن قائلها أولى بالبعد من { إياك نعبد } وبالجواب من النبي لقائل تلك الكلمة وأنه إذا كان قد جعل رسول الله ندا فهذا قد جعل من لا يدانيه لله ندا.
وبالجملة: فالعبادة المذكورة في قوله تعالى { إياك نعبد } هي السجود والتوكل والإنابة والتقوى والخشية والتوبة والنذور والحلف والتسبيح والتكبير والتهليل والتحميد والاستغفار وحلق الرأس خضوعا وتعبدا والدعاء؛ كل ذلك محض حق الله تعالى.
وفي مسند الإمام أحمد أن رجلا أُتي به النبي ﷺ قد أذنب ذنبا، فلما وقف بين يديه قال: ( اللهم إني أتوب إليك ولا أتوب إلى محمد )، فقال: «عرف الحق لأهله». وأخرجه الحاكم من حديث الحسن عن الأسود بن سريع وقال حديث صحيح.
وأما الشرك في الإرادات والنيات فذلك البحر الذي لا ساحل له، وقلّ من ينجو منه؛ فمن نوى بعمله غير وجه الله تعالى فلم يقم بحقيقة قوله { إياك نعبد }؛ فإن { إياك نعبد } هي الحنيفية ملة إبراهيم التي أمر الله بها عباده كلهم، ولا يقبل من أحد غيرها، وهي حقيقة الإسلام { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة في الخاسرين }؛ فاستمسك بهذا الأصل ورُدَّ ما أخرجه المبتدعة والمشركون إليه تتحقق معنى كلمة الإلهية.
فإن قيل المشرك إنما قصد تعظيم جناب الله تعالى وإنه لعظمته لا ينبغي الدخول عليه إلا بالوسائط والشفعاء كحال الملوك، فالمشرك لم يقصد الاستهانة بجناب الربوبية وإنما قصد تعظيمه، وقال { إياك نعبد } وإنما أعبد هذه الوسائط لتقربني إليه وتدخل بي عليه، فهو الغاية وهذه وسائل؛ فَلِم كان هذا القدر موجبا لسخط الله تعالى وغضبه ومخلدا في النار وموجبا لسفك دماء أصحابه واستباحة حريمهم وأموالهم، وهل يجوز في العقل أن يشرع الله تعالى لعباده التقرب إليه بالشفعاء والوسائط، فيكون تحريم هذا إنما استفيد بالشرع فقط؟ أم ذلك قبيح في الشرع والعقل يمنع أن تأتي به شريعة من الشراع؟ وما السر في كونه لا يُغفر من بين الذنوب كما قال تعالى { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء }؟
(الشرك شركان)
قلنا: الشرك شركان: شرك يتعلق بذات المعبود وأسمائه وصفاته وأفعاله، وشرك في عبادته ومعاملته وإن كان صاحبه يعتقد أنه سبحانه وتعالى لا شريك له في ذاته ولا في صفاته.
وأما الشرك الثاني فهو الذي فرغنا من الكلام فيه وأشرنا إليه الآن، وسنشبع الكلام فيه إن شاء الله تعالى.
أما الشرك الأول فهو نوعان:
أحدهما: شرك التعطيل، وهو أقبح أنواع الشرك كشرك فرعون في قوله { وما رب العالمين } وقال { يا هامان ابنِ لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا }. والشرك والتعطيل متلازمان؛ فكل مشرك معطل، وكل معطل مشرك، لكن الشرك لا يستلزم أصل التعطيل، بل قد يكون المشرك مقرا بالخالق سبحانه وتعالى وصفاته ولكنه معطله حق التوحيد.
وأصل الشرك وقاعدته التي يرجع إليها هو التعطيل، وهو ثلاثة أقسام. أحدها تعطيل المصنوع عن صانعه. الثاني تعطيل الصانع عن كماله الثابت له. الثالث تعطيل معاملته عما يجب على العبد من حقيقة التوحيد.
ومن هذا شرك أهل الوحدة.
ومنه شرك الملاحدة القائلين بقدم العالم وأبديته، وأن الحوادث بأسرها مستندة إلى أسباب ووسائط اقتضت إيجادها، ويسمونها: العقول والنفوس.
ومنه شرك معطلة الأسماء والصفات كالجهمية والقرامطة وغلاة المعتزلة.
النوع الثاني شرك التمثيل، وهو شرك من جعل معه إلها آخركالنصارى في المسيح، واليهود في عزير، والمجوس القائلين بإسناد حوادث الخير إلى النور وحوادث الشر إلى الظلمة؛ وشرك القدرية المجوسية مختصر منه.
وهؤلاء أكثر مشركي العالم، وهم طوائف جمة:
منهم من يعبد أجزاء أرضية. ومن هؤلاء من يزعم أن معبوده أكبر الآلهة. ومنهم من يزعم أن إلهه من جملة الآلهة. ومنهم من يزعم أنه إذا خصه بعبادته والتبتل إليه أقبل عليه واعتنى به. ومنهم من يزعم أن معبوده الأدنى يقربه إلى الأعلى الفوقاني، والفوقاني يقربه إلى من هو فوقه، حتى تقربه تلك الآلهة إلى الله سبحانه وتعالى؛ فتارة تكثر الوسائط، وتارة تقل.
(حقيقة الشرك)
فإذا عرفت هذه الطوائف وعرفت اشتداد نكير الرسول على من أشرك به تعالى في الأفعال والأقوال والإرادات كما تقدم ذكره انفتح لك باب الجواب عن السؤال، فنقول:
اعلم أن حقيقة الشرك تشبيه الخالق بالمخلوق وتشبيه المخلوق بالخالق. أما الخالق فإن المشرك شبه المخلوق بالخالق في خصائص الإلهية، وهي التفرد بملك النفع والضر والنفع والعطاء والمنع؛ فمن علق ذلك بمخلوق فقد شبهه بالخالق تعالى وسوى بين التراب ورب الأرباب؛ فأي جور وذنب أعظم من هذا؟
واعلم أن من خصائص الإلهية الكمال المطلق من جميع الوجوه الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه؛ وذلك يوجب أن تكون العبادة له وحده عقلا وشرعا وفطرة؛ فمن جعل ذلك لغيره فقد شبه الغير بمن لا شبيه له، ولشدة قبحه وتضمنه غاية الظلم أخبر من كتب على نفسه الرحمة أنه لا يغفره أبدا.
ومن خصائص الإلهية العبودية التي لا تقوم إلى على ساق الحب والذل؛ فمن أعطاهما لغيره فقد شبهه بالله تعالى في خالص حقه. وقبح هذا مستقر في العقول والفِطر، لكن لما غيرت الشياطين فطر أكثر الخلق واجتالهم عن دينهم وأمرتهم أن يشركوا به ما لم ينزل به سلطانا كما روى عن الله أعرف الخلق به وبخلقه، عَمُوا عن قبح الشرك حتى ظنوه حسنا.
ومن خصائص الإلوهية السجود؛ فمن سجد لغير فقد شبهه به.
ومنها التوكل؛ فمن توكل على غيره فقد شبهه به.
ومنها التوبة؛ فمن تاب لغيره فقد شبهه به.
ومنها الحلف باسمه؛ فمن حلف بغير فقد شبهه به.
ومنها الذبح له؛ فمن ذبح لغيره فقد شبهه به.
ومنها حلق الرأس - إلى غير ذلك - هذا في جانب التشبيه.
وأما في جانب التشبه، فمن تعاظم وتكبر ودعى الناس إلى إطرائه ورجائه ومخافته فقد تشبه بالله ونازعه في ربوبيته؛ وهو حقيق بأن يهينه الله غاية الهوان، ويجعله كالذر تحت أقدام خلقه.
وفي الصحيح عنه أنه قال: «يقول الله عز وجل: العظمة إزاري، والكبرياء ردائي؛ فمن نازعني في واحد منهما عذبته».
وإذا كان المصور الذي يصنع الصور بيده من أشد الناس عذابا يوم القيامة لتشبهه بالله في مجرد الصنعة، فما الظن بالمتشبِّه بالله في الربوبية والإلوهية، كما قال ﷺ: «أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون، يقال لهم أحيوا ما خلقتم». وفي الصحيح عنه أنه قال: «يقول الله عز وجل: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة، فليخلقوا شعيرة». فنبه بالذرة والشعيرة على ما هو أعظم منهما.
وكذلك من تشبه به تعالى في الاسم الذي لا ينبغي إلا له، كملك الملوك وحاكم الحكام وقاضي القضاة، ونحوه؛ قد ثبت في الصحيح عن النبي أنه قال: «إن أَخنع الأسماء عند الله رجل تسمى بشاهنشاه ملك الملوك، لا مالك إلا الله»، وفي لفظ: «أغيظ رجل عند الله رجل تسمى ملك الأملاك ».
وبالجملة: فالتشبيه والتشبه هو حقيقة الشرك. ولذلك كان من ظن أنه إذا تقرب إلى غيره بعبادة ما يقربه ذلك الغير إلى الله تعالى فإنه يخطئ لكونه شبهه به وأخذ ما لا ينبغي إلا له. فالشرك منعه سبحانه حقه؛ فهذا قبيح عقلا وشرعا، ولذلك لم يشرع ولم يغفر لفاعله.
(ظن السوء)
واعلم أن الذي ظن أن الرب سبحانه وتعالى لا يسمع له أو لا يستجيب له إلا بواسطة تطلعه على ذلك أو تسأل ذلك منه فقد ظن بالله ظن السوء؛ فإنه إن ظن أنه لا يعلم أو لا يسمع إلا بإعلام غيره له وإسماعه فذلك نفي لعلم الله وسمعه وكمال إدراكه، وكفى بذلك ذنبا. وإن ظن أنه يسمع ويرى ولكن يحتاج إلى من يلينه ويعطفه فقد أساء الظن بإفضال ربه وبره وإحسانه وسعة جوده.
وبالجملة فأعظم الذنوب عند الله تعالى إساءة الظن؛ ولهذا يتوعدهم في كتابه على إساءة الظن به أعظم وعيد كما قال تعالى { الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا } وقال تعالى عن خليله إبراهيم عليه السلام { أئفكًا آلهة دون الله تريدون فما ظنكم برب العالمين } أي فما ظنكم أن يجازيكم إذا عبدتم معه غيره وظننتم أنه يحتاج في الاطلاع على ضرورات عباده لمن يكون بابًا للحوائج إليه ونحو ذلك. وهذا بخلاف الملوك فإنهم يحتاجون إلى الوسائط ضرورة لحاجتهم وعجزهم وضعفهم وقصور علمهم عن إدراك حوائج المضطرين؛ فأما من لا يشغله سمع عن سمع وسبقت رحمته غضبه وكتب على نفسه الرحمة فما تصنع الوسائط عنده؛ فمن اتخذ واسطة بينه وبين الله تعالى فقد ظن به أقبح الظن؛ ومستحيل أن يَشرَعه لعباده، بل ذلك يمتنع في العقول والفِطَر.
واعلم أن الخضوع والتأله الذي يجعله العبد لتلك الوسائط قبيح في نفسه كما قررناه لا سيما إذا كان المجعول له عبدا للملك العظيم الرحيم القريب المجيب ومملوكا له كما قال تعالى: { ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم }، أي إذا كان أحدكم يأنف أن يكون مملوكه شريكه في رزقه فكيف تجعلون لي من عبيدي شركاء فيما أنا منفرد به وهو الإلوهية التي لا تنبغي لغيري ولا تصلح لسواي؛ فمن زعم ذلك فما قدرني حق قدري ولا عظمني حق تعظيمي.
وبالجملة: فما قدر الله حق قدره من عبد معه من ظن أنه يوصل إليه. قال تعالى: { يأيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا } الآية[4] إلى أن قال تعالى { ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز }. وقال تعالى: { وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون }؛ فما قدر القوي العزيز حق قدره من أشرك معه الضعيف الذليل.
واعلم أنك إذا تأملت جميع طوائف الضلال وجدت أصل ضلالهم راجعا إلى شيئين. أحدهما الظن بالله ظن السوء، ولم يقدروا الرب حق قدره.
فلم يقدره حق قدره من ظن أنه لم يرسل رسولا ولا أنزل كتابا بل ترك الخلق سُدًا وخلقهم عبثا.
ولا قدره حق قدره من نفى عموم قدرته وتعلقها بأفعال عباده من طاعتهم ومعاصيهم وأخرجهما عن خلقه وقدرته.
ولا قدر الله حق قدره أضداد هؤلاء الذين قالوا إنه يعاقب عبده على ما لم يفعله، بل يعاقبه على فعله سبحانه وتعالى؛ وإذا استحال في العقول أن يجبر السيد عبده على فعل ثم يعاقبه عليه فكيف يصدر هذا من أعدل العادلين؛ وقول هؤلاء شر من أشباه المجوس القدرية الأذلين.
ولا قدره حق قدره من نفى رحمته ورضاه ومحبته وغضبه وحكمته مطلقا وحقيقة فعله ولم يجعل له فعلا اختياريا بل أفعاله منفعلة عنه.
ولا قدره حق قدره من جعل له صاحبة وولدا وجعله يحل في مخلوقاته أو جعله عين هذا الوجود.
ولا قدره حق قدره من قال إنه رفع أعداء رسوله وأهلِ بيته وجعل فيهم الملك ووضع أولياء رسوله وأهلَ بيته؛ وهذا يتضمن غاية القدح في الرب - تعالى الله عن قول الرافضة - وهذا مشتق من قول اليهود والنصارى في رب العالمين إنه أرسل ملكا ظالما فادعى النبوة وكذب على الله، ومكث زمنا طويلا يقول أمرني بكذا ونهاني عن كذا، ويستبيح دماء أبناء الله وأحبائه والرب تعالى يظهره ويؤيده ويقيم الأدلة والمعجزات على صدقه ويُقبل بقلوب الخلق وأجسادهم إليه ويقيم دولته على الظهور والزيادة ويذل أعداءه أكثر من ثمانمائة عام. فوازن بين قول هؤلاء وقول إخوانهم من الرافضة تجد القولين سواء.
ولا قدره حق قدره من زعم أنه لا يحيي الموتى ولا يبعث من في القبور ليبين لعباده الذي كانوا فيه يختلفون وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين.
وبالجملة فهذا باب واسع. والمقصود أن كل من عبد مع الله غيره فإنما عبد شيطانا. قال تعالى: { ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان }؛ فما عبد أحد أحدا من بني آدم كائنا من كان إلا وقد وقعت عبادته للشيطان؛ فيستمتع العابد بالمعبود في حصول غرضه، ويستمتع المعبود بالعابد في تعظيمه له وإشراكه مع الله تعالى؛ وذلك غاية رضى الشيطان. ولهذا قال تعالى: { ويوم نحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس } أي من إغوائهم وإضلالهم، { وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم }.
فهذه إشارة لطيفة إلى السر الذي لأجله كان الشرك أكبر الكبائر عند الله وأنه لا يغفر بغير التوبة منه، وأنه موجب للخلود في العذاب العظيم، وأنه ليس تحريمه قبحه بمجرد النهي عنه فقط، بل يستحيل على الله سبحانه وتعالى أن يشرع لعباده عبادة إله غيره كما يستحيل عليه ما يناقض أوصاف كماله ونعوت جلاله.
(عبادة الله تعالى)
واعلم أن الناس في عبادة الله تعالى والاستعانة به أقسام:
أجلها وأفضلها أهل العبادة والاستعانة بالله عليها؛ فعبادة الله غاية مرادهم، وطلبهم منه أن يعينهم عليها ويوفقهم للقيام بها نهاية مقصودهم؛ ولهذا كان أفضل ما يسأل الرب الإعانة على مرضاته، وهو الذي علمه النبي لمعاذ فقال: «يا معاذ والله إني أحبك فلا تدع أن تقول في دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك »؛ فأنفع الدعاء طلب العون على مرضاته تعالى.
ويقابل هؤلاء القسم الثاني: المعرضون عن عبادته والاستعانة به، فلا عبادة لهم ولا استعانة، بل إن سأله تعالى أحدُهم واستعان به فعلى حظوظه وشهواته؛ والله سبحانه وتعالى يسأله من في السموات ومن في الأرض، ويسأله أولياؤه وأعداؤه، فيمد هؤلاء وهؤلاء؛ وأبغض خلق الله إبليس ومع هذا أجاب سؤاله وقضى حاجته ومتعه بها، ولكن لما لم تكن عونا على مرضاته كانت زيادة في شقوته وبعده؛ وهكذا كل من سأله واستعان به على ما لم يكن له عونا على طاعته كان سؤاله مبعدا له عن الله. فليتدبر العاقل هذا، وليعلم أن إجابة الله لسؤال بعض السائلين ليست لكرامته عليه بل قد يسأله عبده الحاجة فيقضيها له وفيها هلاكه ويكون منعه منها حماية له وصيانة. والمعصوم من عصمه الله والإنسان على نفسه بصيرة.
وعلامة هذا أنك ترى من صانه الله من ذلك وهو يجهل حقيقة الأمر إذا رآه سبحانه وتعالى يقضي حوائج غيره يسيء ظنه به تعالى وقلبه محشو بذلك وهو لا يشعر. وأمارة ذلك حمله على الأقدار وعتابه في الباطن لها. ولقد كشف الله تعالى هذا المعنى غاية الكشف في قوله تعالى: { فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا } أي ليس كل من أعطيته ونعمته وخولته فقد أكرمته، وما ذاك لكرامته علي، ولكنه ابتلاء مني وامتحان له: أيشكرني فأعطيه فوق ذلك أم يكفرني فأسلبه إياه وأحوله عنه لغيره. وليس كل من ابتليته فضيقت عليه رزقه وجعلته بقدر لا يفضل عنه فذلك من هوانه عليّ، ولكنه ابتلاء وامتحان مني له: أيصبر فأعطيه أضعاف ما فاته أم يسخط فيكون حظه السخط. وبالجملة فأخبر تعالى أن الإكرام والإهانة لا يدوران على المال وسعة الرزق وتقديره، فإنه سبحانه وتعالى يوسع على الكافر لا لكرامته ويقتر على المؤمن لا لهوانه عليه، وإنما يكرم سبحانه وتعالى من يكرم من عباده بأن يوفقه لمعرفته ومحبته وعبادته واستعانته. فغاية سعادة الأبد في عبادة الله والاستعانة به عليها.
القسم الثالث: من له نوع عبادة بلا استعانة، وهؤلاء نوعان:
أحدهما أهل القدر القائلون بأنه سبحانه وتعالى قد فعل بالعبد جميع مقدوره من الألطاف وأنه لم يبق في مقدوره إعانة على الفعل، فإنه قد أعانه بخلق الآلات وسلامتها وتعريف الطريق وإرسال الرسول وتمكينه من الفعل، فلم يبق بعدها إعانة مقدورة يسأله إياها. وهؤلاء مخذولون موكلون إلى أنفسهم مسدود عليهم طريق الاستعانة والتوحيد. قال ابن عباس رضي الله عنهما: الإيمان بالقدر نظام التوحيد، فمن آمن بالله وكذب بقدره نقض توحيده.
النوع الثاني من له عبادة وأوراد ولكن حظهم ناقص من التوكل والاستعانة، لم تتسع قلوبهم لارتباط الأسباب بالقدر وأنها بدون المقدور كالموت الذي لا تأثير له، بل كالعدم الذي لا وجود له وأن القدر كالروح المحرك لها، والمعول على المحرك الأول. فلم تنفذ بصائرهم من السبب إلى المسبب ومن الآلة إلى الفاعل، فقل نصيبهم من الاستعانة. وهؤلاء لهم نصيب من التصرف بحسب استعانتهم وتوكلهم، ونصيب من الضعف والخذلان بحسب قلة استعانتهم وتوكلهم. ولو توكل العبد على الله حق توكله في إزالة جبل عن مكانه لأزاله.
فإن قيل ما حقيقة الاستعانة عملا؟ قلنا هي التي يعبر عنها بالتوكل، وهي حالة للقلب تنشأ عن معرفة الله تعالى وتفرده بالخلق والأمر والتدبير والضر والنفع وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فتوجب اعتمادا عليه وتفويضا إليه وثقة به. فتصير نسبة العبد إليه تعالى كنسبة الطفل إلى أبويه فيما ينوبه من رغبته ورهبته. فلو دهمه ما عسى أن يدهمه من الآفات لم يلتجئ إلى غيرهما، فإن كان العبد مع هذا الاعتماد من أهل التقوى كانت له العاقبة الحميدة. { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } أي كافيه.
القسم الرابع من له استعانة بلا عبادة، وتلك حالة من شهد بتفرد الله بالضر والنفع ولم يدر بما يحبه ويرضاه، فتوكل عليه في حظوظه فأسعفه بها. وهذا لا عاقبة له سواء كانت أموالا أو رياسات أو جاها عند الخلق أو نحو ذلك. فذلك حظه من دنياه وآخرته.
(التحقيق من العبادة)
واعلم أن العبد لا يكون متحققا بعبادة الله تعالى إلا بأصلين. أحدهما متابعة الرسول ﷺ، والثاني إخلاص العبودية. والناس في هذين الأصلين على أربعة أقسام:
أهل الإخلاص والمتابعة، فأعمالهم كلها لله وأقوالهم ومنعهم وعطاؤهم وحبهم وبغضهم؛ كل ذلك لله تعالى. لا يريدون من العباد جزاء ولا شكورا. عدوا الناس كأصحاب القبور لا يملكون ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. فإنه لا يعامل أحد من الخلق إلا لجهله بالله وجهله بالخلق، والإخلاص هو العمل الذي لا يقبل الله من عامل عملا صوابا عاريا منه، وهو الذي ألزم عباده به إلى الموت. قال الله تعالى: { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } وقال: { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا }.
وأحسن العمل أخلصه وأصوبه: فالخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على وفق سنة رسول الله ﷺ.
وهذا هو العمل الحسن المذكور في قوله تعالى: { وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ }. وهو العمل الصالح في قوله تعالى: { فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا }. وهو الذي أمر به النبي ﷺ في قوله: « كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد ».[5]
وكل عمل بلا متابعة فإنه لا يزيد عامله إلا بعدا من الله تعالى، فإن الله تعالى إنما يعبد بأمره لا بالأهواء والآراء.
الضرب الثاني من لا إخلاص له ولا متابعة له. وهؤلاء شرار الخلق، وهم المتزينون بأعمال الخير يراؤون بها الناس. وهذا الضرب يكثر فيمن انحرف عن الصراط المستقيم من المنتسبين إلى الفقه والعلم والفقر والعبادة. فإنهم يرتكبون البدع والضلال والرياء والسمعة ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا. وفي أضراب هؤلاء نزل قوله تعالى: { لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }.
الضرب الثالث: من هو مخلص في أعماله لكنها على غير متابعة الأمر، كجهال العباد والمنتسبين إلى الزهد والفقر وكل من عبد الله على غير مراده.
والشأن ليس في عبادة الله فقط، بل في عبادة الله كما أراد الله.
ومنهم من يمكث في خلواته تاركا للجمعة ويرى ذلك قربة، ويرى مواصلة صوم النهار والقيام بالليل قربة، وأن صيام يوم الفطر قربة، وأمثال ذلك.
الضرب الرابع من أعماله على متابعة الأمر لكنها لغير الله تعالى، كطاعات المرائين وكالرجل يقاتل رياء وسمعة وحمية وشجاعة وللمغنم، ويحج ليقال ويقرأ ليقال ويعلّم ويؤلف ليقال. فهذه أعمال صالحة لكنها غير مقبولة. قال تعالى: { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ } فلم يؤمر الناس إلا بالعبادة على المتابعة والإخلاص فيها. والقائم بهما هم أهل { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }.
(أفضل العبادة)
ثم أهل مقام { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } لهم في أفضل العبادة وأنفعها وأحقها بالإيثار والتخصيص أربعة طرق. وهم في ذلك أربعة أصناف.
الصنف الأول عندهم أنفع العبادات وأفضلها أشقها على النفوس وأصعبها. قالوا لأنه أبعد الأشياء عن هواها، وهو حقيقة التعبد، والأجر على قدر المشقة. ورووا حديثا ليس له أصل: «أفضل الأعمال أحمزها» أي أصعبها وأشقها. وهؤلاء هم أرباب المجاهدات والجور على النفوس. قالوا إنما تستقيم النفوس بذلك إذ طبعها الكسل والمهاونة والإخلاد إلى الراحة، فلا تستقيم إلا بركوب الأهوال وتحمل المشاق.
الصنف الثاني قالوا أفضل العبادات وأنفعها التجرد والزهد في الدنيا والتقلل منها غاية الإمكان وإطراح الاهتمام بها وعدم الاكتراث لما هو منها. ثم هؤلاء قسمان. فعوامهم ظنوا أن هذا غاية فشمروا إليه وعملوا عليه وقالوا هو أفضل من درجة العلم والعبادة، ورأوا الزهد في الدنيا غاية كل عبادة ورأسها. وخواصهم رأوا هذا مقصودا لغيره وأن المقصود به عكوف القلب على الله تعالى والاستغراق في محبته والإنابة إليه والتوكل عليه والاشتغال بمرضاته. فرأوا أفضل العبادات دوام ذكره بالقلب واللسان. ثم هؤلاء قسمان. فالعارفون إذا جاء الأمر والنهي بادروا إليه ولو فرقهم وأذهب جمعهم؛ والمنحرفين منهم يقولون المقصود من القلب جمعيته، فإذا جاء ما يفرقه عن الله لم يلتفتوا إليه، ويقولون:
يطالب بالأوراد من كان غافلا ** فكيف بقلب كل أوقاته ورد
ثم هؤلاء أيضا قسمان. منهم من يترك الواجبات والفرائض لجمعيته؛ ومنهم من يقوم بها ويترك السنن والنوافل ويعلم العلم النافع لجمعيته.
والحق أن الجمعية حظ القلب، وإجابة داعي الله حق الرب، فمن آثر حق نفسه على حق ربه فليس من العباد في شيء.
الصنف الثالث رأوا أن أفضل العبادات ما كان فيه نفع متعد، فرأوه أفضل من النفع القاصر. فرأوا خدمة الفقراء والاشتغال بمصالح الناس وقضاء حوائجهم ومساعدتهم بالجاه والمال والنفع لقولة ﷺ: «الخلق عيال الله، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله».[6] قالوا وعمل العابد قاصر على نفسه، وعمل النافع متعد إلى الغير، فأين أحدهما من الآخر. ولهذا كان فضل العالم على العابد كفضل ليلة البدر على سائر الكواكب. وقد قال ﷺ لعلي: «لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير من حمر النعم». وقال: «من دعى إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيئا»[7]. وقال: «إن العالم يستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في البحر والنملة في جحرها». قالوا وصاحب العبادة إذا مات انقطع علمه وصاحب النفع لا ينقطع عمله ما دام نفعه الذي تسبب فيه. والأنبياء عليهم الصلاة والسلام إنما بعثوا بالإحسان إلى الخلق وهدايتهم ونفعهم في معاشهم ومعادهم، لم يبعثوا بالخلوات والإنقطاع. ولهذا أنكر النبي ﷺ على أولئك النفر الذين هموا بالانقطاع والتعبد وترك مخالطة الناس. ورأى هؤلاء أن التفرغ لنفع الخلق أفضل من الجمعية على الله بدون ذلك. قالوا ومن ذلك العلم والتعليم ونحو هذه الأمور الفاضلة.
الصنف الرابع قالوا أفضل العبادة العمل على مرضاة الرب سبحانه وتعالى وشغل كل وقت بما هو مقتضى ذلك الوقت ووظيفته. فأفضل العبادات في وقت الجهاد الجهاد وإن آل الأمر إلى ترك الأوراد من صلاة الليل وصيام النهار، بل من ترك إتمام الفرائض كما في حالة الأمن. والأفضل في وقت حضور الضيف القيام بحقه والاشتغال به. والأفضل في وقت السحر الاشتغال بالصلاة والقرآن والذكر والدعاء. والأفضل في وقت الأذان ترك ما هو فيه من الأوراد والاشتغال بإجابة المؤذن. والأفضل في أوقات الصلوات الخمس الجد والاجتهاد في إيقاعها على أكمل الوجوه والمبادرة إليها في أول الوقت والخروج إلى المسجد وإن بعد. والأفضل في أوقات ضرورة المحتاج المبادرة إلى مساعدته بالجاه والمال والبدن. والأفضل في السفر مساعدة المحتاج وإعانة الرفقة وإيثار ذلك على الأولاد والخلوة. والأفضل في وقت قراءة القرآن جمعية القلب والهمة على تدبره والعزم على تنفيذ أوامره أعظم من جمعية قلب من جاءه كتاب من سلطان على ذلك. والأفضل في وقت الوقوف بعرفة الاجتهاد في التضرع والدعاء والذكر. والأفضل في أيام عشر ذي الحجة الإكثار من التعبد لا سيما التكبير والتهليل والتحميد، وهو أفضل من الجهاد غير المتعين. والأفضل في العشرة الأواخر من رمضان لزوم المساجد والخلوة فيها مع الاعتكاف والإعراض عن مخالطة الناس والاشتغال بهم، حتى أنه أفضل من الإقبال على تعليمهم العلم وإقرائهم القرآن عند كثير من العلماء. والأفضل في وقت مرض أخيك المسلم أو موته عيادته وحضور جنازته وتشييعه، وتقديم ذلك على خلوتك وجمعيتك. والأفضل في وقت نزول النوازل وإيذاء الناس لك أداء واجب الصبر مع خلطتك لهم. والمؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على آذاهم أو إيذائهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم. وخلطتهم في الخير أفضل من عزلتهم فيه، وعزلتهم في الشر أفضل من خلطتهم فيه. فإن علم أنه إذا خالطهم أزاله وقلله فخلطتهم خير من اعتزالهم.
وهؤلاء هم أهل التعبد المطلق؛ والأصناف التي قبلهم أهل التعبد المقيد؛ فمن خرج أحدهم عن الفرع الذي تعلق به من العبادة وفارقه يرى نفسه كأنه قد نقص وزل عن عبادته فهو يعبد الله تعالى على وجه واحد. وصاحب التعبد المطلق ليس له غرض في تعبد بعينه يؤثره على غيره، بل غرضه تتبع مرضاة الله تعالى: إن رأيت العلماء رأيته معهم، وكذلك في الذاكري، والمتصدقين وأرباب الجمعية وعكوف القلب على الله. فهذا هو الغذاء الجامع للسائر إلى الله بكل طريق والوافد عليه مع كل فريق.
واستحضر هنا حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه وقول النبي بحضوره: «هل منكم أحد أطعم اليوم مسكينا »، قال أبو بكر: أنا، قال: «هل منكم أحد أصبح اليوم صائما »، قال أبو بكر: أنا، قال: «هل منكم أحد عاد اليوم مريضا»، قال أبو بكر: أنا، قال: «هل منكم أحد تبع اليوم جنازة »، قال أبو بكر: أنا … الحديث.
هذا الحديث روي من طريق عبد الغني بن أبي عقيل: حدثنا نُعيم بن سالم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله جالسا في جماعة من أصحابه فقال: «من صام اليوم؟» قال أبو بكر: أنا، قال: «من تصدق اليوم » قال أبو بكر: أنا، قال: «من عاد اليوم مريضا » قال أبو بكر: أنا، قال: «من شهد اليوم جِنازة » قال أبو بكر: أنا، قال: «وجبت لك» يعني: الجنة. ونعيم بن سالم وإن تكلم فيه لكن تابعه سلمة بن وردان. وله أصل صحيح من حديث مالك عن محمد بن شِهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «من أنفق زوجين في سبيل الله نودي في الجنة: يا عبد الله هذا خير؛ فمن كان من أهل الصلاة نودي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد نودي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان»، فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله ما على من يدعى من هذه الأبواب كلها من ضرورة، فهل يدعى أحد من هذه الأبواب كلها؟، قال: «نعم، وأرجو أن تكون منهم». هكذا رواه عن مالك مسندا عنه عن يحيى بن يحيى ومعن بن عيسى وعبد الله بن المبارك. ورواه يحيى بن بكير وعبد الله بن يوسف عن مالك عن ابن شهاب عن حميد مرسلا؛ وليس هو عند القعنبي لا مرسلا ولا مسندا.
ومعنى قوله: «من أنفق زوجين» يعني: شيئين من نوع واحد نحو درهمين أو دينارين أو فرسين أو قميصين، وكذلك: من صلى ركعتين أو مشى في سبيل الله تعالى خطوتين أو صام يومين ونحو ذلك. وإنما أراد والله أعلم أقل التكرار وأقل وجوه المداومة على العمل من وجوه البر لأن الاثنين أقل الجمع.
فهذا كالغيث أين وقع نفع، صحب الله بلا خلق، وصحب الخلق بلا نفس. إذا كان مع الله عزل الخلائق من البين وتخلى عنهم، وإذا كان مع خلقه عزل نفسه عن الوسط وتخلى عنها. فما أغربه بين الناس، وما أشد وحشته منهم، وما أشد أنسه بالله وفرحه به وطمأنيته وسكونه إليه.
(منفعة العبادة)
واعلم أن في منفعة العبادة وحكمتها ومقصودها طرقا أربعة وهم في ذلك أربعة أصناف.
الصنف الأول: نفاة الحِكَم والتعليل الذين يردون الأمر إلى نفس المشيئة وصِرْف الإرادة. فهؤلاء عندهم القيام بها ليس إلا لمجرد الأمر من غير أن يكون سببا لسعادة في معاش ولا معاد ولا سببا لنجاة، وإنما القيام بها لمجرد الأمر ومحض المشيئة، كما قالوا في الخلق "لم يخلق لغاية ولا لعلة هي المقصودة به ولا لحكمة تعود إليه منه، وليس في المخلوق أسباب تكون مقتضيات لمسبباتها، وليس في النار سبب للإحراق، ولا في الماء قوة الإغراق ولا التبريد"؛ وهكذا الأمر عندهم سواء لا فرق بين الخلق والأمر، ولا فرق في نفس الأمر بين المأمور والمحظور، ولكن المشيئة اقتضت أمره بهذا ونهيه عن هذا من غير أن يقوم بالمأمور صفة تقتضي حسنه ولا بالمنهي عنه صفة تقتضي قبحه. ولهذا الأصل لوازم فاسدة وفروع كثيرة.
وهؤلاء غالبهم لا يجدون حلاوة العبادة ولا لذتها ولا يتنعمون بها، ولهذا يسمون الصلاة والصيام والزكاة والحج والتوحيد والإخلاص ونحو ذلك تكاليف، أي كلفوا بها، ولو سمى مدعي محبة ملك من الملوك أو غيره ما يأمره به تكليفا لم يعد محبا له. وأول من صدرت عنه هذه المقالة الجعد بن درهم.
الصنف الثاني: القدرية النفاة الذين يثبتون نوعا من الحكمة والتعليل لا يقوم بالرب ولا يرجع إليه بل يرجع لمحض مصلحة المخلوق ومنفعته؛ فعندهم أن العبادات شرعت أثمانا لما يناله العباد من الثواب والنعيم، وأنها بمنزلة استيفاء الأجير أجره؛ قالوا ولهذا يجعلها الله سبحانه وتعالى عوضا كقوله: { ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون }، { هل تجزون إلا ما كنتم تعلمون }، { ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون }، { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب }. وفي الصحيح: «إنما هي أعمالكم أحصيها عليكم ثم أوفيكم إياها».
قالوا: وقد سماها جزاء وأجرا وثوابا لأنه شيء يثوب إلى العامل من عمله، أي يرجع إليه، قالوا ويدل عليه الموازنة، فلولا تعلق الأعمال بالثواب عوضا عليها لم يكن للموازنة معنى.
وهاتان الطائفتان متقابلتان. فالجبرية لم تجعل للأعمال ارتباطا بالجزاء البتة، وجوزوا أن يعذب الله من أفنى عمره في الطاعة وينعم من أفنى عمره في مخالفته وكلاهما سواء بالنسبة إليه، والكل راجع إلى محض المشيئة. والقدرية أوجبت عليه تعالى رعاية المصالح وجعلت ذلك كله بمحض الأعمال وأن وصول الثواب إلى العبد بدون عمله فيه تنقيص باحتمال منة الصدقة عليه بلا ثمن؛ فجعلوا تفضله سبحانه وتعالى على عبده بمنزلة صدقة العبد على العبد وإعطائه ما يعطيه أجرة على عمله أحب إلى العبد من أن يعطيه فضلا منه بلا عمل، ولم يجعلوا للأعمال تأثيرا في الجزاء البتة.
والطائفتان منحرفتان عن الصراط المستقيم، وهو أن الأعمال أسباب موصلة إلى الثواب؛ والأعمال الصالحات من توفيق الله وفضله، وليست قدرا لجزائه وثوابه، بل غايتها إذا وقعت على أكمل الوجوه أن تكون شكرا على أحد الأجزاء القليلة من نعمه سبحانه وتعالى؛ فلو عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكان رحمته لهم خيرا من أعمالهم.
وتأمّل قوله تعالى: { وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون } مع قوله ﷺ: «لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله»[8] تجد الآية تدل على أن الجنان بالأعمال، والحديث ينفي دخول الجنة بالأعمال؛ ولا تنافي بينهما لأن توارد النفي والإثبات ليس على محل واحد. فالمنفي باء الثمنية واستحقاق الجنة بمجرد الأعمال ردا على القدرية المجوسية التي زعمت أن الفضل بالثواب ابتداء متضمن لتكدير المنة؛ والباء المثبتة التي وردت في القرآن هي باء السببية ردا على القدرية الجبرية الذين يقولون لا ارتباط بين الأعمال وجزائها ولا هي أسباب لها وإنما غايتها أن تكون أَمارة.
والسنة النبوية هي أن عموم مشيئة الله وقدرته لا تنافي ربط الأسباب بالمسببات وارتباطها بها.
وكل طائفة من أهل الباطل تركت نوعا من الحق فإنها ارتكبت لأجله نوعا من الباطل بل أنواعا؛ فهدى الله أهل السنة لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه.
الصنف الثالث الذين زعموا أن فائدة العبادة رياضة النفوس واستعدادها لفيض العلوم والمعارف عليها وخروج قواها من قوى النفس السبعية والبهيمية؛ فلو عطلت العبادة لالتحقت بنفوس السباع والبهائم؛ فالعبادة تخرجها إلى مشابهة العقول فتصير قابلة لانتقاش صور المعارف فيها. وهذا يقوله طائفتان:
إحداهما: من يقرب إلى الإسلام والشرائع من الفلاسفة القائلين بقدم العالم وعدم الفاعل المختار.
والطائفة الثانية: من تفلسف من صوفية الإسلام ويقرب إلى الفلاسفة؛ فإنهم يزعمون أن العبادات رياضات لاستعداد النفوس للمعارف العقلية ومخالفة العوائد.
ثم من هؤلاء من لا يوجد العبادة إلا بهذا المعنى؛ فإذا حصل لها ذلك بقي متحيرا في حفظ أوراده والاشتغال بالوارد منها. ومنهم من يوجب القيام بالأوراد وعدم الإخلال بها؛ وهم صنفان أيضا: أحدهما من يقول بوجوبها حفظا للقانون وضبطا للناموس؛ والآخرون يوجبونها حفظا للوارد وخوفا من تدرج النفس بمفارقتها إلى حالها الأولى من البهيمة.
فهذه نهاية إقدامهم في حكمة العبادة وما شرعت لأجله، ولا تكاد تجد في كتب المتكلمين على طريق السلوك غير طريق من هذه الطرق الثلاث أو مجموعها.
والصنف الرابع هم القائلون بالجمع بين الأمر والقدر والسبب؛ فعندهم أن سر العبادة وغايتها مبني على معرفة حقيقة الإلهية ومعنى كونه سبحانه إلها وأن العبادة موجب الإلهية وأثرها ومقتضاها وارتباطها كارتباط متعلق الصفات بالصفات وكارتباط المعلوم بالعلم والمقدور بالقدرة والأصوات بالسمع والإحسان بالرحمة والإعطاء بالجود؛ فعندهم من قام بمعرفتها على نحو الذي فسرناها به لغة وشرعا مصدرا وموردا استقام له معرفة العبادات وغايتها وعلم أنها هي الغاية التي خلقت لها العباد ولها أرسلت الرسل وأنزلت الكتب وخلقت الجنة والنار.
وقد صرح سبحانه بذلك في قوله: { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون }؛ فالعبادة هي التي ما وجدت الخلائق كلها إلا لأجلها كما قال تعالى: { أيحسب الإنسان أن يترك سدى } أي هملا، قال الشافعي رحمه الله: «لا يُؤمر ولا يُنهى»، وقال غيره: «لا يُثاب ولا يعاقب»، وهما تفسيران صحيحان، فإن الثواب والعقاب مترتب على الأمر والنهي، والأمر والنهي هو طلب العبادة وإرادتها. وحقيقة العبادة امتثالهما؛ ولهذا قال تعالى: { ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا }، وقال تعالى: { وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق }، { وخلق الله السموات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت }؛ فأخبر الله تعالى أنه خلق السموات والأرض بالحق المتضمن أمره ونهيه وثوابه وعقابه. فإذا كانت السموات والأرض إنما خلقتا لهذا وهو غاية الخلق فكيف يقال إنه لا غاية له ولا حكمة مقصودة أو إن ذلك بمجرد استئجار العمال حتى لا يتكدر عليهم الثواب بالمنة أو لمجرد استعداد النفوس للمعارف العقلية وارتياضها لمخالفة العوائد.
وإذا تأمل اللبيب الفرق بين هذه الأقوال وبين ما دل عليه صريح الوحي علم أن الله تعالى إنما خلق الخلق لعبادته الجامعة لكمال محبته مع الخضوع له والانقياد لأمره؛ فأصل العبادة محبة الله بل إفراده تعالى بالمحبة؛ فلا يحب معه سواه، وإنما يحب ما يحبه لأجله وفيه، كما يحب أنبيائه ورسله وملائكته لأن محبتهم من تمام محبته وليست كمحبة من اتخذ من دونه أندادا يحبهم كحبه. وإذا كانت المحبة له هي حقيقة عبوديته وسرها فهي إنما تتحقق باتباع أمره واجتناب نهيه؛ فعند اتباع الأمر والنهي تتبين حقيقة العبودية والمحبة؛ ولهذا جعل سبحانه وتعالى اتباع رسوله ﷺ عَلما عليها وشاهدا لها كما قال تعالى: { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } فجعل اتباع رسوله مشروطا بمحبتهم لله تعالى وشرطا لمحبة الله لهم؛ ووجود المشروط بدون تحقق شرطه ممتنع؛ فعلم انتفاء المحبة عند انتفاء المتابعة للرسول. ولا يكفي ذلك حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما. ومتى كان عنده شيء أحب إليه منهما فهو الإشراك الذي لا يغفره الله. قال تعالى: { قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين }
وكل من قدم قول غير الله على قول الله أو حكم به أو حاكم إليه فليس ممن أحبه؛ لكن قد يشتبه الأمر على من يقدم قول أحد أو حكمه أو طاعته على قوله ظنا منه أنه لا يأمر ولا يحكم ولا يقول إلا ما قال الرسول ﷺ فيطيعه ويحاكم إليه ويتلقى أقواله كذلك، فهذا معذور إذا لم يقدر على غير ذلك. وأما إذا قدر على الوصول إلى الرسول ﷺ وعرف أن غير من اتبعه أولى به مطلقا أو في بعض الأمور كمسألة معينة ولم يلتفت إلى قول الرسول ﷺ ولا إلى من هو أولى به؛ فهذا يخاف عليه، وكل ما يتعلل به من عدم العلم أو عدم الفهم أو عدم إعطاء آلة الفقه في الدين أو الاحتجاج بالأشباه والنظائر أو بأن ذلك المتقدِّم كان أعلم مني بمراده ﷺ فهذه كلها تعللات لا تفيد. هذا مع الإقرار بجواز الخطأ على غير المعصوم إلا أن ينازع في هذه القاعدة فتسقط مكالمته. وهذا هو داخل تحت الوعيد؛ فإن استحل مع ذلك ثلب من خالفه وقرض عرضه ودينه بلسانه وانتقل من هذا إلى عقوبته أو السعي في أذاه فهو من الظلمة المعتدين ونواب المفسدين.
(قواعد العبادة)
واعلم أن العبادة أربع قواعد وهي:
التحقيق بما يحب الله ورسوله ويرضاه؛ وقيام ذلك بالقلب واللسان والجوارح. فالعبودية اسم جامع لهذه المراتب الأربع، فأصحاب العبادة حقا هم أصحابها.
فقول القلب هو اعتقاد ما أخبر الله تعالى عن نفسه وأخبر رسوله عن ربه من أسمائه وصفاته وأفعاله وملائكته ولقائه وما أشبه ذلك.
وقول اللسان الإخبار عن ذلك والدعاء إليه والذب عنه وتبيين بطلان البدع المخالفة له، والقيام بذكره تعالى وتبليغ أمره.
وعمل القلب كالمحبة له والتوكل عليه والإنابة والخوف والرجاء والإخلاص والصبر على أوامره ونواهيه وإقراره والرضا به وله وعنه والموالاة فيه والمعاداة فيه والإخبات إليه والطمأنية، ونحو ذلك من أعمال القلوب التي فرضُها آكد من فرض أعمال الجوارح ومستحبها إلى الله تعالى أحب من مستحب أعمال الجوارح.
وأما أعمال الجوارح فكالصلاة والجهاد ونقل الأقدام إلى الجمعة والجماعات ومساعدة العاجز والإحسان إلى الخلق ونحو ذلك. فقول العبد في صلواته { إياك نعبد } التزام أحكام هذه الأربعة وإقرار بها؛ وقوله { وإياك نستعين } طلب الإعانة عليها والتوفيق لها؛ وقوله { اهدنا الصراط المستقيم } متضمن للأمرين على التفصيل وإلهام القيام بهما وسلوك طريق السالكين إلى الله.
والله الموفق بمنه وكرمه. والحمد لله وحده، وصلى الله على من لا نبي بعده، وآله وصحبه، ووارثيه وحزبه.
قال مؤلفه: صححه جهد الطاقة ومبلغ القدرة جامعه ومؤلفه أحمد بن علي المقريزي في شعبان سنة إحدى وأربعين وثماني مائة.
هامش
صحيح مسلم
--------------------------------------
التعبد
القربى
التشبُّه
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }
في رواية لمسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد»، وفي الصحيحين: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»
ضعفه الألباني في السلسلة: 1900 و3590 لكن في صحيح الجامع 3289: «خير الناس أنفعهم للناس»
صحيح مسلم

===========
المطبوع للمقريزي ويكي

"خطط المقريزي:مطبوع"
 

خطط المقريزي.

خطط المقريزي1. 

خطط المقريزي2.

===========

القرآن الكريم : {المصحف كله وورد}

الرابط https://archive.org/download/sunnahandhadith/UthmanicHafs1-Ex1-Ver12-browser.zip  سورة الفاتحة     القرآن الكريم : بِسْمِ اللَ...